|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1351
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الحاقة الحلقة (1351) صــ 581 الى صــ590 القول في تأويل قوله تعالى: {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) } يقول تعالى ذكره: وانصدعت السماء (فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ) يقول: منشقة متصدّعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ، قال: ثنا أبو أسامة، عن الأجلح، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، قال: "إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا بأهلها، ونزل من فيها من الملائكة، فأحاطوا بالأرض ومن عليها، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فصفوا صفا دون صفّ، ثم نزل الملك الأعلى على مجنبته اليسرى جهنم، فإذا رآها أهل الأرض ندّوا، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله الله: (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ) ، وذلك قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) ، وقوله: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ) ، وذلك قوله: (وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) ." حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ) يعني: متمزّقة ضعيفة. (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) يقول تعالى ذكره: والملك على أطراف السماء حين تشقق وحافاتها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) يقول: والملك على حافات السماء حين تشقَّق؛ ويقال: على شقة، كل شيء تشقَّق عنه. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) قال: أطرافها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) قال: على حافات السماء. حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا أبو أُسامة، عن الأجلح، قال، قلت للضحاك: ما أرجاؤها، قال: حافاتها. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثني سعيد: عن قتادة (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) : على حافاتها. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) قال: بلغني أنها أقطارها، قال قتادة: على نواحيها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) قال: نواحيها. حدثني الحارث، قال: ثنا الأشيب، قال: ثنا ورقاء، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن المسيب: الأرجاء حافات السماء. قال: ثنا الأشيب، قال: ثنا أبو عوانة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) قال: على ما لم يَهِ منها. حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا حسين الأشقر، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، في قوله: (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) قال: على ما لم يَهِ منها. وقوله: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) ، اختلف أهل التأويل في الذي عني بقوله: (ثَمَانِيَةَ) ، فقال بعضهم: عني به ثمانية صفوف من الملائكة، لا يعلم عدّتهن إلا الله. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا طلق عن ظهير، عن السدّي، عن أبي مالك عن ابن عباس: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) قال: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) قال: هي الصفوف من وراء الصفوف. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، عن ابن عباس، في قوله: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) قال: ثمانية صفوف من الملائكة. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) قال بعضهم: ثمانية صفوف لا يعلم عدتهنّ إلا الله. وقال بعضهم: ثمانية أملاك على خلق الوعلة. وقال آخرون: بل عني به ثمانية أملاك. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) قال: ثمانية أملاك، وقال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَحْمِلُهُ اليَوْمَ أرْبَعَةٌ، وَيَوْم القِيامَةِ ثَمَانِيَةٌ" ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أقْدامَهُمْ لَفِي الأرْضِ السَّابِعَةِ، وَإنَّ مَناكِبَهُمْ لخَارِجَةٌ مِنَ السَّمَوَاتِ عَلَيْها الْعَرْشُ" . قال ابن زيد: الأربعة، قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَمَّا خَلَقَهُمُ اللهُ قالَ: تَدْرُون لِمَ خَلَقْتُكُمْ؟ قالُوا: خَلَقْتَنا رَبَّنا لِمَا تَشاءُ، قالَ لَهُمْ: تَحْمِلُونَ عَرْشِي، ثُمَّ قالَ: سَلُوني مِنَ القُوَّةِ ما شئْتُمْ أجْعَلْها فِيكُمْ، فَقالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: قَدْ كانَ عَرْشُ رَبِّنا على المَاءِ، فاجْعل فيَّ قُوَّةَ المَاءِ، قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوَّةَ المَاءِ؛ وقال آخرُ: اجْعَل فيَّ قُوَّةَ السَّمَوَاتِ، قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فيك قُوَّةَ السَّمَوَاتِ؛ وقالَ آخَرُ: اجْعَل فيَّ قُوَّةَ الأرْضِ، قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوَّةَ الأرْضِ والجِبالِ؛ وقالَ آخَرُ: اجْعَلْ فِيَّ قُوَّةَ الرِّياحِ، قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوَّةَ الرِّياح؛ ثُمَّ قال: احْمِلُوا، فَوَضَعُوا العَرْش على كَوَاهِلِهِمْ، فَلَمْ يَزُولُوا؛ قالَ: فَجاءَ عِلْمٌ آخَرُ، وإنَّمَا كانَ عِلْمُهُمُ الَّذِي سأَلُوهُ القُوَّةَ، فَقالَ لَهُمْ: قُولُوا: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بالله،" فقالوا: لا حَوْلَ وَلا قوَّةَ إلا بالله، فَجَعَلَ اللهُ فِيهِمْ مِنْ الْحَوْلِ والقُوَّةِ ما لَمْ يَبْلُغْهُ عِلْمُهُمْ، فَحَمَلُوا "." حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هُمُ اليَوْمَ أرْبَعَةٌ" ، يعني: حملة العرش "وَإذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ أيَّدَهُمُ اللهُ بأرْبَعَةٍ آخَرِينَ فكانُوا ثَمانِيَةً وَقَدْ قالَ اللهُ: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) " . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة، قوله: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) قال: أرجلهم في التخوم لا يستطيعون أن يرفعوا أبصارهم من شعاع النور. وقوله: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) يقول تعالى ذكره: يومئذ أيها الناس تعرضون على ربكم، وقيل: تعرضون ثلاث عرضات. * ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن قزعة الباهليّ، قال: ثنا وكيع بن الجراح، قال: ثنا عليّ بن عليّ الرفاعي، عن الحسن، عن أبي موسي الأشعري، قال: "تُعرض الناس ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير. وأما الثالثة، فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي، فآخذ بيمينه، وآخذ بشماله" . حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سليمان بن حيان، عن مروان الأصغر، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: "يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: عرضتان معاذير وخصومات، والعرضة الثالثة تطيرّ الصحف في الأيدي" . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "يُعرضُ الناس ثلاث عرضات يوم القيامة، فأما عرضتان ففيهما خصومات ومعاذير وجدال، وأما العرضة الثالثة فتطيرّ الصحف في الأيدي" . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنحوه. وقوله: (لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) يقول جلّ ثناؤه: لا تخفى على الله منكم خافية، لأنه عالم بجميعكم، محيط بكلكم. القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ (20) } يقول تعالى ذكره: فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه، فيقول تعالى (اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) . كما حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) قال: تعالوا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان بعض أهل العلم يقول: وجدت أكيس الناس من قال: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) . وقوله: (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) يقول: إني علمت أني ملاق حسابيه إذا وردت يوم القيامة على ربي. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: (إِنِّي ظَنَنْتُ) قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) يقول: أيقنت. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) : ظنّ ظنا يقينا، فنفعه الله بظنه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) قال: إن الظنّ من المؤمن يقين، وإن "عسى" من الله واجب (فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (فعسى أن يكون من المفلحين) . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال؛ ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) قال: ما كان من ظنّ الآخرة فهو علم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، قال: كلّ ظنّ في القرآن (إِنِّي ظَنَنْتُ) يقول: أي علمت. القول في تأويل قوله تعالى: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) يقول تعالى ذكره: فالذي وصفت أمره، وهو الذي أوتي كتابه بيمينه، في عيشة مرضية، أو عيشة فيها الرضا، فوصفت العيشة بالرضا وهي مرضية، لأن ذلك مدح للعيشة، والعرب تفعل ذلك في المدح والذّم فتقول: هذا ليل نائم، وسرّ كاتم، وماء دافق، فيوجهون الفعل إليه، وهو في الأصل مقول لما يراد من المدح أو الذّم، ومن قال ذلك لم يجز له أن يقول للضارب مضروب، ولا للمضروب ضارب، لأنه لا مدح فيه ولا ذمّ. وقوله: (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ) يقول: في بستان عال رفيع، و "في" من قوله: (فِي جَنَّةٍ) من صلة عيشة. وقوله: (قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) يقول: ما يقطف من الجنة من ثمارها دانٍ قريب من قاطفه. وذُكر أن الذي يريد ثمرها يتناوله كيف شاء قائما وقاعدا، لا يمنعه منه بُعد، ولا يحول بينه وبينه شوك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء يقول في هذه الآية (قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) قال: يتناول الرجل من فواكهها وهو نائم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) : دنت فلا يردّ أيديهم عنها بعد ولا شوك. وقوله: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ) يقول لهم ربهم جل ثناؤه: كلوا معشر من رضيت عنه، فأدخلته جنتي من ثمارها، وطيب ما فيها من الأطعمة، واشربوا من أشْرِبتها، هَنِيئا لَكُمْ لا تتأذون بما تأكلون، ولا بما تشربون، ولا تحتاجون من أكل ذلك إلى غائط ولا بول، (بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ) يقول: كلوا واشربوا هنيئا: جزاء من الله لكم، وثوابا بما أسلفتم، أو على ما أسلفتم: أي على ما قدّتم في دنياكم لآخرتكم من العمل بطاعة الله، (في الأيام الخالية) يقول: في أيام الدنيا التي خلت فمضت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ) إن أيامكم هذه أيام خالية: هي أيام فانية، تؤدي إلى أيام باقية، فاعملوا في هذه الأيام، وقدّموا فيها خيرًا إن استطعتم، ولا قوّة إلا بالله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ) قال: أيام الدنيا بما عملوا فيها. القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) } يقول تعالى ذكره: وأما من أعطي يومئذ كتاب أعماله بشماله، فيقول: يا ليتني لم أعط كتابيه، (وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ) يقول: ولم أدر أيّ شيء حسابيه. وقوله: (يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ) يقول: يا ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت هي الفراغ من كلّ ما بعدها، ولم يكن بعدها حياة ولا بعث؛ والقضاء: وهو الفراغ. وقيل: إنه تمنَّى الموت الذي يقضي عليه، فتخرج منه نفسه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ) : تمنى الموت، ولم يكن في الدنيا شيء أكره عنده من الموت. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ) : الموت. القول في تأويل قوله تعالى: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الذي أوتي كتابه بشماله: (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ) يعني أنه لم يدفع عنه ماله الذي كان يملكه في الدنيا من عذاب الله شيئا، (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) يقول: ذهبت عني حججي، وضلت، فلا حجة لي أحتجّ بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) يقول: ضلت عني كلّ بينة فلم تغن عني شيئا. حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطُّفاويّ، قال: ثنا محمد بن ربيعة، عن النضر بن عربيّ، قال: سمعت عكرِمة يقول: (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) قال: حُجتي. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (هلك عني سلطانية) قال: حُجتي. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) : أما والله ما كلّ من دخل النار كان أمير قرية يجبيها، ولكن الله خلقهم، وسلطهم على أقرانهم، وأمرهم بطاعة الله، ونهاهم عن معصية الله. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) يقول: بينتي ضلَّت عني. وقال آخرون: عني بالسلطان في هذا الموضع: الملك. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) قال: سلطان الدنيا. وقوله: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) يقول تعالى ذكره لملائكته من خزّان جهنم: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) يقول: ثم في نار جهنم أوردوه ليصلى فيها، (فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) يقول: ثم اسلكوه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا، بذراع الله أعلم بقدر طولها وقيل: إنها تدخل في دُبُره، ثم تخرج من منخريه. وقال بعضهم: تدخل في فيه، وتخرج من دبره. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن نسير بن ذعلوق، قال: سمعت نوفا يقول: (فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا) قال: كلّ ذراع سبعون باعا، الباع: أبعد ما بينك وبين مكة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، قال: ثني نسير، قال: سمعت نوفا يقول في رحبة الكوفة، في إمارة مصعب بن الزبير، في قوله: (فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا) قال: الذراع: سبعون باعا، الباع: أبعد ما بينك وبين مكة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن نسير بن ذعلوق أبي طعمة، عن نوف البكالي (فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا) قال: كلّ ذراع سبعون باعا، كلّ باع أبعد مما بينك وبين مكة، وهو يومئذ في مسجد الكوفة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) قال: بذراع الملك فاسلكوه، قال: تسلك في دُبره حتى تخرج من منخريه، حتى لا يقوم على رجليه. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يعمر بن بشير المنقري، قال: ثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا سعيد بن يزيد، عن أبي السمح، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أنَّ رُصَاصَةً مِثْلَ هَذِهِ، وأشار إلى جمجمة، أُرْسِلَتْ مِنْ السَّماء إلى الأرْض، وَهَي مَسِيَرةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ، لَبَلَغَتِ الأرْضَ قَبْلَ اللَّيْل، وَلَوْ أنَّها أُرْسِلَتْ مِنْ رأس السّلْسِلَةِ لَسَارَتْ أرْبَعِينَ خَرِيفا اللَّيْلَ والنَّهارَ قَبْلَ أنْ تَبْلُغَ قَعْرَها أوْ أصْلَها" . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن ابن المبارك، عن مجاهد، عن جُويبر، عن الضحاك، (فَاسْلُكُوهُ) قال: السلك: أن تدخل السلسلة في فيه، وتخرج من دبره. وقيل: (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) وإنما تسلك السلسلة في فيه، كما قالت العرب: أدخلت رأسي في القلنسوة، وإنما تدخل القلنسوة في الرأس، وكما قال الأعشى: إذَا ما السَّرَابُ ارْتَدَى بالأكَمْ (1) وإنما يرتدي الأكم بالسراب وما أشبه ذلك، وإنما قيل ذلك كذلك لمعرفة السامعين معناه، وإنه لا يشكل على سامعه ما أراد قائله. وقوله: (إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) يقول: افعلوا ذلك به جزاء له على كفره بالله في الدنيا، إنه كان لا يصدّق بوحدانية الله العظيم. القول في تأويل قوله تعالى: {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) } (1) هذا عجز بيت لأعشى بني قيس ثعلبة، من قصيدة له، يمدح بها قيس بن معد يكرب (35) وما بعدها، ورواية البيت كله كما في الديوان: غَضُوبٌ مِنَ السَّيْفِ زَيَّافَة ... إذا ما ارْتَدَى بالسَّرابِ الأكَمْ على رواية المؤلف يكون في البيت قلب؛ لأن المعنى: إذا ارتدى الأكم بالسراب، كما في رواية الديوان. وأما على رواية الديوان فلا قلب. وقد جعل المؤلف على روايته القلب في البيت نظير ما في قوله تعالى: (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه) قال: تسلك السلسلة في فيه، كما قالت العرب: أدخلت رأسي في القلنسوة، وإنما تدخل القلنسوة في الرأس. وإنما قيل ذلك كذلك؛ لمعرفة السامعين معناه، وأنه لا يشكل على سامعه ما أراد قائله. اهـ. القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَا هُنَا (35) وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ (37) } يقول تعالى ذكره مخبرا عن هذا الشقيّ الذي أوتي كتابه بشماله: إنه كان في الدنيا لا يحضُّ الناس على إطعام أهل المسكنة والحاجة. وقوله: (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ) يقول جلّ ثناؤه: (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ) وذلك يوم القيامة، (هَاهُنَا) يعني في الدار الآخرة، (حَمِيم) ، يعني قريب يدفع عنه، ويغيثه مما هو فيه من البلاء. كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ) القريب في كلام العرب، (وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ) يقول جلّ ثناؤه: ولا له طعام كما كان لا يحضّ في الدنيا على طعام المسكين، إلا طعام من غسلين، وذلك ما يسيل من صديد أهل النار. وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: كلّ جرح غسلته فخرج منه شيء فهو غسلين، فعلين من الغسل من الجراح والدَّبر، وزيد فيه الياء والنون بمنزلة عفرين. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. ![]()
__________________
|
#1352
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ سال سائل الحلقة (1352) صــ 591 الى صــ600 * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ) : صديد أهل النار. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ) قال: ما يخرج من لحومهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ) : شرّ الطعام وأخبثه وأبشعه. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني يونس، قال: اخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ) قال: الغسلين والزقوم لا يعلم أحد ما هو. وقوله: (لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ) يقول: لا يأكل الطعام الذي من غسلين إلا الخاطئون، وهم المذنبون الذين ذنوبهم كفر بالله. القول في تأويل قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (42) } يقول تعالى ذكره: فلا ما الأمر كما تقولون معشر أهل التكذيب بكتاب الله ورسله، أقسم بالأشياء كلها التي تبصرون منها، والتي لا تبصرون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: (فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ) قال: أقسم بالأشياء، حتى أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ) يقول: بما ترون وبما لا ترون. وقوله: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) يقول تعالى ذكره: إن هذا القرآن لقول رسول كريم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم يتلوه عليهم. وقوله: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ) يقول جلّ ثناؤه: ما هذا القرآن بقول شاعر؛ لأن محمدًا لا يُحسن قيل الشعر، فتقولوا هو شعر، (قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ) يقول: تصدّقون قليلا به أنتم، وذلك خطاب من الله لمشركي قريش، (وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ) يقول: ولا هو بقول كاهن، لأن محمدًا ليس بكاهن، فتقولوا: هو من سجع الكهان، (قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ) يقول: تتعظون به أنتم، قليلا ما تعتبرون به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ) : طهَّره الله من ذلك وعصمه، (وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ) ، طهَّره الله من الكهانة، وعصمه منها. القول في تأويل قوله تعالى: {تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ (44) لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) } يقول تعالى ذكره: ولكنه (تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) نزل عليه، (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا) محمد، (بَعْضَ الأقَاوِيلِ) الباطلة، وتكذب علينا، (لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) يقول: لأخذنا منه بالقوة منا والقدرة، ثم لقطعنا منه نياط القلب، وإنما يعني بذلك أنه كان يعاجله بالعقوبة، ولا يؤخره بها. وقد قيل: إن معنى قوله: (لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) : لأخذنا منه باليد اليمنى من يديه؛ قالوا: وإنما ذلك مثل، ومعناه: إنا كنا نذله ونهينه، ثم نقطع منه بعد ذلك الوتين، قالوا: وإنما ذلك كقول ذي السلطان إذا أراد الاستخفاف ببعض من بين يديه لبعض أعوانه، خذ بيده فأقمه، وافعل به كذا وكذا، قالوا: وكذلك معنى قوله: (لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) أي لأهناه كالذي يفعل بالذي وصفنا حاله. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: (الْوَتِينَ) قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس: (لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) قال: نياط القلب. حدثني ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس بمثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس بمثله. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، قال، قال ابن عباس (الْوَتِينَ) : نِياط القلب. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير بنحوه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن سعيد بن جبير بمثله. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) يقول: عرق القلب. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) يعني: عرقا في القلب، ويقال: هو حبل في القلب. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (الْوَتِينَ) قال: حبل القلب الذي في الظهر. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) قال: حبل القلب. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) وتين القلب، وهو عرق يكون في القلب، فإذا قطع مات الإنسان. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) قال: الوتين: نياط القلب الذي القلب متعلق به، وإياه عنى الشماخ بن ضرار التغلبي بقوله: إذَا بَلَّغْتِني وَحَمَلْتِ رَحْلِي عَرَابَةَ فاشْرَقي بدَمِ الوَتينَ (1) القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) } يقول تعالى ذكره: فما منكم أيها الناس من أحد عن محمد لو تقوّل علينا بعض الأقاويل، فأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، حاجزين يحجزوننا عن عقوبته، وما نفعله به. وقيل: حاجزين، فجمع، وهو فعل لأحد، وأحد في لفظ واحد ردّا على معناه، لأن معناه الجمع، والعرب تجعل أحدا للواحد والاثنين والجمع، كما قيل (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) وبين: لا تقع إلا على اثنين فصاعدا. وقوله: (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) يقول تعالى ذكره: وإن هذا القرآن لتذكرة، (1) البيت للشماخ بن ضرار التغلبي (ديوانه طبع القاهرة 92) من قصيدة يمدح بها عرابة بن أوس بن قيظي، وكان هو وأبوه من الصحابة، وكان عرابة مشهورًا بالكرم. وعرابة منصوب مفعول ثان لبلغتني. والوتين: قال أبو عبيدة: نياط القلب. وأنشد بيت الشماخ (الورقة 180) وفي اللسان: الوتين: عرق في القلب، إذا انقطع مات صاحبه. يعني عظة يتذكر به، ويتعظ به للمتقين، وهم الذين يتقون عقاب الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) قال: القرآن. قوله: (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) يقول تعالى ذكره: وإنا لنعلم أن منكم مكذّبين أيها الناس بهذا القرآن، (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ) يقول جلّ ثناؤه: وأن التكذيب به لحسرة وندامة على الكافرين بالقرآن يوم القيامة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ) : ذاكم يوم القيامة، (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) يقول: وإنه للحقّ اليقين الذين لا شكّ فيه أنه من عند الله، لم يتقوّله محمد صلى الله عليه وسلم، (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) بذكر ربك وتسميته العظيم، الذي كلّ شيء في عظمته صغير. آخر تفسير سورة الحاقة. تفسير سورة سأل سائل بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا (5) } قال أبو جعفر: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: (سَأَلَ سَائِلٌ) ، فقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة: (سَأَلَ سَائِلٌ) بهمز سأل سائل، بمعنى سأل سائل من الكفار عن عذاب الله، بمن هو واقع، وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة (سالَ سَائِلٌ) فلم يهمز سأل، ووجهه إلى أنه فعل من السيل. والذي هو أولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأه بالهمز؛ لإجماع الحجة من القرّاء على ذلك، وأن عامة أهل التأويل من السلف بمعنى الهمز تأوّلوه. * ذكر من تأوّل ذلك كذلك، وقال تأويله نحو قولنا فيه: حدثني محمد بن سعيد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) قال: ذاك سؤال الكفار عن عذاب الله وهو واقع. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد (إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) ... الآية، قال (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) . حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (سَأَلَ سَائِلٌ) قال: دعا داع، (بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) قال: يقع في الآخرة، قال: وهو قولهم: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ) . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) قال: سأل عذاب الله أقوام، فبين الله على من يقع؛ على الكافرين. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: (سَأَلَ سَائِلٌ) قال: سأل عن عذاب واقع، فقال الله: (لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ) . وأما الذين قرءوا ذلك بغير همز، فإنهم قالوا: السائل واد من أودية جهنم. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله الله: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) قال: قال بعض أهل العلم: هو واد في جهنم يقال له سائل. وقوله: (بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ) يقول: سأل بعذاب للكافرين واجب لهم يوم القيامة واقع بهم، ومعنى (لِلْكَافِرِينَ) على الكافرين، كالذي حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ) يقول: واقع على الكافرين، واللام في قوله: (لِلْكَافِرِينَ) من صلة الواقع. وقوله: (لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ) يقول تعالى ذكره: ليس للعذاب الواقع على الكافرين من الله دافع يدفعه عنهم. وقوله: (ذِي الْمَعَارِجِ) يعني: ذا العلوّ والدرجات والفواضل والنعم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (ذِي الْمَعَارِجِ) يقول: العلوّ والفواضل. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ) : ذي الفواضل والنِّعم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ) قال: معارج السماء. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (ذِي الْمَعَارِجِ) قال: الله ذو المعارج. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن رجل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (ذِي الْمَعَارِجِ) قال: ذي الدرجات. وقوله: (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) يقول تعالى ذكره: تصعد الملائكة والروح، وهو جبريل عليه السلام إليه، يعني إلى الله جلّ وعزّ، والهاء في قوله: (إِلَيْهِ) عائدة على اسم الله، (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) يقول: كان مقدار صعودهم ذلك في يوم لغيرهم من الخلق خمسين ألف سنة، وذلك أنها تصعد من منتهى أمره من أسفل الأرض السابعة إلى منتهى أمره، من فوق السموات السبع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ![]()
__________________
|
#1353
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ سال سائل الحلقة (1353) صــ 601 الى صــ610 * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلم، عن عمرو بن معروف، عن ليث، عن مجاهد (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) قال: منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق السموات مقدار خمسين ألف سنة؛ ويوم كان مقداره ألف سنة، يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد، فذلك مقداره ألف سنة، لأن ما بين السماء إلى الأرض، مسيرة خمس مئة عام. وقال آخرون: بل معنى ذلك: تعرج الملائكة والروح إليه في يوم يفرغ فيه من القضاء بين خلقه، كان قدر ذلك اليوم الذي فرغ فيه من القضاء بينهم قدر خمسين ألف سنة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن عكرِمة (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) قال: في يوم واحد يفرغ في ذلك اليوم من القضاء كقدر خمسين ألف سنة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سماك، عن عكرمة (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) قال: يوم القيامة. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة في هذه الآية (خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) قال: يوم القيامة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) : ذاكم يوم القيامة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال معمر: وبلغني أيضا، عن عكرِمة، في قوله: (مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) : لا يدري أحدٌ كم مضى، ولا كم بقي إلا الله. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) فهذا يوم القيامة، جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) : يعني يوم القيامة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) قال: هذا يوم القيامة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن درّاجا حدّثه عن أبي الهيثم عن سعيد، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ما أطول هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَلى المُؤْمِنِ حتى يَكُونَ أخَفَّ عَلَيْهِ مِنَ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ يُصَلِّيها فِي الدُّنْيا" . وقد رُوي عن ابن عباس في ذلك غير القول الذي ذكرنا عنه، وذلك ما: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، أن رجلا سأل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة، فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ قال: إنما سألتك لتخبرني، قال: هما يومان ذكرهما الله في القرآن، الله أعلم بهما، فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، عن ابن أبي مليكة، قال: سأل رجل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة، قال: فاتهمه، فقيل له فيه، فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ فقال: إنما سألتك لتخبرني، فقال: هما يومان ذكرهما الله جلّ وعزّ، الله أعلم بهما، وأكره أن أقول في كتاب الله بما لا أعلم؛ وقرأت عامة قرّاء الأمصار قوله: (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) بالتاء خلا الكسائي، فإنه كان يقرأ ذلك بالياء بخبر كان يرويه عن ابن مسعود أنه قرأ ذلك كذلك. والصواب من قراءة ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار، وهو بالتاء لإجماع الحجة من القرّاء عليه. وقوله: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا) يقول تعالى ذكره: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا) يعني: صبرا لا جزع فيه. يقول له: اصبر على أذى هؤلاء المشركين لك، ولا يثنيك ما تلقى منهم من المكروه عن تبليغ ما أمرك ربك أن تبلغهم من الرسالة. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا) قال: هذا حين كان يأمره بالعفو عنهم لا يكافئهم، فلما أمر بالجهاد والغلظة عليهم أمر بالشدّة والقتل حتى يتركوا، ونسخ هذا، وهذا الذي قاله ابن زيد أنه كان أمر بالعفو بهذه الآية، ثم نسخ ذلك قول لا وجه له، لأنه لا دلالة على صحة ما قال من بعض الأوجه التي تصحّ منها الدعاوى، وليس في أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في الصبر الجميل على أذى المشركين ما يوجب أن يكون ذلك أمرا منه له به في بعض الأحوال؛ بل كان ذلك أمرا من الله له به في كل الأحوال، لأنه لم يزل صلى الله عليه وسلم من لدن بعثه الله إلى أن اخترمه في أذى منهم، وهو في كل ذلك صابر على ما يلقى منهم من أذى قبل أن يأذن الله له بحربهم، وبعد إذنه له بذلك. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ} يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المشركين يرون العذاب الذي سألوا عنه، الواقع عليهم، بعيدا وقوعه، وإنما أخبر جلّ ثناؤه أنهم يرون ذلك بعيدا، لأنهم كانوا لا يصدّقون به، وينكرون البعث بعد الممات، والثواب والعقاب، فقال: إنهم يرونه غير واقع، ونحن نراه قريبا، لأنه كائن، وكلّ ما هو آت قريب. والهاء والميم من قوله: (إِنَّهُمْ) من ذكر الكافرين، والهاء من قوله: (يَرَوْنَهُ) من ذكر العذاب. وقوله: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ) يقول تعالى ذكره: يوم تكون السماء كالشيء المذاب، وقد بينت معنى المهل فيما مضى بشواهده، واختلاف المختلفين فيه، وذكرنا ما قال فيه السلف، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ) قال: كَعَكَرِ الزيت. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ) : تتحوّل يومئذ لونا آخر إلى الحمرة. وقوله: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ) يقول: وتكون الجبال كالصوف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (كَالْعِهْنِ) قال: كالصوف. حدثني ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (كَالْعِهْنِ) قال: كالصوف. وقوله: (وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يُبَصَّرُونَهُمْ) يقول تعالى ذكره: ولا يسأل قريب قريبه عن شأنه لشغله بشأن نفسه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال؛ ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) يشغل كلّ إنسان بنفسه عن الناس. وقوله: (يُبَصَّرُونَهُمْ) اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بالهاء والميم في قوله: (يُبَصَّرُونَهُمْ) فقال بعضهم: عني بذلك الأقرباء انهم يعرّفون أقرباءهم، ويعرّف كلّ إنسان قريبه، فذلك تبصير الله إياهم. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (يُبَصَّرُونَهُمْ) قال: يَعرف بعضهم بعضا، ويتعارفون بينهم، ثم يفرّ بعضهم من بعض، يقول: (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) . حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (يُبَصَّرُونَهُمْ) يعرفونهم يعلمون، والله ليعرِّفَنَّ قوم قوما، وأناس أناسا. وقال آخرون: بل عني بذلك المؤمنون أنهم يبصرون الكفار. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (يُبَصَّرُونَهُمْ) المؤمنون يبصرون الكافرين. وقال آخرون: بل عني بذلك الكفار، الذين كانوا أتباعا لآخرين في الدنيا على الكفر، أنهم يعرفون المتبوعين في النار. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (يُبَصَّرُونَهُمْ) قال: يبصرون الذين أضلوهم في الدنيا في النار. وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، قول من قال: معنى ذلك: ولا يسأل حميم حميما عن شأنه، ولكنهم يبصرونهم فيعرفونهم، ثم يفرّ بعضهم من بعض، كما قال جلّ ثناؤه: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) . وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب، لأن ذلك أشبهها بما دل عليه ظاهر التنزيل، وذلك أن قوله: (يُبَصَّرُونَهُمْ) تلا قوله: (وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) ، فلأن تكون الهاء والميم من ذكرهم أشبه منها بأن تكون من ذكر غيرهم. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وَلا يُسْأَلُ) فقرأ ذلك عامة قرّاة الأمصار سوى أبي جعفر القارئ وشَيبة بفتح الياء؛ وقرأه أبو جعفر وشيبة (وَلا يُسْئَلُ) بضم الياء، يعني: لا يقال لحميم أين حميمك؟ ولا يطلب بعضهم من بعض. والصواب من القراءة عندنا فتح الياء، بمعنى: لا يسأل الناس بعضهم بعضا عن شأنه، لصحة معنى ذلك، ولإجماع الحجة من القرّاء عليه. القول في تأويل قوله تعالى: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) } يقول تعالى ذكره: يودّ الكافر يومئذ ويتمنى أنه يفتدي من عذاب الله إياه ذلك اليوم ببنيه وصاحبته، وهي زوجته، وأخيه وفصيلته، وهم عشيرته التي تؤويه، يعني التي تضمه إلى رحله، وتنزل فيه امرأته، لقربة ما بينها وبينه، وبمن في الأرض جميعا من الخلق، ثم ينجيه ذلك من عذاب الله إياه ذلك اليوم، وبدأ جلّ ثناؤه بذكر البنين، ثم الصاحبة، ثم الأخ، إعلاما منه عباده أن الكافر من عظيم ما ينزل به يومئذ من البلاء يفتدي نفسه، لو وجد إلى ذلك سبيل بأحب الناس إليه، كان في الدنيا، وأقربهم إليه نسبا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) الأحبّ فالأحبّ، والأقرب فالأقرب من أهله وعشيرته لشدائد ذلك اليوم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) قال: قبيلته. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَصَاحِبَتِهِ) قال: الصاحبة الزوجة، (وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) قال: فصيلته: عشيرته. القول في تأويل قوله تعالى: {كَلا إِنَّهَا لَظَى (15) نزاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18) } يقول تعالى ذكره: كلا ليس ذلك كذلك، ليس ينجيه من عذاب الله شيء. ثم ابتدأ الخبر عما أعدّه له هنالك جلّ ثناؤه، فقال: (إِنَّهَا لَظَى) ولظى: اسم من أسماء جهنم، ولذلك لم يجر. واختلف أهل العربية في موضعها، فقال بعض نحويي البصرة: موضعها نصب على البدل من الهاء، وخبر إن: (نزاعَةً) ؛ قال: وان شئت جعلت لظَى رفعا على خبر إن، ورفعت (نزاعَةً) على الابتداء، وقال بعض من أنكر ذلك: لا ينبغي أن يتبع الظاهر المكنى إلا في الشذوذ؛ قال: والاختيار (إِنَّهَا لَظَى نزاعَةً لِلشَّوَى) لظى الخبر، ونزاعة حال، قال: ومن رفع استأنف، لأنه مدح أو ذمّ، قال: ولا تكون ابتداء إلا كذلك. والصواب من القول في ذلك عندنا، أن (لَظَى) الخبر، و (نزاعَةً) ابتداء، فذلك رفع، ولا يجوز النصب في القراءة لإجماع قرّاء الأمصار على رفعها، ولا قارئ قرأ كذلك بالنصب؛ وإن كان للنصب في العربية وجه؛ وقد يجوز أن تكون الهاء من قوله: "إنها" عمادا، ولظى مرفوعة بنزاعة، ونزاعة بلظَى، كما يقال: إنها هند قائمة، وإنه هند قائمة، والهاء عماد في الوجهين. وقوله: (نزاعَةً لِلشَّوَى) يقول تعالى ذكره مخبرا عن لظَى: إنها تنزع جلدة الرأس وأطراف البدن، والشَّوَى: جمع شواة، وهي من جوارح الإنسان ما لم يكن مقتلا يقال: رمى فأشوى إذا لم يصب مَقْتلا فربما وصف الواصف بذلك جلدة الرأس كما قال الأعشى: قالَتْ قُتَيْلَةُ ما لَهُ قَدْ جُلِّلَتْ شَيْبا شَوَاتُهُ (1) وربما وصف بذلك الساق كقولهم في صفة الفرس: عبْلُ الشَّوَى نَهْدُ الجُزَارَة (2) (1) البيت في ديوان الأعشى (طبعة فيينا 238) قال: وهو مما نسب إلى الأعشى، وليس في ديوانه. وهو من شواهد أبي عبيدة (في مجاز القرآن الورقة 180) . قال: الشوى: واحدها: شواة، وهي اليدان والرجلان والرأس من الآدميين، قال الأعشى: "قالت قتيلة.." البيت. وفي (اللسان: شوى) قال الفراء: في قوله تعالى: (كلا إنها لظى نزاعة للشوى) قال: الشوى: اليدان، والرجلان، وأطراف الأصابع، وقحف الرأس. وجلدة الرأس يقال لها: شواة. وقال الزجاج: الشوى: جمع الشواة، وهي جلدة الرأس، وأنشد: "قالت قتيلة ما له.." البيت. (2) هذه عجز بيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة من قصيدة من مجزوء الكامل يهجو شيبان بن شهاب الجحدري مطلعها: "يا جارتي ما كنت جاره" . (ديوانه طبع القاهرة 153 وما بعدها) . وهاك بيت الشاهد بتمامه مع بيتين قبله من (خزانة الأدب الكبرى 1: 83) : وهناك يكذب ظنكم ... أنْ لا اجْتِماعَ ولا زِيارَهْ ولا بَرَاءَةَ للبرِي ... ءِ وَلا عَطاء ولا خفارَهْ إلا عُلالةَ أو بُدا ... هَةَ سابِحٍ نهْد الجُزارَهْ قال البغددادي: يقول: إذا غزوناكم علمتم أن ظنكم بأننا لا نغزوكم كذب، وهو زعمكم أننا لا نجتمع ولا نزوركم بالخيل والسلاح غازين لكم، ومن كان بريا منكم لم تنفعه براءته؛ لأن الحرب إذا عظمت لحق شرها البريء، كما يلحق المسيء ولا نقبل منكم عطاء، ولا نعطيكم خفارة تفتنون بها منا، والخفارة بالضم والكسر: الذمة إلا علالة: أي لكن نزوركم بالخيل. والعلالة: بقية جري الفرس من التعلل بمعنى: التلهي. والبداهة: أول جري الفرس. والسابح: الفرس الذي يدحو الأرض بيديه في العدو. والنهد: المرتفع. والجزارة: الرأس واليدان والرجلان. يريد أن في عنقه وقوائمه طولا وارتفاعا، فإنه يستحب في عنق الخيل الطول واللين. ويستحب أيضا أن يكون ما فوق الساقين من الفخدين طويلا، فيوصف حينئذ بطول القوائم. اهـ والشطر الذي أورده المؤلف شاهدًا، يختلف عن شطر الأعشى، ولكن فيه موضع الشاهد. اهـ. يعني بذلك: قوائمه، وأصل ذلك كله ما وصفت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني سليمان بن عبد الحبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، قال: سألت ابن عباس عن: (نزاعَةً لِلشَّوَى) : قال: تنزع أمّ الرأس. حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف، قال: ثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: ثنا يحيى بن مهلب أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (نزاعَةً لِلشَّوَى) قال: تنزع الرأس. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (نزاعَةً لِلشَّوَى) : يعني الجلود والهام. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (نزاعَةً لِلشَّوَى) قال: لجلود الرأس. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إبراهيم بن المهاجر، قال: سألت سعيد بن جبير عن قوله: (نزاعَةً لِلشَّوَى) فلم يخبر، فسألت عنها مجاهدًا، فقلت: اللحم دون العظم؟ فقال: نعم. قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح (نزاعَةً لِلشَّوَى) قال: لحم الساق. حدثني محمد بن عُمارة الأسديّ، قال: ثنا قبيصة بن عقبة السُّوائّي، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح في قوله: (نزاعَةً لِلشَّوَى) قال: نزاعة للحم الساقين. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن قرة بن خالد، عن الحسن (نزاعَةً لِلشَّوَى) قال: للهام تحرق كلّ شيء منه، ويبقى فؤاده نضيجا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن، في قوله: (نزاعَةً لِلشَّوَى) ثم ذكر نحوه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (نزاعَةً لِلشَّوَى) : أي نزاعة لهامته ومكارم خَلْقِهِ وأطرافه. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (نزاعَةً لِلشَّوَى) : تبري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (نزاعَةً لِلشَّوَى) قال: الشوى: الآراب العظام، ذاك الشوى. وقوله: (نزاعَةً) قال: تقطع عظامهم كما ترى، ثم يجدّد خلقهم، وتبدّل جلودهم. وقوله: (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) يقول: تدعو لظى إلى نفسها من أدبر في الدنيا عن طاعة الله، وتولى عن الإيمان بكتابه ورسله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) قال: عن طاعة الله، (وَتَوَلَّى) قال: عن كتاب الله، وعن حقه. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) قال: عن الحق. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) قال: ليس لها سلطان إلا على هوانِ مَنْ كفر وتولى وأدبر عن الله، فأما من آمن بالله ورسوله، فليس لها عليه سلطان. وقوله: (وَجَمَعَ فَأَوْعَى) يقول: وجمع مالا فجعله في وعاء، ومنع حق الله منه، فلم يزك ولم ينفق فيما أوجب الله عليه إنفاقه فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وَجَمَعَ فَأَوْعَى) قال: جمع المال. حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا أبو قطن، قال: ثنا المسعودي، عن الحكم، قال: كان عبد الله بن عكيم، لا يربط كيسه، يقول: سمعت الله يقول: (وَجَمَعَ فَأَوْعَى) . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَجَمَعَ فَأَوْعَى) كان جموعا قموما للخبيث. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) } يقول تعالى ذكره: (إِنَّ الإنْسَانَ) الكافر (خُلِقَ هَلُوعًا) والهلع: شدّة الجَزَع مع شدّة الحرص والضجر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبى عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا) قال: هو الذي قال الله (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا) ويقال: الهَلُوع: هو الجَزُوع الحريص، وهذا في أهل الشرك. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا) قال: شحيحا جَزُوعا. ![]()
__________________
|
#1354
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ سال سائل الحلقة (1354) صــ 611 الى صــ620 حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد عن عكرمة (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا) قال: ضَجُورًا. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: (إِنَّ الإنْسَانَ) يعني: الكافر، (خُلِقَ هَلُوعًا) يقول: هو بخيل منوع للخير، جَزُوع إذا نزل به البلاء، فهذا الهلوع. حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، قال: ثنا خالد بن الحارث، قال: ثنا شعبة، عن حصين، قال يحيى، قال خالد: وسألت شعبة عن قوله: (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا) فحدثني شعبة عن حصين أنه قال: الهلوع: الحريص. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، قال: سألت حصينا عن هذه الآية: (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا) قال: حريصا. حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا) قال: الهلوع: الجزوع. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (خُلِقَ هَلُوعًا) قال: جزوعا. وقوله: (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا) يقول: إذا قلّ ماله وناله الفقر والعدم فهو جزوع من ذلك، لا صبر له عليه: (وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا) يقول: وإذا كثر ماله، ونال الغنى فهو منوع لما في يده، بخيل به، لا ينفقه في طاعة الله، ولا يؤدّي حق الله منه. وقوله: (إِلا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) يقول: إلا الذين يطيعون الله بأداء ما افترض عليهم من الصلاة، وهم على أداء ذلك مقيمون لا يضيعون منها شيئا، فإن أولئك غير داخلين في عداد من خلق هلوعا، وهو مع ذلك بربه كافر لا يصلي لله. وقيل: عُني بقوله: (إِلا الْمُصَلِّينَ) المؤمنون الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقيل: عُنِي به كلّ من صلى الخمس. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن ومؤمل، قالا ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) قال: المكتوبة. حدثني زريق بن السخب، قال: ثنا معاوية بن عمرو، قال: ثنا زائدة، عن منصور، عن إبراهيم (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) قال: الصلوات الخمس. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ... ) إلى قوله: (دَائِمُونَ) ذكر لنا أن دانيال نعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال: يصلون صلاة لو صلاها قوم نوح ما غرقوا، أو عاد ما أُرسلت عليهم الريح العقيم، أو ثمود ما أخذتهم الصيحة، فعليكم بالصلاة فإنها خُلُقٌ للمؤمنين حسن. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم (عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) قال: الصلاة المكتوبة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) قال: هؤلاء المؤمنون الذين مع النبيّ صلى الله عليه وسلم على صلاتهم دائمون. قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا حَيْوة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير أنه سأل عقبة بن عامر الجُهَنّي، عن: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) قال: هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا خَلْفَهم، ولا عن أيمانهم، ولا عن شمائلهم. حدثني العباس بن الوليد، قال: أخبرنا أبي، قال: ثنا الأوزاعي، قال: ثني يحيى بن أبي كثير، قال: ثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: حدثتني عائشة -زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خُذُوا مِنَ العَمَلِ ما تُطِيقُونَ، فإنَّ الله لا يَمَلُّ حَتى تَمَلُّوا" قالت: وكان أحب الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دُووم عليه. قال: يقول أبو سلمة: إن الله يقول: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) . القول في تأويل قوله تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) يقول تعالى ذكره: وإلا الذين في أموالهم حقّ مؤقت، وهو الزكاة للسائل الذي يسأله من ماله، والمحروم الذي قد حرم الغنى، فهو فقير لا يسأل. واختلف أهل التأويل في المعنيّ بالحقّ المعلوم الذي ذكره الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو الزكاة. * ذكر من قال ذلك: حدثني ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) قال: الحقّ المعلوم: الزكاة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) : قال: الزكاة المفروضة. وقال آخرون: بل ذلك حقّ سوى الزكاة. * ذكر من قال ذلك: حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس في قوله: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) يقول: هو سوى الصدقة يصل بها رحمه، أو يقري بها ضيفا، أو يحمل بها كلا أو يُعِين بها محرومًا. حدثني ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن، عن شعبة، عن أبي يونس، عن رباح بن عبيدة، عن قزعة، أن ابن عمر سُئل عن قوله: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) أهي الزكاة؟ فقال: إن عليك حقوقا سوى ذلك. حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا بيان، عن الشعبيّ، قال: إن في المال حقا سوى الزكاة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: في المال حقّ سوى الزكاة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد: (فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) قال: سوى الزكاة، وأجمعوا على أن السائل هو الذي وصفت صفته. واختلفوا أيضا في معنى المحروم في هذا الموضع، نحو اختلافهم فيه في الذاريات، وقد ذكرنا ما قالوا فيه هنالك، ودللنا على الصحيح منه عندنا، غير أن نذكر بعض ما لم نذكر من الأخبار هنالك. * ذكر من قال: هو المحارَف (1) . حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا الحجاج، عن الوليد بن العيزار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: المحروم: هو المحارَف. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: المحروم: المحارَف. حدثنا سهل بن موسى الرازي، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، عن ابن عباس قال: (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) : المحارف الذي ليس له في الإسلام نصيب. قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، عن ابن عباس أنه قال: المحروم المحارَف الذي ليس له في الإسلام سهم. حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، عن ابن عباس، في هذه الآية (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) قال: السائل الذي يسأل، والمحروم: المحَارف. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق يحدّث عن قيس بن كركم، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) قال: السائل: الذي يسأل والمحروم: المحارَف. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، قال: سألت ابن عباس، عن قوله: (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) قال: السائل: الذي يسأل، والمحروم: المحارَف الذي ليس له في الإسلام سهم. حدثني محمد بن عمر بن عليّ المقدمي، قال: ثنا قريش بن أنس، عن سليمان، (1) في اللسان: المحارف: الذي لا يصيب خيرا من وجه توجه له. وقال الشافعي: المحروم المحارف: الذي يحترف بيديه، قد حرم سهمه من الغنيمة، لا يغزو مع المسلمين، فبقي محرومًا، وما يعطي من الصدقة ما يسد حرمانه. عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: المحروم: المحارف. حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا قريش، عن سليمان، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، مثله. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، قال: سألت سعيد بن جبير، عن المحروم، فلم يقل فيه شيئا؛ قال: وقال عطاء: هو المحدود المحارف. حدثنا ابن حميد، ثنا مهران عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن قيس بن كركم، عن ابن عباس، قال: السائل: الذي يسأل الناس، والمحروم: الذي لا سهم له في الإسلام، وهو محارف من الناس. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: المحروم: الذي لا يُهدى له شيء وهو محارف. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قال: المحروم: هو المحارف الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه، فلا يسأل الناس. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، قال في المحروم: هو المحارف الذي ليس له أحد يعطف عليه، أو يعطيه شيئا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن منصور، عن إبراهيم، قال: المحروم: الذي لا فيء له في الإسلام، وهو محارف في الناس. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن نافع: المحروم: هو المحارف. وقال آخرون: هو الذي لا سهم له في الغنيمة. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم أن ناسا قَدِموا على عليّ رضي الله عنه الكوفة بعد وقعة الجمل، فقال: اقسموا لهم، وقال: هذا المحروم. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: المحروم: المحارف الذي ليس له في الغنيمة شيء. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، مثله. قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قيس بن مسلم الجدّلي، عن الحسن بن محمد بن الحنفية أن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث سرية، فغنموا، وفتح عليهم، فجاء قوم لم يشهدوا، فنزلت: (فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) يعني: هؤلاء. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية، فغنموا، فجاء قوم لم يشهدوا الغنائم، فنزلت: (فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) . حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا يحيى بن أبي زائدة، عن سفيان، عن قيس بن مسلم الجدلي، عن الحسن بن محمد، قال: بعثت سرية فغنموا، ثم جاء قوم من بعدهم، قال: فنزلت (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) . حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمد "أن قوما في زمان النبيّ صلى الله عليه وسلم أصابوا غنيمة، فجاء قوم بعد، فنزلت: (فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) " . وقال آخرون: هو الذي لا ينمي له مال. * ذكر من قال ذلك: حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن حصين، قال: سألت عكرِمة عن السائل والمحروم، قال: السائل: الذي يسألك، والمحروم: الذي لا ينمي له مال. وقال آخرون: هو الذي قد اجتيح ماله. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: أخبرنا شعبة، عن عاصم، عن أبي قلابة، قال: جاء سيل باليمامة، فذهب بمال رجل، فقال رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم: هذا المحروم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَالْمَحْرُومِ) قال: المحروم: المصاب ثمره وزرعه، وقرأ: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ ... ) حتى بلغ (مَحْرُومُونَ) وقال أصحاب الجنة: (إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) . وقال الشعبي ما حدثني به يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، قال، قال الشعبيّ: أعياني أن أعلم ما المحروم. وقال قتادة، ما حدثني به ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) قال: السائل: الذي يسأل بكفه، والمحروم: المتعفف، ولكليهما عليك حقّ يا ابن آدم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) وهو سائل يسألك في كفه، وفقير متعفِّف لا يسأل الناس، ولكليهما عليك حقّ. وقوله: (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) يقول: وإلا الذين يقرّون بالبعث يوم البعث والمجازاة. وقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) يقول: والذين هم في الدنيا من عذاب ربهم وجلون أن يعذبهم في الآخرة، فهم من خشية ذلك لا يضيعون له فرضا، ولا يتعدّون له حدّا. وقوله: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) أن ينال من عصاه وخالف أمره. القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) } يقول تعالى ذكره: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) يعني: أقبالهم حافظون عن كلّ ما حرم الله عليهم وضعها فيه، (إِلا) أنهم غير ملومين في ترك حفظها، (عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) من إمائهم. وقيل: (لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ) ولم يتقدم ذلك جحد لدلالة قوله: (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) ، على أن في الكلام معنى جحد، وذلك كقول القائل: اعمل ما بدا لك إلا على ارتكاب المعصية، فإنك معاقب عليه، ومعناه: اعمل ما بدا لك إلا أنك معاقب على ارتكاب المعصية. قوله: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) فمن التمس لفرجه منكحا سوى زوجته، أو ملك يمينه، ففاعلو ذلك هم العادون، الذي عدوا ما أحل الله لهم إلى ما حرّم عليهم فهم الملومون. القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) } يقول تعالى ذكره: وإلا الذين هم لأمانات الله التي ائتمنهم عليها من فرائضه، وأمانات عباده التي ائتُمِنُوا عليها، وعهوده التي أخذها عليهم بطاعته فيما أمرهم به ونهاهم، وعهود عباده التي أعطاهم على ما عقده لهم على نفسه راعون، يرقبون ذلك، ويحفظونه فلا يضيعونه، ولكنهم يؤدّونها ويتعاهدونها على ما ألزمهم الله وأوجب عليهم حفظها، (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) يقول: والذين لا يكتمون ما استشهدوا عليه، ولكنهم يقومون بأدائها، حيث يلزمهم أداؤها غير مغيرة ولا مبدّلة، (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) يقول: والذين هم على مواقيت صلاتهم التي فرضها الله عليهم وحدودها التي أوجبها عليهم يحافظون، ولا يضيعون لها ميقاتا ولا حدّا. وقوله: (أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) يقول عزّ وجل: هؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال في بساتين مكرمون، يكرمهم الله بكرامته. القول في تأويل قوله تعالى: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) } يقول تعالى ذكره: فما شأن الذين كفروا بالله قبلك يا محمد مهطعين؛ وقد بيَّنا معنى الإهطاع، وما قال أهل التأويل فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، غير أنا نذكر في هذا الموضع بعض ما لم نذكره هنالك. فقال قتادة فيه ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) يقول: عامدين. وقال ابن زيد فيه ما حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، قوله: (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) قال: المهطع: الذي لا يطرف. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول: معناه: مسرعين. ورُوي فيه عن الحسن ما حدثنا به ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قُرة، عن الحسن، في قوله: (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) قال: منطلقين. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا قرة، عن الحسن، مثله. وقوله: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ) يقول: عن يمينك يا محمد، وعن شمالك متفرّقين حلقا ومجالس، جماعة جماعة، معرضين عنك وعن كتاب الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) قال: قبلك ينظرون، (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ) قال: العزين: العصب من الناس عن يمين وشمال، معرضين عنه، يستهزئون به. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ) قال: مجالس مجنبين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) يقول: عامدين، (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ) : أي فرقا حول نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لا يرغبون في كتاب الله ولا في نبيه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: (عِزِينَ) قال: العزين: الحلق المجالس. حدثنا عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (عِزِينَ) قال: حلقا ورفقاء. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ) قال: المجلس الذي فيه الثلاثة والأربعة، والمجالس الثلاثة والأربعة أولئك العزون. حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: أخبرنا أبو الأحوص، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة يرفعه قال: "مالي أرَاكُمْ عِزِينَ" والعزين: الحلق المتفرّقة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا شقيق، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حِلَق حِلَق، فقال: "مالي أرَاكمْ عِزِينَ" . حدثني أبو حصين، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة الطائي، عن جابر بن سمرة، قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن متفرّقون، فقال: "ما لَكُمْ عِزِينَ" . حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي، قال: ثنا الفريابي، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سمرة، قال: جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ناس من أصحابه وهم جلوس، فقال: "مالي أرَاكُمْ عِزِينَ حِلقَا" . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سمرة، قال: جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ناس من أصحابه وهم جلوس، فقال: "مالي أرَاكُمْ عِزِينَ حِلقَا" . حدثني ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة الطائي، قال: ثنا جابر بن سمرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم حلق، فقال: "مالي أرَاكُمْ عِزِينَ" يقول: حلقا، يعني قوله: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ) . حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن، في قوله: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ) قال: عزين: متفرّقين، يأخذون يمينا وشمالا يقولون: ما قال هذا الرجل. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا قرة، عن الحسن، مثله. وواحد العزين: عزة، كما واحد الثبين ثبة، وواحد الكُرين كرة. ومن العزين قول راعي الإبل: أخَلِيفَة الرَّحْمَنِ إنَّ عَشِيرَتِي أمسَى سَوَامُهُمُ عِزِينَ فُلُولا (1) (1) هذا البيت لعبيد الراعي، من قصيدة أبياتها (89 بيتا) يمدح بها عبد الملك بن مروان ويشكو من السعاة، وهم الذين يأخذون الزكاة من قبل السلطان: (خزانة الأدب الكبرى للبغدادي 1: 502) وعدها صاحب جمهرة أشعار العرب (172 - 176 - من القصائد الملحمات) . والسوائم: الإبل ترسل للرعي. وعزين: جمع عزة، وهي الجماعة القليلة. والفلول: جمع فل، وهو بقية الشيء الكبير، ومنه فلول المعارك، وهم المنهزمون. يقول: إن السعاة لم يتركوا لنا من أموالنا إلا ما لا خير فيه، واستولوا منا على أكرم أموالنا، فلم يبق لنا منها إلا أشياء قليلة مفرقة هنا وهناك في مراعينا، وكانت قبل كثيرة. والبيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 180) قال: عزين: جماع عزة، مثل ثبة وثبين، وهي جماعات متفرقة. قال الراعي.. "البيت. وفي فتح القدير في التفسير، للشوكاني (5: 285) " وأمسى سراتهم "في موضع" أمسى سوائمهم ". والمعنى على هذا: أن سراة قوم الشاعر قد وفدوا على عبد الملك بن مروان جماعة بعد جماعة، للتظلم من عسف السعاة بهم. وهذا واضح جيد." وقوله: (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) يقول: أيطمع كلّ امرئ من هؤلاء الذين كفروا قبلك مهطعين أن يدخله الله جنة نعيم: أي بساتين نعيم ينعم فيها. ![]()
__________________
|
#1355
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ نوح الحلقة (1355) صــ 621 الى صــ630 واختلف القرّاء في قراءة قوله: (أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار: (يَدْخُلَ) بضمّ الياء على وجه ما لم يسمّ فاعله، غير الحسن وطلحة بن مصرف، فإنه ذكر عنهما أنهما كانا يقرآنه بفتح الياء، بمعنى: أيطمع كلّ امرئ منهم أن يدخل كلّ امرئ منهم جنة نعيم. والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار، وهي ضم الياء لإجماع الحجة من القرّاء عليه. وقوله: (كَلا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) يقول عزّ وجلّ: ليس الأمر كما يطمع فيه هؤلاء الكفار من أن يدخل كل امرئ منهم جنة نعيم. وقوله: (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) يقول جلّ وعزّ: أنا خلقناهم من منيّ قذر، وإنما يستوجب دخول الجنة من يستوجبه منهم بالطاعة، لا بأنه مخلوق، فكيف يطمعون في دخول الجنة وهم عصاة كفرة. وقد حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) إنما خُلقتَ من قَذرٍ يا ابن آدم، فاتق الله. القول في تأويل قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يقول تعالى ذكره: فلا أقسم بربّ مشارق الأرض ومغاربها، (إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ) يقول: إنا لقادرون على أن نهلكهم، ونأتي بخير منهم من الخلق يطيعونني ولا يعصونني، (وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) يقول تعالى ذكره: وما يفوتنا منهم أحد بأمر نريده منه، فيعجزنا هربا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة، قال، قال ابن عباس: إن الشمس تطلع كلّ سنة في ثلاث مئة وستين كوّة، تطلع كلّ يوم في كوّة، لا ترجع إلى تلك الكوّة إلى ذلك اليوم من العام المقبل، ولا تطلع إلا وهي كارهة، تقول: ربّ لا تطلعني على عبادك، فإني أراهم يعصونك، يعملون بمعاصيك أراهم، قال أولم تسمعوا إلى قول أمية بن أبي الصلت: حتى تُجَرَّ وتُجْلَدَ (1) قلت: يا مولاه وتجلد الشمس؟ فقال: عضضت بهن أبيك، إنما اضطره الروّي إلى الجلد. حدثنا ابن المثنى، قال: ثني ابن عمارة، عن عكرِمة، عن ابن عباس في (1) هذا جزء من بيت لأمية بن أبي الصلت الثقفي: (الشعر والشعراء لابن قتيبة - ليدن 280) ورواية البيت بتمامه فيه: لَيْسَتْ بطالِعَةٍ لَهُمْ فِي رِسْلِها ... إلا مُعَذَّبَةً وإلا تُجْلَدُ قال: يقولون: إن الشمس إذا غربت امتنعت من الطلوع، وقالت لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله، حتى تدفع وتجلد، فتطلع. ورواية البيت في الأغاني لأبي الفرج (طبعة دار الكتب 4: 130) مع البيت الذي قبله هي: والشَّمْسُ تَطْلُعُ كُلَّ آخِرِ ليْلَةٍ ... حَمْرَاءَ مَطْلَعُ لَوْنِها مُتَوَرِّدُ تأبى فَلا تَبْدُو لَنا فِي رِسْلِها ... إلا مُعَذَّبَةً وَإلا تُجْلَدُ ومن هاتين الروايتين يعلم أن شاهد المؤلف: مبتور محرف. قلت: والذي قاله ابن عباس في تفسير طلوع الشمس كل سنة في 360 كوة..إلخ، صحيح من ناحية العلم. أما تفسير بيت أمية: بأن الملائكة تدفعها حتى تطلع فتأبى فتجلد، فهو تخييل وتمثيل وزجر لمن يعبدون الشمس. قول الله: (بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) قال: إن الشمس تطلع من ثلاث مئة وستين مطلعا، تطلع كُلّ يوم من مطلع لا تعود فيه إلى قابل، ولا تطلع إلا وهي كارهة، قال عكرمة: فقلت له: قد قال الشاعر: حتى تُجَرَّ وتُجْلَدَ قال: فقال ابن عباس: عضضت بهن أبيك، إنما اضطره الرويّ. حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر، قال: أخبرنا شعبة، قال: أخبرنا عمارة، عن عكرِمة، عن ابن عباس: إن الشمس تطلع في ثلاث مئة وستين كوّة، فإذا طلعت في كوّة لم تطلع منها حتى العام المقبل، ولا تطلع إلا وهي كارهة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) قال: هو مطلع الشمس ومغربها، ومطلع القمر ومغربه. وقوله: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا) يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فذر هؤلاء المشركين المهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين، يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في هذه الدنيا، (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) يقول: حتى يلاقوا عذاب يوم القيامة الذي يوعدونه. القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44) } وقوله: (يَوْمَ يَخْرُجُونَ) بيان وتوجيه عن اليوم الأولّ الذي في قوله: (يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) ، وتأويل الكلام: حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدونه يوم يخرجون من الأجداث وهي القبور: واحدها جدث (سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) . كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا) : أي من القبور سراعا. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقد بيَّنا الجدث فيما مضى قبل بشواهده، وما قال أهل العلم فيه. وقوله: (إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) يقول: كأنهم إلى عَلَم قد نُصب لهم يستبقون. وأجمعت قرّاء الأمصار على فتح النون من قوله: (نَصْبٍ) غير الحسن البصري، فإنه ذكر عنه أنه كان يضمها مع الصاد؛ وكأن من فتحها يوجه النصب إلى أنه مصدر من قول القائل: نصبت الشيء أنصبه نصبا. وكان تأويله عندهم: كأنهم إلى صنم منصوب يسرعون سعيا. وأما من ضمها مع الصاد فأنه يوجه إلى أنه واحد الأنصاب، وهي آلهتهم التي كانوا يعبدونها. وأما قوله: (يُوفِضُونَ) فإن الإيفاض: هو الإسراع؛ ومنه قول الشاعر: لأنْعَتَنْ نَعامَةً مِيفاضَا خَرْجاءَ تَغْدو تطْلُبُ الإضَاضَا (1) يقول: تطلب ملجأ تلجأ إليه؛ والإيفاض: السرعة؛ وقال رؤبة: تَمْشِي بنا الجِدّ على أوْفاضٍ (2) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا ابن أبي عدي عن عوف، عن أبي العالية، أنه قال في هذه الآية (كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) قال: (1) البيتان في (اللسان: وفض) ولم ينسبهما. استشهد المؤلف عند قوله تعالى: (كأنهم إلى نصب يوفضون) على أن معنى الإيفاض: الإسراع. ومنه نعامة ميفاض، وناقة ميفاض: أي مسرعة. والخرجاء: التي في لونها سواد وبياض. ظليم أخرج، ونعامة خرجاء. وقال الليث: ظليم أخرج، وهو الذي لون سواده أكثر من بياضه. والإضاض، بكسر الهمزة: الملجأ. (عن هامش اللسان: وفض) . وقال أبو عبيدة في مجاز القرآن: يوفضون: يسرعون، قال رؤبة: يُمْسِي بِنَا الجِدُّ عَلى أوْفاضِ (ديوانه 81) . والبيتان من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة 342) قال: وقوله: (إلى نصب يوفضون) الإيفاض: الإسراع. وقال الشاعر: "ولأنعتن.." البيتين. وفي روايته: ظلت في موضع "تغدو" . قال الخرجاء: في اللون، فإذا رقع للقميص الأبيض برقعة حمراء؛ فهو أخرج. "تطلب الإضاضا" أي: تطلب موضعا تدخل فيه، وتلجأ إليه. اهـ (2) البيت لرؤبة (اللسان: وفض) . وقال: قبله. ويقال لقيته على أوفاض: على عجلة، مثل أوفاز وجاء على وفض ووفض (بتسكين الفاء وفتحها) أي: على عجل إلى علامات يستبقون. حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) قال: إلى علم يسعون. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (يُوفِضُونَ) قال: يستبقون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: (كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) : إلى علم يسعون. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: (كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) قال: إلى عَلَم يوفضون، قال: يسعون. حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: سمعت أبا عمر يقول: سمعت يحيى بن أبي كثير يقول: (كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) قال: إلى غاية يستبقون. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) إلى علم ينطلقون. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) قال: إلى علم يستبقون. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) قال: النصب: حجارة كانوا يعبدونها، حجارة طوال يقال لها نصب. وفي قوله: (يُوفِضُونَ) قال: يُسرعون إليه كما يُسرعون إلى نصب يوفضون؛ قال ابن زيد: والأنصاب التي كان أهل الجاهلية يعبدونها ويأتونها ويعظمونها، كان أحدهم يحمله معه، فإذا رأى أحسن منه أخذه، وألقى هذا، فقال له: (كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) . حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا مرّة، عن الحسن، في قوله: (كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) قال: يبتدرون إلى نصبهم أيهم يستلمه أوّل. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد بن مسعدة، قال: ثنا قرّة، عن الحسن، مثله. وقوله: (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ) يقول: خاضعة أبصارهم للذي هم فيه من الخزي والهوان، (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) يقول: تغشاهم ذلة، (ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) يقول عزّ وجلّ: هذا اليوم الذي وصفت صفته، وهو يوم القيامة، الذي كان مشركو قريش يوعدونَ في الدنيا أنهم لا قوه في الآخرة، كانوا يُكَذّبون به. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ذَلِكَ الْيَوْمُ) : يوم القيامة (الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) . آخر تفسير سورة سأل سائل. تفسير سورة نوح بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) } يقول تعالى ذكره: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) وهو نوح بن لمَكَ (إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) يقول: أرسلناه إليهم بأن أنذر قومك؛ فأن في موضع نصب في قول بعض أهل العربية، وفي موضع خفض في قول بعضهم. وقد بيَّنت العلل لكلّ فريق منهم، والصواب عندنا من القول في ذلك فيما مضى من كتابنا هذا، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وهي في قراءة عبد الله (1) فيما ذُكر (إنَّا أرْسَلْنا نُوحًا إلى قَوْمِهِ أنْذِرْ قَوْمَكَ) بغير "أن" ، وجاز ذلك لأن الإرسال بمعنى القول، فكأنه قيل: قلنا لنوح: أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم؛ وذلك العذاب الأليم هو الطوفان الذي غرّقهم الله به. وقوله: (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) يقول تعالى ذكره: قال نوح لقومه: يا قوم إني لكم نذير مبين، أنذركم عذاب الله فاحذروه أن ينزل بكم على كفركم به (مُبِينٌ) يقول: قد أبنت لكم إنذاري إياكم. وقوله: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه: (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) بأن اعبدوا الله، يقول: إني لكم نذير أنذركم، وآمركم (1) هو عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل، مقرئ القرآن، ومعلم أهل الكوفة. بعبادة الله (وَاتَّقُوهُ) يقول: واتقوا عقابه بالإيمان به، والعمل بطاعته (وَأَطِيعُونِ) يقول: وانتهوا إلى ما آمركم به، واقبلوا نصيحتي لكم. وقد حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ) قال: أرسل الله المرسلين بأن يُعْبَد اللهُ وحده، وأن تتقي محارمه، وأن يُطاع أمره. وقوله: (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) يقول: يغفر لكم ذنوبكم. فإن قال قائل: أو ليست "من" دالة على البعض؟ قيل: إن لها معنيين وموضعين، فأما أحد الموضعين فهو الموضع الذي لا يصح فيه غيرها. وإذا كان ذلك كذلك لم تدلّ إلا على البعض، وذلك كقولك: اشتريت من مماليكك، فلا يصح في هذا الموضع غيرها، ومعناها: البعض، اشتريت بعض مماليكك، ومن مماليكك مملوكا. والموضع الآخر: هو الذي يصلح فيه مكانها عن فإذا، صلحت مكانها "عن" دلت على الجميع، وذلك كقولك: وجع بطني من طعام طعمته، فإن معنى ذلك: أوجع بطني طعام طعمته، وتصلح مكان "من" عن، وذلك أنك تضع موضعها "عن" ، فيصلح الكلام فتقول: وجع بطني عن طعام طعمته، ومن طعام طعمته، فكذلك قوله: (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) إنما هو: ويصفح لكم، ويعفو لكم عنها؛ وقد يحتمل أن يكون معناها يغفر لكم من ذنوبكم ما قد وعدكم العقوبة عليه. فأما ما لم يعدكم العقوبة عليه فقد تقدّم عفوه لكم عنها. وقوله: (وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) يقول: ويؤخِّر في آجالكم فلا يهلككم بالعذاب، لا بغَرَق ولا غيره (إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) يقول: إلى حين كتب أنه يبقيكم إليه، إن أنتم أطعتموه وعبدتموه، في أمّ الكتاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) قال: ما قد خطّ من الأجل، فإذا جاء أجل الله لا يؤخَّر. وقوله: (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) يقول تعالى ذكره: إن أجل الله الذي قد كتبه على خلقه في أمّ الكتاب إذا جاء عنده لا يؤخر عن ميقاته، فينظر بعده (لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) يقول: لو علمتم أن ذلك كذلك، لأنبتم إلى طاعة ربكم. ![]()
__________________
|
#1356
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ نوح الحلقة (1356) صــ 631 الى صــ640 القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) } يقول تعالى ذكره: قال نوح لما بلغ قومه رسالة ربه، وأنذرهم ما أمره به أن ينذرهموه فعصوه، وردّوا عليه ما أتاهم به من عنده (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا) إلى توحيدك وعبادتك، وحذرتهم بأسك وسطوتك، (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا) يقول: فلم يزدهم دعائي إياهم إلى ما دعوتهم إليه من الحقّ الذي أرسلتني به لهم (إِلا فِرَارًا) يقول: إلا إدبارا عنه وهربا منه وإعراضا عنه. وقد حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا) قال: بلغنا أنهم كانوا يذهب الرجل بابنه إلى نوح، فيقول لابنه: احذر هذا لا يغوينك، فأراني قد ذهب بي أبي إليه وأنا مثلك، فحذرني كما حذّرتك. وقوله: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ) يقول جلّ وعزّ: وإني كلما دعوتهم إلى الإقرار بوحدانيتك، والعمل بطاعتك، والبراءة من عبادة كلّ ما سواك، لتغفر لهم إذا هم فعلوا ذلك جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا دعائي إياهم إلى ذلك (وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ) يقول: وتغشوا في ثيابهم، وتغطوا بها لئلا يسمعوا دعائي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ) لئلا يسمعوا كلام نوح عليه السلام. وقوله: (وَأَصَرُّوا) يقول: وثبتوا على ما هم عليه من الكفر وأقاموا عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَأَصَرُّوا) قال: الإصرار إقامتهم على الشرّ والكفر. وقوله: (وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا) يقول: وتكبروا فتعاظموا عن الإذعان للحقّ، وقبول ما دعوتهم إليه من النصيحة. القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) } القول في تأويل قوله تعالى: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) } يقول: (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ) إلى ما أمرتني أن أدعوهم إليه (جِهَارًا) ظاهرا في غير خفاء. كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ووقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا) قال: الجهار الكلام المعلن به. وقوله: (ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) يقول: صرخت لهم، وصحت بالذي أمرتني به من الإنذار. كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (أَعْلَنْتُ لَهُمْ) قال: صحْت. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد (أَعْلَنْتُ لَهُمْ) يقول: صحت بهم. وقوله: (وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) يقول: وأسررت لهم ذلك فيما بيني وبينهم في خفاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نحيح، عن مجاهد، قوله: (وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) قال: فيما بيني وبينهم. وقوله: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) يقول: فقلت لهم: سلوا ربكم غفران ذنوبكم، وتوبوا إليه من كفركم، وعبادة ما سواه من الآلهة ووحدوه، وأخلصوا له العبادة، يغفر لكم، إنه كان غفارًا لذنوب من أناب إليه، وتاب إليه من ذنوبه. وقوله: (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) يقول: يسقيكم ربكم إن تبتم ووحدتموه وأخلصتم له العبادة الغيث، فيرسل به السماء عليكم مدرارا متتابعا. وقد حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا سفيان، عن مطرف، عن الشعبيّ، قال: خرج عمر بن الخطاب يستسقي، فما زاد على الاستغفار، ثم رجع فقالوا: يا أمير المؤمنين ما رأيناك استسقيت، فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) وقرأ الآية التي في سورة هود حتى بلغ: (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) . القول في تأويل قوله تعالى: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) } وقوله: (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ) يقول: ويعطكم مع ذلك ربكم أموالا وبنين، فيكثرها عندكم ويزيد فيما عندكم منها (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ) يقول: يرزقكم بساتين (وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) تسقون منها جناتكم ومزارعكم؛ وقال ذلك لهم نوح، لأنهم كانوا فيما ذُكر قوم يحبون الأموال والأولاد. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا) ... إلى قوله: (وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) قال: رأى نوح قوما تجزّعت أعناقهم حرصا على الدنيا، فقال: هلموا إلى طاعة الله، فإن فيها درك الدنيا والآخرة. وقوله: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: ما لكم لا ترون لله عظمة. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) يقول: عظمة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) قال: لا ترون لله عظمة. حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، مثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح وقيس، عن مجاهد، في قوله: (لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) قال: لا تبالون لله عظمة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عمرو بن عبيد، عن منصور، عن مجاهد (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) قال: كانوا لا يبالون عظمة الله. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) يقول: عظمة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) قال: لا تبالون عظمة ربكم؛ قال: والرجاء: الطمع والمخافة. وقال آخرون: معنى ذلك: لا تعظمون الله حق عظمته. * ذكر من قال ذلك: حدثني سلم بن جنادة، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) قال: ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته. وقال آخرون: ما لكم لا تعلمون لله عظمة. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) يقول: ما لكم لا تعلمون لله عظمة. وقال آخرون: بل معنى ذلك ما لكم لا ترجون لله عاقبة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) أي عاقبة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) قال: لا ترجون لله عاقبة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما لكم لا ترجون لله طاعة. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) قال: الوقار: الطاعة. وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معنى ذلك: ما لكم لا تخافون لله عظمة، وذلك أن الرجاء قد تضعه العرب إذا صحبه الجحد في موضع الخوف، كما قال أبو ذُويب: إذا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَم يَرْجُ لَسْعَها وَخالَفَها في بَيْتِ نُوبٍ عَوَاسِلِ (1) يعني بقوله: "ولم يرج" : لم يخف. وقوله: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) يقول: وقد خلقكم حالا بعد حال، طورا نُطْفة، وطورا عَلَقة، وطورا مضغة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) يقول: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَقَدْ خَلَقَكُمْ (1) سيق استشهاد المؤلف بالبيت في الجزءين (5: 264، 11: 87) وشرحناه فيهما شرحا مستوفى، فراجعه فيهما. أَطْوَارًا) قال: من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم ما ذكر حتى يتمّ خلقه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) طورا نطفة، وطورا علقة، وطورا عظاما، ثم كسا العظام لحما، ثم أنشأه خلقا آخر، أنبت به الشعر، فتبارك الله أحسن الخالقين. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) قال: نطفة، ثم علقة، ثم خلقا طورا بعد طور. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) يقول: من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) قال: طورا النطفة، ثم طورا أمشاجا حين يمشج النطفة الدم، ثم يغلب الدم على النطفة، فتكون علقة، ثم تكون مضغة، ثم تكون عظاما، ثم تكسى العظام لحما. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) قال: نطفة، ثم علقة، شيئا بعد شيء. القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) } يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح صلوات الله وسلامه عليه، لقومه المشركين بربهم، محتجا عليهم بحجج الله في وحدانيته: (أَلَمْ تَرَوْا) أيها القوم فتعتبروا (كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا) بعضها فوق بعض، والطباق: مصدر من قولهم: طابقت مطابقة وطباقا. وإنما عني بذلك: كيف خلق الله سبع سموات، سماء فوق سماء مطابقة. وقوله: (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا) يقول: وجعل القمر في السموات السبع نورا (وَجَعَلَ الشَّمْسَ) فيهن (سِرَاجًا) . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن قتادة (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا) ذكر لنا أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يقول: إن ضوء الشمس والقمر نورهما في السماء، اقرءوا إن شئتم: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا) ... إلى آخر الآية. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن عبد الله بن عمرو أنه قال: إن الشمس والقمر وجوههما قِبَل السموات، وأقفيتهما قِبَل الأرض، وأنا أقرأ بذلك آية من كتاب الله: (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا) . حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا) يقول: خلق القمر يوم خلق سبع سموات. وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: إنما قيل (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا) على المجاز، كما يقال: أتيت بني تميم، وإنما أتى بعضهم (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتًا) يقول: والله أنشأكم من تراب الأرض، فخلقكم منه إنشاء (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا) يقول: ثم يعيدكم في الأرض كما كنتم ترابا فيصيركم كما كنتم من قبل أن يخلقكم (وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا) يقول ويخرجكم منها إذا شاء أحياء كما كنتم بشرا من قبل أن يعيدكم فيها، فيصيركم ترابا إخراجا. القول في تأويل قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) } يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه، مذكِّرهم نِعَم ربه: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ بِسَاطًا) تستقرّون عليها وتمتهدونها. وقوله: (لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا) يقول: لتسلكوا منها طرقا صعابا متفرقة؛ والفجاج: جمع فجّ، وهو الطريق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا) قال: طرقا وأعلاما. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا) قال: طرقا. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا) يقول: طُرقًا مختلفة. وقوله: (قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي) فخالفوا أمري، وردّوا عليّ ما دعوتهم إليه من الهدى والرشاد (وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا) يقول: واتبعوا في معصيتهم إياي من دعاهم إلى ذلك، ممن كثر ماله وولده، فلم تزده كثرة ماله وولده إلا خسارا، بُعدا من الله، وذهابا عن مَحَجَّة الطريق. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وَوَلَدُهُ) فقرأته عامة قرّاء المدينة: (وَوَلَدُهُ) بفتح الواو واللام، وكذلك قرءوا ذلك في جميع القرآن. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بضم الواو وسكون اللام، وكذلك كلّ ما كان من ذكر الولد من سورة مريم إلى آخر القرآن. وقرأ أبو عمرو كلّ ما في القرآن من ذلك بفتح الواو واللام في غير هذا الحرف الواحد في سورة نوح، فإنه كان يضمّ الواو منه. والصواب من القول عندنا في ذلك، أن كلّ هذه القراءات قراءات معروفات، متقاربات المعاني، فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيب. وقوله: (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا) يقول: ومكروا مكرا عظيما. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (كُبَّارًا) قال: عظيما. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا) كثيرا، كهيئة قوله: (لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا) والكُبَّار: وهو الكبير، كما قال ابن زيد، تقول العرب: أمر عجيب وعجاب بالتخفيف، وعُجَّاب بالتشديد؛ ورجل حُسَان وحَسَّان، وجُمال وَجمَّالٌ بالتخفيف والتشديد، وكذلك كبير وكُبَّار بالتخفيف والتشديد. القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالا (24) } يقول تعالى ذكره مخبرا عن إخبار نوح، عن قومه: (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) كان هؤلاء نفرًا من بني آدم فيما ذُكر عن آلهة القوم التي كانوا يعبدونها. وكان من خبرهم فيما بلغنا ما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى، عن محمد بن قيس (وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) قال: كانوا قومًا صالحين من بنى آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صوّرناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوّروهم، فلما ماتوا، وجاء آخرون دبّ إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يُسقون المطر فعبدوهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرِمة، قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام. وقال آخرون: هذه أسماء أصنام قوم نوح. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) قال: كان ودّ لهذا الحيّ من كَلْب بدومة الجَندل، وكانت سُواع لهذيل برياط، وكان يغوث لبني عُطَيف من مُراد بالجُرْف من سبَأ، وكان يعوق لهمدان ببلخع، وكان نسر لذي كلاع من حِمْير؛ قال: وكانت هذه الآلهة يعبدها قوم نوح، ثم اتخذها العرب بعد ذلك. والله ما عدا خشبة أو طينة أو حجرًا. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) قال: كانت آلهة يعبدها قوم نوح، ثم عبدتها العرب بعد ذلك، قال: فكان ودّ لكلب بدومة الجندل، وكان سُواعٌ لهُذَيل، وكان يغوث لبني عطيف من مراد بالجُرف، وكان يعوق لهمْدان، وكان نَسْر لذي الكُلاع من حِمْير. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) قال: هذه أصنام كانت تُعبد في زمان نوح. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) قال: هذه أصنام، وكانت تُعبد في زمان نوح. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) هي آلهة كانت تكون باليمن. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) قال: هذه آلهتهم التي يعبدون. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وُدًّا) فقرأته عامة قرّاء المدينة (وُدًّا) بضم الواو، وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة: (وَدًّا) بفتح الواو. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان في قرّاء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح: وقد ضلّ بعبادة هذه الأصنام التي أُحدثت على صور هؤلاء النفر المسمينَ في هذا الموضع كثير من الناس فنُسِب الضّلال إذ ضلَّ بها عابدوها إلى أنها المُضِلة. وقوله: (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالا) يقول: ولا تزد الظالمين أنفسهم بكفرهم بآياتنا إلا ضلالا إلا طبعًا على قلبه، حتى لا يهتدي للحقّ. القول في تأويل قوله تعالى: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) يعني تعالى ذكره بقوله: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ) من خطيئاتهم (أُغْرِقُوا) والعرب تجعل "ما" صلة فيما نوى به مذهب الجزاء، كما يقال: أينما تكن أكن، وحيثما تجلس أجلس، ومعنى الكلام: من خطيئاتهم أُغرقوا. ![]()
__________________
|
#1357
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الجن الحلقة (1357) صــ 641 الى صــ650 وكان ابن زيد يقول في ذلك ما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ) قال: فبخطيئاتهم (أُغْرِقُوا) فأدخلوا نارا، وكانت الباء ههنا فصلا في كلام العرب. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قوله: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا) قال: بخطيئاتهم أُغرقوا. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار غير أبي عمرو (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ) بالهمز والتاء، وقرأ ذلك أبو عمرو (مِما خَطاياهُمْ) بالألف بغير همز. والقول عندنا أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب. وقوله: (فَأُدْخِلُوا نَارًا) جهنم (فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا) تقتصّ لهم ممن فعل ذلك بهم، ولا تحول بينهم وبين ما فعل بهم. وقوله: (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) ويعني بالدَّيار: من يدور في الأرض، فيذهب ويجيء فيها وهو فَيْعال من الدوران ديوارًا، اجتمعت الياء والواو، فسبقت الياء الواو وهي ساكنة، وأدغمت الواو فيها، وصيرتا ياءً مشددة، كما قيل: الحيّ القيام من قمت، وإنما هو قيوام، والعرب تقول: ما بها ديار ولا عريب، ولا دويّ ولا صافر، ولا نافخ ضرمة، يعني بذلك كله: ما بها أحد. القول في تأويل قوله تعالى: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَارًا (28) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح في دعائه إياه على قومه: إنك يا ربّ إن تذر الكافرين أحياء على الأرض، ولم تهلكهم بعذاب من عندك (يُضِلُّوا عِبَادَكَ) الذين قد آمنوا بك، فيصدوهم عن سبيلك، (وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا) في دينك (كُفَّارًا) لنعمتك. وذُكر أن قيل نوح هذا القول ودعاءه هذا الدعاء، كان بعد أن أوحى إليه ربه: (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ) . * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) أما والله ما دعا عليهم حتى أتاه الوحي من السماء (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ) فعند ذلك دعا عليهم نبي الله نوح فقال: (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا) ثم دعاه دعوة عامة فقال: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) ... إلى قوله: (تَبَارًا) . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: تلا قتادة (لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) ثم ذكره نحوه. وقوله: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) يقول: ربّ اعف عني، واستر عليّ ذنوبي وعلى والدي (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا) يقول: ولمن دخل مسجدي ومصلايَ مصلِّيا مؤمنا، يقول: مصدّقا بواجب فرضك عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن آدم، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن أبي سنان، عن الضحاك (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا) قال: مسجدي. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي سلمة، عن أبي سنان سعيد، عن الضحاك مثله. وقوله: (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) يقول: وللمصدّقين بتوحيدك والمصدّقات. وقوله: (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَارًا) يقول: ولا تزد الظالمين أنفسهم بكفرهم إلا خسارًا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (إِلا تَبَارًا) قال: خسارًا. وقد بينت معنى قول القائل: تبرت، فيما مضى بشواهده، وذكرت أقوال أهل التأويل فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، قال: قال معمر: ثنا الأعمش، عن مجاهد، قال: كانوا يضربون نوحًا حتى يُغْشَى عليه، فإذا أفاق قال: ربّ اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. آخر تفسير سورة نوح صلى الله عليه وسلم. تفسير سورة الجن بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا (3) } يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد أوحى الله إلىَّ (أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) هذا القرآن (فَقَالُوا) لقومهم لما سمعوه: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) يقول: يدلّ على الحقّ وسبيل الصواب (فَآمَنَّا بِهِ) يقول: فصدّقناه (وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) من خلقه. وكان سبب استماع هؤلاء النفر من الجنّ القرآن، كما حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا أبو هشام، يعني المخزومي، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنّ ولا رآهم؛ انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، قال: وقد حِيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأُرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأُرسلت علينا الشهب، فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث. قال: فانطلقوا فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حدث، قال: فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، يتتبعون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء؛ قال: فانطلق النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة، وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر؛ قال: فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، قال: فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) قال: فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) وإنما أوحي إليه قول الجنّ. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عاصم، عن ورقاء، قال: قدم رهط زوبعة وأصحابه مكة على النبيّ صلى الله عليه وسلم فسمعوا قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم انصرفوا، فذلك قوله: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا) قال: كانوا تسعة فيهم زوبعة. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) هو قول الله (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ) لم تُحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد؛ فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم حرست السماء الدنيا، ورُميت الشياطين بالشهب، فقال إبليس: لقد حدث في الأرض حدث، فأمر الجنّ فتفرّقت في الأرض لتأتيه بخبر ما حدث. وكان أوّل من بُعث نفر من أهل نصيبين وهي أرض باليمن، وهم أشراف الجنّ، وسادتهم، فبعثهم إلى تهامة وما يلي اليمن، فمضى أولئك النفر، فأتوا على الوادي وادي نخلة، وهو من الوادي مسيرة ليلتين، فوجدوا به نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الغداة فسمعوه يتلو القرآن؛ فلما حضروه، قالوا: أنصتوا، فلما قُضِيَ، يعني فُرِغ من الصلاة، وَلَّوْا إلى قومهم منذرين، يعني مؤمنين، لم يعلم بهم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ولم يشعر أنه صُرِف إليه، حتى أنزل الله عليه: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) . وقوله: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: فآمنا به ولن نُشرك بربنا أحدًا، وآمنا بأنه تعالى أمر ربنا وسلطانه وقُدرته. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) يقول: فعله وأمره وقُدرته. حدثني محمد بن سعد، قال: ثنا أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) يقول: تعالى أمر ربنا. حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المُثنَّى قالا ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة في هذه الآية: (تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) قال: أمر ربنا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ: (تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) قال: أمر ربنا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا) قال: تعالى أمرُه أن يتخذ -ولا يكون الذي قالوا-: صاحبة ولا ولدا، وقرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) قال: لا يكون ذلك منه. وقال آخرون: عني بذلك جلال ربنا وذكره. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال، قال عكرِمة، في قوله: (جَدُّ رَبِّنَا) قال: جلال ربنا. حدثني محمد بن عمارة، قال: ثني خالد بن يزيد، قال: ثنا أبو إسرائيل، عن فضيل، عن مجاهد، في قوله: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) قال: جلال ربنا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران عن سفيان، عن سليمان التَّيْمِيّ قال، قال عكرِمة: (تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) جلال ربنا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) : أي تعالى جلاله وعظمته وأمره. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) قال: تعالى أمر ربنا: تعالت عظمته. وقال آخرون: بل معنى ذلك: تعالى غنى ربنا. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال، قال الحسن، في قوله: (تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) قال: غنى ربنا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن الحسن (تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) قال: غنى ربنا. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) قال: غِنَى ربنا. حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا هشيم، عن سليمان التيمي، عن الحسن وعكرِمة، في قول الله: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) قال أحدهما: غناه، وقال الآخر: عظمته. وقال آخرون: عُنِي بذلك الجدّ الذي هو أب الأب، قالوا: ذلك كان من كلام جهلة الجنّ. * ذكر من قال ذلك: حدثني أبو السائب، قال: ثني أبو جعفر محمد بن عبد الله بن أبي سارة، عن أبيه، عن أبي جعفر: (تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) قال: كان كلامًا من جهلة الجنّ. وقال آخرون: عُنِي بذلك: ذكره. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) قال: ذكره. وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: عُنِي بذلك: تعالت عظمة ربنا وقُدرته وسلطانه. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن للجدِّ في كلام العرب معنيين أحدهما الجدّ الذي هو أبو الأب، أو أبو الأم، وذلك غير جائز أن يوصف به هؤلاء النفر الذين وصفهم الله بهذه الصفة، وذلك أنهم قد قالوا: (فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) ومن وصف الله بأن له ولدًا أو جدًّا أو هو أبو أب أو أبو أمّ، فلا شكّ أنه من المشركين. والمعنى الآخر: الجَدّ الذي بمعنى الحظ؛ يقال: فلان ذو جدّ في هذا الأمر: إذا كان له حظّ فيه، وهو الذي يُقال له بالفارسية: البَخْت، وهذا المعنى قصده هؤلاء النفر من الجنّ بقيلهم: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) إن شاء الله. وإنما عَنَوا أن حظوته من المُلك والسلطان والقدرة والعظمة عالية، فلا يكون له صاحبة ولا ولد؛ لأن الصاحبة إنما تكون للضعيف العاجز الذي تضطرّه الشهوة الباعثة إلى اتخاذها، وأن الولد إنما يكون عن شهوة أزعجته إلى الوِقاع الذي يحدث منه الولد، فقال النفر من الجنّ: علا مُلك ربنا وسُلطانه وقدرته وعظمته أن يكون ضعيفًا ضعف خلقه الذين تضطرّهم الشهوة إلى اتخاذ صاحبة، أو وِقاع شيء يكون منه ولد. وقد بين عن صحة ما قلنا في ذلك إخبار الله عنهم أنهم إنما نزهوا الله عن اتخاذ الصاحبة والولد بقوله: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا) يقال منه: رجل جدّي وجديد ومجدود: أي ذو حظّ فيما هو فيه، ومنه قول حاتم الطائي: أغْزُوا بني ثُعْلٍ فالغَزْوُ جَدُّكُمُ عُدُّوا الرَّوَابي وَلا تَبْكُوا لِمَنْ قُتِلا (1) وقال آخر: يُرَفعُ جَدُّكَ إنِّي اْمُرؤٌ سَقَتْني إلَيْكَ الأعادِي سِجالا (2) وقوله: (مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً) يعني زوجة (وَلا وَلَدًا) . ![]()
__________________
|
#1358
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الجن الحلقة (1358) صــ 651 الى صــ660 واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وَأَنَّهُ تَعَالَى) فقرأه أبو جعفر القارئ وستة أحرف أُخر بالفتح، منها: (أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ) (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا) (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ) (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ) (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) وكان نافع يكسرها إلا ثلاثة أحرف: أحدها: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ) والثانية (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا) والثالثة (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) . وأما قرّاء الكوفة غير عاصم، فإنهم يفتحون جميع ما في آخر سورة النجم وأوّل سورة الجنّ إلا قوله: (فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا) وقوله: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي) وما بعده إلى آخر السورة، وأنهم يكسرون ذلك غير قوله: (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ) . وأما عاصم فإنه كان (1) البيت لحاتم الطائي (شعراء النصرانية 128) وفيه: "حظكم" في موضع "جدكم" وهما بمعنى. قال شارحه: والروابي: الأشراف، أو الأصل والشرف. وفي (اللسان: جدد) وفي التنزيل العزيز: (وأنه تعالى جد ربنا) قيل: جده عظمته، وقيل: غناه. وقال مجاهد: جد ربنا: جلال ربنا. وقال بعضهم: عظمة ربنا، وهما قريبان من السواء. اهـ. وهذه التأويلات صالحة لتأويل قول حاتم، فالغزو: هو عز العرب وعظمتهم وسبب هيبتهم وجلالهم في أعين أعدائهم. وشجاعتهم في الحرب والنزال: هي حظهم الذي عرفوا به في الدنيا، يأبون الضيم، ويأنفون من استذلال الملوك والجبابرة لهم. (2) هذا البيت لم ينسبه المؤلف. وهو أشبه بقول الحطيئة في لاميته المنصوبة، التي يخاطب بها سيدنا عمر بن الخطاب، معتذرا عن هجائه الزبرقان بن بدر التميمي، ومطلعها: "نأتك أمامة إلا سؤالا" ، ولم أجده في ديوان الحطيئة المطبوع، ولا في جمهرة أشعار العرب (151 - 154) . وقوله: يرفع جدك: يدعو له بأن يرفع الله حظه وذكره. والسجال: جمع سَجْل، وهو الدلو يعتذر إليه مما دسه عليه الوشاة يكسر جميعها إلا قوله: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) فإنه كان يفتحها، وأما أبو عمرو، فإنه كان يكسر جميعها إلا قوله: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) فإنه كان يفتح هذه وما بعدها؛ فأما الذين فتحوا جميعها إلا في موضع القول، كقوله: (فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا) وقوله: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي) ونحو ذلك، فإنهم عطفوا أن في كلّ السورة على قوله: (فَآمَنَّا بِهِ) وآمنا بكلّ ذلك، ففتحوها بوقوع الإيمان عليها. وكان الفرّاء يقول: لا يمنعنك أن تجد الإيمان يقبح في بعض ذلك من الفتح، وأن الذي يقبح مع ظهور الإيمان قد يحسن فيه فعل مضارع للإيمان، فوجب فتح أنّ كما قالت العرب: إذَا ما الغَانِياتُ بَرَزْنَ يَوْمًا وزَجَّجْنَ الْحَوَاجِبَ والعُيُونا (1) فنصب العيون لاتباعها الحواجب، وهي لا تزجج، وإنما تكحل، فأضمر لها الكحل، كذلك يضمر في الموضع الذي لا يحسن فيه آمنا صدّقنا وآمنا وشهدنا. قال: وبقول النصب قوله: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) فينبغي لمن كسر أن يحذف "أن" من "لو" ؛ لأن "أن" إذا خُففت لم تكن حكاية. ألا ترى أنك تقول: أقول لو فعلت لفعلت، ولا تدخل "أن" . وأما الذين كسروها كلهم وهم في ذلك يقولون: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا) فكأنهم أضمروا يمينا مع "لو" وقطعوها عن النسق على أوّل الكلام، فقالوا: والله أن لو استقاموا؛ قال: والعرب تدخل "أن" في هذا الموضع مع اليمين وتحذفها، قال الشاعر: فَأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أتانا رَسُولُهُ سِوَاكَ وَلَكِن لَمْ نَجدْ لَكَ مَدْفَعا (2) قالوا: وأنشدنا آخر: أمَا وَالله أنْ لَوْ كُنْتَ حرًّا ومَا بالْحُرّ أنْتَ وَلا العَتِيقِ (3) (1) سبق الاستشهاد بالبيت في الجزء (27: 176) وشرحناه هناك شرحا مبسوطا، فارجع إليه (2) البيت لامرئ القيس، وقد سبق الاستشهاد به في الجزئين (12: 18، 13: 152) فارجع إليه فيهما، فقد شرحناه مطولا. (3) البيت من شواهد النحويين على "أن" المخففة من الثقيلة قيل: تعمل، وقيل: لا تعمل (الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري طبعة القاهرة 1: 126 ولم ينسبه) . وقال الفراء في معاني القرآن، واستشهد بالبيت (الورقة 344) : والعرب تدخل أن في هذا الموضع مع اليمين، وتحذفها. قال الشاعر: "فأقسم لو شيء.." البيت. وأنشدني آخر: "أما والله أن.." البيت. وقد نقل المؤلف كلام الفراء جميعه في فتح همزة أن وكسرها في آيات سورة الجن، فلا نطول الكلام بنقله، ونكتفي بهذه الإشارة وأدخل "أن" من كسرها كلها، ونصب (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) فإنه خصّ، ذلك بالوحي، وجعل (وأنْ لَوْ) مضمرة فيها اليمين على ما وصفت. وأما نافع فإن ما فتح من ذلك فإنه ردّه على قوله: (أُوحِيَ إِلَيَّ) وما كسره فإنه جعله من قول الجنّ، وأحبّ ذلك إلي أن أقرأ به الفتح فيما كان وحيا، والكسر فيما كان من قول الجنّ؛ لأن ذلك أفصحها في العربية، وأبينها في المعنى، وأن كان للقراءات الأخر وجوه غير مدفوعة صحتها. القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) } يقول عزّ وجلّ مخبرا عن قيل النفر من الجنّ الذين استمعوا القرآن (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا) وهو إبليس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) وهو إبليس. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل من المكيين، عن مجاهد (سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) قال: إبليس: ثم قال سفيان: سمعت أن الرجل إذا سجد جلس إبليس يبكي يقول: يا ويله أمر بالسجود فعصَى، فله النار، وأمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة. حدثني ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: تلا قتادة: (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) فقال: عصاه والله سفيه الجنّ، كما عصاه سفيه الإنس. وأما الشَّطط من القول، فإنه ما كان تعدِّيًا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) قال: ظلمًا. وقوله: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) يقول: قالوا: وأنا حسبنا أن لن تقول بنو آدم والجنّ على الله كذبا من القول، والظنّ هاهنا بمعنى الشك، وإنما أنكر هؤلاء النفر من الجنّ أن تكون علمت أن أحدًا يجترئ على الكذب على الله لما سمعت القرآن، لأنهم قبل أن يسمعوه وقبل أن يعلموا تكذيب الله الزاعمين أن لله صاحبة وولدًا، وغير ذلك من معاني الكفر كانوا يحسبون أن إبليس صادق فيما يدعو بني آدم إليه من صنوف الكفر؛ فلما سمعوا القرآن أيقنوا أنه كان كاذبا في كلّ ذلك، فلذلك قالوا: (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) فسموه سفيهًا. وقوله: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر: وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن في أسفارهم إذا نزلوا منازلهم. وكان ذلك من فعلهم فيما ذكر لنا، كالذي حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ) قال: كان رجال من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي، فزادهم ذلك إثما. حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا هشيم، عن عوف، عن الحسن، في قوله: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ) قال: كان الرجل منهم إذا نزل الوادي فبات به، قال: أعوذ بعزيز هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في قوله: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ) كانوا إذا نزلوا الوادي قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي من شرّ ما فيه، فتقول الجنّ: ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضرّا ولا نفعا. قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ) قال: كانوا في الجاهلية إذا نزلوا بالوادي قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي، فيقول الجنيون: تتعوّذون بنا ولا نملك لأنفسنا ضرّا ولا نفعا! حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ) قال: كانوا يقولون إذا هبطوا واديا: نعوذ بعظماء هذا الوادي. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ) ذُكر لنا أن هذا الحيّ من العرب كانوا إذا نزلوا بواد قالوا: نعوذ بأعز أهل هذا المكان؛ قال الله: (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) : أي إثما، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ) كانوا في الجاهلية إذا نزلوا منزلا يقولون: نعوذ بأعزّ أهل هذا المكان. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ) قال: كانوا يقولون: فلان من الجنّ ربّ هذا الوادي، فكان أحدهم إذا دخل الوادي يعوذ بربّ الوادي من دون الله، قال: فيزيده بذلك رهقا، وهو الفرَق. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) قال كان الرجل في الجاهلية إذا نزل بواد قبل الإسلام قال: إن أعوذ بكبير هذا الوادي، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم. وقوله: (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فزاد الإنس بالجن باستعاذتهم بعزيزهم، جراءة عليهم، وازدادوا بذلك إثما. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) فزادهم ذلك إثما. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال، قال الله: (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) : أي إثما، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) يقول: خطيئة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) قال: فيزدادون عليهم جراءة. قال ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) قال ازدادوا عليهم جراءة. وقال آخرون: بل عني بذلك أن الكفار زادوا بذلك طغيانا. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نحيح، عن مجاهد، قوله: (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) قال: زاد الكفار طغيانا. وقال آخرون: بل عني بذلك فزادوهم فَرَقا. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) قال: فيزيدهم ذلك رهقا، وهو الفرق. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) قال: زادهم الجنّ خوفا. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فزاد الإنس الجنّ بفعلهم ذلك إثما، وذلك زادوهم به استحلالا لمحارم الله. والرهق في كلام العرب: الإثم وغِشيان المحارم؛ ومنه قول الأعشى: لا شَيْءَ يَنْفَعُنِي مِنْ دُونِ رُؤْيَتِها هلْ يَشْتَفِي وَامِقٌ ما لم يُصِبْ رَهَقا (1) (1) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبع القاهرة 365 من القصيدة المرقومة80) . وفي اللسان: (رهق) قال: والرهق: غشيان المحارم من شرب الخمر ونحوه. قال ابن بري: وكذلك فسر الرهق في شعر الأعشى: بأنه غشيان المحارم، وما لا خير فيه قوله: "لا شيء ينفعني.." البيت قلت: وتفسير ابن برى لا يعجبني، لأن الأعشى لم يكن يعرف المحرمات، وإنما يحسن تفسيره كما قال شارح الديوان: إن الرهق: الدنو من المحبوب والقرب منه، والتمنع بما ينوله، فأما إذا كان بعيدا عنه فلا شفاء ولا قرار. وفي (اللسان: رهق) عن الزجاج، فزادهم رهقا: أي ذلة وضعفا. وقيل: سفها وطغيانا. وقيل في تفسيره: الظلم. وقيل: الفساد.. إلخ يقول: ما لم يغش محرما. القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) } يقول تعالى ذكره. مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجنّ (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا) يعني أن الرجال من الجنّ ظنوا كما ظنّ الرجال من الإنس أن لن يبعث الله أحدا رسولا إلى خلقه، يدعوهم إلى توحيده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن الكلبيّ (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ) ظنّ كفار الجنّ كما ظنّ كفرة الإنس أن لن يبعث الله رسولا. وقوله: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ) يقول عزّ وجلّ مخبرا عن قيل هؤلاء النفر: وأنا طلبنا السماء وأردناها، (فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ) يقول: فوجدناها ملئت (حَرَسًا شَدِيدًا) يعني حفظة (وَشُهُبًا) وهي جمع شهاب، وهي النجوم التي كانت تُرجم بها الشياطين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد، عن سعيد بن جُبير، قال: كانت الجنّ تستمع، فلما رجموا قالوا: إن هذا الذي حدث في السماء لشيء حدث في الأرض؛ قال: فذهبوا يطلبون حتى رأُوا النبيّ صلى الله عليه وسلم خارجا من سوق عكاظ يصلي بأصحابه الفجر، فذهبوا إلى قومهم مُنذرين. القول في تأويل قوله تعالى: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10) يقول عزّ وجلّ: وأنا كنا معشر الجنّ نقعد من السماء مقاعد لنسمع ما يحدث، وما يكون فيها، (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ) فيها منا (يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) يعني: شهاب نار قد رصد له به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ) ... إلى قوله: (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) كانت الجنّ تسمع سمع السماء؛ فلما بعث الله نبيه، حُرست السماء، ومُنعوا ذلك، فتفقَّدت الجنّ ذلك من أنفسها. وذُكر لنا أن أشراف الجنّ كانوا بنصيبين، فطلبوا ذلك، وضربوا له حتى سقطوا على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بأصحابه عامدًا إلى عكاظ. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا) ... حتى بلغ (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) فلما وجدوا ذلك رجعوا إلى إبليس، فقالوا: منع منا السمع، فقال لهم: إن السماء لم تُحرس قطّ إلا على أحد أمرين: إما لعذاب يريد الله أن ينزله على أهل الأرض بغتة، وإما نبيّ مرشد مصلح؛ قال: فذلك قول الله: (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) . وقوله: (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) يقول عزّ وجلّ مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجنّ: وأنا لا ندري أعذابا أراد الله أن ينزله بأهل الأرض، بمنعه إيانا السمع من السماء ورجمه من استمع منا فيها بالشهب (أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) يقول: أم أراد بهم ربهم الهدى بأن يبعث منهم رسولا مرشدا يرشدهم إلى الحقّ وهذا التأويل على التأويل الذي ذكرناه عن ابن زيد قبل. وذُكر عن الكلبي في ذلك ما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، عن الكلبي في قوله: (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) أن يطيعوا هذا الرسول فيرشدهم أو يعصوه فيهلكهم. وإنما قلنا القول الأوّل لأن قوله: (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ) عقيب قوله: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ) ... الآية، فكان ذلك بأن يكون من تمام قصة ما وليه وقرب منه أولى بأن يكون من تمام خبر ما بعد عنه. القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا (13) } يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيلهم: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ) وهم المسلمون العاملون بطاعة الله (وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) يقول: ومنا دون الصالحين (كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) يقول: وأنا كنا أهواء مختلفة، وفِرَقا شتى، منا المؤمن والكافر. والطرائق: جمع طريقة، وهي طريقة الرجل ومذهبه. والقِدد: جمع قدّة، وهي الضروب والأجناس المختلفة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن حميد الرازي، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، في قوله: (طَرَائِقَ قِدَدًا) يقول: أهواء مختلفة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) يقول: أهواء شتى، منا المسلم، ومنا المشرك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: (كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) كان القوم على أهواء شتى. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (طَرَائِقَ قِدَدًا) قال: أهواء. حدثني ابن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) قال: مسلمين وكافرين. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) قال: شتى، مؤمن وكافر. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) قال: صالح وكافر؛ وقرأ قول الله: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) . وقوله: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأرْضِ) يقول: وأنا علما أن لن نُعجز الله في الأرض إن أراد بنا سوءا (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا) أن طلبنا فنفوته. وإنما وصفوا الله بالقدرة عليهم حيث كانوا (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ) يقول: قالوا: وأنا لما سمعنا القرآن الذي يهدي إلى الطريق المستقيم آمنا به، يقول: صدّقنا به، وأقررنا أنه حق من عند الله (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا) يقول: فمن يصدّق بربه فلا يخاف بخسا: يقول: لا يخاف أن ينقص من حسناته، فلا يجازى عليها؛ ولا رَهَقا: ولا إثما يحمل عليه من سيئات غيره، أو سيئة يعملها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا) يقول: لا يخاف نقصا من حسناته، ولا زيادة في سيئاته. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا) يقول: ولا يخاف أن يبخس من عمله شيء. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَلا يَخَافُ بَخْسًا) : أي ظلما، أن يظلم من حسناته فينقص منها شيئا، أو يحمل عليه ذنب غيره (وَلا رَهَقًا) ولا مأثما. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا) قال: لا يخاف أن يبخس من أجره شيئًا، ولا رهقا؛ فيظلم ولا يعطى شيئا. القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) } يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل النفر من الجن: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ) الذين قد خضعوا لله بالطاعة (وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ) وهم الجائرون عن الإسلام وقصد السبيل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ![]()
__________________
|
#1359
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ الجن الحلقة (1359) صــ 661 الى صــ670 * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ) قال: العادلون عن الحقّ. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (الْقَاسِطُونَ) قال: الظالمون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: (الْقَاسِطُونَ) الجائرون. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (الْقَاسِطُونَ) قال: الجائرون. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد: المقسط: العادل، والقاسط: الجائر وذكر بيت شعر: قَسَطْنا على الأمْلاكِ فِي عَهْدِ تُبَّعٍ وَمِنْ قَبْل ما أدْرَى النفوسَ عِقَابَهَا (1) وقال: وهذا مثل الترب والمترب؛ قال: والترب: المسكين، وقرأ: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) قال: والمترب: الغني. وقوله: (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) يقول: فمن أسلم وخضع لله بالطاعة، فأولئك تعمدوا وترجَّوا رشدا في دينهم. (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ) يقول: الجائرون عن الإسلام، (فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) توقد بهم. (1) البيت استشهد به ابن زيد المحدث على أن القاسطين معناه: الجائرون قال الفراء في معاني القرآن (الورقة 344) : وقوله: (ومنا القاسطون) وهم الجائرون الكفار. والمقسطون: العادلون المسلمون القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) } يقول تعالى ذكره: وأن لو استقام هؤلاء القاسطون على طريقة الحقّ والاستقامة (لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) يقول: لوسعنا عليهم في الرزق، وبسطناهم في الدنيا (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) يقول: لنختبرهم فيه. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) يعني بالاستقامة: الطاعة. فأما الغدق: فالماء الطاهر الكثير (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) يقول: لنبتليهم به. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عبيد الله بن أبي زياد، عن مجاهد (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) طريقة الإسلام (لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) قال: نافعا كثيرا، لأعطيناهم مالا كثيرا (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) حتى يرجعوا لما كتب عليهم من الشقاء. حدثنا إسحاق بن زيد الخطابي، قال: ثنا الفريابي، عن سفيان، عن عبيد الله بن أبي زياد، عن مجاهد مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عبيد الله بن أبي زياد، عن مجاهد (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) قال: طريقة الحقّ (لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) يقول مالا كثيرا (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) قال: لنبتليهم به حتى يرجعوا إلى ما كتب عليهم من الشقاء. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن مجاهد، عن أبيه، مثله. قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن مجاهد (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) قال: الإسلام (لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) قال الكثير (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) قال: لنبتليهم به. قال ثنا مهران، عن أبي سنان، عن غير واحد، عن مجاهد (مَاءً غَدَقًا) قال الماء. والغدق: الكثير (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) حتى يرجعوا إلى علمي فيهم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، قوله: (لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) قال: لأعطيناهم مالا كثيرا، قوله: (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) قال: لنبتليهم. حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن بعض أصحابه، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جُبير في قوله: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) قال: الدين (لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) قال: مالا كثيرا (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) يقول: لنبتليهم به. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) قال: لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا. قال الله: (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) يقول: لنبتليهم بها. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) قال: لو اتقوا لوسع عليهم في الرزق (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) قال: لنبتليهم فيه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس (مَاءً غَدَقًا) قال: عيشا رَغدًا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) قال: الغدق الكثير: مال كثير (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) لنختبرهم فيه. حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا المطلب بن زياد، عن التيمي، قال، قال عمر رضي الله عنه في قوله: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) قال: أينما كان الماء كان المال وأينما كان المال كانت الفتنة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأن لو استقاموا على الضلالة لأعطيناهم سعة من الرزق لنستدرجهم بها. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت عمران بن حدير، عن أبي مجلز، قال: وأن لو استقاموا على طريقة الضلالة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأن لو استقاموا على طريقة الحق وآمنوا لوسعنا عليهم. * ذكر من قال ذلك: حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) قال: هذا مثل ضربه الله كقوله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) وقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) والماء الغدق يعني: الماء الكثير (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) لنبتليهم فيه. وقوله: (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا) يقول عزّ وجلّ: ومن يُعرض عن ذكَّر ربه الذي ذكره به، وهو هذا القرآن؛ ومعناه: ومن يعرض عن استماع القرآن واستعماله، يسلكه الله عذابا صعدا: يقول: يسلكه الله عذابا شديدا شاقا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا) يقول: مشقة من العذاب يصعد فيها. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثني أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (عَذَابًا صَعَدًا) قال: مشقة من العذاب. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرِمة، عن ابن عباس (عَذَابًا صَعَدًا) قال: جبل في جهنم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا) عذابا لا راحة فيه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (عَذَابًا صَعَدًا) قال: صَعودا من عذاب الله لا راحة فيه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: (يَسْلُكْهُ عَذَابًا) قال: الصعد: العذاب المنصب. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (يَسْلُكْهُ) فقرأه بعض قرّاء مكة والبصرة (نَسْلُكْهُ) بالنون اعتبارا بقوله: (لِنَفْتِنَهُمْ) أنها بالنون. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بالياء، بمعنى: يسلكه الله، ردّا على الربّ في قوله: (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ) . القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا) أيها الناس (مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) ولا تشركوا به فيها شيئا، ولكن أفردوا له التوحيد، وأخلصوا له العبادة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبِيَعهم أشركوا بالله، فأمر الله نبيه أن يوحد الله وحده. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن محمود، عن سعيد بن جبير (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) قال، قالت الجنّ لنبيّ الله: كيف لنا نأتي المسجد، ونحن ناءون عنك، وكيف نشهد معك الصلاة ونحن ناءون عنك؟ فنزلت: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) قال: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبِيَعهم أشركوا بالله، فأمر الله نبيه أن يخلص له الدعوة إذا دخل المسجد. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خَصِيف، عن عكرِمة (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) قال: المساجد كلها. وقوله: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) يقول: وأنه لما قام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله يقول: "لا إله إلا الله" (كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) يقول: كادوا يكونون على محمد جماعات بعضها فوق بعض، واحدها لبدة، وفيها لغتان: كسر اللام لِبدة، ومن كسرها جمعها لِبَد؛ وضم اللام لُبدة، ومن ضمها جمعها لُبَد بضم اللام، أو لابِد؛ ومن جمع لابد قال: لُبَّدًا، مثل راكع وركعا، وقراء الأمصار على كسر اللام من لِبَد، غير ابن مُحَيْصِن فإنه كان يضمها، وهما بمعنى واحد، غير أن القراءة التي عليها قرّاء الأمصار أحبّ إليّ، والعرب تدعو الجراد الكثير الذي قد ركب بعضه بعضًا لُبْدَةً؛ ومنه قول عبد مناف بن ربعيّ الهذلي: صَابُوا بسِتَّةِ أبْياتٍ وأرْبَعَةٍ حتى كأنَّ عليهِمْ جابِيًا لُبَدَا (1) والجابي: الجراد الذي يجبي كل شيء يأكله. واختلف أهل التأويل في الذين عنو في بقوله:: (كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) فقال بعضهم: عني بذلك الجنّ أنهم كادوا يركبون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا القرآن. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) يقول: لما سمعوا النبيّ صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن، ودنوا منه فلم يعلم حتى أتاه الرسول، فجعل يقرئه: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) . حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) كادوا يركبونه حرصا على ما سمعوا منه من القرآن. (1) البيت في (ديوان الهذليين 2: 40) في شعر عبد مناف بن ربع الهذلي، يذكر يوم أنف عاذ. وفي (اللسان: صاب) وقول الهذلي: "صابوا. ." البيت. صابوا بهم: أوقعوا بهم. والجابي (بالياء) الجراد واللبد (بضم اللام) الكثير. وقال في (جبأ) "والجابئ الجراد، يهمز ولا يهمز. وجبأ الجراد: هجم على البلد. قال الهذلي: صابوا.. جابئا لبدا" بهمز جابئ. قال: وكل طالع فجأة جابئ. وقال في (لبد) ومال لبد (بالضم) : كثير لا يخاف فناؤه، كأنه التبد بعضه على بعض. وفي التنزيل: (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً) أي: جما. قال الفراء: اللبد: الكثير. وقال بعضهم: واحدته: لبدة، ولبد: جماع. قال: وجعله بعضهم على جهة قثم وحطم، واحدا، وهو في الوجهين جميعا: الكثير. اهـ. قال أبو جعفر: ومن قال هذا القول جعل قوله: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ) مما أوحي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فيكون معناه: قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجنّ، وأنه لما قام عبد الله يدعوه. وقال آخرون: بل هذا من قول النفر من الجن لمّا رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وائتمامهم به في الركوع والسجود. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا أبو مسلم، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قول الجنّ لقومهم: (لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) قال: لما رأوه يصلي وأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده، قال: عجبوا من طواعية أصحابه له؛ قال: فقال لقومهم لما قام عبد الله يدعوه (كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد، عن سعيد بن جبير، في قوله: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) قال: كان أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يأتمون به، فيركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، ومن قال هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس وسعيد فتح الألف من قوله: "وأنه" عطف بها على قوله: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) مفتوحة، وجاز له كسرها على الابتداء. وقال آخرون: بل ذلك من خبر الله الذي أوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم لعلمه أن الإنس والجنّ تظاهروا عليه، ليُبطلوا الحقّ الذي جاءهم به، فأبى الله إلا إتمامه. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) قال: تلبدت الإنس والجنّ على هذا الأمر ليطفئوه، فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه، ويظهره على من ناوأه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: (لِبَدًا) قال: لما قام النبيّ صلى الله عليه وسلم تلبَّدت الجنّ والإنس، فحرصوا على أن يطفئوا هذا النور الذي أنزله الله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قوله: (كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) قال: تظاهروا عليه بعضهم على بعض، تظاهروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قال هذا القول فتح الألف من قوله "وأنه" . وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال: ذلك خبر من الله عن أن رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لما قام يدعوه كادت العرب تكون عليه جميعا في إطفاء نور الله. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب لأن قوله: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ) عقيب قوله: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) وذلك من خبر الله فكذلك قوله: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ) وأخرى أنه تعالى ذكره أتبع ذلك قوله: (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) فمعلوم أن الذي يتبع ذلك الخبر عما لقي المأمور بأن لا يدعو مع الله أحدا في ذلك، لا الخبر عن كثرة إجابة المدعوين وسرعتهم إلى الإجابة. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ) قال: لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا إله إلا الله" ويدعو الناس إلى ربهم كادت العرب تكون عليه جميعا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن رجل، عن سعيد بن جُبير في قوله: (كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) قال: تراكبوا عليه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد بن جبير (كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) قال: بعضهم على بعض. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) يقول: أعوانا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) قال: جميعًا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد (كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) قال: جميعا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد (كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) واللبد: الشيء الذي بعضه فوق بعض. القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) } اختلفت القرّاء في قراءة قوله: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي) فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين على وجه الخبر قال: بالألف؛ ومن قرأ ذلك كذلك، جعله خبرا من الله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: فيكون معنى الكلام: وأنه لما قام عبد الله يدعوه تلبدوا عليه، قال لهم: إنما أدعو ربي، ولا أشرك به أحدا. وقرأ ذلك بعض المدنيين وعامة قرّاء الكوفة على وجه الأمر من الله عزّ وجلّ لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للناس الذين كادوا يكونوا عليك لبدا، إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لمشركي العرب الذين ردّوا عليك ما جئتهم به من النصيحة: إني لا أملك لكم ضرّا في دينكم ولا في دنياكم، ولا رشدا أرشدكم، لأن الذي يملك ذلك، الله الذي له مُلك كل شيء. وقوله: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ) من خلقه إن أرادني أمرا، ولا ينصرني منه ناصر. وذُكر أن هذه الآية أُنزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لأن بعض الجنّ قال: أنا أجيره. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: زعم حضرميّ أنه ذكر له أن جنيا من الجنّ من أشرافهم إذا تَبَع، قال: إنما يريد محمد أن نجيره وأنا أجيره فأنزل الله: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ) . وقوله: (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) يقول: ولن أجد من دون الله ملجئا ألجأ إليه. كما حدثنا مهران، عن سفيان (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) يقول: ولن أجد من دون الله ملجئا ألجأ إليه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) : أي ملجئا ونصيرا. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (مُلْتَحَدًا) قال: ملجئا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) يقول: ناصرا. القول في تأويل قوله تعالى: {إِلا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لمشركي العرب: إني لا أملك لكم ضرّا ولا رشدا (إِلا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ) يقول: إلا أن أبلغكم من الله ما أمرني بتبليغكم إياه، وإلا رسالاته التي أرسلني بها إليكم؛ فأما الرشد والخذلان، فبيد الله، هو مالكه دون سائر خلقه يهدي من يشاء ويخذل من أراد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِلا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ) فذلك الذي أملك بلاغًا من الله ورسالاته. وقد يحتمل ذلك معنى آخر، وهو أن تكون "إلا" حرفين، وتكون "لا" منقطعة من "إن" فيكون معنى الكلام: قل إني لن يجيرني من الله أحد إن لم أبلغ رسالاته؛ ويكون نصب البلاغ من إضمار فعل من الجزاء كقول القائل: إن لا قياما فقعودا، وإن لا إعطاء فردّا جميلا بمعنى: إن لا تفعل الإعطاء فردّا جميلا. وقوله: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ) يقول تعالى ذكره: ومن يعص الله فيما أمره ونهاه، ويكذّب به ورسوله، فجحد رسالاته، فإن له نار جهنم يصلاها (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) يقول: ماكثين فيها أبدًا إلى غير نهاية. وقوله: (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ) يقول تعالى ذكره: إذا عاينوا ما يعدهم ربهم من العذاب وقيام الساعة (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا) أجند الله الذي أشركوا به، أم هؤلاء المشركون به. ![]()
__________________
|
#1360
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثالث والعشرون تَفْسِيرِ سُّورَةِ المزمل الحلقة (1360) صــ 671 الى صــ680 القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28) } يقول تعالى ذكره لنبيه: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله من قومك: ما أدري أقريب ما يعدكم ربكم من العذاب وقيام الساعة (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا) يعني: غاية معلومة تطول مدتها. وقوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) يعني بعالم الغيب: عالم ما غاب عن أبصار خلقه، فلم يروه فلا يظهر على غيبه أحدا، فيعلمه أو يريه إياه إلا من ارتضى من رسول، فإنه يظهره على ما شاء من ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) فأعلم الله سبحانه الرسل من الغيب الوحي وأظهرهم عليه بما أوحي إليهم من غيبه، وما يحكم الله، فإنه لا يعلم ذلك غيره. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) فإنه يصطفيهم، ويطلعهم على ما يشاء من الغيب. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) فإنه يظهره من الغيب على ما شاء إذا ارتضاه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) قال: ينزل من غيبه ما شاء على الأنبياء أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الغيب القرآن، قال: وحدثنا فيه بالغيب بما يكون يوم القيامة. وقوله: (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) يقول: فإنه يرسل من أمامه ومن خلفه حرسا وحفظة يحفظونه. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن الضحاك (إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا بعث إليه الملك بالوحي بعث معه ملائكة يحرسونه من بين يديه ومن خلفه، أن يتشبَّه الشيطان على صورة الملك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن منصور، عن إبراهيم (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) قال: ملائكة يحفظونهم من بين أيديهم ومن خلفهم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) قال: الملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من الجنّ. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن طلحة، يعني ابن مصرف، عن إبراهيم، في قوله: (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) قال: الملائكة رصد من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من الجن. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) قال: هي معقبات من الملائكة يحفظون النبيّ صلى الله عليه وسلم من الشيطان حتى يتبين الذي أرسل به إليهم، وذلك حين يقول: (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ) . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) قال: الملائكة. وقوله: (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ) اختلف أهل التأويل في الذي عُنِي بقوله: (لِيَعْلَمَ) فقال بعضهم: عُنِي بذلك رسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: معنى الكلام: ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد أبلغت الرسل قبله عن ربها. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ) ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرسل قبله قد أبلغت عن ربها وحفظت. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ) قاله: ليعلم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أن الرسل قد أبلغت عن الله، وأن الله حفظها، ودفع عنها. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليعلم المشركون أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ) قال ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليعلم محمد أن قد بلغت الملائكة رسالات ربهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، في قوله: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) قال: أربعة حفظة من الملائكة مع جبرائيل (لِيَعْلَمَ) محمد (أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) قال: وما نزل جبريل عليه السلام بشيء من الوحي إلا ومعه أربعة حفظة. قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندنا بالصواب، قول من قال: ليعلم الرسول أن الرسل قبله قد أبلغوا رسالات ربهم؛ وذلك أن قوله: (لِيَعْلَمَ) من سبب قوله: (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) وذلك خبر عن الرسول، فمعلوم بذلك أن قوله ليعلم من سببه إذ كان ذلك خبرا عنه. وقوله: (وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ) يقول: وعلم بكلّ ما عندهم (وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) يقول: علم عدد الأشياء كلها، فلم يخف عليه منها شيء. وقد حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير أنه قال في هذه الآية (إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) ... إلى قوله: (وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) قال: ليعلم الرسل أن ربهم أحاط بهم، فبلغوا رسالاتهم. آخر تفسير سورة الجن. تفسير سورة المزمل بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا (4) } يعني بقوله: (يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) هو الملتفّ بثيابه. وإنما عني بذلك نبيّ الله صلى الله عليه وسلم. واختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله به نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية من التزمُّل، فقال بعضهم: وصفه بأنه مُتَزمل في ثيابه، متأهب للصلاة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: (يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) أي المتزمل في ثيابه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) هو الذي تزمل بثيابه. وقال آخرون: وصفه بأنه متزمِّل النبوّة والرسالة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عكرِمة، في قوله: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا) قال: زُملت هذا الأمر فقم به. قال أبو جعفر: والذي هو أولى القولين بتأويل ذلك، ما قاله قتادة؛ لأنه قد عقبه بقوله: (قُمِ اللَّيْلَ) فكان ذلك بيانا عن أن وصفه بالتزمُّل بالثياب للصلاة، وأن ذلك هو أظهر معنييه. وقوله: (قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا) يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قُمِ اللَّيْلَ) يا محمد كله (إِلا قَلِيلا) منه (نِصْفَهُ) يقول: قم نصف الليل (أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) يقول: أو زد عليه؛ خَيره الله تعالى ذكره حين فرض عليه قيام الليل بين هذه المنازل أي ذلك شاء فعل، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما ذُكر يقومون الليل، نحو قيامهم في شهر رمضان فيما ذُكر حتى خفف ذلك عنهم. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أُسامة، عن مِسْعَرٍ، قال: ثنا سماك الحنفي، قال: سمعت ابن عباس يقول: لما نزل أوّل المزمل، كانوا يقومون نحوًا من قيامهم في رمضان، وكان بين أوّلها وآخرها قريب من سنة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا محمد بن بشر، عن مِسْعَرٍ، قال: ثنا سماك، أنه سمع ابن عباس يقول، فذكر نحوه. إلا أنه قال: نحوا من قيامهم في شهر رمضان. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد بن حيان، عن موسى بن عبيدة، قال: ثني محمد بن طَحْلاء مولى أمّ سلمة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: كنت أجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرا يصلي عليه من الليل، فتسامع به الناس، فاجتمعوا، فخرج كالمغضَب، وكان بهم رحيما، فخشي أن يُكتب عليهم قيام الليل، فقال: "يا أيُّها النَّاسُ اكْلفُوا مِنَ الأعْمالِ ما تُطِيقُونَ، فإنّ الله لا يَمَلُّ مِنَ الثَّوَابِ حَتَّى تَمَلُّوا مِنَ العَمَلِ وخَيْرُ الأعْمال ما دُمْتُمْ عَلَيْه" ونزل القرآن: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر، فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم فردّهم إلى الفريضة وترك قيام الليل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن موسى بن عبيدة الحميري، عن محمد بن طحلاء، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: كنت أشتري لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرا، فكان يقوم عليه من أوّل الليل، فتسمع الناس بصلاته، فاجتمعت جماعة من الناس؛ فلما رأى اجتماعهم كره ذلك، فخشي أن يكتب عليهم، فدخل البيت كالمغضب، فجعلوا يتنحنحون ويتسعَّلون حتى خرج إليهم، فقال: "يا أيُّها النَّاس إنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا - يعنى من الثواب - فاكْلُفوا مِنَ العَمَلِ ما تُطِيقُون فإنَّ خَيَْر العَمَلِ أدْوَمُهُ وَإنْ قَلَّ" ،ونزلت عليه: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا) السورة قال: فكتبت عليهم، وأنزلت بمنزلة الفريضة حتى إن كان أحدهم ليربط الحبل فيتعلق به؛ فلما رأى الله ما يكلفون مما يبتغون به وجه الله ورضاه، وضع ذلك عنهم، فقال: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ) ... إلى (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ) فردّهم إلى الفريضة، ووضع عنهم النافلة، إلا ما تطوّعوا به. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: (قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) فأمر الله نبيه والمؤمنين بقيام الليل إلا قليلا فشقّ ذلك على المؤمنين، ثم خفَّف عنهم فرحمهم، وأنزل الله بعد هذا: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ) ... إلى قوله: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) فوسع الله وله الحمد، ولم يضيق. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: لما أنزل الله على نبيه: (يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) قال: مكث النبيّ صلى الله عليه وسلم على هذا الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه، فأنزل الله عليه بعد عشر سنين: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) ... إلى قوله: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فخفَّف الله عنهم بعد عشر سنين. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح عن الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة والحسن، قالا قال في سورة المزمل (قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) نسختها الآية التي فيها: (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا) قاموا حولا أو حولين حتى انتفخت سوقهم وأقدامهم، فأنزل الله تخفيفا بعد في آخر السورة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قيس بن وهب، عن أبي عبد الرحمن، قال: لما نزلت: (يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) قاموا بها حولا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) فاستراح الناس. قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جرير بياع المُلاء عن الحسن، قال: الحمد لله تطوّع بعد فريضة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن مبارك، عن الحسن، قال: لما نزلت (يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) ... الآية، قام المسلمون حولا فمنهم من أطاقه، ومنهم من لم يطقه، حتى نزلت الرخصة. قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرِمة، عن ابن عباس، قال: لما نزل أوّل المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وقوله: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) يقول جلّ وعزّ: وبين القرآن إذا قرأته تبيينا، وترسل فيه ترسلا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال. ثنا ابن عُلَيَّةَ، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) قال: اقرأه قراءة بينة. حدثنا ابن بشار، قال. ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) فقال: بعضه على أثر بعض. حدثنا محمد بن عبد الله المخزومي، قال. ثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) فقال: بعضه على أثر بعض، على تؤدة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله الله (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) قال: ترسل فيه ترسلا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) فقال: بعضه على أثر بعض. حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا حجاج بن محمد، قال، قال ابن جريج، عن عطاء (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) قال: الترتيل النَّبْذ: الطَّرْح. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) قال بينه بيانا. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مِقْسم، عن ابن عباس (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) قال: بيِّنه بيانا. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) قال: بعضه على أثر بعض. ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 0 والزوار 8) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |