أسس النظام السياسي في الإسلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5049 - عددالزوار : 2219511 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4632 - عددالزوار : 1498580 )           »          استخدام Apple Pay للدفع أون لاين على المتصفحات الخارجية.. خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          7 مزايا لاستخدام Apple Pay.. شغلها الآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          كيفية الدفع باستخدام Apple Pay فى المتاجر عبر أيفون وساعة أبل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          كيفية استخدام Apple Pay للدفع عبر الإنترنت أو فى التطبيقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          كيفية إعداد Apple Pay على موبايلك الأيفون.. خطوة بخطوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          Apple Pay.. كل ما تحتاج معرفته عن خدمة الدفع بالأيفون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          احذر من جرائم النصب الإلكتروني.. 7 نصائح هتحميك من الاحتيال عبر التطبيقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          هل يجب ترك الراوتر يعمل أثناء النوم؟.. اعرف رأي الخبراء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم يوم أمس, 06:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,320
الدولة : Egypt
افتراضي أسس النظام السياسي في الإسلام

أسس النظام السياسي في الإسلام (1/ 2)


شريف عبدالعزيز

من أبرز الأمور التي أنتجتها ثورات الربيع العربي مناخ الحرية الذي ساد في هذه البلدان، بعد أن تحطمت القيود والأغلال التي وضعها الطغاة لعقود في هذه البلدان على مشاركة التيارات الإسلامية وأصحاب المشروع الإسلامي في الشأن العام، وبالفعل تشكلت الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وخرج الإسلاميون للعلن وتحدثوا إلى الناس، وبدأت الجماهير المتلهفة على معرفة الحق في الاستماع إليهم والإقبال على منتجاتهم الفكرية والثقافية والعلمية، وهذا الأمر كان نذير حملة شعواء عاتية من العلمانيين الذين وجدوا عروشهم تهتز تحت وطأة الإقبال الجماهيري على أصحاب المشروع الإسلامي، وانطلقت الشائعات والافتراءات ضد التيار الإسلامي ومشروعه السياسي والثقافي والاجتماعي، وتطاولت هذه الأكاذيب والافتراءات حتى نالت جناب الإسلام العظيم نفسه، فزعم العلمانيون ؛كبرت كلمة تخرج من أفواههم: أن الإسلام لا يوجد به نظام سياسي واضح المعالم، وهو بالتالي لا يصلح لقيادة البشرية وحكم الناس، لذلك كان لزاما على الدعاة والعلماء والمخلصين الرد على هذه الافتراءات ودحض هذه الأباطيل والذب عن حياض الدين وإبطال كيد الكائدين، وبيان النظام السياسي في الإسلام ورؤية الشارع في الحكم وأدواته وأسسه وأصوله وطرائقه ونظمه حتى ينقمع كل مدعي مفتر على الدين وأهله.

لا خلاف بين أهل السنة قاطبة بأن الإسلام دين ودولة، ومسألة وجوب الإمامة من المسائل التي تأتي على رأس سلم الإجماع بين علماء السلف والخلف وجماهير المسلمين، حتى أن الصحابة - رضوان الله عليهم - قد قدموا هذه المسألة كأهم الواجبات على دفن صاحب المعجزات صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا في السقيفة واختاروا إمامهم وبايعوه قبل أن يتم الدفن والصلاة، لذلك كانت الشريعة الإسلامية مشتملة على كافة الأدوات والوسائل والأسس التي تقيم النظام الراشد في الحكم والقيادة، وهي شهادة شهد به أعداء الأمة أنفسهم فالمستشرق الشهير " توماس أرنولد " قال: " النبي - صلى الله عليه وسلم - رئيسا للدين، رئيسا للدولة "، وقال المستشرق الصهيوني " جب ": " عندما صار واضحا أن الإسلام ليس مجرد عقائد دينية فردية، فقد استوجب إقامة مجتمع مستقل له أسلوبه المعين في الحكم وله قوانينه وأنظمته الخاصة "، وقال الدكتور فتزجرالد: " ليس الإسلام دينا فحسب، ولكنه نظام سياسي متكامل "

نظام الحكم في الإسلام نظاما فريدا متماشيا مع كون الإسلام خاتم الأديان والرسالات وأشملها ومهيمنا على من سبقه من شرائع وأحكام، فهو نظام لم يشبه من قبله، ولا أتى مثله بعده، فهو ليس ملكيا ولا جمهوريا ولا سلطويا، إنما شمل كل ما في النظم من مزايا وفضائل، وخلا من العيوب والمثالب التي لا يخلو نظام منها إلا النظام الإسلامي، لا يتصادم مع فطرة البشر السوية على مر العصور، ويتسع لمتغيرات كل عصر ويجيب على تساؤلاته، ويحل معضلاته، بكل سهولة ويسر، ذلك أن ثوابته وأسسه أقل بكثير من متغيراته، وهي بمثابة الركائز والقواعد الكلية لأي نظام إسلامي في أي عصر وأي مكان، ومن أهم هذه الثوابت والركائز:

أولا: السيادة للشريعة

السيادة مصطلح فقهي حديث على الفقه الإسلامي، لم يتطرق إليه الفقهاء الأوائل عند حديثهم عن فقه السياسة الشرعية، فالسيادة نظرية فرنسية الأصل نشأت في فرنسا في نهاية القرون الوسطى للدفاع عن سلطة الملك وتمييزا لهم عن سلطة الباباوات تحديدا، ومفادها عدم وجود سلطة أخرى داخل البلاد أعلى من سلطة الملك، وهي بذلك خاصية من خصائص السلطة، ومع تعاقب الزمان تطورت نظرية السيادة لتصبح واحدة من أهم عناصر تكوين الدولة، وكاتبو الدساتير والقانونيون يعرفون السيادة بأنها: "السلطة العليا التي تفردت وحدها بالحق في إنشاء الخطاب الملزم المتعلق بالحكم على الأشياء والأفعال ". ومن هذا التعريف يتضح أن السيادة تتصف بعدة صفات مطلقة نافذة من أبرزها: الوحدانية حيث لا يمكن وجود سياديتين تتنازعان في نفس البلد ،والسمو فهي تعلو على جميع الإرادات والسلطات، والأصالة فهي قائمة بذاتها ولا تستمد سلطانها من أي سلطة أخرى، والعصمة من الخطأ، وهنا يثور تساؤل: بهذه الخصائص والمواصفات القياسية المطلقة لمن تكون إذا السيادة على البلاد ؟

لاشك أن السيادة بهذه الخصائص المطلقة لا يملكها أحد من البشر مهما كان كماله ورقيه الإنساني، إنما يملكها الله - - عز وجل - - وحده لا شريك له، ودستوره المبثوث بنوده في وحييه من الكتاب والسنة ثم إجماع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أما الرؤساء والخلفاء والحكام فهم لا يمثلون هذه السيادة الإلهية أبدا، ولا يمثلون إلا الأمة التي اختارتهم، وسلطته محدودة في النواحي التنفيذية دون التشريعية، وهذا هو الفارق الجوهري الأبرز بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، فالثانية تنص على أن السيادة للأمة أو الشعب، وهو ما يترتب عليه منح حق سن القوانين والتشريعات للبرلمانات التي تمثل جموع الأمة.

ومع اتفاق فقهاء المسلمين على هذه الحقيقة البديهية في أن السيادة المطلقة لله - - عز وجل - -، فقد اختلفوا في مسألة: من يكون صاحب السيادة الذي يمنح السلطان لغيره أو ينزعه منه، وذلك على ثلاثة أقوال:

الأول: أن السيادة لله وحده، ولا أحد يمنح سلطانا لأحد أو ينزعه منه إلا الله - - عز وجل - -، دون أن يكون ذلك للشعب أو الأمة أو البرلمان، فالله - - عز وجل - - له الأمر والنهي، وله الخلق وله الأمر، وهو صاحب الشرع الواجب الإتباع، والآيات على وجوب التحاكم لشرع الله كثيرة.

الثاني: أن السيادة للأمة، فهي صاحبة السيادة ومنبع السلطات في الدولة الإسلامية، فهي التي تختار الخليفة والحاكم، وتراقب أداءه وتناصحه، وتمتلك حق عزله إن حاد عن الطريق المستقيم وأخل بمهام وظيفته، فالخليفة أو الحاكم في النظام الإسلامي لا يعدو عن كونه واحد من أبناء الأمة وكّل بمهام الحكم وحراسة الدين وسياسة الدنيا به، وهو بذلك ينوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في سياسة الأمة بشرع الله - - عز وجل - -.

الثالث: السيادة المزدوجة، ويذهب للقول إلى أن السيادة تكون خالصة لله - عز وجل - في النصوص القطعية في دلالتها، ولا مجال للاجتهاد فيها، كما أنها تكون للأمة في حالة عدم وجود النص الملزم، أو النص محل الاجتهاد، أي في النصوص غير قاطعة الدلالة، وهذه السيادة تكون مقيدة بقواعد الشرع الكلية، مقاصدها العامة، وملتزمة بضوابط الترجيح المعتبرة شرعا.

بالجملة فإن نظرية السيادة في الإسلام تختلف بالكلية عن مفهوما الغربي، فالسيادة في النظام الإسلامي محكومة بضوابط الشرع، وهي لا تملك حق إنشاء شرع جديد مبتدأ، فالشريعة الإسلامية تختلف عن القوانين الوضعية في أصل النشأة ومصدرها، فالشريعة مصدرها إرادة الله - عز وجل - ، والقوانين الوضعية مصدرها إرادة الشعب، وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة ولا يحتاج لاستفاضة النصوص الموجبة لله للبيان والشرح، إلا إننا عرضنا ذلك لتفشي الجهل بين الناس وكثرة الشبهات التي يلقيها العلمانيون على مسامعهم.

الأساس الثاني: الأمة مصدر السلطات

إذا كانت السيادة لله - عز وجل - لا شريك له فيها، فإن السلطات للأمة، فهي التي تباشر تطبيق شرع الله - عز وجل - ، وتنفيذ أحكامه وقواعده التنظيمية، والخليفة أو الحاكم أو الرئيس أيما ما كان اسمه، ليس إلا نائبا عن الأمة والشعب ووكيلا عنهم، وراعيا لمصالحهم، والإسلام لا يعرف الحاكم الذي يحكم باسم السماء، ويتربع على عرش العصمة، بحيث لا يجرؤ أحد على مراجعته ومسائلته، والأدلة على أن الأمة هي مصدر السلطات كثيرة منها:

الدليل الأول: عدم نصه صلى الله عليه وسلم على من يخلفه على الرغم من اهتمامه الشديد بذلك، وعلى الرغم من توافر الدواعي السياسية والأمنية لنصه على من يخلفه إلا إنه لم يفعل ذلك، وعلى الرغم من توافر الشخصيات العظيمة الجديرة بذلك من كبار الصحابة ذوي الكفاءة والأمانة إلا إنه لم يفعل ذلك، بل إن عليا رضي الله عنه رفض الإصغاء لطلب عمه العباس بن عبد المطلب في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم الخلافة من بعده، وقال له: " إنا والله لئن سألناها النبي صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده " أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب مرضي النبي صلى الله عليه وسلم وفاته. وغاية أمره صلى الله عليه وسلم أنه كان يقدم أبا بكر وينيبه في الأمور التي كان لا يقوم به أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم مثل إمامة الصلاة، وأخذ الصدقات، في إشارة لطيفة وخفية لمكانة أبي بكر وأهليته لخلافته صلى الله عليه وسلم. فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوص ولم يستخلف، برغم توافر الدواعي وانتفاء الموانع، فهو أكبر دليل على أن الأمة هي صاحبة السلطات، لتنضج الأمة وترشد في اختياراتها.

الدليل الثاني: النصوص الصريحة في أن الأمة هي صاحبة السلطات، ففي صحيح البخاري، كتاب المرضى، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد، أن يقول القائلون ويتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون " وفي هذا تصريح بأن المؤمنين هم الذين يمارسون هذا الحق فيقبلون أو يأبون. أيضا حديث علي بن أبي طالب السابق ذكره ومعنى " لا يعطيناها الناس " دال على علم علي رضي الله عنه أن الناس يعطون ويمنعون وهم القائمون بمباشرة هذا الحق. وأيضا مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمن سمعه يقول " لو مات عمر لبايعت فلانا "، وكانت في موسم الحج فخطب بالناس خطبة طويلة ختمها بقوله: " من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا " أي أنه يحذر من يفعل ذلك أن يتعرض لعقوبة من الأمة بالقتل تعزيرا على افتئاتهم على حق الأمة في اختيار من يحكمها.

الدليل الثالث: حرص الخلفاء والحكام على مر العصور على حصول البيعة من الأمة لإتمام شرعية وجودهم في الحكم، حتى في فترات وراثة الخلافة كما حدث في بني أمية وبني العباس كان الخلفاء يحرصون على حصول البيعة من الأمة لولاة العهد حتى ولو بالقوة لإضفاء الشرعية على وجودهم في هذا المنصب الخطير، بل إن الحاكم والخليفة إذا أراد أن يعتزل أو يخلع نفسه كان يشهد الأمة على ذلك ويبين لها أسباب ذلك كما حدث مع معاوية بن يزيد عندما اعتزل الأمر بعد سبعين يوما من ولايته.

الدليل الرابع: أن الأمة هي المخاطبة في الأساس بإقامة واجب الإمامة، فالإمامة من فروض الكفاية، وهي التي يتوجه التكليف بها إلى الأمة، والأمة شرعا هي المخاطبة شرعا بإقامة هذا الواجب، وإذا لم تقم به على وجهه أثم الجميع، فدل ذلك على أن الأمة هي صاحبة السلطات ومصدرها.

وللحديث بقية...




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم يوم أمس, 06:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,320
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أسس النظام السياسي في الإسلام

أسس النظام السياسي في الإسلام (2/ 2)


شريف عبدالعزيز

تكلمنا في الجزء الأول من المقال عن ماهية النظام السياسي في الإسلام ومدى تكامله وتفرده وتمايزه عن غيره من الأنظمة السياسية الوضعية، وذكرنا أهم الأسس التي يقوم عليها هذا النظام ومنها: السيادة لله - عز وجل -، والأمة مصدر السلطات، ونواصل في هذه المرة الحديث عن بقية هذه الأسس والركائز.

الأساس الثالث: التكامل بين الحاكم والمحكوم

فبناء على الأساس الثاني؛ أن الأمة مصدر السلطات، والإمام وكيلها ونائبها؛ فإن العلاقة بين الحكام والمحكومين ليست فقط مجرد علاقة وكالة ونيابة، إنما هي علاقة تكامل في ظل سيادة الشرع المعظم، فعلى الإمام واجبات تجاه الرعية، وعلى الرعية واجبات تجاه الإمام، وعند الاختلاف بين الطرفين يكون الاحتكام إلى الكتاب والسنة، ودستور العلاقة بين الولاة والرعية قوله - عز وجل - ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما ما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا * يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ذلك خير وأحسن تأويلا ) [ النساء 58 ـ 59 ]، فالآية الأولى أجملت واجبات الراعي والحاكم تجاه الرعية، حيث أوجبت عليه أداء الأمانات والعدل في الحكم وكلاهما مفتاح السياسة العادلة والولاية الصالحة. والآية الثانية أجملت واجبات الرعية وأعظمها الطاعة في المعروف، مع بيان المرجعية الثابتة عند الاختلاف وهي الكتاب والسنة أو " الله ورسوله ".

هذا التكامل في العلاقة بين الحكام والمحكومين ناتج عن كمال الشريعة الإسلامية، كما يعتبر التكامل هو الضمان لتحقيق المقاصد من وراء إنشاء النظام السياسي الإسلامي أو مهام المهام العظمى أو مقاصد الإمامة العظمى، ومن أهمها: حراسة الدين، وسياسة الدنيا به، وهي أمور لن تتحقق إلا بتطبيق شرع الله، والدعوة إلى الدين لحفظه، وإقامة سوق العدل، ورفع الظلم، وجمع الكلمة، ومنع الفرقة، وعمارة الأرض، وهداية العباد لرب العباد.

الأساس الرابع: الشورى

الشورى هي واحدة من أبرز أسس النظم السياسية في أي مكان وزمان، فهي من قواعد الحكم الأصلية عند كل الحكماء، فهي أساس الملك وقاعدة السلطنة الرئيسية، ولا يستغني عنها أحد، والشورى في اللغة مشتقة من المشورة والمشاورة، وتشاور: أي استخرج ما عنده من الرأي، أما في الاصطلاح فقد عرفها ابن العربي - رحمه الله - بأنها: الاجتماع على الأمر ليستشير كل واحد منهم صاحبه ويستخرج ما عنده، وعرفها الراغب الأصفهاني بقوله: المشورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض.

والشورى في النظام السياسي الإسلامي معناها: " اجتماع أهل الحل والعقد نيابة عن الأمة على أمر للرأي فيه مدخل والانتهاء إلى نتيجة ملزمة "، وقيل: هي: " استطلاع رأي الأمة أو من ينوب عنها في الشأن العام " والهدف هو استخراج أفضل الآراء وأصوبها ووضعها موضع التنفيذ، فالشورى إذا تكون في الشأن العام والأمور التي لا نص شرعي قاطع فيها، وللشورى مجالات عديدة منها: اختيار الخليفة والإمام والحاكم وكذلك عزله عند وجود المقتضى، اتخذا القرارات الهامة المتعلقة بتسيير الشأن العام، مجال المباحات لاختيار الأيسر والأنفع، مجال الاجتهاد الجماعي في استنباط الحكم الشرعي في ضوء مقاصد التشريع.

لا خلاف بين أهل العلم في مشروعية الشورى، وثبوتها بالكتاب والسنة النبوية، وفعل الراشدين ومن جاء بعدهم، وإنما وقع الخلاف بينهم في وجوبها، وذلك إلى عدة أقوال منها:

الأول: أن الشورى واجبة، وعلى الإمام أن يشاور المسلمين بدوائرهم المتعددة مثل أهل الحل والعقد، وأهل العلم، وأهل الاختصاص، ولا يستبد الإمام بالرأي والقرار دونهم. وهذا هو قول جماهير العلماء من السلف والخلف وهو قول الحنفية والمالكية والصحيح من قولي الشافعي ورجحه النووي، ورواية عند أحمد، وبه يقول أغلب المعاصرين.

الثاني: أن الشورى مستحبة ومندوبة، وبه يقول قتادة والربيع وابن إسحاق ومقاتل والمشهور عند الشافعية، والمعتمد عند أحمد، وهو مذهب الظاهرية ورجحه ابن القيم، ولم يقل به أحد من المعاصرين إلا الدكتور الخالدي في كتابه " قواعد نظام الحكم في الإسلام ".

الثالث: وفيه التفصيل، فيكون حكم الشورى حسب الحاكم والأمر المتشاور فيه، فإذا كان الحاكم من أهل الاجتهاد لزمه مشاورة العلماء وأهل الرأي، وكذلك إذا كان الأمر المتشاور فيه من النوازل العامة مثل قرارات الحرب، وإن كان غير ذلك فإنها مستحبة، وقال بهذا الرأي بعض مجتهدي المذاهب، مثل القاضي حسين من الشافعية، والسرخسي من الحنفية.

ولا شك أن الرأي الأول هو الأرجح والأقرب لنظريات الحكم الراشدة التي تقوم على الوصول لأفضل سبل العيش، وفي سورة الشورى بعد أن قرر الله - عز وجل - سيادة الشرع في قوله ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) وبعد أن أوصى بالائتلاف والجماعة في ظل سيادة الشرع في قوله ( أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) بعد ذلك أخذ سبحانه يقرر الركائز الأساسية في المجتمع الراشد الذي يحكم بالشريعة ويستقيم على جادتها، فكانت الشورى هي واسطة عقد هذه الركائز ـ حتى سميت السورة باسمها ـ ذلك لأن الشورى هي عمود فسطاط الجماعة، وجاء السياق القرآني عنها بصيغة موحية بالإلزام ( وأمرهم شورى بينهم ) حتى قال الجصاص في أحكام القرآن: " هذه العبارة العظيمة تدل على جلالة موقع الشورى، لذكره لها مع الإيمان، وإقامة الصلاة، وتدل على أننا مأمورون بها "

فالشورى إذا واجبة على الإمام والحاكم وجوبا عينيا، وعلى الأمة بشرائحها المختلفة وجوبا كفائيا، وقد وقع الخلاف في مسألة أخرى: هل الشورى ملزمة أم معلمة ؟

والناظر في سياق سيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة الراشدين والسوابق التاريخية يعلم يقينا أن الشورى كانت ملزمة حتى ولو خالفت رغبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يراه حسنا، كما حدث يوم أحد عندما كان يرى البقاء في المدينة وانتظار قدوم المشركين، في حين رأي أصحابه ومشيروه بالخروج إلى لقاء العدو خارج حدود المدينة، فنزل على رأيهم، على الرغم من علمه أن الصواب كان في رأيه فمع ذلك لم يستبد به ولم يخالف الشورى، فعلّم الأمة كيف تعتمد على نفسها وتتحمل نتيجة قرارها وتبعاته. ومن جهة المعقول فإن القول بعدم إلزامية الشورى يفضي بالضرورة إلى تفريغ الشورى من معناها ومقتضاها، وإبطال حكمة تشريعها، كما أنه يفتح بابا للاستبداد والظلم والجور، والشورى شرعت في الأساس لردع هذه الآفات المفسدة للحاكم والمحكوم، فالإسلام لا يريد حاكما طاغية، ولا محكوما مهينا سلبيا مستذلا، والرعية إذا تنعجت فلا تلومن إلا نفسها إذا وجدت حكاما مثل الذئاب الضارية.

الأساس الخامس: إقامة العدل وحراسة الحريات ورعاية المبادئ

فالنظام السياسي في الإسلام يختلف عن النظم الأخرى التي قامت على مبادئ مادية بحتة تعتمد في الأساس على فكرة المنفعة الصرفة بغض النظر عن كيفية التحصيل، فالدولة الإسلامية تتميز بأنها دولة المبادئ والقيم، فهي تقوم عليها وترعاها وتحافظ عليها وتقررها كقيم مطلقة غير قابلة للأخذ والرد، فقيم العدل والإحسان والأمانة والنزاهة والبذل والتجرد وحقوق الإنسان؛ قيم مطلقة لا يخلو من مجتمع إلا تضعضع وانهار، والقرآن والسنة خير شاهدين على إقرار هذه القيم والمبادئ، وليس من باب المبالغة القول أن الميثاق الدولي لحقوق الإنسان الذي يتغنى به الغرب ويعتبره قمة ما أنجزه لصالح البشرية، قد سبق به القرآن والسنة قبل 14 قرنا من الزمان، بل فاقه وجاوزه في جعل هذه الحقوق بمثابة القيم المطلقة التي لا يجوز التلاعب والمساس بها، وجعلها من لب الدين والأمانة الذي يسأل عنها الولاة يوم القيامة، وليس كتلك التي يعبث بها البشر ويوظفونها تبعا لأغراضهم وأهوائهم، فيتذكرون حقوق الإنسان في السعودية وأفغانستان وباكستان، وينسونها في فلسطين والصومال والشيشان. ولقد قامت نظرية حقوق الإنسان في النظام السياسي الإسلامي على أسس متينة من أهمها: تكريم القرآن للإنسان، ورحمة الله - عز وجل - بالناس، وحدة الأب والأم، عالمية الخطاب القرآني لبني آدم جميعا، الإنسان هو الموضوع الأهم والأكثر في القرآن الكريم.

أما نظرية العدل المطلق في الإسلام فهي تقوم على محورين أساسيين: الأول: العدل الإلهي في معاملة الإنسان، فلا يظلم الله - عز وجل - أحدا في الدنيا ولا في الآخرة، فلا يعاقب أحد منهم قبل قيام الحجة الرسالية، فلا يكلف أحد منهم بالإيمان بالنظر في الآيات الكونية والتدبر في الخلق، كما أن المسئولية في حق عموم البشر مسئولية فردية، فلا يعذب أحدا بذنب أحد إلا إذا كان هو المتسبب في ذلك إما بتعليم أو سنّ أو تقصير في ولاية. أما المحور الثاني: أن ميزان العدل هو شرع الله - عز وجل - ، وليست أهواء البشر، فالله - عز وجل - شرع العدل في الحياة كلها، شرعه في الحكم بين الناس، وفي القول والفعل وإبداء الرأي والعشرة بين الأزواج والأقربين والناس أجمعين. فالظلم هو أعدى أعداء الأمم والمجتمع، ومكمن الخطر الداهم على استقرار المجتمعات، وعلى حقوق الإنسان لذلك كان من أكثر الأمور التي نزه الله - عز وجل - عنها نفسه وحذر عباده منها هو الظلم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.66 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (3.14%)]