|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#141
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [073] الحلقة (104) شرح سنن أبي داود [073] الأذان شعيرة من شعائر الإسلام العظيمة التي يجب الاهتمام بها ومعرفة أحكامها، وقد جاءت أحاديث كثيرة في فضل الأذان والمؤذنين؛ لأن في ذلك رفعاً لذكر الله عز وجل وإعلاماً بوقت الصلوات، كما جاءت أحاديث أخرى في بيان فضل ما يقوله المؤذن، فينبغي للمسلم أن يحرص على ذلك الخير قدر استطاعته. ما يقول إذا سمع المؤذن شرح حديث: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول إذا سمع المؤذن. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) ]. أورد الإمام أبو داود رحمه الله تعالى [ باب ما يقول إذا سمع المؤذن ]، يعني: بيان الشيء الذي يقوله الإنسان الذي يسمع النداء، أو ماذا يقول حين يسمع النداء، والمقصود أن الإنسان عندما يسمع المؤذن يؤذن يقول مثل ما يقول المؤذن، إلا في (حي على الصلاة حي على الفلاح) فإنه يستثنى من هذا العموم، ويقول بدل (حي على الصلاة حي على الفلاح): لا حول ولا قوة إلا بالله، كما جاء ذلك مبيناً في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي سيأتي. وعلى هذا فحديث أبي سعيد الذي أورده أبو داود تحت هذه الترجمة وهو قوله: [ (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ]، هو باق على عمومه في جميع ألفاظ الأذان، ويستثنى من ذلك الحيعلتان: (حي على الصلاة حي على الفلاح)، فإن السامع يقول بدلاً من ذلك: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح لا حول ولا قوة إلا بالله، فيجمع بين الحيعلة والحوقلة، وإنما يأتي بـ(لا حول ولا قوة إلا بالله) فقط كما جاء ذلك مبيناً في حديث عمر الذي سيأتي. وعلى هذا فقوله صلى الله عليه وسلم: [ (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ] خص منه الحيعلتان، فإنه يؤتى بـ(لا حول ولا قوة إلا بالله) عندهما، وذلك أن ألفاظ الأذان كلها ذكر، فالإنسان يذكر الله عز وجل، فإذا قال المؤذن: (الله أكبر الله أكبر) يقول: (الله أكبر الله أكبر)، وهذا ذكر لله، وإذا قال: (أشهد أن لا إله إلا الله) يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله)، وإذا قال: (أشهد أن محمداً رسول الله) يقول: (أشهد أن محمداً رسول الله) وإذا قال: (حي على الصلاة) لا يقول: حي على الصلاة؛ لأن قوله: (حي على الصلاة) نداء وطلب من الناس أن يأتوا إلى الصلاة، يعني: هلموا وأقبلوا، فهو ليس ذكراً، وإنما هو دعاء ونداء، وهو الذي يناسب من المؤذن أن يقول: (حي على الصلاة حي على الفلاح) أي: تعالوا، لكن غيره لا يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح؛ لأنه لا ينادي أحداً وإنما يأتي بكلام مثل الذي يقوله المؤذن، ولكن بدلاً من ذلك يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، أي: أن الإتيان للصلاة والتمكن من ذلك لا يكون إلا بحول الله وقوته، ولا حول للإنسان ولا قوة له إلا بالله سبحانه وتعالى، فيقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فإذا قال: (الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله) يقول كما يقول، وعلى هذا فإن ألفاظ الأذان كلها ذكر، فيقول سامع المؤذن مثل ما يقول المؤذن، إلا جملة: (حي على الصلاة حي على الفلاح) فإنها ليست بذكر وإنما هي دعاء ونداء وهي مناسبة من المؤذن وليست مناسبة من غيره، فغيره لا يقول كما يقول وإنما يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فهذا الحديث خص منه الحيعلتان، فإنه يؤتى بالحوقلة عندهما، كما جاء ذلك مبيناً في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي سيأتي. وإذا قال: (الصلاة خير من النوم) يقول: الصلاة خير من النوم، مثل ما يقول المؤذن؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: [ (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول) ] فيدخل تحته أن كل الألفاظ التي يقولها المؤذن يقولها الإنسان، سواء في الإقامة أو في الأذان، حتى الإقامة يقول الإنسان فيها مثل ما يقول المؤذن، فيقول: (قد قامت الصلاة) حين يقول المؤذن: (قد قامت الصلاة)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: [ (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ]، ولا يستثنى من ذلك إلا ما جاء في نص خاص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو: (حي على الصلاة حي على الفلاح). وما جاء عن بعض أهل العلم أنه يقول: (صدقت وبررت) عند قوله: (الصلاة خير من النوم) ليس عليه دليل، وإنما الدليل هو عموم قوله صلى الله عليه وسلم: [ (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ] ولا يستثنى من ذلك إلا: (حي على الصلاة حي على الفلاح) فيقال عند كل منهما: لا حول ولا قوة إلا بالله. شرح حديث: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة و حيوة و سعيد بن أبي أيوب عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله عز وجل لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله تعالى، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) ] يعني: إذا سمعتم المؤذن ينادي بالأذان فقولوا مثل ما يقول، وهذا مثل حديث أبي سعيد : (إذا سمعتم النداء -أي: الأذان- فقولوا مثل ما يقول المؤذن) وهنا قال: [ (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول) ]، ويستثنى من ذلك -كما ذكرنا- قوله: (حي على الصلاة حي على الفلاح)، فإنه يقال عندها: (لا حول ولا قوة إلا بالله) وما عد ذلك فإنه يقال كما يقول المؤذن، سواءٌ أكان في الإقامة أم في الأذان في جميع الألفاظ، لعموم حديث أبي سعيد وحديث عبد الله بن عمرو . وقوله: [ (ثم صلوا علي) ] يعني: قولوا مثل ما يقول المؤذن وبعد ذلك صلوا علي يعني: إذا انتهيتم من المتابعة وقلتم: (لا إله إلا الله) بعد ذلك صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين دعاء له وطلب من الله أن يصلي عليه، وصلاة الله على نبيه هي ثناؤه عليه في الملأ الأعلى وذكره في الملأ الأعلى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ثم بين عليه الصلاة والسلام أن من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، أي: أن الحسنة بعشر أمثالها، فإذا صلى الإنسان على النبي صلى الله عليه وسلم مرة يجازيه الله تعالى بأن يصلي عليه عشر مرات، والحسنة بعشرة أمثالها، والجزاء من جنس العمل. وقوله: [ (ثم سلوا الله لي الوسيلة) ] بين عليه الصلاة والسلام الوسيلة وأنها منزلة خاصة في الجنة لا تتكرر ولا تتعدد، وإنما هي لعبد من عباد الله، ولا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله، ويرجو أن يكون هو ذلك العبد، فالوسيلة منزلة خاصة في الجنة، وهي التي تسال للرسول صلى الله عليه وسلم. وقوله: [ (وأرجو أن أكون أنا هو) ] يعني: أرجو أن أكون أنا ذلك العبد الذي تكون له الوسيلة وهي المنزلة المتميزة الخاصة التي تكون في الجنة. وقوله: [ (فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي) ] يعني: من سأل الله لي الوسيلة بعد الأذان ودعا بهذا الدعاء بعد الأذان فإن هذا من أسباب كون فاعل ذلك وقائل ذلك ينال شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سأل الله الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم، فيحصل له نصيب من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ) قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجه . وهناك شخص آخر يقال له: محمد بن سلمة الباهلي ، ولكنه في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود ، فإذا جاء محمد بن سلمة في شيوخ أبي داود فهو المرادي المصري ، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه أبو داود بواسطة فهو الباهلي الحراني . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن لهيعة و حيوة و سعيد بن أبي أيوب ]. ابن لهيعة هو عبد الله بن لهيعة المصري، صدوق، احترقت كتبه فتغير، ورواية عبد الله بن وهب عنه هي من أعدل الروايات، وهو هنا -أيضاً- لم يأت وحده في الرواية، بل جاء مقروناً معه شخصان آخران: حيوة بن شريح المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، و سعيد بن أبي أيوب المصري، وهو ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة، فوجوده في الإسناد لا يؤثر؛ لأن العمدة على غيره. وابن لهيعة أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجه ، و النسائي لم يخرج له، وإنما يذكر النسائي معه غيره ويعبر عنه بقوله: ورجل آخر. فلا يحذفه لأنه موجود في الإسناد، ولكنه يذكره مبهماً؛ لأنه لا يخرج له. [ عن كعب بن علقمة ]. كعب بن علقمة صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد الرحمن بن جبير ]. هو عبد الرحمن بن جبير المصري، ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد مسلسل بالمصريين؛ لأن كل الرجال فيه مصريون من أوله إلى آخره. حكم متابعة المؤذن والأمر بمتابعة المؤذن بعض أهل العلم قال عنه: إنه للوجوب. وبعضهم قال: إنه ليس للوجوب. ويستدلون على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع مؤذناً فلما قال: (أشهد أن لا إله إلا الله)، أثنى عليه، ولما قال: (لا إله إلا الله) قال: (خرج من النار) قالوا: فهذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يردد هذه الألفاظ. والذين قالوا بالوجوب قالوا: إنه ليس فيه ما يدل على أنه لم يقل، وإنما فيه أنه قال هذا في حق ذلك المؤذن، فلا يمنع أن يكون قال ذلك كما هو المعتاد، وقالوا: ويحتمل أن يكون ذلك -أيضاً- قبل أن يشرع للناس أن يقولوا مثل ما يقول المؤذن. وينبغي للإنسان أن يحرص على أن يأتي بمتابعة المؤذن، وأن لا يغفل عن ذلك. شرح حديث: (أن رجلاً قال: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح و محمد بن سلمة قالا: حدثنا ابن وهب عن حيي عن أبي عبد الرحمن -يعني الحبلي - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: (أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن المؤذنين يفضلوننا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: [ (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن المؤذنين يفضلوننا) ] يعني: بكونهم يأتون بهذا الذكر، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه) ] يعني: تابع المؤذن فيما يقول وائت بالذكر الذي يقول، ويستثنى من ذلك (حي على الصلاة حي على الفلاح) كما جاء مبيناً في حديث عمر رضي الله عنه. وقوله: (فإذا انتهيت فسل تعط) يدل على أن الدعاء بعد الأذان من الدعاء الذي يجاب، ولهذا قال: (فسل تعطه) يعني: يسأل الله حاجته وما يريد، فهذا يفيد أنه من مواطن قبول الدعاء؛ لأنه قال: (فسل تعطه) وهو مثل الموطن الذي بين الأذان والإقامة الذي مر في حديث: (لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة). وقوله: (يفضلوننا) يعني: لهم هذا الفضل والميزة علينا، فالرسول أرشد إلى أن الإنسان يذكر الله كما يذكرون ويأتي منه هذا الذكر كما يأتي منهم، ويؤجر على ذلك كما يؤجرون على ذلك، لكن كون المؤذنين يتسببون في دعاء الناس ونداء الناس وحضور الناس بسبب دعائهم وتنبيههم وعنايتهم بالأوقات لاشك في أنهم يؤجرون على ذلك، ولكن الإنسان الذي ليس مؤذناً إذا ذكر الله عز وجل بهذا الذكر الذي ذكره المؤذن فإنه يؤجر على هذا الذكر، ولكن المؤذن يتميز على غيره بأنه متسبب في هذا الخير، ومتسبب في دعوة الناس وفي وصول ذلك الصوت إلى الناس، ولكن من سمعه يشارك في الذكر، وأجر الذكر الذي يحصل للمؤذن يكون للذي يردد بعده نصيب منه؛ لأنه يقول مثل ما قال، لكن المؤذن يتميز بكونه دل الناس على الخير، فيؤجر بسبب ذلك، ويشهد له كل رطب ويابس، ويغفر له مدى صوته، وله غير ذلك من الأمور التي تحصل للمؤذنين من الفضل. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رجلاً قال: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا ...) قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري، ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجه . [ و محمد بن سلمة قالا: حدثنا ابن وهب عن حيي ]. محمد بن سلمة و ابن وهب مر ذكرهما. و حيي هو ابن عبد الله المصري صدوق يهم، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي عبد الرحمن -يعني الحبلي- ]. أبو عبد الرحمن هو: عبد الله بن يزيد، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو ]. عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قد مر ذكره. شرح حديث: (من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن الحكيم بن عبد الله بن قيس عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً غفر له) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً غفر له)، وهذا يدل على فضل هذا الذكر عند الأذان، ويحتمل أنه يؤتى به عند الشهادتين، أي: عند قول المؤذن: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) وبعض أهل العلم يقول: إنه يؤتى به بعد الأذان. ولكن الذي يبدو أنه يقال عند ذكر الشهادة. وقوله: (وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً) هذه الأمور الثلاثة التي اشتمل عليها هذا الذكر -وهي: الرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً- هي الأصول الثلاثة التي بنى عليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كتابه (الأصول الثلاثة وأدلتها)، أي أن هذه الأصول هي معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، فهذه الأصول الثلاثة هي التي كتب فيها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ذلك الكتاب العظيم الوجيز النافع المفيد الذي لا يستغني عنه العامي ولا طالب العلم، فطلبة العلم بحاجة إليه والعوام بحاجة إليه، وهو كتاب ينتفع به العوام والخواص؛ لأنه يتعلق بمعرفة الدين ومعرفة أصول الدين، ومعرفة العبد لربه ودينه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وهي الأمور التي يسأل عنها في القبر، فالأسئلة في القبر هي عن الأمور الثلاثة، فالإنسان يسأل في قبره عن دينه وربه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وهذه الأمور الثلاثة -الرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً- جاء ذكرها في الأذان، وجاء في أدعية الصباح والمساء، وجاء -أيضاً- في غير ذلك، كما في صحيح مسلم من حديث العباس بن عبد المطلب عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً). تراجم رجال إسناد حديث: (من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكيم بن عبد الله بن قيس ]. الحكيم بن عبد الله بن قيس بن مخرمة صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ]. عامر بن سعد بن أبي وقاص ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (أن رسول الله كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: وأنا وأنا) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: وأنا وأنا) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذن يتشهد -يعني: يقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله- قال: وأنا وأنا) يعني: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: وأنا وأنا قوله: [ حدثنا إبراهيم بن مهدي ]. إبراهيم بن مهدي مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ حدثنا علي بن مسهر ]. علي بن مسهر ثقة له غرائب بعد أن أضر، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه عروة بن الزبير بن العوام، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. يتبع
__________________
|
#142
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث: (إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جهضم قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمارة بن غزية عن خبيب بن عبد الرحمن بن إساف عن حفص بن عاصم بن عمر عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فإذا قال: أشهد أن محمداً رسول الله قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما في متابعة المؤذن والقول مثل ما يقول، وهو مبين لما أجمل في الأحاديث المتقدمة، كقوله: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) فذاك عام وهذا مفصل ومبين وموضح أن القول يكون مثل قول المؤذن في غير الحيعلتين، وأما الحيعلتان فيقال عند كل منهما: لا حول ولا قوة إلا بالله. وفي هذا الحديث دليل على أنه عند التكبير يجمع بين اللفظين أو بين الجملتين: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، فإذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر يقول سامعه: الله أكبر الله أكبر، وهذا فيه أن الجملتين يؤتى بهما معاً. والحديث ليس فيه ذكر للأذان بأكمله، ولكن ذكر فيه كل جملة تقال، فكما أن التكبير أربع في الأول أتى بتكبيرتين، وكما أن (أشهد أن لا إله إلا الله) تأتي مرتين أتى بها مرة واحدة، وشهادة أن محمداً رسول الله أتى بها مرة واحدة، وحي على الصلاة مرة واحدة، وهكذا؛ لأن المقصود هو بيان المتابعة لا بيان ألفاظ الأذان ومقدار ألفاظ الأذان وأعداد ألفاظ الأذان، وإنما المقصود من ذلك المتابعة، وترك الشيء الذي يكرر؛ لأن المقصود هو التوضيح والبيان لما يقوله، وليس هذا بياناً لألفاظ الأذان وأن الأذان يكون بهذه الألفاظ فقط، وإنما بالبيان هو الذي جاء في الأحاديث المتقدمة. فحديث عمر إنما سيق هنا لبيان المتابعة للمؤذن، وأن السامع مثل ما يقول، وليس حصراً لألفاظ الأذان في ذلك، وإنما ألفاظ الإقامة هي التي تكون بهذه الطريقة، ويزاد عليها: (قد قامت الصلاة) وأما الأذان فإن التكبير فيه أربع مرات، والشهادة لله بالوحدانية مرتان، والشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة مرتان، وحي على الصلاة مرتان، وحي على الفلاح مرتين، والله أكبر في آخره مرتان، و(لا إله إلا الله) مرة واحدة. وقوله: [ (ثم قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) ] يعني أنه لا يقول السامع: (حي على الصلاة حي على الفلاح)؛ لأن معناهما طلب من الناس أن يأتوا، إذ المعنى: هلموا وتعالوا. وهذا يقوله المؤذن، لكن السامع لا يقول: (تعالوا)، وإنما يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، يعني: لا حول للإنسان ولا قوة ولا يستطيع أن يعمل شيئاً إلا بالله سبحانه وتعالى، فهو الذي يعين وهو الذي يوفق. وفي آخره: [ (قال: لا إله إلا الله من قبله دخل الجنة) ] يعني أن هذه الألفاظ قالها من قلبه، وليس مجرد شيء قاله باللسان دون أن يصل إلى القلب، بل يتواطأ على ذلك القلب واللسان. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم ...) قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى هو أبو موسى الزمن العنزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جهضم ]. محمد بن جهضم صدوق، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا إسماعيل بن جعفر ]. إسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن غزية ]. عمارة بن غزية لا بأس به، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن خبيب بن عبد الرحمن بن إساف ]. خبيب بن عبد الرحمن بن إساف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حفص بن عاصم بن عمر ]. حفص بن عاصم بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه . [ عن جده عمر بن الخطاب ]. جده عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، فرضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (أقامها الله وأدامها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول إذا سمع الإقامة. حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا محمد بن ثابت حدثني رجل من أهل الشام عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة رضي الله عنه -أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- أن بلالاً رضي الله عنه أخذ في الإقامة، فلما أن قال: قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أقامها الله وأدامها) وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب ما يقول إذا سمع الإقامة ] يعني: إقامة الصلاة، والجواب أنه يقال عند سماع الإقامة مثل ما يقول المؤذن: (الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله)؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن)، والإقامة أذان، وقد جاء إطلاق الأذان عليها في قوله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) والمقصود: بين الأذان والإقامة، وكذلك جاء في الحديث الآخر: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية) يعني: بين الأذان الذي هو الإقامة والسحور الذي هو الإمساك عند الأذان، فمقدار قراءة خمسين آية هو الفارق بين الأذان والإقامة، فأطلق على الإقامة بأنها أذان، وكذلك جاء الحديث الذي مر قبل: (إذا ثوب بالصلاة) يعني: رجع إلى النداء؛ لأن الأذان هو نداء، فالإقامة أذان، وهي نداء، إلا أن الأذان لإعلام الناس في بيوتهم بأن يأتوا، والإقامة إعلام الناس بأن يقوموا إلى الصلاة، فالذي تدل عليه الأحاديث هو أنه عند الإقامة يقال مثل ما يقول المؤذن تماماً، ولا يستثنى من ذلك إلا: (حي على الصلاة حي على الفلاح) فيقال: لا حول ولا قوة إلا بالله. وقد أورد أبو داود رحمه الله في هذه الترجمة حديثاً ضعيفاً عن أبي أمامة رضي الله عنه أن بلالاً أخذ في الإقامة فلما قال: (قد قامت الصلاة) قال عليه السلام: [ (أقامها الله وأدامها) ] وقال في سائر ألفاظ الإقامة مثل ما جاء في حديث عمر في الأذان، يعني أنه يقول مثل ما يقول المؤذن، إلا أنه عند قوله: قد قامت الصلاة قال: [ (أقامها الله وأدامها) ]. فهذا الحديث الذي ورد في بيان ما يقال عند قوله: (قد قامت الصلاة) وباقي الحديث أحاله إلى حديث عمر المتقدم، وأنه يقول مثل ما يقول. والصحيح أنه يقول مثل ما يقول في الإقامة كلها إلا الحيعلتين، وهو الذي تقتضيه الأحاديث التي مرت، وأما الحديث هذا فليس بصحيح بل هو ضعيف؛ لأن فيه هذا الرجل المبهم الذي هو من أهل الشام، فإنه غير معروف، وأيضاً فيه شهر بن حوشب، وهو كثير الإرسال والأوهام، وكذلك فيه -أيضاً- محمد بن ثابت صدوق لين الحديث. تراجم رجال إسناد حديث: (أقامها الله وأدامها) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي ]. سليمان بن داود العتكي هو أبو الربيع الزهراني، ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا محمد بن ثابت ]. محمد بن ثابت العبدي صدوق لين الحديث، أخرج له أبو داود و ابن ماجه . [ حدثني رجل من أهل الشام عن شهر بن حوشب ]. شهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والأوهام، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن [ عن أبي أمامة ]. أبو أمامة هو صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ]. يعني أن الراوي شك هل هو عن أبي أمامة أو هو عن غيره، والجهالة في الصحابة لا تؤثر كما هو معلوم، وإنما تؤثر في غيرهم. ما جاء في الدعاء عند الأذان شرح حديث: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة ....) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الدعاء عند الأذان: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا علي بن عياش حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب ما جاء في الدعاء عند الأذان ] يعني الدعاء الذي يدعى به بعد الأذان، فإذا قال المؤذن: (لا إله إلا الله) التي هي آخر ألفاظ الأذان قال السامع: لا إله إلا الله، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما مر في الحديث السابق، ثم يسأل الله الوسيلة ويدعو بهذا الدعاء المشتمل على سؤال الله الوسيلة وغير الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم. وأورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة) ] وعند البخاري لا توجد لفظة (إلا). وهذا الحديث فيه بيان مشروعية الدعاء بهذا الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يؤتيه الله الوسيلة والفضيلة وأن يبعثه المقام المحمود الذي وعده، وأن من فعل ذلك يؤجر بهذا الأجر، وهو أن تحل له الشفاعة. وهذا الحديث -أيضاً- مطابق لما تقدم من قوله: (ثم سلوا لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة... فمن سأل لي الوسيلة حلت له شفاعتي). وهذا الحديث فيه بيان لكيفية طلب الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأن الإنسان يقول عقب الأذان: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته) والوسيلة بينها رسول الله عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق أنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد، ويرجو أن يكون صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ذلك العبد، والفضيلة هي كذلك منزلة عالية أو ميزة على غيره، والمقام المحمود هو الشفاعة العظمى التي يحمده عليها الأولون والآخرون، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهي الشفاعة للناس بالموقف بأن يخلصهم الله مما هم فيه. وقيل لها: المقام المحمود لأنه يحمده عليها الأولون والآخرون، وكلهم يستفيدون من شفاعته من لدن آدم إلى الذين قامت عليهم الساعة، كلهم ينتهون من ذلك الموقف بشفاعة النبي محمد الله عليه وسلم، وهذه شفاعة خاصة به عليه الصلاة والسلام، وهي من خصائصه صلى الله عليه وسلم. ولهذا جاء في الحديث: (أنا سيد الناس يوم القيامة) ثم بين أن الناس يموج بعضهم في بعض، وأنهم يأتون إلى آدم ويطلبون منه أن يشفع لهم ليخلصهم مما هم فيه فيعتذر ويحيلهم إلى نوح، فيذهبون إليه فيعتذر ويحيلهم إلى إبراهيم فيعتذر، ثم يحيلهم إبراهيم إلى موسى فيعتذر، وموسى يحيلهم إلى عيسى فيعتذر، وعيسى يحيلهم إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: (أنا لها) فيتقدم للشفاعة ويشفعه الله عز وجل، ويأتي الله عز وجل لفصل القضاء بين الناس، وينتهي ذلك الموقف بشفاعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. والنبي صلى الله ليه وسلم هو سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة عليه الصلاة والسلام، ولكن نص على يوم القيامة لأنه يظهر سؤدده على الخلائق كلهم من أولهم إلى آخرهم من لدن آدم إلى الذين قامت عليهم الساعة، فهذا هو الوجه في قوله: (أنا سيد الناس يوم القيامة) فيوم القيامة هو اليوم الذي يظهر فيه السؤدد للنبي صلى الله عليه وسلم على الجميع والتميز على الجميع والفضل على الجميع، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا علي بن عياش ]. علي بن عياش ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن شعيب بن أبي حمزة ]. شعيب بن أبي حمزة الحمصي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن المنكدر ]. محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما صحابي جليل، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثيرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما يقول عند أذان المغرب شرح حديث: (علمني رسول الله أن أقول عند أذان المغرب ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول عند أذان المغرب. حدثنا مؤمل بن إهاب حدثنا عبد الله بن الوليد العدني حدثنا القاسم بن معن حدثنا المسعودي عن أبي كثير مولى أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول عند أذان المغرب: اللهم إن هذا إقبال ليلك، وإدبار نهارك، وأصوات دعاتك، فاغفر لي) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب ما يقول عند أذان المغرب ] وأورد حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي علمها أن تقول عند أذان المغرب: [ (اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي) ] والمقصود منه قوله: [ (وأصوات دعاتك) ] لأنه يعني أصوات المؤذنين، وذلك عند إقبال الليل وإدبار النهار، وهذا لا يكون إلا عند المغرب، ولكن هذا الحديث غير ثابت؛ لأن فيه أبا كثير مولى أم سلمة لم يذكروا في ترجمته شيئاً في توثيقه ولا تعديله ولا تجريحه إلا قول الترمذي : إنه لا يعرف. هذا كل ما قاله في تهذيب التهذيب، وعلى هذا فهو مجهول، وأيضاً الحديث فيه المسعودي وفيه ضعف. تراجم رجال إسناد حديث: (علمني رسول الله أن أقول عند أذان المغرب ...) قوله: [ حدثنا مؤمل بن إهاب ]. مؤمل بن إهاب صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن الوليد العدني ]. عبد الله بن الوليد العدني صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا القاسم بن معن ]. هو القاسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا المسعودي ]. المسعودي صدوق اختلط، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن أبي كثير مولى أم سلمة ]. أبو كثير مولى أم سلمة مجهول، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي . [ عن أم سلمة ]. هي أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حكم التسمية بمحمد الله السؤال: ما حكم التسمي بـ(محمدَ الله) أو (محمدُ الله) بالفتح والضم؟ الجواب: يترك ما يضاف إلى الله كـ(محمد الله) ويسمى كما سمي رسول الله صلى الله عليه وسلم (محمد). حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند التشهد في الأذان السؤال: هل يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويسلم عليه عندما يسمع اسمه في التشهد في قول المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله؟ الجواب: الذي ورد أنه يقال مثل ما يقول المؤذن، فإذا قال المؤذن: (أشهد أن محمداً رسول الله) يقول: (أشهد أن محمداً رسول الله) ولكن إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره فإنه يدخل تحت عموم ما ورد عن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكره، لكن ألفاظ الأذان يؤتى بها كما جاءت، ولكن كونه يقول: صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: (أشهد أن محمداً رسول الله) كما قال المؤذن لا بأس به؛ لأنه يكون داخلاً تحت عموم أنه ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى عليه، لكن لا يقول: (أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم) وإنما يقول: (صلى الله عليه وسلم) عندما يسمع المؤذن يقول الشهادة، وإذا فرغ قال: (أشهد أن محمداً رسول الله) كما قال. حكم طاعة المفتي أو الداعية لولي الأمر إذا أوقفه عن الفتيا أو الدعوة السؤال: لو أن الحاكم أوقف داعية أو مفتياً عن الفتيا، فهل يلزمه السمع والطاعة؟ الجواب: نعم عليه أن يسمع ويطيع، وقد تكون المصلحة في إيقافه، فقد يكون حصلت منه أشياء تشوش وأشياء لا تليق، فكونه يوقف عليه أنه يمتثل؛ فإن عدم السمع له والطاعة يترتب عليه مضرة، فعليه أن يسمع ويطيع إذا كان يترتب على ذلك مضرة، وسوف يكفيه غيره ممن لا يشوش. تعريف لباس الشهرة السؤال: ما هو لباس الشهرة؟ وما هي ضوابطه؟ الجواب: لباس الشهرة هو الذي يتميز به الإنسان ويشتهر به ويشار إليه من أجله بالبنان، هذا هو الذي يبدو من كلمة الشهرة. حكم لبس الثوب في البلد الذي يستغرب أهله منه السؤال: ما حكم لبس الثوب في البلد الذي يستغرب منه أهله؟ الجواب: الذي ينبغي أنه يترك حتى لا يشار إليه، وحتى لا يتهم في عقله. حكم لبس البنطلون السائل: هل يصلح لطالب العلم أن يلبس البنطلون؟ الجواب: لا، بل الثوب أو القميص هو لباس المسلمين، فيلبسه الإنسان المسلم في أي مكان، وإنما الذي لا ينبغي هو أن يكون في بلد ويأتي بلباس غريب على الناس، ويشار إليه بالبنان من أجله، لكن إذا كان لباساً شرعياً كالقميص فلا يخلعه؛ لأن القميص هو اللباس الشرعي. كما أنه لا ينبغي للإنسان أنه يلبس لباس الكفار، ولا يصح للإنسان أن يلبس لباس الإفرنج. حكم اقتناء الكتاب النافع إذا كان مؤلفه مجهولاً السؤال: إذا عرفنا كتاباً كل ما فيه خير وطيب إلا أن مؤلفه مجهول لا نعرفه، فهل لنا أن نقتنيه؟ الجواب: إذا كان فيه كلام سليم وكلام مستقيم فللإنسان أن يقتنيه ولو كان صاحبه مجهولاً. فضل أهل البيت المؤمنين السؤال: ما صحة هذا الحديث: قال صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي، وإن أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)؟ الجواب: لا أعرف صحة الحديث، ولكن أهل البيت يعطون ما يستحقون من المودة ومن المحبة إذا كانوا مؤمنين؛ لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولإيمانهم بالله عز وجل، والأصل هو الإيمان، فإذا إنضاف إلى الإيمان القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يحصل المودة والموالاة من أجل اجتماع الأمرين: الإيمان -وهو الأساس الذي يكون به الحب والبغض- والقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصير ذلك خيراً إلى خير، ويحب الإنسان لذلك. فأهل البيت تعرف منزلتهم التي يستحقونها، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -وفي مقدمتهم أبو بكر و عمر - هم القدوة في ذلك في بيان قدر أهل البيت ومنزلة أهل البيت، فأبو بكر رضي الله تعالى عنه وأرضاه جاء عنه أثران في صحيح البخاري كل منهما يدل على منزلة أهل البيت وعظيم قدرهم وبيان عظيم منزلتهم، حيث قال رضي الله تعالى عنه كما في صحيح البخاري : (والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصلهم من قرابتي) يعني: لأن أصل قرابة آل محمد عليه الصلاة والسلام أحب إلي من أن أصل قرابة آل أبي بكر . والأثر الثاني يقول فيه: (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته). يعني: راعوا وصيته في أهل بيته. وأما عمر رضي الله عنه فقد جاء عنه أثران أيضاً: أحدهما في صحيح البخاري ، وذلك أنهم كانوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا أجدبوا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يستسقي لهم، ولما توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وحصل للناس الجدب والقحط طلب عمر رضي الله عنه من العباس أن يستسقي، واختاره وقدمه على غيره لقرابته من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال كما في صحيح البخاري : (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قم -يا عباس- فادع الله) فذكر القرابة والصلة فقال: (بعم نبينا) يعني أن هذا هو وجه الاختيار، و عمر رضي الله عنه أفضل من العباس ، وعدد من الصحابة أفضل من العباس ، ولكنه اختاره لقربه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يوضح معرفتهم قدر أهل البيت وتعظيم منزلتهم. وأيضاً جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال للعباس : (إن إسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم) و الخطاب هو أبوه، ولكن لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إسلامه أحب عمر إسلامه. فهذا كلام سيدي هذه الأمة وخير هذه الأمة أبي بكر و عمر في حق آل البيت وفي بيان عظيم منزلتهم ومقدارهم عند الله عز وجل، فإذا صح الحديث فإن المقصود من ذلك هو معرفة قدرهم ومنزلتهم، وهذا الذي أشار إليه أبو بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما في هذه الآثار. وهذا لا يكون إلا للصالح، أما الطالح الذي هو فاسد وهو من أهل البيت فالأمر كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، ويقول الشاعر: لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب فقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب فأبو لهب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ونسبه شريف؛ لأن نسبه هو نسب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الشرك هو الذي وضعه، و سلمان الفارسي من الفرس، والإسلام هو الذي رفعه. حكم اتخاذ الجمة واللمة السؤال: شاع الخلاف بين الشباب في حكم اتخاذ الجمة واللمة، فهل يليق ذلك بالنسبة لطلاب العلم أو لا؟ الجواب: الأمر في ذلك واسع، ومن المعلوم أن الشعر إذا تركه الإنسان ينشغل به، فالأمر في ذلك واسع، إن تركه فهو سائغ وإن حلقه أو قصه فهو سائغ، ولكن بالنسبة للشاب الذي يكون وسيماً ويكون جميلاً ثم يفعل مثل ذلك قد يكون في ذلك مضرة عليه وعلى غيره وفتنة له ولغيره. حكم اتخاذ السترة للمصلي السؤال: ما حكم اتخاذ السترة للمصلي؟ الجواب: بعض أهل العلم قال بالوجوب وجمهور أهل العلم قالوا بأنه مستحب، ينبغي للإنسان أن يحرص على أن يتخذ السترة. معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود) السؤال: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود)، وهل تَبطُلُ الصلاة بذلك؟ الجواب: بعض أهل العلم قال بالبطلان وأنها تستأنف، وجمهور أهل العلم قالوا: إن هذا نقصان لها."
__________________
|
#143
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [074] الحلقة (105) شرح سنن أبي داود [074] ينبغي للمؤذن ألا يأخذ أجراً على الأذان إلا لحاجة، وأن يتحرى وقت الصلاة، فلا يؤذن قبل الوقت، ولا يتأخر عن وقت الأذان، ويجوز للأعمى أن يكون مؤذناً إذا كان هناك من يعلمه بأوقات الصلوات، ولا يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان إلا للضرورة. أخذ الأجر على التأذين شرح حديث (واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أخذ الأجر على التأذين. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد قال: أخبرنا سعيد الجريري عن أبي العلاء عن مطرف بن عبد الله عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: قلت -وقال موسى في موضع آخر: إن عثمان بن أبي العاص قال-: يا رسول الله! اجعلني إمام قومي. قال: (أنت إمامهم واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجراً) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب أخذ الأجر على التأذين ] أي: حكم ذلك، وهل تؤخذ الأجرة على الأذان، أو أنها لا تؤخذ؟ والأذان أو التأذين والإمامة، وتعليم القرآن، وغير ذلك هي من القربات التي يتقرب بها إلى الله عز وجل، فهل يُؤخَذُ على ذلك أجر، أو لا يؤخذ؟ للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال: منهم من قال: يجوز أن يأخذ. واستدلوا على ذلك بما جاء في قصة اللديغ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما علم أنهم أخذوا الأجرة على رقيته قال: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله). وبعض أهل العلم قال: إن ذلك لا يجوز مطلقاً -أي: أخذ الأجرة-، ولكن يجوز أخذ الجُعْل، وهو: المبلغ الذي يرصد في أوقاف المسلمين، أو من متبرع في ذلك، أو ما يرصد من بيت المال لمن يقوم بهذه المهمة، فهذا جعل لا بأس به، وهو بخلاف الأجرة؛ لأن الأجرة هي اتفاق وارتباط وأنه لا يحصل منه ذلك إلا بمقدار معلوم، وأما الجعل فهو شيء مرصود لمن يقوم بهذه المهمة، إما وقف وإما شيء من بيت المال، وإما تبرعات وإحسان من المحسنين. وبعض أهل العلم يقول: إن ذلك مثل ولي اليتيم: إن كان غنياً يستعفف وإن كان فقيراً يأكل بالمعروف. والذي يظهر أن أخذ الأجرة لا يجوز والمؤاجرة على ذلك لا تجوز، وأما الجعل وأخذ ما يرصد لذلك من أوقاف وتبرعات وشيء يخصص لذلك من بيت المال فإن لا بأس به، وإنما الذي به بأس أن الإنسان يؤدي العمل وهو في عمله يأخذ في مقابله الأجر كما يأخذ النجار والحداد وغيرهم من أصحاب المهن بأن يكون هذا صاحب مهنة، وأنه يأخذ عليها أجراً كما يأخذ أصحاب المهن أجراً على تلك المهن، وفرق بين أصحاب المهن وبين القُرَبْ التي تفعل من أجل الثواب ورجاء ما عند الله عز وجل مما هو خير وأبقى، وإذا حصل جُعْل لمن يقوم بهذا العمل، ولم يكن هو الدافع للإنسان على هذا العمل فذلك خير وسائغ أخذه ولا بأس به. وفد أورد أبو داود رحمه الله حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي الطائفي رضي الله عنه أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعله إمام قومه فقال: [( أنت إمامهم، واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً) ] فجعله إمامهم، وكان والياً على الطائف، وسبق أن مر بنا الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل المسجد حيث تكون الطواغيت أو أماكن طواغيتهم أو طاغوتهم. وقوله: [ (واقتدِ بأضعفهم) ] أي أنه عندما يصلي بهم يراعي حال الضعيف، وحال الكبير، وحال العاجز فيخفف ولا يطيل، لكنه التخفيف الذي لا يكون معه خلل ولا يكون معه نقص، ولكنه لا يطيل الطول الذي يشق، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى أن يراعي حال من يكون ضعيفاً، ومن يكون عاجزاً بحيث لا يطيل إطالة تشق عليه، وإنما يأتي بالصلاة غير مطولة مع إتمامها. قال: [ (واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً) ] ومعناه أنه يجعل مؤذناً للوقت لكن لا يأخذ على أذانه أجراً، وقد كان السلف يكرهون مثل ذلك، وقد ذكر عن الإمام أحمد رحمة الله عليه أنه سئل عن إمام يقول لجماعته: أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهماً. فقال الإمام أحمد : أسأل الله العافية، ومن يصلي خلف هذا؟! أي: الذي يكون هذا شأنه، وهمه الدنيا، ولا يفكر إلا في الدنيا، ويشارط الناس بمثل هذه العبارة، فهذا أمر غير سائغ. وقوله: [ (يا رسول الله! اجعلني إمام قومي) ] طلب منه أن يسند إليه الإمامة، فهل يجوز طلب الإمامة؟ والجواب: إذا كان يترتب على ذلك مصلحة فلا بأس به؛ لأن الإمامة قربة وعبادة وفيها محافظة على الوقت، وهي تدفع الإنسان إلى أن يصلي الجماعة دائماً وأبداً، ولا تفوته الجماعة؛ لأنه هو الإمام، وكونه أيضاً يتعاهد القرآن، ويحرص على أن يقرأ القرآن ويتعاهده، إلى غير ذلك من المصالح التي تكون في الإمامة. ومع ذلك فإن فيها مسئولية وفيها تبعة، وقد مر بنا الحديث: (الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن). تراجم رجال إسناد حديث (واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل هو: التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حماد ]. حماد هو: ابن سلمة ، وإذا جاء حماد يروي عنه موسى بن إسماعيل فهو: ابن سلمة ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد الجريري ]. هو سعيد بن إياس الجريري ، ثقة، أخرج له الكتب الستة. [ عن أبي العلاء ]. أبو العلاء هو: يزيد بن عبد الله بن الشخير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف ]. هو مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أخو يزيد بن عبد الله المذكور سابقاً. [ عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه ]. هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان والياً على الطائف، وهو من ثقيف من أهل الطائف، وقد أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة. الأذان قبل دخول الوقت قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الأذان قبل دخول الوقت. حدثنا موسى بن إسماعيل و داود بن شبيب المعنى، قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن بلالاً رضي الله عنه أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي: (ألا إن العبد قد نام، ألا إن العبد قد نام) زاد موسى : فرجع فنادى: ألا إن العبد قد نام. قال أبو داود : وهذا الحديث لم يروه عن أيوب إلا حماد بن سلمة ]. أورد أبو داود رحمه الله: [باب في الأذان قبل دخول الوقت] والأذان يكون عند دخول الوقت، وإذا حصل الأذان فمعناه أنه جاء وقت الصلاة ليتجه المسلمون إلى المساجد، والنساء يصلين في البيوت، وأهل الأعذار يصلون في البيوت كمن يكون مريضاً أو عاجزاً لا يستطيع أن يصلي. والأذان فيه إشعار وإعلام بدخول الوقت، وحينما يحصل الأذان فمن صلى الصلاة فإنه يكون قد صلاها في وقتها، وعلى هذا فلا يجوز أن يكون الأذان قبل الوقت؛ لأن الأذان قبل الوقت يترتب عليه الصلاة قبل الوقت، والصلاة قبل وقتها غير صحيحة، ومن صلاها قبل وقتها نسياناً أو خطأً فيجب عليه إعادتها في الوقت؛ لأن الصلاة لوقتها، ويؤتى بها في وقتها، ولا تُقدم على وقتها، ولا تؤخر عن وقتها إلا إذا كان هناك نوم أو شيء لابد منه، وأما بالاختيار فلا تؤخر الصلاة عن وقتها ولا يجوز أن تقدم عن وقتها. وكل الصلوات ليس لها إلا أذان واحد يكون عند دخول الوقت إلا الفجر فإنه يشرع أذان آخر قبل الفجر، وليس المقصود منه أن يحضر الناس إلى الصلاة، أو أن يصلي من يسمع الأذان، وإنما كما جاء في الحديث: (يوقظ النائم ويرجع القائم) أي: من كان نائماً دعاه ذلك الأذان إلى أن يستعد ويتهيأ للصلاة قبل دخول وقتها، ومن كان يريد أن يصوم ويتسحر فإن الأذان الأول يكون سبباً في تحصيله وبلوغه ما يريد، هذا هو المراد من إيقاظ النائم. والأذان الثاني هو الذي يكون عند دخول الوقت، وهو المتعين، وهو الذي لابد منه، وكل صلاة لابد لها من أذان في أول وقتها حتى يصلي الناس بعد سماع الأذان، إلا الفجر فإنه يجوز أن يؤذن لها أذان آخر قبل الوقت، ومهمته -أي: الأذان الأول- إرجاع القائم الذي كان يصلي من الليل ليستريح شيئاً قليلاً من الوقت حتى يقوم إلى الصلاة، والذي كان نائماً يستيقظ ويتهيأ إذا كان الأمر يحتاج إلى تهيؤ للصلاة بغسل أو ما إلى ذلك، أو بسحور إذا كان يريد أن يصوم. وكذلك يوم الجمعة يكون أذان آخر قبل الوقت حتى يتهيأ الناس للصلاة، ويستعدوا للصلاة. ولا يؤذن قبل الوقت، وإن أذن قبل الوقت فيلزم أن يعاد الأذان عند دخول الوقت، حتى من كان قد صلى فعليه أن يتنبه إلى أن المسألة فيها خطأ وأن فيها غلطاً، وعليه أن يعيد الصلاة بعد دخول الوقت. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن بلالاً أذن قبل الوقت في الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي [(ألا إن العبد قد نام، ألا إن العبد قد نام)]، ليبين أن فعله الذي قد حصل أولاً كان خطأ، وهذا -فيما يظهر كما ذكره بعض أهل العلم- كان قبل أن يوجد الأذان الأول الذي جاء ذكره في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم). وهذا يدل على أن بلالاً كان يؤذن الأذان الأول و ابن أم مكتوم يؤذن الأذان الثاني، وكان بلال هو الذي يؤذن قبل أن يشرع الأذان الأول للفجر، وبعدما شرع الأذان الأول صار بلال يؤذن الأول و ابن أم مكتوم يؤذن الأذان الثاني، وقبل ذلك كان بلال هو الذي يؤذن في جميع الأوقات. فهذا الذي حصل كان قبل أن يشرع الأذان الأول؛ لأن الأذان الثاني هو الذي يكون عند دخول الوقت كسائر الصلوات، ولكن الأول هو الذي يكون قبل دخول الوقت، والذي لو ترك لا يؤثر؛ لأنه ليس كالأذان الذي عند دخول الوقت، مع أن الإتيان به مطلوب وفيه فائدة، ولكن لو ترك لا يؤثر؛ لأن الذي يؤثر هو الذي عند دخول الوقت في جميع الصلوات، والذي تتحد فيه الصلوات جميعها وتتفق كلها على أنه يؤذن به عند دخول الوقت. وقوله: [ألا أن العبد قد نام] قيل: إن المراد به أنه قد حصل منه غفلة لم يتبين فيها الوقت، ولهذا أخطأ في كونه أذن قبل الوقت، ومعنى هذا أنه لا يبنى على هذا الأذان حكم ولا يبنى عليه شيء ولا يصلى من أجله؛ لأنه حصل خطأً. تراجم رجال إسناد حديث (ألا إن العبد قد نام) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل و داود بن شبيب ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره، و داود بن شبيب صدوق أخرج له البخاري و أبو داود و ابن ماجه . [ المعنى ]. أي أن هذين الشيخين لأبي داود روايتهما متفقة بالمعنى مع اختلاف في الألفاظ، هذا هو المقصود بكلمة (المعنى). [ قالا: حدثنا حماد . حماد هو: ابن سلمة ، مر ذكره. [عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. نافع هو: مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال أبو داود : وهذا الحديث لم يروه عن أيوب إلا حماد بن سلمة ]. بعض أهل العلم تكلم في هذا الحديث وذكر أن فيه خطأ من حماد ، وأن الصواب هو ما جاء فيما يأتي أن الآمر للمؤذن بأن يعيد هو عمر وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض أهل العلم يقول: إنه صحيح. شرح أثر عمر (ألا إن العبد قد نام) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أيوب بن منصور ثنا شعيب بن حرب عن عبد العزيز بن رواد قال: أخبرنا نافع عن مؤذن لعمر يقال له: مسروح أذن قبل الصبح فأمره عمر رضي الله عنه. فذكر نحوه. قال أبو داود : وقد رواه حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع أو غيره أن مؤذناً لعمر يقال له: مسروح أو غيره. قال أبو داود : ورواه الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كان لعمر رضي الله عنه مؤذن يقال له: مسعود . وذكر نحوه، وهذا أصح من ذاك ]. أورد أبو داود رحمه الله الأثر عن عمر رضي الله عنه وأنه كان له مؤذن وقد حصل أنه أذن قبل الوقت فأمره أن يقول: (ألا إن العبد قد نام) أي أن الذي ذُكر في الحديث السابق إنما حصل لعمر وأن الذي أمر بذلك هو عمر . وبعض العلماء يقول: إن الرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيه كلام، وأنه ما روي إلا من طريق حماد بن سلمة عن أيوب ، وأن الذي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حق بلال أنه قال: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، ولكن ما جاء في حديث ابن عمر في إضافة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو متفق مع ما جاء عن عمر في قصة مؤذنه الذي حصل منه خطأً، وأمره عمر رضي الله عنه أن ينادي بما جاء أن بلالاً نادى به، وهو قوله: (ألا إن العبد قد نام)، وأن المقصود بذلك هو أنه قد غفل، وأنه لم يتبين الصبح تماماً، وأنه حصل منه الخطأ، فينبه الناس حتى لا يعتمدوا على ذلك الأذان الأول فيصلوا الفجر، أو أنهم يأتون إلى المسجد وقد كان ذلك حصل بالليل، وحتى لا يكون لهم ذلك الإزعاج الذي قد حصل، فمن أراد أن يستريح فيمكنه أن يستريح ويمكنه أن ينام ولا يأتي إلا عند دخول الوقت. تراجم رجال إسناد أثر عمر (ألا إن العبد قد نام) قوله: [ حدثنا أيوب بن منصور ]. أيوب بن منصور صدوق يهم، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ عن شعيب بن حرب ]. شعيب بن حرب ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ عن عبد العزيز بن أبي رواد ]. عبد العزيز بن أبي رواد صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن نافع عن مؤذن لعمر ]. نافع قد مر ذكره. عن مؤذن لعمر يقال له: مسروح وفي الرواية الأخرى يقال له: مسعود ، وهو شخص واحد ذكر مرة أنه مسروح ومرة أنه مسعود ، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده. قوله: [ قال أبو داود : وقد رواه حماد بن زيد عن عبد الله بن عمر عن نافع أو غيره أن مؤذناً لعمر يقال له: مسروح أو غيره ]. قوله: [عن نافع أو غيره]. أي: شك هل هو هذا أو هذا، والرواية الأولى ليس فيها شك، وكذلك الروايات التي ستأتي بعد هذا ليس فيها شك من جهة هل هو نافع أو غيره، وإنما هو نافع . [ قال أبو داود : وقد رواه حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عمر ]. هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع أو غيره ]. نافع مر ذكره. [ عن مسروق ]. مسروق مر ذكره. [ قال أبو داود : ورواه الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه قال: كان لعمر مؤذن يقال له: مسعود وذكر نحوه، وهذا أصح من ذاك ]. وهذا مثل الذي تقدم أولاً إلا أن هناك قال: مسروح وهنا قال: مسعود ، و مسروح هو مسعود . [ قال أبو داود : ورواه الدراوردي ]. الدراوردي هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ]. قد مر ذكرهم جميعاً. وقوله: [ وهذا أصح من ذاك ]. أي: الذي فيه: الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن مؤذناً لعمر يقال له: مسعود أصح من الطريق المتقدم. لكن ابن حجر لما ترجم للدراوردي قال: حديثه عن عبيد الله العمري منكر. وهو هنا يروي عن عبيد الله ويصحح أبو داود حديثه على من تقدم، وهو حماد بن زيد الذي يروي عن عبيد الله بن عمر . وعلى كل فهذه الطرق كلها يشهد بعضها لبعض، وهي متفقة وغير مختلفة. شرح حديث ( لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زهير بن حرب حدثنا وكيع حدثنا جعفر بن برقان عن شداد مولى عياض بن عامر عن بلال رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا، ومد يديه عرضاً). قال أبو داود : شداد مولى عياض لم يدرك بلالاً ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث بلال رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: [ (لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا، ومد يديه عرضاً) ] أي: حتى يستبين لك الأفق الذي يأتي بالعرض، والذي يتزايد حتى تطلع الشمس؛ لأن الفجر فجران: فجر يظهر بظهور بياض في الأفق مستطيل رأسياً وليس بمعترض، وهذا يذهب، وهو الذي يسمونه الفجر الكاذب، والفجر الثاني: الذي يأتي بالعرض ممتداً في الأفق ويتزايد حتى تطلع الشمس، فهذا هو الذي يكون عنده الأذان الثاني ويكون عنده دخول الوقت، والذي تحل عنده صلاة الصبح ويحرم الأكل في حق الصائم؛ لأنه تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فخروج هذا الخط المعترض من الفجر هو الخيط الأبيض الذي يتزايد شيئاً فشيئاً حتى تطلع الشمس. وقوله: [ (ومد يديه عرضاً) ] أي: مدّ يديه أفقياً بالعرض توضيحاً وبياناً. تراجم رجال إسناد حديث (لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا) قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. زهير بن حرب هو: أبو خيثمة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر بن برقان ]. جعفر بن البرقان صدوق يهم في حديث الزهري ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن شداد مولى عياض بن عامر ]. شداد مولى عياض بن عامر مقبول يرسل، أخرج حديثه أبو داود . [ عن بلال ]. هو بلال رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وقوله: [ قال أبو داود : شداد مولى عياض لم يدرك بلال ]. معنى هذا أن فيه انقطاعاً، أي أن فيه إرسالاً؛ لأن شداداً مقبول يرسل، ومعناه أنه يروي عمن لم يدركه، والحديث حسنه الألباني ، ولعل تحسينه من شواهد وطرق أخرى، وإلا فإن فيه انقطاعاً كما هو معلوم. يتبع
__________________
|
#144
|
||||
|
||||
![]() الأذان للأعمى شرح حديث (أن ابن أم مكتوم كان مؤذناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعمى) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الأذان للأعمى. حدثنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر و سعيد بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن ابن أم مكتوم رضي الله عنه كان مؤذشناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعمى) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب الأذان للأعمى] يعني أنه لا بأس به إذا كان معه من يخبره بدخول الوقت وينبهه على ذلك، ولا يقدم على ذلك إلا بعدما يخبره من هو ثقة بدخول الوقت، فلا بأس بذلك؛ لأنه أعمى لا يرى الزوال، ولا يرى الغروب، ولا يرى طلوع الفجر، فلا بد من أن يكون معه من ينبهه ويبصره ويخبره. فلا بأس بأن يكون المؤذن أعمى بشرط أن يكون معه من ينبهه ويخبره بدخول الوقت، وهذا على اعتبار أن الأعمى لا يرى، والمسألة متعلقة تعلقاً رئيساً بالرؤية، مثل رؤية الزوال، وطلوع الفجر، وغروب الشمس، والأعمى لا يرى، فكونه يؤذن مع أنه يعتمد على من يخبره بدخول الوقت لا بأس به. وليست هنا القضية قضية تقليد، وإنما هي قضية إخبار واعتماد على كلام من يوثق به، وكذلك في جهة القبلة، فإن وجد من يرشده إليها فلا يلزمه أن يجتهد، وإنما يجتهد حيث لا يكون عنده من يخبره، أما إن كان عنده أحد يخبره مثل أناس ساكنين في البرية وعندهم علم ومعرفة، أو هو نفسه معه ناس لهم خبرة ومعرفة فيسألهم؛ لأنه لو أراد أن يجتهد فسوف يصححون ما يفعله ويرشدونه إلى الصواب. وأما ما ذكره بعض الفقهاء من أنه لو كانوا جماعة في سفر فلا يجوز أخذ أحدهم قول غيره، بل كل واحد منهم يجتهد ويصلي إلى القبلة التي توصل إليها اجتهاده فنقول: هذا إذا اختلفوا، وأما إذا كان هناك من ليس عنده خبرة وسأل من عنده خبرة فلا بأس بذلك، وهذا شيء مطلوب، وما أكثر ما يحتاج الناس إلى السؤال عن القبلة وهم في سفر؛ لأنه ليس كل إنسان يعرف، وبعض الناس يعرف اتجاه القبلة عن طريق النجوم أو عن طريق المشارق والمغارب، وهكذا. تراجم رجال إسناد حديث (أن ابن أم مكتوم كان مؤذناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعمى) قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري ، ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن ابن وهب ]. ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر ]. يحيى بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر صدوق، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ و سعيد بن عبد الرحمن ]. سعيد بن عبد الرحمن هو الجمحي ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجه . [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه: عروة بن الزبير ]. وهو ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الخروج من المسجد بعد الأذان شرح أثر أبي هريرة في خروج المرء من المسجد بعد الأذان قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الخروج من المسجد بعد الأذان. حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن إبراهيم بن المهاجر عن أبي الشعثاء قال: (كنا مع أبي هريرة رضي الله عنه في المسجد، فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر، فقال أبو هريرة : أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ (باب: الخروج من المسجد بعد الأذان) ] أي: ما حكمه؟ والجواب أنه يجوز إذا كان لحاجة ولأمر يقتضيه، كمن يريد أن يتوضأ، أو كان حاقناً أو حاقباً يحتاج إلى الخلاء، أو يكون إمام مسجد فأذن المؤذن وهو في مسجد من المساجد والناس ينتظرونه في مسجده ليصلي بهم، فإذا كان هناك أمر يقتضي خروجه فلا بأس، وأما إذا كان لغير حاجة فإنه لا يجوز. وقد سبق أن مر بنا في الحديث أن الشيطان يفر عندما يسمع الأذان، فالإنسان عندما يخرج من المسجد وهو غير مضطر لذلك يكون فيه مشابهة للشيطان في كونه يخرج بعد الأذان، حيث يخرج والناس يُدعون إلى أن يأتوا إلى المساجد، فإذا لم يكن خروجه لضرورة فإن ذلك معصية. ولهذا أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان في المسجد فخرج رجل بعد الأذان فنظر إليه أبو هريرة وقال: [ أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ]، وقول الصحابي عن فعل من الأفعال بأنه معصية للرسول صلى الله عليه وسلم له حكم الرفع، ومعنى هذا أن الرسول نهى عن ذلك، والذي حصل منه ذلك قد خالف ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيكون قد عصاه، ولهذا قال: [أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ]. وإذا كان الإنسان مسافراً وقد صلى فله أن يخرج، فإذا جمع بين الصلاتين في وقت إحداهما وخرج من المسجد فلا بأس بذلك؛ لأنه قد أدى ما عليه، لكن من كان جالساً في المسجد ثم سمع الأذان ثم خرج من غير ضرورة فهذا هو الخطأ. حتى ولو أذن المؤذن وهو في مسجد قريب من المسجد النبوي، وأراد الذهاب إلى المسجد النبوي فلا يفعل؛ لأنه ليس إماماً للمسجد النبوي وليس حاقباً وليس له حاجة تضطره للخروج، والأولى جلوسه في المسجد الذي هو فيه لكيلا يُتهم ويساء به الظن، وقد يقتدي به غيره ممن لا يفهم. تراجم رجال إسناد أثر أبي هريرة في خروج المرء من المسجد بعد الأذان قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم المهاجر ]. هو صدوق لين الحفظ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الشعثاء ]. هو: سليم بن أسود المحاربي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق. في المؤذن ينتظر الإمام شرح حديث (كان بلال يؤذن ثم يمهل..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المؤذن ينتظر الإمام. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا شبابة عن إسرائيل عن سماك عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (كان بلال رضي الله عنه يؤذن ثم يمهل، فإذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج أقام الصلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله: [ باب في المؤذن ينتظر الإمام ] أي: ينتظره للإقامة؛ لأن الإقامة هي للإمام، وهو الذي يملك الإقامة، وتقام الصلاة عندما يأتي أو عندما يأمر بإقامتها، والمؤذن مسئول عن الأذان، وليس للمؤذن أن يقيم من تلقاء نفسه إلا بإذن الإمام أو باتفاق معه على أنه إذا رآه قد أقبل فإنه يقيم. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أن بلالاً كان يؤذن ثم يمهل -يعني: ينتظر بين الأذان والإقامة-، حتى إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم خرج -يعني: من حجرته- متجهاً أقام، فيقوم الناس، ثم إذا وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكانه وأمرهم بتسوية الصفوف صلى بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث (كان بلال يؤذن ثم يمهل..) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن شبابة ]. هو شبابة بن سوار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك ]. هو سماك بن حرب ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن جابر بن سمرة ]. هو جابر بن سمرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في التثويب شرح أثر إنكار ابن عمر على من ثوب بالصلاة في الظهر أو العصر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التثويب. حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان حدثنا أبو يحيى القتات عن مجاهد أنه قال: كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما فثوب رجل في الظهر أو العصر قال: أخرج بنا فإن هذه بدعة ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب التثويب] والتثويب يراد به ثلاثة أمور: أحدها: الإقامة؛ فإن الإقامة يقال لها: تثويب، وقد سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه هروب الشيطان عندما يسمع الأذان، فإذا فرغ قضي الأذان رجع، فإذا ثوب للصلاة -أي: نودي إلى الصلاة مرة أخرى بالإقامة- هرب، فأطلق على الإقامة أنها تثويب، وذلك أن التثويب هو رجوع إلى النداء وإلى الدعاء للصلاة؛ لأنه حصل أولاً الأذان ثم رجع إليه وثوب إليه، أي: رُجع إليه، من: (ثاب) إذا رجع، يقال: ثاب إلى رشده: إذا رجع إلى ما كان عليه من قبل من الرشد، فالإقامة يقال لها: تثويب. الثاني: قول: (>الصلاة خير من النوم) في أذان الصبح، فيقال له: تثويب، وقيل له: تثويب لأنه عود إلى الدعوة، يعني: إلى المجيء إلى الصلاة؛ لأن قوله: (حي على الصلاة حي على الفلاح) دعوة، ثم إذا قال: الصلاة خير من النوم كان ذلك -أيضاً- عوداً إلى الدعوة مرة أخرى، ولكن بلفظ آخر، وهو أن ما تدعون إليه خير مما أنتم فيه وإن كان قد طاب لكم ولذ لكم الفراش. ويطلق إطلاقاً ثالثاً: وهو ما أحدثه الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أن المؤذن إذا استبطأ الناس بعد الأذان ينادي بين الأذان والإقامة فيقول: قد قامت الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح. فهذا تثويب أيضاً، ولكنه تثويب محدث ومبتدع، ولعل هذا هو الذي أنكره ابن عمر كما في الأثر الذي ذكره أبو داود هنا، فإنه ذكر تحت هذه الترجمة عن ابن عمر أنه كان في مسجد، قال مجاهد بن جبر : [كنت مع ابن عمر -يعني في مسجد- فثوب رجل بالظهر أو العصر] قيل: إن المقصود بالتثويب هو الذي أحدثه الناس من كون المؤذن بعد الأذان بمدة وقبل إقامة الصلاة ينادي نداءً بينهما ويقول: قد قامت الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، أو أنه يقول: (الصلاة خير من النوم) في الظهر أو العصر؛ لأن هذه لا تقال إلا في الفجر، وهذا من الأمور المبتدعة. وقوله: [ اخرج بنا فإن هذه بدعة ] يعني: هذا العمل الذي عمله بدعة، وإذا كان قد صح أن ابن عمر خرج وقال: إنه بدعة فهذا يعني الإنكار بالقول وبالفعل، والحديث في سنده راوٍ تكلموا فيه، وهو أبو يحيى القتات ، و الألباني صحح الحديث أو حسنه، وعلى كلٍ فإن صح فهو إنكار بالقول وبالفعل. تراجم إسناد أثر إنكار ابن عمر على من ثوب بالصلاة في الظهر والعصر قوله: [ حدثنا محمد بن كثير عن سفيان عن أبي يحيى القتات ]. محمد بن كثير وسفيان مر ذكرهما، أبو يحيى القتات قالوا عنه: لين الحديث. وأخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجه . [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و ابن عمر رضي الله عنهما قد مر ذكره. الأسئلة حكم المرور بين يدي المصلي الذي ليس له سترة السؤال: هل من حق المصلي الذي ليس له سترة أن يمنع المرور بين يديه؟ الجواب: نعم، له أن يمنع المرور فيما بينه وبين موضع سجوده، وإذا كان المار بمسافة تزيد على ثلاثة أذرع فلا يمنعه. حكم أخذ الداعية للمال من المحسنين السؤال: هل يجوز أن يعطى الداعية أجراً من المحسنين الذين يرسلون أموالهم لبعض الدول للدعاة؟ وإن كان جائزاً فما هو الدليل على أنه يجوز له أن يأخذ ذلك من غير بيت المال؟ الجواب: وأي مانع يمنع من ذلك؟! ومن قال: إنه لا يجوز إلا من بيت المال؟! بل يجوز من بيت المال، ويجوز من الأوقاف، ويجوز من تبرعات المحسنين، فالأصل هو الجواز، وكون المحسن يساعد داعية أو يخصص داعية يقوم بالدعوة، وينفق عليه ويجعله يتفرغ لهذه المهمة لا بأس بذلك، وهذا عمل طيب ولا مانع منه. توصيف مكافأة طلاب الجامعة السؤال: هل مكافأة الطلاب في الجامعة من باب الجعل أو هو من باب الأجرة؟ الجواب: هي من باب الجعل، فهذه أشياء رصدت لهم من بيت المال، وهي جعل لهم. حكم زيارة المقابر التي عليها الأبنية السؤال: ما حكم زيارة المقابر التي عليها الأبنية؟ الجواب: لا بأس بأن تزار المقابر ولو كان عليها أبنية، فيزورها الإنسان وينكر المنكر، ويبين أن هذا البناء منكر، والمقبرة إذا كان فيها بنيان لا تترك فلا تزار لأن عليها بنياناً محدثاً، وكون الأموات أسيء إليهم بأمر لا يجوز فلا يحرمون من الزيارة والدعاء لهم بسبب ذلك، فأقول: لا بأس بزيارة تلك المقبرة، ويدعى للأموات فيها، وينكر المنكر. حكم أخذ الخطيب للأجرة على خطبته السؤال: ما حكم أخذ الخطيب الأجرة على خطبته؟ الجواب: إذا خصص له شيء أو أعطي شيئاً فليس في ذلك بأس. حكم تخفيف الصلاة إلى حد الإخلال بها السؤال: بعض الأئمة يخففون الصلاة حتى لا يستطيع الإنسان أن يقرأ الفاتحة، فهل من نصيحة لهم؟ وهل الأفضل للإنسان أن يبحث عن مسجد آخر؟ الجواب: الإمام إذا كان يخفف تخفيفاً زائداً لا يمكن المؤتم معه من الإتيان بالأمور المطلوبة ينبغي أن يُنبه، وأما إذا كان ذلك التخفيف تخفيفاً يحصل معه المطلوب فلا بأس بذلك، ولكن إذا تبين أن هناك أمراً يقتضي التنبيه فينبه الإمام حتى يتدارك التقصير. من فاته الترديد مع المؤذن السؤال: إذا فات الإنسان الترديد مع المؤذن لبعض ألفاظ الأذان، فهل يردد ما فاته ثم يكمل معه؟ الجواب: الذي يبدو أنه يفعل ذلك؛ لأنه ما دام يستطيع أن يتدارك بهذه الطريقة فلا بأس بذلك إن شاء الله. حكم ما يعطى للأئمة والمؤذنين مقابل عملهم السؤال: هل الأجرة التي تعطى الآن للأئمة والمؤذنين أجرة أم جعل؟ الجواب: هذا الذي يخصص من بيت المال لهؤلاء يقال له: جعل، وليس أجرة. حكم مصافحة خالة الزوجة أو عمتها السؤال: هل يجوز مصافحة خالة الزوجة أو عمتها؟ الجواب: خالة الزوجة أجنبية، وعمة الزوجة أجنبية، ولهذا لو ترك الزوجة جاز له أن يتزوج عمتها، وأن يتزوج خالتها، وتحريمهما عليه ليس بدائم، بل هو تحريم مؤقت؛ لأنه لا يجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، لكن لو ذهبت عنه المرأة جاز له أن يتزوج عمتها أو خالتها، ولهذا فمصافحتها مصافحة أجنبية، ولا يصافح إلا المحرم، وهي التي تحرم عليه على التأبيد، أما من تحرم عليه مؤقتاً فليس محرماً لها، ولا يجوز له أن يصافحها، فهي أجنبية، والأجنبية لا تصافَح. حكم تأخير الأذان عن وقته السؤال: هل يجوز تأخير الأذان عن وقته كما يفعل في صلاة العشاء في رمضان؟ الجواب: لا بأس إذا اتفق الناس على أنهم يؤخرون من أجل مصلحة كما في رمضان، فإنهم يستعدون لصلاة التراويح، وأيضاً يذهبون إلى منازلهم بعد صلاة المغرب ويتناولون طعام العشاء، ثم يدركون الصلاة ويستعدون للصلاة، فلا بأس بذلك. حكم الأذان قبل دخول الوقت السؤال: يوجد في بعض البلاد الإسلامية من يؤذن لصلاة الصبح قبل دخول الوقت بعشرين دقيقة، فماذا نعمل؟ الجواب: يوجدون أذاناً عند دخول الوقت ويبقى ذلك الأذان الذي قبل عشرين دقيقة في محله وفي وقته، ولكن يؤتى بأذان آخر عند دخول الوقت، وهو الذي يبنى عليه الصيام وتبنى عليه الصلاة. موقف الإمام الراتب حال وقوع الأذان قبل دخول الوقت السؤال: هناك إمام مسجد في بلد إسلامي، وفي تلك البلدة يؤذنون قبل دخول الوقت الشرعي، فهل يصلي بهم الصلاة التي يظنون أن وقتها دخل أم ماذا يفعل؟ الجواب: عليه إن يصحح الوضع معهم، والأذان الذي كان يحصل منهم قبل دخول الوقت يبقونه على ما هو عليه ويكون للتنبيه، ويؤتى بأذان آخر يكون عند دخول الوقت، وهذا في الفجر خاصة، وبذلك يبقى الأذان الأول على ما كان، ولكن الخطأ يتدارك بإيجاد الأذان الثاني؛ لأن الأذان الثاني هو الأصل، وكان المفروض أن يكون عند دخول الوقت، والأذان الأول الذي قبل دخول الوقت يجوز، ويجوز أن يترك، ولكن الذي لا يجوز أن يترك هو الذي عند دخول الوقت، فيصححون الخطأ ويوجدون الأذان الثاني، ويتفق معهم، ويذكر لهم الحديث: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، فالأذان يبقى على ما هو عليه ويؤتى بأذان آخر عند دخول الوقت. وإذا كانت وزارة الأوقاف لا تسمح لهم بإيجاد أذان آخر فيتم تأخير الأذان الذي قبل دخول الوقت إلى عند دخول الوقت، وأما الإمامة فلا يمتنع منها، وإذا كان الناس ينتظرون بعد هذا الأذان إلى أن يدخل الوقت ثم يصلون فالأمر أسهل، ولكن المحذور إذا كان الناس يصلون قبل دخول الوقت. والذي يقطع الإشكال أنهم إذا كانوا عازمين على بقاء هذا الأذان فعليهم أن يأتوا بأذان عند دخول الوقت، وعنده يعرف الناس أنه إذا وجد الأذان الثاني جاء وقت الصلاة، لكن لا يقال: يترك الإمامة، وبعض أهل العلم قال: إنه يجوز، لكن الذي يبدو أنه لا يجوز قبل دخول الوقت إلا إذا كان قد جُعِل أذانان: أذان سابق وأذان عند دخول الوقت، ففي الفجر لا يؤذن الأذان الثاني إلا إذا طلع الفجر وجاء وقت الصلاة وحرم الأكل والشرب على الصائم."
__________________
|
#145
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [075] الحلقة (106) شرح سنن أبي داود [075] إذا أقيمت الصلاة وتأخر الإمام عن المجيء فللمأمومين أن ينتظروه قعوداً حتى لا يشق عليهم القيام، ويجوز الكلام بعد الإقامة للإمام مع المأموم وللمأموم مع مثله، ويجوز للإمام أن يتأخر لمناجاة شخص بعد أن تقام الصلاة، ولا ضير في ذلك. ما جاء في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعوداً شرح حديث (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعوداً. حدثنا مسلم بن إبراهيم و موسى بن إسماعيل قالا: حدثنا أبان عن يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني). قال أبو داود : وهكذا رواه أيوب و حجاج الصواف عن يحيى ، و هشام الدستوائي قال: كتب إلي يحيى . ورواه معاوية بن سلام و علي بن المبارك عن يحيى وقالا فيه: (حتى تروني وعليكم السكينة) ]. أورد المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعوداً] ومقتضى هذه الترجمة أن الصلاة إذا أقيمت ولم يكن الإمام قد جاء فإنهم ينتظرونه قعوداً، ولا ينتظرونه قياماً؛ لأن ذلك يشق عليهم، وكان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يكون في بيته ثم يخرج للصلاة، وكان بلال رضي الله عنه يؤذنه ويأتي ويطرق عليه البيت ويقيم الصلاة، وأحياناً ينظر بلال إلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي من جهة المسجد، فإذا رآه خرج أقام الصلاة، فمن الناس من يكون قد رآه قد خرج ومنهم من لا يكون رآه، وقد أرشد عليه الصلاة والسلام إلى أنه إذا أقيمت الصلاة فلا يقومون حتى يروه قد خرج من بيته؛ لأنه قد يعرض له شيء يجعله يتأخر في الدخول في الصلاة فيكون في ذلك مشقة على الناس، وإذا كانوا جالسين لا يكون في ذلك مشقة عليهم. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني) ]، ومعنى هذا أنهم ينتظرون الإمام إذا لم يروه قعوداً ولا يقومون وينتظرونه وقوفاً، وهذا من رفق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمته، وحرصه على دفع الحرج عنها والمشقة عليها، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو الذي وصفه الله في كتابه العزيز بقوله: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبان ]. هو أبان بن يزيد العطار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه . [ عن يحيى ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي قتادة ]. عبد الله بن أبي قتادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو الحارث بن ربعي رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : وهكذا رواه أيوب و حجاج الصواف عن يحيى ]. أيوب هو: أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و حجاج الصواف هو: حجاج بن أبي عثمان الصواف ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و هشام الدستوائي قال: كتب إلي يحيى ]. هشام هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقوله: [ قال: كتب إلي يحيى ]. معناه أن هشاماً يقول: كتب إلي يحيى . وأما أيوب و حجاج الصواف فقالا: عن يحيى . [ ورواه معاوية بن سلام و علي بن المبارك عن يحيى ] معاوية بن سلام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و علي بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقالا فيه: (حتى تروني وعليكم السكينة) ]. حملة: [ وعليكم السكينة ] زيادة، أي أنهم ينتظرونه جلوساً ولا يقومون حتى يروه، ويقومون وعليهم السكينة. شرح حديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا عيسى عن معمر عن يحيى بإسناده مثله، قال: (حتى تروني قد خرجت). قال أبو داود : لم يذكر (قد خرجت) إلا معمر ، ورواه ابن عيينة عن معمر لم يقل فيه: (قد خرجت) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه إضافة [ (قد خرجت) ] إلى قوله: [ (تروني) ] وهي تفيد أنه بمجرد خروجه يقومون، وأنه لا يتوقف قيامهم على أن يقوم مقامه الذي يصلي فيه، ويكونون جالسين حتى يقف في المكان الذي يصلي فيه، وإنما إذا رأوه خرج قاموا؛ لأن الصلاة أقيمت وهو قد جاء ليصلي بالناس، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أن يصلي النوافل في بيته ثم يخرج وتقام الصلاة ويصلي بالناس، ثم يرجع إلى بيته ويصلي فيه النوافل، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقوله: [ (حتى تروني قد خرجت) ] فيه بيان أن قوله: [ (حتى تروني) ] هو عند إقباله من بيته وخروجه من بيته ليصلي بالناس، فعند ذلك يقومون ويأخذون أماكنهم ويتهيئون لتسوية الصف حتى يقف النبي صلى الله عليه وسلم في مقامه الذي يصلي فيه ويسوي الصفوف ثم يصلي بالناس، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى ]. إبراهيم بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عيسى ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى ]. يحيى هو: ابن أبي كثير اليمامي ، وقد مر ذكره. [ قال أبو داود : لم يذكر (قد خرجت) إلا معمر ]. أي: لم يذكر (قد خرجت) بعد قوله: (تروني) إلا معمر . [ ورواه ابن عيينة عن معمر لم يقل فيه: (قد خرجت) ]. أيك رواه عيسى عن معمر بذكر (قد خرجت) و ابن عيينة روى عن معمر ولم يذكر (قد خرجت). أي أن معمراً له روايتان: مرة يذكر: (قد خرجت) وهي التي رواها عنه عيسى ، والثانية لم يذكر فيها (قد خرجت) وهي التي رواها عنه ابن عيينة . شرح حديث (.. أن الصلاة كانت تقام..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد قال: حدثنا أبو عمرو ، ح: وحدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد -وهذا لفظه- عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم) ]. قوله: [ فيأخذ الناس مقامهم ] أي أن كل واحد يقوم مقامه وتتصل الصفوف بعضها ببعض قبل أن يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم مقامه، أي: بمجرد أن يروه قد خرج يقومون، ولا يتوقف قيامهم على أن يقوم في مقامه الذي يصلي فيه، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا يوضح أن قوله: (حتى تروني قد خرجت) ليس المقصود منه المقام الذي يصلي فيه، بل بمجرد خروجه صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (.. أن الصلاة كانت تقام..) قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ]. هو محمود بن خالد الدمشقي ، ثقة، أخرج حديثه: أبو داود و النسائي و ابن ماجه . [ عن الوليد ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عمرو ]. هو الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح: وحدثنا داود بن رشيد ]. قوله: (ح) للتحول من إسناد إلى إسناد. وداود بن رشيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن الوليد ، وهذا لفظه ]. يعني: ابن مسلم ، وهنا قال: [ وهذا لفظه ] أي: اللفظ من طريق رواية الوليد من طريق داود بن رشيد الذي هو شيخه الثاني. [ عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو ؛ لأنه في الإسناد الأول عبر عنه بأبي عمرو وبالإسناد الثاني عبر عنه بالأوزاعي ؛ لأن الوليد في روايته في الإسناد الأول الذي يروي عنه محمود بن خالد عبر عنه بأبي عمرو و الوليد في رواية داود بن رشيد عنه عبر بالأوزاعي فهذا ذكره بكنيته وهذا ذكره بنسبته، وهو مشهور بنسبته: الأوزاعي وكنيته أبي عمرو ، واسم أبيه عمرو ، وفائدة معرفة الكُنى لأصحاب الأسماء أن لا يظن الشخص الواحد شخصين؛ لأن الإسناد الأول جاء فيه: أبو عمرو والإسناد الثاني فيه: الأوزاعي ، و الأوزاعي هو أبو عمرو فهو شخص واحد، إلا أنه عبر عنه بكنيته في الإسناد الأول وعبر عنه في الإسناد الآخر بنسبته، وهو ثقة، فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. الزهري هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، وهو ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن المدينة في عصر التابعين اشتهر فيها سبعة أشخاص، وُصفوا أو لُقبوا بالفقهاء السبعة، وهم في زمن واحد في زمن التابعين، وأسنانهم متقاربة، وستة منهم اتفق العلماء على أنهم من الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن هذا الذي في السند، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، هذه ثلاثة أقوال في السابع منهم، وأما الباقون فمتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وهم: سعيد المسيب و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق و خارجة بن زيد بن ثابت و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود و سليمان بن يسار و عروة بن الزبير بن العوام ، هؤلاء الستة متفق على أنهم من الفقهاء السبعة، و أبو سلمة هو السابع على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بل هو أكثرهم حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. يتبع
__________________
|
#146
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث (.. فحبسه بعدما أقيمت الصلاة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حسين بن معاذ حدثنا عبد الأعلى عن حميد قال: سألت ثابتاً البناني عن الرجل يتكلم بعدما تقام الصلاة فحدثني عن أنس بن مالك أنه قال: (أقيمت الصلاة فعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فحبسه بعدما أقيمت الصلاة) ]. قوله: [ (فعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فحبسه بعدما أقيمت الصلاة) ] أي: صار يتكلم معه، والمقصود من هذا أنه يجوز الكلام بين الإقامة والتكبير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث مع هذا الرجل بين الإقامة والدخول في الصلاة، سواء حصل ذلك من جهة الإمام مع غيره، أو من جهة المأمومين مع بعضهم، كأن يقول البعض مثلاً: تقدم أو تأخر، أو يسوون الصفوف ويكلم بعضهم بعضاً، فلا بأس بذلك، والنبي صلى الله علي وسلم تكلم مع هذا الرجل بعدما أقيمت الصلاة، وهذا يدلنا على جواز الكلام بين الإقامة وبين الدخول في الصلاة فيما فيه مصلحة تعود على الصلاة، مثل الأمر بالتقدم أو التأخر أو غير ذلك من الكلام الذي يجري لمصلحة الصلاة ويدل الحديث أيضاً على أن التابعين والصحابة كانوا إذا سئلوا عن شيء أجابوا فيه بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث (.. فحسبه بعدما أقيمت الصلاة) قوله:[ حدثنا حسين بن معاذ ]. حسين بن معاذ ثقة، أخرج له أبو داود وحده. [ عن عبد الأعلى ]. هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت البناني ]. ثابت بن أسلم البناني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك رضي الله عنه ]. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً قبل أن يكبر..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن علي بن سويد بن منجوف السدوسي حدثنا عون بن كهمس عن أبيه كهمس قال: قمنا إلى الصلاة بمنى والإمام لم يخرج فقعد بعضنا، فقال لي شيخ من أهل الكوفة: ما يقعدك؟ قلت: ابن بريدة قال: هذا السمود. فقال لي الشيخ: حدثني عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال: كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً قبل أن يكبر قال: وقال: (إن الله وملائكته يصلون على الذين يلون الصفوف الأول، وما من خطوة أحب إلى الله من خطوة يمشيها يصل بها صفاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما، وهو يدل على أن الإمام ينتظرونه قياماً ولا ينتظرونه قعوداً، وهو مخالف للحديث المتقدم حديث أبي قتادة : (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني) إذ معناه أنهم ينتظرونه وهم قعود. وهذا الحديث فيه أنهم ينتظرون وهم قيام ولا يقعدون، حيث إن الصلاة أقيمت في منى فتأخر الإمام، فجلس بعضهم، فقال وقوله: [هذا السمود] معناه القعود عند انتظار الإمام. وقيل: إن المقصود بالسمود هنا أن فيه غفلة. وقيل: إن المقصود به كون الإنسان قائماً ويرفع رأسه، وهو يريد بهذا أن الناس يجلسون ولا يكونون قائمين. ثم إن الشيخ حدث بهذا الحديث عن البراء بن عازب [ كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً قبل أن يكبر ]. وهذا الذي جاء في هذا الحديث لا يعارض ما جاء في الأحاديث المتقدمة، وحديث أبي قتادة الذي مر: [ (لا تقوموا حتى تروني) ] يعني: إذا كانوا ينتظرونه وهم قعود، وعلى فرض صحة الحديث هنا فإنهم لا يقومون إذ لم يحضر، وإنما ذلك إذا كان حاضراً وهو يقيم الصفوف ويأمرهم بتسوية الصفوف، فإذا سووا الصفوف دخل في الصلاة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فلا يعني أنهم ينتظرونه، مع أن الحديث فيه إشارة إلى أن الإمام لم يحضر، ولكن الذي أورده لا يدل على أن الإمام لم يحضر، بل يمكن أن يكون قد حضر ولكنه مشغول بتسوية الصفوف فيمضي شيء من الوقت وهم قيام من أجل تسوية الصفوف لا من أجل إن الإمام غير موجود، أما إذا كان غير موجود فكيف ينتظرونه وهم قيام وفي ذلك مشقة عليهم؟! وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت) ]. والحديث في إسناده ذلك الرجل المبهم الذي هو رجل من أهل الكوفة، فهو غير صحيح، ولا يقاوم ولا يقابل ما صح وثبت مما ترجم له المصنف، وهو أنهم ينتظرونه قعوداً، ولا ينتظرونه قياماً. وقوله: [ قلت: ابن بريدة قال: هذا السمود ]. يعني أن ابن بريدة هو الذي يقول بأنه لا ينتظر الناس الإمام وهم قيام، بل والناس قعود، وجلة [ هذا السمود ] من كلام ابن بريدة . قوله: [ فقال لي الشيخ: حدثني عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال: (كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً قبل أن يكبر) ]. هذا ليس فيه دليل على أن الإمام لم يكن قد حضر كما جاء في القصة التي ذكرت هنا، وإنما يمكن أن يكون الإمام موجود بينهم ولكنه يسويهم، ويكون الطول نسبياً في انتظار تسوية الصفوف، لا أن الإمام كان غائباً وهم ينتظرونه. قوله: [ (إن الله وملائكته يصلون على الذين يلون الصفوف الأول) ]. يعني: الذين يبكرون ويتقدمون ويكملون الصف الأول فالأول. وقوله: [ (وما من خطوة أحب إلى الله من خطوة يمشيها يصل بها صفاً) ]. معناه أن المشي والتقدم من أجل وصل الصفوف أمر مطلوب ومشروع، وكل صف يكمل، ولا ينشأ الصف الثاني إلا بعد اكتمال الصف الأول، ولا يؤتى بالصف الثالث إلا إذا كمل الصف الثاني، ولا يؤتى بالصف الرابع إلا إذا كمل الثالث وهكذا، فيكمل كل صف أولاً ثم ينشأ الصف الذي وراءه، ولا يصف لصف آخر والذي قبله لم يكتمل، وإنما على الإنسان أن يتقدم ليكمل الصفوف الأول، فقوله: [ (إن الله وملائكته يصلون على الذي يلوون الصفوف الأول) ] يكملون الصف الأول فالأول، ويمشي الواحد من أجل أن يكمل الصف، ولا تبقى فرجة في الصفوف الأول، بل تكمل، ومن المعلوم أن وصل الصفوف وسد الفرج أمر مطلوب، والمقصود أن هذا في غير الصلاة، وإذا كان في الصلاة والإنسان أمامه فرجة والصف قريب وتقدم من صف إلى صف ليسد الفرجة الموجودة فلا بأس بذلك؛ لأن خطوتين أو ثلاثاً في سبيل ذلك لا بأس بها، ولكن كونه يمشي من مسافة بعيدة ويتقدم من صف إلى صف وهو في الصلاة لا ينبغي، وإنما هو في حق من يأتي ولم يدخل في الصلاة، فإن عليه أن يتقدم إلى أن يصل إلى المكان الذي هو الفرجة التي في الصف الذي قبله. تراجم رجال إسناد حديث (كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله طويلاً قبل أن يكبر ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن علي بن سويد بن منجوف السدوسي ]. صدوق أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عون بن كهمس ]. عون بن كهمس مقبول، أخرج حديثه أبو داود . [ عن أبيه كهمس ]. هو كهمس بن الحسن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ فقال لي شيخ من أهل الكوفة ]. هو شيخ من أهل الكوفة مجهول مبهم لا يُعرف. [ حدثني عبد الرحمن بن عوسجة ]. عبد الرحمن بن عوسجة ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن البراء بن عازب ]. هو البراء بن عازب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه هذا الرجل الكوفي المبهم، فهو ضعيف. شرح حديث (أقيمت الصلاة ورسول الله نجي في جانب المسجد..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: (أقيمت الصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نجي في جانب المسجد، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [ (أقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم نجي في جانب المسجد) ] يعني: يناجي رجلاً في المسجد، فطالت المناجاة، قال: [ (فما قام إلى الصلاة) ] أي أنه بقي مع ذلك الذي يناجيه [حتى نام القوم] يعني: حصل منهم النعاس، وهذا بعد الإقامة، وهو يدلنا على أن الناس ينتظرون الإمام وهم جلوس، وكذلك الإمام أو غير الإمام له أن يكلم غيره بين الإقامة وبين الدخول في الصلاة. تراجم رجال إسناد حديث (أقيمت الصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نجي في جانب المسجد..) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له: البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الوارث ]. هو عبد الوارث بن سعيد العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد العزيز بن صهيب ]. عبد العزيز بن صهيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره. وهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود ، وهي الرباعيات، حيث يكون بين أبي داود وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص، فهنا: مسدد و عبد الوارث و عبد العزيز بن صهيب و أنس بن مالك ، فهؤلاء أربعة أشخاص بين أبي داود وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو أعلى الأسانيد عنده؛ لأنه ليس عنده من (الثلاثيات) شيء، بل أعلى ما عنده (الرباعيات). وبالمناسبة فإن مسلماً مثل أبي داود ، فمسلم ليس عنده إلا الرباعيات، و النسائي كذلك ليس عنده إلا الرباعيات، فهؤلاء الثلاثة أعلى ما عندهم (الرباعيات) وهم: مسلم و أبو داود و النسائي ، و أما البخاري فعنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، و الترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، و ابن ماجه عنده خمسة أحاديث ثلاثية، وكلها بإسناد واحد وذلك الإسناد فيها ضعيف. شرح حديث (كان رسول الله حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلاً جلس لم يصل..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلاً جلس لم يصل، وإذا رآهم جماعة صلى) ]. أورد أبو داود هذا الحديث، ومعناه أنها تقام الصلاة فإذا كانوا قليلاً فإنه يجلس ينتظر، وإذا كانوا كثيراً فإنه يصلي بالناس ويدخل في الصلاة، وهذا الحديث منقطع؛ لأن سالماً أبا النضر تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مرسل غير ثابت، وهو غير واضح من جهة المعنى، حيث تقام الصلاة ثم يجلس ينتظر الناس حتى يكثروا، ولعل المقصود أنه ليس المراد بذلك تقام الصلاة، بل حين يأتي وقت إقامة الصلاة وليس معنى ذلك أنه ينتظر بعد أن تقام الإقامة المعروفة بتكبيراتها وألفاظها ثم بعد الإقامة يجلس ينتظر الناس، وإنما يمكن أن يقال: حين تقام الصلاة بمعنى: حين يأتي الوقت الذي تقام فيه الصلاة، وليس المقصود أنه ينادى لها ثم الرسول صلى الله عليه وسلم يترك الدخول في الصلاة لأنهم قلة والحديث غير ثابت؛ لأن فيه الإرسال من سالم أبي النضر ، وهو تابعي وليس بصحابي. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلاً جلس لم يصلّ ...) قوله: [ حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري ]. عبد الله بن إسحاق الجوهري ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [ أخبرنا أبو عاصم ]. هو الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن موسى بن عقبة ]. موسى بن عقبة المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم أبي النضر ]. سالم أبو النضر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث مرسل؛ لأن سالماً أبا النضر تابعي وليس بصحابي. طريق أخرى لحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تقام الصلاة إذا رآهم قليلاً جلس لم يصلِّ...) وتراجم رجال إسنادها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن إسحاق أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع بن جبير عن أبي مسعود الزرقي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل ذلك ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث السابق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا -أيضاً- في إسناده أبو مسعود الزرقي ، وهو مجهول، فيكون الحديث غير صحيح. قوله: [ حدثنا عبد الله بن إسحاق أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع بن جبير ]. نافع بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مسعود الزرقي ]. أبو مسعود الزرقي مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ عن علي بن أبي طالب ]. هو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه. وكلمة: (عليه السلام) التي يؤتى بها بعد ذكر علي رضي الله عنه وذكر الحسن و الحسين و فاطمة رضي الله تعالى عنهم ليست من عمل المؤلفين والمصنفين والرواة، وإنما هي من عمل نساخ الكتب، فنساخ الكتب هم الذين يأتون بهذه الكلمات والإضافات، وقد أشار إلى هذا الحافظ ابن كثير في تفسيره عند قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، فذكر أنه عندما يذكر علي يقال: عليه السلام، وهذا إنما هو من نساخ الكتب، فهم الذين يأتون بـ (عليه السلام) أو (كرم الله وجهه). قالوا: والأصل أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يعاملون معاملة واحدة، فيقال عن الواحد منهم: رضي الله عنه، وهذا هو الذي درج عليه السلف، أي أنه يترضى عن جميع الصحابة، ويترحم على من بعدهم، وقد يترحم عليهم ويترضى عمن بعدهم، لكن الذي غلب في الاستعمال أن الترضي يكون للصحابة، والترحم يكون على من بعدهم، وهذا هو المعتمد."
__________________
|
#147
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [076] الحلقة (107) شرح سنن أبي داود [076] صلاة الجماعة لها أهمية عظيمة في دين الإسلام، وقد جاء الحث عليها في عدد من الأحاديث، بل جاء التهديد والوعيد لمن يتخلف عنها، ولذا يجب على جميع المسلمين المحافظة على صلاة الجماعة، والتناصح فيما بينهم من أجل الحفاظ عليها؛ فإن فيها الأجر العظيم والثواب الجزيل. التشديد في ترك الجماعة شرح حديث: ( ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان .... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التشديد في ترك الجماعة. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة حدثنا السائب بن حبيش عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية). قال زائدة : قال السائب : يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة [ باب في التشديد في ترك الجماعة]، يعني أن الإتيان بالصلاة في جماعة أمر مطلوب، وهو واجب على الرجال، ولا يجوز للرجال أن يصلوا فرادى أو أن يصلوا في بيوتهم، بل عليهم أن يأتوا إلى المساجد ويصلوا جماعة مع المسلمين في مساجدهم، فصلاة الجماعة واجبة، ومن العلماء من قال: إنها شرط. ولكن الصحيح أنها ليست بشرط؛ لأن القول بأنها شرط معناه أنه لو صلى الإنسان وحده لم تصح صلاته، والصحيح أنها تصح صلاته، ولكنه يفوته خير كثير، ويأثم على ترك الواجب. وقد جاءت أدلة كثيرة تدل على أن صلاة الجماعة واجبة، وأن من تركها يأثم، وأنه لا يرخص لأحد في تركها إلا من كان معذوراً، كمن كان مريضاً لا يستطيع أن يأتي المسجد فهو معذور؛ لقوله عز وجل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، أما مع القدرة ومع الصحة والعافية فإنه يتعين على الإنسان أن يصلي مع الجماعة في المسجد، بل لو كان أعمى فإنه لا يُعذر؛ لأن العمى لا يمنع من الذهاب إلى المسجد، وإنما الذي يمنع هو المرض الذي لا يستطيع الإنسان معه أن يذهب إلى المسجد، وقد كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم يصيب الواحد منهم المرض فلا ترضى نفسه بأن يصلي في بيته، بل يأتي وهو يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف. والترجمة هي: (التشديد في ترك الجماعة)، يعني أن عدم الإتيان للصلاة جماعة أمر خطير وعظيم، وقد ورد فيه وعيد وتحذير وتخويف، هذا هو المقصود بالتشديد في ترك الجماعة، فليس بالأمر الهين أن تترك الجماعة، بل قد جاء ما يدل على عظم هذا الأمر وأهميته، وعلى خطورة تركه. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية)، وهذا الحديث يدل على ما ترجم له المصنف من أهمية الجماعة، وخطورة تركها، وأن عدم الإتيان بالصلاة جماعة فيه استحواذ الشيطان على هؤلاء الذين لا يصلون جماعة، سواءٌ أكانوا أهل قرية أم في بادية فإنه يجب عليهم أن يصلوا جماعة، فأهل القرية يصلون جماعة، وأهل البادية الذين هم في بيوت شعر وصوف ويتنقلون من مكان إلى مكان عندما يقطنون ويكونون في مكان يجتمعون لصلاة الجماعة ويصلون جماعة، ولا يصح أن كل واحد يصلي بمفرده، بل إن صلاة الجماعة ما تركت في حال الخوف، حيث جاء الكتاب وجاءت السنة في بيان أن الصلاة تقام جماعة، وأن الإمام يقسم الجيش إلى مجموعتين: مجموعة تصلي أولاً مع الإمام وتكمل لنفسها، ثم تأتي المجموعة الثانية وتصلي مع الإمام آخر صلاته وتكمل لنفسها ثم تسلم. وهناك أوجه كثيرة جاءت في صلاة الخوف إذا كان العدو في جهة القبلة، وإذا كان في غير جهة القبلة، وهذا من أوضح الأدلة التي يستدل بها على وجوب الجماعة؛ لأنه لو كان أمر الجماعة هيناً لما أتي بها مع شدة الخوف ولا حصل تقسيم الناس إلى مجموعتين. وقوله: [ (ما من ثلاثة في قرية أو بدو لا تقام فيهم الصلاة -أي: جماعة- إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) ] يعني أن الانفراد أو الشذوذ عن الجماعة والصلاة في حال انفراد هو من استحواذ الشيطان على الإنسان، ومن عمل الشيطان، ومن كيد الشيطان ومن مكر الشيطان بالإنسان، فكما أن الذئب يأكل القاصية المنفردة عن الغنم فكذلك الشيطان يستولي أو يستحوذ على من يشذ وينفرد عن الناس ولا يصلي مع الناس. وقوله: [ (ما من ثلاثة) ] يعني الذي هو جمع، وأقل الجمع اثنان، ولكن ذكر الثلاثة لأنه أكمل الجمع، وأقل الجمع عند النحويين ثلاثة، وأما عند الفقهاء فاقل الجمع اثنان، وهكذا عند الفرضيين، فأقل الجماعة اثنان: إمام ومأموم، وكذلك أقل الجمع عند الفرضيين اثنان؛ لقوله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] واثنان من الإخوة يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، والله عز وجل قال: (( إِخْوَةٌ )) والذي يحصل به حجبها اثنان وليس ثلاثة. وقوله: [ قال زائدة : قال السائب : يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة ]. يعني أن السائب فسر قوله: [ (الجماعة) ] بأن المقصود: الصلاة في الجماعة. تراجم رجال إسناد حديث: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زائدة ]. هو زائدة بن قدامة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا السائب بن حبيش ]. السائب بن حبيش مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن معدان بن أبي طلحة اليعمري ]. معدان بن طلحة اليعمري ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الدرداء ]. أبو الدرداء هو عويمر رضي الله عنه، صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: ( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام .... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس) ] أي: تقام الصلاة ويستخلف النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي بالناس ثم يذهب ومعه جماعة من أصحابه معهم حزم من حطب إلى أناس لا يشهدون الصلاة فيحرق عليهم بيوتهم بالنار، يعني: في الوقت الذي هم متلبسون بالمعصية؛ لأن هؤلاء الناس يصلون في بيوتهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم هم بأن تقام الصلاة ويستخلف رجلاً يصلي بالناس ويذهب بنفسه ومعه جماعة من أصحابه معهم حزم من حطب ليحرق على هؤلاء المتخلفين عن الصلاة بيوتهم، وهذا يدلنا على وجوب صلاة الجماعة، وذلك لكون النبي صلى الله عليه وسلم يهم بالتحريق وإن لم يفعل، فمجرد الهم بهذه العقوبة الشديدة يدل على أن صلاة الجماعة واجبة، وأن هؤلاء الذين همَّ النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوتهم عليهم حتى يتلفوا وتتلف بيوتهم معناه أنهم ارتكبوا جرماً كبيراً، وارتكبوا خطأً كبيراً يستحقون معه هذه العقوبة، فمجرد همه عليه الصلاة والسلام وإخباره بهذه العقوبة كافٍ في بيان وجوب صلاة الجماعة، مع أن الجماعة جاء في وجوبها أحاديث كثيرة غير هذا الحديث. وقوله: [ (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) ] يعني أن جرمهم ومصيبتهم أنهم لا يشهدون الصلاة جماعة، وهذا يدلنا على أن البيوت لا يُصلى فيها جماعة ولا فرادى، فلا يقول بعض الناس: نحن نصلي جماعة في البيت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: هل يصلون جماعة أو لا يصلون جماعة في البيوت؟ وإنما قال: [ (لا يشهدون الصلاة) ] أي: سواءٌ صلوا جماعة أو لم يصلوا جماعة؛ لأن المقصود هو إتيان المساجد، والجماعة تقام في المساجد ولا تقام في البيوت، وإلا فلماذا تعمر المساجد؟! ولماذا يؤذن المؤذن ويقول: (حي على الصلاة حي على الفلاح)؟! تراجم رجال إسناد حديث: ( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام .... ) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبو معاوية ]. أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو ذكوان السمان المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره. شرح حديث: ( لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزماً من حطب ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا أبو المليح حدثني يزيد بن يزيد حدثني يزيد بن الأصم قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزماً من حطب، ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم. قلت ليزيد بن الأصم : يا أبا عوف ! الجمعة عنى أو غيرها؟ قال: صمتا أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر جمعة ولا غيرها) ]. ما زال الكلام على بعض الأحاديث المتعلقة بالترجمة، وهي: (التشديد في ترك الجماعة)، والتي مقتضاها ومؤداها أن صلاة الجماعة واجبة، وأن من تركها أو من لم يقم بهذا الواجب فإنه آثم ويستحق العقوبة. وقد مر حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام هم بأن يأمر رجلاً فيؤم الناس، ثم يأمر بحطب فيحطب، ثم يأمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم يخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فيحرق عليهم بيوتهم بالنار، وجرمهم الذي استحقوا به هذه العقوبة هو أنهم لا يشهدون الصلاة جماعة، وهذا يدلنا على وجوب صلاة الجماعة. ومما يدل على وجوبها أن الله عز وجل أمر نبيه بأن يصلي بالناس صلاة الخوف جماعة، وجاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بصفات متعددة، وإذا كانت الجماعة لم تترك في حال الخوف فهذا يدلنا على وجوبها. ثم إن كون النبي صلى الله عليه وسلم همَّ بتحريق من تخلف يدل على وجوبها. وأيضاً: كون النبي صلى الله عليه وسلم جاءه ابن أم مكتوم وكان أعمى، وطلب منه أن يأذن له أن يصلي في بيته؛ لأن له قائداً لا يلائمه في المجيء إلى المسجد، فقال له عليه الصلاة والسلام: (هل تسمع النداء؟ قال: نعم. قال: فأجب)، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام لم يرخص لرجل أعمى فهذا يدلنا على وجوب صلاة الجماعة. والحاصل أنه قد وردت أدلة متعددة تدل على وجوب الجماعة. ومن العلماء من قال: إنها شرط. ومعنى هذا أن الإنسان لو صلى منفرداً لم تصح صلاته، ولكن هذا غير صحيح؛ لأنه قد جاء ما يدل على أن صلاته صحيحة، ولكن فاته خير كثير، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) أو (بخمسة وعشرين جزءاً)، فهذا يدلنا على أن صلاته صحيحة، ولكن الذي لم يصل جماعة ترك أمراً واجباً عليه، فيأثم لهذا الترك، ولهذا فإن أبا داود رحمه الله عقد الترجمة بقوله: [التشديد في ترك الجماعة] يعني أن الأمر ليس بالهين، وأن الأمر خطير وعظيم، وصلاة الجماعة شأنها عظيم، وقد وردت فيها نصوص متعددة تدل على وجوبها. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزماً من حطب ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم ليست بهم علة) ] يعني أنهم يتخلفون في بيوتهم ويصلون في بيوتهم، ولم يكن هناك مرض يمنعهم، ولم يكن هناك علة تعيقهم يكونون غير متمكنين بسببها من أن يأتوا إلى المساجد. وهذا الحديث يدل على ما دلت عليه الطريق السابقة التي فيها همُّ الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي هذه الطريق زيادة أن ذلك من غير علة، ومن المعلوم أن هذه الزيادة ومقتضاها لا شك فيه، سواءٌ أتت أو لم تأت؛ لأن المكلف هو الذي يقدر، وأما من كان عاجزاً فمعذور؛ لقول الله عز وجل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، لكن هذا الحديث فيه زيادة إيضاح وبيان أن تخلفهم لم يكن لعذر، وإنما كان كسلاً وخمولاً، وعدم إقدام على هذه الصلاة التي فيها الخير العظيم وفيها الثواب الجزيل، وفي التخلف عنها وفي تركها الإثم، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على خطورة ذلك وأنه ليس بالأمر الهين. وقد قال أحد الرواة ليزيد بن الأصم : هل عنى الجمعة أو غير الجمعة؟ فقال: إن الذي سمعته من أبي هريرة هو هذا اللفظ، ولم يذكر جمعة ولا غيرها، ولكن عمومه ولفظه يقتضي أن الجمعة وغير الجمعة يجب الإتيان إليها، ويجب حضورها وشهودها، وأن الأمر ليس خاصاً بصلاة دون صلاة، بل الجمع والجماعات كلها يجب حضورها ويجب الذهاب إليها. ولما سأله قال: [ صمتا أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثر ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ] يعني: يروي ذلك، وهذا يفيد التأكد من السماع، وأنه متحقق من السماع، وأنه سمعه بهذا اللفظ المطلق الذي لا يختص بجمعة ولا بغير جمعة، وإنما يشمل الصلوات كلها جمعة وجماعة. وقوله: [ (صمتا أذناي) ] الأصل أن يقال: صمت أذناي، فيكون الفاعل اسماً ظاهراً، وهنا وقع الجمع بين الاسم الظاهر وبين الضمير، قالوا: وهذا من قبيل ما جاء في القرآن من قول الله عز وجل: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنبياء:3]، ففيه الجمع بين الضمير وبين الاسم الظاهر؛ لأن في قوله: (( وَأَسَرُّوا )) ضمير، وفي قوله: (( الَّذِينَ ظَلَمُوا )) اسم ظاهر مؤداهما واحد ومقصودهما واحد، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار)، ففيه الجمع بين الضمير وبين الاسم الظاهر، وهذه هي اللغة المشهورة بقول القائل: (أكلوني البراغيث). فإن فيها الجمع بين الاسم الظاهر وبين الضمير. تراجم رجال إسناد حديث: ( لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزماً من حطب ... ) قوله: [ حدثنا النفيلي ]. النفيلي هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو المليح ]. أبو المليح هو الحسن بن عمر -أو عمرو- ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن ماجه . [ حدثني يزيد بن يزيد ]. هو يزيد بن يزيد الرقي ، مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده، ويحتمل أن يكون يزيد بن يزيد بن جابر الأزدي الدمشقي ، وهو ثقة. والاحتمال قائم، ولكن الاحتمال إذا كان بين ثقة وضعيف يؤثر، لكن الحديث لم يأت من هذه الطريق وحدها، بل جاء من طرق ثابتة في الصحيحين وفي غيرها، ومن ذلك حديث أبي هريرة المتقدم الذي هو باللفظ الأول، فهو بمعناه ومقتضاه ومطابق له، وليس في هذا الحديث إلا زيادة كلمة (من غير علة) وهذه الكلمة لو لم تأت فهي مقصودة؛ لأن من كان مريضاً فهو معذور، ولا يُهم بتحريق البيت على من تخلف وهو مريض، وإنما يكون ذلك في حق من كان غير معذور، أما المعذور فله أن يصلي في بيته ولا إثم عليه، بل إن له أجراً مثل الذي كان يحصله وهو صحيح، كما ثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم). [ حدثني يزيد بن الأصم ]. يزيد بن الأصم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: سمعت أبا هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، فرضي الله عنه وأرضاه. شرح أثر ابن مسعود: ( حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس .... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عباد الأزدي حدثنا وكيع عن المسعودي عن علي بن الأقمر عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن؛ فإنهن من سنن الهدى، وإن الله شرع لنبيه صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق بين النفاق، ولقد رأيتنا وإن الرجل ليهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته، ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، ولو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لكفرتم) ]. أورد أبو داود رحمه الله أثر ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وهذا الأثر العظيم عن ابن مسعود رضي الله عنه يدل على عظم شأن الجماعة وأهمية صلاة الجماعة وما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم من الاهتمام بصلاة الجماعة والحرص عليها وتحمل المشاق في سبيل الوصول إليها مع شدة المرض وعدم القدرة على المشي، فكان الواحد منهم يؤتى به يُهادى بين الرجلين، أي: واحد يمسك عضده الأيمن والثاني يمسك عضده الأيسر؛ لأنه لا يستطيع أن يمشي بمفرده، بل يحتاج إلى من يساعده بأن يسنده من جهة اليمين والشمال حتى يأتي إلى المسجد ويقام في الصف. فكانوا يفعلون ذلك لحرصهم على الأجر الذي يكون في صلاة الجماعة، ولمعرفتهم الأجر العظيم في ذلك، ولهذا كان الواحد منهم يصيبه المرض فلا ترضى نفسه بأن يصلي في بيته مع أنه معذور، ولو صلى في بيته فإنه يؤجر على ما كان يفعل في حال صحته وقبل مرضه من الذهاب إلى المسجد، فالله تعالى يأجره على ذلك كما جاء في الحديث الذي أشرت إليه آنفاً، والذي هو في صحيح البخاري : (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم). ثم بين أن التخلف عن الجماعة من علامات النفاق، وصفة من صفاتهم، حيث قال: [ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق] وقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء اتهمناه، يعني: اتهمناه بالنفاق. فهذا الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه يدل دلالة واضحة على عظم شأن الجماعة وأهميتها، وعلى اهتمام الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم بها وحرصهم عليها وتحمل المشاق في سبيل الوصول إليها مع شدة المرض وعدم القدرة على المشي؛ لأنهم يعلمون الأجر العظيم في ذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام في حق المنافقين: (ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً)، فكان الصحابة يعلمون الأجر، ولهذا كانوا يحرصون على أن يحصلوه حتى مع شدة مرضهم. يقول عبد الله بن مسعود : (حافظوا على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن) والمقصود من ذلك: المحافظة على الجماعة، وقوله: (حيث ينادى بهن) يعني: حين يقال: (حي على الصلاة حي على الفلاح) يعني أن المؤذن يقول: هلموا وأقبلوا وتعالوا، فالإنسان يحافظ على الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فيجيب الداعي ويترك ما وراءه من أي شاغل ويتجه إلى الصلاة ويؤدي الصلاة جماعة مع المسلمين في المساجد؛ لأن المساجد إنما بنيت لذلك، ولم تبن للمباهاة أو للزينة أو لغير ذلك، وإنما بنيت لعبادة الله عز وجل وذكره والصلاة فيها وقراءة القرآن وما إلى ذلك مما هو ذكر لله سبحانه وتعالى. قوله: [حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن؛ فإنهن من سنن الهدى] يعني: الصلوات الخمس والذهاب إلى المساجد لأدائها من سنن الهدى، يعني: من السنن والطرق والمناهج التي جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود بالسنة الأمر المستحب الذي هو دون الواجب، فإن هذا سنة في اصطلاح الفقهاء؛ لأنهم قسموا الأحكام إلى: واجب، ومندوب، ومحرم، ومكروه، ومباح، فالذي أمر به على سبيل الإلزام هو الواجب، والذي أمر به أمراً غير جازم هو الذي يكون سنة ويكون مستحباً ويكون مندوباً، ولكن السنة تطلق إطلاقاً عاماً، وهو أن كل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحق والهدى فهو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهجه وطريقته، وسواءٌ في ذلك ما جاء في القرآن أو ما جاء في السنة؛ لأن كل ذلك يقال له: سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (من رغب عن سنتي فليس مني) يعني: ما جاء به من الحق والهدى. فالسنة تطلق ويراد بها كل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع التفاوت في الحكم من حيث الإلزام بالفعل أو الترك أو كون ذلك دون الإلزام، وسواءٌ كان بالفعل أم بالترك، فهذا كله يقال له: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والسنة تطلق أربعة إطلاقات: الأول: تطلق ويراد بها كل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة، فذلك كله يقال له: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله: (من رغب عن سنتي فليس مني)، وكذلك قوله هنا: [من سنن الهدى] لأن المقصود بذلك ما جاء عن رسول الله وما كان عن هدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود من ذلك الأمور المندوبة التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، فالجماعة يثاب فاعلها ويعاقب تاركها؛ لأن تاركها ترك أمراً واجباً. الثاني: تطلق ويراد بها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلة ذلك قول العلماء من محدثين وفقهاء عندما يذكرون مسألة من المسائل: وهذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى كذا، وأما السنة فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا. الثالث: تطلق السنة ويراد بها ما يقابل البدعة، أي: تطلق على أي عمل على وفق السنة مخالف للبدعة، أو ليس على وفق البدعة. والإطلاق الرابع: تطلق على المأمور به ليس على سبيل الإلزام، وهذا هو الذي يقال له: المندوب والمستحب والمسنون، فالفقهاء إذا قالوا: يسن كذا، أو يستحب كذا، أو يندب كذا، فكل هذه معناها واحد. قوله: [ولقد رأيتنا] يعني معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [وما يتخلف عنها إلا منافق]، يعني أنهم لم يكونوا يتخلفون عن الصلاة، بل كانوا يحرصون على الصلاة، وعلامة المنافق أن يتخلف عن الصلاة. وقوله: [ولقد رأيتنا وإن الرجل ليهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف] هذا فيه بيان ما كانوا عليه من الحرص والرغبة الشديدة وتحمل المشقة في سبيل الوصول إلى ذلك؛ لأنهم كانوا يعلمون الأجر العظيم في ذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام في حق المنافقين: (ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً). وقوله: [ما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته] أي: ما منكم من أحد إلا وهو يصلي في بيته، والصلاة مشروعة في البيوت، وقد جاءت السنة بالترغيب في الصلاة فيها والحث عليها، بل إن صلاة النافلة في البيت أفضل من الصلاة في المسجد، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة) أي: فإنها لا تصلى في البيت وإنما تصلى في المسجد، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) يعني: لا تجعلوها مثل القبور بأن لا يصلى فيها، بل صلوا فيها، ولذا قال: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً) يعني أنها لا تعامل البيوت معاملة المقابر التي ليست محلاً للصلاة وليست مكاناً للصلاة، وإنما يجعل لها نصيب من الصلاة، بل إن غير الفرائض أفضل أحوالها أن تؤدى في البيت وأن تكون في البيت. وقوله: [ولو صليتم في بيوتكم، وتركتم مساجدكم -أي: المساجد التي بنيت للجماعة- لتركتم سنة نبيكم] صلى الله عليه وسلم يعني: لو صليتم في بيوتكم -وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته وله مكان أو أماكن يصلي فيها في بيته- وتركتم مساجدكم التي بنيت للعبادة ولإقامة الجماعة لتركتم سنة نبيكم التي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الحث عليها، بل جاء التشديد في تركها، والترجمة معقودة للتشديد في ترك الجماعة. وقوله: [ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم] أي أن الإنسان إذا ترك السنة أو ترك السنن جره ذلك الترك إلى ترك آخر، وقد يؤدي ذلك إلى رفض السنة بأكملها، وقد يؤدي ذلك إلى ترك ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم مما هو أمر لابد منه ويؤدي تركه إلى الكفر، كترك الصلاة التي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن تركها كفر، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (بين المسلم وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة)، وقال: (من تركها فقد كفر)، وذكر الولاة الذين يتولون وهم ظلمة وفيهم فسق فقال له الصحابة: أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: (لا ما صلوا)، وهذا يدل على أن عدم الصلاة كفر، وأنهم إذا كانوا لا يصلون، وأنهم تاركون للصلاة فإنهم أتوا الكفر الذي يستحقون به الخروج عليهم، فهذا يدلنا على أن الصلاة المفروضة لازمة، وأن تركها كفر، وأما الجماعة فتركها معصية كبيرة وذنب كبير، ولا يقال له: كفر، وإنما الكفر في ترك الصلاة وعدم الإتيان بها في المسجد ولا في البيت، والعياذ بالله. يتبع
__________________
|
#148
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد أثر مسعود: ( حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس ... ) قوله: [ حدثنا هارون بن عباد الأزدي ]. هارون بن عباد الأزدي مقبول، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المسعودي ]. المسعودي هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة المسعودي ، وهو صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن. [ عن علي بن الأقمر ]. علي بن الأقمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الأحوص ]. أبو الأحوص هو عوف بن مالك ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: ( من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن أبي جناب عن مغراء العبدي عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر -قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض- لم تقبل منه الصلاة التي صلى). أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر) ] يعني: من سمع المؤذن فلم يمنعه من أن يستجيب لدعوته ويأتي إلى المسجد عذر -قيل: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض [ (لم تقبل منه الصلاة التي صلى) ] يعني: التي صلى في بيته؛ لكونه ما أجاب الداعي، والمقصود: أنه لم يحصل له تمام القبول، وإلا فإنه قد جاء ما يدل على أن صلاة من صلى في بيته صحيحة، ولكنه يفوته خير كثير، ويفوته مضاعفة الصلاة التي تحصل لمن صلى جماعة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (تفضل صلاة الجماعة صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)، أو (بخمسة وعشرين جزءاً) فهذا يدلنا على أن الصلاة تصح وأن الجماعة ليست بشرط. وبعض أهل الظاهر قال: إنها شرط. ومعنى هذا أنه لو صلى في بيته لا تصح صلاته، وأن صلاته تكون غير صحيحة، ولكن الصحيح أنها تكون صحيحة، وحديث التفضيل بسبع وعشرين درجة أو بخمسة وعشرين جزءاً يدل على صحتها، ولكن مع فوات هذا الخير الكثير، وما جاء من التشديد في ترك الجماعة يدل على أنه يفوته الخير الكثير، وأنه يحصل إثماً بذلك؛ لأنه فعل ما يستحق العقوبة عليه. والحديث ورد من طريق أخرى بلفظ: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) والمقصود أنه لا صلاة له كاملة، وليس المقصود أن صلاته وجودها كعدمها؛ لأنه قد جاء ما يدل على أن صلاته تصح، ولكنه يفوته خير كثير وثواب جزيل. تراجم رجال إسناد حديث: ( من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر .. ) قوله: [ حدثنا قتيبة ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الكوفي الضبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي جناب ]. هو أبو جناب هو يحيى بن أبي حية ، ضعفوه لكثرة تدليسه، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجه . [ عن مغراء العبدي ]. مغراء العبدي مقبول، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود . [ عن عدي بن ثابت ]. عدي بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : روى عن مغراء أبو إسحاق ]. عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. حكم ترك صلاة الجماعة لعذر وقوله: (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر-قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مطر- لم تقبل منه الصلاة التي صلى) الذي جاء من طريق صحيحة وثابتة: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) بدون تفسير العذر، ومعلوم أن الإنسان الذي يصلي في بيته وهو معذور غير مؤاخذ، وصلاته صحيحة، بل يحصل الأجر الذي كان يحصله حين كان صحيحاً. شرح حديث ابن أم مكتوم: ( ... لا أجد لك رخصة ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن أبي رزين عن ابن أم مكتوم رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إني رجل ضرير البصر، شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني، فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: لا أجد لك رخصة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو بن أم مكتوم ويقال له: عبد الله رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! إني رجل ضرير البصر شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: لا أجد لك رخصة)، وهذا يدلنا على وجوب صلاة الجماعة، وذلك أنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص لرجل أعمى في التخلف عن الجماعة فغيره من باب أولى، فهذا الحديث من الأدلة الواضحة الجلية على أن صلاة الجماعة واجبة. تراجم رجال إسناد حديث حديث ابن أم مكتوم: ( .... لا أجد لك رخصة ) قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد بن درهم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم بن بهدلة ]. عاصم بن بهدلة هو ابن أبي النجود ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي رزين ]. أبو رزين هو مسعود بن مالك ، ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن أم مكتوم ]. ابن أم مكتوم هو عمرو ويقال: عبد الله بن أم مكتوم ، صحابي مشهور، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجه . شرح حديث ابن أم مكتوم: ( يا رسول الله! إن المدينة كثيرة الهوام ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن أم مكتوم رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ فحي هلا). قال أبو داود : وكذا رواه القاسم الجرمي عن سفيان ليس في حديثه: (حي هلا) ]. أورد أبو داود حديث عمرو بن أم مكتوم رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يصلي في بيته، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (هل تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ فحي هلا) ] يعني: فأقبل إذا سمعت النداء. وقوله: [ (حي على الصلاة حي على الفلاح) ] المقصود بذلك: الأذان، ولكن نص على هاتين الجملتين لأنهما هما المقصودتان في الإعلام وفي طلب الحضور إلى المسجد، وما عدا هاتين الجملتين ذكر لله، فالمقصود من الأذان هو: (حي على الصلاة حي على الفلاح)، وما سوى ذلك هو ذكر لله عز وجل يسبقه ويلحقه، وإلا فإن المقصود من الأذان هو: (حي الصلاة حي على الفلاح)، ولهذا اقتصر عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: [ (هل تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟) ] يعني: هل تسمع النداء الذي يقول فيه المنادي: (حي على الصلاة حي على الفلاح؟) قال: نعم، قال: [ (فحي هلا) ] يعني: أجب. وهذا معناه أنه ليس له رخصة، وهو من أوضح الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة. تراجم رجال إسناد حديث ابن أم مكتوم: ( يا رسول الله! إن المدينة كثيرة الهوام .... ) قوله: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ]. هارون بن زيد بن أبي الزرقاء صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. أبوه ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا سفيان ]. سفيان هو الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن عابس ]. عبد الرحمن بن عابس ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجه . [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أم مكتوم ]. ابن أم مكتوم قد مر ذكره. وقوله: [ قال أبو داود : كذا رواه القاسم الجرمي ]. هو قاسم بن يزيد الجرمي ، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده. [ عن سفيان ليس في حديثه: (حي هلا) ]. يعني أن سفيان لم يذكر في حديثه قوله: (حي هلا) لكن لابد من أن يكون فيه شيء آخر يكون جواباً له، أي: أنه أجاب أن له رخصة أو أجاب أنه ليس له رخصة، أو ما إلى ذلك؛ لأن الكلام لا يستقيم إلا بالجواب، فإما أن يكون الجواب (حي هلا)، وإما (أجب)، وإما (ليس لك رخصة)، أو (لا أجد لك رخصة). فضل صلاة الجماعة شرح حديث أبي بن كعب: ( صلى بنا رسول الله يوماً الصبح فقال: أشاهد فلان؟ ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في فضل صلاة الجماعة. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي بصير عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا، قال: أشاهد فلان؟، قالوا: لا، قال: إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب في فضل صلاة الجماعة] يعني: بيان عظيم فضلها وعظم أجرها وجزيل الثواب عليها، وقد بين بعض ما ورد من النصوص في بيان فضل الجماعة. وقد أورد أبو داود حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا، قال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا)، وهذا يدل على جواز مثل هذا العمل، و ذكر أسماء في صلاة الصبح من أجل حث الناس على الحضور وكون الواحد منهم يحذر من التخلف حتى لا ينادى به حيث لا يكون موجوداً، فهذا الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على جواز مثل ذلك، وهو موجود في بعض البلاد، حيث ينادون بعد صلاة الفجر بأسماء أناس كبار من أهل الحي، وفي ذلك تشجيع وحث على حضور الجماعة وعلى شهود الصلاة. وقوله: [ (إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين) ] يعني صلاة الفجر والعشاء، وذلك أن هاتين الصلاتين تكتنفان الليل، فهذه في أوله وهذه في آخره، فالأولى التي هي العشاء تأتي بعد أن كدح الناس في أعمالهم في النهار وتعبوا وهم بحاجة إلى الراحة والنوم، ولهذا جاء أن النبي كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها؛ لأن النوم قبلها يؤدي إلى فوات العشاء، والثانية التي هي صلاة الفجر تأتي في الوقت الذي طاب فيه الفراش ولذ فيه النوم، ولهذا جاء في أذان الصبح قول (الصلاة خير من النوم) يعني: هذا الذي لذ وطاب لكم، وأنتم مطمئنون إليه ومرتاحون فيه ما تدعون إليه خير منه. فهاتان الصلاتان أثقل الصلاة على المنافقين، وقوله: [ (أثقل) ] يعني أن الصلاة كلها ثقيلة عندهم، ولكن هاتين الصلاتين أثقل من غيرهما. وقوله: [ (ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الركب) ] قد جاء في حديث أبي هريرة : (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً)، وجاء أيضاً أنه قال: (والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناًً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)، أي: لو كان هناك لحم يوزع في المسجد لجاء من همه الدنيا وليس همه الآخرة إلى المسجد من أجل أن يحصل الأكل، ومن أجل أن يحصل الطعام. قوله: [ (ولو حبواً) ] (حبواً) هنا خبر لكان المحذوفة هي واسمها؛ لأن (كان) أحياناً تحذف مع اسمها لدلالة المقام أو السياق على ذلك، والتقدير: ولو كان الإتيان إليهما حبواً. فحذفت (كان) وحذف اسمها وبقي الخبر. وقوله: (وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة) يعني أن الصف الأول له الفضيلة، والملائكة تصف عند الله عز وجل صفوفاً، فالصف الذي يكون من الملائكة أولاً مثله هذا الصف الذي يكون في المسجد، يعني أن هذا بالنسبة للملائكة والقرب من الله عز وجل، وهذا فيه الحث على المبادرة إلى الصف الأول وتحصيل الفضيلة فيه، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على فضله كما في هذا الحديث، وجاء أيضاً: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه). وقوله: [ (ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه) ] يعني: لبادرتم ولتنافستم ولأسرعتم إلى الوصول إليه من أجل الظفر به، وهو من جنس قوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) يعني أنه تميزهم القرعة لشدة حرصهم وكونهم وصلوا جميعاً وكل واحد يقول: أنا السابق. وقوله: [ (وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى) ] وهذا يدل على فضل الجماعة؛ لأن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الواحد، وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل، وهذا يدلنا على فضل الجماعة، بل وعلى فضل كثرة الجماعة، وأنه كلما كانت الجماعة أكثر فذلك أفضل وأعظم أجراً عند الله عز وجل. تراجم رجال إسناد حديث أبي بن كعب: ( صلى بنا رسول الله يوماً الصبح فقال: أشاهد فلان؟ ... ) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي بصير ]. عبد الله بن أبي بصير وثقة العجلي ، وأخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجه . [ عن أبي بن كعب ]. هو أبي بن كعب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: ( من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسحاق بن يوسف حدثنا سفيان عن أبي سهل -يعني عثمان بن حكيم - حدثنا عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عثمان بن عفان : [ (من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة) ] يعن: أن الإنسان يؤجر على ذلك بأن يكون له قيام نصف ليلة، وهذا يدل على فضل صلاة العشاء في جماعة. وقوله: [ (ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة) ] يعني أنه إذا صلى العشاء في جماعة كان له كقيام نصف ليلة، وإذا صلى الفجر في جماعة كان له كقيام نصف ليلة، وإذا صلاهما في جماعة كان كقيام ليلة، يعني أن من صلى هاتين الصلاتين في جماعة فكأنما صلى المسافة التي بينهما، ويكتب له قيام ليلة، وهذا يدلنا على فضل صلاة الجماعة، بل على فضل هاتين الصلاتين: صلاة العشاء وصلاة الفجر، وأن من صلاهما في جماعة كان له قيام ليلة، ومن صلى واحدة منهما جماعة كان له كقيام نصف قيام ليلة. تراجم رجال إسناد حديث: ( من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ... ) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسحاق بن يوسف ]. إسحاق بن يوسف الأزرق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. سفيان الثوري مر ذكره. [ عن أبي سهل يعني: عثمان بن حكيم ]. أبو سهل عثمان بن حكيم ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرحمن بن أبي عمرة ]. عبد الرحمن بن أبي عمرة ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن أبي حاتم : ليست له صحبة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عثمان بن عفان ]. عثمان بن عفان أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة فرضي الله تعالى عنه. الأسئلة بيان وقت العصر السؤال: رجل كان يصلي العصر حين صار ظل كل شيء مثله، فأنكر عليه صاحبه بحجة أنه حسب التوقيت لم يدخل وقت العصر إلا بعد ربع ساعة، فهل إنكاره في محله؟ الجواب: لا، ليس في محله، بل إذا كان ظل كل شيء مثله وهو متأكد من هذا فهذا الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في وقت العصر. معنى قول جرير: جاء الخلافة أو كانت له قدراً... السؤال: هل في هذا البيت تشبيه لله عز وجل حين قال جرير في مدح عمر بن عبد العزيز رحمه الله: جاء الخلافة إو كانت له قدراً كما أتى ربه موسى على قدر؟ الجواب: أظن أنه ليس فيه تشبيه، فموسى جاء إلى الله عز وجل على قدر، وكل شيء بقضاء وقدر، فليس هناك أي تشبيه في هذا. حكم التقبيل في نهار رمضان السؤال: رجل قبَّل امرأته في نهار رمضان ولم يخرج منه شيء، لكن امرأته خرج منها، فهل عليها كفارة وقضاء ذلك اليوم؟ الجواب: إذا وجد منها الإنزال فعليها قضاء ذلك اليوم، وليس عليها كفارة، وأما إذا كان الذي خرج ليس بإنزال فلا يؤثر، أي: إذا كان الذي خرج لم يخرج بشهوة وبلذة فإن هذا لا يعتبر إنزالاً، وهذا شيء لا يترتب عليه غسل، وإنما هو شيء نجس يغسل ويتوضأ منه، وأما الذي يوجب الغسل فهو خروج الشيء لشهوة، والله تعالى أعلم."
__________________
|
#149
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [077] الحلقة (108) شرح سنن أبي داود [077] هناك نصوص كثيرة تدل على فضل المشي إلى المساجد، وأن من كان أبعد عن المسجد كان أعظم أجراً ممن كان أقرب منه، ومن داوم على المشي إلى الصلاة في الظلام فإنه يجازى يوم القيامة بأن يعطى نوراً تاماً يستضيء به، والجزاء من جنس العمل، وقد جاء النهي عن تشبيك الأصابع عند الخروج للصلاة وفي المسجد، فينبغي للمسلم أن يجتنب ذلك. فضل المشي إلى الصلاة شرح حديث: (الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران عن عبد الرحمن بن سعد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة، أي: في فضل المشي إلى الصلاة في المساجد، وذلك يتعلق بأداء صلاة الجماعة في المساجد مع المسلمين، وفي ذلك فضل عظيم، والمشي إليها فيه رفع الدرجات وحط الخطايا، وقد ورد في ذلك أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على فضل الذهاب إلى المساجد وأداء الصلاة في المساجد؛ وذلك أن المؤذن عندما يؤذن يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح، يعني: تعالوا وهلموا وأقبلوا، فالذي يجيب الدعوة ويجيب النداء ويذهب إلى المسجد يكتب الله له بذهابه إلى المسجد ورجوعه من المسجد إلى بيته حسنات ويحط عنه خطايا، ويكون في صلاة ما دام ينتظر الصلاة. أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً) يعني: أنه كلما كان الإنسان أبعد عن المسجد فإنه تكثر خطواته في الذهاب والإياب، وكل خطوة يخطوها الإنسان يرفع له بها درجة ويحط عنه بها خطيئة، وكلما زادت الخطا زاد الثواب وزاد الأجر، ولهذا قال: (الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً) يعني: أن كل من كان أبعد من المسجد ومشى إلى المسجد ليؤدي الصلاة فإنه يكون أعظم أجراً؛ لأن كل خطوة يخطوها الإنسان في ذهابه إلى المسجد يرفع له بها درجة ويحط عنه بها خطيئة، وكذلك في رجوعه من المسجد إلى بيته. فإذاً: هذا يدل على فضل المشي إلى المساجد، وعلى أن كثرة الخطى إلى المساجد فيها كثرة الثواب وزيادة الثواب عند الله عز وجل، ولهذا قال: (الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً) فكل من كان أبعد يكون أعظم أجراً ممن كان أقرب منه؛ لأن الخطوات تتفاوت في البعد عن المسجد والقرب من المسجد، وكلما زادت الخطوات زادت رفعة الدرجات، وكذلك زاد حط الخطايا ومحو السيئات. تراجم رجال إسناد حديث: (الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً ...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب مشهور بنسبته إلى أحد أجداده، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن مهران ]. عبد الرحمن بن مهران مجهول، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة . [ عن عبد الرحمن بن سعد ]. عبد الرحمن بن سعد ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و أبو سعيد الخدري و أنس بن مالك و جابر بن عبد الله الأنصاري و ابن عباس وأم المؤمنين عائشة ، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء هم الصحابة السبعة المعروفون بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث فيه مجهول، ولكن وردت أحاديث كثيرة تدل على فضل المشي إلى المساجد، فهذا الحديث وإن كان فيه من هو مجهول إلا أن معناه صحيح وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة. شرح حديث: (... أنطاك الله عز وجل ما احتسبت كله أجمع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا سليمان التيمي أن أبا عثمان حدثه عن أبي بن كعب قال: (كان رجل لا أعلم أحداً من الناس ممن يصلي القبلة من أهل المدينة أبعد منزلاً من المسجد من ذلك الرجل، وكان لا تخطئه صلاة في المسجد، فقلت: لو اشتريت حماراً تركبه في الرمضاء والظلمة! فقال: ما أحب أن منزلي إلى جنب المسجد، فنمي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن قوله ذلك؟ فقال: أردت يا رسول الله! أن يكتب لي إقبالي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي إذا رجعت، فقال: أعطاك الله ذلك كله، أنطاك الله جل وعز ما احتسبت كله أجمع) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (كان رجل من الأنصار ليس هناك أحد أبعد منزلاً منه من المسجد) يعني: أن بيته هو أبعد البيوت عن المسجد، ولا يعرف أحداً أبعد من ذلك الرجل، وكان ذلك الرجل يحرص على أن يأتي إلى المسجد ويصلي صلاة الجماعة فيه. قوله: (وكان لا تخطئه صلاة في المسجد) يعني: كان مواظباً على الصلاة. ولا تخطئه صلاة مع أن منزله بعيد من المسجد. قوله: (فقلت له: لو أنك اشتريت حماراً تركبه في الرمضاء وفي الظلمة، فقال: ما أحب أن يكون منزلي قرب المسجد) يعني: أنا يعجبني أن يكون بيتي بعيداً من المسجد؛ لأنني أريد أن يكون إقبالي إلى المسجد من بيتي وانصرافي من المسجد إلى بيتي أن يكتب الله لي ذلك، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، (فقال له: إنني أريد أن يكتب الله لي إقبالي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي إذا رجعت، فقال عليه الصلاة والسلام: قد جمع الله لك ذلك كله) يعني: أنه حقق لك ما أردت من كتابة إقبالك وإدبارك. وهذا فيه دليل على أن كتابة الحسنات ورفع الدرجات وحط الخطايا ليس خاصاً بالذهاب إلى المسجد، وإنما هو في الذهاب والإياب، فكون الإنسان ذهب لأداء العبادة وكونه رجع من المسجد بعد أن أدى العبادة كل ذلك يكتب له حسنات، ويرفع له به درجات ويحط عنه به خطايا، فقال عليه الصلاة والسلام: (قد جمع الله لك ذلك كله، أو أنطاك الله جل وعز ما احتسبت كله أجمع)، يعني: هذا الذي احتسبت ثوابه عند الله ورجوت ثوابه عند الله ورجوت أن يكتب الله لك ذلك في الذهاب والإياب قد كتب الله لك أجر ذلك، أو أعطاك الله ما أردت كله أجمع. وهذا الحديث هو بمعنى الحديث المتقدم الذي فيه رجل مجهول ويدل على ما دل عليه؛ فإن فيه أن الرجل كان بعيداً من المسجد، وقد أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم كلما خطا خطوة يثاب عليها في الذهاب والإياب، فدل ذلك على فضل الذهاب إلى المساجد، وأنه كلما كان الشخص أبعد كان أعظم أجراً عند الله عز وجل. قوله: (أنطاك الله جل وعز ما احتسبت كله أجمع). أنطاك هي بمعنى: أعطاك. قوله: (ما احتسبت كله أجمع) يعني: مما أردت من الثواب على مجيئك إلى المسجد وانصرافك من المسجد إلى بيتك، وهذا فيه فضل المشي إلى المساجد. تراجم رجال إسناد حديث: (... أنطاك الله عز وجل ما احتسبت كله أجمع) قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ] هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل النفيلي وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سليمان التيمي ]. هو سليمان بن طرخان التيمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن أبا عثمان حدثه ]. هو أبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بن كعب. ]. أبي بن كعب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. تفضيل الصلاة في بعض المساجد على بعض من المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يحرصون على الذهاب إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة معه في مسجده، وليس هناك شيء يشير إلى أن هناك مساجد كانت أقرب منه إلى هذا الرجل، والمسجد كلما كان أكثر جماعة فلا شك أنه أفضل؛ وكلما كان أبعد كان أفضل، ولكن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم له ميزة على غيره من جهة أن الصلاة فيه بألف صلاة، والمساجد إذا كثرت الجماعة فيها أو كانت أقدم أو كانت أبعد لا شك أن فيها زيادة فضل، وكون الإنسان يذهب إلى المسجد النبوي ولو كان هناك مساجد قريبة من بيته إذا تمكن من ذلك لا شك أن فيه هذا الفضل العظيم الذي ليس هناك من المساجد لها هذا الفضل إلا المسجد الحرام، فإنه أفضل منه، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) وقد جاء أن المسجد الحرام بمائة ألف صلاة. ولا شك أن الذي يمشي ويكون أكثر تعباً وأكثر نصباً يكون أكثر أجراً، والأجر على قدر المشقة، والذي يركب يحصل أجراً، وفضل الله واسع، ولكنهم متفاوتون، فالذي يمشي أعظم أجراً من الذي يركب. شرح حديث: (من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة) [ حدثنا أبو توبة حدثنا الهيثم بن حميد عن يحيى بن الحارث عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: (من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم) يعني: من توضأ وخرج إلى المسجد يريد أن يؤدي فريضة من الفرائض التي فرضها الله عليه وهي الصلوات الخمس يكون أجره كأجر الحاج المحرم الذي تلبس بلباس الحج، يعني: أن الله تعالى يثيبه مثل خروج الحاج المحرم، فهذا خرج ليؤدي صلاة مكتوبة والمحرم خرج ليؤدي عبادة عظيمة، فأجر هذا كأجر هذا، وفضل الله واسع. قوله: [ (ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر) ]. التسبيح هو صلاة النافلة، والمقصود بالضحى صلاة الضحى، يعني: أنه خرج ليؤديها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة) وكل الصلوات هي في البيوت أفضل منها في المساجد إلا الفرائض؛ فإنه يجب أن تؤدى في المساجد. وهنا ذكر صلاة النافلة أو الذهاب إلى النافلة فمن أهل العلم من قال: إن ذلك قد يكون فيه استثناء لتلك الصلاة بأنها تكون في المسجد ولها ذلك الفضل، ويمكن أن يقال: إنها إذا أديت في المسجد لها ذلك الفضل، ولكن ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة) يدل على أن من تمكن من أداء النافلة في المسجد ولكنه فعلها في البيت فإن صلاته في البيت تكون أفضل وأعظم أجراً من صلاته في المسجد. ويمكن أن ذلك يتحقق في الذهاب إلى قباء، فكون من كان ففي المدينة يتوضأ في بيته ثم يذهب إلى قباء فيصلي فيه ركعتين يكون له كأجر عمرة، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان كأجر عمرة) ولكن الحديث الذي هنا عام ولا شك أن مقتضاه يتحقق بما جاء في قصة قباء، ولكن من قدر على أن يؤدي النوافل في المسجد وتركها في المسجد وأداها في البيت يكون ذلك أعظم أجراً له عند الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة) وكان عليه الصلاة والسلام يصلي النوافل في البيت ثم يخرج ويصلي بالناس، ثم يرجع من المسجد ويصلي النوافل البعدية في بيته صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين) ]. يعني: أنه يرفع شأنه عند الله عز وجل، وترفع درجته عند الله عز وجل ما دام أنه صلى صلاة على إثر صلاة وكان ما بينهما خالياً من اللغو، وليس فيه إلا ذكر الله عز وجل، ولا يأتي بسيئات وبكلام سيئ ولغو بين تلك الصلاتين، فمن كان كذلك فإن هذا في أعلى الدرجات وفي أعلى المنازل، ويكتب الله ذلك له ويثبته عنده. فهذا الحديث فيه فضل الذهاب إلى المساجد وفضل متابعة الذهاب إلى المساجد وفضل السلامة من اللغو ومن الكلام السيئ بين الصلوات، ومن المعلوم أن الإنسان إذا أدى الصلوات الخمس وحفظ لسانه فيما بين كل صلاة وصلاة، فلا شك أنه على خير، ولا شك أن ذلك يرفع شأنه ودرجته عند الله عز وجل. تراجم رجال إسناد حديث: (من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة ...) قوله: [ حدثنا أبو توبة ]. هو الربيع بن نافع الحلبي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ حدثنا الهيثم بن حميد ]. الهيثم بن حميد صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن يحيى بن الحارث] يحيى بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن القاسم أبي عبد الرحمن ]. القاسم أبي عبد الرحمن وهو القاسم بن عبد الرحمن وهو صدوق يغرب كثيراً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفته ألا يظن التصحيف، فالذي يعرفه ابن عبد الرحمن لو رآه ( أبي عبد الرحمن ) وهو لا يعرف أن كنيته أبو عبد الرحمن يظن أن وقع تصحيف بين ابن وأبي، والتصحيف بين ابن وأبي قريب، ولكن الإنسان إذا عرف أن هذا الرجل كنيته تطابق اسم أبيه يزول هذا الاحتمال وهذا الإشكال الذي قد يتصوره؛ لأنه لا يعرفه إلا ابن عبد الرحمن ، فإذا رآه ( أبي عبد الرحمن ) قال: هذا فيه تصحيف فبدل ابن جاءت أبي، فهو إن جاء القاسم بن عبد الرحمن فهو كلام صحيح، وإن جاء القاسم أبي عبد الرحمن فهو صحيح؛ لأنه أبو عبد الرحمن وهو ابن عبد الرحمن . [ عن أبي أمامة ]. هو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة؛ وذلك بأن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة ولا ينهزه إلا الصلاة، ثم لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، ويقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه أو يحدث فيه) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة، وذلك بأنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يريد إلا الصلاة، ثم لم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد فهو في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، ويقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه أو يحدث فيه) يعني: ما لم يحصل منه إيذاء لأحد بالقول والفعل، أو ما لم يحصل منه حدث، وهو نقض الوضوء، وهذا فيه دليل على فضل صلاة الجماعة، ودليل على أن الإنسان لو صلى في بيته صحت صلاته، ولكنه ترك واجباً عليه، وهذا الحديث يدل على أن صلاة الجماعة واجبة وليست بشرط؛ لأنها لو كانت شرطاً ما صحت الصلاة في غير المسجد، ولكن كونها تفضل على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة يدل على أن صلاته في بيته صحيحة ولكنه فاته خير كثير وأثم في تركه واجباً، ولكن الصلاة المفروضة أداها ولا يقال: إنه لم يصل، بل قد صلى، ولكن فاته ذلك الخير الكثير وتلك المضاعفة العظيمة التي تصل إلى خمس وعشرين درجة، وفي بعض الأحاديث إلى سبع وعشرين درجة. وقوله: [ (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمساً وعشرين درجة) ]. يعني: إذا كان في السوق وفي المتجر أو في محل البيع والشراء يصلي فإنه يكون قد صلى في غير المسجد، وصلاته في الجماعة تزيد على صلاته في سوقه وفي بيته خمساً وعشرين درجة. وصلاة الجماعة في البيوت لا تكفي، بل لابد من أدائها في المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم لما هم بتحريق البيوت على أصحابها لم يسأل: هل يصلون جماعة في البيت؟ لأن المساجد هي محل الجماعة، ولا يجوز للناس أن يصلوا في بيوتهم جماعة، وإنما يصلون في المساجد لا في البيوت. قوله: [ (وذلك بأن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة ولا ينهزه إلا الصلاة) ] هذا فيه بيان هذا التفاضل وأن له أسباباً، وذلك أن الإنسان إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة ولا يخرجه إلا الصلاة، والباعث له والحافز له والدافع له من خروجه من بيته هو الصلاة. قوله: [ (ثم لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد) ]. يعني: أن كل خطوة يخطوها من بيته إلى المسجد يرفع الله له بها درجة ويحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد وصلى ما أمكنه فهو على خير عظيم، وإذا جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة ما انتظر الصلاة. قوله: [ (فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه) ]. يعني: أنه إذا كان جالساً ينتظر الصلاة ولا يمنعه من أن يخرج من المسجد إلا أنه ينتظر الصلاة والصلاة هي التي تحبسه وتجعله يجلس فإنه في صلاة. قوله: [ (والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه) ]. يعني: إذا صلى وجلس في مصلاه فإن الملائكة تدعو له وتقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه. قوله: (ما لم يؤذ أو يحدث) يعني: ما لم يؤذ أحداً بقوله أو فعله، أي: بلسانه أو يده. قوله: (أو يحدث) يعني: ينقض الوضوء، وهذا يدل على فضل كون الإنسان يكون على طهارة في المسجد، وأن الملائكة تستغفر له وتترحم عليه وتدعو له ما لم يؤذ أو يحدث. قوله: (ما دام في مجلسه الذي صلى فيه) هذا لا شك أنه واضح، فمن صلى وجلس في البقعة التي صلى فيها لا شك أنه يحوز هذا الأجر، وهذا أمر لا إشكال فيه، ولكن كونه يتحول من مكان إلى مكان لأمر يقتضي ذلك أو لحاجة تدعو إلى ذلك نرجو أن يكون له ذلك الفضل وله ذلك الثواب. يتبع
__________________
|
#150
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث: (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته ...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو ذكوان السمان المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكنيته أبو صالح وهو مشهور بكنيته هذه، واسمه ذكوان ولقبه السمان أو الزيات ؛ لأنه كان يجلب الزيت والسمن، فيقال له: السمان ، ويقال له: الزيات ، وهو كثير الرواية عن أبي هريرة ، وكذلك يروي عن غيره. لكنه كثير الرواية عن أبي هريرة . [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره. شرح حديث: (الصلاة في جماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى حدثنا أبو معاوية عن هلال بن ميمون عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة في جماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة، فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة). قال أبو داود : قال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديث: (صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة) وساق الحديث ] . أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الرجل في جماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة) وهذا فيه بيان أن الحديث السابق يبين هذا الحديث، وأن المقصود أنها تضاعف هذه المضاعفة، فتكون صلاته الواحدة بخمس وعشرين صلاة. قوله: (فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة)، يعني: أنها تضاعف هذا المضاعفة، ولعل هذه المضاعفة سببها كون الإنسان يحرص عليها في السفر مع وجود التعب ومع وجود النصب والمشقة، فمع ذلك يكون فيها ذلك الأجر وذلك الفضل العظيم. ويحتمل أن ذلك حيث تكون الفتن وعزلة الناس وكون الإنسان يكون معه غنم يرعاها ويعبد الله عز وجل، وقد جاء في ذلك أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن من يستطيع مخالطة الناس والصبر على أذاهم ويتمكن من ذلك، فإن ذلك أعظم أجراً من العزلة ومن الانفراد، ولكن ذكر الفلاة هنا يدل على عظم أجر الصلاة في السفر مع حصول المشقة والنصب والتعب، وأنه لو صلاها وحده في الفلاة وهو مسافر فإن الله تعالى يكتب له ذلك الأجر العظيم، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم) ، وهذا فيه بيان فضل المحافظة على الصلاة دائماً وأبداً ولاسيما في حال الأسفار وفي الفلوات، وكون الإنسان يكون وحده لا يطلع عليه إلا الله عز وجل ولا يراه إلا الله سبحانه وتعالى، فتكون مراقبته لله عز وجل وتقواه لله سبحانه وتعالى تدفعه وتجعله يحافظ على الصلوات الخمس، سواء كان ذلك حصله عن طريق وجود الجماعة أو أنه كان بمفرده وحافظ على الصلاة، فإنه يحصل هذا الأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى. وفي حديث عبد الواحد الذي ذكره أبو داود بيان أن تلك الصلاة التي يصليها تضعف على صلاة الجماعة بخمسين صلاة، يعني: ليس الأمر مقصوراً على كونه يصلي وحده، بل أيضاً على صلاة الجماعة. تراجم رجال إسناد حديث: (الصلاة في جماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة ...) قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى بن الطباع وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا أبو معاوية عن هلال بن ميمون ]. [ أبو معاوية مر ذكره، و هلال بن ميمون الجهني صدوق، أخرج له أبو داود وابن ماجة . [ عن عطاء بن يزيد ]. هو عطاء بن يزيد الليثي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته أبي سعيد ، واسمه سعد بن مالك بن سنان ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : قال عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلم شرح حديث: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلم. حدثنا يحيى بن معين حدثنا أبو عبيدة الحداد حدثنا إسماعيل أبو سليمان الكحال عن عبد الله بن أوس عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلم. لما ذكر في الترجمة السابقة فضل المشي إلى الصلاة مطلقاً، وكان في بعض الأحوال يوجد الظلام، وفي ذلك زيادة المضرة والمشقة، ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على فضل الذهاب إلى المسجد في شدة الظلام. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) وهذا كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (حفت الجنة بالمكارة) يعني: أن الطريق إلى الجنة فيه تعب وفيه نصب يحتاج إلى صبر؛ فالإنسان يحتاج إلى صبر على طاعة الله وصبر عن معاصي الله، فيجب الصبر على الطاعة ولو شقت على النفوس، ويحرص على أن يذهب إلى المساجد ولو في الظلام، ولو في شدة الحر، ولو في شدة البرد؛ لأن حصول المشقة وحصول النصب فيه زيادة في الأجر وفيه الثواب العظيم من الله سبحانه وتعالى. وقوله: (بشر المشائين) أي: الذين يمشون إلى المساجد. قوله: (في الظلم) يعني: في حال الظلام وفي شدة الظلام، وهذا إنما يكون في الفجر وفي العشاء؛ ولهذا جاء أن هاتين الصلاتين هما أثقل الصلاة على المنافقين، وفيهما ما فيهما من النصب؛ ولهذا فإن الذهاب إلى المساجد في شدة الظلام فيه هذا الثواب العظيم من الله عز وجل. قوله: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) لأنهم مشوا في الظلام فيجازيهم الله عز وجل بأن يجعل لهم نوراً تاماً يوم القيامة يبصرون به ويمشون به، والجزاء من جنس العمل، وكما أن هذا فيه مشي في الظلام فإنه يقابله نور، وجزاؤه نور يحصل يوم القيامة، كما جاء في فضل الصيام أن الصائمين يدخلون من باب يقال له: الريان؛ لأنهم عطشوا أنفسهم؛ فجوزوا أن يدخلوا من باب يشعر بالري الذي هو ضد الظمأ. فهؤلاء لما مشوا في الظلمات إلى المساجد، وحرصوا على الذهاب إلى المساجد في الظلمات يجازيهم الله عز وجل بأن يجعل لهم نوراً يمشون به يوم القيامة يضيء لهم جزاءاً وفاقاً، والجزاء من جنس العمل، فكما أنهم مشوا في الظلام فالله يعوضهم نوراً يستضيئون به يوم القيامة. تراجم رجال إسناد حديث: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) قوله: [ حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عبيدة الحداد ]. هو عبد الواحد بن واصل السدوسي وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا إسماعيل أبو سليمان الكحال ]. إسماعيل أبو سليمان الكحال صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن عبد الله بن أوس ]. عبد الله بن أوس لين الحديث، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن بريدة ]. هو بريدة بن الحصيب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث صححه الألباني ، وفيه راو لين الحديث، وفيه راو صدوق يخطئ، وله طرق أخرى، ومنها: حديث أنس عند ابن ماجة نحوه. ما جاء في الهدي في المشي إلى الصلاة شرح حديث: (إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في الهدى في المشي إلى الصلاة. حدثنا محمد بن سليمان الأنباري أن عبد الملك بن عمرو حدثهم عن داود بن قيس قال: حدثني سعد بن إسحاق حدثني أبو ثمامة الحناط : (أن كعب بن عجرة رضي الله عنه أدركه وهو يريد المسجد؛ أدرك أحدهما صاحبه، قال: فوجدني وأنا مشبك بيدي، فنهاني عن ذلك وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبكن يديه؛ فإنه في صلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب ما جاء في الهدى في المشي إلى الصلاة، والمقصود الهيئة والطريقة والسيرة التي ينبغي أن يكون عليها الإنسان، والآداب التي ينبغي أن يتأدب بها الإنسان وهو خارج إلى الصلاة؛ والمقصود هنا ذكر بعض الأمور التي لا تنبغي أن يكون الإنسان متصفاً بها في ذهابه إلى الصلاة. أورد أبو داود رحمه الله حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه وفيه أن أبا ثمامة الحناط كان يريد الذهاب إلى المسجد فأدركه كعب بن عجرة وهو ذاهب إلى المسجد، وكان أبو ثمامة الحناط قد شبك بين أصابعه، فنهاه عن ذلك كعب بن عجرة وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبكن يديه) يعني: لا يشبكن بين أصابعه؛ وذلك بأن يدخل الأصابع بعضها في بعض فيشبكها. قوله: (فإنه في صلاة) يعني: ما دام متجهاً إلى الصلاة فهو في صلاة، فلا يشبكن بين أصابعه لا في الطريق ولا في المسجد. وحديث كعب بن عجرة يدلنا على أن الهيئة التي يكون عليها الإنسان وهو خارج إلى المسجد أنه لا يشبك بين أصابعه، وهذا من الهدي ومن السمت والطريقة والهيئة التي يكون عليها الإنسان وهو خارج إلى المسجد؛ لأنه في صلاة، وهذا فيما إذا كان في الصلاة وقبل الصلاة، أما بعد الصلاة فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شبك بين أصابعه، كما جاء في حديث ذي اليدين الذي في الصحيحين (أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى الظهر أو العصر صلاها ركعتين فقط، ثم تقدم إلى خشبة معروفة في المسجد واستند عليها وشبك بين أصابعه، فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يديه طول يقال له: ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟! قال: لم أنس ولم تقصر، قال: بل نسيت يا رسول الله! فالتفت عليه الصلاة والسلام إلى الصحابة وقال: أكما يقول ذو اليدين ؟ قالوا: نعم، فقام وصلى الركعتين الباقيتين). وبعض أهل العلم قال في الجمع بين هذه الأحاديث: إن هذا يحمل على ما دل عليه وهذا يحمل على ما دل عليه وهذا جمع بين الأحاديث، وبعضهم قال: إن الأحاديث التي في الصحيحين أقوى من الأحاديث التي في غيرهما، ولكن الجمع مقدم على الترجيح وعلى النسخ، وفي إعمال كل ما جاء من التشبيك وعدمه إعمال للأحاديث جميعاً، فيجوز بعد الصلاة ولا يجوز في الصلاة ولا قبل الصلاة، وهذا هو التوفيق بين الأحاديث التي وردت في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد ...) قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ أن عبد الملك بن عمرو حدثهم ]. هو أبو عامر العقدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكثيراً ما يأتي ذكره بكنيته أبي عامر ، وهنا جاء باسمه عبد الملك بن عمرو . [ عن داود بن قيس ]. داود بن قيس ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني سعد بن إسحاق ]. سعد بن إسحاق ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ حدثني أبو ثمامة الحناط ]. أبو ثمامة الحناط مجهول الحال، أخرج له أبو داود . [ أن كعب بن عجرة ]. كعب بن عجرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه هذا الرجل المجهول، لكن قد جاءت أحاديث كثيرة عديدة تدل على ما دل عليه. شرح حديث: (إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن معاذ بن عباد العنبري حدثنا أبو عوانة عن يعلى بن عطاء عن معبد بن هرمز عن سعيد بن المسيب قال: حضر رجل من الأنصار الموت فقال: إني محدثكم حديثاً ما أحدثكموه إلا احتساباً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى الصلاة، لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عز وجل عنه سيئة، فليقرب أحدكم أو ليبعد، فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له، فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضاً وبقي بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك، فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك)]. أورد أبو داود حديث رجل من الأنصار يرويه عنه سعيد بن المسيب رحمه الله أنه لما حضره الموت قال: (إني محدثكم حديثاً لا أحدثكموه إلا احتساباً) يعني: أنه يرجو الثواب من الله عز وجل في ذلك، وليأخذ الناس بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يرويه لهم من الحديث، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء) وإحسان الوضوء يكون بإسباغه، وذلك بكونه يتأكد من كون الماء جاء على جميع أعضاء الوضوء بحيث لم يترك شيئاً لم يصل إليه الماء، ثم أيضاً يأتي به بثلاث غسلات ولا يزيد على ذلك. إذاً: فإحسان الوضوء هو كون الإنسان يأتي به مستوعباً لا يترك موضعاً أو شيئاً من أعضاء الوضوء لم يصل إليه الماء، ثم يغسل أعضاءه ثلاث مرات، هذا هو إسباغ الوضوء. قوله: (ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له بها درجة، ولم يضع رجله اليسرى إلا حط الله عنه بها سيئة) والأحاديث التي تقدمت تدل على هذا، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة)؛ فكلما رفع الإنسان قدمه فإن الله تعالى يرفع له بها درجة، وكلما وضعها حط الله تعالى عنه بها خطيئة، ولا بد من رفع ووضع، فالرفع فيه رفع درجات والوضع فيه حط خطايا، وذلك فضل من الله عز وجل. قوله: (فليقرب أحدكم أو ليبعد) يعني: فليقرب بيته أو يبعد من المسجد، والمسافة كلما زادت كان أعظم، وهذا مثل الحديث الذي تقدم (أن الأبعد فالأبعد إلى المسجد أعظم أجراً). قوله: (فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له) يعني: لو أتى المسجد وصلى جماعة فإنه يغفر له. قوله: (فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضاً وبقي بعض صلى ما أدرك وأتم ما بقي) يعني: إن فاتته بعض الصلاة صلى ما أدرك وأتم ما بقي، وهذا معناه: أنه يصلي معهم ما أدرك وما بقي فإنه يتمه بعد الصلاة. وهذا فيه دليل على أن ما يقضيه المسبوق بعد السلام هو آخر صلاته؛ لأنه قال: (أتم ما بقي) يعني: أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته وما يقضيه بعد سلام الإمام هو آخر صلاته، وسيأتي في بعض الأحاديث: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وهو دليل على أن ما يقضيه المسبوق هو آخر صلاته وليس أول صلاته. وقوله: (كان كذلك) يعني: غفر له؛ لأنه خرج من بيته متوضئاً يريد الصلاة، وهذا فيما إذا لم يكن ذلك تكاسلاً وعادة، فإذا كان الإنسان حريصاً على الصلاة ولكن حصل أن فاتته الصلاة فإنه يعذر، وأما أن يكون الإنسان عادته أن يتكاسل ويتأخر عن الصلاة فهذا لا ينبغي، فالإنسان عليه أن يحرص على أن يذهب إلى المساجد وأن يبكر إليها. وهذا يدلنا على فضل الذهاب إلى المساجد وأن فيه الأجر العظيم من الله، وسواء أدرك الصلاة كلها أو أدرك بعضها أو لم يدرك شيئاً ولكنه صلى في المسجد، فإنه بذلك يحصل الأجر العظيم والثواب الجزيل من الله سبحانه وتعالى. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة ...) قوله: [ حدثنا محمد بن معاذ بن عباد العنبري ]. محمد بن معاذ بن عباد العنبري صدوق يهم، أخرج له مسلم وأبو داود . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يعلى بن عطاء ]. يعلى بن عطاء ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن معبد بن هرمز ]. معبد بن هرمز مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين. [ حضر رجل من الأنصار الموت ]. الصحابة رضي الله عنهم المجهول فيهم في حكم المعلوم؛ لأنهم كلهم عدول ولا يحتاجون بعد تعديل الله عز وجل وثنائه عليهم إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين، بل يكفيهم شرفاً وفضلاً ما جاء في فضلهم من النصوص، ومن كونهم تشرفوا بصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ورأوا طلعته وسمعوا حديثه عليه الصلاة والسلام، فلهم ذلك الفضل ولهم تلك الميزة التي تميزوا بها على غيرهم، لذا كان المجهول فيهم في حكم المعلوم؛ بخلاف غير الصحابة فإن المجهول فيهم جهالته تؤثر."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 32 ( الأعضاء 0 والزوار 32) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |