|
|||||||
| استراحة الشفاء , وملتقى الإخاء والترحيب والمناسبات هنا نلتقي بالأعضاء الجدد ونرحب بهم , وهنا يتواصل الأعضاء مع بعضهم لمعرفة أخبارهم وتقديم التهاني أو المواساة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
|
دور المقاصد الشرعية في مواجهة الانحراف الفكري والأخلاقي
تتجلى أهمية المقاصد الشرعية في تعزيز فقه الشريعة الإسلامية وفهمها، ومواجهة الانحراف الفكري في كونها الإطار المنهجي الذي يجمع بين النص الشرعي وروح العصر؛ بحيث تحفظ ثوابت الشريعة في معالجة قضايا الواقع الإنساني المتغير؛ فالوعي المقاصدي من شأنه أن يضمن بقاء الشريعة الإسلامية دينًا للحياة، يربط بين الإيمان والعمل، ويقدّم نموذجًا قيميا متجددًا للإنسانية جمعاء. كما يمكّن (الاجتهاد المقاصدي) الأمة من مواكبة تحديات العصر، ويقود إلى رؤية استشرافية قادرة على تقديم حلول واقعية دون تضييع أصول الشريعة الإسلامية الراسخة. ويتجلى دور المقاصد الشرعية في مواجهة الانحراف الفكري في التمييز بين الوسائل والغايات، وبين المصالح والمفاسد، وفي فهم النصوص في إطارها المقاصدي الكلي، مع اعتبار مقاصد الشريعة في حفظ الضرورات الخمس، والدعوة إلى الاعتدال والوسطية، ومراعاة الواقع وتغير الأحوال. مفهوم المقاصد الشرعية:
![]() المقاصد الشرعية ومعالمها الكبرى: تمثل المقاصد الشرعية الغايات التي أرادها الله -تعالى- من تشريع أحكامه، وهي تدور على تحقيق المصالح ودرء المفاسد، كما قال الإمام الشاطبي: «إن الشريعة إنما وُضعت لمصالح العباد في العاجل والآجل». وتنقسم المقاصد إلى ثلاث مراتب؛ أولها: الضروريات: كحفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وثانيها: الحاجيات: لرفع الحرج والمشقة عن الناس، وثالثها: التحسينيات: لما فيه تهذيب السلوك، والجمال الأخلاقي، وتمثل المقاصد الشرعية منهجًا عقليًا ودينيًا متكاملًا في فهم النصوص، إذ تنقل المسلم من الجمود على ظواهر الألفاظ إلى استحضار الغاية من التشريع؛ فالشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، وجاءت لنفع البشرية جمعاء {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}. وتقوم تلك المقاصد على قيم أخلاقية سامية من أبرزها ما يلي: 1- تأصيل مفهومي العدالة والرحمة في المجتمع: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ، يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ». 2- تعميق مفهوم الأخوة الإيمانية: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: 10). وهذا يمنع من تكفير المسلمين واستباحة دمائهم. 3- تحقيق العبودية الشاملة: فالمسلم عبد لله في كل تصرفاته، والعبودية الحقة تقتضي الانضباط بالشرع رحمةً وعدلاً، لا شهوةً أو غضباً. ![]() المصالح الشرعية ومقاصد التكليف: غالبًا ما ينشأ الانحراف الفكري من الفهم السطحي للتكليف الشرعي، وذلك باختزال الدين في مجموعة من الأوامر والنواهي المجردة، المنفصلة عن حكمها وغاياتها، وهذا مخالف للصواب، فالمقاصد الشرعية تقوم على أمور أساسية تتمثل في الأمور التالية: 1- فقه الأولويات: فلا يُقدّم الأقل أهمية على الأكثر أهمية، ولا يضحي بالمصلحة العامة الكبرى لأجل مصلحة خاصة محدودة. 2- فقه الموازنات: فلا يغفل عن ربط ومقارنة المصالح بعضها ببعض، والمفاسد بعضها ببعض، فيقدم أخف الضررين ويرتكب أدنى المفسدتين. 3- ربط العبادة بالمعنى: فتُفهم العبادات ليس بوصفها طقوسًا مجردة، بل وسائل لتحقيق تقوى الله وتهذيب النفس البشرية، كما في قوله -تعالى-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ}. 4- المصالح المرسلة والاستصلاح: فالمصالح المرسلة هي التي لم يرد نص معين باعتبارها أو إلغائها، ولكنها تحقق مقصداً شرعيا معتبراً، وهذا المفهوم يُعد سدا منيعاً في وجه الجمود الفقهي الذي يحرم كل جديد بحجة أنه «لا أصل له في الدين»، ويحمي من الوقوع في دوامة الانحراف الحداثي الذي يتجاوز النصوص تحت شعار «التحديث»؛ فمقاصد الشريعة تضبط عملية الاستصلاح بضوابطها، فلا يصح استحسان العقل بمفرده، بل لا بد أن يكون منضبطاً بأصول الشريعة وكلياتها. 5- النظر في المآلات و(فقه النتائج): فإن من أعظم ما تُعين عليه المقاصد الشرعية «فقه المآلات»، أي النظر في عواقب الأفعال ونتائجها قبل الإقدام عليها، وهذا من شأنه أن يقطع دابر كثير من الانحرافات التي تقدم على بعض الأفعال تحت ذريعة نصرة الدين، لكنها تؤول إلى مفاسد محققة بسبب الجهل؛ فتحقيق المناط هنا (أي تطبيق النص على الواقع) لا يكتمل دون فقه المآلات. 6- تعزيز السلم والأمن الاجتماعي: وهو من أعظم مقاصد الشريعة كما قال -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} وهذا المقصد العظيم يجب أن يكون حاكماً لحفظ النظام ودرء الفتنة، وليس عبر النصوص الجزئية التي قد تجر المجتمع إلى ويلات لا تحمد عقباها. تطبيقاته ونطاقاته:
الأثر المعرفي والإنساني للمقاصد: تفعيل المقاصد الشرعية في الفكر والمجتمع يؤدي إلى تحقيق كثير من الأمور الإيجابية ومنها:
تجديد الخطاب الديني: يقصد بالخطاب الديني الطريقة التي يُقدَّم بها الإسلام للناس من خلال الوعظ والتعليم والإعلام والتوجيه العام، وهو يمثل حلقة الوصل بين النص الديني الثابت والواقع الإنساني. وقد شهد الخطاب الديني في العقود الأخيرة تحديات كبيرة تمثلت في غلبة الطابع الوعظي العاطفي على العمق العلمي المقاصدي، وضعف القدرة على التواصل مع الأجيال الجديدة. وإن تجديد الخطاب الديني بمعناه الأصيل، يعني: إعادة تفعيل النصوص الشرعية بروحها المقاصدية؛ بحيث تستوعب تغيّرات الواقع، وتُوجّه الفهم نحو تحقيق المصلحة الشرعية دون الانحراف عن الأصول؛ فالمقاصد هنا ليست بديلاً عن النصوص؛ بل أداة لفهم مقاصد التشريع في ضوء مقاصد الإسلام الكلية؛ بحيث تجعل الخطاب الديني أكثر حيوية وإنسانية وأكثر قدرة على التعامل مع التحديات المعاصرة. دور المقاصد في مواجهة الانحراف الفكري:
المسلك الاستراتيجي لتفعيل المقاصد: يحتاج تفعيل المقاصد إلى منظومة متكاملة تشمل التعليم والدعوة والاجتهاد المؤسسي، وفق خطوات عملية متعددة يمكن تلخصيها فيما يلي:
فقه المقاصد صمام الأمان: تُعد مقاصد الشريعة من أقوى الأدوات الفكرية والدينية في مواجهة الغلو، لأنها تمنع اختزال الدين في جزئيات دون النظر إلى كلياته وغاياته؛ فقد أكدت الدراسات أن غياب الرؤية المقاصدية أحد أهم أسباب الغلو والانقسام، وأن ترسيخ فقه المقاصد يحصّن العقل المسلم من الانحراف بتوجيه فهم النص نحو الرحمة والوسطية، ومن فوائد فقه المقاصد الدعوية أنه يضبط مسار الدعوة، ويضمن اتساقها مع الغايات الكبرى للشريعة، ويعصمها من الغلو والاضطراب. النتائج المتوقعة من تفعيل المقاصد:
![]() آل الشيخ: المقاصد الشرعية مرجعية في الأحكام والفتاوى للشيخ صالح آل الشيخ كلام نفيس في الحديث عن (المقاصد الشرعية) ونصّه: «لا يزال علماء السلف من القديم وإلى يومنا هذا يعتبرون المقاصد في أحكامهم وفي فتاواهم وتارة ينصّون على ذلك، وتارة يعتبرونه فيما ينظرون به إلى الأحكام الشرعية بعامة؛ ففهم كلام السلف، وحمل متشابهه على محكمه، ودراية مقاصد الائمة في أحكامهم، وعدم الاستدلال بالمتشابه من ذلك، أو الاستشهاد بالمتشابه من ذلك على المحكمات هذا إنما يدرك بمعرفة مقاصد الأحكام الشرعية التي رعاها الائمة. فقه المقاصد.. ضوابط مهمة ولا يفوتنا أن ننبه إلى خطورة (فقه المقاصد) عند سوء الفهم أو خلل التطبيق، فمن شأن ذلك الوقوع في الأمور التالية: 1- التحلل من النصوص الشرعية: بعض المعاصرين يستخدمون المقاصد لتبرير تجاوز النصوص الواضحة، فيقولون مثلاً: «المقصد هو التيسير»، ثم يلغون أحكاماً قطعية بحجة تحقيق المقصد، وهذا باطل؛ فالمقاصد تابعة للنصوص وليست حاكمة عليها. 2- الخلط بين المصلحة الشرعية والمصلحة الدنيوية: فليس كل ما يُظَنّ نافعاً دنيوياً يعد مصلحة شرعية ؛ فالشرع قد يمنع أموراً ظاهرها النفع (كالرّبا) لأن ضررها على الدين والمجتمع أعظم. 3- فتح باب التبديل في الدين: بغير الضوابط، قد يُستعمل (فقه المقاصد) ذريعة لتغيير أحكام ثابتة (كالحدود أو الحجاب للمرأة المسلمة) بزعم تغير الزمان والمصلحة! 4- إعطاء سلطة التأويل لكل أحد: فإذا لم يكن القائل بالمقاصد عالمًا بالنصوص وأصول الفقه، فإنه قد وقع في الهوى والتأويل الشخصي دون علم. 5- تقديم الجزئيات على الكليات: حيث يؤدي الخلل في فهم مراتب المقاصد إلى تقديم المقاصد الجزئية على الكلية. والمخرج من ذلك كله إنما يكون بالالتزام بالضوابط المنهجية وفق السياسة الشرعية التي وضعها علماء الأمة المعتبرين لضمان سلامة تطبيق فقه المقاصد. ![]() الخلاصة: إن تجديد الخطاب الديني ليس دعوة إلى تبديل الدّين أو التفلّت من ثوابته؛ وإنما سعي لتفعيل مقاصده العليا، وإبراز إنسانيته وعدله ورحمته في مواجهة الغلوّ والتطرف والجمود من ناحية، والإلحاد والعلمنة المتطرفة من ناحية أخرى، ومن هنا تتجلى أهمية البحث في دور المقاصد الشرعية في تجديد الخطاب الديني ومواجهة الانحراف الفكري بوصفه مدخلا حضاريا لإصلاح الفكر والخطاب والمجتمع، وتجاوز الجمود الفقهي والتعصب المذهبي الذي يقف عند ظاهر النصوص دون إدراك غاياتها، كما يتفادى الانفلات الفكري الذي يغيّب النص أمام المصلحة الشخصية، وإن تطبيق فقه المقاصد في الخطاب الديني المعاصر يمثل المرحلة العملية لتجديد الفقه الإسلامي، وبناء الوعي الشرعي الراشد الذي يتفاعل مع التحديات الاجتماعية والثقافية والسياسية لمجتمعات المسلمين اليوم؛ كما إن الخطاب المقاصدي هو وحده الكفيل بإعادة الثقة بالدين في نفوس الشباب، وإحياء العلاقة بين النص الديني، والواقع الإنساني بمنطق الفهم وروح الفقه القائم على السياسة الشرعية. اعداد: ذياب أبو سارة
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |