|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [078] الحلقة (109) شرح سنن أبي داود [078] المشي إلى المساجد من أجل أداء الصلاة في جماعة من فضائل الأعمال، فقد وردت في ذلك أحاديث عدة تبين الأجر العظيم والثواب الجزيل في ذلك؛ لذا على المسلم أن يحافظ على صلاة الجماعة في المسجد؛ ليزداد بذلك أجراً وثواباً. ما جاء فيمن خرج يريد الصلاة فسبق بها شرح حديث: (من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن خرج يريد الصلاة فسبق بها. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن محمد -يعني: ابن طحلاء - عن محصن بن علي عن عوف بن الحارث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله جل وعز مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجرهم شيئاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة: باب فيمن خرج يريد الصلاة فسبق بها، يعني: فاتته وصلى الناس قبل أن يصلي، والمراد: أنه يؤجر ويثاب على ذلك؛ لأن إسباغه الوضوء، ثم خروجه من بيته يريد الصلاة لا تخرجه إلا الصلاة يرفع له بكل خطوة يخطوها درجة، ويحط عنه بها خطيئة، فإذا أدرك الناس وصلى معهم حصل ما ذهب إليه، وإن فاتته فإنه على نيته وقصده وحرصه ورغبته، لكن هذا فيما إذا لم يكن ذلك عن تقصير منه وتهاون، بأن يكون حريصاً على الصلاة وإنما حصل أن فاتته، فإنه يؤجر على ذلك؛ لأن ذهاب الإنسان وإيابه كل ذلك يؤجر عليه. وأورد في ذلك أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم راح ووجد الناس قد صلوا) يعني: ذهب؛ لأن (راح) بمعنى السير في الرواح الذي هو المساء، وهو يقابل الغدو، وتأتي بمعنى: ذهب، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه) يعني: من ذهب. وقوله: (أعطاه عز وجل مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً) يعني: أن الله يتفضل عليه بنيته وقصده ورغبته وحرصه على الإتيان إلى الصلاة، فالصلاة وإن فاتته وإن سبق بها فإن الله تعالى يثيبه ويأجره على ذلك مثل ما يأجر الذين حضروا، وهذا فيما إذا لم يكن هناك تقصير أو إهمال أو عدم اهتمام. تراجم رجال إسناد حديث: (من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس ..) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد العزيز يعني: ابن محمد ]. عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد يعني: ابن طحلاء ]. محمد بن طحلاء صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن محصن بن علي ]. محصن بن علي مستور، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن عوف بن الحارث ]. عوف بن الحارث مقبول، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. والحديث وإن كان في إسناده من تكلم فيه إلا أنه جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه، ومنها بعض الأحاديث التي تقدمت في الدرس الماضي؛ فإنها شاهدة له ودالة على ما دل عليه. وبالمناسبة القصد الحسن يؤجر الإنسان عليه، ولكن ما اشتهر من أن: (نية المرء خير من عمله) هذا ورد فيه حديث ضعيف: (نية المرء خير من عمله) ولكن كون النية والقصد الحسن يؤجر الإنسان عليه هذا لا شك فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات). وأيضاً ثبت في الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في غزوة تبوك: (إن في المدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم؛ حبسهم العذر) يعني: أنهم معكم بنياتهم وقصدهم وحرصهم ورغبتهم وتأسفهم وتألمهم؛ لكونهم لم يتمكنوا من أن يخرجوا لقلة الظهر، ولعدم قدرتهم على ذلك، فهذا الحديث هو مثل تلك الأحاديث التي فيها أن الإنسان بقصده ورغبته يؤجر على ذلك، وكذلك بالإضافة إلى ذلك في هذا الحديث ذهابه وخطواته واستعداده بالتوضؤ وإحسان الوضوء يأجره الله تعالى مثل أجر من صلى. ما جاء في خروج النساء إلى المسجد شرح حديث أبي هريرة: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب خروج النساء إلى المسجد، يعني: حكمه، وهل يخرجن أو لا يخرجن؟ وهل يؤذن لهن أو لا يؤذن لهن؟ والحكم: هو أنه يؤذن لهن بالشروط التي لا بد منها، وهي: أن يكن -كما جاء في هذا الحديث- تفلات، يعني: ليس معهن رائحة طيبة، وإنما يذهبن بهيئتهن التي كن عليها دون تطيب وتجمل، فلا يخرجن متجملات، ولا يخرجن متطيبات، ولا يحصل بهن فتنة، ومن الشروط أن يؤمن عليهن في خروجهن من أن ينالهن أذى أو يتسببن في إيذاء الناس أو يؤذيهن أحد من الناس. فالحكم في هذا أنه يؤذن لهن كما جاءت بذلك الأحاديث، ولكن بالشروط المعتبرة التي منها ما جاء في الحديث الأول من هذه الأحاديث: (ولكن ليخرجن وهن تفلات) يعني: ليس معهن رائحة طيبة، وإنما يخرجن بروائحهن المعتادة التي ليس فيها التطيب، وإنما يخرجن بهيئتهن بدون تجمل وتطيب، فالمقصود بالتفلة: أنها غير متطيبة، فتخرج بالرائحة التي هي عليها دون أن تتطيب. وأيضاً يجب ألا تختلط مع الرجال، وألا تزاحم الناس؛ ولهذا جاء أنه كان لهن باب يدخلن إلى المسجد منه بحيث لا يدخلن مع الرجال ولا يدخل الرجال معهن، يعني: أنهن كن يعتزلن الرجال ويتميزن عنهم ولا يخالطنهم. فإذاً: الحكم هو أنه يؤذن لهن كما جاءت بذلك النصوص، لكن بالشروط والقيود التي دلت عليها النصوص. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن وهن تفلات). وقوله: (لا تمنعوا) هذا خطاب للأولياء: الأزواج وغير الأزواج، فإذا كانت المرأة مزوجة فوليها زوجها، وإذا كانت غير مزوجة فوليها أبوها ومن يليه ممن هو من أوليائها أو هو المسئول عنها، فالخطاب للرجال الذين هم الأزواج أو غيرهم من الأولياء الذين يتولون أمور النساء. ثم لما نهى الرجال عن منع النساء من الذهاب إلى المساجد وجه الخطاب للنساء بأن يخرجن بالهيئة التي ينبغي أن يخرجن عليها، وهي أن يكن تفلات فقال: (وليخرجن وهن تفلات) يعني: لا يمنعن ولهن الخروج، لكن بشرط: أن يكن تفلات. وقوله: (لا تمنعوا إماء الله) الإماء: جمع أمة، والمراد النساء. وقوله: (لا تمعنوا إماء الله مساجد الله) استدل به بعض أهل العلم على أن المرأة لا تمنع من الحج والعمرة؛ لأن المسجد الحرام داخل تحت قوله: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) ولكن لا شك أن هذا بالنسبة للفرض المتعين الذي هو العمرة والحج في العمر مرة واحدة، فهذا أمر واجب على المرأة وليس للإنسان أن يمنعها، وأما كثرة الذهاب، وكونها كلما أرادت الحج والعمرة لا تمنع، ويستدل لذلك بعموم الحديث فهذا فيه إشكال؛ لأن هذا يترتب عليه سفر، ويترتب عليه كونها تغيب عنه مدة طويلة، ولكن كونها تذهب إلى المسجد وترجع، وتصلي وترجع هذا أمره سهل، لكن كونها كلما أرادت أن تسافر إلى العمرة أو تسافر إلى الحج أنها لا تمنع، فنعم لا تمنع من الفرض، ولكن بالنسبة للنفل فهذا يرجع إلى الزوج ويرى ما فيه المصلحة؛ لأن هذا شيء يتعلق بسفر، ويتعلق بتفويت مصالح وفوائد له، وكذلك أيضاً قد يترتب على ذلك إخلال بأمور لا بد منها كالغيبة عن الأولاد.. وما إلى ذلك. فالحديث واضح في أن ذلك في غير سفر، لكن بالنسبة للحج الواجب والعمرة الواجبة فليس له أن يمنعها. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل التبوذكي ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو ابن سلمة بن دينار البصري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن عمرو ]. محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره. شرح حديث ابن عمر: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ..) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) وهو مثل اللفظ المتقدم إلا أن فيه زيادة: (وليخرجن وهن تفلات). تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر : (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن زيد بن درهم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث رواة إسناده كلهم ممن خرج لهم أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا العوام بن حوشب حدثني حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر من طريق أخرى، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن) أرشد عليه الصلاة والسلام إلى أن بيوتهن خير لهن، وصلاتهن في بيوتهن خير لهن، وأفضل من صلاتهن في المساجد، ولكن إذا طلبن المساجد يؤذن لهن بشرط أن يخرجن وهن تفلات، يعني: غير متجملات ولا متطيبات، ولا مختلطات بالرجال. فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ما هو الأفضل والأكمل، وإلى ما هو الأخير لهن بعد أن أرشد إلى النهي عن منعهن، وأنه يؤذن لهن، ولكن مع ذلك بين أن بيوتهن خير لهن، ولكن إن طلبن الذهاب إلى المسجد فإنه يؤذن لهن. تراجم رجال إسناد حديث: (لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا يزيد بن هارون ]. يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا العوام بن حوشب ]. العوام بن حوشب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني حبيب بن أبي ثابت ]. حبيب بن أبي ثابت ثقة كثير التدليس والإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر قد مر ذكره. وهذا الإسناد كالذي قبله رجاله أخرج لهم أصحاب الكتب الستة، إلا عثمان بن أبي شيبة لم يخرج له الترمذي . شرح حديث: (ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير و أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد قال: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل) فقال ابن له: والله! لا نأذن لهن فيتخذنه دغلاً، والله! لا نأذن لهن، قال: فسبه وغضب، وقال: أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ائذنوا لهن)وتقول: لا نأذن لهن؟! ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ائذنوا للنساء إلى المساجد في الليل)، وهذا مثل الذي قبله، إلا أن فيه التقييد بالليل، والأحاديث التي تقدمت مطلقة وعامة تشمل الليل والنهار، لكن هذا الذي فيه ذكر الليل يكون فيه إشارة إلى الستر، ولكن الأحاديث التي مضت مطلقة وتشمل الليل والنهار، ولا بأس بالإذن لهن، ولكن خروجهن والإذن لهن بالليل يكون أولى؛ لأنه يكون فيه ستر سواءً كان في العشاء أو الفجر، وقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أنهن كن يخرجن وهن متلفعات بمروطهن في صلاة الفجر ما يعرفهن أحد من الغلس. قوله: ( فقال ابن لابن عمر ) قيل: إنه بلال وقيل: واقد . قوله: (والله! لا نأذن لهن فيتخذنه دغلاً) يعني: ريبة أو وسيلة إلى الوقوع في أمر محرم، فغضب عليه عبد الله بن عمر وسبه وقال له: (أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ائذنوا للنساء) وتقول: والله! لا نأذن لهن ؟!) وجاء في بعض الروايات أنه ما كلمه حتى مات، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وإن كان هذا محفوظاً فلعل أحدهما مات بعد وقت وجيز من الحادثة أو من الواقعة التي جرت بينهما. وفي هذا دليل على الحث على اتباع السنن والتحذير من مخالفتها، والإنكار الشديد على من يحصل منه المخالفة للسنن ومعارضة الأحاديث، وكذلك أيضاً فيه تأديب الرجل لولده ولو كان كبيراً، وكذلك الهجر حيث يكون فيه مصلحة لاسيما إذا كان من الوالد أو ممن له شأن ومنزلة فإنه يكون في ذلك فائدة ومصلحة. تراجم رجال إسناد حديث: (ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير ]. عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، و جرير هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو معاوية ]. أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. مجاهد بن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر قد مر ذكره. باب التشديد في ذلك شرح أثر عائشة: (لو أدرك رسول الله ما أحدث النساء لمنعهن المسجد ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التشديد في ذلك. حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعه نساء بني إسرائيل) قال يحيى : فقلت لعمرة : أمنعه نساء إسرائيل؟ قالت: نعم. ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب التشديد في ذلك، يعني: فيما يتعلق بذهاب النساء إلى المساجد، ومعلوم أنه لا بد من الاحتياط في ذهاب النساء إلى المساجد، وأن يكن ملتزمات بآداب الإسلام، وأن يخرجن بالهيئة التي هي ليس فيها رائحة طيبة ولا لباس حسن، وألا يخالطن الرجال، وأن يكون دخول النساء من باب واحد.. وما إلى ذلك من الأمور التي جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اتصاف النساء بها وهن خارجات إلى المسجد، لكن إذا حصل خروج عن هذه الآداب وعدم التزام بهذه الآداب فعند ذلك يسوغ المنع، وفي ذلك يكون التشديد في مسألة النساء وعدم تركهن يقدمن على شيء يحصل بسببه مضرة عليهن وعلى غيرهن. أورد أبو داود رحمه الله أثر عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل) يعني: من الذهاب إلى المساجد، وقول عائشة رضي الله تعالى هذا سببه: أنها رأت من بعض النساء شيئاً من ذلك، ولا يعني أن كل النساء يكن كذلك. وهذا الذي قالته عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها محمول على من لهن حق المنع، أما من تخرج وهي تفلة ومحتشمة ومتأدبة وملتزمة بأحكام الإسلام فهذه هي التي جاء الإذن لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول ما أذن لكل امرأة؛ ولهذا قال: (وليخرجن وهن تفلات) ولم يقل: النساء يخرجن كيف كن. فعائشة رضي الله عنها وأرضاها رأت جانب الخلل الذي حصل من بعضهن فقالت: لو حصل كذا، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم شريعته مستمرة ودائمة، وأحكام هذه الشريعة دائمة مستمرة، ولكن بالتفصيل المعروف: فمن هي أهل للخروج تخرج، ومن ليست أهلاً للخروج تمنع؛ لأنها غير ملتزمة. إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلق ولم يمنع، ولكن جاء عنه تشريع وجاء عنه حكم فيه تفصيل، وهو الإذن في حق من تستحق الإذن، والمنع في حق من تستحق المنع. و عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها ما قالته مبني في حق من تستحق المنع، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنها تمنع، وذلك لوجود القيد الذي يدل على ذلك حيث قال: (وليخرجن وهن تفلات) فإذا خرجن متطيبات متجملات يفتن الناس، فعند ذلك يحصل منعهن. وقوله: (قال يحيى : فقلت لعمرة : أمنعه نساء بني إسرائيل؟ قالت: نعم). يحيى هو ابن سعيد الأنصاري و عمرة : هي لعمرة بنت عبد الرحمن . وهذا الكلام مبني على أنه من عمرة وهي تابعية، ولكن الأثر جاء عن عائشة : (لمنعنه كما منعت نساء بني إسرائيل) ولكن يحيى بن سعيد سأل عمرة فقالت: نعم، وهي لم تقله من عندها، وإنما قالته عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها. تراجم رجال إسناد أثر عائشة: (لو أدرك رسول الله ما أحدث النساء لمنعهن المسجد ...) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب مر ذكره. [ عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه والإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ثقة من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرة بنت عبد الرحمن ]. عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية ثقة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة. [ أن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة الواحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها. يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى أن عمرو بن عاصم حدثهم قال: حدثنا همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه الذي يبين فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وقد سبق أن مر حديث: (وبيوتهن خير لهن) وهذا الحديث فيه تفصيل: أنه كلما كانت المرأة أستر وأبعد عن الظهور والبروز كان أفضل لها، يقول عليه الصلاة والسلام: (صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في حجرتها) والكلام كله يتعلق بالبيت، وأنه كلما كان أبعد وأخفى وأستر للمرأة فإنه يكون أفضل. قوله: (صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في حجرتها) والمراد بالحجرة: المكان الذي يحتجر حول البيت يعني: مثل الصحن أو المكان الفاضي، ولكنه داخل السور وتحت البنيان، وفيه يعني: أنه مكان مكشوف، ولكنه ليس داخل البيت، فصلاتها في بيتها خير من صلاتها في حجرتها، يعني: إذا كان البيت له حوش ومكان مكشوف فصلاتها في داخل البنيان أحسن من صلاتها داخل السور في الحوش أو في المكان المكشوف المحتجر الذي هو تابع للبيت ومن جملته. فهذا هو المقصود بالحجرة، وليس المقصود بها الغرفة التي هي داخل البيت، وإنما المقصود: المحتجر الذي يكون في البيت تدخل منه وتشرع عليه الأبواب. قوله: (وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها) المخدع: هو البيت الصغير أو المكان الذي يكون في أقصى البيت والذي يتخذ لحفظ الأشياء، ويميز على غيره بكونه يكون في مكان بعيد من الباب، وهذا معناه: أن المرأة كلما كانت أبعد في بيتها كان أفضل من بروزها، ومعنى هذا أن كل هذه الأمور أحسن من صلاتها في المسجد، يعني: إذا كانت هذه الأمور في داخل البيت وبعضها أولى من بعض فإن ذلك يدل على أن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد؛ فلهذا قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن) ثم يكون التفصيل في البيت: كلما كانت أبعد كانت أستر، وكلما كانت بعيدة عن الأنظار كان ذلك أفضل لها. تراجم رجال إسناد حديث: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ...) قوله: [ حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى البصري الملقب الزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فقد رووا عنه مباشرة وبدون واسطة. [ أن عمرو بن عاصم حدثهم ] . عمرو بن عاصم صدوق في حفظه شيء، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ]. همام بن يحيى العوذي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مورق ] . مورق العجلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الأحوص ] . هو عوف بن مالك ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله ] . عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (لو تركنا هذا الباب للنساء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تركنا هذا الباب للنساء) قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. قال أبو داود : رواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع قال: قال عمر . وهذا أصح ] . أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو تركنا هذا الباب للنساء) هذا يفيد بأن النساء لا يختلطن مع الرجال إذا ذهبن إلى المسجد، وأنهن يدخلن من باب يخصهن أو أبواب تخصهن، وهذا من الاحتياط والتشديد في خروج النساء، وأنهن إذا خرجن يخرجن بهذه الهيئة وهذا الوصف الذي هو الابتعاد عن الرجال وعن مخالطتهم حتى في الدخول إلى المسجد، بل وإذا دخلن المسجد يبتعدن عن الرجال كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) فهن يبتعدن عن الرجال، وكلما كانت المرأة أبعد عن الرجال كان أفضل وأعظم أجراً لها، وكان ذلك الصف الذي تكون فيه خير الصفوف إذا كان هو أبعد الصفوف عن الرجال. قوله: (قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات). يعني: لالتزامه وامتثاله لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. قوله: [ قال أبو داود : رواه إسماعيل عن أيوب عن نافع قال: قال عمر . وهذا أصح ] . يعني: أن الحديث جاء من طريق أخرى عن نافع يرويه عن عمر موقوفاً عليه، فهذا يكون فيه انقطاع؛ لأن نافعاً لم يدرك عمر رضي الله تعالى عنه، ولكن الحديث الأول صحيح. تراجم رجال إسناد حديث: (لو تركنا هذا الباب للنساء) قوله: [ حدثنا أبو معمر ]. هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوارث ] . عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ] . أيوب بن أبي تميمة السختياني مر ذكره. [ عن نافع عن ابن عمر ]. نافع و ابن عمر مر ذكرهما. قوله: [ قال أبو داود : رواه إسماعيل بن إبراهيم ]. إسماعيل بن إبراهيم بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن نافع قال: قال عمر ]. أيوب و نافع قد مر ذكرهما، وعمر هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة فرضي الله عنه وأرضاه. باب السعي إلى الصلاة شرح حديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب السعي إلى الصلاة. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب و أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا). قال أبو داود : وكذا قال الزبيدي و ابن أبي ذئب و إبراهيم بن سعد و معمر و شعيب بن أبي حمزة عن الزهري : (وما فاتكم فأتموا)، وقال ابن عيينة عن الزهري وحده: (فاقضوا) وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة و جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة: (فأتموا) و ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، و أبو قتادة و أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم كلهم قالوا: (فأتموا) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة باب السعي إلى الصلاة، والسعي: هو بمعنى الذهاب، وهذا أمر مطلوب، ويأتي بمعنى الجري والعدو والإسراع، وهذا هو الذي جاء ما يدل على منعه والنهي عنه، ومما جاء بمعنى الذهاب قوله تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]، وليس المقصود أنهم يسعون أي: يذهبون ويجرون، وإنما معناه: أنهم يتركون البيع والشراء، ويتجهون إلى الصلاة، يتركون الاشتغال بالتجارة الدنيوية، ويتجهون إلى التجارة الأخروية. والسعي يأتي بمعنى العدو، وهذا هو الذي ترجم له أبو داود وأورد الأحاديث التي فيها النهي عن الذهاب إليها سعياً، والأمر بالذهاب إليها مشياً بدون سعي. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا). قوله: (إذا أقيمت الصلاة) هنا عبر بالإقامة؛ لأن هذا هو الذي قد يقتضي السعي، أو قد يجعل بعض الناس يتجه إلى السعي من أجل أن يدرك الصلاة؛ لأن الصلاة قد قامت وهو يريد أن يدرك الركعة، أو يريد أن يدرك ما يدرك من الصلاة، فيقول عليه الصلاة والسلام: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون) والسعي هنا هو ضد المشي؛ لأن المشي معناه: المشي بتؤدة، والسعي: جري وعدو وركض، وهذه الهيئة منع منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون) فالمقصود هنا: الإتيان إليها مشياً بهدوء وسكينة ووقار وعدم إسراع. قوله: (فما أدركتم فصلوا) أي: الذي تدركونه منها صلوه مع الإمام. قوله: (وما فاتكم فأتموا) والذي سبقتم به أتموه بعد انتهاء الإمام. أورد أبو داود الروايات الكثيرة، والأحاديث المتعددة التي أشار إليها عن عدد من الصحابة، وكذلك روايات عدد كبير من العلماء يروون بلفظ: (وما فاتكم فأتموا)، ومن هذه الرواية التي عليها أكثر الرواة استدل بعض العلماء على أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، وما يقضيه المسبوق بعد فراغ إمامه هو آخر صلاته. وذهب بعض أهل العلم إلى أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو آخر صلاته، وما يقضيه بعد سلام إمامه هو أول صلاته، وثمرة الخلاف هو: أنه على القول بأن ما أدركه يكون أول صلاته فبعدما يفرغ مع الإمام ويصلي ما فاته بعد ذلك لا يجهر بالقراءة على اعتبار أن الذي سبق به يكون هو الأول، وعلى هذا القول إذا كان بقي عليه ركعتان في الصلاة الرباعية كالعشاء -وهي جهرية- فإنه عندما يقوم يقضي الركعتين الفائتتين لا يجهر؛ لأن ما يقضيه هو آخر صلاته وليس أول صلاته؛لقوله: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا). فقوله: (فأتموا) معناه: أن ما يتمه هو آخر الصلاة؛ لأن الذي أدركه أولاً هو أولها، والإتمام يكون للشيء الذي له أول، وهذا معناه: أنه بدأ بأوله ثم يأتي بآخره ليتمه، فالأول أول، والآخر آخر، وإن كان آخر الصلاة هو بالنسبة للإمام فهو أول الصلاة بالنسبة للمسبوق، فالركعتان الأخيرتان من الصلاة الرباعية هي آخر الصلاة للإمام وهي أول الصلاة للمسبوق. وذهب بعض أهل العلم إلى أن ما يدركه المسبوق هو آخر صلاته، وما يقضيه المسبوق هو أول صلاته، ويستدلون على ذلك بما جاء في بعض الروايات: (اقضوا) أي: يقضون ما سبقوا به، والذي سبقوا به هو أول الصلاة، فيأتون بالذي سبقوا به بعد سلام الإمام وهو أول صلاتهم، والذي أدركوه مع الإمام هو آخر صلاتهم. وإذا كانت الصلاة جهرية فيجهر بالقراءة؛ لأن هذا يعتبر أول صلاته على هذا القول، لكن أكثر الروايات على: (أتموا) وهي أرجح من رواية: (فاقضوا) ولكن يمكن أن تحمل رواية: (اقضوا) على ما يوافق رواية: (أتموا)؛ لأن (قضى) تأتي على معانٍ كثيرة، فتأتي بمعنى: التمام، وتأتي بمعنى: الفراغ من الشيء، وتأتي بمعنى: قضاء الشيء الذي فات، والحديث مخرجه واحد، ولكنه جاء بهذين اللفظين، فيمكن أن تحمل: (اقضوا) على ما يوافق (أتموا)، وأن المقصود من ذلك الإتمام الفراغ من الصلاة مع الإمام، ومعنى الفراغ من الصلاة: أن الذي يأتي به بعد ذلك هو ما يكون به من إنهاء صلاته، وليس المقصود من ذلك أن الشيء الذي سُبق به يقضيه، فالقضاء يأتي بمعنى فعل الشيء أصلاً، ويأتي بمعنى الفراغ، ويأتي بمعنى قضاء الفائت، وما دام أن الروايات الكثيرة كلها بلفظ: (أتموا) فيمكن أن تفسر كلمة: (اقضوا) بما يوافق: (أتموا) وعلى هذا لا يكون بين الروايتين اختلاف، ويكون القول الذي تدل عليه الأدلة هو: أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، وما يقضيه المسبوق بعد سلام إمامه هو آخر صلاته، ومما يدل على أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته أن هذا هو المتصل بتكبيرة الإحرام، وتكبيرة الإحرام إنما تكون في أول الصلاة ولا تكون في آخرها. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عنبسة ]. عنبسة بن خالد الأيلي صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ أخبرني يونس ]. يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قد مر ذكره. وأبو هريرة قد مر ذكره. وعلى هذا فالإسناد فيه تابعيان من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين: أحدهما متفق على عده في الفقهاء السبعة وهو سعيد بن المسيب ، والثاني مختلف في عده في الفقهاء السبعة وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن . وقوله: [ قال: أبو داود كذا قال: الزبيدي ]. يعني: أنه قال في روايته عن الزهري مثل ما قال يونس بن يزيد الأيلي والرواية التي من طريق يونس بن يزيد الأيلي هي بلفظ: (وما فاتكم فأتموا) فكثيرون رووا عن الزهري مثل ما روى يونس بن يزيد الأيلي بلفظ: (أتموا) ومنهم الزبيدي وهو محمد بن الوليد الحمصي الزبيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و ابن أبي ذئب ]. محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ و إبراهيم بن سعد ]. إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ و معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ و شعيب بن أبي حمزة ]. شعيب بن أبي حمزة الحمصي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن الزهري: (وما فاتكم فأتموا) ]. يعني: أن كل هؤلاء رووه عن الزهري كما رواه عنه يونس بن يزيد بلفظ: (أتموا) فهذا يدل على أن ما قد يدركه المسبوق هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخر صلاته. [ وقال: ابن عيينة عن الزهري وحده: (فاقضوا)]. يعني: أن ابن عيينة انفرد بروايته عن الزهري بلفظ: (فاقضوا)، و يمكن أن تحمل على ما يوافق لفظ (أتموا). [ وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة و جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة : (فأتموا) ]. أورد المصنف الحديث عن أبي هريرة من طريقين، وكلاهما بلفظ: (أتموا) يعني: مثل الذي جاء عن الزهري ، وهذه طرق غير طرق الزهري ، فالأولى عن الزهري ، وكل الذين رووا عن الزهري متفقون على (أتموا) إلا ابن عيينة فإنه قال: (اقضوا)، وأيضاً جاء من طرق أخرى ليست من طريق الزهري عن أبي هريرة بلفظ: (أتموا). قوله: [ وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة ]. محمد بن عمرو هو ابن علقمة الذي مر ذكره، و أبو سلمة مر ذكره . [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة مر ذكره. [ و جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة ]. جعفر بن ربيعة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعرج ] . عبد الرحمن بن هرمز المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو قتادة و أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم كلهم قالوا: (فأتموا) ]. يعني: أنه جاءت أحاديث عن ثلاثة من الصحابة غير أبي هريرة وهم ابن مسعود و أبو قتادة و أنس ، فهؤلاء أيضاً يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: (فأتموا)، فهذه شواهد لحديث أبي هريرة . شرح حديث (ائتوا الصلاة وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ائتوا الصلاة وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم، واقضوا ما سبقكم). قال أبو داود : وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة : (وليقض) وكذا قال أبو رافع عن أبي هريرة ، و أبو ذر روي عنه: (فأتموا واقضوا) واختلف فيه ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، ولكنه بلفظ: (فاقضوا) وقد ذكرنا أن ذلك يحمل على ما يوافق: (أتموا) وأن هذا هو الأولى، وهو الذي فيه الجمع بين الروايات. تراجم رجال إسناد حديث: (ائتوا الصلاة وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم ...) قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ] . شعبة بن الحجاج البصري ثم الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة ]. قد مر ذكر هؤلاء الثلاثة. طرق أخرى لحديث: (ائتوا الصلاة وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم ...) وتراجم رجال أسانيدها [ قال أبو داود : وكذا قال: ابن سيرين عن أبي هريرة : (ليقض) ]. يعني: أن رواية ابن سيرين مثل رواية أبي سلمة إلا أنها بلفظ: (وليقض) بدل (واقضوا) وهي مثلها في المعنى، وكذلك في اللفظ، إلا أن تلك بلفظ الأمر، وهذه بلفظ الفعل المضارع المسبوق بلام الأمر. وابن سيرين هو محمد بن سيرين المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وكذا قال أبو رافع عن أبي هريرة ]. هو نفيع الصائغ ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، روى عن أبي هريرة أيضاً مثل ما روى ابن سيرين ، ومثل ما روى أبو سلمة بلفظ القضاء. [ و أبو ذر روي عنه: (فأتموا) و (اقضوا) واختلف فيه ]. أي: أن أبا ذر رضي الله عنه جاء عنه بلفظ: (أتموا) وجاء عنه بلفظ: (اقضوا) واختلف في حديث أبي ذر ، فجاء عنه: (اقضوا) وجاء عنه: (أتموا). وأبو ذر هو جندب بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حكم الإخبار عن الله عز وجل بأنه عاقل أو ذكي ونحو ذلك السؤال: من المعلوم أن الله جل وعلا لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن مجال الإخبار أوسع، فهل يخبر عن الله جل وعلا بأنه ذكي أو عاقل أو لبيب كذا؟ الجواب: لا، لا يجوز أن يؤتى بأي وصف أو بأي شيء يضاف إلى الناس ثم يضاف إلى الله عز وجل، ويقال: إنه على ما يليق به، والإخبار هو مثل أن يقال: نوه الله بكذا، أو أشاد الله بكذا، أو أثنى الله على كذا، ونحو ذلك، أما أن تؤخذ الأوصاف الحسنة التي يتصف بها الناس، ثم تضاف إلى الله عز وجل ويخبر بها عنه -حتى ولو قيل: إنها على ما يليق به- فلا يصلح أن يعبر بمثل هذه العبارات، و إنما يسكت عنها. حكم قول: علماء العقيدة السؤال: من المعلوم أن جانب العقيدة جانب مهم، فما حكم من يقول في أثناء التدريس وسرد الأقوال: قال علماء العقيدة أو علماء العقيدة يقولون كذا؟ الجواب: التعبير باللفظ العام هذا ليس بواضح، إلا إذا كان المقصود به علماء السلف، ويكون ذلك من الشيء الذي هو معروف من عقيدة السلف، ومن الأمور المتفق عليها والتي لا يختلف فيها السلف، فمثل هذا يصح أن يقال: إن هذه عقيدة السلف، وإن السلف اتفقوا على كذا، هذا لا بأس به، وأما إذا قال: قال علماء العقيدة، أو علماء العقيدة يقولون، فهذا الإطلاق لا يصح؛ لأن هناك عقائد ضالة، وعقائد سليمة، فكلمة (علماء العقيدة) هذه فيها ما فيها، فكل يعتقد عقيدة ويقال: إنه عالم في عقيدته، لكن ليس كل عقيدة حق، بل العقيدة الحقة هي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما سوى ذلك فهو من محدثات الأمور، كما قال صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ).حكم الحج من غير تصريح بالحج من ولاة الأمر السؤال: هل يجوز أن يحج الرجل دون تصريح للسفر إلى الحج، ويحتج بأن الحجاج يحتاجون إلى من يعلمهم أمور دينهم، وخاصة إذا كان من طلبة العلم؟ الجواب: لا ينبغي للإنسان أن يخالف التعليمات التي تصدر من ولاة الأمور، والتي يرون فيها المصلحة في ضبط الحجاج، ولكنه إذا كان فيه نفع فيمكن أن يتقدم إلى الجهة المسئولة بالطريقة التي يمكنه أن يتقدم بها من أجل أن يسمحوا له من أجل هذه المهمة. حكم منع الرجل المرأة من الذهاب إلى المسجد لصلاة التراويح السؤال: هل يجوز للرجل أن يمنع المرأة من الذهاب إلى المساجد لصلاة التراويح؟ الجواب: الحديث عام، ولا يتعلق بتراويح ولا بغير تراويح، فيمكن لها أن تخرج للتراويح وأن تخرج للجماعة، ويمكن أن تخرج لتصلي فيه ركعتين في الضحى، ومطلق التراويح هي كغيرها، فلا تمنع النساء من الذهاب إلى المساجد، لا للتراويح ولا لغير ذلك . بيان الأولى للمرأة التي أدت فريضة الحج السؤال: المرأة إذا أدت فريضة الحج هل الأفضل لها أن تبقى مع أبنائها أم تذهب لأداء الحج مرة أخرى؟ الجواب: بقاؤها مع أبنائها حيث يكونون بحاجة إليها لا شك أنه أولى. تفضيل صلاة النافلة في البيت على صلاتها في المسجد السؤال: هل صلاة المرأة في البيت أفضل من صلاتها في المسجد النبوي؟ الجواب: نعم, فإذا كانت قادرة على الصلاة في المسجد النبوي ولكنها تركت ذلك من أجل أن تحصل الأفضل فإنها تحصل على ذلك، والرجل لو جاء وصلى ثم ذهب وصلى النافلة في بيته مع قدرته على الصلاة في المسجد النبوي فإنه يحصل أكثر من الصلاة في المسجد النبوي، والنبي صلى الله عليه وسلم هكذا كان يفعل؛ لأنه كان يصلي في بيته النافلة ثم يخرج وتقام الصلاة، ثم إذا صلى انصرف إلى بيته وصلى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه الراتبة في البيت، وهو في المسجد النبوي الذي قال فيه: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) وقال عليه الصلاة والسلام : (صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة) ."
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [079] الحلقة (110) شرح سنن أبي داود [079] جاء الشرع الحنيف بالحث والتأكيد على صلاة الجماعة، وجاء الوعيد الشديد في حق من يتركها، ومما يبين أهميتها أنه جاء الأمر بالصلاة مع الجماعة لمن كان قد صلى وتكون في حقه نافلة. ما جاء في الجمع في المسجد مرتين شرح حديث: (أن رسول الله أبصر رجلاً يصلي وحده ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجمع في المسجد مرتين. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن سليمان الأسود عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلى وحده فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: [باب في الجمع في المسجد مرتين]، والمقصود من هذه الترجمة: أن تكرر الجماعة في المسجد سائغ إذا لم يكن المقصود من الجماعة الثانية أن تتأخر عن الجماعة الأولى، وأنها لا تصلي معها بل تصلي وحدها. أما إذا أرادت ذلك فهذا لا يجوز، وعلى هذا فالجمع في المسجد مرتين أو إقامة جماعتين في المسجد سائغ إن كانت الجماعة الثانية جاءت من غير قصد، وإنما كان السبب هو فوات الصلاة، وأن الذين جاءوا متأخرين سبقوا في الصلاة، فإذا جاءوا وقد سلم الإمام فلهم أن يصلوا جماعة ثانية في المسجد، وإذا كانت الجماعة الثانية لا تريد أن تصلي مع الجماعة الأولى بل تريد أن تصلي وحدها؛ فهي تتأخر عن الصلاة لكي تقيم جماعة ثانية فهذا لا يجوز؛ لما فيه التفرق والاختلاف وعدم الاجتماع. وقد كانت من حسنات الملك عبد العزيز رحمة الله عليه: أنه لما تولى على الحجاز، وكانت مكة يُصلى فيها أربع جماعات: الحنفية يصلون على حدة، والمالكية على حدة، والشافعية على حدة، والحنابلة على حدة، ولكل مقام حول الكعبة، فيقال: هذا مقام الحنفي، وهذا مقام الشافعي، وهذا مقام الحنبلي، وهذا مقام المالكي، وتقام هذه الجماعة والذين يتبعون المذهب الآخر لا يصلون معها، وإنما ينتظرون جماعتهم، وهكذا، فكان من أعظم حسنات الملك عبد العزيز رحمه الله أنه أنهى هذا التفرق، وجمع الناس على إمام واحد، فالجماعة المذمومة هي التي قصدها التفرق وعدم صلاة بعضهم وراء بعض، ومن المعلوم أن التفرق غير سائغ، ولو كان الأئمة الأربعة موجودين في زمن واحد لصلى واحد منهم إماماً والباقون مأمومين، وليس كل واحد يصلي وحده. فإذاً: هذا العمل الذي كان يحصل من بعض الأتباع من التفرق، وعدم صلاة بعضهم وراء بعض هو من التفرق المذموم الغير جائز، وعلى هذا فإن كانت الجماعة الثانية مقصودها أنها لا تريد أن تصلي مع الجماعة الأولى فهذا لا يجوز، وإن كان الذين جاءوا للصلاة كانوا يريدون الجماعة الأولى ولكنهم سبقوا وفاتتهم الصلاة فلهم أن يصلوا جماعة ثانية، وهذا هو الذي ترجم له أبو داود ، ومراده: إقامة الجماعة الثانية التي يسوغ إقامتها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الرجل مع الرجل خير من صلاته وحده، وصلاة الثلاثة أفضل، وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله عزوجل) فكلما كانت الجماعة أكثر فهو أفضل، وعموم ذلك يدل على جواز إيجاد الجماعة الثانية إذا لم يكن مقصودها عدم الصلاة مع الجماعة الأولى. وقد أورد الإمام أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده -يعني: بعد ما صلى الناس- فقال: من يتصدق على هذا فيصلي معه؟) يعني: من يتصدق عليه فيصلي معه فيحصل له أجر الجماعة بوجود ذلك الذي صلى معه؟ وسمى ذلك صدقة؛ لأن فيه إحساناً إليه، وزيادة في ثوابه وأجره؛ لأن صلاته في الجماعة أعظم من صلاته لو صلى وحده. إذاً في إيجاد الجماعة بالصلاة معه صدقة عليه، وإحسان إليه بكونه يضاعف أجره، ويزيد ثوابه. وقوله: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده) يفهم من هذا أنه بدأ بالصلاة، ودل هذا على أن الجماعة يمكن أن توجد ولو لم تكن من أولها، بل يمكن أنه بعد الدخول فيها تكون الجماعة، فكون واحد يصلي ثم يأتي إنسان ويدخل معه ويصلي معه جماعة لا بأس بذلك، وهذا الحديث يدل على هذا، ويدل عليه أيضاً فعل ابن عباس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نام عند خالته ميمونة وقام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ ودخل في الصلاة، فقام ابن عباس وتوضأ وجاء وصلى عن يساره فأداره عن يمينه، فالرسول صلى الله عليه وسلم ابتدأ الصلاة وهو وحده، ثم دخل معه ابن عباس فصارت جماعة، فهذا يدلنا على أنه لا يلزم أن الجماعة لا تكون إلا من بدايتها، وأنها من أولها، بل يمكن أن تكون بعد بدايتها كما يرشد إلى ذلك هذا الحديث، وكما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس في صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم في الليل في بيت خالته ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها. وفي الحديث أيضاً: أن أقل الجماعة اثنان؛ لأنه قال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه) فيدل هذا على أن الجماعة أقلها اثنان؛ لأن صلاة رجل واحد مع واحد تكون جماعة. وأقل الجماعة اثنان عند الفقهاء، كما أن أقل الجمع عند الفرضيين اثنان أيضاً، والله عز وجل يقول: فإن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] ، وأقل عدد يحجب الأم من الثلث إلى السدس هو اثنان، ولا يلزم أن يكونوا ثلاثة، بل إذا وجد اثنان حجباها، وأقل الجمع في الفقه وفي الصلاة اثنان: إمام ومأموم، وهذا الحديث يدل على ذلك؛ لأنه قال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه). والحديث فيه دليل على ما ترجم له المصنف من أنه يمكن أن تقام جماعة إذا كان ليس مقصوداً الاختلاف، وتبويب أبي داود رحمه الله على ذلك واستشهاده بالحديث يبين أنه يرى أن الجماعة يمكن أن تقام مرتين في مسجد واحد؛ لأنه ترجم وأورد الحديث الدال على الترجمة، فبعض أهل العلم قال: إنه إذا انتهت الجماعة فإن كل واحد يصلي وحده ولا يصلون جماعة، وهذا الحديث حجة عليهم، وكذلك الحديث الآخر الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الثلاثة أزكى من صلاة الاثنين، وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل). وهذا الحديث الذي هنا واضح الدلالة على جواز إقامة جماعة ثانية فيما إذا كان الذين حضروا للصلاة قد فاتتهم الصلاة وسبقوا بها، فلهم أن يجمعوا، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى إقامة الجماعة ولو عن طريق التصدق؛ فإن هذا يدل على أنه إذا لم تكن هناك حاجة إلى الصدقة فإن الجماعة سائغة، فلو جاء اثنان لا يقال لكل واحد: صل على حدة وأنت صل على حدة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد أن يحسن إلى من كان واحداً فإذا جاء اثنان وصليا مع بعض فليسا بحاجة إلى صدقة. فهذا الحديث واضح الدلالة على جواز إقامة الجماعة الثانية في المسجد، لكن كما قلت: إذا لم يكن مقصود ذلك هو التخلف عن الجماعة الأولى، وإنما كان الذين جاءوا حريصين على الصلاة، ولكن فاتتهم الصلاة وسبقوا بها فلهم أن يقيموا جماعة ثانية، وأن يصلوا جماعة ثانية، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى إيجاد الجماعة ولو عن طريق الصدقة فكيف لا يسوغ لمن كانوا جماعة فاتتهم الصلاة أن يصلوا جماعة ويرشدون إلى أن كل واحد يصلي على حدة؟! وفي الحديث: جواز صلاة المتنفل خلف المفترض؛ لأن ذاك الذي يصلي مفترض، وهذا الذي يصلي معه ويتصدق عليه متنفل، ويجوز أن يكون المتنفل هو الإمام، ويجوز أن يكون المفترض هو الإمام؛ لأن صلاة المفترض خلف المتنفل جاءت السنة بها، وصلاة المتنفل خلف المفترض جاءت السنة بها، فصلاة المفترض خلف المتنفل يدل عليها هذا الحديث، ويدل عليها حديث الرجلين اللذين كانا في مسجد الخيف بعد صلاة الصبح، وكانا قد صليا في رحالهما وجاءا فجلسا في المسجد، وفيه صلاة المتنفل خلف المفترض، وأما صلاة المفترض خلف المتنفل فيدل عليها فعل معاذ الذي كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في المسجد النبوي، ثم يذهب إلى قومه ويصلي تلك الصلاة، فهو إمام وهم مأمومون، فتصح صلاة المفترض خلف المتنفل، وصلاة المتنفل خلف المفترض. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أبصر رجلاً يصلي وحده ...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وهيب ]. هو وهيب بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان الأسود ]. سليمان الأسود صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن أبي المتوكل ]. هو أبو المتوكل الناجي هو علي بن داود ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهور بكنيته أبي سعيد وبنسبته الخدري ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد و أنس و جابر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. ما جاء فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم شرح حديث يزيد بن الأسود في قصة الرجلين اللذين صليا في رحالهما قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة أخبرني يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه رضي الله عنه: (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام شاب، فلما صلى إذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد، فدعا بهما، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا، فقال: لا تفعلوا، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه؛ فإنها له نافلة) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم، يعني: أن الإنسان إذا صلى وحده أو صلى مع جماعة، ثم جاء وأدرك الجماعة تصلي فإنه يصلي معهم، فتكون الأولى له فريضة والثانية نافلة؛ لأنه أدى الفرض بصلاته الأولى سواء كان وحده أو في جماعة، لكنه إذا وجد جماعة تصلي فيشرع له أو يسن له أن يصلي معهم، ولا يجلس في المسجد والناس يصلون؛ لأن هذه الهيئة مستنكرة، ومن يفعلها يساء به الظن، فكون الناس يصلون وهو جالس هذا شيء لا ينبغي. و أورد أبو داود رحمه الله حديث يزيد بن الأسود رضي الله عنه: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في منى في مسجد الخيف في حجة الوداع، فلما فرغ صلى الله عليه وسلم من صلاته وإذا برجلين قد جلسا في ناحية المسجد لم يصليا مع الناس فدعا بهما، أي: طلب أن يأتيا، فأتي بهما ترتعد فرائصهم، يعني: أنهما خشيا وخافا أن يحصل لهما شيء خطير، وكان عليه الصلاة والسلام مهيباً مع رفقه وقربه من الناس وسهولته وحسن خلقه صلى الله عليه وسلم، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يهابونه، كما جاء عن عمرو بن العاص رضي الله عنه في صحيح مسلم أنه قال: إنه ما ملأ عينه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالاً وهيبة له عليه الصلاة والسلام، فهذان الرجلان جيء بهما ترتعد فرائصهما، والفرائص هي في الدابة بين الكتف والجنب، يعني: أنها تتحرك وتضطرب ممن يحصل له خوف وذعر. قوله: (فأتي بهما ترتعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: إنا صلينا في رحالنا) صلاتهما في الرحال يحتمل أن يكون كل واحد صلى وحده، أو أنهما صليا مع بعض، أو أنهما صليا جماعة مع من كان معهما في الخيام؛ لأنهم كانوا ينزلون في منى حجاجاً، ومن المعلوم أن الحجاج يصلون جماعات كثيرة، وكل مجموعة يصلون مع بعض، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يؤم الناس ويصلي بهم في مسجد الخيف فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقوله: (قالا: إنا صلينا في رحالنا) المقصود بالرحل هنا: المنزل. فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تفعلوا) يعني: إذا حصل أنكم صليتم في رحالكما وأتيتما والإمام لم يصل فصليا معه، وهذه الصلاة التي تصليانها تكون نافلة؛ لأن الفريضة هي الأولى، فإذا دخل الوقت وصلى الإنسان الفرض سواء كان وحده أو في جماعة فهذا هو الفرض، وما يأتي بعد ذلك يكون نافلة. والحديث مطلق يدل على أن أي صلاة يمكن أن تعاد بدون استثناء، وبعض أهل العلم استثنى المغرب والفجر والعصر وقال: إن المغرب ثلاثية، والعصر لا يصلى بعدها، والصبح لا يصلى بعدها، لكن الحديث -كما سيأتي في الراوية الثانية- كان في صلاة الصبح، ومعنى هذا: أنه ولو كان وقت نهي فإن هذه مستثناة لأن لها سبب، وهو وجود الجماعة، فدل هذا على أن إعادة الجماعة الثانية بعد صلاة الفجر لا بأس بها؛ لأنه جاء في السنة ما يدل على ذلك، فيكون قوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس) ، يخص منه ماله سبب، وهذه الصلاة هي ذات سبب؛ لأن السبب هو وجود الجماعة، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد هذين الرجلين وأنكر عليهما كونهما كانا جالسين لم يصليا معه الفجر، وأنه كان عليهما أن يدخلا معه في الصلاة. فإذاً: هذا الإرشاد بقوله: (إذا صليتما وأتيتما والإمام لم يصل فصليا معه تكن لكما نافلة) تدخل جميع الصلوات تحت هذا الإطلاق، سواءً كانت بعدها نهي كالصبح والعصر، أو ثلاثية كالمغرب، والحديث جاء في صلاة بعدها وقت نهي، فدل ذلك على استثناء مثل هذه الصلاة من النهي. والحديث فيه أيضاً صلاة المتنفل خلف المفترض كما ذكرنا. تراجم رجال إسناد حديث يزيد بن الأسود في قصة الرجلين اللذين صليا في رحالهما... قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يعلى بن عطاء ]. يعلى بن عطاء ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن جابر بن يزيد بن الأسود ]. جابر بن يزيد بن الأسود صدوق، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيه ]. هو يزيد بن الأسود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و النسائي . طريق أخرى لحديث يزيد بن الأسود في قصة الرجلين اللذين صليا في رحالهما وتراجم رجال إسنادها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد عن أبيه رضي الله عنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بمنى، بمعناه) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه بيان أن تلك الصلاة هي صلاة الصبح، وأنها كانت بمنى، والباقي بمعناه، يعني: بمعنى الحديث المتقدم، ولم يسق لفظه وإنما أحال على الحديث المتقدم، وقال: بمعناه، وأتى بالشيء الجديد، وهو أن الصلاة هي صلاة الصبح، وأنه كان بمنى، يعني: في حجة الوداع. قوله: [ حدثنا ابن معاذ ]. ابن معاذ هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. هو معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد عن أبيه ]. هؤلاء قد مر ذكرهم . شرح حديث: (... إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة حدثنا معن بن عيسى عن سعيد بن السائب عن نوح بن صعصعة عن يزيد بن عامر رضي الله عنه قال: (جئت والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فجلست ولم أدخل معه في الصلاة، قال: فانصرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى يزيد جالساً، فقال: ألم تسلم يا يزيد ؟! قال: بلى يا رسول الله! قد أسلمت، قال: فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟ قال: إني كنت قد صليت في منزلي، وأنا أحسب أن قد صليتم، فقال: إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم، وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة، وهذه مكتوبة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث يزيد بن عامر رضي الله عنه أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وكان قد صلى في منزله، وكان يظن أنهم قد صلوا، فوجدهم يصلون فجلس؛ لأنه قد صلى وأدى ما عليه، ولم يعرف الحكم، ولما انصرف الرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال: (مالك يا يزيد ! ألم تسلم؟) يعني: ألست من المسلمين والمسلم يصلي مع الناس ولا يتأخر عن الصلاة ولا تكون له هيئة تغاير هيئة الناس؟ وهذا فيه أن الذي يكون في المسجد جالساً والناس يصلون أنه يساء به الظن؛ ولهذا أنكر عليه وقال: (ألم تسلم يا يزيد ؟!) أي: كيف تكون جالساً والناس يصلون؟ فقال: يا رسول الله! إني قد صليت في منزلي، وكنت ظننت أنكم قد صليتم، فقال عليه الصلاة والسلام: [ (إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم، وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة) يعني: أن هذه التي أدركتها تكون لك نافلة والسابقة مكتوبة، ويحتمل العكس، وإذا كانت الثانية هي النافلة والأولى هي المكتوبة فلا إشكال؛ لأن هذا مطابق للحديث الذي قد مر؛ ولأن الإنسان عندما يصلي بنية الفرض فصلاته قد أداها ووجد منه أداء الصلاة، فتكون الثانية نافلة، أما أن تكون الثانية هي المكتوبة والأولى هي النافلة فهذا لا يستقيم من جهة أن الإنسان قد صلى الفرض وقد أدى ما عليه. فإذا كان المقصود بالنافلة هي الثانية والمكتوبة هي التي صلاها من قبل فلا إشكال، وهو مطابق للحديث المتقدم، وإن كان العكس فإنه يكون فيه مخالفة للحديث السابق. وهذا الحديث ضعفه بعض أهل العلم، ولو كان صحيحاً فإن ذلك مقدم عليه، لكن كون النافلة هي الثانية والمكتوبة هي الأولى فإن اللفظ محتمل، فيرد المحتمل إلى الواضح الجلي، ويرد المتشابه إلى المحكم، وبذلك تتفق الأحاديث ولا يكون بينها اختلاف، ويكون الحديث يشهد له ما تقدم، فإذا كان المقصود أن الثانية هي النافلة والأولى هي الفريضة فإن الحديث يصح للأحاديث الأخرى التي دلت على ذلك، وإن كان في إسناده من هو متكلم فيه. يتبع
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم ...) قوله: [ حدثنا قتيبة ] . هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ حدثنا معن بن عيسى ]. معن بن عيسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن السائب ]. سعيد بن السائب ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن نوح بن صعصعة ]. نوح بن صعصعة مستور، أخرج له أبو داود . [ عن يزيد بن عامر ]. يزيد بن عامر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود . شرح حديث أبي أيوب: (... ذلك له سهم جمع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح قال: قرأت على ابن وهب قال: أخبرني عمرو عن بكير أنه سمع عفيف بن عمرو بن المسيب يقول: حدثني رجل من بني أسد بن خزيمة أنه سأل أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: (يصلي أحدنا في منزله الصلاة، ثم يأتي المسجد وتقام الصلاة، فأصلي معهم فأجد في نفسي من ذلك شيئاً؟ فقال أبو أيوب : سألنا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ذلك له سهم جمع) ] . أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وفيه أنه قال له رجل: إني أصلي في منزلي، ثم أجد الجماعة فأصلي معهم فيكون في نفسي شيء؟ يعني: من كونه أعاد الصلاة، فقال أبو أيوب رضي الله عنه: (سألنا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ذلك له سهم جمع) ]. يعني: له نصيب من هذه الصلاة التي صلاها مع الجماعة، وفسر بتفسيرات أخرى، لكن هذا هو أقربها. تراجم رجال إسناد حديث أبي أيوب: (... ذلك له سهم جمع) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ قرأت على ابن وهب ]. ابن وهب هو عبد الله المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرني عمرو ]. عمرو هو ابن الحارث المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن بكير ]. هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنه سمع عفيف بن عمرو بن المسيب ] . عفيف بن عمرو بن المسيب مقبول، أخرج له أبو داود. [ حدثني رجل من بني أسد بن خزيمة ]. رجل من بني أسد بن خزيمة مبهم، وهو مجهول، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ أنه سأل أبا أيوب الأنصاري ]. أبو أيوب الأنصاري هو خالد بن زيد رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء فيمن صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد؟ شرح حديث: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد؟]: حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار -يعني: مولى ميمونة - قال: أتيت ابن عمر رضي الله عنهما على البلاط وهم يصلون، فقلت: ألا تصلي معهم؟ قال: قد صليت، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة بعنوان: [باب إذا صلى في جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد؟] يعني: هل يعيد أو لا يعيد؟ وأورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وفيه أن سليمان بن يسار مولى ميمونة قال: أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلون، فقلت: ألا تصلي معهم؟ يعني: أنه كان على البلاط لم يصل وهم يصلون، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين) وهذا ظاهره يخالف ما تقدم من الأحاديث التي فيها أن الإنسان يصلي مع الجماعة مرة ثانية، وتكون له نافلة، والأولى هي الفريضة، وعلى هذا فيحمل ما جاء في حديث ابن عمر على ما إذا كان المقصود أن الإنسان يصليها ويكررها من غير أن يكون لها سبب، أما ما جاء في الأحاديث المتقدمة فهي إعادة الجماعة بسبب، أما أن يصلي الظهر ثم يذهب يصلي الظهر مرة ثانية، ثم يصلي مرة ثالثة، وهكذا فلا، وإنما إذا صلى ثم وجد ناساً يصلون يصلي معهم. فإذاً: تلك التي لها سبب يصليها الإنسان، والأحاديث حيث أمكن التوفيق بينها يوفق بينها، فيقال: إن الصلاة إذا كانت ذات سبب كأن يكون وجد الجماعة تصلي فيصلي معها ولا بأس بذلك، وإن لم يكن هناك سبب و إنما يريد أن يكرر الصلاة فهذا لا يجوز، وليس للإنسان أن يصلي الصلاة مرتين، فلا يصلي الظهر مرتين على أنها فريضة، لكن حيث تكون هناك جماعة وهناك سبب اقتضى ذلك فيصلي، وتكون الأولى هي الفريضة، والثانية هي النافلة، وعلى هذا فالتوفيق بين حديث ابن عمر هذا وبين ما تقدم من الأحاديث محمول على أن المقصود بما في الأحاديث السابقة ما كان له سبب، وهذا على ما ليس له سبب. ومن المعلوم أن هذه جماعة ثانية، لكن لعل ابن عمر لم تبلغه تلك الأحاديث التي فيها أن الجماعة تعاد ولكن لسبب، وعلى أن الثانية نافلة وليست فريضة. تراجم رجال إسناد حديث: (لا تصلوا صلاة في يوم مرتين) قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. هو أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حسين ]. هو حسين بن ذكوان المعلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال: أتيت ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم . ما جاء في جماع الإمامة وفضلها شرح حديث: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في جماع الإمامة وفضلها. حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن حرملة عن أبي علي الهمداني قال: سمعت عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم ،ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم) ] . أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب جماع الإمامة وفضلها]. ويصلح أن يكون: جِماع أو: جُمّاع، والمقصود من ذلك: ما يجمع الأبواب المتعلقة بالإمامة، وهذه طريقة أبي داود رحمة الله عليه؛ فإنه يجمع الأحاديث التي تتعلق بموضوع واحد، ولكن يجعلها تحت أبواب متعددة، مثل ما ذكرنا في كتاب الطهارة أنه لم يجعله كتباً، وإنما جعل للوضوء باباً، ولغسل الجنابة باباً، وللحيض باباً، وجعل كل ما يتعلق بالطهارة كتاباً واحداً، ولم يكرر الكتب، ولكنه جعل كل مجموعات متصلة مع بعض، كالأبواب المتعلقة بغسل الجنابة جعلها مع بعض، والأبواب المتعلقة بالحيض مع بعض، والأبواب المتعلقة بالوضوء مع بعض، وهكذا في الصلاة ذكر أولاً المواقيت، ثم ذكر بناء المساجد وما يتعلق بها وأحكامها، ثم ذكر بعد ذلك ما يتعلق بالجماعة وفضل الجماعة، ثم بعد ذلك ذكر الأذان، ثم ذكر الجماعة وفضلها، ثم ذكر بعد ذلك التشديد في ترك الجماعة، ثم ذكر هنا ما يتعلق بالإمامة، ثم بعد ذلك سيذكر ما يتعلق بما يصلى من اللباس، والسترة وما يتعلق بها والذي يصلى عليه. فهنا عبر بقوله: [جماع الإمامة وفضلها]، يعني: ما يتعلق بالإمامة وما يتعلق بفضلها. وهذا الباب أورد تحته حديثاً عاماً، والأحاديث التي ستأتي في الأبواب القادمة هي أحاديث خاصة محددة معينة، وهنا ذكر حديثاً يجمع شيئاً عاماً في الإمامة، وكذلك في فضل الإمامة. قوله: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم، وإن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم) يعني: أن الخلل والنقص يكون عليه وليس عليهم من النقص شيء، ولكن إن حصل إحسان فهو له ولهم، ومثل ذلك ما جاء في الأحاديث في الأمراء: (يصلون لكم؛ فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم) وكذلك الأثر الذي جاء عن عثمان رضي الله عنه، فقد ذكر البخاري في صحيحه: أنه رضي الله عنه لما حوصر في داره وصار يصلي بالناس واحد من أولئك الذين خرجوا عليه جاءه رجل وقال: يا أمير المؤمنين! إنك إمام عامة، وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة، فماذا تأمرنا؟ فقال: (الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم). وقوله: (يصلون لكم؛ فإن أحسنوا فلكم ولهم) يعني: أن الإحسان مشترك والفضل مشترك، (وإن أساءوا فلكم وعليهم) يعني: لكم الثواب ولكم الأجر وعليهم إثم ما أساءوا وقصروا ونقصوا. أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم) وليس المقصود بذلك الوقت فقط، وإنما كل ما يتعلق بما هو مطلوب في الصلاة، فإن وجد منه إحسان فالإحسان له ولهم، وإن وجد منه نقص وخلل سواء يتعلق بالوقت أو بغيره فعليه ولا عليهم. وقوله: (فعليه ولا عليهم) يعني: أن ذلك النقص عليه هو وليس عليهم منه شيء، بل هم ليس لهم إلا الخير وإن وجدت إساءة فهي تخصه وتقتصر عليه ولا تتعداه إلى غيره. تراجم رجال إسناد حديث: (من أمَّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم ...) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. هو سليمان بن داود المهري المصري أبو الربيع ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب ]. ابن وهب تقدم ذكره ، و يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن حرملة ]. عبد الرحمن بن حرملة صدوق ربما أخطأ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي علي الهمداني ] . أبو علي الهمداني هو ثمامة بن شفي ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قال: سمعت عقبة بن عامر ]. هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. كراهة التدافع على الإمامة شرح حديث: (إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية التدافع على الإمامة. حدثنا هارون بن عباد الأزدي حدثنا مروان حدثتني طلحة أم غراب عن عقيلة امرأة من بني فزارة مولاة لهم عن سلامّة بنت الحر رضي الله عنها أخت خرشة بن الحر الفزاري قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إماماً يصلي بهم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب في كراهية التدافع على الإمامة]، والمقصود من ذلك: أن الناس يجتمعون ثم يريدون من بعضهم أن يصلي بهم. وكل منهم يمتنع؛ إما لعدم معرفته بأحكام الإمامة، أو لما عنده من نقص في ذلك هذا هو المقصود بالتدافع. وقد أورد أبو داود حديث سلامة بنت الحر أخت خرشة بن الحر رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إماماً يصلي بهم) يعني: أن كل واحد يصلي ثم يمضي ولا يتقدم من يصلي بهم إماماً. وقوله: (من أشراط الساعة) أشراط جمع شرط، والشرط هو: العلامة، يعني: أن هذا من علامات الساعة. والحديث غير ثابت؛ لأن فيه مجهولين، ولكن من يكون أقرأ من غيره إذا طلب منه أن يتقدم فعليه أن يتقدم. تراجم رجال إسناد حديث: (إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد ...) قوله: [ حدثنا هارون بن عباد الأزدي ]. هارون بن عباد الأزدي مقبول، أخرج له أبو داود . [ حدثنا مروان ]. هو مروان بن معاوية ثقة يدلس أسماء الشيوخ، وتدليس أسماء الشيوخ هو: أن يذكر شيوخه بصيغ مختلفة، فقد يتوهم أن الشخص الذي يذكره غير معروف مع أنه معروف، وذلك لأنه ذكره بغير ما اشتهر به، وهذا نوع من أنواع التدليس؛ لأن هناك تدليس الشيوخ وتدليس الإسناد، فتدليس الشيوخ ليس فيه سقوط أحد، ولكنه يذكر شيخه بغير ما اشتهر به، كأن يذكر اسمه واسم جده، أو اسمه وكنيته، أو اسم أبيه إذا كان مشهوراً بغير نسبته إلى أبيه، فهذا يسمى تدليس الشيوخ، وكان مروان بن معاوية هذا معروفاً بتدليس الشيوخ، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثتني طلحة أم غراب ] . طلحة أم غراب لا يعرف حالها، أخرج حديثها أبو داود و ابن ماجة . [عن عقيلة امرأة من بني فزارة مولاة لهم ]. عقيلة امرأة من بني فزارة مولاة لهم، يعني: مولاة لبني فزارة، وهي أيضاً لا يعرف حالها، أخرج حديثها أبو داود و ابن ماجة . [ عن سلامة بنت الحر ]. سلامة بنت الحر صحابية، أخرج لها أبو داود و ابن ماجة . والمرأتان اللتان دونها كل منهما لا يعرف حالها، فالحديث غير صحيح. الأسئلة الواجب على المسلم من معرفة الله تعالى السؤال: ما هو حد المعرفة المجملة الصحيحة لله تعالى؟ الجواب: الإنسان يتعلم من أمور دينه ومن العقيدة ما لابد منه، ومن الأشياء التي يمكن أن يقال: إنها تناسب أن تكون جواباً لهذا السؤال أن الإنسان يطلع على كتاب الأصول الثلاثة وأدلتها؛ لأن هذا كتاب مختصر يشتمل على الأمور التي لا بد منها، وهو مبني على أصول ثلاثة هي: معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم التي هي موضوع سؤال القبر، فالإنسان يسأل في قبره عن ربه ودينه ونبيه، وهذا الكتاب الصغير الحجم العظيم النفع العظيم الفائدة يبين هذه الأصول الثلاثة بالأدلة. بيان أن الصلاة في جماعة ثانية أفضل من الصلاة منفرداً السؤال: رجل تطهر في بيته ثم خرج للصلاة في المسجد فوجد الجماعة قد صلوا، ثم أنشأت جماعة ثانية فلم يصل معهم بل صلى منفرداً، فهل يكون له أجر الصلاة مع الجماعة لحديث: (فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك) ؟ الجواب: يرجى له ذلك، لكن كونه يجد أناساً يصلون جماعة عليه أن يصلي معهم؛ لأنه أمكن وجود الجماعة، والإنسان يصلي وحده إذا لم تكن هناك جماعة؛ ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى إيجاد الجماعة، وقال في الذي يصلي وحده: (من يتصدق على هذا فيصلي معه؟) وكونه يصلي مع الناس جماعة خير له وأولى، وإن كان يحصل الأجر بنيته وقصده، وكونه يجد الجماعة ولا يصلي معهم هذا ليس بطيب. حكم لبس المرأة بدلة خاصة ليلة عرسها السؤال: ما الحكم الشرعي فيما جرت عليه عادة النساء في ليلة عرس إحداهن من لبسها بدلة تكون خاصة بتلك المناسبة من كونها بيضاء مزخرفة كبيرة الحجم؟ الجواب: إذا كان ذلك ليس معروفاً عن الكفار، وليس مما اختص به الكفار أو مما جاء عن الكفار فلا بأس بأن تلبس المرأة ما شاءت من أجل التجمل لزوجها، سواء كان في أول ليلة أو في غير ذلك. حكم الصلاة فوق سقف المسجد السؤال: ما حكم صلاة الجماعة فوق سقف المسجد؟ وهل يعتبر هذا داخل المسجد؟ وهل تصح صلاته؟ الجواب: نعم تصح، وأي مانع يمنع من ذلك؟ فالإنسان له أن يصلي في سطح المسجد وفي البدروم إذا كان هناك بدروم تحت المسجد، كل ذلك لا بأس به، وكله يقال له مسجد؛ لأن سقف المسجد مسجد وله حكم المسجد. وقت غسل الجمعة السؤال: هل غسل الجمعة يبتدئ بعد صلاة الفجر أم بعد الإشراق؟ الجواب: سبق أن مر بنا أن أبا داود ذكر أنه إذا طلع الفجر واغتسل الإنسان يوم الجمعة فيجزئه عن غسل الجمعة ولو كان غسله عن جنابة، وهذا يعني أنه يبدأ من طلوع الفجر؛ لأن اليوم يبدأ بالفجر، و أبو داود ذكر هذا من فقهه؛ لأنه أشار إلى ذلك بقوله: إذا اغتسل المرء بعد طلوع الفجر يوم الجمعة أجزأه عن الجمعة ولو كان قد أجنب، يعني: أنه لو أجنب وطلع الفجر وعليه جنابة واغتسل بعد طلوع الفجر فإنه يجزئه عن غسل الجنابة وعن غسل الجمعة. والحاصل: أن وقت غسل الجمعة يبدأ من طلوع الفجر؛ لأن اليوم يبدأ بطلوع الفجر. جواز الهجر إن وجدت المصلحة لذلك السؤال: بعض الناس لا يرون هجر أهل البدع والمعاصي في هذا الوقت، وقالوا: إن ذلك كان في زمن التشريع فقط، فما هو الحق؟ الجواب: ليس بصحيح أن زمن التشريع هو زمن الهجر فقط وبعد ذلك لا يكون هجراً، بل تتبع المصلحة والفائدة في الهجر، فإذا كان يترتب عليه مصلحة وفيه فائدة فينبغي أن يفعل، وهذا في كل وقت وفي كل حين. الموقف مما تتردد فيه النفس السؤال: في الحديث: (الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس) هل هذا لكل شخص، أم لأهل العلم والتقوى؟ الجواب: الإنسان إذا تردد في شيء ونفسه لم تكن مطمئنة إليه فعليه أن يسأل أهل العلم إذا كان ليس بعالم، وأما إذا كان من أهل العلم وكان عنده معرفة وتردد في شيء هل هو سائغ أو غير سائغ؟ وهل هو مباح أو غير مباح؟ فليتركه إذا كان من أهل العلم، وأما إذا كان من غيرهم فعليه أنه يسأل، ولكنه إذا كان هناك شيء ما اطمأنت إليه النفس ولا ارتاح إليه الإنسان، وفيه شيء من المحاذير، فتركه أولى كما جاء في الحديث الذي ذكره النووي في كتاب رياض الصالحين: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس) وفي الحديث الآخر: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). وبعض الناس يمكن أنه يتردد في شيء سائغ لا إشكال فيه، وقد يكون متفقاً عليه، ولكن لجهله لا يعرف الحكم الشرعي فيكون في نفسه منه شيء، وهذا لا عبرة به."
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [080] الحلقة (111) شرح سنن أبي داود [080] لما للإمامة من علو رتبة في الدين فلا يقدم لها إلا من كان يتصف بالعلم في الدين، فيختار لها أقرأ القوم وأعلمهم بالسنة؛ فإن كانوا في ذلك سواء فأكبرهم سناً. من أحق بالإمامة؟ شرح حديث: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من أحق بالإمامة: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة أخبرني إسماعيل بن رجاء سمعت أوس بن ضمعج يحدث عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة، فإن كانوا في القراءة سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سناً، ولا يُؤَمُّ الرجلُ في بيته ولا في سلطانه، ولا يُجلَس على تكرمته إلا بإذنه) قال شعبة : فقلت لإسماعيل : ما تكرمته؟ قال: فراشه ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [ باب من أحق بالإمامة ] يعني: من هو الذي يكون أولى وأحق من غيره بأن يكون إماماً للناس يصلي بهم؟ وقد أورد أبو داود رحمه الله أحاديث تتعلق ببيان من هو الأولى، ومحصلها: أنه يقدم الأقرأ، ثم الأعلم بالسنة، ثم الأقدم هجرة، ثم الأكبر سناً. وقد أورد أبو داود رحمه الله تعالى حديث عقبة بن عمرو الأنصاري البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله). قيل: إن المراد بالأقرأ: هو الذي يكون أكثر حفظاً وأخذاً للقرآن، وقيل: هو الذي يكون أحسن قراءة، وفي الحديث الذي سيأتي بعد هذا الحديث: (ثم أعلمهم بالسنة)، والمراد بذلك: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وبيان الأحكام الشرعية، مثل أحكام الصلاة، والأمور المطلوبة في الصلاة، بحيث يكون على علم بها، ولو حصل له شيء من السهو أو نحوه فإنه يعرف أحكام الصلاة. وقال بعض أهل العلم: إن قوله: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) لا يكون المقصود من ذلك من يكون أكثر حفظاً وإن كان لا يعلم شيئاً من السنة، ولا يعرف شيئاً من الأحكام، حيث إن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يُعنون بكتاب الله عز وجل حفظاً وتدبراً وتأملاً وفقهاً وتعلماً وتعليماً، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عثمان بن عفان كما في البخاري أنه قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه). وجاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (كنا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن لم نتجاوزهن حتى نتعلم معانيهن والعمل بهن، فتعلمنا العلم والعمل جميعاً). ومعنى هذا: أنهم كانوا يُعنون بمعرفة القرآن وما اشتمل عليه القرآن، وكذلك أيضاً العلم بالسنة وبأحكام الشريعة، بل كانوا رضي الله عنهم وأرضاهم يتناوبون في رعاية الإبل وفي العمل في بساتينهم، كما كان يتناوب عمر رضي الله عنه وجاره الأنصاري، وكما جاء عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أنه قال: (كنا نتناوب رعاية الإبل)، فالذين لا يذهبون لرعي الإبل يكونون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء الغائب فإنهم يعلمونه ما تعلموه من النبي صلى الله عليه وسلم. فكانوا يهتمون بالقرآن وبالسنة وبالفقه في الدين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) وعلى هذا: فإن السنة وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا التفصيل، فيقدم الأقرأ إذا كان عالماً بالسنة، وعنده علم بأحكام الصلاة، وأما إذا لم يكن عنده علم بالأحكام وإنما كان مجرد قارئ أو حافظ وليس متمكناً ولا عالماً بأحكام الصلاة، وليس عنده الفقه والعلم، فمن كان عنده شيء من القرآن ولكن عنده الفقه في السنة والعلم بالأحكام الشرعية وبأحكام الصلاة بالذات يقدم على غيره، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر رضي الله عنه مع أن المشهور أن أقرأ الصحابة هو أبي بن كعب ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كلهم كانوا يُعنون بالقراءة وبفهم القرآن وبالعلم بالسنة، فكان أبو بكر رضي الله عنه هو المقدم على غيره في ذلك، وإن كان بعض الصحابة قد اشتهر بالقراءة كأبي بن كعب رضي الله تعالى عنه. ومنهم من قال: إن تقديم النبي صلى الله عليه وسلم إياه فيه إشارة إلى خلافته، وإلى أنه الأحق بالأمر من بعده؛ ولهذا ذكر ذلك عمر رضي الله عنه يوم السقيفة حيث قال: (رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا أفلا نرتضيك لأمر دنيانا؟!) وعلى هذا: فإن الأحق هو الأقرأ إذا كان عنده علم بالسنة وبأحكام الصلاة وبالفقه، ولكنه إذا كان مجرد حافظ وليس عنده علم بالسنة فإن من يكون أقل منه حفظاً وجمعاً للقرآن وهو عالم بالسنة يكون مقدماًً على ذلك الذي هو مجرد حافظ وليس عنده فقه في الدين ولا معرفة بالسنن. قوله: [ (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة) ]. كلمة: (أقدمهم قراءة) هذه جاءت في بعض الروايات، ولكن الذي جاء في بعضها: (أقدمهم هجرة)، وهذا إنما يكون بعد الدرجة الثانية التي هي العلم بالسنة كما جاء ذلك مبيناً في الحديث الذي سيأتي، وهو أيضاً في صحيح مسلم ، فإنه ذكر الترتيب على هذا الوجه العلم بالقراءة، ثم بالسنة، ثم الأقدم هجرة، ثم الأكبر سناً. وكذلك أورده أبو داود بعد ذلك، فتكون القراءة أولاً، ثم السنة ثانياً، ثم الهجرة ثالثاً، ثم التقدم في السن رابعاً. قوله: [ (فإن كانوا في القراءة سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة) ]. وهنا لم يذكر العلم بالسنة، ولعل سبب عدم ذكره: أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يرون أن الاشتغال بالقرآن يكون معه الاشتغال بالسنة، وأنهم كانوا يعنون بالقرآن وبالسنة، وأنهم كانوا لا يتجاوزن العشر الآيات من القرآن إلا بعد أن يتعلموا معانيهن والعمل بهن، فليسوا مجرد قراء يحفظون دون أن يكونوا متفقهين، ودون أن يكونوا فاهمين، ودون أن يكون عندهم علم بالأحكام الشرعية، بل كانوا يحفظون ويتفقهون في الدين، ويعرفون ما تقتضيه الآيات وما جاءت به السنن مما هو تفسير للآيات وبيان لها؛ لأن السنة تفسر القرآن وتبّينه، وتدل عليه وتوضحه. فهذا سبب عدم ذكر السنة، مع أنه قد جاء في الرواية التي بعدها، وقد يكون عدم ذكر السنة حصل من بعض الرواة. قوله: [ (فإن كانوا في القراءة سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة) ]. أي: من كان أسبق في الهجرة والانتقال من بلد الشرك إلى بلاد الإسلام فإنه يكون مقدماً على غيره؛ وذلك لسبقه ولهذا كان المهاجرون رضي الله عنهم وأرضاهم لهم ميزة على غيرهم من الأنصار؛ لأنهم جمعوا بين الهجرة والنصرة، فالأنصار عندهم النصرة فقط وليس عندهم الهجرة، فإذا كانوا مهاجرين فيكون أقدمهم هجرة هو المقدم على غيره في الأحقية بإمامة الناس في الصلاة، فإن كانوا في الهجرة سواء فيقدم أكبرهم سناً، وذلك لاحترام الكبير وتوقيره ما دام أنه مساوٍ لغيره في الأمور السابقة، وإنما حصل تفضيله لأجل السن، حيث يقدم الأكبر، ومعلوم أن تقديم الكبير قد جاءت فيه نصوص كثيرة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول للصغير الذي يريد أن يتحدث قبل الكبير: (كبّر)، يعني: دع الكبير يتكلم قبلك. قوله: [ (ولا يؤم الرجل في بيته) ]. إذا كان الرجل في منزله فهو أحق وأولى بالإمامة من غيره إذا كان عنده علم بأحكام الصلاة، وعنده حفظ شيء من القرآن، ويستطيع أن يؤم الناس ويقرأ القراءة السليمة، فما دام في بيته فهو المقدم، ولكنه إذا قدم غيره فله ذلك، ولا يلزم أن يكون هو الذي يصلي بالناس، ولكن الأحقية هي له. قوله: [ (ولا في سلطانه) ]. يعني: أن الوالي هو الذي يكون الأحق بالإمامة، فهو أحق من غيره حيث يكون أهلاً لذلك، وحيث يكون متمكناً من الإمامة فإنه يكون أولى من غيره ما دام أنه هو السلطان؛ ولهذا كان الولاة هم الذين يتولون الصلاة في الجُمع والجماعات، وكذلك في الأعياد كانوا يؤمون الناس، والأمراء كانوا يتقدمون الناس ويصلون بهم، وقد جاء في الأحاديث ما يتعلق بالصلاة وراء الأمراء، فالوالي هو المقدم على غيره وهو الأحق. قوله: [ (ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) ]. التكرمة: مكان الرجل الذي قد هيأه للجلوس، أو الفراش الذي فُرش، فهو الأحق في وضع الناس بها وإجلاس الناس عليها، فما كل إنسان يأتي ويختار له مكاناً دون أن يكون الرجوع في ذلك إلى صاحب المكان؛ لأنه قد يكون هناك أماكن يريد أن يخص بها بعض الناس، وهذا حقه، فله أن يُقدّم وله أن يؤخر من شاء، فلا يجلس على تكرمته إلا بإذنه؛ لكيلا تكون الأمور فوضى، إلا إذا قال له صاحب البيت: تفضل اجلس في هذا المكان. فإنه يأتي ويجلس في المكان الذي يجلسه فيه. قوله: [ قال شعبة فقلت لإسماعيل : ما تكرمته؟ قال: فراشه ]. التكرمة هي الفراش الذي يتخذه شيئاً ليكرم به من يريد، ويخص به من يخص، والله أعلم. تراجم رجال إسناد حديث: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ...) قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني إسماعيل بن رجاء ]. إسماعيل بن رجاء ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ سمعت أوس بن ضمعج ]. أوس بن ضمعج ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي مسعود البدري ]. هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بكنيته، وقد يحصل التباس بينه وبين ابن مسعود ، فابن مسعود مشهور بنسبته إلى أبيه، وكنيته أبو عبد الرحمن ، وأما عقبة بن عمرو فكنيته أبو مسعود ؛ ولهذا فإن كثيراً من الطبعات التي طبع فيها بلوغ المرام وكذلك شروحه يأتي فيها هذا الحديث الذي معنا، فيكتبون ابن مسعود بدل أبي مسعود . حديث عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه أخرجه أصحاب الكتب الستة. طريق ثانية لحديث: (يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله) وتراجم رجال إسنادها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة بهذا الحديث قال فيه: (ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه: (ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه)، أي: الرجل الذي هو صاحب السلطان لا ينبغي أن يؤمه رجل آخر في مكان سلطانه. قوله: [ حدثنا ابن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. هو معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. أي: حدثهم شعبة بالإسناد المتقدم، وقد مرّ ذكره. [ قال أبو داود : وكذا قال يحيى القطان عن شعبة : (أقدمهم قراءة) ]. يعني: أن هذا الذي جاء عن شعبة قد جاء أيضاً عن يحيى القطان وفيه قال: (أقدمهم قراءة)، وهو كما جاء في الرواية المتقدمة، ولكن الحديث الذي سيأتي فيه أنه لما ذكر السنة قال: (أقدمهم هجرة) ولم يقل: (أقدمهم قراءة)، وإنما الذي فيه أنه قال: (أقدمهم هجرة)، هو المناسب، بخلاف قوله: (أقدمهم قراءة)، فإنها مع قولة: (أقرؤهم لكتاب الله) بينهما شيء من التماثل أو التداخل. فالذي يبدو أن الصواب: (أقدمهم هجرة)، وليس: (أقدمهم قراءة)، ولكن ذكر القراءة معناه: أن يكون الإمام أسبق في القراءة، وعلى هذا فقد يكون الأقدم قراءة هو الأصغر سناً، لكن أغلب الروايات فيها: (أقدمهم هجرة) كما جاء في صحيح مسلم ، وليس فيه ذكر الأقدم في القراءة، وكذلك عند أبي داود كما سيأتي. قوله: [ وكذا قال يحيى القطان ]. هو يحيى بن سيعد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. طريق ثالثة لحديث: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ...) وتراجم رجال إسنادها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الله بن نمير عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج الحضرمي قال: سمعت أبا مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث قال (فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة) ولم يقل: (فأقدمهم قراءة) ]. يعني: أن هذه رواية ثانية ليس فيها ذكر: (وأقدمهم قراءة) ولكن فيها ذكر السنة قبل الهجرة وبعد القراءة، وفي صحيح مسلم هذا الترتيب، وفيه بعد ذلك: (فأكبرهم سناً). وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عقبة بن عمرو من طريق أخرى، وفيه ذكر الأقدم قراءة ثم الأعلم بالسنة، ثم من يكون أقدم هجرة، ولم يقل: (أقدمهم قراءة) والحديث سبق أن مرت الإشارة إليه. [ قال أبو داود : رواه حجاج بن أرطأة عن إسماعيل قال: (ولا تقعد على تكرمة أحد إلا بإذنه) ]. ثم ذكر أبو داود رحمه الله الحديث من طريق الحجاج بن أرطأة عن إسماعيل أنه قال: (ولا تقعد على تكرمة أحد إلا بإذنه)، يعني: أنه نهى الرجل أن يقعد على تكرمة أحد إلا بأن يأذن له في أن يجلس في المكان المتميز أو المكان الذي قد يكون خصصه له أو لأحد من الناس، فله أن يقدم و يؤخر في فراشه وفي المكان الذي هيأه لإكرام الناس من يشاء. قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الله بن نمير ]. عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج الحضرمي قال: سمعت أبا مسعود ]. إسماعيل بن رجاء و أوس بن ضمعج و أبو مسعود قد مر ذكرهم. وقوله: [ قال أبو داود : رواه حجاج بن أرطأة ]. الحجاج بن أرطأة صدوق كثير الأخطاء والتدليس، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. يتبع
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث عمرو بن سلمة في قصة إمامته بقومه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا أيوب عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: (كنا بحاضر يمر بنا الناس إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رجعوا مروا بنا فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كذا وكذا، وكنت غلاماً حافظاً، فحفظت من ذلك قرآناً كثيراً، فانطلق أبي وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه، فعلمهم الصلاة، فقال: يأمكم أقرؤكم. وكنت أقرأهم لما كنت أحفظ، فقدموني، فكنت أؤمهم وعلى بردة لي صغيرة صفراء، فكنت إذا سجدت تكشفت عني، فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم، فاشتروا لي قميصاً عمانياً، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله عنه، وفيه أنهم كانوا في مكان على ممر طريق الناس الذين يذهبون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويرجعون، وعندما يرجع الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو ممن يستقبلهم، فكان يتعلم القرآن من هؤلاء الذين يمرون بهذا الماء وبهذا المكان. وذكر هنا أن أباه وجماعة من قومه ذهبوا وافدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في بعض الروايات: أنه ذهب مع أبيه، وأنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهم، وكان مما علمهم أنه يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله، فنظروا وإذا عمرو بن سلمة هو أكثرهم حفظاً وأكثرهم قراءة، فقدموه إماماً لهم وعمره سبع أو ثمان سنوات، وكان رضي الله عنه عليه بردة إذا تكشفت ظهر شيء من عورته، وجاء في البخاري أنها كانت تنحسر لضيقها أو لصغرها، فكانت تتقلص فتبدوا عورته، وفي بعض الروايات أنه كان فيها فتق، وكانت موصلة، يعني: ليست قطعة واحدة، وإنما هي قطع خيط بعضها ببعض، فكان عندما يسجد يظهر شيء من عورته، فقالت امرأة: واروا عنا سوءة قارئكم، فاشتروا له قميصاً عمانياً، يعني: مصنوع في عمان، وهي من بلاد البحرين أو قريبة من البحرين، قال: فما فرحت بشيء بعد الإسلام أشد مني فرحاً بهذا القميص. وقيل: إن السبب في فرحة أنه كان قبل ذلك غير مرتاح إلى ذلك اللباس الذي عليه، لضيقه ولعدم كماله، ولكونه يحتاج إلى أنه يمسكه حتى لا يسقط. وقيل: إن سبب فرحه لكونه كان صغيراً، والصغار يفرحون بالألبسة الجديدة، وقيل غير ذلك، وقد يكون فرحه من جهة كونه ساتراً سالماً مما كان يحصل من ذلك اللباس الأول الذي كان فيه ذلك الفتق أو كان فيه ذلك الصغر الذي ينحسر وتبدو العورة، قد يكون هذا هو أقرب الأسباب في كونه فرح بذلك. وقوله: (فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع أو ثمان سنين) قالوا: وهذا فيه دليل على إمامة الصبي المميز، أي: أنه يؤم الناس إذا كان أحفظ من غيره، وإذا كان أعلم من غيره فإنه يقدم على غيره في الإمامة، وبعض أهل العلم قال بجواز ذلك مطلقاً في الفرائض والنوافل استناداً إلى هذا الحديث، وبعضهم خصصه بالنوافل دون الفرائض، وبعضهم لم يجز ذلك. وفي إمامة الصبي للناس دليل على ائتمام المفترض بالمتنفل؛ لأن الصغير صلاته نافلة؛ لأنه ليس مكلفاً وليس من أهل التكليف؛ وحجه لو حج قبل البلوغ يكون نافلة، وإذا بلغ فإنه يحج حجة الإسلام، ولا تغنيه تلك الحجة التي حجها في حال صغره وقبل بلوغه. فهذا من الأدلة التي يستدل بها على ائتمام المفترض بالمتنفل، ومن ذلك أيضاً حديث معاذ رضي الله عنه في قصه صلاته بقومه صلاة العشاء كما سيأتي، أي: أنه كان يصلي بهم صلاة العشاء وهو متنفل وهم مفترضون، وهذا الحديث الذي هنا هو مثل ما جاء في حديث معاذ في أن المفترض يصلي خلف المتنفل. والحديث دليل على أن الصبي المميز إذا كان أعلم من غيره أو كان مقدماً على غيره في القراءة والعلم أنه يقدم في الصلاة، وأن إمامته صحيحة. عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: (كنا بحاضر) ]. يعني: في مكان يقيمون فيه يقال له: حاضرة أو حاضر، وقد جاء في بعض الروايات: أنهم كانوا على ماء يمر به الناس. وقوله: [ (كنا بحاضر يمر بنا الناس إذا أتوا) ]. يعني: إذا أتوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: [ (إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا مروا بنا فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كذا وكذا وكنت غلاماً حافظاً) ]. يعني: أنه كان يستقبلهم، وكانوا يخبرونه بما تلقوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحفظه من يحفظ، وكان هذا الغلام حافظاً وحريصاً، فكان يأخذ منهم، فحفظ قرآناً كثيراً كما جاء عنه أنه قال: حفظت قرآناً كثيراًً؛ أي: بسبب هذا التلقي للركبان الذين كانوا يأتون من عند النبي صلى الله عليه وسلم مارين بمائهم الذي هم فيه. قوله: [ (فانطلق أبي وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه فعلمهم الصلاة) ]. وجاء في بعض الروايات أنه وفد مع أبيه؛ ولهذا قالوا عنه: إنه صحابي صغير؛ لأنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: [ (فعلمهم الصلاة فقال: يؤمكم أقرؤكم وكنت أقرأهم لما كنت أحفظ، فقدموني فكنت أؤمهم وعلي بردة لي صغيرة صفراء) ]. ذكرها هنا أنها صغيرة، وجاء في بعض الروايات أنها كانت موصلة، يعني: ليست قطعة واحدة، وإنما كانت مخيطة قطعة مع قطعة، وهذا يدل على ما كانوا عليه من الحاجة ومن قلة ذات اليد. وقوله: [ (فكنت إذا سجدت تكشفت عني) ]. يعني: يحصل انحسارها، كمن كان عليه إزار، والإزار قد يكون قصيراً فيتكشف لابسه، وذلك لا يؤثر في الصلاة ما دام أن هذه ضرورة، وأنه انكشاف غير مقصود، وأن ذلك الانكشاف يزول بجر القميص أو جر الإزار. قوله: [ (فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم) ]. يعني: غطوها، فاشتروا له قميصاً. قوله: [ (فاشتروا لي قميصاً عمانياً، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين) ]. تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن سلمة في قصة إمامته بقومه قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. [ أخبرنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن سلمة ]. هو عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله تعالى عنه صحابي صغير، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي. والحديث أخرجه البخاري. طريق ثانية لحديث عمرو بن سلمة في قصة إمامته بقومه، وتراجم رجال إسنادها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي حدثنا زهير حدثنا عاصم الأحول عن عمرو بن سلمة بهذا الخبر قال: (فكنت أؤمهم في بردة موصلة فيها فتق، فكنت إذا سجدت خرجت استي) ]. هذا يفيد بأن تلك البردة مع كونها صغيرة -كما في الحديث السابق- فهي أيضاً كانت موصلة، يعني: أنها قطع خيط بعضها مع بعض، وكان فيها فتق، يعني: ثقب، فكان تبدو عورته أو شيء من عورته من هذا الفتق أو من أسفل هذه البردة، كما جاء في البخاري أنه كان إذا سجد تقلصت، يعني: انكمشت لضيقها. قوله: [ حدثنا النفيلي ]. النفيلي هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عاصم الأحول ] هو عاصم بن سليمان الأحول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن سلمة ]. هو عمرو بن سلمة قد مر ذكره. طريق ثالثة لحديث عمرو بن سلمة في قصة إمامته بقومه، وتراجم رجال إسنادها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة حدثنا وكيع عن مسعر بن حبيب الجرمي حدثنا عمرو بن سلمة عن أبيه رضي الله عنهما: (أنهم وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أرادوا أن ينصرفوا قالوا: يا رسول الله! من يؤمنا؟ قال: أكثركم جمعاً للقرآن أو أخذاً للقرآن، قال: فلم يكن أحداً من القوم جمع ما جمعته، قال: فقدموني وأنا غلام وعلي شملة لي، فما شهدت مجمعاً من جرم إلا كنت إمامهم، وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومي هذا). قال: أبو داود : ورواه يزيد بن هارون عن مسعر بن حبيب الجرمي عن عمرو بن سلمة أنه قال: (لما وفد قومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم) لم يقل: عن أبيه ]. أورد أبو داود الحديث عن عمرو بن سلمة الجرمي من طريق أخرى، وفي بعض الطرق أنه قال: عن أبيه، وفي بعضها: أنه لم يقل: عن أبيه، وإنما ذكر الرواية عن نفسه، والذي في البخاري أنها عنه لا عن أبيه، وما ذكر عن أبيه إلا في بعض الطرق، وهذه الطريق التي ذكرها أبو داود فيها أنه عن أبيه، وأيضاً جاء من هذه الطريق التي هي عن مسعر بن حبيب الجرمي أنه لم يقل فيها: عن أبيه، وإنما عن عمرو بن سلمة نفسه، وأكثر الروايات التي في البخاري وفي غيره عنه لا عن أبيه. وقوله: [ (أنهم وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما أردوا أن ينصرفوا قالوا: يا رسول الله! من يؤمنا؟ قال: أكثركم جمعاً للقرآن أو أخذاً للقرآن. فلم يكن أحد من القوم جمع ما جمعته، قال: فقدموني وأنا غلام وعلي شملة لي) ]. الشملة هي البردة التي تقدم وصفها. وقوله: [ (فما شهدت مجمعاً من جرم إلا كنت إمامهم) ]. وهذا فيه أنه كان إمامهم في الفرائض والنوافل؛ لأنه قال: (ما شهدت مجمعاً من جرم إلا كنت إمامهم) أي: أنه كان يؤمهم دائماً. وقوله: [ (وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومي هذا) ]. أي: كان يصلي بهم الفرائض ويصلي على جنائزهم. تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن سلمة من طريق رابعة قوله: [ حدثنا قتيبة ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسعر بن حبيب الجرمي ]. هو مسعر بن حبيب الجرمي ثقة، أخرج له أبو داود. [ حدثنا عمرو بن سلمة عن أبيه ]. عمرو بن سلمة قد مر ذكره، وأبوه هو سلمة بكسر اللام ابن قيس ويقال: نفيع ، ويقال غير ذلك الجرمي البصري صحابي له وفادة، وهو والد عمرو ، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . وقوله: [ قال أبو داود : ورواه يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسعر بن حبيب عن عمرو بن سلمة ... لم يقل فيه: عن أبيه ]. مسعر بن حبيب و عمرو بن سلمة مر ذكرهما. حكم إمامة الصبي غير المحتلم في الجمعة ذكر بعضهم أن الشافعي رحمه الله يقول: يؤم الصبي غير المحتلم إذا عقل الصلاة إلا في الجمعة. وأنا لا أعلم شيئاً يخصصها، بل الجمعة وغير الجمعة كلها سواء؛ ولهذا قال: (ما شهدت جمعاً إلا كنت إمامهم). شرح أثر ابن عمر: (لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العصبة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي حدثنا أنس -يعني: ابن عياض - ح وحدثنا الهيثم بن خالد الجهني المعنى حدثنا ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العصبة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه، وكان أكثرهم قرآناً). زاد الهيثم : (وفيهم عمر بن الخطاب و أبو سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنهما). أورد أبو داود رحمه الله أثر ابن عمر رضي الله تعالي عنهما أن المهاجرين الأولين لما قدموا المدينة نزلو العصبة أو العصبة بضم العين وقيل بفتحها وقيل بسكون الصاد، وهي مكان في المدينة في جهة قباء. وقوله: (قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم). يعني: أن هؤلاء هاجروا أولاً، وتقدموا الرسول صلى الله عليه وسلم. وقوله: [ (فكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآناً) ]. وسبب إمامته بهم أنه كان أكثرهم قرآناً، وهذا فيه دليل على تقديم الأقرأ، ومن المعلوم أن الأقرأ عند الصحابة هو الذي يكون أقرأ وأعلم بالسنة، يعني: عنده قراءة وعلماً ليس مجرد قراءة فقط دون أن يكون عنده علم. وقوله: [ زاد الهيثم : (وفيهم عمر بن الخطاب و أبو سلمة بن عبد الأسد ) ]. الهيثم هو ابن خالد . والمقصود أنه كان مولى، ومع هذا كان يؤمهم وفيهم من هو من مشهوري الصحابة ومن أهل الأنساب فيهم، ولكن كان يؤمهم وهو مولى لأنه كان أقرأهم لكتاب الله عز وجل، ومثل هذا ما جاء في صحيح مسلم في قصة ابن أبزى الذي خلفه أميراً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه على مكة، فلقي عمر رضي الله عنه ذلك الأمير فسأله: من وليت على أهل مكه؟ قال: وليت عليهم ابن أبزى ، قال: ومن ابن أبزى ؟ قال: رجل من الموالي؟! قال: وليت عليهم مولى؟! قال إنه عالم بكتاب الله عارف بالفرائض، فعند ذلك قال عمر : قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين). تراجم رجال إسناد أثر ابن عمر: (لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العصبة ...) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا أنس يعني ابن عياض ]. أنس بن عياض ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا الهيثم بن خالد الجهني ]. الهيثم بن خالد الجهني ثقة، أخرج حديثه أبو داود . [ المعنى ]. يعني: أن الشيخين روايتهم متفقة في المعنى وإن اختلفت في اللفظ. [ حدثنا ابن نمير ]. عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (إذا حضرت الصلاة فأذنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما سناً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل ح وحدثنا مسدد حدثنا مسلمة بن محمد المعنى واحد عن خالد عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أو لصاحب له: (إذا حضرت الصلاة فأذنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركم سناً) وفي حديث مسلمة قال: (وكنا يومئذٍ متقاربين في العلم) وقال في حديث إسماعيل : قال خالد قلت لأبي قلابة : فأين القرآن؟ قال: إنهما كانا متقاربين ]. أورد أبو داود حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه أنه جاء مع صاحب له إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما أرادوا الانصراف قال لهما صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما)، يعني: أنه أمرهما بأن يوجد فيهما الأذان، وذلك بأن يؤذن واحد منهما، وليس معناه أنهم كلهم يؤذنون، إلا أن يكون المقصود أن واحداً يؤذن والثاني يتابعه، يعني: يقول مثل ما يقول، فتكون الإضافة إليهما جميعاً لاعتبار أن واحداً يؤذن وواحداً يتابعه ويقول مثل ما يقول، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا سمتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن). فقوله: (أذنا) يعني: يؤذن واحد منكم وليس كلكم تؤذنون؛ لأن الذي يؤذن هو واحد وليس الكل، فما دام أنهم مع بعض وأنهم رفقاء بعضهم مع بعض فيؤذن واحد منهم، ويمكن أن التثنية المقصود بها أنه يوجد الأذان، أو أن واحداً يؤذن والثاني يجيبه ويقول مثل ما يقول. وقوله: (ثم أقيما) أي: واحد يقيم والثاني يجيبه، قالوا: وهذا مما يستدل به على أن الإقامة مثل الأذان يجاب فيها المؤذن كما يجاب في الأذان؛ لأنها كلها ذكر لله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن) فيتابع في الأذان ويتابع في الإقامة، وعلى هذا فيقال في قوله: (ثم أقيما) ما قيل في قوله: (أذنا) يعني: يؤذن واحد منكم ويقيم، واحد منكم، أو واحد يؤذن والثاني يتابعه وواحد يقيم والثاني يتابعه. وقوله: (ثم ليؤمكما أكبركما سناً) هذا ليس فيه تعرض لكثرة القراءة، ولا للعلم بالسنة، قيل: لعل السبب في ذلك أن هذه قضية خاصة في اثنين، وكانا قد تعلما من الرسول صلى الله عليه وسلم سوياً، والرسول يعرف بأنهم متساويان، ولهذا أرشد إلى تقديم الأكبر، ومعنى هذا: أن القراءة هي المقدمة، والعلم بالسنة مقدم، والهجرة مقدمة، ولكن هذين الاثنين لعل حالهما كانت متفقة أو متماثلة، والرسول صلى الله عليه وسلم يعرف ما عندهما، وقد جاءا إليه وتعلما منه ثم ذهبا إلى قومهما فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم ما قال. وقوله: [ وفي حديث مسلمة قال: (وكنا يومئذ متقاربين في العلم) ]. يعني: أن هذا هو السبب الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقدم أكبرهما، وقيل: إن هذا فيه إدراج. وقوله: [ وقال في حديث إسماعيل : قال خالد : قلت لأبي قلابة : فأين القرآن؟ قال: إنهما كانا متقاربين ]. يعني: أنه ما ذكر يؤمهم أقرؤهم كما جاء في الأحاديث الأخرى، والسبب أنهما كانا متقاربين، فمن أجل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ليؤمكما أكبركما سناً). تراجم رجال إسناد حديث: (إذا حضرت الصلاة فأذنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما سناً) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بابن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا مسدد حدثنا مسلمة بن محمد ]. مسلمة بن محمد لين الحديث، أخرج له أبو داود . [ المعنى واحد عن خالد ]. هو خالد بن مهران المشهور بالحذاء أو الملقب الحذاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مالك بن الحويرث ]. مالك بن الحويرث رضي الله عنه وأرضاه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم قراؤكم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا حسين بن عيسى الحنفي حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم قراؤكم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم قراؤكم). وقوله: (ليؤذن لكم خياركم) يعني: من يكونوا ذا أمانة وفضل؛ وذلك أن الأذان مسئولية ويترتب عليه أحكام ومن ذلك دخول الوقت، وكون الناس يصلون في الوقت يحتاج إلى أمانة، وكذلك أيضاً يترتب عليه الإفطار والإمساك عند أذان الفجر، وعند أذان المغرب، وكل ذلك أمانة؛ ولهذا قال: (خياركم) وقال: (وليؤمكم قراؤكم) يعني: من يكونوا أقرأ، وهذا مطابق لقوله: (أقرؤكم لكتاب الله) الذي تقدم في الأحاديث السابقة. تراجم رجال إسناد حديث: (ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم قراؤكم) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا حسين بن عيسى الحنفي ]. حسين بن عيسى الحنفي ضعيف، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا الحكم بن أبان ]. الحكم بن أبان صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث في إسناده حسين بن عيسى وهو ضعيف."
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [081] الحلقة (112) شرح سنن أبي داود [081] لصلاة الجماعة فضل عظيم، وهي تقتضي إماماً ومؤتمين، وتستدعي أحكاماً يحتاج إليها المؤمنين، وأحكام الإمامة قد جاءت مبينة في كثير من الآثار النبوية، التي أوضحت من تجوز خلفه الصلاة ومن أحق بالإمامة، وهل تؤم المرأة غيرها، ونحو ذلك من الأحكام. ما جاء في إمامة النساء شرح حديث أم ورقة في إمامتها أهل دارها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إمامة النساء: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع حدثتني جدّتي و عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم ورقة بنت نوفل رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدراً، قالت: قلت له: يا رسول الله! ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم؛ لعل الله أن يرزقني شهادة، قال: قري في بيتكي، فإن الله تعالى يرزقك الشهادة. قال: فكانت تسمى الشهيدة، قال: وكانت قد قرأت القرآن، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذناً، فأذن لها، قال: وكانت قد دبرت غلاماً لها وجارية، فقاما إليها بالليل فغماها بقطيفة لها حتى ماتت، وذهبا، فأصبح عمر فقام في الناس فقال: من كان عنده من هذين علم أو من رآهما فليجئ بهما، فأمر بهما فصلبا، فكانا أول مصلوب في المدينة). حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي حدثنا محمد بن فضيل عن الوليد بن جميع عن عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث رضي الله عنها بهذا الحديث والأول أتم قال: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها) قال عبد الرحمن : فأنا رأيت مؤذنها شيخاً كبيراً. ]. أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: [باب في إمامة النساء]، يعني: كون النساء يصلين جماعة ويؤم بعضهن بعضاً. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أم ورقة بنت الحارث بن عبد الله وفي الطريق الأولى بنت الحارث بن نوفل أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تذهب معه في الغزو تمرض المرضى، فأمرها بأن تقر في دارها، وأخبرها أن الله تعالى سيرزقها الشهادة، فكان يقال لها: الشهيدة، وكانت دبرت غلاماً لها وجارية، أي: علقت عتقهما بوفاتها، وذلك بأن قالت: هما أحرار بعد موتي، وهذا هو التدبير، فالتدبير هو: تعليق العتق بالموت، والمدبر هو: الذي علق السيد عتقه بموته، فيكون في حياته في ملكه، وعندما يموت فإنه يعتق، ولكن في حدود الثلث؛ لأن الإنسان ليس له أن يكون له من ماله بعد موته إلا ما كان في حدود الثلث، ولكن هذا الغلام والجارية استعجلا موتها، فتسببا في موتها من أجل أن يحصل لهما العتق، فغماها في قطيفة، يعني: كتما أنفاسها بأن لفا قطيفة على رأسها فماتت بسبب ذلك، ثم إنهما هربا، فأمر عمر رضي الله عنه من وجدهما أن يحضرهما، فوجدا فصلبا، فكانا أول مصلوب في المدينة، وكانت استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤم أهل دارها، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وأن تتخذ مؤذناً، وكان ذلك المؤذن شيخاً كبيراً. وهذا الحديث يدل على إمامة المرأة للنساء وصلاتها للنساء، وقد جاءت روايات وآثار متعددة عن ابن عباس وعائشة وأم سلمة أن إمامة النساء تقف وسطهن، يعني: لا تتقدم عليهن. فالحديث يدل على إمامة المرأة للنساء ، ويدل أيضاً على اتخاذ المؤذن في ذلك، ولكن الحديث فيه من تكلم فيه بسبب الجهالة، وهو عبد الرحمن بن خلاد وكذلك جده الوليد بن عبد الله بن جميع، لكن ذكر الحافظ في بلوغ المرام أن ابن خزيمة صححه، والحديث صححه أيضاً الشيخ الألباني ، ولكن الحديث في إسناده ذلك الشخص الذي تكلم فيه وهو عبد الرحمن بن خلاد وقد قال عنه الحافظ في التقريب: مجهول، فلا أدري ما وجه تصحيح هذا الحديث وفي سنده هذا الرجل المجهول، ولكن الحديث إذا صح فإنه يدل على إمامة النساء، والآثار التي وردت تدل على أن المرأة تؤم النساء ، ولكن الإشكال هو في اتخاذ المؤذن؛ لأن كون المرأة تؤم النساء وتقف في وسطهن قد جاء ذلك عن ابن عباس في مصنف عبد الرزاق ، وكذلك جاء عن أم سلمة و عائشة أن المرأة تصلي بالنساء وتقف وسطهن. لكن اتخاذ المؤذن ووجود الأذان في البيت، وأن هذا الذي يؤذن لا أدري هل يصلي وراء المرأة، أو يصلي مع النساء أو الرجال يصلون مع النساء، والأصل أن الرجال هم الذين يؤمون النساء والنساء لا تؤم الرجال، ففيه إشكال، ولا أدري ما وجه تصحيحه، وأما قضية إمامة المرأة للنساء فهذه قد جاء عن ابن عباس وعن غيره ما يدل عليه. تراجم رجال إسناد حديث أم ورقة في إمامتها أهل دارها قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا وكيع بن الجراح ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع ]. الوليد بن عبد الله بن جميع صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثتني جدتي ]. جدته هي ليلى بنت مالك لا تعرف، أخرج لها أبو داود. [ وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري ]. عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري مجهول الحال، أخرج له أبو داود وحده. [ عن أم ورقة بنت نوفل ]. أم ورقة بنت نوفل أو بنت الحارث بن عبد الله صحابية، أخرج حديثها أبو داود وحده. وهذا الإسناد فيه مجهولان في طبقة واحدة، والطريق الثانية فيها عبد الرحمن بن خلاد وحده. وقوله: [ حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي ]. الحسن بن حماد الحضرمي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ حدثنا محمد بن فضيل ]. هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الوليد بن جميع عن عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث ]. هؤلاء قد مر ذكرهم. ما جاء في الرجل يؤم القوم وهم له كارهون شرح حديث: (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون: حدثنا القعنبي حدثنا عبد الله بن عمر بن غانم عن عبد الرحمن بن زياد عن عمران بن عبد المعافري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة: من تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دباراً -والدبار: أن يأتيها بعد أن تفوته- ورجل اعتبد محررة) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: [باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون]. وهذا ورد فيه هذا الوعيد محمول على ما إذا كانت الكراهية من أجل الدين، وأنه تقدم من غير اختيارهم أو فرض عليهم، أما إذا كان من أجل شيء في النفوس بينهم وبينه، أو بين بعضهم وبينه فإن هذا لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر إذا كان من أجل الدين، ومن أجل عدم ارتياح إليه في دينه؛ لكونه يتصف بفسق أو ببدعة أو ما إلى ذلك، فهذا هو الذي له هذا الذنب، وأما إذا كان من أجل شحناء و عداوة دنيوية وليس لها أساس من الدين وليست مبنية على دين فإن هذا لا يؤثر. وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة: رجل تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دباراً)، أي أنه يكون من عادته أنه يتخلف عن الصلاة ولا يأتي إلى المسجد إلا إذا فرغ الناس، فيأتي ليصلي وحده، ويمكن أن يكون ذلك إما كسلاً أو لكونه لا يريد أن يصلي مع الجماعة، وكل هذا مذموم، فالدبار فسر بأنه يأتيها متأخراً ويكون ذلك من عادته، أما أن يحصل ذلك منه في بعض الأحيان فهذا لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر هو أن يكون من عادته أنه يتهاون في شأن الصلاة، أو أنه لا يريد أن يصلي مع الجماعة، بل يريد أن يصلي في المسجد وحده، بحيث لا يصلي وراء الإمام أو مع تلك الجماعة القائمة. وقد ذكرنا فيما مضى أن وجود جماعة ثانية لا يجوز إذا كان المقصود منه عدم الصلاة مع الجماعة الأولى أو متابعة الجماعة الأولى، وأن المقصود هو الانفراد عنهم، وأما إذا كان ذلك ليس مقصوداً وإنما كان يريد أن يصلي في المسجد ولكنه فاتته الصلاة، وكان يريد ألا تفوته، فهذا يمكن أن يصلي معه غيره سواء كان عن طريق الصدقة بأن يصلى معه بعض من صلى، أو أن يكونوا اثنين فأكثر ويصلون جماعة ثانية، كل ذلك لا بأس به. والحاصل: أن من يأتي الصلاة دباراً هو الذي من عادته أن يتأخر عن الصلاة بحيث يأتي بعدما يصلي الناس. وقيل: إن المقصود بذلك الذي يأتيها في آخر وقتها ويؤخرها حتى يخرج وقتها، أو يؤخرها بحيث يكاد وقتها يخرج فيكون في ذلك تفريط. وقوله: (ورجل اعتبد محرره) وفي بعض نسخ أبي داود : (محررة) وكلمة (محررة) ليس المقصود بها المرأة فقط، وإنما المقصود: النسمة أو النفس، فيشمل العبيد والإماء، الذكور والإناث. وقوله: (محرره) الضمير يرجع إلى المعتق وليس تاء التأنيث، وإنما هو هاء الضمير مضاف ومضاف إليه، واعتباده محرره يكون بأن يعتقه ويكتم عتقه، أو يعتقه ثم ينكر عتقه ، أو يعتقه ولكنه يتسلط عليه ويجبره بأن يخدمه ويستخدمه، فيكون في ذلك كله استعباد المحرر، بمعنى أنه يعتقه ويكتم عتقه، أو أنه أعتقه وأنكر أنه أعتقه، أو أنه استخدمه بالقوة والقهر والغلبة والقسر، وكل هذه أمور محرمة. والحديث فيه من تكلم فيه، والشيخ الألباني قال: إنه ضعيف إلا الشطر الأول منه، وهو قوله: (من أم قوماً وهم له كارهون) ولكن لا شك أن هؤلاء كلهم مذمومون، سواء الذي اعتبد المحرر، أو الذي أتى الصلاة دباراً، أو الذي أمَّ قوماً وهم له كارهون. وقوله: (لا يقبل الله صلاة) يعني: أنه لا تقبل له تلك الصلاة التي يصليها، بمعنى: أنه يحرم أجرها أو يحرم ثواب تلك الإمامة أو الجماعة التي صلاها، وهذا بالنسبة لمن صلى وأم الناس، وأما ذاك الذي أتى دباراً واعتبد محرره، فظاهره أنها لا تقبل، ولكن الحديث غير صحيح، ولا أدري ما وجه تصحيح القسم الأول منه، فيمكن أن يكون التصحيح لشواهد ولأمور أخرى خارجة عما جاء في الحديث، وإلا فإن الحديث طريقه واحدة، إلا أن القسم الأول يمكن أنه صحح لشيء من الشواهد والأمور الأخرى التي هي غير هذا الحديث، ولعل الألباني صححه من أجل هذا. تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة ...) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد الله بن عمر بن غانم ]. عبد الله بن عمر بن غانم وثقه ابن يونس وغيره، وأخرج حديثه أبو داود وحده. [ عن عبد الرحمن بن زياد ]. هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعيف، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عمران بن عبد المعافري ]. عمران بن عبد المعافري ضعيف أيضاً، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه ضعيفان يروي أحدهما عن الآخر. ما جاء في إمامة البر والفاجر شرح حديث: (الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إمامة البر والفاجر. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً، وإن عمل الكبائر) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب إمامة البر والفاجر]، وإمامة البر هي الأصل، وإمامة الفاجر على خلاف الأصل، والمقصود هنا: ما حكم إمامة الفاسق؟ هل تسوغ أو لا تسوغ؟ والجواب: أن الحديث الذي ورد في هذا ضعيف، ووردت أحاديث أيضاً ضعيفة تتعلق بإمامة الفاجر، ولكن الذي ورد في الإمامة فيما يتعلق بأئمة الجور، حيث جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم) و عثمان بن عفان رضي الله عنه لما حصر في داره وصار يصلى بالناس رجل من الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه، فجاءه رجل وقال: يا أمير المؤمنين! إنك إمام عامة وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة فماذا تأمرنا؟ قال: (يابن أخي! الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم) وهذا الأثر أخرجه البخاري في صحيحه، حيث بوب: [باب إمامة المفتون والمبتدع]، وأورد هذا الأثر عن عثمان . والأحاديث التي فيها التنصيص على البر والفاجر ضعيفة، لكن الأصل عند العلماء أن من صحت صلاته صحت إمامته، فمن كان مسلماً وصلاته صحيحة فتصح إمامته، بمعنى: أن الإنسان لا يعيد الصلاة. ومن يكون فاسقاً أو مبتدعاً بدعة غير مكفرة لا يجوز أن يقدم في الصلاة أو أن يختار لإمامة الناس، ولكنه لو تقدم أو حصل أنه تقدم وصلى الناس وراءه فلا يعيدون الصلاة، وصلاتهم صحيحة؛ لأنه هو نفسه صلاته صحيحة ما دام أنه مسلم ولم يصل إلى حد الكفر. فمن صحت صلاته صحت إمامته، ولكنه لا يختار ليكون إماماً من يكون فاسقاً، وإنما الشأن فيما إذا وجدت الصلاة، أو كان إماماً راتباً، ولا يتمكن الإنسان من الصلاة في مسجد آخر، فإذا صلى وراءه فإن الصلاة تصح، والأحاديث التي وردت في ذلك ضعيفة، لكن الذي ورد فيما يتعلق بأئمة الجور يدل على أنهم يصلون، وأن صلاة من وراءهم تكون صحيحة، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم) وقول عثمان رضي الله عنه: (الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم، وإن أساءوا فاجتنب إساءتهم) أخرجه البخاري في باب إمامة المفتون والمبتدع. وقوله: (الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر) يعني: وإن حصل من هذا الإمام الفاجر الكبائر. تراجم رجال إسناد حديث: (الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني معاوية بن صالح ]. هو معاوية بن صالح بن حدير صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن العلاء بن الحارث ]. العلاء بن الحارث صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن مكحول ]. مكحول هو الشامي ، وهو ثقة أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. هوأبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. والحديث في إسناده مكحول وهو لم يلق أبا هريرة ، ففيه انقطاع. وهذا الانقطاع بين مكحول وبين أبي هريرة هو سبب ضعفه، لكن الحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن القاعدة المعروفة عند العلماء هي: أن من صحت صلاته صحت إمامته، والأحاديث وردت في الصلاة خلف أئمة الجور، ومن الذين حصل منهم التقدم في الناس كذلك الرجل الذي كان من الخارجين على عثمان رضي الله عنه، حيث قال فيه عثمان رضي الله عنه: (إن الصلاة من خير ما يفعل الناس، فإن أحسنوا فأحسن معهم). يعني: صل معهم. يتبع
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() ما جاء في إمامة الأعمى شرح حديث: (أن النبي استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إمامة الأعمى: حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري أبو عبد الله حدثنا ابن مهدي حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب إمامة الأعمى]، وأورد حديث أنس بن مالك : (أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى) يعني: استخلفه في المدينة، وذلك وقع في غزوة من الغزوات، حيث خلفه وجعله يصلي بالناس وهو أعمى، وهذا يدل على إمامة الأعمى، وأنه لا بأس بذلك ولا مانع منها. وقد مر أن ابن أم مكتوم كان مؤذناً، والأذان كما هو معلوم يحتاج إلى أمانة، ويحتاج إلى معرفة الوقت، ولكن الأعمى إذا كان له من يرشده ويخبره ممن يثق به فلا بأس بأن يؤذن وهو أعمى، ويصلي وهو أعمى. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى) قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري أبو عبد الله ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الصمد العنبري أبو عبد الله ثقة، أخرج له أبو داود. [ حدثنا ابن مهدي ]. هو عبد الرحمن بن مهدي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عمران القطان ]. عمران القطان صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء في إمامة الزائر شرح حديث: (من زار قوماً فلا يؤمهم ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: إمامة الزائر: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان عن بديل حدثني أبو عطية مولى منا قال: كان مالك بن حويرث رضي الله عنه يأتينا إلى مصلانا هذا، فأقيمت الصلاة، فقلنا له: تقدم فصله، فقال لنا: قدموا رجلاً منكم يصلي بكم، وسأحدثكم لمَ لا أصلي بكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من زار قوماً فلا يؤمهم، وليؤمهم رجلاً منهم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب إمامة الزائر، يعني: إمامة الزائر للناس، ومن المعلوم أن صاحب المنزل هو أولى بالإمامة من غيره إذا كان أهلاً للإمامة، وكذلك هو مقدم على الزائر وأولى منه، ولكن إذا احتيج إلى تقديم الزائر فلا بأس بذلك ولا مانع يمنع منه، ولكن كون صاحب المنزل هو الذي يصلي فإن هذا هو الأولى، وأما كون غيره يصلي ويتقدم للصلاة إذا احتيج إلى ذلك فلا بأس بهذا. أورد أبو داود حديث مالك بن الحويرث يرويه عنه أبو عطية ، و أبو عطية هذا قال عنه الحافظ : مقبول، إلا أنه ذكر عن ابن خزيمة أو غيره أنه صحح حديثه، ولكن ما ذكر عن أحد توثيقه ، وإنما ذكر في التقريب أنه مقبول، والمقبول يحتاج إلى متابعة، والحديث صححه الألباني ، ولا أدري ما وجه تصحيحه، وفي إسناده ذلك الرجل المقبول أو المجهول أبو عطية ، وعلى هذا فإن إمامة الزائر جائزة، ولا شك أن الإمام الراتب وكذلك صاحب المنزل أولى من غيره وهو الأحق من غيره، وقد سبق أن مر حديث: (لا يؤم الرجل والرجلَ في بيته ولا في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) ويمكن أن يكون قوله: (إلا بإذنه) يرجع إلى هذه الأمور المتقدمة كلها. قوله: (فأقيمت الصلاة، فقلنا له: تقدم فصله) ]. الهاء في قوله: (فصله) هاء السكت. قوله: [ (فقال لنا: قدموا رجلاً منكم يصلي بكم) ]. يعني: أنه لا يريد أن يصلي بهم؛ لأنه زائر. قوله: [ (وسأحدثكم لمَ لا أصلي بكم؟! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من زار قوماً فلا يؤمهم، وليؤمهم رجل منهم) ]. والحديث في إسناده هذا الشخص المتكلم فيه، وإذا صح فإنه يحمل على أنه خلاف الأولى، لا أنه لا يجوز وأن ذلك حرام لا يسوغ، بل هو جائز وسائغ، والحديث الذي فيه: (ولا يؤم الرجل الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) يدل على أن الإنسان إذا أذن فلا بأس بذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (من زار قوماً فلا يؤمهم ...) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم هو الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبان ]. هو أبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن بديل ]. هو بديل بن ميسرة العقيلي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني أبو عطية ]. أبو عطية مولى لبني عقيل، قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ قال: كان مالك بن حويرث يأتينا ]. مالك بن حويرث رضي الله عنه صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان القوم شرح أثر حذيفة في صلاته بالناس على دكان قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان القوم: حدثنا أحمد بن سنان و أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي المعنى قالا: حدثنا يعلى حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن همام (أن حذيفة رضي الله عنه أمَّ الناس بالمدائن على دكان، فأخذ أبو مسعود رضي الله عنه بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى، قد ذكرت حين مددتني) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب الإمام يقوم مقاماً أرفع من مكان القوم]، يعني: أن الإمام يكون على مكان مرتفع ويكون المأمومون على مكان منخفض، وهذا فيما إذا كان ذلك مقصوداً، بمعنى: أن الإمام يكون له مكان مرتفع خاص به؛ لأنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإمام يتخذ مكاناً عالياً، وإنما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى مرة من المرات أو في بعض الأحيان على مكان مرتفع على درجات المنبر ورجع القهقرى، وذلك ليعلموا وليشاهدوا كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم، وإذا كان الإمام ومعه بعض المأمومين في مكان متساوٍ ثم كان بعض المأمومين في مكان منخفض كأن يكونوا في بدروم أو في مسجد عدة طوابق وصلى الإمام ومن معه في الدور الأعلى وغيرهم صلى في الأدوار التي تحت فلا بأس بذلك؛ لأن هذا تدعو الحاجة إليه، فكون الإمام ومعه بعض المأمومين يكونون في مكان عالٍ وبعضهم في مكان منخفض لا بأس بذلك، وإنما المحذور أن يكون الإمام له مكان مرتفع خاص به يصعد عليه ويصلي بالناس وهم تحته، هذا هو الذي يدل عليه هذا الحديث، أما أن يكون الإمام ومعه مأمومون في مكان مستوٍ ثم يأتي مأمومون آخرون بعدما يمتلئ المسجد فيصلون في السطح أو في الدور الأسفل فلا بأس بذلك ولا مانع منه.. وقوله: [ (أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان، فأخذ أبو مسعود بقميصه) ]. يعني: على مكان مرتفع؛ وذلك أنه ارتفع فوق ذلك المكان والمأمومون في مكان منخفض عنه، فجبذه أبو مسعود رضي الله عنه. وقوله: [ (فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون على ذلك؟ قال: بلى، قد ذكرت حين مددتني) ]. يعني: حين جذبت بقميصي تذكرت ذلك، ومعنى هذا: أنه شيء معلوم عندهم، لكنه نسي ذلك. تراجم رجال إسناد أثر حذيفة في صلاته بالناس على دكان قوله: [ حدثنا أحمد بن سنان ]. أحمد بن سنان ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في مسند مالك و ابن ماجة. [ و أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي ]. أحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي ثقة، أخرج له أبو داود وحده. [حدثنا يعلى ]. هو يعلى بن عبيد الطنافسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن همام ]. هو همام بن الحارث النخعي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن حذيفة ]. حذيفة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و أبو مسعود هو عقبة بن عمرو الأنصاري البدري أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (إذا أمَّ الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني أبو خالد عن عدي بن ثابت الأنصاري حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر رضي الله عنه بالمدائن فأقيمت الصلاة، فتقدم عمار وقام على دكان يصلي والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة رضي الله عنه فأخذ على يديه، فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة ، فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة : ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم) أو نحو ذلك؟ قال عمار : لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث حذيفة وحديث عمار رضي الله تعالى عنهما وفيه: أن عماراً رضي الله عنه صلى بالمدائن على مكان مرتفع فوق المأمومين، فجذبه حذيفة ، وفي هذا الحديث أن حذيفة هو الجاذب، وفي الحديث الأول أنه هو المجذوب؛ لأنه جذبه أبو مسعود وهو كان يعلم ذلك؛ لأنه قال: قد ذكرت حين مددتني، فالحديث هو عن حذيفة وهو عن أبي مسعود ، وهنا جاء أيضاً عن عمار وعن حذيفة ، وهو مثل الذي قبله يدل على ما دل عليه، ومقتضاه هو نفس مقتضى الحديث السابق. وقوله: (حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر بالمدائن فأقيمت الصلاة، فتقدم عمار وقام على دكان يصلي والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة فأخذ على يديه) ] يعني: أنه لم يقف، وإنما تبعه واستسلم ورجع. قوله: [ فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة ، فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة : ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم، أو نحو ذلك، قال عمار : لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي) ]. وهذا فيه أن الإمام لا يتخذ له مكاناً أو يخصص له مكاناً عالياً مرتفعاً يصلي فيه فوق الناس، والناس وراءه منخفضون وإنما يكون مثلهم. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أمَّ الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم) قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم ]. هو أحمد بن إبراهيم الدورقي وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا حجاج ]. هو حجاج بن محمد المصيصي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبو خالد ]. يحتمل أن يكون أبو خالد الدالاني وإلا فمجهول، و الدالاني صدوق كثير الخطأ، أخرج له أصحاب السنن. أما هذا الرجل المجهول فأخرج له أبو داود وحده. [ عن عدي بن ثابت الأنصاري ]. عدي بن ثابت الأنصاري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني رجل ]. وهو مجهول، وفي المبهمات قال: كأنه همام ولعله يقصد همام بن الحارث النخعي الذي في الإسناد الأول، والحديث صحيح ثابت. [ أنه كان مع عمار بن ياسر ]. حذيفة مر ذكره، و عمار بن ياسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في إمامة من يصلي بقوم وقد صلى تلك الصلاة شرح حديث: (أن معاذاً كان يصلي مع رسول الله العشاء ثم يأتي قومه فيصلي بهم تلك الصلاة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إمامة من يصلي بقوم وقد صلى تلك الصلاة: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عجلان حدثنا عبيد الله بن مقسم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (أن معاذ بن جبل كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم يأتي قومه فيصلي بهم تلك الصلاة). حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (إن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيؤم قومه) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ باب إمامة من يصلي بقوم وقد صلى تلك الصلاة ] يعني: أنه صلى الفرض من قبل، ثم بعد ذلك صلى بالناس إماماً، فهو متنفل وهم مفترضون. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (أن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة) يعني: الصلاة التي صلاها مع الرسول صلى الله عليه وسلم هي الفرض، ومن المعلوم أنه يؤدي الفرض أولاً ثم يذهب ويصلي بقومه تلك الصلاة وهو متنفل، وهو دليل على جواز ائتمام المفترض بالمتنفل، وسبق أن مر أن من أدلته قصة عمرو بن سلمة وهو أنه كان يصلي بهم وهو صغير وهو متنفل وهم مفترضون. وبعض العلماء قال: إن الصلاة التي صلاها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هي النافلة وهذه هي الفريضة، ولكن هذا بعيد جداً؛ لأن معاذاً رضي الله عنه لم يكن ليترك الفرض في هذا المسجد مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو خير المساجد بعد المسجد الحرام، وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو خير البشر عليه الصلاة والسلام، ثم يدخر صلاة الفرض بأن يصليها مع قومه، بل الذي لا إشكال فيه أن صلاته بهم وهو متنفل وهم مفترضون، فيصح ائتمام المفترض بالمتنفل. تراجم رجال إسناد حديث: (أن معاذاً كان يصلي مع رسول الله العشاء ثم يأتي قومه فيصلي بهم تلك الصلاة) قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ]. هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة . [ عن محمد بن عجلان ]. محمد بن عجلان صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم و أصحاب السنن. [ حدثنا عبيد الله بن مقسم ]. عبيد الله بن مقسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن دينار ]. عمرو بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمع جابر بن عبد الله ]. جابر مر ذكره. الأسئلة وجه قول المحشي: في إسناده رجل مجهول. على الحديث الأول في باب الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان القوم السؤال: استشكل تحشية المحشي على الحديث الأول في [ باب الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان القوم ] قال: في إسناده رجل مجهول، والإسناد أحمد بن سنان و أحمد بن الفرات ، وهو مسلسل بالرواة إلى آخره، فما وجه قوله هذا؟ الجواب: الظاهر أنه وهم، والذي فيه مجهول هو الذي بعده، أما هؤلاء فليس فيهم مجهول، بل كلهم معروفون، فالذي يبدو أنها جاءت خطأً في الموضع الأول. حكم شراء الكفن من المدينة النبوية للتبرك السؤال: هل يجوز شراء الكفن من المدينة، علماً بأن الناس في بلدي طلبوا مني أن أشتري لهم كفناً من المدينة؟ الجواب: الكفن الموجود في المدينة جاء من خارج المدينة، فكونه يشتري كفناً من المدينة أو لا يشتري كفناً ليس هناك ميزة؛ لأن الكفن في المدينة ليس من نتاجها، وليس هناك شيء يدل على ذلك، وليس المهم أن يأخذ الشخص كفناً من المدينة أو غيرها وإنما المهم أن يقدم عملاً صالحاً؛ لأن هذا هو الذي ينفعه، وهذا هو الذي يجده أمامه."
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [082] الحلقة (113) شرح سنن أبي داود [082] على المأموم أن يتابع الإمام، وألا يسابقه أو يوافقه أو يتأخر عنه، وإذا كان المأموم واحداً فإنه يقف عن يمين الإمام مساوياً له لا متقدماً عليه ولا متأخراً عنه. ما جاء في الإمام يصلي من قعود شرح حديث: (...إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً ...) قال المصنف رحمه الله تعالى : [ باب الإمام يصلي من قعود. حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصُرع عنه، فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، وصلينا وراءه قعوداً، فلما انصرف قال: إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون) ]. قوله: [ باب الإمام يصلي من قعود ]. يعني: الإمام إذا صلى قاعداً كيف يصلي وراءه المأمومون؟ هل يصلون قعوداً أو يصلون قياماً؟ هذه المسألة اختلف فيها العلماء: فمنهم من قال: يصلون قعوداً أخذاً بحديث أنس هذا وغيره من الأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وصلى معه جماعة من أصحابه قعوداً، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وفي آخر الحديث قال: (وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون). ومن أهل العلم من قال: إذا صلى قاعداً فإنهم يصلون قياماً ولا يصلون قعوداً، واستدلوا على ذلك بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر صلاة صلاها بأصحابه، فإنه صلى بهم وهو جالس، وكان أبو بكر رضي الله عنه قد بدأ الصلاة، ثم دخل الرسول صلى الله عليه وسلم معه وهو في أولها، فصار رسول الله عليه الصلاة والسلام هو الإمام وهو جالس، و أبو بكر عن يمينه قائم، والناس قيام، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكبر ويكبر أبو بكر بتكبيره، والناس يتّبعون تكبير أبي بكر رضي الله عنه. قالوا: فهذه آخر صلاة صلّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء في الأحاديث الصحيحة كحديث أنس وغيره من أنه صلى قاعداً وصلى وراءه قوم قعوداً، يكون المتأخر من الأحاديث ناسخاً للمتقدم. ومعنى هذا أن الإمام إذا صلى قاعداً فالذين وراءه يصلون قياماً ولا يصلون قعوداً؛ استناداً إلى ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه في آخر صلاة صلّاها بأصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وهو جالس وصلوا وراءه قياماً. ومن أهل العلم من ذهب إلى الجمع بين الأحاديث، بأنه إذا كان بدأ الصلاة قاعداً فإنهم يصلون وراءه قعوداً، وهذا هو الذي تدل عليه الأحاديث التي أوردها أبو داود في هذا الباب، كحديث أنس و عائشة وغيرهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قاعداً وصلى وراءه قوم قعوداً)، وأما إذا كانوا قد دخلوا في الصلاة وهم قيام، وإمامهم صلى قاعداً، كما جاء في قصة صلاته صلى الله عليه وسلم حيث جاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وكبّر وصار هو إمام الناس، فالقيام في الركعة الأولى حصل مع أبي بكر رضي الله عنه وهو إمامهم، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس عن يسار أبي بكر ، وصار يكبّر، وأبو بكر يكبّر بتكبيره، والناس يكبرون بتكبير أبي بكر. وبهذا جمع بعض أهل العلم بين هذه الأحاديث. والذي ينبغي أن الإمام إذا كان لا يستطيع أن يصلي بالناس إلا وهو جالس، فإن الأولى في حقه أن يمكّن غيره من الصلاة ويصلي هو وراءه قاعداً، فيكون في هذا احتياط في الدين وخروج من الخلاف. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام ركب فرساً فصرع عنه فجُحِش شقه الأيمن) ]. يعني: أنه حصل له خدش أو حك وتألم منه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يستطع بسبب ذلك أن يصلي قائماً. وجاء في بعض الروايات: (أنه انفكت قدمه) كما سيأتي، ويمكن أن يكون الاثنان حصلا جميعاً، وأن تكون القصة واحدة، وإنما أحد الرواة ذَكَر بعض ما حصل، والآخر ذكر بعض ما حصل، فيكون كل ما جاء في الروايات قد حصل. ومنهم من قال: إنهما واقعتان، الأولى: التي فيها ذكر انفكاك القدم، والثانية: التي فيها أن شقه الأيمن قد جُحش، أي: خدش. قوله: [ (فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، وصلينا وراءه قعوداً) ]. يعني: أن الصحابة صلوا بصلاته صلى الله عليه وسلم وهو قاعد، وصلوا وراءه وهم قعود، وقد جاء في بعض الروايات أنه أشار إليهم أن يجلسوا، وقال: (إن كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على رءوس ملوكهم وهم جلوس). فالشاهد: أنه أشار إليهم أن يجلسوا فجلسوا، وكانوا يصلون بصلاته وهو قاعد وهم قعود. قوله: [ (فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به) ]. أي: فلما فرغ من صلاته قال لهم: (إنما جُعل الإمام ليؤتّم به)يعني: أن المقصود من الإمام أنه يؤتم به ويقتدى به، ثم بيّن عليه الصلاة والسلام كيفية الاقتداء بالإمام فقال: (فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً)، أي: إذا صلى الإمام قائماً، فصلّوا أنتم معه قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا معه قعوداً. قوله: [ (وإذا ركع فاركعوا) ]. أي: بعد أن يأخذ في الركوع فتابعوه، ولا تسبقوه ولا تتأخروا عنه، ولا توافقوه بأن يكون ركوعكم مع ركوعه في آن واحد، بل هو يتقدمكم، بحيث تركعون معه إذا أخذ في الركوع واستقر في الركوع، وليس المقصود أنه إذا فرغ من الركوع. فإذاً: على الإنسان إذا كان يرى الإمام قد استقر راكعاً فإنه يتابعه، وإذا كان لا يراه وسمع صوته قد انقطع بالتكبير، فإنه يهوي إلى الركوع. قوله: [ (وإذا رفع فارفعوا) ]. أي: وإذا رفع من الركوع فارفعوا، وهو كالركوع، فلا تسابقوه ولا توافقوه ولا تتأخروا عنه؛ لأن أحوال المأمومين مع الإمام في الائتمام أربع حالات: مسابقة، وتأخر، وهذان متقابلان، وقد نُهي عنهما. ثم موافقة: وهي أن توافق حركة المأموم حركة الإمام، بحيث لا يسبق أحدهما الآخر، وهذه منهي عنها. الحالة الرابعة: المتابعة، وهي المشروعة التي بيّنها صلى الله عليه وسلم بقوله: (وإذا ركع فاركعوا). قوله: [ (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد) ]. يعني: أنهم يفعلون مثل ما يفعل الإمام، فيكبرون كما يكبر، ويركعون كما يركع، ويسجدون كما يسجد، ويقولون مثل ما يقول بالنسبة للتكبير، مثل: تكبيرة الإحرام وتكبيرات الانتقال؛ لأن كل أحوال الصلاة في الانتقال ليس هناك إلا التكبير، إلا عند الرفع من الركوع فإنه يقول فيه الإمام والمنفرد: سمع الله لمن حمده، وأما المأموم فيقول: ربنا ولك الحمد؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) ومعناه: أنتم تقولون شيئاً، وهو يقول شيئاً آخر، فلا توافقوه فيما يقول في هذه الحالة، وهذا هو الذي يدل عليه هذا الحديث، والدلالة واضحة. وبعض أهل العلم قال: إن المأموم يقول: سمع الله لمن حمده، ثم يقول: ربنا ولك الحمد، ويستدل على ذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (صلّوا كما رأيتموني أصلي)، وهو يقول: سمع الله لمن حمده، فمن وراءه يقول: سمع الله لمن حمده. فنقول: لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بيّن في هذا الحديث أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، حيث أنه ذكر ما يفعله الإمام وما يفعله المأموم، وما يقوله الإمام وما يقوله المأموم، ولم يذكر أن المأموم يقول كما يقول الإمام عند قول: سمع الله لمن حمده، وإنما يقول المأموم: ربنا ولك الحمد، وهذا الذي يقتضيه الحديث، وهو نصّ في المقصود والمطلوب. وأما حديث: (صلّوا كما رأيتموني أصلي)، وهو الذي استدل به بعض أهل العلم على أن المأموم يقول: سمع الله لمن حمده، فأخرج منه ذلك بهذا البيان، مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) لكن عند قوله: حي على الصلاة، حيّ على الفلاح جاء أنه لا يقول مثلما يقول المؤذن، وإنما يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فهذا من جنس الأول، فهو مستثنى بقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد). قوله: [ (وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون) ]. وهذا سبقت الإشارة إليه وهو المقصود من الترجمة. تراجم رجال إسناد حديث: (... إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً ... ) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. و ابن شهاب من صغار التابعين، و أنس رضي الله عنه من صغار الصحابة، ولذلك يوجد من صغار التابعين من يروي عن بعض صغار الصحابة؛ لأن صغار التابعين أدركوا صغار الصحابة الذين تأخرت وفاتهم. شرح حديث: (... إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً وإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير و وكيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: (ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً بالمدينة فصرعه على جِذم نخلة، فانفكت قدمه فأتيناه نعوده، فوجدناه في مشربة لعائشة يسبِّح جالساً، قال: فقمنا خلفه فسكت عنا، ثم أتيناه مرة أخرى نعوده فصلى المكتوبة جالساً، فقمنا خلفه فأشار إلينا فقعدنا، قال: فلما قضى الصلاة قال: إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً، وإذا صلى الإمام قائماً فصلّوا قياماً، ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم صرعه فرسه على جذم نخلة، يعني: على أصلها أي جذعها، فانفكت قدمه، وهذا فيه أن القدم انفكت، والحديث الأول فيه: أن شقه الأيمن جُحش، يعني: خُدش، وعرفنا أن كلاً من الراويين ذكر شيئاً مما حصل للرسول صلى الله عليه وسلم. ومن أهل العلم من قال: يحتمل أن تكون واقعتين مختلفتين. في هذا الحديث أنهم جاءوا ووجدوه يسبّح، يعني: يصلي نافلة؛ لأن النافلة يقال لها: سُبحة، ومنه الحديث الذي فيه: (ولم يسبّح بينهما)، يعني: أنه بين الصلاتين التي يُجمع بينهما كالظهر والعصر، أو المغرب والعشاء لم يكن يتنفل بينهما. قوله: [ (يسبح جالساً) ] يعني: يصلي جالساً. قوله: [ (فقمنا خلفه) ]، أي: يصلون. قوله: [ (فسكت) ]، يعني: لم ينههم عن ذلك. قوله: [ (ثم أتيناه مرة أخرى نعوده فصلى المكتوبة جالساً، فقمنا خلفه فأشار إلينا فقعدنا، فلما قضى الصلاة قال: إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً، وإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً) ] يعني: تابعوا الإمام في جلوسه وفي قيامه. قوله: [ (ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها) ]. يعني: أنهم يقومون على رءوسهم وهم جلوس، وقد جاء في صحيح مسلم : (إن كدتم آنفاً أن تفعلوا فعل فارس والروم يقومون على رءوس ملوكهم وهم قعود). وهذا فيه دليل على أن القيام على الرؤساء والملوك لا يجوز، إلا فيما إذا كان يحضره العدو من أجل يرى هيبة احتفائهم بالإمام واهتمامهم بالإمام؛ لأن هذا حصل في صلح الحديبية لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً والمغيرة بن شعبة قائم على رأسه. فهذا يدل على أنه إذا حصل مثل ذلك لا بأس به، ولكن كونه يتخذ ذلك ديدناً وطريقة فالرسول صلى الله عليه وسلم أنكر هذا. وهو يدل على أن الإمام إذا صلى قاعداً فالناس يصلون وراءه قعوداً، وجاء أنه في المكتوبة، أما بالنسبة للنافلة فقد جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم سكت عنهم، فجاء أنهم صلوا بعده الصلاة جلوساً في المكتوبة، والمكتوبة أهم من النافلة، مع أن النافلة يجوز أن تصلى عن قعود ولو كان الإنسان قادراً، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الجالس على النصف من صلاة القائم) يعني: إذا جلس وهو يقدر على القيام. إذاً: فكون الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بهم جالساً في المكتوبة وهي أهم من النافلة دل ذلك على صحة ذلك، وفيه الكلام الذي ذكرته فيما مضى من أن بعض أهل العلم ذهب إلى أنهم يصلون جلوساً وبعضهم قال: يصلون قياماً، وبعضهم يقول: يفصل بين بدئهم الصلاة قياماً وبدئهم الصلاة جلوساً، فإذا بدءوا الصلاة جلوساً يستمرون جلوساً، وإذا بدءوا الصلاة قياماً يتمون الصلاة قياماً تبعاً للإمام. تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً وإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سفيان ]. هو طلحة بن نافع وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (... وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب و مسلم بن إبراهيم المعنى عن وهيب عن مصعب بن محمد عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبّر فكبروا، ولا تكبّروا حتى يكبّر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، قال مسلم : ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون). قال أبو داود : اللهم ربنا لك الحمد، أفهَمَني بعض أصحابنا عن سليمان ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وهذه قضية عامة ما بعدها كله تفسير لها. ثم إن متابعة الإمام والائتمام إنما يكون في التقدم والتأخر والركوع والسجود، وكذلك في الجلوس والقيام، وأما الأمور الأخرى التي هي سنن ومستحبات فالإنسان يفعل السنة، وسواء فعلها الإمام أو لم يفعلها، فإذا كان بعض الأئمة لا يرفع يديه عند التكبير عند الركوع والرفع منه والقيام من التشهد الأول فالمأموم له أن يرفع يديه؛ لأن هذه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإمام لا ينبغي له أن يتركها، فمثل هذه الأمور لا يقال: إن الإنسان يتابع إمامه؛ لأن هذا يلزم منه أنه يعرف طريقة إمامه قبل أن يصلي وراءه، وهل يفعلها أو لا يفعلها. فإذاً: المتابعة إنما تكون بالقيام والقعود والركوع والسجود وما إلى ذلك. قوله: [ (فإذا كبر فكبروا) ] يعني: إذا كبر الإمام للإحرام أو كبر للانتقال عند كل خفض ورفع فإنه يكبر بتكبيره المأموم، إلا عند الرفع من الركوع فإن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، وكذلك أيضاً الإمام يقول: ربنا ولك الحمد. فإذاً: المفهوم من قوله: (إذا كبر فكبروا) يعني: أنهم لا يسبقونه وأنهم يكبرون وراءه، فأكد ذلك بقوله: (ولا تكبروا حتى يكبر) وهو لو لم يأت بهذه الجملة لكان قوله: (إذا كبر فكبروا) كافياً، لكن هذا زيادة تأكيد، ولهذا بعض الأحاديث التي مرت: (إذا ركع فاركعوا) وليس فيها: (ولا تركعوا حتى يركع) وكذلك: (وإذا سجدوا فاسجدوا) وليس فيها: (ولا تسجدوا حتى يسجد) يعني: أن هذا من باب التأكيد. قوله: [ (وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع) ]. نعم مثله. قوله: [ (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، قال مسلم : ولك الحمد) ]. أي: أن قوله: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد) من طريق سليمان بن حرب شيخه الأول، وقوله: (اللهم ربنا ولك الحمد) من طريق مسلم بن إبراهيم . قوله: [ (وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون) ]. هذه الجملة الأخيرة هي محل الشاهد للترجمة. [ قال أبو داود : (اللهم ربنا لك الحمد، أفهمني بعض أصحابنا عن سليمان) ]. يعني: لما ذكر أبو داود الحديث من طريق شيخيه: سليمان بن حرب و مسلم بن إبراهيم ، وكان قد أخذ عن شيخيه لفظ الحديث كاملاً، إلا أنه في روايته عن سليمان بن حرب شيخه الأول لم يضبط لفظ: (اللهم ربنا لك الحمد) ، إما أن يكون ما سمعها، أو أنه سمع منه ولكنه لم يفهمه فأفهمه بعض أصحابه الذين كانوا يتلقون معه من شيخهم سليمان بن حرب ، وقال: إنه قال كذا، وهذا من الاحتياط والتوقي والإتقان والعناية من أبي داود رحمه الله. يتبع
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث: (... وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون) قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى ]. يعني: المعنى واحد، والألفاظ مختلفة. [ عن وهيب ]. هو وهيب بن خالد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مصعب بن محمد ]. مصعب بن محمد لا بأس به، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي صالح ]. هو أبو صالح ذكوان السمان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الأحاديث الثلاثة التي مرّت عن أنس ، وعن جابر ، وعن أبي هريرة ، هؤلاء الثلاثة كلّهم من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (... وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن آدم المصيصي حدثنا أبو خالد عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، بهذا الخبر، زاد (وإذا قرأ فأنصتوا). قال أبو داود : وهذه الزيادة: (إذا قرأ فأنصتوا) ليست بمحفوظة، الوهم عندنا من أبي خالد ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، إلا أن فيها زيادة: (وإذا قرأ فأنصتوا) قال أبو داود : وهذه الزيادة غير محفوظة والوهم فيها عندنا من أبي خالد الذي هو أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان شيخ شيخه، ولكن المنذري تعقب هذا وقال: إن هذا فيه نظر؛ لأن أبا خالد الأحمر قد توبع على ذلك، وقد جاء من حديث آخر غير هذا الحديث وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإذا قرأ فأنصتوا)، وقد جاء عن مسلم رحمه الله أنه سئل عن حديث سليمان بن طرخان التيمي الذي فيه: (وإذا قرأ فأنصتوا) أليس هذا بصحيح؟ فقال: نعم صحيح، قالوا: لماذا لم تضعه في الصحيح، قال: ليس كل حديث صحيح وضعته، فهو حكم بصحته وأشار إلى ذلك في صحيحه عندما سئل عنه، وكما هو معلوم أن البخاري و مسلماً لم يلتزما أن يخرجا كل حديث صحيح، وما أكثر الأحاديث الصحيحة التي لم يخرجها الشيخان. وعلى هذا فالحديث من حديث أبي هريرة وغيره، وجاء أيضاً من حديث أبي خالد ، وقد توبع جاء من طريق سليمان بن طرخان التيمي الذي حكم مسلم بصحته، وقال: إنه صحيح، ثم أيضاً هو المطابق للفظ القرآن: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204] فالإنصات مطلوب، من الإنسان عندما يقرأ الإمام في الصلاة، ولكن يستثنى من ذلك قراءة الفاتحة فإن الصحيح أن المأموم يقرأ الفاتحة، والإمام يقرأ السورة، وهذه مستثناة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى ذلك لما قال : (ما لي أنازع القراءة لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب) يعني: لا تقرءوا والإمام يقرأ إلا بفاتحة الكتاب، فهذا يدل على أن فاتحة الكتاب مستثناة، وأما غير فاتحة الكتاب فعلى المأموم أن ينصت ولا يقرأ شيئاً. تراجم رجال إسناد حديث (... وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا محمد بن آدم المصيصي ]. هو محمد بن آدم المصيصي الجهني وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو خالد ]. هو أبو خالد الأحمر واسمه سليمان بن حيان وهو صدوق يخطئ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح عن أبي هريرة ]. أبو صالح و أبو هريرة قد مر ذكرهما. شرح حديث (... إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو جالس، فصلى وراءه قوم قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: إنما جُعل الإمام ليؤتّم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلّوا جلوساً) ]. أورد أبو داود حديث عائشة وهو مثل ما تقدم من الأحاديث في ائتمام المأمومين بالإمام ومتابعتهم له وعدم مسابقتهم له، وأنه إذا صلى جالساً يصلون جلوساً. و عائشة من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. فإذاً: مر بنا أربعة رواة في هذا الباب كلهم من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث (... إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. القعنبي مر ذكره. [ عن مالك ]. مالك مر ذكره. [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي من أوعية السنة وحفظتها. قوله: [ (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته) ]. الذي يبدو أنها المشربة التي في بيتها؛ لأن المشربة هي الحجرة والغرفة. شرح حديث: (اشتكى النبي فصلينا وراءه وهو قاعد...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد و يزيد بن خالد بن موهب المعنى أن الليث حدثهم عن أبي الزبير عن جابر قال: (اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم، فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يكبر ليسمع الناس تكبيره ..) ثم ساق الحديث ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: [ (اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يكبر ليسمع الناس تكبيره) ] يعني: هذا الذي يبدو أنه المتعلق بصلاته في بيته، وليس الذي فيه أنه لما كان مريضاً؛ لأن هذا الحديث الذي هو عن جابر فيه أنهم يصلون جلوساً، وأما حديث صلاته في مرض موته فقد صلوا وراءه قياماً ولم يصلوا وراءه جلوساً، فالذي يبدو أن هذا الذي حصل كان في بيته، وجابر رضي الله عنه سبق أنه روى الحديث لكن ليس فيه ذكر أبي بكر . تراجم رجال إسناد حديث: (اشتكى النبي فصلينا وراءه وهو قاعد...) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و يزيد بن خالد بن موهب ]. يزيد بن خالد بن موهب ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ المعنى أن الليث حدثهم ]. هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله وقد مر ذكره. شرح حديث: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبدة بن عبد الله أخبرنا زيد -يعني ابن الحباب - عن محمد بن صالح حدثني حصين من ولد سعد بن معاذ عن أسيد بن حضير : (أنه كان يؤمهم، قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، فقالوا: يا رسول الله! إن إمامنا مريض، فقال: إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً). قال أبو داود : وهذا الحديث ليس بمتصل ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أسيد بن حضير رضي الله عنه وفيه: أنه كان مريضاً وكان إمام قومه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم زارهم وقالوا: إن إمامنا مريض، فقال: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً). [ قال أبو داود : وهذا الحديث ليس بمتصل ]. أي: أن حصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ لم يدرك أسيد بن حضير فيكون فيه انقطاع بين حصين هذا وبين أسيد بن حضير ، لكن الحديث مطابق للأحاديث المتقدمة فهو ثابت من غير هذا الطريق. تراجم رجال إسناد حديث: (إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً) قوله: [ حدثنا عبدة بن عبد الله ]. هو عبدة بن عبد الله الصفار وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن . [ أخبرنا زيد يعني ابن الحباب ]. زيد بن الحباب صدوق يخطئ في حديث الثوري ، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن صالح ]. هو محمد بن صالح الأزرق وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . أو محمد بن صالح بن دينار التمار مولى الأنصار . أنا رأيت في تهذيب التهذيب أن زيد الحباب من شيوخه وكذا في تحفة الأشراف. [ حدثني حصين من ولد سعد بن معاذ ]. حصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن أسيد بن حضير ]. أسيد بن حضير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في الرجلين يؤم أحدهما الآخر كيف يقومان شرح حديث أنس: (... أقامني عن يمينه على بساط) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه كيف يقومان. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم حرام فأتوه بسمن وتمر، فقال: ردّوا هذا في وعائه وهذا في سقائه؛ فإني صائم، ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعاً، فقامت أم سليم و أم حرام خلفنا، قال ثابت : ولا أعلمه إلا قال: أقامني عن يمينه على بساط) ]. أورد أبو داود باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه كيف يقومان. يعني: موقف المأموم من الإمام كيف يكون؟ والجواب: أنه يكون عن يمينه مساوياً له ومسامتاً له ومحاذياً له، ولا يكون عن يساره ولا يكون وراءه، هذا هو الحكم. أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم زار أم حرام بنت ملحان خالة أنس بن مالك رضي الله عنه فقدمت له تمراً وسمناً فقال: ردوا هذا في وعائه). يعني: التمر. قوله: [ (وردوا هذا في سقائه)] يعني: السمن. قوله: [ (ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعاً فقامت أم سليم و أم حرام خلفنا) ]. يعني: أن أم حرام خالته صلت خلفهم كذلك أم سليم ، و أنس رضي الله عنه صف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه. قوله: [ (قال ثابت : ولا أعلمه إلا قال: أقامني عن يمينه على بساط) ]. يعني: أن موقف المأموم إذا كان واحداً يكون عن يمين الإمام، يكنّ صفاً وحدهن وراءهم. وهذا الحديث يدل على جواز صلاة الجماعة في التطوع في بعض الأحيان وليس دائماً. تراجم رجال إسناد حديث أنس: (... أقامني عن يمينه على بساط) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس وقد مر ذكره، وهذا الحديث من الرباعيات وهي أعلى ما يكون عند أبي داود. شرح حديث أنس: (أن رسول الله أمّه وامرأة منهم فجعله عن يمينه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عبد الله بن المختار عن موسى بن أنس يحدث عن أنس : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَّهُ وامرأة منهم، فجعله عن يمينه والمرأة خلف ذلك) ]. أورد أبو داود حديث أنس وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمه وامرأة منهم فكان أنس عن يمينه والمرأة وراءهم) يعني: خلفهم صفاً وحدها، وهذا يدل على ما دل عليه الحديث السابق على أن المأموم إذا كان واحداً يكون عن يمين الإمام، وأن النساء يكن خلفهم، حتى وإن كانت امرأة واحدة فإنها تكون صفاً وحدها، ولا تصف بجوار الرجال، حتى لو صلى رجل وامرأة فإنها تكون صفاً وراءه ولا تكون بجواره، ولو كانت زوجته ولو كانت قريبته. واستدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أن المرأة لا يجوز أن تكون إمامة للرجال، وذلك أنها إذا لم يؤذن لها بأن تكون صفاً معهم وقد يكونون من أقاربها، فمن باب أولى أنها لا تؤم الرجال. تراجم رجال إسناد حديث أنس: (أن رسول الله أَمّه وامرأة منهم فجعله عن يمينه ...) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن المختار ]. عبد الله بن المختار لا بأس به وهي بمعنى صدوق، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن موسى بن أنس ]. هو موسى بن أنس بن مالك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ يحدث عن أنس ]. أنس قد مر ذكره. هذا الحديث في كون المرأة تكون صفاً وحدها يدل على أن قوله: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) يكون في حق الرجال ولا يكون في حق النساء، بل المرأة تصلي وحدها صفاً. شرح حديث ابن عباس: (... فقمت عن يساره فأخذني بيمينه فأدارني من ورائه فأقامني عن يمينه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عباس قال: (بِتُّ في بيت خالتي ميمونة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل، فأطلق القربة فتوضأ ثم أوكأ القربة ثم قام إلى الصلاة، فقمت فتوضأت كما توضأ، ثم جئتُ فقمت عن يساره فأخذني بيمينه فأدارني من ورائه فأقامني عن يمينه فصليت معه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: أنه بات عند خالته ميمونة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الليل وأخذ ماء من القربة وتوضأ وشرع في الصلاة، فقام ابن عباس وتوضأ وجاء وصف بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة اليسار، فأداره الرسول صلى الله عليه وسلم عن يمينه، فهذا يدل على أن موقف المأموم إذا كان واحداً يكون عن يمين الإمام، ويدل أيضاً على أن أقل الجماعة اثنان، ويدل أيضاً على جواز صلاة النافلة جماعة، ويدل أيضاً على أنه لا يلزم نية الإمامة عند بدء الدخول في الصلاة؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما بعدما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة جاء ودخل معه، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ناوياً أن يكون إماماً؛ لأن نية الإمامة ما جاءت إلا بعدما وجد المأموم، وقبل ذلك لم يكن هناك مأموم وإنما دخل رسول الله عليه الصلاة والسلام في الصلاة منفرداً، ثم وجدت الإمامة بعد ذلك لما جاء المأموم، وأيضاً يدل على أن مثل تلك الحركة لا تؤثر. كذلك يجوز التحول من مأموم إلى إمام، كإنسان فاتته الصلاة فوجد مسبوقاً يقضي الركعات التي فاتته فدخل معه. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (... فقمت عن يساره فأخذني بيمينه فأدارني من ورائه فأقامني عن يمينه) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك بن أبي سليمان ]. عبد الملك بن أبي سليمان صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. شرح حديث ابن عباس من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه القصة قال: (فأخذ برأسي أو بذؤابتي فأقامني عن يمينه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم إلا أنه قال: (أخذ برأسي أو بذؤابتي) يعني: شعر رأسه. قوله: [ (فأقامني عن يمينه) ] يعني: حوله من جهة اليسار إلى جهة اليمين. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس من طريق أخرى قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بشر ]. هو جعفر بن إياس المشهور بابن أبي وحشية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. هذا يدل على ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم صغارهم وكبارهم من الحرص على معرفة السنن ومعرفة أحكام الشريعة ومتابعتهم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليعرفوا أفعاله حتى يتبعوه وحتى يسيروا على نهجه صلى الله عليه وسلم، وابن عباس رضي الله عنهما مع كونه صغيراً فهو ممن كثر حديثه عن رسول الله، وكذلك أنس ."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 11 ( الأعضاء 0 والزوار 11) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |