|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [447] الحلقة (479) شرح سنن أبي داود [447] قد تختلف الأحاديث الواردة في القراءات صحة وضعفاً، إلا أن القراءة قد تكون ثابتة بأسانيد ثابتة محفوظة بحفظ الله تعالى، حتى وإن وجد في رسم المصحف ما يخالف ما ثبتت أسانيده أو تواترت قراءته في قراءات أخرى. تابع ما جاء في الحروف والقراءات شرح حديث (كان رسول الله إذا دعا بدأ بنفسه...) قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى عن حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا دعا بدأ بنفسه، وقال: رحمة الله علينا وعلى موسى لو صبر لرأى من صاحبه العجب، ولكنه قال: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي [الكهف:76]) طولها حمزة ]. سبق البدء بكتاب الحروف والقراءات، وعرفنا أن الحروف يحتمل أن يراد بها الأحرف السبعة، ويحتمل أن يكون المراد بها القراءات، ولكن الذي يظهر أن المراد بها القراءات وليس الأحرف السبعة؛ لأن كل الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله في هذا الكتاب إنما هي في القراءات وليس شيئاً منها في الأحرف السبعة، أما الحديث الذي يتعلق بالأحرف السبعة فقد أورده أبو داود رحمه الله في كتاب الوتر حيث قال هناك: [ باب أنزل القرآن على سبعة أحرف ]، وذكر في ذلك الحديث المتعلق بهذا، وعلى هذا فتكون الحروف هنا بمعنى القراءات، والحروف يقال لها قراءات. وسيأتي في كلام أحد القراء تعبيره عن القراءات بالحروف إشارة إلى ما تضمنته هذه الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله في هذا الكتاب الذي هو كتاب الحروف والقراءات، وقد أورد هنا حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا بدأ بنفسه وقال: رحمة الله علينا وعلى موسى)، يعني: في قصته مع الخضر عندما جاء وأشار إلى اجتماعه مع الخضر، وأنه سأل عن أسئلة، وأنه كان لا يصبر على الأشياء التي يراها وهي غريبة وعجيبة، فكان يسأله حتى أنه بعد ذلك قال: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي [الكهف:76]، وبعد ذلك سأله سؤالاً فقال: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا [الكهف:78]. تفاضل الأنبياء قال: (رحمة الله علينا وعلى موسى لو صبر لرأى من صاحبه العجب)، يعني: لرأى من الخضر مثل هذه القصص التي هي عجيبة وغريبة، وهذا كما هو معلوم من إطلاع الله عز وجل للخضر على هذه الأمور، ولا يعني ذلك أنه أفضل من موسى، فموسى عليه الصلاة والسلام أفضل الرسل بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وبعد إبراهيم، فهو يلي الخليلين محمداً وإبراهيم عليهما السلام، وهو من أولي العزم من الرسل. والخضر اختلف فيه هل هو نبي أو ولي؟ ولكن الصحيح أنه نبي وليس بولي؛ لأن ما جاء في سياق هذه الآية التي تتعلق بقصة موسى مع الخضر واضح في أنه نبي، وفي أولها وآخرها ما يدل على ذلك، وأيضاً جاء في نفس الحديث أنه قال لما لقيه: (أنا على علم من الله لا تعلمه، وأنت على علم من الله لا أعلمه)، يعني: كل واحد منهما قد أوحى الله إليه بما شاء، وكونه جاء إلى الخضر وأراد أن يستفيد منه لا يدل على أن المستفاد منه أفضل من موسى، بل أفضل الرسل الخليلان محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام، ثم بعدهما كليم الرحمن موسى عليه الصلاة والسلام. ونبينا محمد أيضاً هو كليم؛ لأنه خليل وكليم، وإبراهيم خليل، وموسى كليم، ونبينا محمد عليه السلام اجتمع فيه ما تفرق في غيره. خرافة الخضر في قصص واعتقاد الصوفية ما جاء في الآيات والأحاديث يدل على أن الخضر نبي وليس بولي، وبعض الناس ولاسيما أهل الخرافة والتصوف يبالغون في مسألة الخضر وأنه موجود في الدنيا، وأنه يلتقي ببعض الناس، وأنه معمر، وأنه باق. وهذا كلام غير صحيح، إذ لو كان الخلد لأحد لكان لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34]، والخضر بشر، فما جعل الله الخلد لأحد قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى يكون له، والله تعالى كتب الموت والفناء على كل حي، فليس الخضر بحي. وقد استدل على ذلك بأدلة منها هذه الآية الكريمة التي أشرت إليها: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34]، وكذلك كون النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر يلجأ إلى الله عز وجل ويفزع إليه، ويسأله أن ينصر العصابة التي معه ويقول: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض) والشاهد أن هؤلاء هم المؤمنون ولو هلكوا فإن الخضر موجود يعبد الله، والرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: (إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض). ثم أيضاً لو كان الخضر موجوداً كيف يكون في الدنيا يسرح ويمرح ولا يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويتشرف بلقائه ولو مرة واحدة؟ وكيف لا يكون معه ويؤيده وينصره؟ إن كل هذا يدل على أنه غير موجود، وأنه قد مات كما مات غيره من الأنبياء الذين تقدموا. وكذلك الحديث الذي فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في آخر حياته، وكان في ليلة من الليالي ورأى طفلاً صغيراً قال: (إنه لن تأتي مائة سنة ونفس تطرف ممن هو موجود الآن), فمعنى هذا أنه لن يبقى أحد بعد مائة سنة من هذا الكلام الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم. وأيضاً: الأدلة تدل على أنه نبي وليس بولي؛ لأن الأولياء إنما يحصلون الخير باتباع الأنبياء، والأولياء لا ينزل عليهم وحي، وإنما يأخذون الوحي والحق والهدى ممن ينزل عليهم الوحي وهم الرسل والأنبياء، إذاً الخضر نبي وليس بولي، وهو ميت وليس بحي. كل هذه أمور تدل على موته وعدم بقائه. موافقة حمزة لقراءة حفص عن عاصم في قراءة (لدني) بالتشديد قال: [ (لرأى من صاحبه العجب، ولكنه قال: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي [الكهف:76]), طولها حمزة ]. قال: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي [الكهف:76]؛ لأنه في المرة الأولى عندما ركب في السفينة وخرقها استغرب وقال: أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا [الكهف71-78]، يعني: بناء على قوله الذي التزمه وأبداه حيث قال: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا [الكهف:76]. وقد أورد أبو داود الحديث من أجل قوله: (( مِنْ لَدُنِّي )) يعني: أنها بالتشديد، وهي قراءة أكثر القراء، ومنهم حمزة الذي جاء في الإسناد، والذي قال عنه أبو داود هنا: [ طولها حمزة ]، يعني: ثقل النون من: (لدُنِّي)؛ لأن في إحدى القراءات (لَدُنِي) وقراءة حمزة وقراءة عاصم بن أبي النجود التي بين أيدينا: (( قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا )). قال: [ طولها حمزة ] وحمزة هو ابن حبيب الزيات أحد القراء السبعة, وقد جاء ذكره في هذا الإسناد. والقراء السبعة هم: حمزة بن حبيب الزيات و نافع بن عبد الرحمن و عاصم بن أبي النجود و ابن عامر و ابن كثير و أبو عمرو بن العلاء و الكسائي . هؤلاء هم القراء السبعة المشهورون أصحاب القراءات السبع، ومنهم حمزة الذي جاء معنا في هذا الإسناد. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا دعا بدأ بنفسه...) قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ]. إبراهيم بن موسى الرازي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عيسى ]. عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حمزة الزيات ]. حمزة بن حبيب الزيات صدوق ربما وهم أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي إسحاق ]. أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ عن أبي بن كعب ]. أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه، صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأحد القراء المشهورين في الصحابة رضي الله تعالى عنه، وهو الذي سأله النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أي آية في كتاب الله أعظم؟ فقال: الله ورسوله أعلم، فقال: أي آية في كتاب الله أعظم؟ فقال: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] فضرب على صدره، وقال: ليهنك العلم أبا المنذر), وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا [البينة:1] قال: أو سماني لك يا رسول الله؟ قال: نعم, فبكى أبي) يعني: فرحاً وسروراً بكون الله أمر رسوله أن يقرأ عليه. مواضع استخدام (لو) في الحديث النبوي قوله في الحديث: [ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه) ]، يعني: عندما يدعو لغيره يبدأ بنفسه، وقد جاء في القرآن في قصة نوح: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا [نوح:28]، فبدأ بنفسه عليه الصلاة والسلام. وقال: (رحمة الله علينا وعلى موسى لو صبر), وقال في حديث آخر: (فإن لو تفتح عمل الشيطان)، فكيف يجمع بينهما؟ نقول: لو هذه تفتح عمل الشيطان إذا كانت فيما يتعلق في الاعتراض على القدر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذه الجملة تابعة لكلام؛ وذلك في حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم في صحيحه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء الله فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) فهذه قالها فيما يتعلق بالقدر، مثلما لو قال: لو أنني ما سافرت ما حصلت لي هذه المشكلة وهذا الحادث, لو أني ما دخلت في هذه التجارة ما خسرت، وهكذا. فلا يعلم الغيب إلا الله، ولكن الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من هذا القبيل؛ لأن هذه قصص عجيبة وغريبة وعنده مثلها، ولو أن موسى صبر لرأى عجباً كما رأى في هذه الأمور العجب. وأما الذي فيه لو تفتح عمل الشيطان فهو من قبيل: (لو أني فعلت لكان كذا وكذا) يعني: شيء حصل له فتألم منه وتأثر، وقال: (لو أني فعلت لكان كذا وكذا). شرح حديث (أنه قرأها (قد بلغت من لدني) وثقلها) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الله العنبري حدثنا أمية بن خالد حدثنا أبو الجارية العبدي عن شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه قرأها: (( قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي ))[الكهف:76] وثقلها) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أبي وأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها: (( قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا )) مثل القراءة السابقة التي قال فيها: [ طولها حمزة ]. قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الله العنبري]. محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الله العنبري ثقة أخرج له أبو داود . [ حدثنا أمية بن خالد ]. أمية بن خالد صدوق أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو الجارية العبدي ]. أبو الجارية العبدي مجهول أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب ]. وقد مر ذكر الأربعة. فائدة في طول وقصر الأسانيد فائدة: أبو الجارية قال عنه الحافظ : من العاشرة. وشعبة كما هو معلوم أدركه بعض شيوخ أبي داود ، ومثل سفيان الثوري و قتيبة بن سعيد ، و محمد بن كثير العبدي ، و مسلم بن إبراهيم الفراهيدي كل هؤلاء أدركوا المتقدمين، فيمكن أن يكون من العاشرة وأن يكون ممن أدرك شعبة. وكما هو معلوم أن الأسانيد تكون عالية وتكون نازلة، ومعلوم أن العلو والنزول المسافة واحدة, ولكن النزول أن يكثر الرواة في سند فيطول، والعلو أن يقل الرواة في سند فيقصر، والمدة هي نفس المدة, فمثلاً أبو داود عنده أحاديث عشارية، وعنده أحاديث رباعية, فله أحاديث بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم عشرة أشخاص, وأخرى بينه وبين الرسول أربعة أشخاص, فيكون الرواة يروي بعضهم عن بعض فينزل السند، وكلهم في مدة واحدة, وكلهم شيوخ لأبي داود فقد يكون فيهم قبل شيخه ثلاثة، وفي بعض الأسانيد قبل شيخه شيخه تسعة أشخاص, وبعض الأحاديث يكون فيها ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض في إسناد واحد، مثل حديث: (إنما الأعمال بالنيات) فإن هذا الحديث يرويه عن عمر بن الخطاب علقمة بن وقاص الليثي وهو من كبار التابعين، ويرويه عن علقمة بن وقاص محمد بن إبراهيم التيمي ، وهو من أوساط التابعين، ويرويه عن محمد بن إبراهيم يحيى بن سعيد الأنصاري وهو من صغار التابعين, فثلاثة من التابعين في إسناد واحد وهم في طبقة واحدة, إلا أن بعضهم من كبارها ومن أوساطها ومن صغارها. والإسناد فيه رجل مجهول، ولكن كما هو معلوم القراءة متواترة، والإسناد الذي قبله صحيح. شرح حديث (... (في عين حمئة) مخففة) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن مسعود بن المصيصي حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا محمد بن دينار حدثنا سعد بن أوس عن مصدع أبي يحيى قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (أقرأني أبي بن كعب رضي الله عنه كما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ [الكهف:86] مخففة). ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن ابن عباس : (أن أبي بن كعب أقرأه كما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ [الكهف:86] مخففة) يعني: ليس فيها مد كالقراءة التي ستأتي وهي (حامية)، وكلها قراءات صحيحة ثابتة، و(حامية) إحدى القراءات، فهذه قراءة وهذه قراءة، (فحمئة) ليس فيها مد. قوله: [ حدثنا محمد بن مسعود المصيصي ]. محمد بن مسعود المصيصي ثقة أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ]. عبد الصمد بن عبد الوارث صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن دينار ]. محمد بن دينار صدوق سيئ الحفظ أخرج له أبو داود و الترمذي . [ حدثنا سعد بن أوس ]. سعد بن أوس صدوق له أغاليط أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن مصدع أبي يحيى ]. مصدع أبي يحيى هو الأعرج مقبول أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن عباس عن أبي بن كعب ]. وقد مر ذكرهما. شرح حديث (إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن الفضل حدثنا وهيب -يعني: ابن عمرو النمري - أخبرنا هارون أخبرني أبان بن تغلب عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة فتضيء الجنة لوجهه كأنها كوكب دري -قال: وهكذا جاء الحديث (دريٌ) مرفوعة الدال لا تهمز- وإن أبا بكر و عمر لمنهم وأنعما) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً قال: (إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة فتضيء الجنة لوجهه كأنها كوكب دري)، يعني: الذي يضيء من فوق الأرض، فكذلك هذا الذي يكون في أعلى الجنة وينظر إلى أهل الجنة دونه، فتضيء الجنة كما يضيء الكوكب الدري للأرض. (وإن أبا بكر و عمر لمنهم وأنعما) يعني: أنهما منهم وهما أهل لذلك الفضل. والحديث ليس فيه ذكر شيء من القراءات، ولكن فيه كلمة قد جاءت في القرآن، وقد جاءت في الحديث هنا: (كوكب دري) يعني: بدون همز، وفيها قراءات متعددة، لكن القراءة المشهورة هي قراءة عاصم التي بين أيدينا: كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ [النور:35] بدون همز، وفي بعض القراءات بهمز. تراجم رجال إسناد حديث (إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة) قوله: [ حدثنا يحيى بن الفضل ] يحيى بن الفضل صدوق أخرج له أبو داود وابن ماجة . [ حدثنا وهيب -يعني: ابن عمرو النمري - ]. وهيب بن عمرو النمري مستور، أخرج له أبو داود و ابن ماجة في التفسير، وكلمة مستور بمعنى مجهول الحال. [ أخبرنا هارون ]. هارون هو ابن موسى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ أخبرني أبان بن تغلب ]. أبان بن تغلب ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عطية العوفي ]. عطية العوفي صدوق يخطئ كثيراً ويدلس، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث في سنده رجل مجهول الحال، وهيب بن عمرو النمري: وفيه أيضاً عنعنة عطية ، ولكن القراءة بهذا اللفظ متواترة. شرح حديث (... أخبرنا عن سبأ ما هو ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و هارون بن عبد الله قالا: حدثنا أبو أسامة حدثني الحسن بن الحكم النخعي حدثنا أبو سبرة النخعي عن فروة بن مسيك الغطيفي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكر الحديث، فقال رجل من القوم: (يا رسول الله! أخبرنا عن سبأ ما هو؛ أرض أم امرأة؟ فقال: ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب، فتيامن ستة وتشاءم أربعة). قال عثمان: الغطفاني مكان الغطيفي، وقال: حدثنا الحسن بن الحكم النخعي ]. أورد أبو داود حديث فروة بن مسيك الغطيفي رضي الله عنه، أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، يعني: أنه يوجد كلام قبل هذا الكلام طوي وأشار إليه بقوله: فذكر الحديث، ووصل إلى الشيء الذي يريده. (فقال رجل من القوم: يا رسول الله! أخبرنا عن سبأ هل هو أرض أو امرأة؟) يعني: هل المقصود بها أرض أم امرأة، وهي التي جاءت في القرآن في موضعين في سورة سبأ وفي سورة النمل: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ [النمل:22]، لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ [سبأ:15]، وهذه الكلمة فيها قراءتان: قراءة الجمهور وهي التي في قراءة عاصم منْ سَبَإٍ [النمل:22] بهمزة مكسورة، وفي قراءة أخرى مع الفتح. (رجل ولد عشرة من العرب فتيامن ستة وتشاءم أربعة)، (تيامن) يعني صاروا في اليمن، (وتشاءم) صاروا في الشام، أي: سنة سكنوا اليمن والأربعة سكنوا الشام. تراجم رجال إسناد حديث (... أخبرنا عن سبأ ما هو ...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ وهارون بن عبد الله ]. هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو أسامة ]. أبو أسامة حماد بن أسامة البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني الحسن بن الحكم النخعي ]. الحسن بن الحكم النخعي صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو سبرة النخعي]. عبد الله بن عابس مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي و ابن ماجة . [ عن فروة بن مسيك ]. فروة بن مسيك رضي الله عنه وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي . [ قال عثمان : (الغطفاني) مكان: (الغطيفي) ]. عثمان هو الشيخ الأول لأبي داود ، لأنه ذكر شيخين عثمان و هارون بن عبد الله ، وهو ساقه على لفظ هارون الشيخ الثاني، فقال: (الغطيفي)، ولما ساقه على لفظ شيخه الثاني أشار إلى الاختلاف الذي بينه وبين الشيخ الأول حيث عبر شيخه الأول بـ(الغطفاني) وهذا عبر بـ(الغطيفي). [ وقال: حدثنا الحكم بن حسن النخعي ]. هارون قال: (حدثني) وعثمان قال: (حدثنا) والفرق بينهما أنهم يستعملون (حدثني) فيما إذا كان التلميذ سمع من الشيخ وحده وليس معه أحد، ولكن إذا حدثه ومعه غيره عبر بـ(حدثنا). شرح حديث (فذلك قوله تعالى (حتى إذا فزع عن قلوبهم) ) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عبدة و إسماعيل بن إبراهيم أبو معمر الهذلي عن سفيان عن عمرو عن عكرمة أنه قال: حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم -قال إسماعيل: عن أبي هريرة رواية- فذكر حديث الوحي، قال: (فذلك قوله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ [سبأ:23]) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذكر حديث الوحي ثم قال: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ [سبأ:23] يعني: القراءة بالتشديد، وهذه هي القراءة المشهورة التي بين أيدينا، وهي قراءة عاصم . قوله: [ حدثنا أحمد بن عبدة ]. أحمد بن عبدة الضبي الكوفي ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ و إسماعيل بن إبراهيم أبو معمر الهذلي ]. إسماعيل بن إبراهيم أبو معمر الهذلي ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن سفيان عن عمرو ]. سفيان هو ابن عيينة ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. وعمرو بن دينار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. عكرمة مولى ابن عباس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثنا أبو هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثرهم على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. [ قال إسماعيل: عن أبي هريرة رواية ]. إسماعيل هو الشيخ الثاني (عن أبي هريرة رواية) يعني ذاك قال: حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وصرح بقوله: (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وأما إسماعيل فقال: (عن أبي هريرة رواية)، ورواية هي بمعنى (حدثنا)، إلا أنها كلمة تؤدي المعنى، ولهذا فقولهم: (رواية أو يرفعه أو ينميه) كل هذه عبارات بمعنى الرفع، فبدلاً من أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، يأتي الراوي عنه فيقول: ينميه، أو يرفعه، أو رواية، أو يرويه. وهذا يبين مدى العناية والدقة التي عند المحدثين؛ لأن أبا داود رحمه الله لما ذكر الإسناد عن طريق الشيخين ذكر أن أحدهما فرق بين إضافته للنبي صلى الله عليه وسلم من أبي هريرة ، فأحدهما قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني قال: عن أبي هريرة رواية، يعني: رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |