كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله - الصفحة 17 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ميزة جديدة من واتساب ستمنعك من مشاركة رقم هاتفك المحمول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          كيف يجنب الآباء أطفالهم من اضطراب fomo ويقللون الاعتماد على وسائل التواصل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          لاحظها على طفلك.. علامات خطيرة لاضطراب متعلق باستخدام السوشيال ميديا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          خطوات بسيطة يجب اتباعها لضمان تجربة إنترنت آمنة وتعليمية لطفلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن تطبيق Essentials الجديد من جوجل.. وأبرز مميزاته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          واتساب يتيح ميزة نسخ الملاحظات الصوتية.. اعرف كيفية استخدامها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          تطبيق Google Keep يحصل على مميزات الذكاء الاصطناعى.. كيف تستفيد منها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          احم طفلك من الإنترنت.. توصيات رسمية خلى بالك منها وابنك ماسك الموبايل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          لو خايف على أطفالك من فيس بوك.. 5 مميزات لتطبيق ماسنجر كيدز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          كيف تحدد وقت استخدام طفلك للإنترنت على فيس بوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-08-2022, 09:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (161)
صــــــــــ 120 الى صـــــــــــ126






ولكني أوصي بثلث مالي لغيرك فأوصى لغيره أليس إن أجاز هذا أجاز ما [ ص: 120 ] ينبغي أن يرد ورد ما كان ينبغي أن يجوز من الوصية لوارث عدو في أصل قوله ؟ أورأيت إذا كانت السنة تدل على أن للميت أن يوصي بثلث ماله ، ولا يحظر عليه منه شيء أن يوصي به إلا لوارث إذا دخل عليه أحد أن يحظر عليه الوصية لغير وارث بحال أليس قد خالفنا السنة ؟ أو رأيت إذا كان حكم الثلث إليه ينفذه لمن رأى غير وارث لو كان وارثه في العداوة له على ما وصفت من العداوة ، وكان بعيد النسب ، أو كان مولى له فأقر لرجل آخر بمال قد كان يجحده إياه ، أو كان لا يعرف بالإقرار له به ، ولا الآخر بدعواه أليس إن أجازه له مما يخرج الوارث من جميع الميراث أجابه له أكثر من الثلث ، وهو متهم على أن يكون صار الوارث ؟ وإن أبطله أبطل إقرارا بدين أحق من الميراث ; لأن الميراث لا يكون إلا بعد الدين
( قال الشافعي ) الأحكام على الظاهر والله ولي المغيب ومن حكم على الناس بالإزكان جعل لنفسه ما حظر الله تعالى عليه ورسوله صلى الله عليه وسلم ; لأن الله عز وجل إنما يولي الثواب والعقاب على المغيب ; لأنه لا يعلمه إلا هو جل ثناؤه ، وكلف العباد أن يأخذوا من العباد بالظاهر ، ولو كان لأحد أن يأخذ بباطن عليه دلالة كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

وما وصفت من هذا يدخل في جميع العلم ، فإن قال : قائل ما دل على ما وصفت من أنه لا يحكم بالباطن ؟ قيل : كتاب الله ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ذكر الله تبارك وتعالى المنافقين فقال : لنبيه صلى الله عليه وسلم { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله } قرأ إلى { فصدوا عن سبيل الله } فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناكحون ويتوارثون ويسهم لهم إذا حضروا القسمة ويحكم لهم أحكام المسلمين ، وقد أخبر الله تعالى ذكره عن كفرهم وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم اتخذوا أيمانهم جنة من القتل بإظهار الأيمان على الإيمان .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه . فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ به فإنما أقطع له بقطعة من النار } فأخبرهم أنه يقضي بالظاهر وأن الحلال والحرام عند الله على الباطن وأن قضاءه لا يحل للمقضي له ما حرم الله تعالى عليه إذا علمه حراما .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله تعالى فمن أصاب منكم من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله } فأخبرهم أنه لا يكشفهم عما لا يبدون من أنفسهم وأنهم إذا أبدوا ما فيه الحق عليهم أخذوا بذلك ، وبذلك أمر الله تعالى ذكره فقال : { ولا تجسسوا } وبذلك أوصى صلى الله عليه وسلم { ولاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان ، ثم قال انظروا فإن جاءت به كذا فهو للذي يتهمه } فجاءت به على النعت الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو للذي يتهمه به ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن أمره لبين لولا ما حكم الله } ، ولم يستعمل عليهما الدلالة البينة التي لا تكون دلالة أبين منها .

، وذلك خبره أن يكون الولد ، ثم جاء الولد على ما قال مع أشياء لهذا كلها تبطل حكم الإزكان من الذرائع في البيوع وغيرها من حكم الإزكان فأعظم ما فيما وصفت من الحكم بالإزكان خلاف ما أمر الله عز وجل به أن يحكم بين عباده من الظاهر وما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يمتنع من حكم بالإزكان إن اختلفت أقاويله فيه حتى لو لم يكن آثما بخلافه ما وصفت من الكتاب والسنة كان ينبغي أن تكون أكثر أقاويله متروكة عليه لضعف مذهبه فيها ، وذلك أنه يزكن في الشيء الحلال فيحرمه ثم [ ص: 121 ] يأتي ما هو أولى أن يحرمه منه إن كان له التحريم بالإزكان فلا يحرمه ، فإن قال قائل : ومثل ماذا من البيوع ؟ قيل : أرأيت رجلا اشترى فرسا على أنها عقوق ، فإن قال : لا يجوز البيع ; لأن ما في بطنها مغيب غير مضمون بصفة عليه ، قيل له : وكذلك لو اشتراها وما في بطنها بدينار ، فإن قال : نعم قيل : أرأيت إذا كان المتبايعان بصيرين فقالا : هذه الفرس تسوى خمسة دنانير إن كانت غير عقوق عشرة إن كانت عقوقا فأنا آخذها منك بعشرة ، ولولا أنها عندي عقوق لم أزدك على خمسة ولكنا لا نشترط معها عقوقا لإفساد البيع فإن قال : هذا البيع يجوز ; لأن الصفقة وقعت على الفرس دون ما في بطنها ونيتهما معا وإظهارهما الزيادة لما في البطن لا يفسد البيع إذا لم تعقد الصفقة على ما يفسد البيع ، ولا أفسد البيع ها هنا بالنية قيل له إن شاء الله تعالى .

وكذلك لا يحل نكاح المتعة ويفسخ ، فإن قال : نعم ، قيل : وإن كان أعزب ، أو آهلا ؟ فإن قال : نعم ، قيل : فإن أراد أن ينكح امرأة ونوى أن لا يحبسها إلا يوما ، أو عشرا إنما أراد أن يقضي منها وطرا ، وكذلك نوت هي منه غير أنهما عقدا النكاح مطلقا على غير شرط ، وإن قال : هذا يحل قيل له : ولم تفسده بالنية إذا كان العقد صحيحا ؟ فإن قال : نعم ، قيل له : إن شاء الله تعالى فهل تجد في البيوع شيئا من الذرائع ، أو في النكاح شيئا من الذرائع تفسد به بيعا ، أو نكاحا أولى أن تفسد به البيع من شراء الفرس العقوق على ما وصف وكل ذات حمل سواها والنكاح على ما وصفت ، فإذا لم تفسد بيعا ، ولا نكاحا بنية يتصادق عليها المتبايعان والمتناكحان أيما كانت نيتهما ظاهرة قبل العقد ومعه وبعده ، وقلت لا أفسد واحدا منهما ; لأن عقد البيع وعقد النكاح وقع على صحة والنية لا تصنع شيئا وليس معها كلام فالنية إذا لم يكن معها كلام أولى أن لا تصنع شيئا يفسد به بيع ، ولا نكاح .

( قال الشافعي ) وإذا لم يفسد على المتبايعين نيتهما ، أو كلامهما فكيف أفسدت عليهما بأن أزكنت عليهما أنهما نويا ، أو أحدهما شيئا والعقد صحيح فأفسدت العقد الصحيح بإزكانك أنه نوى فيه ما لو شرط في البيع ، أو النكاح فسد فإن قال ومثل ماذا ؟ قال : قيل له : مثل قولك والله تعالى الموفق .
باب تفريغ الوصايا للوارث .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فكل ما أوصى به المريض في مرضه الذي يموت فيه لوارث من ملك مال ومنفعة بوجه من الوجوه لم تجز الوصية لوارث بأي هذا كان .

الوصية للوارث قال الربيع ( قال الشافعي ) وإذا استأذن الرجل أن يوصي لوارث في صحة منه ، أو مرض فأذنوا له أو لم يأذنوا فذلك سواء فإن وفوا له كان خيرا لهم وأتقى لله عز ذكره وأحسن في الأحدوثة أن يجيزوه ، فإن لم يفعلوا لم يكن للحاكم أن يجبرهم على شيء منه ، وذلك بما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الميراث .

( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة قال : سمعت الزهري يقول : زعم أهل العراق أن شهادة المحدود لا تجوز فأشهد لأخبرني فلان أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأبي بكرة تب تقبل شهادتك ، أو إن تبت قبلت شهادتك قال سفيان سمى الزهري الذي أخبره فحفظته ، ثم نسيته وشككت فيه فلما قمنا سألت من حضر فقال لي عمرو بن قيس : هو سعيد بن المسيب فقلت هل شككت [ ص: 122 ] فيما قال : ؟ فقال : لا هو سعيد بن المسيب غير شك .

( قال الشافعي ) وكثيرا ما سمعته يحدثه فيسمي سعيدا وكثير ما سمعته يقول عن سعيد إن شاء الله تعالى .

، وقد روى غيره من أهل الحفظ عن سعيد ليس فيه شك وزاد فيه أن عمر استتاب الثلاثة فتاب اثنان فأجاز شهادتهما وأبى أبو بكر فرد شهادته .
مسألة في العتق

( قال ) ومن أوصى بعتق عبده ، ولا يحمله الثلث فأجاز له بعض الورثة وأبى بعض أن يجيز عتق منه ما حمل الثلث وحصة من أجاز وكان الولاء للذي أعتق لا للذي أجاز إن قال : أجزت لا أرد ما فعل الميت ، ولا أبطله من قبل أنه لعله أن يكون لزمه عتقه في حياته ، أو وجه ذكره مثل هذا ، ومن أوصى له بثلث رقيق ، وفيهم من يعتق عليه إذا ملكه فله الخيار في أن يقبل ، أو يرد الوصية ، فإن قبل عتق عليه من يعتق عليه إذا ملكه وقوم عليه ما بقي منه إن كان موسرا وكان له ، ولاؤه ، ويعتق على الرجل كل من ولد الرجل من أب وجد أب وجد أم إذا كان له والدا من جهة من الجهات ، وإن بعد ، وكذلك كل من كان ولد بأي جهة من الجهات ، وإن بعد ، ولا يعتق عليه أخ ، ولا عم ، ولا ذو قرابة غيرهم .

ومن أوصى لصبي لم يبلغ بأبيه ، أو جده كان للوصي أن يقبل الوصية ; لأنه لا ضرر عليه في أن يعتق على الصبي وله ، ولاؤه ، وإن أوصى له ببعضه لم يكن للولي أن يقبل الوصية على الصبي ، وإن قبل لم يقوم على الصبي وعتق منه ما ملك الصبي ، وإنما يجوز له أمر الولي فيما زاد الصبي أو لم ينقص ، أو فيما لا بد له منه . فأما ما ينقصه مما له منه بد فلا يجوز عليه ، وهذا نقص له منه بد ، وإذا كان العبد بين اثنين فأعطى أحدهما خمسين دينارا على أن يعتقه ، أو يعتق نصيبه منه فأعتقه عتق عليه ورجع شريكه عليه بنصف الخمسين وأخذها ونصف قيمة العبد ، وكان له ، ولاؤه ورجع السيد على العبد بالخمسة والعشرين التي قبضها منه السيد ، ولو كان السيد قال : إن سلمت لي هذه الخمسون فأنت حر لم يكن حرا وكان للشريك أن يأخذ منه نصف الخمسين ; لأنه مال العبد وماله بينهما .
ومن قال : إذا مت فنصف غلامي حر فنصف غلامه حر ، ولا يعتق عليه النصف الثاني ، وإن حمل ذلك ثلثه ; لأنه إذا مات ، فقد انقطع ملكه عن ماله ، وإنما كان له أن يأخذ من ماله ما كان حيا ، فلما أوقع العتق في حال ليس هو فيها مالك لم يقع منه إلا ما أوقع ، وإذا كنا في حياته لو أعتق نصف مملوك ونصفه لغيره ، وهو معسر لم نعتقه عليه فهو بعد الموت لا يملك في حاله التي أعتق فيها ، ولا يفيد ملكا بعده ، ولو أعتقه فبت عتقه في مرضه عتق عليه كله ; لأنه أعتق ، وهو مالك للكل ، أو الثلث ، وإذا مات فحمل الثلث عتق كله وبدئ على التدبير والوصايا
( قال الشافعي ) وإذا كان العبد بين رجلين ، أو أكثر فأعتق أحدهم ، وهو موسر وشركاؤه غيب عتق كله وقوم فدفع إلى وكلاء شركائه نصيبهم من العبد وكان حرا وله ، ولاؤه فإن لم يكن لهم وكلاء وقف ذلك لهم على أيدي من يضمنه بالنظر من القاضي لهم ، أو أقره على المعتق إن كان مليئا ، ولا يخرجه من يديه إذا كان مليئا مأمونا إنما يخرجه إذا كان غير مأمون .
وإذا قال : الرجل لعبده : أنت حر على أن عليك مائة دينار ، أو خدمة سنة ، أو عمل كذا فقبل العبد العتق على هذا لزمه ذلك وكان دينا عليه ، فإن مات قبل أن يخدم رجع عليه المولى بقيمة الخدمة في ماله إن كان له .

( قال الشافعي ) ولو قال : في هذا أقبل العتق ، ولا أقبل ما جعلت علي لم يكن حرا ، وهو كقولك أنت حر إن ضمنت مائة دينار ، أو ضمنت كذا وكذا ، ولو قال : أنت حر وعليك مائة دينار وأنت حر ، ثم عليك مائة دينار أو خدمة فإن ألزمه العبد نفسه ، أو [ ص: 123 ] لم يلزمه نفسه عتق في الحالين معا ، ولم يلزمه منه شيء ; لأنه أعتقه ، ثم استأنف أن جعل عليه شيئا فجعله على رجل لا يملكه ، ولم يعقد به شرطا فلا يلزمه إلا أن يتطوع بأن يضمنه له
( قال الشافعي ) وإذا أعتق الرجل شركا له في عبد فإنما أنظر إلى الحال التي أعتق فيها فإن كان موسرا ساعة أعتقه أعتقته وجعلت له ولاءه وضمنته نصيب شركائه وقومته بقيمته حين وقع العتق وجعلته حين وقع العتق حرا جنايته والجناية عليه وشهادته وحدوده وجميع أحكامه أحكام حر ، وإن لم يدفع القيمة ، ولم يرتفع إلى القاضي إلا بعد سنة ، أو أكثر ، وإن كانت قيمته يوم أعتقه مائة دينار ، ثم نقصت ، ثم لم يرافعه إلى الحاكم حتى تصير عشرة أو زادت حتى تصير ألفا فسواء وقيمته مائة ، وإن كانت المعتقة أمة فولدت أولادا بعد العتق فالقيمة قيمة الأم يوم وقع العتق حاملا كانت ، أو غير حامل ، ولا قيمة لما حدث من الحمل ، ولا من الولادة بعد العتق ; لأنهم أولاد حرة
ولو كان العبد بين رجلين فأعتقه أحدهما وأعتقه الثاني بعد عتق الأول فعتقه باطل . وهذا إذا كان الأول موسرا فله ولاؤه وعليه قيمته ، وإن كان معسرا فعتق الثاني جائز والولاء بينهما ، وإن أعتقاه جميعا معا لم يتقدم أحدهما صاحبه في العتق كان حرا ولهما ، ولاؤه وهكذا إن وليا رجلا عتقه فأعتقه كان حرا وكان ، ولاؤه بينهما ، ولو قال : أحدهما لصاحبه إذا أعتقت فهو حر فأعتقه صاحبه كان حرا حين قال : المعتق ، ولا يكون حرا لو قال : إذا أعتقتك فأنت حر ; لأنه أوقع العتق بعد كمال الأول وكان كمن قال إذا أعتقته فهو حر ، ولا ألتفت إلى القول الآخر ، وإذا كان العبد بين شريكين فأعتقه أحدهما ، وهو معسر فنصيبه حر وللمعتق نصف ماله وللذي لم يعتق نصفه ، ولو كان موسرا كان حرا وضمن لشريكه نصف قيمته وكان مال العبد بينهما ، ولا مال للعبد إنما ماله لمالكه إن شاء أن يأخذه أخذه وعتقه غير هبة ماله .

( قال الشافعي ) وهو غير ماله ، وهو يقع عليه العتق ، ولا يقع على ماله ، ولو قال : رجل لغلامه أنت حر ولماله أنت حر كان الغلام حرا ، ولم يكن المال حرا ما كان المال من حيوان أو غيره لا يقع العتق إلا على بنى آدم .
وإذا أعتق الرجل عبدا بينه وبين رجل وله من المال ما يعتق عليه ثلاثة أرباعه ، أو أقل ، أو أكثر إلا أن الكل لا يخرج عتق عليه ما احتمل ماله منه وكان له من ، ولائه بقدر ما عتق منه ويرق منه ما بقي وسواء فيما وصفت العبد بين المسلمين ، أو المسلم والنصراني وسواء أيهما أعتقه وسواء كان العبد مسلما أو نصرانيا ، فإذا أعتقه النصراني ، وهو موسر فهو حر كله وله ولاؤه ، وهو فيه مثل المسلم إلا أنه لا يرثه لاختلاف الدينين كما لا يرث ابنه فإن أسلم بعد ، ثم مات المولى المعتق ورثه ، ولا يبعد النصراني أن يكون مالكا معتقا فعتق المالك جائز . وقد قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { الولاء لمن أعتق } ، ولا يكون مالكا لمسلم ، فلو أعتقه لم يجز عتقه ، فأما مالك معتق يجوز عتقه ، ولا يكون له ، ولاؤه فلم أسمع بهذا ، وهذا خلاف السنة
وإذا ملك الرجل أباه ، أو أمه بميراث عتقا عليه ، وإذا ملك بعضهما عتق منهما ما ملك ، ولم يكن عليه أن يقوما عليه ; لأن الملك لزمه وليس له دفعه ; لأنه ليس له دفع الميراث ; لأن حكم الله عز وجل أنه نقل ميراث الموتى إلى الأحياء الوارثين . ولكنه لو أوصى له ، أو وهب له ، أو تصدق به عليه ، أو ملكه بأي ملك ما شاء غير الميراث عتق عليه ، وإن ملك بعضهما بغير ميراث كان عليه أن يقوما عليه ، ولو اشترى بعضهما ; لأنه قد كان له دفع هذا الملك كله ، ولم يكن عليه قبوله ، ولم يكن مالكا له إلا بأن يشاء فكان اختياره الملك ملك ما له قيمة ، والعتق يلزم العبد أحب أو كره
ولو أعتق الرجل شقصا له في عبد قوم عليه فقال : عند القيمة إنه آبق ، أو سارق كلف البينة .

فإن جاء بها قوم كذلك ، وإن أقر له شريكه قوم كذلك ، وإن لم يقر له شريكه أحلف ، فإن حلف قوم بريا من الإباق والسرقة .

فإن نكل عن اليمين رددنا اليمين على المعتق فإن حلف قومناه آبقا سارقا ، وإن نكل قومناه صحيحا .
[ ص: 124 ] باب الوصية بعد الوصية

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أوصى رجل بوصية مطلقة ، ثم أوصى بعدها بوصية أخرى أنفذت الوصيتان معا .

، وكذلك إن أوصى بالأولى فجعل إنفاذها إلى رجل وبالأخرى فجعل إنفاذها إلى رجل كانت كل واحدة من الوصيتين إلى من جعلها إليه ، وإن كان قال في الأولى وجعل وصيته وقضاء دينه وتركته إلى فلان وقال : في الأخرى مثل ذلك كان كل ما قال في واحدة من الوصيتين ليس في الأخرى إلى الوصي في تلك الوصية دون صاحبه وكان قضاء دينه وولاية تركته إليهما معا ، ولو قال : في إحدى الوصيتين أوصى بما في هذه الوصية إلى فلان وقال : في الأخرى أوصى بما في هذه الوصية وولاية من خلف وقضاء دينه إلى فلان فهذا مفرد بما أفرده به من قضاء دينه وولاية تركته وما في وصيته ليست في الوصية الأخرى وشريك مع الآخر فيما في الوصية الأخرى .

باب الرجوع في الوصية .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وللرجل إذا أوصى بوصية تطوع بها أن ينقضها كلها ، أو يبدل منها ما شاء التدبير ، أو غيره ما لم يمت ، وإن كان في وصيته إقرار بدين ، أو غيره ، أو عتق بتات فذلك شيء واجب عليه أوجبه على نفسه في حياته لا بعد موته فليس له أن يرجع من ذلك في شيء .
باب ما يكون رجوعا في الوصية وتغييرا لها وما لا يكون رجوعا ، ولا تغييرا .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أوصى رجل بعبد بعينه لرجل ، ثم أوصى بذلك العبد بعينه لرجل فالعبد بينهما نصفان ، ولو قال العبد الذي أوصيت به لفلان لفلان ، أو قد أوصيت بالعبد الذي أوصيت به لفلان لفلان كان هذا ردا للوصية الأولى وكانت وصيته للآخر منهما ، ولو أوصى لرجل بعبد ، ثم أوصى أن يباع ذلك العبد كان هذا دليلا ثم إبطال وصيته به ، وذلك أن البيع والوصية لا يجتمعان في عبد ، وكذلك لو أوصى لرجل بعبد ، ثم أوصى بعتقه ، أو أخذ مال منه وعتقه كان هذا كله إبطالا للوصية به للأول ، ولو أوصى لرجل بعبد ، ثم باعه أو كاتبه ، أو دبره ، أو وهبه كان هذا كله إبطالا للوصية فيه ( قال الشافعي ) ولو أوصى به لرجل ، ثم أذن له في التجارة أو بعثه تاجرا إلى بلد ، أو أجره ، أو علمه كتابا ، أو قرآنا أو علما ، أو صناعة ، أو كساه ، أو وهب له مالا ، أو زوجه لم يكن شيء من هذا رجوعا في الوصية ، ولو كان الموصي به طعاما فباعه أو وهبه ، أو أكله ، أو كان حنطة فطحنها ، أو دقيقا فعجنه أو خبزه فجعلها سويقا كان هذا كله كنقض الوصية ، ولو أوصى له بما في هذا البيت من الحنطة ثم خلطها بحنطة غيرها كان هذا إبطالا للوصية ، ولو أوصى له مما في البيت بمكيلة حنطة ثم خلطها بحنطة مثلها لم يكن هذا إبطالا للوصية وكانت له المكيلة التي أوصى بها له .
[ ص: 125 ] تغيير وصية العتق أخبرنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا الشافعي إملاء قال : وللموصي أن يغير من وصيته ما شاء من تدبير وغير تدبير ; لأن الوصية عطاء يعطيه بعد الموت فله الرجوع فيه ما لم يتم لصاحبه بموته ، قال : وتجوز وصية كل من عقل الوصية من بالغ محجور عليه وغير بالغ لأنا إنما نحبس عليه ماله ما لم يبلغ رشده ، فإذا صار إلى أن يحول ملكه لغيره لم نمنعه أن يتقرب إلى الله تعالى في ماله بما أجازت له السنة من الثلث ، قال : ونقتصر في الوصايا على الثلث ، والحجة في أن يقتصر بها على الثلث ، وفي أن تجوز لغير القرابة حديث عمران بن حصين { أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند الموت فأقرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة } فاقتصر بوصيته على الثلث وجعل عتقه في المرض إذا مات وصية وأجازها للعبيد وهم غير قرابة وأحب إلينا أن يوصي للقرابة
( قال الشافعي ) وإذا أوصى رجل لرجل بثلث ماله ، أو شيء مسمى من دنانير ، أو دراهم ، أو عرض من العروض وله مال حاضر ، ولا يحتمل ما أوصى به ومال غائب فيه فضل عما أوصى به أعطينا الموصي له ما أوصى له بما بينه وبين أن يستكمل ثلث المال الحاضر وبقينا ما بقي له وكلما حضر من المال شيء دفعنا إلى الورثة ثلثيه وإلى الموصي له ثلثه حتى يستوفوا وصاياهم ، وإن هلك المال الغائب هلك منهم ومن الورثة ، وإن أبطأ عليهم أبطأ عليهم معا وأحسن حال الموصي له أبدا أن يكون كالوارث ما احتملت الوصية الثلث ، فإذا عجز الثلث عنها سقط معه فأما أن يزيد أحد بحال أبدا على ما أوصى له به قليلا ، أو كثيرا فلا إلا أن يتطوع له الورثة فيهبون له من أموالهم أرأيت من زعم أن رجلا لو أوصى لرجل بثلاثة دراهم وترك ثلاثة دراهم وعرضا غائبا يساوي ألفا فقال : أخير الورثة بين أن يعطوا الموصي له هذه الثلاثة دراهم كلها ويسلم لهم ثلث مال الميت ، أو أجبرهم على درهم من الثلاثة ; لأنه ثلث ما حضر وأجعل للموصي له ثلثي الثلث فيما غاب من ماله أليس كان أقرب إلى الحق وأبعد من الفحش في الظلم لو جبرهم على أن يعطوه من الثلاثة دراهم درهما ؟ ، فإذا لم يحز عنده أن يجبرهم على درهمين يدفعونهما من قبل أنه لا يكون له أن تسلم إليه وصيته ، ولم تأخذ الورثة ميراثهم كان أن يعطوه قيمة ألوف أحرم عليه وأفحش في الظلم ، وإنما أحسن حالات الموصى له أن يستوفي ما أوصي له به لا يزاد عليه بشيء ، ولا يدخل عليه النقص فأما الزيادة فلا تحل ولكن كلما حضر من مال الميت أعطينا الورثة الثلثين وله الثلث حتى يستوفي وصيته ، وكذلك لو أوصى له بعبد بعينه ، ولم يترك الميت غيره إلا مالا غائبا سلمنا له ثلثه وللورثة الثلثين وكلما حضر من المال الغائب شيء له ثلث زدنا الموصى له في العبد أبدا حتى يستوفي رقبته أو سقط الثلث فيكون له ما حمل الثلث ، ولا أبالي ترك الميت دارا ، أو أرضا ، أو غير ذلك ; لأنه لا مأمون في الدنيا قد تنهدم الدار وتحترق ويأتي السيل عليها فينسف أرضها وعمارتها وليس من العدل أن يكون للورثة ثلثان بكتاب الله عز وجل وللموصي له ثلث تطوعا من الميت فيعطى بالثلث ما لا تعطى الورثة بالثلثين .
باب وصية الحامل أخبرنا الربيع بن سليمان قال : ( قال الشافعي ) تجوز وصية الحامل ما لم يحدث لها مرض غير الحمل [ ص: 126 ] كالأمراض التي يكون فيها صاحبها مضنيا أو تجلس بين القوابل فيضربها الطلق ، فلو أجزت أن توصي حامل مرة ، ولا توصي أخرى كان لغيري أن يقول إذا ابتدأ الحمل تغثى نفسها وتغير عن حال الصحة وتكره الطعام فلا أجيز وصيتها في هذه الحال وأجزت وصيتها إذا استمرت في الحمل وذهب عنها الغثيان والنعاس وإقهام الطعام ، ثم يكون أولى أن يقبل قوله ممن فرق بين حالها قبل الطلق وليس في هذا وجه يحتمله إلا ما قلنا ; لأن الطلق حادث كالتلف ، أو كأشد وجع الأرض مضن وأخوفه ، أو لا تجوز وصيتها إذا حملت بحال ; لأنها حاملا مخالفة حالها غير حامل ، وقد قال في الرجل يحضر القتال تجوز هبته وجميع ما صنع في ماله في كل ما لم يجرح ، فإذا جرح جرحا مخوفا فهذا كالمرض المضني أو أشد خوفا فلا يجوز مما صنع في ماله إلا الثلث ، وكذلك الأسير يجوز له ما صنع في ماله ، وكذلك من حل عليه القصاص ما لم يقتل ، أو يجرح من قبل أنه قد يمكن أن يحيا .
صدقة الحي عن الميت

أخبرنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا الشافعي إملاء قال : يلحق الميت من فعل غيره وعمله ثلاث حج يؤدى عنه ومال يتصدق به عنه ، أو يقضى ودعاء فأما ما سوى ذلك من صلاة ، أو صيام فهو لفاعله دون الميت ، وإنما قلنا بهذا دون ما سواه استدلالا بالسنة في الحج خاصة والعمرة مثله قياسا ، وذلك الواجب دون التطوع ، ولا يحج أحد عن أحد تطوعا ; لأنه عمل على البدن فأما المال ، فإن الرجل يجب عليه فيما له الحق من الزكاة وغيرها فيجزيه أن يؤدي عنه بأمره ; لأنه إنما أريد بالفرض فيه تأديته إلى أهله لا عمل على البدن ، فإذا عمل امرؤ عني على ما فرض في مالي ، فقد أدى الفرض عني ، وأما الدعاء فإن الله عز وجل ندب العباد إليه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به ، فإذا جاز أن يدعى للأخ حيا جاز أن يدعى له ميتا ولحقه إن شاء الله تعالى بركه ذلك مع أن الله عز ذكره واسع لأن يوفي الحي أجره ويدخل على الميت منفعته ، وكذلك كلما تطوع رجل عن رجل صدقة تطوع .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-09-2022, 12:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (166)
صــــــــــ 155 الى صـــــــــــ160




( قال الشافعي ) وتفرق ثلاثة أخماس الخمس على من سمى الله عز وجل على اليتامى والمساكين وابن السبيل في بلاد الإسلام كلها يحصون ، ثم توزع بينهم لكل صنف منهم سهمه كاملا لا يعطى واحد من أهل السهمان سهم صاحبه .

( قال الشافعي ) وقد مضى النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي ماضيا وصلى الله عليه وملائكته [ ص: 155 ] فاختلف أهل العلم عندنا في سهمه فمنهم من قال : يرد على السهمان التي ذكرها الله عز وجل معه ; لأني رأيت المسلمين قالوا فيمن سمي له سهم من أهل الصدقات فلم يوجد يرد على من سمي معه . وهذا مذهب يحسن ، وإن كان قسم الصدقات مخالفا قسم الفيء ، ومنهم من قال : يضعه الإمام حيث رأى على الاجتهاد للإسلام وأهله ، ومنهم من قال يضعه في الكراع والسلاح .

( قال الشافعي ) والذي أختار أن يضعه الإمام في كل أمر حصن به الإسلام وأهله من سد ثغر وإعداد كراع ، أو سلاح ، أو إعطاء أهل البلاء في الإسلام نفلا عند الحرب وغير الحرب إعدادا للزيادة في تعزير الإسلام وأهله على ما صنع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطى المؤلفة ونفل في الحرب وأعطى عام خيبر نفرا من أصحابه من المهاجرين والأنصار أهل الحاجة وفضل وأكثرهم أهل فاقة نرى ذلك كله والله تعالى أعلم من سهمه .

وقال بعض الناس بقولنا في سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل وزاد سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى : فقلت له أعطيت بعض من قسم الله عز وجل له ماله وزدته ومنعت بعض من قسم الله له ماله فخالفت الكتاب والسنة فيما أعطيت ومنعت .

فقال : ليس لذي القربى منه شيء .

( قال الشافعي ) وكلمونا فيه بضروب من الكلام قد حكيت ما حضرني منها وأسأل الله التوفيق فقال : بعضهم ما حجتكم فيه ؟ قلت الحجة الثابتة من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه .

وذكرت له القرآن والسنة فيه قال فإن سفيان بن عيينة روى عن محمد بن إسحاق قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي ما صنع علي رحمه الله في الخمس ؟ فقال سلك به طريق أبي بكر وعمر وكان يكره أن يؤخذ عليه خلافهما ، وكان هذا يدل على أنه كان يرى فيه رأيا خلاف رأيهما فاتبعهما .

فقلت له هل علمت أن أبا بكر قسم على العبد والحر وسوى بين الناس وقسم عمر فلم يجعل للعبيد شيئا وفضل بعض الناس على بعض وقسم علي فلم يجعل للعبيد شيئا وسوى بين الناس ؟ قال : نعم : قلت أفتعلمه خالفهما معا ؟ قال : نعم : قلت أو تعلم عمر قال : لا تباع أمهات الأولاد وخالفه علي ؟ قال : نعم : قلت وتعلم أن عليا خالف أبا بكر في الجد ؟ قال : نعم : قلت فكيف جاز لك أن يكون هذا الحديث عندك على ما وصفت من أن عليا رأى غير رأيهما فاتبعهما وبين عندك أنه قد يخالفهما فيما وصفنا ، وفي غيره ؟ قال : فما قوله سلك به طريق أبي بكر وعمر ، قلت هذا كلام جملة يحتمل معاني فإن قلت كيف صنع فيه علي ؟ فذلك يدلني على ما صنع فيه أبو بكر وعمر .

( قال الشافعي ) وأخبرنا عن جعفر بن محمد عن أبيه أن حسنا وحسينا وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر سألوا عليا رضي الله عنه وعنهم نصيبهم من الخمس فقال : هو لكم حق ولكني محارب معاوية فإن شئتم تركتم حقكم منه .

( قال الشافعي ) فأخبرت بهذا الحديث عبد العزيز بن محمد فقال : صدق : هكذا كان جعفر يحدثه أفما حدثكه عن أبيه عن جده ؟ قلت : لا قال ما أحسبه إلا عن جده : قال : فقلت له أجعفر أوثق وأعرف بحديث أبيه أم ابن إسحاق ؟ قال : بل جعفر ، فقلت له هذا بين لك إن كان ثابتا أن ما ذهبت إليه من ذلك على غير ما ذهبت إليه فينبغي أن يستدل أن أبا بكر وعمر أعطياه أهله

( قال الشافعي ) محمد بن علي مرسل عن أبي بكر وعمر وعلي لا أدري كيف كان هذا الحديث ، قلت : وكيف احتججت به إن كان حجة فهو عليك ، وإن لم يكن حجة فلا تحتج بما ليس بحجة واجعله كما لم يكن : قال : فهل في حديث جعفر أعطاهموه ؟ قلت أيجوز على علي ، أو على رجل دونه أن يقول هو لكم حق ثم يمنعهم ؟ قال : نعم إن طابت أنفسهم قلنا : وهم إن طابت أنفسهم عما في أيديهم من مواريث آبائهم وأكسابهم حل له أخذه .

قال : فإن الكوفيين قد رووا فيه عن أبي بكر وعمر شيئا أفعلمته ؟ قلت : نعم ورووا ذلك عن [ ص: 156 ] أبي بكر وعمر مثل قولنا ، قال : وما ذاك ؟ قلت أخبرنا إبراهيم بن محمد عن مطر الوراق ورجل لم يسمه كلاهما عن الحكم بن عيينة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : لقيت عليا عند أحجار الزيت ، فقلت له بأبي وأمي ما فعل أبو بكر وعمر في حقكم أهل البيت من الخمس ؟ فقال : علي أما أبو بكر فلم يكن في زمانه أخماس وما كان ، فقد أوفاناه وأما عمر فلم يزل يعطيناه حتى جاء مال السوس والأهواز ، أو قال : فارس قال الربيع أنا أشك " فقال : في حديث مطر ، أو حديث الآخر ، فقال : في المسلمين خلة فإن أحببتم تركتم حقكم فجعلناه في خلة المسلمين حتى يأتينا مال فأوفيكم حقكم منه : فقال العباس لعلي لا نطمعه في حقنا : فقلت يا أبا الفضل ألسنا أحق من أجاب أمير المؤمنين ورفع خلة المسلمين فتوفي عمر قبل أن يأتيه مال فيقضيناه .

وقال الحكم في حديث مطر أو الآخر إن عمر قال : لكم حق ، ولا يبلغ علمي إذ كثر أن يكون لكم كله فإن شئتم أعطيتكم منه بقدر ما أرى لكم فأبينا عليه إلا كله فأبى أن يعطينا كله ، فقال : فإن الحكم يحكى عن أبي بكر وعمر أنهما أعطيا ذوي القربى حقهم ، ثم تختلف الرواة عنه في عمر فتقول مرة أعطاهم حتى جاءهم مال السوس ثم استسلفه منهم للمسلمين .

وهذا تمام على إعطائهم القليل والكثير منه وتقول مرة أعطاهموه حتى كثر ، ثم عرض عليهم حين كثر أن يعطيهم بعض ما يراه لهم حقا لا كله ، وهذا أعطاهم بعضه دون بعض ، وقد روى الزهري عن ابن هرمز عن ابن عباس عن عمر قريبا من هذا المعنى قال : فكيف يقسم سهم ذي القربى وليست الرواية فيه عن أبي بكر وعمر متواطئة ؟ وكيف يجوز أن يكون حقا لقوم ، ولا يثبت عنهما من كل وجه أنهما أعطياه عطاء بينا مشهورا ؟ فقلت له قولك هذا قول من لا علم له ، قال : وكيف ؟ قلت هذا الحديث يثبت عن أبي بكر أنه أعطاهموه في هذا الحديث وعمر حتى كثر المال ، ثم اختلف عنه في الكثرة وقلت أرأيت مذهب أهل العلم في القديم والحديث إذا كان الشيء منصوصا في كتاب الله عز وجل مبينا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو فعله أليس يستغنى به عن أن يسأل عما بعده ويعلم أن فرض الله عز وجل على أهل العلم اتباعه ؟ قال : بلى : قلت : قلت أفتجد سهم ذي القربى مفروضا في آيتين من كتاب الله تبارك وتعالى مبينا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفعله ثابت بما يكون من أخبار الناس من وجهين ، أحدهما ثقة المخبرين به واتصاله وأنهم كلهم أهل قرابة برسول الله صلى الله عليه وسلم الزهري من أخواله وابن المسيب من أخوال أبيه وجبير بن مطعم ابن عمه وكلهم قريب منه في جذم النسب وهم يخبرونك مع قرابتهم وشرفهم أنهم مخرجون منه وأن غيرهم مخصوص به دونه ويخبرك أنه طلبه هو وعثمان فمنعاه وقرابتهما في حدم النسب قرابة بني المطلب الذين أعطوه .

قال نعم : قلت فمتى تجد سنة أبدا أثبتت بفرض الكتاب وصحة الخبر وهذه الدلالات من هذه السنة لم يعارضها عن النبي صلى الله عليه وسلم معارض بخلافها وكيف تريد إبطال اليمين مع الشاهد بأن تقول : ظاهر الكتاب يخالفهما ، وهو لا يخالفهما ، ثم نجد الكتاب بينا في حكمين منه بسهم ذي القربى من الخمس معه السنة فتريد إبطال الكتاب والسنة هل تعلم قولا أولى بأن يكون مردودا من قولك هذا وقول من قال قولك ؟ .

( قال الشافعي ) له أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال أراك قد أبطلت سهم ذي القربى من الخمس ، فأنا أبطل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل قال : ليس ذلك له قلنا فإن قال فأثبت لي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهموه ، أو أن أبا بكر وعمر أعطاهموه ، أو أحدهما . قال : ما فيه خبر ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عمن بعده غير أن الذي يجب علينا أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه من أعطى الله إياه ، وأن أبا بكر وعمر عملا بذلك بعده إن [ ص: 157 ] شاء الله تعالى : قلنا أفرأيت لو قال : فأراك تقول نعطي اليتامى والمساكين وابن السبيل سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى فإن جاز لك أن يكون الله عز وجل قسمه على خمسة فجعلته لثلاثة فأنا أجعله كله لذوي القربى ; لأنهم مبدءون في الآية على اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعرفون معرفتهم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ذوي القربى ، ولا أجد خبرا مثل الخبر الذي يحكي أنه عليه الصلاة والسلام أعطى ذوي القربى سهمهم واليتامى والمساكين وابن السبيل ، ولا أجد ذلك عن أبي بكر ، ولا عمر فقال : ليس ذلك له : قلنا ولم ؟ قال : لأن الله تعالى إذ قسم لخمسة لم يجز أن يعطاها واحد .

قلت فكيف جاز لك . وقد قسم الله عز وجل لخمسة أن أعطيته ثلاثة وذوو القربى موجودون ؟ ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فقال لعل هذا إنما كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لمكانهم منه فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لهم قلت له أيجوز لأحد نظر في العلم أن يحتج بمثل هذا ؟ قال ولم لا يجوز إذا كان يحتمل ، وإن لم يكن ذلك في الخبر ، ولا شيء يدل عليه ؟ قلت : فإن عارضك جاهل بمثل حجتك فقال : ليس لليتامى والمساكين وابن السبيل بعد النبي صلى الله عليه وسلم شيء ; لأنه يحتمل أن يكون ذلك حقا ليتامى المهاجرين والأنصار الذين جاهدوا في سبيل الله مع رسوله وكانوا قليلا في مشركين كثير ونابذوا الأبناء والعشائر وقطعوا الذمم وصاروا حزب الله فهذا لأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، فإذا مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار الناس مسلمين ورأينا ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن لآبائه سابقة معه من حسن اليقين والفضل أكثر ممن يرى أخذوا وصار الأمر واحد فلا يكون لليتامى والمساكين وابن السبيل شيء إذا استوى في الإسلام ، قال ليس ذلك له قلت ولم ؟ قال ; لأن الله عز وجل إذا قسم شيئا فهو نافذ لمن كان في ذلك المعنى إلى يوم القيامة قلت له ، فقد قسم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لذوي القربى فلم لم تره نافذا لهم إلى يوم القيامة ؟ قال : فما منعك أن أعطيت ذوي القربى أن تعطيهم على معنى الحاجة فيقضى دين ذي الدين ويزوج العزب ويخدم من لا خادم له ، ولا يعطى الغني شيئا : قلت له منعني أني وجدت كتاب الله عز وجل ذكره في قسم الفيء وسنة النبي صلى الله عليه وسلم المبينة عن كتاب الله عز وجل على غير هذا المعنى الذي دعوت إليه ، وأنت أيضا تخالف ما دعوت إليه .

فتقول لا شيء لذوي القربى ، قال : إني أفعل فهلم الدلالة على ما قلت قلت قول الله عز وجل { وللرسول ولذي القربى } فهل تراه أعطاهم بغير اسم القرابة ؟ قال : لا ، وقد يحتمل أن يكون أعطاهم باسم القرابة ومعنى الحاجة : قلت فإن وجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى من ذوي القربى غنيا لا دين عليه ، ولا حاجة به بل يعول عامة أهل بيته ويتفضل على غيره لكثرة ماله ، وما من الله عز وجل به عليه من سعة خلقه ، قال : إذا يبطل المعنى الذي ذهبت إليه ، قلت ، فقد أعطى أبا الفضل العباس بن عبد المطلب ، وهو كما وصفت في كثرة المال يعول عامة بني المطلب ويتفضل على غيرهم ، قال : فليس لما قلت من أن يعطوا على الحاجة معنى إذا أعطيه الغني ، وقلت له أرأيت لو عارضك معارض أيضا فقال : قال : الله عز وجل في الغنيمة { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية ، فاستدللنا أن الأربعة الأخماس لغير أهل الخمس فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها من حضر القتال ، وقد يحتمل أن يكون أعطاهموها على أحد معنيين ، أو عليهما ، فيكون أعطاها أهل الحاجة ممن حضر دون أهل الغنى عنه ، أو قال : قد يجوز إذا كان بالغلبة [ ص: 158 ] أعطاهموه أن يكون أعطاه أهل البأس والنجدة دون أهل العجز عن الغناء ، أو أعطاه من جمع الحاجة والغناء ما تقول له ؟ قال : أقول : ليس ذلك له قد أعطى الفارس ثلاثة أسهم والراجل سهما قلت : أفيجوز أن يكون أعطى الفارس والراجل ممن هو بهذه الصفة ؟ قال : إذا حكي أنه أعطى الفارس والراجل فهو عام حتى تأتي دلالة بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خاص ، وهو على الغني والفقير والعاجز والشجاع لأنا نستدل أنهم أعطوه لمعنى الحضور ، فقلت له : فالدلالة على أن ذوي القربى أعطوا سهم ذوي القربى بمعنى القرابة مثله ، أو أبين قلت فيمن حضر أرأيت لو قال : قائل ما غنم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ليس بالكثير ، فلو غزا قوم فغنموا غنائم كثيرة أعطيناهم بقدر ما كانوا يأخذون في زمان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس ذلك له ، قد علم الله أن يستغنموا القليل والكثير ، فإذا بين النبي صلى الله عليه وسلم أن لهم أربعة أخماس فسواء قلت ، أو كثرت أو قلوا ، أو كثروا ، أو استغنوا أو افتقروا : قلت فلم لا تقول هذا في سهم ذي القربى ؟ .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقلت له أرأيت لو غزا نفر يسير بلاد الروم فغنموا ما يكون السهم فيه مائة ألف وغزا آخرون الترك فلم يغنموا درهما ولقوا قتالا شديدا أيجوز أن تصرف من التكثير الذي غنمه القليل بلا قتال من الروم شيئا إلى إخوانهم المسلمين الكثير الذين لقوا القتال الشديد من الترك ، ولم يغنموا شيئا ؟ قال : لا قلت ، ولم وكل يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ؟ قال : لا يغير شيء عن موضعه الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بمعنى ، ولا علة ، قلت ، وكذلك قلت في الفرائض التي أنزلها الله عز وجل ، وفيما جاء منها عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : وما ذلك ؟ قلت أرأيت لو قال لك : قد يكون ورثوا لمعنى منفعتهم للميت كانت في حياته وحفظه بعد وفاته ، ومنفعة كانت لهم ومكانهم كان منه وما يكون منهم مما يتخلى منه غيرهم فأنظر فأيهم كان أحب إليه وخيرا له في حياته وبعد وفاته وأحوج إلى تركته وأعظم مصيبة به بعد موته فأجعل لهم سهم من خالفهم هذا ممن كان يسيء إليه في حياته وإلى تركته بعد موته ، وهو غني عن ميراثه قال : ليس له ذلك بل ينفل ما جعله الله عز وجل لمن جعله قلت وقسم الغنيمة والفيء والمواريث والوصايا على الأسماء دون الحاجة ؟ قال : نعم قلت له بل قد يعطى أيضا من الفيء الغني والفقير قال : نعم قد أخذ عثمان وعبد الرحمن عطاءهما ولهما غنى مشهور فلم يمنعاه من الغنى قلت فما بال سهم ذوي القربى ، وفيه الكتاب والسنة ، وهو أثبت ممن قسم له ممن معه من اليتامى وابن السبيل وكثير مما ذكرنا ، أدخلت فيه ما لا يجوز أن يدخل في مثله أضعف منه ؟ قال : فأعاد هو وبعض من يذهب مذهبه قالوا أردنا أن يكون ثابتا عن أبي بكر وعمر قلت له أو ما يكتفى بالكتاب والسنة ؟ .

قال : بلى قلت ، فقد أعدت هذا أفرأيت إذا لم يثبت بخبر صحيح عن أبي بكر ، ولا عمر إعطاء اليتامى والمساكين وابن السبيل أطرحتهم ؟ قال : لا قلت أورأيت إذا لم يثبت عن أبي بكر أنه أعطى المبارز السلب ويثبت عن عمر أنه أعطاه أخرى وخمسه فكيف ؟ قلت فيه : وكيف استخرجت تثبيت السلب إذا ؟ قال : الإمام هو لمن قتل وليس يثبت عن أبي بكر وخالفت عمر في الكثير منه وخالفت ابن عباس ، وهو يقول السلب من الغنيمة ، وفي السلب الخمس لقول الله عز وجل { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية ، قال : إذا ثبت الشيء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يوهنه أن لا يثبت عمن بعده ، ولا من خالفه من بعده قلت ، وإن كان معهم التأويل ؟ قال : وإن ; لأن الحجة في رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت له قد ثبت حكم الله عز وجل وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لذوي القربى بسهمهم فكيف أبطلته وقلت ، وقد قال : الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وقال : النبي صلى الله عليه وسلم { فيما سقي بالسماء العشر } [ ص: 159 ] لم يخص مال دون مال في كتاب الله عز وجل ، ولا في هذا الحديث وقال : إبراهيم النخعي فيما أنبتت الأرض فكيف ؟ قلت ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ؟ قال : فإن أبا سعيد لو رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له هل تعلم أحدا رواه تثبت روايته غير أبي سعيد ؟ قال لا قلت أفالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى لذي القربى سهمهم أثبت رجالا وأعرف وأفضل أم من روى دون أبي سعيد عن أبي سعيد هذا الحديث ؟ قال : بل من روى منهم ذي القربى قلت ، وقد قرأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عهود : عهده لابن سعيد بن العاص على البحرين وعهده لعمرو بن حزم على نجران وعهدا ثالثا ولأبي بكر عهدا ولعمر عهودا ولعثمان عهودا فما وجدت في واحد منها قط { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } .

وقد عهدوا في العهود التي قرأت على العمال ما يحتاجون إليه من أخذ الصدقة وغيرها ، ولا وجدنا أحدا قط يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث ثابت { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } غير أبي سعيد ، ولا وجدنا أحدا قط يروي ذلك عن أبي بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، ولا علي فهل وجدته ؟ قال : لا قلت أفهذا ; لأنهم يأخذون صدقات الناس من الطعام في جميع البلدان ، وفي السنة مرارا لاختلاف زروع البلدان وثمارها أولى أن يؤخذ عنهم مشهورا معروفا أم سهم ذي القربى الذي هو لنفر بعدد ، وفي وقت واحد من السنة ؟ قال : كلاهما مما كان ينبغي أن يكون مشهورا قلت أفتطرح حديث أبي سعيد { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } ; لأنه ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من وجه واحد وأن إبراهيم النخعي تأول ظاهر الكتاب وحديثا مثله ويخالفه هو ظاهر القرآن ; لأن المال يقع على ما دون خمسة أوسق وأنه غير موجود عن أبي بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، ولا علي ؟ قال : لا ولكني أكتفي بالسنة من هذا كله فقلت له قال : الله عز وجل { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } الآية .

وقد قال : ابن عباس وعائشة وعبيد بن عمير لا بأس بأكل سوى ما سمى الله عز وجل أنه حرام واحتجوا بالقرآن وهم كما تعلم في العلم والفضل وروى أبو إدريس عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع } ووافقه الزهري فيما يقول قال : كل ذي ناب من السباع حرام والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم بمعنى ما أراد الله عز وجل وذكره من خالف شيئا مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس في قوله حجة ، ولو علم الذي قال قولا يخالف ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله رجع إليه ، وقد يعزب عن الطويل الصحبة السنة ويعلمها بعيد الدار قليل الصحبة وقلت له جعل أبو بكر وابن عباس وعائشة وابن الزبير وعبد الله بن أبي عتبة وغيرهم الجد أبا وتأولوا القرآن فخالفته لقول زيد وابن مسعود قال : نعم وخالفت أبا بكر في إعطاء المماليك فقلت لا يعطون قال : نعم وخالفت عمر في امرأة المفقود والبتة ، وفي التي تنكح في عدتها ، وفي أن ضعف الغرم على سراق ناقة المزني وفي أن قضى في القسامة بشطر الدية ، وفي أن جلد في التعريض الحد ، وجلد في ريح الشراب الحد ، وفي أن جلد وليدة حاطب وهي ثيب حد الزنا حد البكر ، وفي شيء كثير منه ما تخالفه لقول غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومنه ما تخالفه ، ولا مخالف له منهم قال : نعم أخالفه لقول غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قلت له وسعد بن عبادة قسم ماله صحيحا بين ورثته ، ثم مات فجاء أبو بكر وعمر قيسا فقالا : نرى أن تردوا عليه فقال قيس بن سعد لا أرد شيئا قضاه سعد ووهب لهم نصيبه وأنت تزعم أن ليس عليهم رد شيء أعطوه وليس لأبي بكر وعمر في هذا مخالف من أصحابهما فترد قولهما مجتمعين ، ولا مخالف لهما وترد قولهما مجتمعين في قطع يد السارق بعد يده ورجله لا مخالف لهما إلا ما لا يثبت مثله عن علي رضوان الله تعالى عليه .

( قال الشافعي ) رحمه الله [ ص: 160 ] ثم عددت عليه ثلاث عشرة قضية لعمر بن الخطاب لم يخالفه فيها غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحديث يثبت مثله نأخذ بها نحن ويدعها هو منها أن عمر قال : في التي نكحت في عدتها فأصيبت تعتد عدتين وقال : علي ومنها أن عمر قضى في الذي لا يجد ما ينفق على امرأته أن يفرق بينهما ومنها أن عمر رأى أن الأيمان في القسامة على قوم ، ثم حولها على آخرين فقال : إنما ألزمنا الله عز وجل قول رسوله صلى الله عليه وسلم وفرض علينا أن نأخذ به أفيجوز أن تخالف شيئا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو خالفه مائة وأكثر ما كانت فيهم حجة قلت ، فقد خالفت كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في سهم ذي القربى ، ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه خالفه قال : فقد روي عن ابن عباس كنا نراه لنا فأبى ذلك علينا قومنا قلت هذا كلام عربي يخرج عاما ، وهو يراد به الخاص قال : ومثل ماذا ؟ .

قلت مثل قول الله عز وجل { الذين قال لهم الناس } الآية فنحن وأنت نعلم أن لم يقل ذلك إلا بعض الناس والذين قالوه أربعة نفر وأن لم يجمع لهم الناس كلهم إنما جمعت لهم عصابة انصرفت عنهم من أحد قال : هذا كله هكذا ؟ قلت إذا لم يسم ابن عباس أحدا من قومه ألم تره كلاما من كلهم وابن عباس يراه لهم ؟ فكيف لم تحتج بأن ابن عباس لا يراه لهم إلا حقا عنده واحتججت بحرف جملة خبر فيه أن غيره قد خالفه فيه مع أن الكتاب والسنة فيه أثبت من أن يحتاج معهما إلى شيء ، قال : أفيجوز أن قول ابن عباس فأبى ذلك علينا قومنا يعني غير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قلت : نعم يجوز أن يكون عنى به يزيد بن معاوية وأهله قال : فكيف لم يعطهم عمر بن عبد العزيز سهم ذي القربى ؟ قلت فأعطى عمر بن عبد العزيز سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل قال : لا أراه إلا قد فعل قلت أفيجوز أن تقول أراه قد فعل في سهم ذي القربى ؟ قال : أراه ليس بيقين قلت أفتبطل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل حتى تتيقن أن قد أعطاهموه عمر بن عبد العزيز قال : لا قلت ، ولو قال : عمر بن عبد العزيز في سهم ذي القربى لا أعطيهموه وليس لهم كان علينا أن نعطيهموه إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطاهموه قال : نعم قلت وتخالف عمر بن عبد العزيز في حكم لو حكم به لم يخالفه فيه غيره ؟ قال : وهو رجل من التابعين لا يلزمنا قوله ، وإنما هو كأحدنا قلت فكيف احتججت بالتوهم عنه ، وهو عندك هكذا ؟ قال : فعرضت بعض ما حكيت مما كلمت به من كلمني في سهم ذي القربى على عدد من أهل العلم من أصحابنا وغيرهم فكلهم قال : إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فالفرض من الله عز وجل على خلقه اتباعه ، والحجة الثابتة فيه ومن عارضه بشيء يخالفه عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مخطئ ثم إذا كان معه كتاب الله عز وجل فذلك ألزم له وأولى أن لا يحتج أحد معه .

وسهم ذي القربى ثابت في الكتاب والسنة
الخمس فيما لم يوجف عليه

( أخبرنا الربيع ) قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى وما أخذ الولاة من المشركين من جزيتهم والصلح عن أرضهم وما أخذ من أموالهم إذا اختلفوا في بلاد المسلمين ومن أموالهم إن صالحوا بغير إيجاف خيل ، ولا ركاب ومن أموالهم إن مات منهم ميت لا وارث له وما أشبه هذا مما أخذه الولاة من مال المشركين فالخمس في جميعه ثابت فيه ، وهو على ما قسمه الله عز وجل لمن قسمه له من أهل












__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 23-08-2022, 09:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (162)
صــــــــــ 127 الى صـــــــــــ133






. باب الأوصياء ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولا تجوز الوصية إلا إلى بالغ مسلم عدل ، أو امرأة كذلك ، ولا تجوز إلى عبد أجنبي ، ولا عبد الموصي ، ولا عبد الموصى له ، ولا إلى أحد لم تتم فيه الحرية من مكاتب ، ولا غيره ، ولا تجوز وصية مسلم إلى مشرك فإن قال قائل فكيف لم تجز الوصية إلى من ذكرت أنها لا تجوز إليه ؟ قيل : لا تعدو الوصية أن تكون كوكالة الرجل في الحق له فلسنا نرد على رجل وكل عبدا كافرا خائنا ; لأنه أملك بماله ونجيز له أن يوكل بما يجوز له في ماله ، ولا نخرج من يديه ما دفع إليه منه ، ولا نجعل عليه فيه أمينا ، ولا أعلم أحدا يجيز في الوصية ما يجيز في الوكالة من هذا وما أشبهه ، فإذا صاروا إلى أن لا يجيزوا هذا في الوصية فلا وجه للوصية إلا بأن يكون الميت نظر لمن أوصى له بدين وتطوع من ولاية ولده فأسنده إليه بعد موته فلما خرج من ملك الميت فصار يملكه وارث ، أو ذو دين ، أو موصى له لا يملكه الميت ، فإذا قضى عليهم فيما كان لهم بسببه قضاء يجوز أن يبتدئ الحاكم القضاء لهم به ; لأنه نظر لهم أجزته وكان فيه معنى أن يكون من أسند ذلك إليه يعطف عليهم من الثقة بمودة للميت أو للموصى لهم ، فإذا ولى حرا [ ص: 127 ] أو حرة عدلين أجزنا ذلك لهما بما وصفت من أن ذلك يصلح على الابتداء للحاكم أن يولي أحدهما ، فإذا لم يول من هو في هذه الصفة بان لنا أن قد أخطأ عامدا ، أو مجتهدا على غيره ، ولا نجيز خطأه على غيره إذا بان ذلك لنا كما تجيز أمر الحاكم فيما احتمل أن يكون صوابا ، ولا نجيزه فيما بان خطؤه ونجيز أمر الوالي فيما صنع نظرا ونرده فيما صنع من مال من يلي غير نظر ونجيز قول الرجل والمرأة في نفسه فيما أمكن أن يكون صدقا ، ولا نجيزه فيما لا يمكن أن يكون صدقا وهكذا كل من شرطنا عليه في نظره أن يجوز بحال لم يجز في الحال التي يخالفها
وإذا أوصى الرجل إلى من تجوز وصيته ، ثم حدث للموصى إليه حال تخرجه من حد أن يكون كافيا لما أسند إليه ، أو أمينا عليه أخرجت الوصية من يديه إذا لم يكن أمينا وأضم إليه إذا كان أمينا ضعيفا عن الكفاية قويا على الأمانة فإن ضعف عن الأمانة أخرج بكل حال وكلما صار من أبدل مكان وصي إلى تغير في أمانة ، أو ضعف كان مثل الوصي يبدل مكانه كما يبدل مكان الوصي إذا تغيرت حاله ، وإذا أوصى إلى رجلين فمات أحدهما ، أو تغيرت حاله أبدل مكان الميت ، أو المتغير رجل آخر ; لأن الميت لم يرض قيام أحدهما دون الآخر ، ولو أوصى رجل إلى رجل فمات الموصى إليه وأوصى بما أوصى به إلى رجل لم يكن وصي الوصي وصيا للميت الأول لأن الميت الأول لم يرض الموصى الآخر
( قال الشافعي ) ولو قال أوصيت إلى فلان فإن حدث به حدث ، فقد أوصيت إلى من أوصى إليه لم يجز ذلك ; لأنه إنما أوصى بمال غيره وينبغي للقاضي أن ينظر فيمن أوصى إليه الوصي الميت فإن كان كافيا أمينا ، ولم يجد آمن منه ، أو مثله في الأمانة ممن يراه أمثل لتركة الميت من ذي قرابة الميت ، أو مودة له ، أو قرابة لتركته ، أو مودة لهم ابتدأ لتوليته بتركة الميت ، وإن وجد أكفأ وأملأ ببعض هذه الأمور منه ولى الذي يراه أنفع لمن يوليه أمره إن شاء الله تعالى
( قال الشافعي ) وإذا اختلف الوصيان ، أو الموليان ، أو الوصي ، ولا مولى معه في المال قسم ما كان منه يقسم فجعل في أيديهما نصفين وأمر بالاحتفاظ بما لا يقسم منه معا
وإذا أوصى الميت بإنكاح بناته إلى رجل فإن كان وليهن الذي لا أولى منه زوجهن بولاية النسب أو الولاء دون الوصية جاز ، وإن لم يكن وليهن لم يكن له أن يزوجهن ، وفي إجازة تزويج الوصي إبطال للأولياء إذا كان الأولياء أهل النسب ، ولا يجوز أن يلي غير ذي نسب فإن قال قائل يجوز بوصية الميت أن يلي ما كان يلي الميت ؟ فالميت لا ولاية له على حي فيكون يلي أحد بولاية الميت إذا مات صارت الولاية لأقرب الناس بالمزوجة من قبل أبيها بعده أحبت ذلك ، أو كرهته ، ولو جاز هذا لوصي الأب جاز لوصي الأخ والمولى ولكن لا يجوز لوصي فإن قيل : قد يوكل أبوها الرجل فيزوجها فيجوز ؟ قيل : نعم ووليها من كان والولاية حينئذ للحي منهما والوكيل يقوم مقامه
( قال الشافعي ) فإذا قال الرجل قد أوصيت إلى فلان بتركتي ، أو قال : قد أوصيت إليه بمالي ، أو قال : بما خلفت .

( قال الربيع ) أنا أجيب فيها أقول : يكون وصيا بالمال ، ولا يكون إليه من النكاح شيء إنما النكاح إلى العصبة الأقرب فالأقرب من المزوجة والله تعالى أعلم .
باب ما يجوز للوصي أن يصنعه في أموال اليتامى .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : يخرج الوصي من مال اليتيم كل ما لزم اليتيم من زكاة ماله وجنايته وما لا غنى به عنه من كسوته ونفقته بالمعروف ، وإذا بلغ الحلم ، ولم يبلغ رشده زوجه ، وإذا احتاج إلى خادم ومثله يخدم اشترى له خادما ، وإذا ابتاع له نفقة وكسوة فسرق ذلك أخلف له مكانها ، وإن [ ص: 128 ] أتلف ذلك فأته يوما يوما وأمره بالاحتفاظ بكسوته فإن أتلفها رفع ذلك إلى القاضي وينبغي للقاضي أن يحبسه في إتلافها ويخيفه ، ولا بأس بأن يأمر أن يكسى أقل ما يكفيه في البيت مما لا يخرج فيه ، فإذا رأى أن قد أدبه أمر بكسوته ما يخرج فيه وينفق على امرأته إن زوجه وخادم إن كانت لها بالمعروف ويكسوها ، وكذلك ينفق على جاريته إن اشتراها له ليطأها ، ولا أرى أن يجمع له امرأتين ولا جاريتين للوطء ، وإن اتسع ماله لأنا إنما نعطيه منه ما فيه الكفاية مما يخرج من حد الضيق وليس بامرأة ، ولا جارية لوطء ضيق إلا أن تسقم أيتهما كانت عنده حتى لا يكون فيها موضع للوطء فينكح ، أو يتسرى إذا كان ماله محتملا لذلك ، وهذا ما لا صلاح له إلا به إن كان يأتي النساء فإن كان مجبوبا أو حصورا فأراد جارية يتلذذ بها لم تشتر له ، وإن أراد جارية للخدمة اشتريت له فإن أراد أن يتلذذ بها تلذذ بها ، وإن أراد امرأة لم يزوجها ; لأن هذا مما له منه بد ، وإذا زوج المولى عليه فأكثر طلاقها أحببت أن يتسرى فإن أعتق فالعتق مردود عليه .
الوصية التي صدرت من الشافعي رضي الله عنه قال الربيع بن سليمان : هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس بن العباس الشافعي في شعبان سنة ثلاث ومائتين وأشهد الله عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وكفى به جل ثناؤه شهيدا ، ثم من سمعه أنه شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله لم يزل يدين بذلك وبه يدين حتى يتوفاه الله ويبعثه عليه إن شاء الله وأنه يوصي نفسه وجماعة من سمع وصيته بإحلال ما أحل الله عز وجل في كتابه ، ثم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وتحريم ما حرم الله في الكتاب ، ثم في السنة وأن لا يجاوز من ذلك إلى غيره وأن مجاوزته ترك رضا الله وترك ما خالف الكتاب والسنة وهما من المحدثات والمحافظة على أداء فرائض الله عز وجل في القول والعمل والكف عن محارمه خوفا لله وكثرة ذكر الوقوف بين يديه { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا } وأن تنزل الدنيا حيث أنزلها الله فإنه لم يجعلها دار مقام إلا مقام مدة عاجلة الانقطاع ، وإنما جعلها دار عمل وجعل الآخرة دار قرار وجزاء فيها بما عمل في الدنيا من خير ، أو شر إن لم يعف الله جل ثناؤه ، وأن لا يخال أحدا إلا أحدا خاله لله فمن يفعل الخلة في الله - تبارك وتعالى - ويرجى منه إفادة علم في دين وحسن أدب في الدنيا ، وأن يعرف المرء زمانه ويرغب إلى الله تعالى ذكره في الخلاص من شر نفسه فيه ، ويمسك عن الإسراف من قول ، أو فعل في أمر لا يلزمه وأن يخلص النية لله عز وجل فيما قال : وعمل ، وأن الله تعالى يكفيه مما سواه ، ولا يكفي منه شيء غيره ، وأوصى متى حدث به حادث الموت الذي كتبه الله جل وعز عن خلقه الذي أسأل الله العون عليه ، وعلى ما بعده وكفاية كل هول دون الجنة برحمته ، ولم يغير وصيته هذه ، أن يلي أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي النظر في أمر ثابت الخصي الأقرع الذي خلف بمكة ، فإن كان غير مفسد فيما خلفه محمد بن إدريس فيه أعتقه عن محمد بن إدريس فإن حدث بأحمد بن محمد حدث قبل أن ينظر في أمره نظر في أمره القائم بأمر محمد بن إدريس بعد أحمد فأنفذ فيه ما جعل إلى أحمد وأوصى أن جاريته الأندلسية التي تدعى فوز التي ترضع ابنه أبا الحسن بن محمد بن إدريس إذا استكمل أبو الحسن بن محمد بن إدريس سنتين واستغنى [ ص: 129 ] عن رضاعها ، أو مات قبل ذلك فهي حرة لوجه الله تعالى ، وإذا استكمل سنتين ورئي أن الرضاع خير له أرضعته سنة أخرى ، ثم هي حرة لوجه الله تعالى إلا أن يرى أن ترك الرضاع خير له أن يموت فتعتق بأيهما كان ومتى أخرج إلى مكة أخرجت معه حتى يكمل ما وصفت من رضاعه ، ثم هي حرة ، وإن عتقت قبل أن يخرج إلى مكة لم تكره في الخروج إلى مكة وأوصى أن تحمل أم أبي الحسن أم ولده دنانير وأن تعطي جاريته سكة السوداء وصية لها ، أو أن يشترى لها جارية ، أو خصي بما بينها وبين خمسة وعشرين دينارا ، أو يدفع إليها عشرون دينارا وصية لها فأي واحد من هذا اختارته دفع إليها ، وإن مات ابنها أبا الحسن قبل أن تخرج به إلى مكة فهذه الوصية لها إن شاءتها ، وإن لم تعتق حتى تخرج بأبي الحسن إلى مكة حملت وابنها معها مع أبي الحسن ، وإن مات أبو الحسن قبل أن تخرج به إلى مكة عتقت فوز وأعطيت ثلاثة دنانير وأوصى أن يقسم ثلث ماله بأربعة وعشرين سهما على دنانير سهمان من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله ما عاش ابنها وأقامت معه ينفق عليها منه ، وإن مات ابنها أبو الحسن وأقامت مع ولد محمد بن إدريس فذلك لها ومتى فارقت ابنها وولده قطع عنها ما أوصى لها به ، وإن أقامت فوز مع دنانير بعدما تعتق فوز ودنانير مقيمة مع ابنها محمد ، أو ولد محمد بن إدريس وقف على فوز سهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث مال محمد بن إدريس ينفق عليها منه ما أقامت معها ومع ولد محمد بن إدريس فإن لم تقم فوز قطع عنها ورد على دنانير أم ولد محمد بن إدريس وأوصى لفقراء آل شافع بن السائب بأربعة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يدفع إليهم سواء فيه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وإناثهم وأوصى لأحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي بستة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله وأوصى أن يعتق عنه رقاب بخمسة أسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله ويتحرى أفضل ما يقدر عليه وأحمده ويشترى منهم مسعدة الخياط إن باعه من هو له فيعتق وأوصى أن يتصدق على جيران داره التي كان يسكن بذي طوى من مكة بسهم واحد من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يدخل فيهم كل من يحوي إدريس ولاءه وموالي أمه ذكرهم وإناثهم فيعطي كل واحد منهم ثلاثة أضعاف ما يعطي واحدا من جيرانه وأوصى لعبادة السندية وسهل وولدهما مواليه وسليمة مولاة أمه ومن أعتق في وصيته بسهم من أربعة وعشرين سهما من ثلث ماله يجعل لعبادة ضعف ما يجعل لكل واحد منهم ويسوي بين الباقين ، ولا يعطي من مواليه إلا من كان بمكة وكل ما أوصى به من السهمان من ثلثه بعدما أوصى به من الحمولة والوصايا يمضي بحسب ما أوصى به بمصر فيكون مبدأ ، ثم يحسب باقي ثلثه فيخرج الأجزاء التي وصفت في كتابه وجعل محمد بن إدريس إنفاذ ما كان من وصاياه بمصر وولاية جميع تركته بها إلى الله تعالى ، ثم إلى عبد الله بن عبد الحكم القرشي ويوسف بن عمرو بن يزيد الفقيه وسعيد بن الجهم الأصبحي فأيهم مات ، أو غاب ، أو ترك القيام بالوصية قام الحاضر القائم بوصيته مقاما يغنيه عمن غاب عن وصيةمحمد بن إدريس ، أو تركها وأوصى يوسف بن يزيد وسعيد بن الجهم وعبد الله بن عبد الحكم أن يلحقوا ابنه أبا الحسن متى أمكنهم إلحاقه بأهله بمكة ، ولا يحمل بحرا وإلى البر سبيل بوجه ويضموه وأمه إلى ثقة وينفذوا ما أوصاهم به بمصر ويجمعوا ماله ومال أبي الحسن ابنه بها ويلحقوا ذلك كله ورقيق أبي الحسن معه بمكة حتى يدفع إلى وصي محمد بن إدريس بها وما يخلف لمحمد بن إدريس ، أو ابنه أبي الحسن بن محمد بمصر من شيء فسعيد بن الجهم وعبد الله بن عبد الحكم ويوسف بن عمرو أوصياءه فيه وولاة ولده ما كان له ولهم بمصر على ما شرط أن يقوم الحاضر منهم في كل ما أسند إليه مقام كلهم وما أوصلوا إلى أوصياء محمد بن إدريس بمكة وولاة [ ص: 130 ] ولده مما يقدر على إيصاله ، فقد خرجوا منه وهم قائمون بدين محمد بن إدريس قبضا وقضاء دين إن كان عليها بها وبيع ما رأوا بيعه من تركته وغير ذلك من جميع ماله وعليه بمصر وولاية ابنه أبي الحسن ما كان بمصر وجميع تركة محمد بن إدريس بمصر من أرض وغيرها وجعل محمد بن إدريس ، ولاء ولده بمكة وحيث كانوا إلى عثمان وزينب وفاطمة بني محمد بن إدريس وولاء ابنه أبي الحسن بن محمد بن إدريس من دنانير أم ولده إذا فارق مصر والقيام بجميع أموال ولده الذين سمى وولدان حدث لمحمد بن إدريس حتى يصيروا إلى البلوغ والرشد معا وأموالهم حيث كانت إلا ما يلي أوصياؤه ، فإن ذلك إليهم ما قام به قائم منهم ، فإذا تركه فهو إلى وصييه بمكة وهما أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي وعبيد الله بن إسماعيل بن مقرظ الصراف فإن عبيد الله توفي ، أو لم يقبل وصية محمد بن إدريس فأحمد بن محمد القائم بذلك كله ومحمد يسأل الله القادر على ما يشاء أن يصلي على سيدنا محمد عبده ورسوله وأن يرحمه فإنه فقير إلى رحمته وأن يجيره من النار ، فإن الله تعالى غني عن عذابه وأن يخلفه في جميع ما يخلف بأفضل ما خلف به أحدا من المؤمنين وأن يكفيهم فقده ويجبر مصيبتهم من بعده وأن يقيهم معاصيه وإتيان ما يقبح بهم والحاجة إلى أحد من خلقه بقدرته ولله الحمد أشهد محمد بن إدريس الشافعي على نفسه في مرضه أن سليما الحجام ليس إنما هو لبعض ولده ، وهو مشهود علي فإن بيع فإنما ذلك على وجه النظر له فليس مالي منه شيء ، وقد أوصيت بثلثي ، ولا يدخل في ثلثي ما لا قدر له من فخار وصحاف وحصر من سقط البيت وبقايا طعام البيت وما لا يحتاج إليه مما لا خطر له شهد على ذلك .
[ ص: 131 ] باب الولاء والحلف أخبرنا الربيع بن سليمان قال : أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي قال : أمر الله تبارك وتعالى أن ينسب من كان له نسب من الناس نسبين من كان له أب أن ينسب إلى أبيه ومن لم يكن له أب فلينسب إلى مواليه ، وقد يكون ذا أب وله موال فينسب إلى أبيه ومواليه وأولى نسبيه أن يبدأ به أبوه وأمر أن ينسبوا إلى الأخوة في الدين مع الولاء ، وكذلك ينسبون إليها مع النسب والإخوة في الدين ليست بنسب إنما هو صفة تقع على المرء بدخوله في الدين ويخرج منها بخروجه منه والنسب إلى الولاء والآباء إذا ثبت لم يزله المولى من فوق ، ولا من أسفل ، ولا الأب ، ولا الولد والنسب اسم جامع لمعان مختلفة فينسب الرجل إلى العلم وإلى الجهل وإلى الصناعة وإلى التجارة ، وهذا كله نسب مستحدث من فعل صاحبه وتركه الفعل وكان منهم صنف ثالث لا آباء لهم يعرفون ، ولا ولاء فنسبوا إلى عبودية الله وإلى أديانهم وصناعاتهم ، وأصل ما قلت من هذا في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه عوام أهل العلم قال : الله تبارك وتعالى { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } وقال : عز وجل { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله } وقال : تبارك وتعالى { ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ، ولا تكن مع الكافرين قال : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين } وقال : عز وجل { واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال : لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ، ولا يبصر ، ولا يغني عنك شيئا ؟ } وقال : تقدست أسماؤه { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم ، أو إخوانهم أو عشيرتهم } فميز [ ص: 132 ] الله عز وجل بينهم بالدين ، ولم يقطع الأنساب بينهم فدل ذلك على أن الأنساب ليست من الدين في شيء .

الأنساب ثابتة لا تزول والدين شيء يدخلون فيه ، أو يخرجون منه ونسب ابن نوح إلى أبيه وابنه كافر ونسب إبراهيم خليله إلى أبيه وأبوه كافر وقال : عز وجل ذكره { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان } فنسب إلى آدم المؤمن من ولده والكافر ونسب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بأمر الله عز وجل إلى آبائهم كفارا كانوا ، أو مؤمنين ، وكذلك نسب الموالي إلى ، ولائهم ، وإن كان الموالي مؤمنين والمعتقون مشركين .
( قال الشافعي ) أخبرنا مالك وسفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته } ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا محمد بن الحسين عن يعقوب عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ، ولا يوهب } .

( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عليا رضي الله تعالى عنه قال : " الولاء بمنزلة الخلف أقره حيث جعله الله عز وجل " .

( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { عن عائشة أنها أرادت أن تشتري جارية تعتقها فقال : أهلها نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق } .

( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن هشام عن عروة عن أبيه { عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت جاءتني بريرة فقالت إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت لها عائشة إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ، ولاؤك لي فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت إني قد عرضت عليهم ذلك فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها فأخبرته عائشة فقال : صلى الله عليه وسلم خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإن الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه فقال : أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق } .

( قال الشافعي ) في حديث هشام عن عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم دلائل قد غلط في بعضها من يذهب مذهبهم من أهل العلم فقال : لا بأس ببيع المكاتب بكل حال ، ولا أراه إلا قد غلط الكتابة ثابتة ، فإذا عجز المكاتب فلا بأس أن يبيعه فقال : لي قائل بريرة كانت مكاتبة وبيعت وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم البيع فقلت له ، ألا ترى أن بريرة جاءت تستعين في كتابتها وتذهب مساومة بنفسها لمن يشتريها وترجع بخبر أهلها ؟ فقال : بلى ولكن ما قلت في هذا ؟ قلت إن هذا رضا منها بأن تباع قال : أجل قلت ودلالة على عجزها ، أو رضاها بالعجز قال : أما رضاها بالعجز ، فإذا رضيت بالبيع دل ذلك على رضاها بالعجز ، وأما على عجزها ، فقد تكون غير عاجزة وترضى بالعجز رجاء تعجيل العتق فقلت له والمكاتب إذا حلت نجومه فقال : قد عجزت لم يسأل عنه غيره ورددناه رقيقا وجعلنا للذي كاتبه بيعه ويعتق ويرق قال : أما هذا فلا يختلف فيه أحد أنه إذا عجز رد رقيقا قلت ، ولا يعلم عجزه إلا بأن يقول قد عجزت أو تحل نجومه فلا يؤدي ، ولا يعلم له مال قال : أجل ولكن ما دل على أن بريرة لم تكن ذات مال قلت مسألتها في أوقية ، وقد بقيت عليها أواق ورضاها بأن تباع دليل على أن هذا عجز منها على لسانها قال : إن هذا الحديث ليحتمل ما وصفت ويحتمل جواز بيع المكاتب قلت أما ظاهره فعلى ما وصفت والحديث على ظاهره ، ولو احتمل ما وصفت ووصفت كان أولى المعنيين أن يؤخذ به ما لا يختلف فيه أكثر أهل العلم من أن المكاتب لا يباع حتى يعجز ، ولم ينسب إلى العامة أن يجهل معنى حديث ما روي عن النبي [ ص: 133 ] صلى الله عليه وسلم .

( قال الشافعي ) فبين في كتاب الله عز وجل ، ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم ما لا تمتنع منه العقول من أن المرء إذا كان مالكا لرجل فأعتقه فانتقل حكمه من العبودية إلى الحرية فجازت شهادته وورث وأخذ سهمه في المسلمين وحد حدودهم وحد له فكانت هذه الحرية إنما تثبت العتق للمالك وكان المالك المسلم إذا أعتق مسلما ثبت ، ولاؤه عليه فلم يكن للمالك المعتق أن يرد ولاءه فيرده رقيقا ، ولا يهبه ، ولا يبيعه ، ولا للمعتق ، ولا لهما لو اجتمعا على ذلك فهذا مثل النسب الذي لا يحول وبين في السنة وما وصفنا في الولاء أن الولاء لا يكون بحال إلا لمعتق ، ولا يحتمل معنى غير ذلك فإن قال قائل ما دل على ذلك ؟ قيل له : إن شاء الله تعالى قال : الله عز وجل { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } فلم يختلف المسلمون أنها لا تكون إلا لمن سمى الله وأن في قول الله تبارك وتعالى معنيين أحدهما أنها لمن سميت له والآخر أنها لا تكون لغيرهم بحال ، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم { إنما الولاء لمن أعتق } ، فلو أن رجلا لا ولاء له والى رجلا أو أسلم على يديه لم يكن مولى له بالإسلام ، ولا الموالاة ، ولو اجتمعا على ذلك ، وكذلك لو وجده معبودا فالتقطه ومن لم يثبت له ولاء بنعمة تجري عليه للمعتق فلا يقال لهذا مولى أحد ، ولا يقال له مولى المسلمين فإن قال : قائل فما باله إذا مات كان ماله للمسلمين ؟ قيل له : ليس بالولاء ورثوه ولكن ورثوه بأن الله عز وجل من عليهم بأن خولهم ما لا مالك له دونه فلما لم يكن لميراث هذا مالك بولاء ، ولا بنسب ، ولا له مالك معروف كان مما خولوه فإن قال : وما يشبه هذا ؟ قيل : الأرض في بلاد المسلمين لا مالك لها يعرف هي لمن أحياها من المسلمين والذي يموت ، ولا وارث له يكون ماله لجماعتهم لا أنهم مواليه .

، ولو كانوا أعتقوه لم يرثه من أعتقه منهم ، وهو كافر ولكنهم خولوا ماله بأن لا مالك له .
ولو كان حكم المسلمين في الذي لا ، ولاء له إذا مات أنهم يرثونه بالولاء حتى كأنه أعتقه جماعة المسلمين وجب علينا فيه أمران .

أحدهما أن ينظر إلى الحال التي كان فيها مولودا لا رق عليه ومسلما فيجعل ورثته الأحياء يومئذ من المسلمين دون من حدث منهم فإن ماتوا ورثنا ورثة الأحياء يومئذ من الرجال ماله ، أو جعلنا من كان حيا من المسلمين يوم يموت ورثته قسمناه بينهم قسم ميراث الولاء .

، ولا نجعل في واحدة من الحالين ماله لأهل بلد دون أهل بلد وأحصينا من في الأرض من المسلمين ، ثم أعطينا كل واحد منهم حظه من ميراثه كما يصنع بجماعة لو أعتقت واحدا فتفرقوا في الأرض ونحن والمسلمون إنما يعطون ميراثه أهل البلد الذي يموت فيه دون غيرهم ولكنا إنما جعلناه للمسلمين من الوجه الذي وصفت لا من أنه مولى لأحد فكيف يكون مولى لأحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { فإنما الولاء لمن أعتق } ، وفي قوله إنما الولاء لمن أعتق تثبيت أمرين أن الولاء للمعتق بأكيد ونفي أنه لا يكون الولاء إلا لمن أعتق ، وهذا غير معتق
( قال الشافعي ) ومن أعتق عبدا له سائبة فالعتق ماض وله ، ولاؤه .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 23-08-2022, 10:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله





كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (163)
صــــــــــ 134 الى صـــــــــــ140





، ولا يخالف المعتق سائبة في ثبوت الولاء عليه والميراث منه غير السائبة لأن هذا معتق ، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق وهكذا المسلم يعتق مشركا فالولاء للمسلم ، وإن مات المعتق لم يرثه مولاه باختلاف الدينين ، وكذلك المشرك الذمي وغير الذمي فالعتق جائز والولاء للمشرك المعتق ، وإن مات المسلم المعتق لم يرثه المشرك الذمي الذي أعتقه باختلاف الدينين وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم فكان هذا في النسب والولاء ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص واحدا منهم دون الآخر
( قال الشافعي ) وإذا قال : الرجل لعبده أنت حر عن فلان [ ص: 134 ] ولم يأمره بالحرية وقبل المعتق عنه ذلك بعد العتق ، أو لم يقبله فسواء ، وهو حر عن نفسه لا عن الذي أعتقه عنه وولاؤه له ; لأنه أعتقه
( قال الشافعي ) وإذا مات المولى المعتق وكانت له قرابة من قبل أبيه ترثه بأصل فريضة ، أو عصبة ، أو إخوة لأم يرثونه بأصل فريضة ، أو زوجة أو كانت امرأة وكان لها زوج ورث أهل الفرائض فرائضهم والعصبة شيئا إن بقي عنهم .

فإن لم يكن عصبة قام المولى المعتق مقام العصبة فيأخذ الفضل عن أهل الفرائض ، فإذا مات المولى المعتق قبل المولى المعتق ثم مات المولى المعتق ، ولا وارث له غير مواليه ، أو له وارث لا يحوز ميراثه كله خالف ميراث الولاء ميراث النسب كما سأصفه لك إن شاء الله تعالى .

فانظر فإن كان للمولى المعتق بنون وبنات أحياء يوم يموت المولى المعتق فاقسم مال المولى المعتق ، أو ما فضل عن أهل الفرائض منه بين بني المولى المعتق فلا تورث بناته منه شيئا فإن مات المولى المعتق ، ولا بنين للمولى المعتق لصلبه وله ولد ولد متسفلون ، أو قرابة نسب من قبل الأب فانظر الأحياء يوم مات المولى المعتق من ولد ولد المولى المعتق فإن كان واحد منهم أقعد إلى المولى المعتق بأب واحد فقط فاجعل الميراث له دون من بقي من ولد ولده .

، وإن استووا في القعود فاجعل الميراث بينهم شرعا فإن كان المولى المعتق مات ، ولا ولد له ، ولا والد للمولى المعتق وله إخوة لأبيه وأمه وإخوة لأبيه وإخوة لأمه فلا حق للإخوة من الأم في ، ولاء مواليه ، ولم يكن معهم غيرهم والميراث للإخوة من الأب والأم دون الإخوة للأب ، ولو كان الإخوة للأب والأم واحدا .

وهكذا منزلة أبناء الإخوة ما كانوا مستوين ، فإذا كان بعضهم أقعد من بعض فانظر فإن كان القعدد لبني الإخوة للأب والأم ، أو لواحد منهم فاجعل الميراث له .

، وكذلك إن كانوا مثله في القعدد لمساواته في القعدد ولانفراده بقرابة الأم دونهم ومساواته إياهم في قرابة الأب فإن كان القعدد لابن الأخ لأب دون بني الأب والأم فاجعله لأهل القعدد بالمولى المعتق وهكذا منزلة عصبتهم كلهم بعدوا ، أو قربوا في ميراث الولاء
( قال الشافعي ) فإن كانت المعتقة امرأة ورثت من أعتقت ، وكذلك من أعتق من أعتقت ، ولا ترث من أعتق أبوها ، ولا أمها ، ولا أحد غيرها وغير من أعتق من أعتقت ، وإن سفلوا ويرث ولد المرأة المعتقة من أعتقت كما يرث ولد الرجل الذكور دون الإناث فإن انقرض ولدها وولد ولدها الذكور ، وإن سفلوا ، ثم مات مولى لها أعتقته ورثه أقرب الناس بها من رجال عصبتها لا عصبة ولدها .

( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام من أبيه أنه أخبره أن العاص بن هشام هلك وترك بنين له ثلاثة اثنان لأم ورجل لعلة فهلك أحد الذين لأم وترك مالا وموالي فورثه أخوه الذي لأمه وأبيه ماله وولاء مواليه . ، ثم هلك الذي ورث المال وولاء الموالي وترك ابنه وأخاه لأبيه فقال : ابنه قد أحرزت ما كان أبي أحرز من المال وولاء الموالي : وقال : أخوه ليس كذلك ، وإنما أحرزت المال فأما ولاء الموالي فلا ، أرأيت لو هلك أخي اليوم ألست أرثه أنا ؟ فاختصما إلى عثمان فقضى لأخيه بولاء الموالي .

( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أباه أخبره أنه كان جالسا عند أبان بن عثمان فاختصم إليه نفر من جهينة ونفر من بني الحارث بن الخزرج وكانت امرأة من جهينة عند رجل من بني الحارث بن الخزرج يقال له إبراهيم بن كليب فماتت المرأة وتركت مالا وموالي فورثها ابنها وزوجها ، ثم مات ابنها فقالت ورثته لنا ولاء الموالي قد كان ابنها أحرزه . وقال : الجهنيون ليس كذلك إنما هم موالي صاحبتنا . ، فإذا مات ولدها فلنا ، ولاؤهم ونحن نرثهم فقضى أبان بن عثمان للجهنيين بولاء [ ص: 135 ] الموالي .

( قال الشافعي ) أخبرنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي حكيم أن عمر بن عبد العزيز أعتق عبدا له نصرانيا فتوفي العبد بعدما عتق قال إسماعيل فأمرني عمر بن عبد العزيز أن آخذ ماله فأجعله في بيت مال المسلمين .

( قال الشافعي ) وبهذا كله نأخذ .

ميراث الولد الولاء .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا مات الرجل وترك ابنين وبنات وموالي هو أعتقهم فمات المولى المعتق ورثه ابناه ، ولم يرثه أحد من بناته .

فإن مات أحد الابنين وترك ولدا ثم مات أحد الموالي الذين أعتقهم ورثه ابن المعتق لصلبه دون بني أخيه ; لأن المعتق لو مات يوم يموت المولى كان ميراثه لابنه لصلبه دون ابن ابنه ثم هكذا ميراث الولد وولد الولد أبدا ، وإن تسفلوا في الموالي انسب ولد الولد أبدا إلى المولى المعتق يوم يموت المولى المعتق فأيهم كان أقرب إليه بأب واحد فاجعل له جميع ميراث المولى المعتق
ولو أعتق رجل غلاما ، ثم مات المعتق وترك ثلاثة بنين ثم مات البنون الثلاثة وترك أحدهم ابنا والآخر أربعة بنين والآخر خمسة بنين ، ثم مات المولى المعتق اقتسموا ميراث المولى على عشرة أسهم للابن سهم وللأربعة البنين أربعة أسهم وللخمسة خمسة أسهم كما يقتسمون ميراث الجد لو مات يومئذ وهم ورثته لاختلاف حال ميراث الولاء والمال ، ولو كان الجد الميت فورثه ثلاثة بنون ، ثم مات البنون وترك أحدهم ابنا والآخر أربعة والآخر خمسة ، ثم ظهر للجد مال اقتسم بنو البنين على أنه ورثه ثلاثة بنين ، ثم ورث الثلاثة البنين أبناؤهم فللابن المنفرد بميراث أبيه ثلث ميراث الجد ، وذلك حصة أبيه من ميراث الجد وللأربعة البنين ثلث ميراث الجد أرباعا بينهم ، وذلك حصة ميراث أبيهم ، وللخمسة البنين ثلث ميراث الجد أخماسا بينهم . وذلك حصة أبيهم من ميراث جدهم . ولو كان معهم في المال بنات دخلن ، ولا يدخلن في ميراث الولاء .

فإذا أعتق رجل عبدا فمات المولى المعتق وترك أباه وأولادا ذكورا فميراث المولى المعتق لذكور ولده دون بناته وجده لا يرث الجد مع ولد المعتق شيئا ما كان فيهم ذكر ، ولا ولد ولده ، وإن سفلوا ، فإذا مات المولى المعتق وترك أباه وإخوته لأبيه وأمه ، أو لأبيه فالمال للأب دون الإخوة ; لأنهم إنما يلقون الميت عند أبيه فأبوه أولى بولاء الموالي إذا كانوا إنما يدلون بقرابته
فإذا مات المولى المعتق وترك جده وإخوته لأبيه وأمه ، أو لأبيه فاختلف أصحابنا في ميراث الجد والأخ ، فمنهم من قال : الميراث للأخ دون الجد ، وذلك ; لأنه يجمعه والميت أب قبل الجد ، ومن قال هذا القول قال : وكذلك ابن الأخ وابن ابنه ، وإن سفلوا ; لأن الأب يجمعهم والمولى المعتق قبل الجد وبهذا أقول ; ومن أصحابنا من قال : الجد والأخ في ولاء الموالي بمنزلة ; لأن الجد يلقى المولى المعتق عند أول أب ينتسب إليه فيجمعه والميت المعتق أب يكونان فيه سواء ، وأول من ينسب إليه الميت أبو الميت والميت ابنه والجد أبوه فذهب إلى أن يشرك الجد والميت المعتق أب هما شرع فيه الجد بالأبوة والابن بولادته ويذهب إلى أنهما سواء ، ومن قال : هذا قال : الجد أولى بولاء الموالي من بنى الأخ إذا سوى بينه وبين الأخ جعل المال للجد بالقرب من الميت .

( قال الشافعي ) الإخوة أولى بولاء الموالي من الجد ، وبنو الإخوة أولى بولاء الموالي من الجد .

فعلى هذا الباب كله وقياسه ، فأما إن مات المولى المعتق وترك جده وعمه ومات المولى المعتق فالمال للجد دون العم ; لأن العم لا يدلي بقرابة إلا بأبوة الجد فلا شيء له مع من يدلي بقرابته ، ولو مات رجل وترك عمه [ ص: 136 ] وجد أبيه كان القول فيها على قياس من قال : الإخوة أولى بولاء الموالي من الجد أن يكون المال للعم ; لأنه يلقى الميت عند جد يجمعهما قبل الذي ينازعه ، وكذلك ولد العم ، وإن تسفلوا ; لأنهم يلقونه عند أب لهم ولد قبل جد أبيه ومن قال : الأخ والجد سواء فجد الأب والعم سواء ; لأن العم يلقاه عند جده وجد أبيه أبو جده .

( قال الشافعي ) فإن كان المنازع لجد الأب ابن العم فجد الأب أولى كما يكون الجد أولى من ابن الأخ للقرب من المولى المعتق
( قال الشافعي ) وإذا مات المولى المعتق ، ثم مات المولى المعتق ، ولا وارث للمولى المعتق وترك أخاه لأمه وابن عم قريب ، أو بعيد فالمال لابن العم القريب ، أو البعيد ; لأن الأخ من الأم لا يكون عصبة ، فإن كان الأخ من الأم من عصبته وكان في عصبته من هو أقعد منه من أخيه لأمه الذي هو من عصبته كان للذي هو أقعد إلى المولى المعتق فإن استوى أخوه لأمه الذي هو من عصبته وعصبته فالميراث كله للأخ من الأم ; لأنه ساوى عصبته في النسب وانفرد منهم بولادة الأم ، وكذلك القول في عصبته بعدوا أو قربوا ، لا اختلاف في ذلك ، والله تعالى الموفق .
الخلاف في الولاء .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقال : لي بعض الناس الكتاب والسنة والقياس والمعقول والأثر على أكثر ما قلت في أصل ، ولاء السائبة وغيره ونحن لا نخالفك منه إلا في موضع ، ثم نقيس عليه غيره فيكون مواضع قلت : وما ذاك ؟ قال : الرجل إذا أسلم على يدي الرجل كان له ، ولاؤه كما يكون للمعتق قلت : أتدفع أن الكتاب والسنة والقياس يدل على ما وصفنا من أن المنعم بالعتق يثبت له الولاء كثبوت النسب ؟ قال : لا . قلت والنسب إذا ثبت فإنما الحكم فيه أن الولد مخلوق من الوالد ؟ قال نعم . قلت فلو أراد الوالد بعد الإقرار بأن المولود منه نفيه وأراد ذلك الولد لم يكن لهما ، ولا لواحد منهما ذلك . قال : نعم . قلت ، فلو أن رجلا لا أب له رضي أن ينتسب إلى رجل ورضي ذلك الرجل وتصادقا مع التراضي بأن ينتسب أحدهما إلى الآخر وعلم أن أم المنسوب إلى المنتسب إليه لم تكن للمنتسب إليه زوجة ، ولا أمة وطئها بشبهة لم يكن ذلك لهما ، ولا لواحد منهما ؟ قال : نعم قلت ; لأنا إنما ننسب بأمرين أحدهما الفراش ، وفي مثل معناه ثبوت النسب بالشبهة بالفراش والنطفة بعد الفراش ؟ قال : نعم قلت ، ولا ننسب بالتراضي إذا تصادقا إذا لم يكن ما ينسب به ، قال : نعم : قلت : وثبت له حكم الأحرار وينتقل عن أحكام العبودية .

قال : نعم قلت والولاء هو إخراجك مملوكك من الرق بعتقك والعتق فعل منك لم يكن لمملوكك رده عليك ؟ قال : نعم . قلت ولو رضيت أن تهب ولاءه ، أو تبيعه لم يكن ذلك لك ؟ قال : نعم .

قلت ، فإذا كان هذا ثبت فلا يزول بما وصفت من متقدم العتق والفراش والنطفة وما وصفت من ثبوت الحقوق في النسب والولاء ، أفتعرف أن المعنى الذي اجتمعنا عليه في تثبيت النسب والولاء لا ينتقل ، وإن رضي المنتسب والمنتسب إليه ، والمولى المعتق والمولى المعتق لم يجز له ، ولا لهما بتراضيهما قال : نعم . هكذا السنة والأثر وإجماع الناس فهل تعرف السبب الذي كان ذلك ؟ .

( قال الشافعي ) فقلت له في واحد مما وصفت ووصفنا كفاية والمعنى الذي حكم بذلك بين عندي والله تعالى أعلم .

قال : فما هو ؟ قلت إن الله عز وجل أثبت للولد والوالد حقوقا في المواريث وغيرها وكانت الحقوق التي تثبت لكل واحد منهما على صاحبه تثبت للوالد على ولد الولد ، وللولد من الأم على والدي الوالد حقوقا في المواريث وولاء الموالي وعقل الجنايات وولاية النكاح وغير ذلك ، فلو ترك الوالد والولد حقهما من ذلك [ ص: 137 ] وما يثبت لأنفسهما لم يكن لهما تركه لآبائهما ، أو أبنائهما أو عصبتهما ، ولو جاز للابن أن يبطل حقه عن الأب في ولاية الصلاة عليه لو مات والقيام بدمه لو قتل والعقل عنه لو جنى ، لم يجز له أن يبطل ذلك لآبائه ، ولا أبنائه ، ولا لإخوته ، ولا عصبته

; لأنه قد ثبت لآبائه وأبنائه وعصبته حقوق على الولد لا يجوز للوالد إزالتها بعد ثبوتها ، ومثل هذه الحال الولد .

فلما كان هذا هكذا لم يجز أن يثبت رجل على آبائه وأبنائه وعصبته نسب من قد علم أنه لم يلده فيدخل عليهم ما ليس له ، ولا من قبل أحد من المسلمين ميراث من نسب إليه من نسب له والمولى المعتق كالمولود فيما يثبت له من عقل جنايته ويثبت عليه من أن يكون موروثا وغير ذلك ، فكذلك لا يجوز أن ينتسب إلى ولاء رجل لم يعتقه ; لأن الذي يثبت المرء على نفسه يثبت على ولده وآبائه وعصبته ولايتهم ، فلا يجوز له أن يثبت عليهم ما لا يلزمهم من عقل وغيره بأمر لا يثبت ، ولا لهم بأمر لم يثبت .

فقال : هذا كما وصفت إن شاء الله تعالى قلت فلم جاز لك أن توافقه في معنى وتخالفه في معنى ؟ وما وصفت في تثبيت الحقوق في النسب والولاء .

قال : أما القياس على الأحاديث التي ذكرت وما يعرف الناس فكما قلت لولا شيء أراك أغفلته والحجة عليك فيه قائمة .

قلت وما ذاك ؟ قال : حديث عمر بن عبد العزيز قلت له ليس يثبت مثل هذا الحديث عند أهل العلم بالحديث . قال : لأنه خالف غيره من حديثك الذي هو أثبت منه .

قلت لو خالفك ما هو أثبت منه لم نثبته وكان علينا أن نثبت الثابت ونرد الأضعف .

قال : أفرأيت لو كان ثابتا أيخالف حديثنا حديثك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الولاء ؟ فقلت لو ثبت لاحتمل خلافها وأن لا يخالفها ; لأنا نجد توجيه الحديثين معا لو ثبت وما وجدنا له من الأحاديث توجيها استعملناه مع غيره ، قال : فكيف كان يكون القول فيه لو كان ثابتا ؟ قلت : يقال الولاء لمن أعتق لا ينتقل عنه أبدا ، ولو نقله عن نفسه ، وبوجه قول النبي صلى الله عليه وسلم { فإنما الولاء لمن أعتق } على الإخبار عن شرط الولاء فيمن باع فأعتقه غيره أن الولاء للذي أعتق إذا كان معتقا لا على العام أن الولاء لا يكون إلا لمعتق إذ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاء لغير معتق ممن أسلم على يديه .

قال : هذا القول المنصف غاية النصفة فلم لم تثبت هذا الحديث فنقول بهذا ؟ قلت ; لأنه عن رجل مجهول ومنقطع ونحن وأنت لا نثبت حديث المجهولين ، ولا المنقطع من الحديث .

قال : فهل يبين لك أنه يخالف القياس إذا لم يتقدم عتق ؟ قلت نعم ، وذلك إن شاء الله تعالى بما وصفنا من تثبيت الحق له وعليه بثبوت العتق وأنه إذا كان يثبت بثبوت العتق لم يجز أن يثبت بخلافه .

قال : فإن قلت يثبت على الموالي بالإسلام ; لأنه أعظم من العتق ، فإذا أسلم على يديه فكأنما أعتقه .
قلت : فما تقول في مملوك كافر ذمي لغيرك أسلم على يديك أيكون إسلامه ثابتا ؟ قال : نعم .

قلت : أفيكون ولاؤه لك أم يباع على سيده ويكون رقيقا لمن اشتراه ؟ قال : بل يباع ويكون رقيقا لمن اشتراه .

قلت فلست أراك جعلت الإسلام عتقا ، ولو كان الإسلام يكون عتقا كان للعبد الذمي أن يعتق نفسه ، ولو كان كذلك كان الذمي الحر الذي قلت هذا فيه حرا وكان إسلامه غير إعتاق من أسلم على يديه ; لأنه إن كان مملوكا للمسلمين فلهم عندنا ، وعندك أن يسترقوه ، ولا يخرج بالإسلام من أيديهم ، وإن قلت كان مملوكا للذميين فينبغي أن يباع ويدفع ثمنه إليهم قال : ليس بمملوك للذميين وكيف يكون مملوكا لهم ، وهو يوارثهم وتجوز شهادته ، ولا للمسلمين بل هو حر ، قلت وكيف كان الإسلام كالعتق ؟ قال : بالخبر ، قلت لو ثبت قلنا به معك إن شاء الله تعالى ، وقلت له : وكيف قلت في الذي لا ولاء له ، ولم [ ص: 138 ] يسلم على يدي رجل يوالي من شاء ؟ قال : قياسا أن عمر قال : في المنبوذ هو حر ولك ، ولاؤه ، قلت أفرأيت المنبوذ إذا بلغ أيكون له أن ينتقل بولائه ؟ قال : فإن قلت لا ; لأن الوالي عقد الولاء عليه قلت أفيكون للوالي أن يعقد عليه ما لم يسبق به حرية ، ولم يعقد على نفسه ؟ قال : فإن قلت هذا حكم من الوالي ؟ قلت أو يحكم الوالي على غير سبب متقدم يكون به لأحد المتنازعين على الآخر حق ، أو يكون صغيرا يبيع عليه الحاكم فيما لا بد له منه وما يصلحه ، وإن كان كما وصفت أفيثبت الولاء بحكم الوالي للملتقط فقست الموالي عليه ؟ .

قلت ، فإذا والى فأثبت عليه الولاء ، ولا تجعل له أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فأنت تقول ينتقل بولائه ، قال : فإن قلت ذلك في اللقيط ؟ قلت ، فقد زعمت أن للمحكوم عليه أن يفسخ الحكم ، قال : فإن قلت ليس للقيط ، ولا للموالى أن ينتقل ، وإن لم يعقل عنه ؟ قلت فهما يفترقان ، قال : وأين افتراقهما ؟ قلت اللقيط لم يرض شيئا ، وإنما لزمه الحكم بلا رضا منه ، قال : ولكن بنعمة من الملتقط عليه ، قلت فإن أنعم على غير لقيط أكثر من النعمة على اللقيط فأنقذ من قتل وغرق وحرق وسجن وأعطاه مالا أيكون لأحد بهذا ، ولاؤه ؟ قال : لا : قلت ، فإذا كان الموالى لا يثبت عليه الولاء إلا برضاه فهو مخالف للقيط الذي يثبت به بغير رضاه فكيف قسته عليه ؟ قال : ولأي شيء خالفتم حديث عمر ؟ قلنا : وليس مما يثبت مثله هو عن رجل ليس بالمعروف ، وعندنا حديث ثابت معروف أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهبت ولاء بني يسار لابن عباس ، فقد أجازت ميمونة وابن عباس هبة الولاء فكيف تركته ؟ قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته ; قلنا أفيحتمل أن يكون نهيه على غير التحريم ؟ قال : هو على التحريم ، وإن احتمل غيره ، قلت : فإن قال : لك قائل لا يجهل ابن عباس وميمونة كيف وجه نهيه .

قال قد يذهب عنهما الحديث رأسا فتقول ليس في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة ، قلت فكيف أغفلت هذه الحجة في اللقيط ؟ فلم ترها تلزم غيرك كما لزمتك حجتك في أن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قد يعزب عن بعض أصحابه ; وأنه على ظاهره ، ولا يحال إلى باطن ، ولا خاص إلا بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا عن غيره ، قال : فهكذا نقول : قلت نعم في الجملة ، وفي بعض الأمر دون بعض ، قال : قد شركنا في هذا بعض أصحابك .

قلت أفحمدت ذلك منهم ؟ قال : لا قلت فلا أشركهم فيما لم تحمد ، وفيما نرى الحجة في غيره .

فقال : لمن حضرنا من الحجازيين : أكما قال : صاحبكم في أن لا ولاء إلا لمن أعتق ؟ فقالوا نعم وبذلك جاءت السنة ، قال : فإن منكم من يخالف في السائبة والذمي يعتق المسلم ، قالوا : نعم .

قال : فيكلمه بعضكم أو أتولى كلامه لكم ؟ قالوا افعل فإن قصرت تكلمنا ; قال : فأما أتكلم عن أصحابك في ولاء السائبة ما تقول في ولاء السائبة وميراثه إذا لم يكن له وارث إلا من سيبه ؟ فقلت ، ولاؤه لمن سيبه وميراثه له .

قال فما الحجة في ذلك ؟ قلت الحجة البينة أمعتق المسيب للمسيب ؟ قال : نعم قلت : فقد قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { الولاء لمن أعتق } وجعل المسلمون ميراث المعتق لمن أعتقه إذا لم يكن دونه من يحجبه بأصل فريضة .

قال : فهل من حجة غير هذه ؟ قلت ما أحسب أحدا سلك طريق النصفة يريد وراءها حجة ، قال : بلى .

وقلت له : قال : الله تبارك وتعالى { ما جعل الله من بحيرة ، ولا سائبة ، ولا وصيلة ، ولا حام } قال : وما معنى هذا ؟ قلت سمعت من أرضى من أهل العلم يزعم أن الرجل كان يعتق عبده في الجاهلية سائبة فيقول لا أرثه ، ويفعل في الوصيلة من الإبل والحام أن لا يركب ، فقال الله عز وجل { ما جعل الله من بحيرة ، ولا سائبة ، ولا وصيلة ، ولا حام } على معنى ما جعلتم فأبطل شروطهم فيها وقضى أن الولاء لمن أعتق ورد البحيرة والوصيلة والحام إلى [ ص: 139 ] ملك مالكها إذا كان العتق في حكم الإسلام أن لا يقع على البهائم ، قال : فهل تأول أحد السائبة على بعض البهائم ؟ قلت : نعم . وهذا أشبه القولين بما يعرف أهل العلم والسنة ، قال : أفرأيت قولك قد أعتقتك سائبة أليس خلاف قولك قد أعتقتك ؟ قلت أما في قولك أعتقتك فلا ، وأما في زيادة سائبة فنعم . قال : فهما كلمتان خرجتا معا فإنما أعتقه على شرط ، قلت : أو ما أعتقت بريرة على شرط أن الولاء للبائعين فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرط ؟ فقال : { الولاء لمن أعتق } قال : بلى : قلت ، فإذا أبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم شرط البائع والمبتاع المعتق ، وإنما انعقد البيع عليه ; لأن الولاء لمن أعتق ورده إلى المعتق فكيف لا يبطل شرط المعتق ، ولم يجعله لغيره من الآدميين ؟ قال : فإن قلت فله الولاء ، ولا يرثه ؟ قلت فقل إذا الولاء للمعتق المشترط عليه أن الولاء لغيره ، ولا يرثه ، قال : لا يجوز أن أثبت له الولاء وأمنعه الميراث وديناهما واحد .

( قال الشافعي ) وقلت له أرأيت الرجل يملك أباه ويتسرى الجارية ويموت لمن ، ولاء هذين ؟ قال : لمن عتقا بملكه وفعله ، قلت أفرأيت لو قال لك قائل : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إنما الولاء لمن أعتق } ، ولم يعتق واحد من هذين .

هذا ورث أباه فيعتقه ، وإن كره ، وهذا ولدت جاريته ، ولم يعتقها بالولد ، وهو حي فأعتقها به بعد الموت فلا يكون لواحد من هذين ولاء ; لأن كليهما غير معتق هل حجتنا وحجتك عليه إلا أنه إذا زال عنه الرق بسبب من يحكم له بالملك كان له ولاؤه ؟ قال : لا وكفى بهذا حجة منك ، وهذا في معاني المعتقين ، قلت فالمعتق سائبة هو المعتق ، وهذا أكثر من الذي في معاني المعتقين ، قال ، فإن القوم يذكرون أحاديث ، قلت فاذكرها قال : ذكروا أن حاطب بن أبي بلتعة أعتق سائبة ، قلت ونحن نقول إن أعتق رجل سائبة فهو حر وولاؤه له ، قال : فيذكرون عن عمر وعثمان ما يوافق قولهم ويذكر سليمان بن يسار أن سائبة أعتقه رجل من الحاج فأصابه غلام من بني مخزوم فقضى عمر عليهم بعقله ، فقال : أبو المقضي عليه لو أصاب ابني ، قال : إذا لا يكون له شيء ، قال : فهو إذا مثل الأرقم ، قال : عمر فهو إذا مثل الأرقم ، فقلت له هذا إذا ثبت بقولنا أشبه ، قال ومن أين ؟ قلت ; لأنه لو رأى ولاءه للمسلمين رأى عليهم عقله ، ولكن يشبه أن يكون رأى عقله على مواليه فلما كانوا لا يعرفون لم ير فيه عقلا حتى يعرف مواليه ، ولو كان على ما تأولوا ، وكان الحديث يحتمل ما قالوا كانوا يخالفونه ، قال : وأين ؟ قلت هم يزعمون أن السائبة لو قتل كان عقله على المسلمين ، ونحن نروي عن عمر وغيره مثل معنى قولنا ، قال : فاذكره : قلت أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أن طارق بن المرقع أعتق أهل بيت سوائب فأتى بميراثهم ، فقال : عمر بن الخطاب أعطوه ورثة طارق فأبوا أن يأخذوا ، فقال : عمر فاجعلوه في مثلهم من الناس ، قال : فحديث عطاء مرسل قلت يشبه أن يكون سمعه من آل طارق ، وإن لم يسمعه عنهم فحديث سليمان مرسل قال : فهل غيره ؟ قلت أخبرنا سفيان عن سليمان بن مهران عن إبراهيم النخعي أن رجلا أعتق سائبة فمات فقال : عبد الله هو لك قال : لا أريد قال فضعه إذا في بيت المال ، فإن له وارثا كثيرا .
( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان قال أخبرني أبو طوالة عبد الله بن عبد الرحمن عن معمر قال : كان سالم مولى أبي حذيفة لامرأة من الأنصار يقال لها عمرة بنت يعار أعتقته سائبة فقتل يوم اليمامة فأتى أبو بكر بميراثه فقال : أعطوه عمرة فأبت تقبله ، قال : قد اختلفت فيه الأحاديث قلت فما كنا نحتاج إليها مع قول النبي صلى الله عليه وسلم { الولاء لمن أعتق } ، وإذا اختلفت فالذي يلزمنا أن نصير إلى أقربها من السنة ، وما قلنا معنى السنة مع ما ذكرنا من الاستدلال بالكتاب ، قال : فإن قالوا إنما أعتق السائبة عن المسلمين ، قلنا : فإن قال : قد أعتقتك عن نفسي سائبة لا عن غيري وأشهد بهذا القول قبل العتق [ ص: 140 ] ومعه ، فقال : أردت أن يكمل أجري بأن لا يرجع إلي ، ولاؤه ، قال : فإن قالوا : فإذا قال : هذا ؟ فهذا يدل على أنه أعتقه على المسلمين ، قلنا هذا الجواب محال ، يقول أعتقتك عن نفسي ويقول أعتقه عن المسلمين ، فقال : هذا قول غير مستقيم ، قلت أرأيت لو كان أخرجه من ملكه إلى المسلمين أكان له أن يعتقه ، ولم يأمروه بعتقه ؟ ، ولو فعل لكان عتقه باطلا إذا أعتق ما أخرج من ملكه إلى غيره بغير أمره ، فإن قال : إنما أجزته ; لأنه مالك معتق ، فقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الولاء لمن أعتق ، قال : فما حجتك عليهم في الذمي يسلم عبده فيعتقه ؟ قلت مثل أول حجتي في السائبة أنه لا يعدو أن يكون معتقا ، فقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولاء لمن أعتق ، أو يكون إذا اختلف الدينان لا يجوز عتقه فيكون عتقه باطلا ؟ قال : بل هو معتق والعتق جائز قلت فما أعلمك بقيت للمسألة موضعا قال : بلى لو مات العبد لم يرثه المعتق قلت وما منع الميراث إنما منع الميراث الذي منعه الورثة أيضا غير المعتق باختلاف الدينين ، وكذلك يمنعه وارثه بالنسب باختلاف الولاء والنسب قال : أفيجوز أن يثبت له عليه ولاء ، وهو لا يرثه ؟ قلت نعم كما يجوز أن يثبت له على أبيه أبوة ، وهو لا يرثه إذا اختلف الدينان ، أو يجوز أن يقال : إن الذمي إذا أعتق العبد المسلم وللذمي ولد مسلمون كان الولاء لبنيه المسلمين ، ولا يكون للذي أعتقه ؟ لئن لم يكن للمعتق فالمعتق لهم من بنيه أبعد أن يجوز قال : وأنت تقول مثل هذا ؟ قلت وأين ؟ قال تزعم أن رجلا لو كان له ولد مسلمون ، وهو كافر فمات أحدهم ورثته إخوته المسلمون ، ولم يرثه أبوه وبه ورثوه قلت أجل فهذه الحجة عليك قال : وكيف ؟ قلت أرأيت أبوته زالت عن الميت باختلاف دينهما ؟ قال لا ، هو أبوه بحاله قلت ، وإن أسلم قبل أن يموت ورثته قال نعم قلت ، وإنما حرم الميراث باختلاف الدينين قال نعم قلت فلم لم تقل في الموالي هذا القول فنقول مولاه من أعتقه ، ولا يرثه ما اختلف ديناهما ، فإذا أسلم المعتق ورثه إن مات بعد إسلامه قال : فإنهم يقولون إذا أعتقه الذمي ثبت ، ولاؤه للمسلمين ، ولا يرجع إليه قلت وكيف ثبت ، ولاؤه للمسلمين وغيرهم أعتقه ؟ قال فبأي شيء يرثونه ؟ قلت ليسوا يرثونه ولكن ميراثه لهم ; لأنه لا مالك له بعينه قال : وما دلك على ما تقول ، فإن الذي يعرف أنهم لا يأخذونه إلا ميراثا ؟ قلت أفيجوز أن يرثوا كافرا ؟ قال : لا قلت أفرأيت الذمي لو مات ، ولا وارث له من أهل دينه لمن ميراثه ؟ قال : للمسلمين قلت ; لأنه لا مالك له لا أنه ميراث قال : نعم قلت ، وكذلك من لا ولاء من لقيط ومسلم لا ولاء له ، أو ، ولاؤه لكافر لا قرابة له من المسلمين وذكرت ما ذكرت في أول الكتاب من أنه لا يؤخذ على الميراث قال : فإن من أصحابنا من خالفك في معنى آخر فقال : لو أن مسلما أعتق نصرانيا فمات النصراني ورثه إنما قال : النبي صلى الله عليه وسلم { لا يرث المسلم الكافر في النسب }


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 23-08-2022, 10:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (164)
صــــــــــ 141 الى صـــــــــــ147




فقلت أموجود ذلك في الحديث ؟ قال فيقولون الحديث يحتمله قلت أفرأيت إن عارضنا وإياهم غيرنا فقال : فإنما معنى الحديث في الولاء ؟ قال : ليس ذلك له قلت ولم ؟ ألأن الحديث لا يحتمله ؟ قال : بل يحتمله ولكنه ليس في الحديث والمسلمون يقولون هذا في النسب قلت ليس كل المسلمين يقولونه في النسب فمنهم من يورث المسلم الكافر كما يجيز له النكاح إليه ، ولا يورث الكافر المسلم قال : فحديث النبي صلى الله عليه وسلم جملة ؟ قلت أجل في جميع الكفار والحجة على من قال : هذا في بعض الكافرين في النسب كالحجة على من قال : في الولاء قلت فإنهم يقولون إن عمر بن عبد العزيز قضى به فقلت قد أخبرتك أن ميمونة وهبت ولاء بني يسار لابن عباس فأتهيبه وقلت : إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة فهو على جمله ، ولم نحمله ما احتمل إلا بدلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وكذلك أقول قلت فلم لم تقل هذا في المسلم يعتق النصراني مع أن الذي روينا
[ ص: 141 ] عن عمر بن عبد العزيز أنه وضع ميراث مولى له نصراني في بيت المال ، وهذا أثبت الحديثين عنه وأولاهما به عندنا والله تعالى أعلم والحجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم { لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم } ، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز خلاف هذا قال ، فقد يحتمل أن يكون هذا من عمر بن عبد العزيز ترك شيء ، وإن كان له قلت نعم وأظهر معانيه عندنا أنه ليس له أن يرث كافرا وأنه إذا منع الميراث للولد والوالد والزوج بالكفر كان ميراث المولى أولى أن يمنعه ; لأن المولى أبعد من ذي النسب قال : فما حجتك على أحد إن خالفك في الرجل يعتق عبده عن الرجل بغير أمره فقال الولاء للمعتق عنه دون المعتق لعبده ; لأنه عقد العتق عنه ؟ قلت أصل حجتي عليك ما وصفت من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الولاء لمن أعتق } ، وهذا معتق قال ، فقد زعمت أنه إن أعتق عبده عنه بأمره كان الولاء للآمر المعتق عنه عبده ، وهذا معتق عنه قلت نعم من قبل أنه إذا أعتق عنه بأمره فإنما ملكه عبده وأعتقه عنه بعدما ملكه قال : أفقبضه المالك المعتق عنه ؟ قلت إذا أعتقه عنه بأمره فعتقه أكثر من قبضه هو لو قبضه قال : ومن أين ؟ قلت إذا جاز للرجل أن يأمر الرجل أن يعتق عبد نفسه فأعتقه فجاز بأنه وكيل له ماضي الأمر فيه ما لم يرجع في وكالته وجاز للرجل أن يشتري العبد من الرجل فيعتقه المشتري بعد تفرقهما عن المقام الذي تبايعا فيه وقبل القبض فينفذ العتق ; لأنه مالك جاز إذا ملكه سيد العبد عبده أن ينفذ عليه عتقه وعتق غيره بأمره قال : والولاء للآمر قلت نعم ; لأنه مالك معتق قال : ومن أين يكون معتقا ، وإنما أعتق عنه غيره بأمره ؟ قلت إذا أمر بالعتق رجلا فأعتق عنه فهو وكيل له جائز العتق ، وهو المعتق إذا وكل ونفذ العتق بأمره قال : فكيف ؟ قلت في الرجل يعتق عن غيره عبده بغير أمره العتق جائز قلت نعم ; لأنه أعتق ما يملك قال أرأيت قوله هو حر عن فلان ألهذا معنى ؟ قلت أما معنى له حكم يرد به العتق أو ينتقل به الولاء فلا ، قال : فما الحجة في هذا سوى ما ذكرت أرأيت لو قال : إذا أعتقه عنه بغير أمره فقبل العتق كان له الولاء قلت إذا يلزمه فيه العلة التي لا نرضى أن نقوله قال : وما هو ؟ قلت يقال له هل يكون العتق إلا لمالك ؟ قال : يقول لا قلنا فمتى ملك ؟ قال : حين قبل قلت أفرأيت حين قبل أقبل حرا ، أو مملوكا ؟ قال : فأقول بل قبل حرا قلنا أفيعتق حرا أو يملكه قال : فأقول بل حين فعل علمنا أنه كان مالكا حين وهبه له قلت أفرأيت إن قال : لك قد قبلت وأبطلت عتقك أيكون العبد المعتق مملوكا له ؟ قال وكيف يكون مملوكا له ؟ قلت تجعله بإعتاقه إياه عنه مملوكا له قبل العتق ، وإذا ملكتني عبدك ، ثم أعتقته أنت ، جاز تمليكك إياي وبطل عنه عتقك إذا لم أحدث له عتقا ، ولم آمرك تحدثه لي قال : هذا يلزم من قال هذا ، وهذا خطأ بين ما يملكه إياه إلا بعد خروجه من الرق وما أخرجه من الرق غيره فالولاء له كما قلت ، وهذا قول قد قاله غيرك من أصحابنا أفتوضحه لي بشيء ؟ قلت نعم أرأيت لو أعتقت عبدا لي ثم قلت بعد عتقه قد جعلت أجره وولاءه الآن لك ؟ قال : فلا يكون لي أجره ، ولا ، ولاؤه ، وإنما يقع الأجر والولاء يوم أعتقت فلما أعتقت عن نفسك لم ينتقل إلى أجرك كما لا ينتقل أجر عملك غير هذا إلي .

( قال الشافعي ) وقلت له الولاء لا يملكه إلا من أعتق ، ولا يكون لمن أعتق إخراجه من ملكه إلى غيره ، وهو غير الأموال المملوكة التي يحولها الناس من أموالهم إلى أموال من شاءوا قال نعم قلت فهذه الحجة على من خالفنا في هذا .
[ ص: 142 ] الوديعة أخبرنا الربيع بن سليمان قال : أخبرنا الشافعي قال : إذا استودع الرجل الرجل الوديعة وأراد المستودع سفرا فلم يثق بأحد يجعلها عنده فسافر بها برا أو بحرا فهلكت ضمن ، وكذلك لو أراد سفرا فجعل الوديعة في بيت مال المسلمين فهلكت ضمن ، وكذلك إن دفنها ، ولم يعلم بها أحدا يأمنه على ماله فهلكت ضمن ، وكذلك إن دفنها ، ولم يخلف في منزله أحدا يحفظه فهلكت ، ضمن
وإذا أودع الرجل الوديعة فتعدى فيها فلم تهلك حتى أخذها وردها في موضعها فهلكت ضمن من قبل أنه قد خرج من حد الأمانة إلى أن كان متعديا ضامنا للمال بكل حال حتى يحدث له المستودع أمانة مستقبلة ، وكذلك لو تكارى دابة إلى بلد فتعدى بها ذاهبا ، أو جائيا ثم ردها سالمة إلى الموضع الذي له في الكراء فهلكت من قبل أن يدفعها كان لها ضامنا من قبل أنه صار متعديا ومن صار متعديا لم يبرأ حتى يدفع إلى من تعدى عليه ماله
وكذلك لو سرق دابة لرجل من حرزها ، ثم ردها إلى حرزها فهلكت ضمن ، ولا يبرأ من ضمن إلا بدفع ما ضمن إلى مالكه
ولو أودعه عشرة دراهم فتعدى منها في درهم فأخرجه فأنفقه ، ثم أخذه فرده بعينه ، ثم هلكت الوديعة ضمن الدرهم ، ولا يضمن التسعة لأنه تعدى بالدرهم ، ولم يتعد بالتسعة ، وكذلك إن كان ثوبا فلبسه ، ثم رده بعينه ضمنه ( قال الربيع ) قول الشافعي إن كان الدرهم الذي أخذه ، ثم وضع غيره معروفا من الدراهم ضمن الدرهم ، ولم يضمن التسعة ، وإن كان لا يتميز ضمن العشرة
( قال الشافعي ) وإذا أودع الرجل الرجل الدابة فأمره بسقيها وعلفها فأمر بذلك من يسقي دوابه ويعلفها فتلفت من غير جناية لم يضمن ، وإن كان سقى دوابه في داره فبعث بها خارجا من داره ضمن ، قال : وإذا استودع الرجل الرجل الدابة فلم يأمره بسقيها ، ولا علفها ، ولم ينهه فحبسها المستودع مدة إذا أتت على مثلها ، ولم تأكل ، ولم تشرب تلفت فتلفت فهو ضامن ، وإن كانت تلفت في مدة قد تقيم الدواب في مثلها ، ولا تتلف فتلفت لم يضمن من تركها .
وإذا دفع إليه الدابة وأمره أن يكريها ممن يركبها بسرج فأكراها ممن يحمل عليها فعطبت ضمن ، ولو أمره أن يكريها ممن يحمل عليها تبنا فأكراها ممن يحمل عليها حديدا فعطبت ضمن ، ولو أمره أن يكريها ممن يحمل عليها حديدا فأكراها ممن يحمل عليها تبنا بوزنه فعطبت ضمن ; لأنه يفترش عليها من التبن ما يعم فيقتل ويجمع عليها من الحديد ما يلهد فيتلعى ويرم فيقتل ، ولو أمره أن يكريها ممن يركب بسرج فأكراها ممن يركبها بلا سرج فعطبت ضمن ; لأن معروفا أن السرج أوقى لها ، وإن كان يعرف أنه ليس بأوقى لها لم يضمن ; لأنه زادها خفة ، ولوكانت دابة ضئيلة فأكراها ممن يعلم أنها لا تطيق حمله ضمن ; لأنه إذا سلطه على أن يكريها فإنما يسلطه على أن يكريها ممن تحمله فأكراها ممن لا تحمله ضمن ، وإذا أمره أن يكريها ممن يركبها بسرج فأكراها ممن يركبها بإكاف فكان الإكاف أعم ، أو أضر في حال ضمن ، وإن كان أخف أو مثل السرج لم يضمن
( قال الشافعي ) وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فأراد المستودع السفر فإن كان المستودع حاضرا ، أو وكيل له لم يكن له أن يسافر حتى يردها إليه ، أو إلى وكيله ، أو يأذنا له أن يودعها من رأى ، فإن فعل [ ص: 143 ] فأودعها من شاء فهلكت ضمن إذا لم يأذنا له ، وإن كان غائبا فأودعها من يودع ماله ممن يكون أمينا على ذلك فهلكت لم يضمن ، فإن أودعها ممن يودع ماله ممن ليست له أمانة فهلكت ضمن ، وسواء كان المودع من أهلها أو من غيرهم ، أو حرا ، أو عبدا أو ذكرا ، أو أنثى ; لأنه يجوز له أن يستهلك ماله ، ولا يجوز له أن يستهلك مال غيره ، ويجوز له أن يوكل بماله غير أمين ، ولا يجوز له أن يوكل بأمانته غير أمين .
وهكذا لو مات المستودع فأوصى إلى رجل بماله الوديعة ، أو الوديعة دون ماله فهلكت فإن كان الموصى إليه الوديعة أمينا لم يضمن الميت ، وإن كان غير أمين ضمن .
ولو استودعه إياها في قرية آهلة فانتقل إلى قرية غير آهلة ، أو في عمران من القرية فانتقل إلى خراب من القرية وهلكت ضمن في الحالين ، ولو استودعه إياها في خراب فانتقل إلى عمارة ، أو في خوف فانتقل إلى موضع آمن لم يكن ضامنا ; لأنه زاده خيرا ، ولو كان شرط عليه أن لا يخرجها من هذا الموضع فتعدى فأخرجها من غير ضرورة فهلكت ضمن ، فإن كانت ضرورة فأخرجها إلى موضع أحرز من الموضع الذي كانت فيه لم يضمن . وذلك مثل النار تغشاه والسيل ، ولو اختلفا في السيل ، أو النار فقال : المستودع لم يكن سيل ، ولا نار وقال : المستودع قد كان فإن كان يعلم أنه قد كان في تلك الناحية ذلك بعين ترى ، أو أثر يدل فالقول قول المستودع ، وإن لم يكن فالقول قول المستودع ، ومتى ما قلت لواحد منهما القول قوله فعليه اليمين إن شاء الذي يخالفه أحلفه
( قال ) : وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فاختلفا فقال : المستودع دفعتها إليك وقال : المستودع لم تدفعها فالقول قول المستودع ، ولو كانت المسألة بحالها غير أن المستودع قال : أمرتني أن أدفعها إلى فلان فدفعتها وقال المستودع لم آمرك فالقول قول المستودع وعلى المستودع البينة . وإنما فرقنا بينهما أن المدفوع إليه غير المستودع . وقد قال : الله عز وجل : { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته } فالأول إنما ادعى دفعها إلى من ائتمنه ، والثاني إنما ادعى دفعها إلى غير المستودع بأمره فلما أنكر أنه أمره أغرم له ; لأن المدفوع إليه غير الدافع . وقد قال : الله عز وجل : { فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } وقال : عز اسمه { ، فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } ، وذلك أن ولي اليتيم إنما هو وصي أبيه ، أو وصي وصاه الحاكم ليس أن اليتيم استودعه ، فلما بلغ اليتيم أن يكون له أمر في نفسه وقال : لم أرض أمانة هذا ، ولم أستودعه فيكون القول قول المستودع كان على المستودع أن يشهد عليه إن أراد أن يبرأ ، وكذلك الوصي ، فإذا أقر المدفوع إليه أنه قد قبض بأمر المستودع فإن كانت الوديعة قائمة ردها ، وإن كان استهلكها رد قيمتها ، فإن قال هلكت بغير استهلاك ، ولا تعد فالقول قوله ، ولا يضمن من قبل أن الدافع إليه بعد إنما دفع إليه بقول رب الوديعة ،
قال : وإذا استودع الرجل الرجل المال في خريطة فحولها إلى غيرها ، فإن كانت التي حولها إليها حرزا كالتي حولها منها لا يضمن ، وإن كانت لا تكون حرزا ضمن إن هلكت ، وإناستودعه إياها على أن يجعلها في صندوق على أن لا يرقد عليه ، أو على أن لا يقفله أو على أن لا يضع عليه متاعا فرقد عليه ، أو أقفله ، أو وضع عليه متاعا فسرق لم يضمن ; لأنه زاده خيرا . وكذلك لو استودعه على أن يدفنها في موضع من البيت ، ولا يبني عليه فوضعها في ذلك الموضع وبنى عليه بنيانا بلا أن يكون مخرجا لها من البيت فسرقت لم يضمن ; لأنه زادها بالبناء حرزا .
وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة على أن يجعلها في بيت ، ولا يدخله أحد فأدخله قوما فسرقها بعض الذين دخلوا ، أو غيرهم ، فإن كان الذي سرقها ممن أدخلها فعليه غرمها ، وإن كان الذي سرق لم يدخله فلا غرم عليه
( قال ) وإذا سأل الرجل الرجل الوديعة فقال : ما استودعتني شيئا ، ثم قال : قد كنت استودعتني فهلكت فهو ضامن لها من قبل أنه قد أخرج نفسه من الأمانة ، وكذلك لو سأله إياها فقال : قد دفعتها إليك ثم قال : [ ص: 144 ] بعد قد ضاعت في يدي فلم أدفعها إليك كان ضامنا ، ولو قال : ما لك عندي شيء ، ثم قال كان لك عندي شيء فهلك كان القول قوله ; لأنه صادق أنه ليس له عنده شيء إذا هلكت الوديعة
( قال ) وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة فوضعها في موضع من داره يحرز فيه مال ويرى الناس مثله حرزا ، وإن كان غيره من داره أحرز منه فهلكت لم يضمن ، وإن وضعها في موضع من داره لا يراه الناس حرزا ، ولا يحرز فيه مثل الوديعة فهلكت ضمن .
وإذا استودع الرجل الرجل الوديعة ذهبا ، أو فضة في منزله على أن لا يربطها في كمه أو بعض ثوبه فربطها فخرج فهلكت ضمن ، ولو كان ربطها في مكانه ليحرزها فإن كان إحرازها يمكنه فتركها حتى طرت ضمن ، وإن كان لا يمكنه بغلق لم ينفتح ، أو ما أشبه ذلك لم يضمن .

( قال ) وإذ استودعه إياها خارجا من منزله على أن يحرزها في منزله وعلى أن لا يربطها في كمه فربطها فضاعت فإن كان ربطها من كمه فيما بين عضده وجنبه لم يضمن ، وإن كان ربطها ظاهرة على عضده ضمن ; لأنه لا يجد من ثيابه شيئا أحرز من ذلك الموضع ، وقد يجد من ثيابه ما هو أحرز من إظهارها على عضده ، وإذا استودعه إياها على أن يربطها في كمه فأمسكها في يده فانفلتت من يده ضمن ، ولو كرهه رجل على أخذها لم يضمن ، وذلك أن يده أحرز من كمه ما لم يجن هو في يده شيئا هلك به
( قال ) وإذا استودع الرجل الرجل شيئا من الحيوان ، ولم يأمره بالنفقة عليه انبغى له أن يرفعه إلى الحاكم حتى يأمره بالنفقة عليه ويجعلها دينا على المستودع ويوكل الحاكم بالنفقة من يقبضها منه وينفقها غيره لئلا يكون أمين نفسه ، أو يبيعها ، وإن لم يفعل فأنفق عليها فهو متطوع ، ولا يرجع عليه بشيء ، وكذلك إذا أخذ له دابة ضالة ، أو عبدا آبقا فأنفق عليه فهو متطوع ، ولا يرجع عليه بشيء .
وإذا خاف هلاك الوديعة فحملها إلى موضع آخر فلا يرجع بالكراء على رب الوديعة ; لأنه متطوع به
( قال ) ، وإذا استودع الرجل الرجل الذهب فخلطها مع ورق له ، فإن كان خلطها ينقصها ضمن النقصان ، ولا يضمنها لو هلكت ، وإن كان لا ينقصها لم يضمن ، وكذلك لو خلطها مع ذهب يتميز منها فهلكت لم يضمن ، وإن كان لا يتميز منها تميزا بينا فهلكت ضمن .
وإذا استودع الرجل الرجل دنانير أو دراهم فأخذ منها دينارا أو درهما ، ثم رد مكانه بدله فإن كان الذي رد مكانه يتميز من دنانيره ودراهمه فضاعت الدنانير كلها ضمن ما تسلف فقط ، وإن كان الذي وضع بدلا مما أخذ لا يتميز ، ولا يعرف فتلفت الدنانير ضمنها كلها .
[ ص: 145 ] قسم الفيء أخبرنا الربيع قال : ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أصل قسم ما يقوم به الولاة من جملة المال ثلاثة وجوه أحدها ما جعله الله تبارك وتعالى طهورا لأهل دينه ، قال : الله جل وعز لنبيه صلى الله عليه وسلم { خذ من أموالهم صدقة } الآية فكل ما أوجب الله عز وجل على مسلم في مال بلا جناية جناها هو ، ولا غيره ممن يعقل عنه ، ولا شيء لزمه من كفارة ، ولا شيء ألزمه نفسه لأحد ، ولا نفقة لزمته لوالد أو ولد ، أو مملوك ، أو زوجته ، أو ما كان في معنى هذا فهو صدقة طهور له ، وذلك مثل صدقة الأموال كلها عينيها وحوليها وماشيتها وما وجب في مال مسلم من زكاة ، أو وجه من وجوه الصدقة في كتاب ، أو سنة ، أو أثر أجمع عليه المسلمون .

وقسم هذا كله واحد لا يختلف في كتاب الله عز ذكره ، قال : الله تبارك وتعالى في سورة براءة { إنما الصدقات للفقراء } الآية وعلى المسلم في ماله إيتاء واجبة في كتاب ، أو سنة ليست من هذا الوجه ، وذلك مثل نفقة من تلزمه نفقته والضيافة وغيرها وما لزم بالجنايات والإقرار والبيوع وكل هذا خروج من دين ، أو تأدية واجب ، أو نافلة يوصل فيها الأجر كل هذا موضوع على وجهه في كتاب الصدقات في كل صنف منه في صنفه الذي هو أملك به .
قسم الغنيمة والفيء .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وما أخذ من مشرك بوجه من الوجوه غير ضيافة من مر بهم من [ ص: 146 ] المسلمين فهو على وجهين لا يخرج منهما كلاهما مبين في كتاب الله تعالى وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي فعله فأحدهما الغنيمة قال : الله عز وجل في سورة الأنفال { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية والوجه الثاني الفيء ، وهو مقسوم في كتاب الله عز ذكره في سورة الحشر قال : الله تبارك وتعالى { وما أفاء الله على رسوله منهم } إلى قوله { رءوف رحيم } فهذان المالان اللذان خولهما الله تعالى من جعلهما له من أهل دينه ، وهذه أموال يقوم بها الولاة لا يسعهم تركها وعلى أهل الذمة ضيافة ، وهذا صلح صولحوا عليه غير مؤقت فهو لمن مر بهم من المسلمين خاص دون العام من المسلمين خارج من المالين وعلى الإمام إن امتنع من صولح على الضيافة من الضيافة أن يلزمه إياها .
جماع سنن قسم الغنيمة والفيء .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال : الله عز وجل { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية وقال : الله تعالى { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } الآية ، وقال : عز وجل { وما أفاء الله على رسوله منهم } الآية .

( قال الشافعي ) فالغنيمة والفيء يجتمعان في أن فيهما معا الخمس من جميعهما لمن سماه الله تعالى له ومن سماه الله عز وجل له في الآيتين معا سواء مجتمعين غير مفترقين . قال : ثم يتعرف الحكم في الأربعة الأخمس بما بين الله عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وفي فعله فإنه قسم أربعة أخماس الغنيمة والغنيمة هي الموجف عليها بالخيل والركاب لمن حضر من غني وفقير والفيء ، وهو ما لم يوجف عليه بخيل ، ولا ركاب فكانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم في قرى عرينة التي أفاءها الله عليه أن أربعة أخماسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون المسلمين يضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أراه الله عز وجل .

أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان ، قال سمعت عمر بن الخطاب وعلي والعباس رحمة الله عليهم يختصمان إليه في أموال النبي صلى الله عليه وسلم فقال : عمر { كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليها المسلمون بخيل ، ولا ركاب فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خالصا دون المسلمين فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينفق منها على أهله نفقة سنة فما فضل جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل } ، ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم فوليها أبو بكر بمثل ما وليها به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وليها عمر بمثل ما وليها به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، ثم سألتماني أن أوليكماها فوليتكماها على أن تعملا فيها بمثل ما وليها به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وليها به أبو بكر ، ثم وليتها به فجئتماني تختصمان أتريدان أن أدفع إلى كل واحد منكما نصفا أتريدان مني قضاء غير ما قضيت به بينكما أولا ؟ فلا والله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي بينكما قضاء غير ذلك فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي أكفكماها .

( قال الشافعي ) فقال : لي سفيان لم أسمعه من الزهري ولكن أخبرنيه عمرو بن دينار عن الزهري قلت كما قصصت ؟ قال : نعم .

( قال الشافعي ) فأموال بني النضير التي أفاء الله على رسوله عليه الصلاة والسلام التي يذكر عمر فيها ما بقي في يدي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الخمس وبعد أشياء قد فرقها النبي صلى الله عليه وسلم منها بين رجال من المهاجرين لم يعط منها أنصاريا إلا رجلين ذكرا فقرا ، وهذا مبين في موضعه ، وفي هذا الحديث دلالة على أن عمر إنما حكى أن أبا بكر ، وهو أمضيا ما بقي من هذه الأموال التي كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه ما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به فيها وأنهما لم يكن [ ص: 147 ] لهما مما لم يوجف عليه المسلمون من الفيء ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهما كانا فيه أسوة للمسلمين ، وذلك سيرتهما وسيرة من بعدهما ، والأمر الذي لم يختلف فيه أحد من أهل العلم عندنا علمته ، ولم يزل يحفظ من قولهم أنه ليس لأحد ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من صفي الغنيمة ، ولا من أربعة أخماس ما لم يوجف عليه منها .

( قال الشافعي ) وقد مضى من كان ينفق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه وغيرهن لو كان معهن فلم أعلم أحدا من أهل العلم قال : لورثتهم تلك النفقة التي كانت لهم ، ولا خلاف في أن تجعل تلك النفقات حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل فضول غلات تلك الأموال فيما فيه صلاح الإسلام وأهله ( قال الشافعي ) فما صار في أيدي المسلمين من فيء لم يوجف عليه فخمسه حيث قسمه الله تبارك وتعالى وأربعة أخماسه على ما سأبينه إن شاء الله ، وقد سن النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه الدلالة على ما وصفت .

أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يقتسمن ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة أهلي ومؤنة عاملي فهو صدقة } أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بمثل معناه .

( قال الشافعي ) وقد أخبرنا أن النفقة إنما هي جارية بقوت منه على أعيان أهله وأن ما فضل من نفقتهم فهو صدقة ومن وقفت له نفقة لم تكن موروثة عنه .

( قال الشافعي ) والجزية من الفيء وسبيلها سبيل جميع ما أخذ مما أوجف من مال مشرك أن يخمس فيكون لمن سمى الله عز وجل الخمس وأربعة أخماسه على ما سأبينه إن شاء الله ، وكذلك كل ما أخذ من مال مشرك بغير إيجاف ، وذلك مثل ما أخذ منه إذا اختلف في بلاد المسلمين ومثل ما أخذ منه إذا مات ، ولا وارث له وغير ذلك مما أخذ من ماله .

، وقد كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فتوح في غير قرى عرينة التي وعدها الله رسوله صلى الله عليه وسلم قبل فتحها فأمضاها النبي صلى الله عليه وسلم كلها لمن هي ، ولم يحبس منها ما حبس من القرى التي كانت له ، وذلك مثل جزية أهل البحرين وهجر وغير ذلك ، وقد كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فيء من غير قرى عرينة ، وذلك مثل أهل البحرين فكان له أربعة أخماسها يمضيها حيث أراه الله عز وجل كما يمضي ماله وأوفى خمسه من جعله الله له ، فإن قال : قائل ما دل على ذلك ؟ قيل أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله الحديث .

( قال الربيع ) قال : غير الشافعي { قال : النبي صلى الله عليه وسلم لجابر لو جاءني مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا } فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأته فجاء أبا بكر فأعطاني .

تفريق القسم فيما أوجف عليه الخيل والركاب .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا غزا المسلمون بلاد أهل الحرب بالخيل والركاب فغنموا أرضهم وديارهم وأموالهم وأنفسهم أو بعض ذلك دون بعض فالسنة في قسمه أن يقسمه الإمام معجلا على وجه النظر فإن كان معه كثير في ذلك الموضع آمنين لا يكر عليهم العدو فلا يؤخر قسمه إذا أمكنه في موضعه الذي غنمه فيه ، وإن كانت بلاد حرب أو كان يخاف كرة العدو عليهم أو كان منزله غير رافق بالمسلمين تحول عنه إلى أرفق بهم منه وآمن لهم من عدوهم ، ثم قسمه ، وإن كانت بلاد شرك .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 23-08-2022, 10:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (165)
صــــــــــ 148 الى صـــــــــــ154



( قال الشافعي ) : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني المصطلق وسبيهم في الموضع الذي غنمه [ ص: 148 ] فيه قبل أن يتحول عنه وما حوله كله بلاد شرك وقسم أموال أهل بدر بسير على أميال من بدر ومن حول سير وأهله مشركون ، وقد يجوز أن يكون قسمه بسير ; لأن المشركين كانوا أكثر من المسلمين فتحول إلى موضع لعل العدو لا يأتونه فيه ويجوز أن يكون سير أوصف بهم في المنزل من بدر .

( قال الشافعي ) وأكثر ما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمراء سراياه ما غنموا ببلاد أهل الحرب .

( قال الشافعي ) وما وصفت من قسم النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه معروف عند أهل العلم عندنا لا يختلفون فيه فقال : لي بعض الناس لا تقسم الغنيمة إلا في بلاد الإسلام وبلغني أن بعض أصحابه خالفه وقال : فيه قولنا والحجة على من خالفنا فيه ما وصفنا من المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم من القسم ببلاد العدو ، وإذا حوله الإمام عن موضعه إلى موضع غيره فإن كانت معه حمولة حمله عليها ، وإن لم تكن معه فينبغي للمسلمين أن يحملوه له إن كان معهم حمولة بلا كراء ، وإن امتنعوا فوجد كراء كارى على الغنائم واستأجر عليها ثم أخرج الكراء والإجارة من جميع المال .

( قال الشافعي ) ولو قال : قائل يجبر من معه فضل محمل كان مذهبا .

( قال الشافعي ) وإن لم يجد حمولة ، ولم يحمل الجيش قسمه مكانه ، ثم من شاء أخذ ماله .

( قال الشافعي ) ولو قال : قائل يجبرون على حمله بكراء مثلهم ; لأن هذا موضع ضرورة كان مذهبا
( قال الشافعي ) وإذا خرجت سرية من عسكر فغنمت غنيمة فالأمر فيها كما وصفت في الجيش في بلاد العدو .

( قال الشافعي ) فإن ساق صاحب الجيش ، أو السرية سبيا ، أو خرثيا ، أو غير ذلك فأدركه العدو فخاف أن يأخذوه منه ، أو أبطأ عليه بعض ذلك فالأمر الذي لا أشك فيه أنه إن أراد قتل البالغين من الرجال قتلهم وليس له قتل من لم يبلغ ، ولا قتل النساء منهم ، ولا عقر الدواب ، ولا ذبحها ، وذلك أني إنما وجدت الدلالة من كتاب الله عز وجل ، ثم سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يختلف أهل العلم فيه عندنا أنه إن ما أبيح قتله من ذوات الأرواح من البهائم فإنما أبيح أن يذبح إذا قدر على ذبحه ليؤكل ، ولا يقتل بغير الذبح والنحر الذي هو مثل الذبح ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصير البهائم وهي أن ترمى بعدما تؤخذ وأبيح ما امتنع منها بما نيل به من سلاح لأحد معنيين أن يقتل ليؤكل وتلك ذكاته ; لأنه لا يقدر من ذكاته على أكثر من ذلك أما قتل ما لا يؤكل لضرره وأذاه ; لأنه في معاني الأعداء ، أو الحوت أو الجراد فإن قتله ذكاته ، وهو يؤكل بلا ذكاة ، وأما ما سوى ذلك فلا أجده أبيح .

( قال الشافعي ) وقد قيل : تذبح خيلهم وتعقر ويحتج بأن جعفرا عقر عند الحرب ، ولا أعلم ما روي عن جعفر من ذلك ثابتا لهم موجودا عند عامة أهل المغازي ، ولا ثابتا بالإسناد المعروف المتصل فإن كان من قال : هذا إنما أراد غيظ المشركين لما في غيظهم من أن يكتب به عمل صالح فذلك فيما أغيظوا به مما أبيح لنا ، وكذلك إن أراد توهينهم ، وذلك أنا نجد مما يغيظهم ويوهنهم ما هو محظور علينا غير مباح لنا فإن قال : قائل وما ذلك ؟ قلنا قتل أبنائهم ونسائهم ، ولو قتلوا كان أغيظ وأهون لهم ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقتل ذوي الأرواح بغير وجهه عذاب فلا يجوز عندي لغير معنى ما أبيح من أكله وإطعامه ، أو قتل ما كان عدوا منه .

( قال الشافعي ) فأما ما لا روح فيه من أموالهم فلا بأس بتحريقه وإتلافه بكل وجه ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حرق أموال بني النضير وعقر النخل بخيبر والعنب بالطائف ، وإن تحريق هذا ليس بتعذيب له ; لأنه لا يألم بالتحريق إلا ذو روح ، وهذا مكتوب في [ ص: 149 ] غير هذا الموضع .

( قال الشافعي ) ولو كان رجل في الحرب فعقر رجل فرسه رجوت أن لا يكون له بأس ; لأن ذلك ضرورة ، وقد يباح في الضرورات ما لا يباح في غير الضرورات .
الأنفال .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ثم لا يخرج من رأس الغنيمة قبل الخمس شيء غير السلب ، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن { أبي قتادة قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين قال فاستدرت له حتى أتيته من ورائه قال : فضربته على حبل عاتقه ضربة وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ، ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقلت له : ما بال الناس ؟ فقال : أمر الله ، ثم إن الناس رجعوا فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقلت من يشهد لي ؟ ، ثم جلست ، ثم قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك يا أبا قتادة ؟ فقصصت عليه القصة فقال : رجل من القوم صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه فقال أبو بكر لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله عز وجل يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق فأعطه إياه فأعطانيه فبعت الدرع وابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام } .

( قال الشافعي ) هذا حديث ثابت معروف عندنا

والذي لا أشك فيه أن يعطي السلب من قتل والمشرك مقبل يقاتل من أي جهة قتله مبارزا ، أو غير مبارز ، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم سلب مرحب من قتله مبارزا وأبو قتادة غير مبارز ولكن المقتولين جميعا مقبلان ، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى أحدا قتل موليا سلب من قتله والذي لا أشك فيه أن له سلب من قتل الذي يقتل المشرك والحرب قائمة والمشركون يقاتلون ولقتلهم هكذا مؤنة ليست لهم إذا انهزموا ، أو انهزم المقتول ، ولا أرى أن يعطى السلب إلا من قتل مشركا مقبلا ، ولم ينهزم جماعة المشركين ، وإنما ذهبت إلى هذا أنه لم يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قط أنه أعطى السلب قاتلا قتل مقبلا ، وفي حديث أبي قتادة ما دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من قتل قتيلا له سلبه } يوم حنين بعدما قتل أبو قتادة الرجل ، وفي هذا دلالة على أن بعض الناس خالف السنة في هذا فقال : لا يكون للقاتل السلب إلا أن يقول الإمام قبل القتال من قتل قتيلا فله سلبه وذهب بعض أصحابنا إلى أن هذا من الإمام على وجه الاجتهاد ، وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم عندنا حكم ، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم السلب للقاتل في غير موضع .

( قال الشافعي ) ولو اشترك نفر في قتل رجل كان السلب بينهم ، ولو أن رجلا ضرب رجلا ضربة لا يعاش من مثلها ، أو ضربة يكون مستهلكا من مثلها ، وذلك مثل أن يقطع يديه ، أو رجليه ثم يقتله آخر كان السلب لقاطع اليدين ، أو الرجلين ; لأنه قد صيره في حال لا يمنع فيها سلبه ، ولا يمتنع من أن يذفف عليه ، وإن ضربه وبقي فيه ما يمنع نفسه ، ثم قتله بعده آخر فالسلب للآخر إنما يكون السلب لمن صيره بحال لا يمتنع فيها
( قال الشافعي ) والسلب الذي يكون للقاتل كل ثوب عليه وكل سلاح عليه ومنطقته وفرسه إن كان راكبه ، أو ممسكه فإن كان منفلتا منه أو مع غيره فليس له ، وإنما سلبه ما أخذ من يديه ، أو مما على بدنه ، أو [ ص: 150 ] تحت بدنه ( قال الشافعي ) فإن كان في سلبه سوار ذهب ، أو خاتم ، أو تاج ، أو منطقة فيها نفقة ، فلو ذهب ذاهب إلى أن هذا مما عليه من سلبه كان مذهبا ، ولو قال : ليس هذا من عدة الحرب ، وإنما له سلب المقتول الذي هو له سلاح كان وجها والله أعلم
( قال الشافعي ) ولا يخمس السلب .

( قال الشافعي ) فعارضنا معارض فذكر أن عمر بن الخطاب قال : إنا كنا لا نخمس السلب وأن سلب البراء قد بلغ شيئا كثيرا ، ولا أرى أني إلا خامسه قال : فخمسه وذكر عن ابن عباس أنه قال : السلب من الغنيمة ، وفيه الخمس .

( قال الشافعي ) : فإذا قال : النبي صلى الله عليه وسلم { من قتل قتيلا فله سلبه } فآخذ خمس السلب أليس إنما يكون لصاحبه أربعة أخماسه لا كله ، وإذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء لم يجز تركه فإن قال : قائل فلعل النبي صلى الله عليه وسلم أعطى السلب أنه لم يكن ذا خطر وعمر يخبر أنه لم يكن يخمسه ، وإنما خمسه حين بلغ مالا كثيرا فالسلب إذا كان غنيمة فأخرجناه من أن يكون حكمه حكمها وقلنا قد يحتمل أن يكون قول الله تعالى { فأن لله خمسه } على أكثر الغنيمة لا على كلها فيكون السلب مما لم يرد من الغنيمة وصفي النبي صلى الله عليه وسلم وما غنم مأكولا فأكله من غنمه ويكون هذا بدلالة السنة وما بقي تحتمله الآية ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أعطى السلب من قتل لم يجز عندي والله أعلم أن يخمس ويقسم إذ كان اسم السلب يكون كثيرا وقليلا ، ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم قليل السلب ، ولا كثيره أن يقول يعطى القليل من السلب دون الكثير ونقول دلت السنة أنه إنما أراد بما يخمس ما سوى السلب من الغنيمة .

( قال الشافعي ) وهذه الرواية من خمس السلب عن عمر ليست من روايتنا وله رواية عن سعد بن أبي وقاص في زمان عمر تخالفها . أخبرنا ابن عيينة عن الأسود بن قيس عن رجل من قومه يسمى سير بن علقمة قال : بارزت رجلا يوم القادسية فقتلته فبلغ سلبه اثني عشر ألفا فنفلنيه سعد بن أبي وقاص .

( قال الشافعي ) واثني عشر ألفا كثير .
الوجه الثاني من النفل .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة كانت سهمانهم اثني عشر بعيرا ، أو أحد عشر بعيرا ثم نفلوا بعيرا بعيرا } أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج أنه سمع سعيد بن المسيب يقول كان الناس يعطون النفل من الخمس .

( قال الشافعي ) وحديث ابن عمر يدل على أنهم إنما أعطوا مالهم مما أصابوا على أنهم نفلوا بعيرا بعيرا والنفل هو شيء زيدوه غير الذي كان لهم وقول ابن المسيب يعطون النفل من الخمس كما قال : إن شاء الله ، وذلك من خمس النبي صلى الله عليه وسلم فإن له خمسا من كل غنيمة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يضعه حيث أراه الله كما يضع سائر ماله فكان الذي يريه الله تبارك وتعالى ما فيه صلاح المسلمين .

( قال الشافعي ) وما سوى سهم النبي صلى الله عليه وسلم من جميع الخمس لمن سماه الله عز وجل له فلا يتوهم عالم أن يكون قوم حضروا فأخذوا مالهم وأعطوا مما لغيرهم إلا أن يطوع به عليهم غيرهم ( قال الشافعي ) والنفل في هذا الوجه من سهم النبي صلى الله عليه وسلم فينبغي للإمام أن يجتهد ، فإذا كثر العدو واشتدت الشوكة وقل من بإزائه من المسلمين نفل منه اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا لم يكن ذلك لم ينفل ، وذلك أن أكثر مغازي النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 151 ] وسراياه لم يكن فيها أنفال من هذا الوجه ( قال الشافعي ) والنفل في أول مغزى والثاني وغير ذلك سواء على ما وصفت من الاجتهاد ( قال الشافعي ) والذي يختار من أرضى من أصحابنا أن لا يزاد أحد على ماله لا يعطى غير الأخماس ، أو السلب للقاتل ويقولون لم نعلم أحدا من الأئمة زاد أحدا على حظه من سلب ، أو سهما من مغنم إلا أن يكون ما وصفت من كثرة العدو وقلة المسلمين فينفلون ، وقد روى بعض الشاميين في النفل في البدأة والرجعة الثلث في واحدة والربع في الأخرى ورواية ابن عمر أنه نفل نصف السدس فهذا يدل على أنه ليس للنفل حد لا يجاوزه الإمام وأكثر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها إنفال ، فإذا كان للإمام أن لا ينفل فنفل فينبغي لتنفيله أن يكون على الاجتهاد غير محدود .
الوجه الثالث من النفل .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال بعض أهل العلم إذا بعث الإمام سرية ، أو جيشا فقال : لهم قبل اللقاء من غنم شيئا فهو له بعد الخمس فذلك لهم على ما شرط الإمام ; لأنهم على ذلك غزوا وبه رضوا وقالوا يخمس جميع ما أصاب كل واحد منهم غير السلب في إقبال الحرب وذهبوا في هذا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر قال : { من أخذ شيئا فهو له } ، وذلك قبل نزول الخمس والله أعلم ، ولم أعلم شيئا يثبت عندنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما وصفنا من قسمة الأربعة الأخماس بين من حضر القتال وأربعة أخماس الخمس على أهله ووضعه سهمه حيث أراه الله عز وجل ، وهو خمس الخمس ، وهذا أحب إلي والله أعلم ، ولهذا مذهب ، وذلك أن يقال : إنما قاتل هؤلاء على هذا الشرط والله أعلم .
كيف تفريق القسم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وكل ما حصل مما غنم من أهل دار الحرب من شيء قل ، أو كثر من دار ، أو أرض وغير ذلك من المال ، أو سبي قسم كله إلا الرجال البالغين فالإمام فيهم بالخيار بين أن يمن على من رأى منهم ، أو يقتل ، أو يفادي أو يسبي ، وإن من ، أو قتل فذلك له ، وإن سبى ، أو فادى فسبيل ما سبى وما أخذ مما فادى سبيل ما سواه من الغنيمة قال : وذلك إذا أخذ منهم شيئا على إطلاقهم فأما أن يكون أسير من المسلمين فيفاديه بأسيرين ، أو أكثر فذلك له ، ولا شيء للمسلمين على من فادى من المسلمين بأسارى المشركين ، وإذا جاز له أن يمن عليهم فلا يعود على المسلمين منه منفعة يقبضونها كان أن يستخرج أسيرا من المسلمين أنفع وأولى أن يجوز ، أخبرنا ابن عيينة عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين { أن النبي صلى الله عليه وسلم فادى رجلا برجلين }
( قال الشافعي ) وفي الرجل يأسره الرجل فيسترق ، أو تؤخذ منه الفدية قولان أحدهما ما أخذ منه كالمال يغنم وأنه إن استرق فهو كالذرية ، وذلك يخمس وأربعة أخماسه بين جماعة من حضر فلا يكون ذلك لمن أسره ، وهذا قول صحيح لا أعلم خبرا ثابتا يخالفه ، وقد قيل الرجل مخالف للسبي والمال ; لأن عليه القتل فهو لمن أخذه وما أخذ منه فلمن أخذه كما يكون سلبه لمن قتله ; لأن أخذه أشد من قتله ، وهذا مذهب والله أعلم ، فينبغي [ ص: 152 ] للإمام أن يعزل خمس ما حصل بعدما وصفنا كاملا ويقر أربعة أخماسه ويحسب من حضر القتال من الرجال المسلمين البالغين ويعرف من حضر من أهل الذمة وغير البالغين من المسلمين ومن النساء فينفلهم شيئا فمن رأى أن ينفلهم من الأربعة الأخماس لهم نفلهم وسيذكر هذا في موضعه إن شاء الله .
ثم يعرف عدد الفرسان والرجالة من بالغي المسلمين الذين حضروا القتال فيضرب للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما فيسوي بين الراجل والراجل فيعطيان سهما سهما ويفضل ذو الفرس ، فإن الله عز وجل ندب إلى اتخاذ الخيل فقال : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } الآية ، فأطاع في الرباط وكانت عليه مؤنة في اتخاذه وله غناء بشهوده عليه ليس الراجل شبيها به أخبرنا الثقة عن إسحاق الأزرق عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب للفرس بسهمين وللفارس بسهم } فزعم بعض الناس أنه لا يعطى فرس إلا سهما وفارس سهما ، ولا يفضل فرس على مسلم فقلت لبعض من يذهب مذهبه : هو كلام عربي ، وإنما يعطي الفارس بسبب القوة والغناء مع السنة والفرس لا يملك شيئا إنما يملكه فارسه ، ولا يقال لا يفضل فرس على مسلم والفرس بهيمة لا يقاس بمسلم ، ولو كان هذا كما قال صاحبك لم يجز أن يسوى بين فرس ومسلم ، وفي قوله وجهان أحدهما خلاف السنة والآخر قياسه الفرس بالمسلم ، وهو لو كان قياسا له دخل عليه أن يكون قد سوى فرسا بمسلم وقال : بعض أصحابه بقولنا في سهمان الخيل وقال : هذه السنة التي لا ينبغي خلافها .

( قال الشافعي ) وأحب الأقاويل إلي وأكثر قول أصحابنا أن البراذين والمقاريف يسهم لها سهمان العربية ولأنها قد تغني غناءها في كثير من المواطن واسم الخيل جامع لها ، وقد قيل : يفضل العربي على الهجين ، وإذا حضر الرجل بفرسين ، أو أكثر لم يسهم إلا لفرس واحد ، ولو جاز أن يسهم لاثنين جاز أن يسهم لأكثر ، وهو لا يلفى أبدا إلا على واحد ، ولو تحول عنه كان تاركا له آخذه لمثله .

( قال الشافعي ) وليس فيما قلت من أن لا يسهم إلا لفرس واحد ، ولا خلافه خبر يثبت مثله والله تعالى أعلم ، وفيه أحاديث منقطعة أشبهها أن يكون ثابتا أخبرنا ابن عيينة عن هشام بن عروة عن يحيى بن سعيد بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن الزبير بن العوام كان يضرب في المغنم بأربعة أسهم سهما له وسهمين لفرسه وسهما في ذي القربى .

( قال الشافعي ) يعني والله تعالى أعلم بسهم ذي القربى سهم صفية أمه ، وقد شك سفيان أحفظه عن هشام عن يحيى سماعا ، ولم يشك سفيان أنه من حديث هشام عن يحيى هو ، ولا غيره ممن حفظه عن هشام .

( قال الشافعي ) وحديث مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل { أن الزبير حضر خيبر بفرسين فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم سهما له وأربعة أسهم لفرسه } ، ولو كان كما حدث مكحول أن الزبير حضر خيبر بفرسين فأخذ خمسة أسهم كان ولده أعرف بحديثه وأحرص على ما فيه زيادة من غيرهم إن شاء الله تعالى
( قال الشافعي ) ، ولا يسهم لراكب دابة غير الفرس لا بغل ، ولا حمار ، ولا بعير ، ولا فيل ، ولا غيره وينبغي للإمام أن يتعاهد الخيل فلا يدخل إلا شديدا ، ولا يدخل حطما ، ولا قحما ضعيفا ، ولا ضرعا ، ولا أعجف رازحا فإن غفل فشهد رجل على واحد من هذه ، فقد قيل : لا يسهم له ; لأنه ليس لواحد منها غناء الخيل التي أسهم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم نعلمه أسهم لأحد فيما مضى على مثل هذه الدواب
( قال الشافعي ) ولو قال : رجل أسهم للفرس كما أسهم للرجل ، ولم يقاتل كانت شبهة ولكن في الحاضر غير المقاتل العون بالرأي والدعاء وإن الجيش قد ينصرون بأضعفهم وأنه قد لا يقاتل ، ثم يقاتل ، وفيهم مرضى فأعطي سهمه سنة وليست في فرس ضرع ، ولا قحم ، ولا واحد مما وصفنا من هذه المعاني .

( قال الشافعي ) وإنما أسهم للفارس بسهم فارس إذا حضر شيئا من الحرب فارسا قبل أن تنقطع الحرب فأما إن كان فارسا إذا [ ص: 153 ] دخل بلاد العدو وكان فارسا بعد انقطاع الحرب وقبل جمع الغنيمة فلا يسهم له بسهم فارس قال : وقال : بعض الناس إذا دخل بلاد العدو فارسا ، ثم مات فرسه أسهم له سهم فارس ، وإن أفاد فرسا ببلاد العدو قبل القتال فحضر عليه لم يسهم له ( قال الشافعي ) فقيل له : ولم أسهمت له إذا دخل أدنى بلاد العدو فارسا ، وإن لم يحضر القتال فارسا ؟ قال : لأنه قد يثبت في الديوان فارسا قيل : فقد يثبت هو في الديوان فإن مات فلا يسهم له إلا أن يموت بعدما تحرز الغنيمة قيل : فقد أثبت هو وفرسه في الديوان فزعمت أن الموت قبل إحراز الغنيمة ، وإن حضر القتال يقطع حظه في الغنيمة ، وإن موت فرسه قبل حضور القتال لا يقطع حظه قبل فعله ، وقد أوفى أدنى بلاد العدو قيل : فذلك كله يلزمك في نفسه ويلزمك في الفرس أرأيت الخراساني ، أو اليماني يقود الفرس للروم حتى إذا لم يكن بينه وبين أدنى بلاد العدو إلا ميل فمات فرسه أيسهم لفرسه ؟ قال : لا قيل فهذا قد تكلف من المؤنة أكثر مما يتكلف رجل من أهل الثغور ابتاع فرسا ، ثم غزا عليه فأمسى بأدنى بلاد العدو ، ثم مات فرسه فزعمت أنك تسهم له ، ولو كنت بالمؤنة التي لزمته في الفرس تسهم له كان هذا أولى أن تحرمه من الذي تكلف أكثر مما تكلف فحرمته
( قال الشافعي ) ولو حاصر قوم مدينة فكانوا لا يقاتلون إلا رجالة ، أو غزا قوم في البحر فكانوا لا يقاتلون إلا رجالة لا ينتفعون بالخيل في واحد من المعنيين أعطي الفارس سهم الفارس لم ينقص منه
( قال الشافعي ) ولو دخل رجل يريد الجهاد فلم يجاهد أسهم له ، ولو دخل أجير يريد الجهاد ، فقد قيل : يسهم له وقيل يخير بين أن يسهم له ويطرح الإجارة ، أو الإجارة ، ولا يسهم له ، وقد قيل : يرضخ له
( قال الشافعي ) ولو انفلت أسير في أيدي العدو قبل أن تحرز الغنيمة ، فقد قيل : لا يسهم له إلا أن يكون قتال فيقاتل فأرى أن يسهم له ، وقد قيل : يسهم له ما لم تحرز الغنيمة ، ولو دخل قوم تجار فقاتلوا لم أر بأسا أن يسهم لهم ، وقد قيل : لا يسهم لهم
( قال الشافعي ) فأما الذمي غير البالغ والمرأة يقاتلون فلا يسهم لهم ويرضخ لهم وكان أحب إلي في الذمي لو استؤجر بشيء من غير الغنيمة ، أو المولود في بلاد الحرب يرضخ له ويرضخ لمن قاتل أكثر مما يرضخ لمن لم يقاتل وليس ذلك عندي حد معروف يعطون من الخرثي والشيء المتفرق مما يغنم ، ولو قال قائل يرضخ لهم من جميع المال كان مذهبا وأحب إلي أن يرضخ لهم من الأربعة الأسهم ; لأنهم حضروا القتال والسنة بالرضخ لهم بحضورهم كما كانت بالإسهام لغيرهم بحضورهم
( قال الشافعي ) فإن جاء مدد للمسلمين بلاد الحرب قبل أن تنقطع الحرب فحضروا من الحرب شيئا قل ، أو كثر شركوا في الغنيمة ، وإن لم يأتوا حتى تنقطع الحرب ، ولا يكون عند الغنيمة مانع لها لم يشركوهم ، ولو جاءوا بعدما أحرزت الغنيمة ، ثم كان قتال بعدها فإن غنموا شيئا حضروه شركوا فيه ، ولا يشركون فيما أحرز قبل حضورهم ، ولو أن قائدا فرق جنده في وجهين فغنمت إحدى الفرقتين ، ولم تغنم الأخرى ، أو بعث سرية من عسكر ، أو خرجت هي فغنمت في بلاد العدو ، ولم يغنم العسكر ، أو غنم العسكر ، ولم تغنم السرية شرك كل واحد من الفريقين صاحبه ; لأنه جيش واحد كلهم رد ، لصاحبه قد مضت خيل المسلمين فغنمت بأوطاس غنائم كثيرة وأكثر العسكر : حنين فشركوهم وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
( قال الشافعي ) ولو كان قوم مقيمين ببلادهم فخرجت منهم طائفة فغنموا لم يشركهم المقيمون ، وإن كان منهم قريبا ; لأن السرايا كانت تخرج من المدينة فتغنم ، ولا يشركهم أهل المدينة ، ولو أن إماما بعث جيشين على كل واحد منهما قائد وأمر كل واحد منهما أن يتوجه ناحية غير ناحية صاحبه من بلاد عدو غنم أحد الجيشين لم يشركهم الآخرون فإن اجتمعوا فغنموا مجتمعين فهم كجيش واحد ويرفعون الخمس إلى الإمام وليس واحد من القائدين بأحق بولاية الخمس إلى أن يوصله إلى الإمام [ ص: 154 ] من الآخر وهما فيه شريكان
( قال الشافعي ) ولو غزت جماعة باغية مع جماعة أهل عدل شركوهم في الغنيمة ولأهل العدل بطاعة الإمام أن يلوا الخمس دونهم حتى يوصلوه إلى الإمام .
سن تفريق القسم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال : الله تبارك اسمه { واعلموا أنما غنمتم من شيء } الآية .

( قال الشافعي ) أخبرنا مطرف عن معمر عن الزهري أن محمد بن جبير بن مطعم أخبره عن أبيه قال : { لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم . أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا ، أو منعتنا ، وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة . فقال : النبي صلى الله عليه وسلم إنمابنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا وشبك بين أصابعه }

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا أحسبه داود العطار عن ابن المبارك عن يونس عن ابن شهاب الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معناه أخبرنا الثقة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معناه .

( قال الشافعي ) فذكرت لمطرف بن مازن أن يونس وابن إسحاق رويا حديث ابن شهاب عن ابن المسيب فقال مطرف حدثنا معمر كما وصفت ولعل ابن شهاب رواه عنهما معا أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن علي بن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وزاد { لعن الله من فرق بين بني هاشم وبني المطلب } .

( قال الشافعي ) وأخبرنا عن الزهري عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم قال : { قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب ، ولم يعط منه أحدا من بني عبد شمس ، ولا بني نوفل شيئا } .

( قال الشافعي ) فيعطى جميع سهم ذي القربى حيث كانوا لا يفضل منهم أحد حضر القتال على أحد لم يحضره إلا بسهمه في الغنيمة كسهم العامة ، ولا فقير على غني ويعطى الرجل سهمين والمرأة سهما ويعطى الصغير منهم والكبير سواء ، وذلك أنهم إنما أعطوا باسم القرابة وكلهم يلزمه اسم القرابة فإن قال : قائل قد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم مائة وسق وبعضهم أقل ( قال الشافعي ) فكل من لقيت من علماء أصحابنا لم يختلفوا فيما وصفت من التسوية بينهم وبأنه إنما قيل : أعطى فلانا كذا ; لأنه كان ذا ولد فقيل : أعطاه كذا . وإنما أعطاه حظه وحظ عياله والدلالة على صحة ما حكيت مما قالوا عنهم ما وصفت من اسم القرابة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه من حضر خيبر ومن لم يحضرها وأنه لم يسم أحدا من عيال من سمى أنه أعطى بعينه وأن حديث جبير بن مطعم فيه إنه قسم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب والقسم إذا لم يكن تفضيل يشبه قسم المواريث ، وفي حديث جبير بن مطعم الدلالة على أنه لهم خاصة . وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من سهمه غير واحد من قريش والأنصار لا من سهم ذي القربى


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26-09-2022, 12:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (167)
صــــــــــ 161 الى صـــــــــــ166






[ ص: 161 ] الخمس الموجف عليه من الغنيمة ، وهذا هو المسمى في كتاب الله عز وجل ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال لي قائل قد احتججت بأن { النبي صلى الله عليه وسلم أعطى سهم ذي القربى عام خيبر ذوي القربى } وخيبر مما أوجف عليه فكيف زعمت أن الخمس لهم مما لم يوجف عليه ؟ فقلت له وجدت المالين أخذا من المشركين وخولهما بعض أهل دين الله عز وجل وجدت الله تبارك وتعالى اسمه حكم في خمس الغنيمة بأنه على خمسة ; لأن قول الله تبارك وتعالى { لله } مفتاح كلام كل شيء وله الأمر من قبل ومن بعد فأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لذوي القربى حقهم فلا يشك أنه قد أنفذ لليتامى والمساكين وابن السبيل حقهم وأنه قد انتهى إلى كل ما أمره الله عز وجل به فلما وجدت الله عز وجل قد قال في سورة الحشر { وما أفاء الله على رسوله منهم } الآية ، فحكم فيها حكمه فيما أوجف عليه بالخيل والركاب ودلت السنة على أن ذلك الحكم على خمسها علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمضى لكن جعل الله له شيئا مما جعل الله له وإن لم نثبت فيه خبرا عنه كخبر جبير بن مطعم عنه في سهم ذي القربى من الموجف عليه كما علمت أن قد أنفذ لليتامى والمساكين وابن السبيل فيما أوجف عليه مما جعل لهم بشهادة أقوى من خبر رجل عن رجل بأن الله عز وجل قد أدى إليه رسوله كما أوجب عليه أداءه والقيام به فقال لي قائل :

فإن الله تبارك وتعالى جعل الخمس فيما أوجف عليه على خمسة وجعل الكل فيما لا يوجف عليه على خمسة فكيف زعمت أنه إنما للخمسة الخمس لا الكل ؟ فقلت له ما أبعد ما بينك وبين من يكلمنا في إبطال سهم ذي القربى ، أنت تريد أن تثبت لذي القربى خمس الجميع مما لم يوجف عليه بخيل ، ولا ركاب وغيرك يريد أن يبطل عنهم خمس الخمس قال إنما قصدت في هذا قصد الحق فكيف لم تقل بما قلت به وأنت شريكي في تلاوة كتاب الله عز وجل ولك فيما زاد لذي القربى ؟ فقلت له إن حظي فيه لا يدعوني أن أذهب فيه إلى ما يعلم الله عز وجل أني أرى الحق في غيره قال فما دلك على أنه إنما هو لمن له خمس الغنيمة الموجف عليها خمس الفيء الذي لم يوجف عليه دون الكل .

قلت أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر قال كانت بنو النضير مما أفاء الله عز وجل على رسوله مما لم يوجف عليه بخيل ، ولا ركاب فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصا دون المسلمين فقال لست أنظر إلى الأحاديث والقرآن أولى بنا .

ولو نظرت إلى الحديث كان هذا الحديث يدل على أنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فقلت له هذا كلام عربي إنما يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يكون للمسلمين الموجفين وذلك أربعة أخماس قال : فاستدللت بخبر عمر على أن الكل ليس لأهل الخمس مما أوجف عليه قلت نعم قال فالخبر أنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فما دل على الخمس لأهل الخمس معه ؟ .

قلت لما احتمل قول عمر أن يكون الكل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن تكون الأربعة الأخماس التي كانت تكون للمسلمين فيما أوجف عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون الخمس فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم فيها مقام المسلمين استدللنا بقول الله عز وجل في الحشر { فلله وللرسول ولذي القربى } الآية . على أن لهم الخمس وأن الخمس إذا كان لهم ، ولا يشك أن النبي صلى الله عليه وسلم سلمه لهم فاستدللنا إذا كان حكم الله عز وجل في الأنفال { واعلموا أنما غنمتم من شيء ، فإن لله خمسه } الآية [ ص: 162 ] فاتفق الحكمان في سورة الحشر وسورة الأنفال لقوم موصوفين ، وإنما لهم من ذلك الخمس لا غيره فقال فيحتمل أن يكون لهم مما لم يوجف عليه الكل ؟ قلت : نعم فلهم الكل وندع الخبر قال لا يجوز عندنا ترك الخبر والخبر يدل على معنى الخاص والعام فقال لي قائل غيره فكيف زعمت أن الخمس ثابت في الجزية وما أخذه الولاة من مشرك بوجه من الوجوه فذكرت له الآية في الحشر قال فأولئك أوجف عليهم بلا خيل ، ولا ركاب فأعطوه بشيء ألقاه الله عز وجل في قلوبهم قلت أرأيت الجزية التي أعطاها من أوجف عليه بلا خيل ، ولا ركاب لما كان أصل إعطائها منهم للخوف من الغلبة ، وقد سير إليهم بالخيل والركاب فأعطوا فيها أهي أقرب من الإيجاف أم من أعطى بأمر لم يسير إليه بالخيل والركاب ؟ قال : نعم قلت : فإذا كان حكم الله فيما لم يوجف عليه بخيل ، ولا ركاب حتى يكون مأخوذا مثل صلح لا مثل ما أوجف عليه بغير صلح أن يكون لمن سمى كيف لم تكن الجزية وما أخذه الولاة من مشرك بهذه الحال ؟ قال : فهل من دلالة غير هذا ؟ قلت : في هذا كفاية ، وفي أن أصل ما قسم الله من المال ثلاثة وجوه :

الصدقات وهي ما أخذ من مسلم فتلك لأهل الصدقات لا لأهل الفيء .

وما غنم بالخيل والركاب فتلك على ما قسم الله عز وجل

والفيء الذي لا يوجف عليه بخيل ، ولا ركاب .

فهل تعلم رابعا ؟ قال : لا قلت : فبهذا قلنا الخمس ثابت لأهله في كل ما أخذ من مشرك ; لأنه لا يعدو ما أخذ منه أبدا أن يكون غنيمة ، أو فيئا والفيء ما رده الله تعالى على أهل دينه .
كيف يفرق ما أخذ من الأربعة الأخماس الفيء غير الموجف عليه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وينبغي للإمام أن يحصي جميع ما في البلدان من المقاتلة وهم من قد احتلم ، أو قد استكمل خمس عشرة من الرجال ويحصي الذرية وهم من دون المحتلم ودون خمس عشرة سنة ، والنساء صغيرهن وكبيرهن ويعرف قدر نفقاتهم وما يحتاجون إليه في مؤناتهم بقدر معاش مثلهم في بلدانهم ثم يعطي المقاتلة في كل عام عطاءهم والذرية ما يكفيهم لسنتهم من كسوتهم ونفقتهم طعاما ، أو قيمته دراهم ، أو دنانير ويعطي المنفوس شيئا ثم يزاد كلما كبر على قدر مؤنته ، وهذا يستوي في أنهم يعطون الكفاية ويختلف في مبلغ العطايا باختلاف أسعار البلدان وحالات الناس فيها ، فإن المؤنة في بعض البلدان أثقل منها في بعض ، ولم أعلم أصحابنا اختلفوا في أن العطاء للمقاتلة حيث كانت إنما يكون من الفيء وقالوا في إعطاء الرجل نفسه لا بأس أن يعطي لنفسه أكثر من كفايته وذلك أن عمر بلغ بالعطاء خمسة آلاف وهي أكثر من كفاية الرجل نفسه ومنهم من قال : خمسة آلاف بالمدينة لرجل يغزى إذا غزا ليست بأكثر من الكفاية إذا غزا عليها لبعد المغزى ، وقال : هي كالكفاية على أنه يغزى ، وإن لم يغز في كل سنة ، وقالوا ويفرض لمن هو أقرب للجهاد ، أو أرخص سعر بلد أقل ، ولم يختلف أحد لقيته في أن ليس للمماليك في العطاء ، ولا للأغراب الذين هم أهل الصدقة واختلفوا في التفضيل على السابقة والنسب فمنهم من قال أساوي بين الناس ، ولا أفضل على نسب ، ولا سابقة وأن أبا بكر حين قال له عمر أتجعل الذين جاهدوا في الله بأموالهم وأنفسهم وهجروا ديارهم له كمن إنما دخل في الإسلام كرها ؟ فقال أبو بكر إنما عملوا لله ، وإنما أجورهم على الله عز وجل ، وإنما الدنيا بلاغ وخير البلاغ أوسعه وسوى [ ص: 163 ] علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه بين الناس فلم يفضل أحدا علمناه .

( قال الشافعي ) رحمه الله وهذا الذي أختار وأسأل الله التوفيق وذلك أني رأيت قسم الله تبارك وتعالى اسمه في المواريث على العدد ، وقد تكون الإخوة متفاضلي الغناء على الميت والصلة في الحياة والحفظ بعد الموت فلا يفضلون وقسم النبي صلى الله عليه وسلم لمن حضر الوقعة من الأربعة الأخماس على العدد ومنهم من يغنى غاية الغناء ويكون الفتوح على يديه ومنهم من يكون محضره إما غير نافع وإما ضرر بالجبن والهزيمة فلما وجدت السنة تدل على أنه إنما أعطاهم بالحضور وسوى بين الفرسان أهل الغناء وغيرهم والرجالة وهم يتفاضلون كما وصفت كانت التسوية أولى عندي والله تعالى أعلم من التفضيل على نسب وسابقة ، ولو وجدت الدلالة على التفضيل أرجح بكتاب ، أو سنة كنت إلى التفضيل بالدلالة من الهواء في التفضيل أسرع ، ولكني أقول يعطون على ما وصفت ، وإذا قرب القوم من الجهاد ورخصت أسعارهم أعطوا أقل ما يعطى من بعدت داره وغلا سعره وهذا ، وإن تفاضل عدد العطية من التسوية على معنى ما يلزم كل واحد من الفريقين في الجهاد إذا أراده .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وعليهم أن يغزوا إذا أغزوا ويرى الإمام في إغزائهم رأيه ، فإذا أغزى البعيد أغزاه إلى أقرب المواضع من مجاهده فإن استغنى مجاهده بعدد وكثر من قربهم أغزاهم إلى أقرب المواضع من مجاهدهم ، ولهذا كتاب غير هذا .
إعطاء النساء والذرية .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى واختلف أصحابنا في إعطاء من دون البالغين من الذرية وإعطاء نساء أهل الفيء فمنهم من قال يعطون من الفيء وأحسب من حجتهم أن يقولوا إنا إذا منعناهم الفيء ومؤنتهم تلزم رجالهم كنا لم نعطهم ما يكفيهم ، وإن أعطينا رجالهم الكفاية لأنفسهم فعليهم مؤنة عيالهم وليس في إعطائهم لأنفسهم كفاية ما يلزمهم فدخل علينا أن لم نعطهم مال الكفاية من الفيء ، ومنهم من قال : إذا كان أصل المال غنيمة وفيئا وصدقة فالفيء لمن قاتل عليه ، أو من سوى معهم في الخمس ، والصدقة لمن لا يقاتل من ذرية ونساء وليسوا بأولى بذلك من ذرية الأغراب ونسائهم ورجالهم الذين لا يعطون من الفيء إذ لا يقاتلون عليه أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان أن عمر بن الخطاب قال : ما أحد إلا وله في هذا المال حق أعطيه أو منعه إلا ما ملكت أيمانكم أخبرنا إبراهيم بن محمد بن المنكدر عن مالك بن أوس عن عمر نحوه وقال لئن عشت ليأتين الراعي بسرا وحمير حقه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وهذا الحديث يحتمل معاني منها أن يقول ليس أحد يعطي بمعنى حاجة من أهل الصدقة ، أو بمعنى أنه من أهل الفيء الذين يغزون لا وله حق في مال الفيء ، أو الصدقة ، وهذا كأنه أولى معانيه فإن قال قائل : ما دل على هذا ؟ قيل : قد { قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة لا حظ فيها لغني ، ولا لذي مرة مكتسب } { وقال لرجلين سألاه إن شئتما إن قلتما نحن محتاجون أعطيتكما إذا كنت لا أعرف عيالكما ، ولا حظ فيها لغني } والذي أحفظه عن أهل العلم أن الأعراب لا يعطون من الفيء ، ولو قلنا معنى قوله إلا وله في هذا المال يعني الفيء حق كنا خالفنا ما لا نعلم الناس اختلفوا فيه أنه ليس لمن أعطي من الصدقة ما يكفيه ، ولا لمن كان غنيا من أهل الصدقات الذين يؤخذ منهم في الفيء نصيب ، ولو قلنا يعني عمر إلا له في هذا المال حق مال الصدقات كنا قد خالفنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { لا حظ فيها لغني } وما لا نعلم الناس [ ص: 164 ] اختلفوا فيه أنه ليس لأهل الفيء من الصدقة نصيب .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وأهل الفيء كانوا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم بمعزل عن الصدقة وأهل الصدقة بمعزل عن الفيء قال والعطاء الواجب من الفيء لا يكون إلا لبالغ يطيق مثله القتال .

( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع { عن ابن عمر قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم عام أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني ثم عرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني } قال نافع فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال هذا الفرق بين المقاتلة والذرية وكتب في أن يفرض لابن خمس عشرة في المقاتلة ومن لم يبلغها في الذرية .

( قال الشافعي ) رحمه الله وإن كان المستكمل خمس عشرة سنة أعمى لا يقدر على القتال أبدا ، أو منقوص الخلق لا يقدر على القتال أبدا لم يفرض له فرض المقاتلة وأعطي بمعنى الكفاية في المقام والكفاية في المقام شبيه بعطاء الذرية ; لأن الكفاية في القتال للسفر والمؤنة أكثر ، وكذلك لو كان سالما في المقاتلة ثم عمي أو أصابه ما يعلم أنه لا يجاهد معه أبدا صير إلى أن يعطي الكفاية في المقام .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، وإن مرض مرضا طويلا قد يرجى برؤه منه أعطاه عطاء المقاتلة ويخرج العطاء في كل عام للمقاتلة في وقت من الأوقات وأحب إلي لو أعطيت الذرية على ذلك الوقت .
وإذا صار مال الفيء إلى الوالي ثم مات ميت قبل أن يأخذ عطاءه أعطى ورثته عطاءه .
وإن مات قبل أن يصير المال الذي فيه عطاؤه لذلك العام إلى الوالي لم تعط ورثته عطاءه .
وإن فضل من المال فضل بعدما وصفت من إعطاء العطاء وضعه الإمام في إصلاح الحصون والازدياد في السلاح والكراع وكل ما قوى به المسلمين فإن استغنى به المسلمون وكملت كل مصلحة لهم فرق ما بقي منه بينهم كله على قدر ما يستحقون في ذلك المال .
وإن ضاق الفيء عن مبلغ العطاء فرق بينهم بالغا ما بلغ لم يحبس عنهم منه شيئا .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ويعطى من الفيء رزق الحكام وولاة الأحداث والصلات بأهل الفيء وكل من قام بأمر أهل الفيء من وال وكاتب وجندي ممن لا غنى لأهل الفيء عنه رزق مثله فإن وجد من يغنى غناءه ويكون أمينا كما يلي له بأقل مما ولي ، ولم يزد أحدا على أقل ما يحدثه أهل الغناء وذلك أن منزلة الوالي من رعيته بمنزلة والي مال اليتيم من ماله لا يعطى منه على الغناء على اليتيم إلا أقل ما يقدر عليه .
قال وإن ولي أحد على أهل الصدقات كان رزقه مما يؤخذ منها ; لأن له فيها حقا ، ولا يعطى من الفيء عليها كما لا يعطى من الصدقات على الفيء ، ولا يرزق من الفيء على ولاية شيء إلا ما لا صلاح فلا يدخل الأكثر فيمن يرزقه على الفيء ، وهو يغنيه الأقل .
وإن ضاق الفيء عن أهله آسى بينهم فيه .
الخلاف

( قال الشافعي ) فاختلف أصحابنا وغيرهم في قسم الفيء فذهبوا به مذاهب لا أحفظ عنهم تفسيرها ، ولا أحفظ أيهم قال ما أحكي من القول دون ما خالفه وسأحكي ما حضرني من معاني كل من قال في الفيء شيئا فمنهم من قال هذا المال لله دل على من يعطاه ، فإذا اجتهد الوالي فأعطاه ففرقه في جميع من سمى له على قدر ما يرى من استحقاقهم بالحاجة إليه ، وإن فضل بعضهم على بعض في [ ص: 165 ] العطاء فذلك تسوية إذا كان ما يعطي كل واحد منهم لسد خلته ، ولا يجوز أن يعطيه صنفا منهم ويحرم صنفا ، ومنهم من قال إذا اجتمع المال ونظر في مصلحة المسلمين فرأى أن يصرف المال إلى بعض الأصناف دون بعض فكان الصنف الذي يصرفه إليه لا يستغني عن شيء مما يصرف إليه كان أرفق بجماعة المسلمين صرفه ، وإن حرم غيره ، ويشبه قول الذي يقول هذا إن طلب المال صنفان فكان إذا حرمه أحد الصنفين تماسك ، ولم يدخل عليه خلة مضرة ، وإن آسى بينه وبين الصنف الآخر كانت على الصنف الآخر مضرة أعطاه الذي فيهم الخلة المضرة كله إذا لم يسد خلتهم غيره ، وإن منعه المتماسكين كله ثم قال بعض من قاله : إذا صرف مال الفيء إلى ناحية فسدها وحرم الأخرى ثم جاء مال آخر أعطاها دون الناحية التي سدها فكأنه ذهب إلى أنه إنما جعل أهل الخلة وأخر غيرهم حتى أفاءهم بعد .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، ولا أعلم أحدا منهم قال يعطي من يعطي من الصدقات ، ولا يجاهد من الفيء شيئا وقال بعض من أحفظ عنه فإن أصابت أهل الصدقات سنة تهلك أموالهم أنفق عليهم من الفيء ، فإذا استغنوا منعوا من الفيء ومنهم من قال في مال الصدقات هذا القول يزيد بعض أهل الصدقات على بعض .
والذي أقول به وأحفظه عمن أرضى عمن سمعت منه ممن لقيت أن لا يؤخر المال إذا اجتمع ، ولكن يقسم ، فإذا كانت نازلة من عدو وجب على المسلمين القيام بها ، وإن غشيهم عدو في دارهم وجب النفير على جميع من غشيه من الرجال أهل الفيء وغيرهم أخبرنا من أهل العلم أنه لما قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بما أصيب بالعراق قال له صاحب بيت المال ، ألا أدخله بيت المال ؟ قال لا ورب الكعبة لا يؤدى تحت سقف بيت حتى أقسمه فأمر به فوضع في المسجد ووضعت عليه الأنطاع وحرسه رجال المهاجرين والأنصار فلما أصبح غدا مع العباس بن عبد المطلب وعبد الرحمن بن عوف أخذ بيد أحدهما ، أو أحدهما أخذ بيده فلما رأوه كشطوا الأنطاع عن الأموال فرأى منظرا لم ير مثله رأى الذهب فيه والياقوت والزبرجد واللؤلؤ يتلألأ فبكى عمر بن الخطاب فقال له أحدهما والله ما هو بيوم بكاء ، ولكنه يوم شكر وسرور فقال إني والله ما ذهبت حيث ذهبت ، ولكنه والله ما كثر هذا في قوم قط إلا وقع بأسهم بينهم ثم أقبل على القبلة ورفع يديه إلى السماء ، وقال : اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجا فإني أسمعك تقول - { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } الآية ، ثم قال : أين سراقة بن جعشم ؟ فأتي به أشعر الذراعين دقيقهما فأعطاه سواري كسرى فقال : البسهما ففعل فقال الله أكبر ثم قال الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن جعشم أعرابيا من بني مدلج وجعل يقلب بعض ذلك بعضا ، ثم قال : إن الذي أدى هذا لأمين فقال له رجل : أنا أخبرك أنت أمين الله وهم يؤدون إليك ما أديت إلى الله عز وجل فإذا رتعت رتعوا قال صدقت ثم فرقه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، وإنما ألبسهما سراقة ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم قال لسراقة ونظر إلى ذراعيه كأني بك ، وقد لبست سواري كسرى } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولم يجعل له إلا سوارين " أخبرنا الثقة من أهل المدينة قال أنفق عمر على أهل الرمادة حتى وقع مطر فترحلوا فخرج إليهم عمر راكبا فرسا ينظر إليهم وهم يترحلون بظعائنهم فدمعت عيناه فقال له رجل من بني محارب بن خصفة أشهد أنها انحسرت ، عنك ولست بابن أمة فقال له ويلك ذاك لو كنت أنفقت عليهم من مالي ومال الخطاب إنما أنفقت عليهم من مال الله عز وجل .
[ ص: 166 ] ما لم يوجف عليه من الأرضين بخيل ، ولا ركاب .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فكل ما صالح عليه المشركون بغير قتال بخيل ، ولا ركاب فسبيله سبيل الفيء يقسم على قسم الفيء فإن كانوا ما صالحوا عليه أرض ودور فالدور والأرضون وقف للمسلمين تستغل ويقسم الإمام غلها في كل عام ثم كذلك أبدا وأحسب ما ترك عمر من بلاد أهل الشرك هكذا ، أو شيئا استطاب أنفس من ظهروا عليه بخيل وركاب فتركوه كما استطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفس أهل سبي هوازن فتركوا حقوقهم وحديث جرير بن عبد الله عن عمر أنه عوضه من حقه وعوض امرأة من حقها بميراثها من أبيها كالدليل على ما قلت ويشبه قول جرير بن عبد الله عن عمر لولا أني قاسم مسئول لتركتكم على ما قسم لكم أن يكون قسم لهم بلاد صلح مع بلاد إيجاف فرد قسم الصلح وعوض من بلاد الإيجاف بخيل وركاب .
باب تقويم الناس في الديوان على منازلهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } الآية . وروي عن الزهري أن { النبي صلى الله عليه وسلم عرف عام حنين على كل عشرة عريفا } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى { وجعل النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجرين شعارا وللأوس شعارا وللخزرج شعارا وعقد النبي صلى الله عليه وسلم الألوية عام الفتح فعقد للقبائل قبيلة قبيلة حتى جعل في القبيلة ألوية كل لواء لأهله } وكل هذا ليتعارف الناس في الحرب وغيرها وتخف المؤنة عليهم باجتماعهم وعلى الوالي كذلك ; لأن في تفريقهم إذا أريد والأمر مؤنة عليهم وعلى واليهم وهكذا أحب للوالي أن يضع ديوانه على القبائل ويستظهر على من غاب عنه ومن جهل ممن يحضره من أهل الفضل من قبائلهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وأخبرنا غير واحد من أهل العلم من قبائل قريش أن عمر بن الخطاب لما كثر المال في زمانه أجمع على تدوين الديوان فاستشار فقال بمن ترون أبدأ ؟ فقال له رجل : ابدأ بالأقرب فالأقرب بك قال : ذكرتموني بل أبدأ بالأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ ببني هاشم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26-09-2022, 12:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (168)
صــــــــــ 167 الى صـــــــــــ172




أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن علي أن عمر لما دون الدواوين قال بمن ترون أبدأ ؟ قيل له ابدأ بالأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا غير واحد من أهل العلم والصدق من أهل المدينة ومكة من قبائل قريش وغيرهم وكان بعضهم أحسن اقتصاصا للحديث من بعض ، وقد زاد بعضهم على بعض في الحديث أن عمر لما دون الديوان قال أبدأ ببني هاشم ثم قال حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم وبني المطلب . فإذا كانت السن في الهاشمي قدمه على المطلبي ، وإذا كانت في المطلبي قدمه على الهاشمي فوضع الديوان على ذلك وأعطاهم عطاء القبيلة الواحدة ثم استوت له بنو عبد شمس ونوفل في جذم النسب فقال عبد شمس إخوة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه وأمه دون نوفل فقدمهم ثم دعا بني نوفل يتلونهم ثم استوت له عبد العزى وعبد الدار فقال في بني أسد بن عبد العزى أصهار النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم أنهم من المطيبين وقال بعضهم وهم من حلف الفضول ، وفيهم كان النبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل ذكر سابقة فقدمهم على بني عبد الدار ثم دعا بني عبد الدار يتلونهم ثم انفردت له زهرة فدعاها تتلو عبد الدار ثم استوت له بنو تيم ومخزوم فقال [ ص: 167 ] في بني تيم إنهم من حلف الفضول والمطيبين ، وفيهما كان النبي صلى الله عليه وسلم وقيل : ذكر سابقة وقيل : ذكر صهرا فقدمهم على مخزوم ثم دعا مخزوما يتلونهم ثم استوت له سهم وجمح وعدي بن كعب فقيل له : ابدأ بعدي فقال : بل أقر نفسي حيث كنت ، فإن الإسلام دخل وأمرنا وأمر بني سهم واحد ، ولكن انظروا بني سهم وجمح فقيل : قدم بني جمح ثم دعا بني سهم فقال وكان ديوان عدي وسهم مختلطا كالدعوة الواحدة فلما خلصت إليه دعوته كبر تكبيرة عالية ثم قال الحمد لله الذي أوصل إلي حظي من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم دعا بني عامر بن لؤي فقال بعضهم : إن أبا عبيدة بن الجراح الفهري لما رأى من تقدم عليه قال : أكل هؤلاء تدعو أمامي ؟ فقال يا أبا عبيدة اصبر كما صبرت أو كلم قومك فمن قدمك منهم على نفسه لم أمنعه فأما أنا وبنو عدي فنقدمك إن أحببت على أنفسنا قال فقدم معاوية بعد بني الحارث بن فهر ففصل بهم بين بني عبد مناف وأسد بن عبد العزى

وشجر بين بني سهم وعدي شيء في زمان المهدي فافترقوا فأمر المهدي ببني عدي فقدموا على سهم وجمح للسابقة فيهم .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا فرغ من قريش قدمت الأنصار على قبائل العرب كلها لمكانهم من الإسلام .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : الناس عباد الله فأولاهم أن يكون مقدما أقربهم بخيرة الله لرسالته ومستودع أمانته وخاتم النبيين وخير خلق رب العالمين محمد عليه الصلاة والسلام .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومن فرض له الوالي من قبائل العرب رأيت أن يقدم الأقرب فالأقرب منهم برسول الله صلى الله عليه وسلم في النسب ، فإذا استووا قدم أهل السابقة على غير أهل السابقة ممن هم مثلهم في القرابة .
كتاب الجزية أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى خلق الله تعالى الخلق لعبادته ثم أبان جل وعلا أن خيرته من خلقه أنبياؤه فقال تبارك اسمه { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين } فجعل النبيين صلى الله عليهم وسلم من أصفيائه دون عباده بالأمانة على وحيه والقيام بحجته فيهم ثم ذكر من خاصته صفوته فقال جل وعز { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين } فخص آدم ونوحا بإعادة ذكر اصطفائهما وذكر إبراهيم فقال جل ثناؤه { واتخذ الله إبراهيم خليلا } وذكر إسماعيل بن إبراهيم فقال عز ذكره { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا } ثم أنعم الله عز وجل على آل إبراهيم وعمران في الأمم فقال تبارك وتعالى { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ثم اصطفى الله عز وجل سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم من خير آل إبراهيم وأنزل كتبه قبل إنزاله الفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم بصفة فضيلته وفضيلة من اتبعه به فقال عز وجل { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا } الآية وقال لأمته { كنتم خير أمة أخرجت للناس } ففضيلتهم بكينونتهم من أمته دون أمم الأنبياء ثم أخبر جل وعز أنه جعله فاتح رحمته عند فترة رسله فقال { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ، ولا نذير ، فقد جاءكم بشير ونذير } وقال { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته [ ص: 168 ] ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } وكان في ذلك ما دل على أنه بعث إلى خلقه ; لأنهم كانوا أهل كتاب ، أو أميين وأنه فتح به رحمته وختم به نبوته فقال عز وجل { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ، ولكن رسول الله وخاتم النبيين } وقضى أن أظهر دينه على الأديان فقال عز وجل { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون } ، وقد وصفنا بيان كيف يظهره على الدين في غير هذا الموضع .
مبتدأ التنزيل والفرض على النبي صلى الله عليه وسلم ثم على الناس .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ويقال والله تعالى أعلم إن أول ما أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم { اقرأ باسم ربك الذي خلق } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى لما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم أنزل عليه فرائضه كما شاء لا معقب لحكمه ثم أتبع كل واحد منها فرضا بعد فرض في حين غير حين الفرض قبله .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ويقال والله تعالى أعلم إن أول ما أنزل الله عليه { اقرأ باسم ربك الذي خلق } ثم أنزل عليه بعدها ما لم يؤمر فيه بأن يدعو إليه المشركين فمرت لذلك مدة .

ثم يقال أتاه جبريل عليه السلام عن الله عز وجل بأن يعلمهم نزول الوحي عليه ويدعوهم إلى الإيمان به فكبر ذلك عليه وخاف التكذيب وأن يتناول فنزل عليه { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس } فقال يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حين تبلغ ما أنزل إليك فلما أمر به فاستهزأ به قوم فنزل عليه { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين } .

( قال الشافعي ) وأعلمه من علمه منهم أنه لا يؤمن به فقال { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا } قرأ الربيع إلى { بشرا رسولا } .

( قال الشافعي ) وأنزل الله عز وجل فيما يثبته به إذا ضاق من أذاهم { ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك } إلى آخر السورة . ففرض عليه إبلاغهم وعبادته ، ولم يفرض عليه قتالهم وأبان ذلك في غير آية من كتابه ، ولم يأمره بعزلتهم وأنزل عليه { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون } وقوله { فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم } قرأ الربيع الآية : وقوله { ما على الرسول إلا البلاغ } مع أشياء ذكرت في القرآن في غير موضع في مثل هذا المعنى وأمرهم الله عز وجل بأن لا يسبوا أندادهم فقال عز وجل { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } الآية مع ما يشبهها .

( قال الشافعي ) ثم أنزل الله تبارك وتعالى بعد هذا في الحال التي فرض فيها عزلة المشركين فقال { ، وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم } مما فرض عليه فقال { ، وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها } قرأ الربيع إلى { إنكم إذا مثلهم } .
الإذن بالهجرة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، وكان المسلمون مستضعفين بمكة زمانا لم يؤذن لهم فيه بالهجرة [ ص: 169 ] منها ثم أذن الله عز وجل لهم بالهجرة وجعل لهم مخرجا فيقال نزلت { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } فأعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد جعل الله تبارك وتعالى لهم بالهجرة مخرجا وقال { ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة } الآية . وأمرهم ببلاد الحبشة فهاجرت إليها منهم طائفة ثم دخل أهل المدينة في الإسلام فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة فهاجرت إليهم غير محرم على من بقي ترك الهجرة إليهم وذكر الله جل ذكره للفقراء المهاجرين وقال { ، ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة } قرأ الربيع إلى { في سبيل الله } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ثم أذن الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة ، ولم يحرم في هذا على من بقي بمكة المقام بها وهي دار شرك ، وإن قلوا بأن يفتنوا ، ولم يأذن لهم بجهاد . ثم أذن الله عز وجل لهم بالجهاد ، ثم فرض بعد هذا عليهم أن يهاجروا من دار الشرك ، وهذا موضوع في غير هذا الموضع .
مبتدأ الإذن بالقتال .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فأذن لهم بأحد الجهادين بالهجرة قبل أن يؤذن لهم بأن يبتدئوا مشركا بقتال ، ثم أذن لهم بأن يبتدئوا المشركين بقتال قال الله تعالى { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق } الآية ، وأباح لهم القتال بمعنى أبانه في كتابه فقال عز وجل { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم } قرأ الربيع إلى { كذلك جزاء الكافرين } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى يقال : نزل هذا في أهل مكة وهم كانوا أشد العدو على المسلمين وفرض عليهم في قتالهم ما ذكر الله عز وجل ثم يقال : نسخ هذا كله والنهي عن القتال حتى يقاتلوا والنهي عن القتال في الشهر الحرام بقول الله عز وجل { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } الآية ونزول هذه الآية بعد فرض الجهاد وهي موضوعة في موضعها .
فرض الهجرة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولما فرض الله عز وجل الجهاد على رسوله صلى الله عليه وسلم وجاهد المشركين بعد إذ كان أباحه وأثخن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل مكة ورأوا كثرة من دخل في دين الله عز وجل اشتدوا على من أسلم منهم ففتنوهم عن دينهم ، أو من فتنوا منهم فعذر الله من لم يقدر على الهجرة من المفتونين فقال { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله عز وجل جعل لكم مخرجا وفرض على من قدر على الهجرة الخروج إذا كان ممن يفتن عن دينه ، ولا يمتنع } فقال في رجل منهم توفي تخلف عن الهجرة فلم يهاجر { الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم } الآية . وأبان الله عز وجل عذر المستضعفين فقال { إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة } إلى " رحيما " .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ويقال " عسى " من الله واجبة .

( قال الشافعي ) ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن فرض الهجرة على من أطاقها إنما هو على من فتن عن دينه بالبلد الذي يسلم بها ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن [ ص: 170 ] لقوم بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم منهم العباس بن عبد المطلب وغيره إذ لم يخافوا الفتنة { وكان يأمر جيوشه أن يقولوا لمن أسلم إن هاجرتم فلكم ما للمهاجرين ، وإن أقمتم فأنتم كأعراب وليس يخيرهم إلا فيما يحل لهم } .
أصل فرض الجهاد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولما مضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدة من هجرته أنعم الله تعالى فيها على جماعة باتباعه حدثت لهم بها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها ففرض الله تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضا فقال تبارك وتعالى { كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم } وقال عز وجل { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم } الآية . وقال تبارك وتعالى { وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم } وقال عز وجل { وجاهدوا في الله حق جهاده } وقال { ، فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق } وقال عز وجل { ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم } إلى قدير وقال { انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم } الآية ، ثم ذكر قوما تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كان يظهر الإسلام فقال { لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك } الآية ، فأبان في هذه الآية أن عليهم الجهاد فيما قرب وبعد بعد إبانته ذلك في غير مكان في قوله { ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب } قرأ الربيع إلى { أحسن ما كانوا يعملون } وسنبين من ذلك ما حضرنا على وجهه إن شاء الله تعالى قال الله عز وجل { فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله } قرأ الربيع الآية وقال { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص } وقال { وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله } مع ما ذكر به فرض الجهاد وأوجب على المتخلف عنه .
من لا يجب عليه الجهاد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فلما فرض الله تعالى الجهاد دل في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لم يفرض الخروج إلى الجهاد على مملوك ، أو أنثى بالغ ، ولا حر لم يبلغ لقول الله عز وجل { انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا } وقرأ الربيع الآية فكأن الله عز وجل حكم أن لا مال للمملوك ، ولم يكن مجاهد إلا ويكون عليه للجهاد مؤنة من المال ، ولم يكن للمملوك مال ، وقد قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { حرض المؤمنين على القتال } فدل على أنه أراد بذلك الذكور دون الإناث ; لأن الإناث المؤمنات .

وقال عز وجل { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } وقال { كتب عليكم القتال } وكل هذا يدل على أنه أراد به الذكور دون الإناث . وقال عز وجل - إذ أمر بالاستئذان - : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم } فأعلم أن فرض الاستئذان إنما هو على البالغين وقال : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا } فلم يجعل لرشدهم حكما تصير به أموالهم إليهم إلا بعد البلوغ فدل على أن الفرض في العمل إنما هو على البالغين ، ودلت السنة ثم ما لم أعلم فيه مخالفا من أهل العلم على مثل ما وصفت .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله ، أو عبيد الله عن نافع عن { ابن عمر شك الربيع قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد [ ص: 171 ] وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم القتال عبيد ونساء وغير بالغين فرضخ لهم ، ولم يسهم وأسهم لضعفاء أحرار بالغين شهدوا معه فدل ذلك على أن السهمان إنما تكون فيمن شهد القتال من الرجال الأحرار ، ودل ذلك على أن لا فرض في الجهاد على غيرهم ، وهذا موضوع في موضعه .
من له عذر بالضعف والمرض والزمانة في ترك الجهاد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل في الجهاد : { ليس على الضعفاء ، ولا على المرضى ، ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله } الآية وقال { ليس على الأعمى حرج ، ولا على الأعرج حرج ، ولا على المريض حرج } .

( وقال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقيل الأعرج المقعد والأغلب أنه الأعرج في الرجل الواحدة ، وقيل نزلت في أن لا حرج أن لا يجاهدوا ، وهو أشبه ما قالوا وغير محتمل غيره وهم داخلون في حد الضعفاء وغير خارجين من فرض الحج ، ولا الصلاة ، ولا الصوم ، ولا الحدود ، ولا يحتمل والله تعالى أعلم أن يكون أريد بهذه الآية إلا وضع الحرج في الجهاد دون غيره من الفرائض .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى الغزو غزوان : غزو يبعد عن المغازي ، وهو ما بلغ مسيرة ليلتين قاصدتين حيث تقصر الصلاة وتقدم مواقيت الحج من مكة وغزو يقرب ، وهو ما كان دون ليلتين مما لا تقصر فيه الصلاة وما هو أقرب من المواقيت إلى مكة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كان الغزو البعيد لم يلزم القوي السالم البدن كله إذا لم يجد مركبا وسلاحا ونفقة ويدع لمن تلزمه نفقته قوته إذن قدر ما يرى أنه يلبث ، وإن وجد بعض هذا دون بعض فهو ممن لا يجد ما ينفق .

( قال الشافعي ) رحمه الله : نزلت { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا } ، الآية .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا وجد هذا كله دخل في جملة من يلزمه فرض الجهاد فإن تهيأ للغزو ، ولم يخرج ، أو خرج ، ولم يبلغ موضع الغزو ، أو بلغه ثم أصابه مرض ، أو صار ممن لا يجد في أي هذه المواضع كان فله أن يرجع ، وقد صار من أهل العذر ، فإن ثبت كان أحب إلي ووسعه الثبوت ، وإذا كان ممن لم يكن لهم قوتهم لم يحل له أن يغزو على الابتداء ، ولا يثبت في الغزو إن غزا ، ولا يكون له أن يضيع فرضا ويتطوع ; لأنه إذا لم يجد فهو متطوع بالغزو ، ومن قلت له أن لا يغزو فله أن يرجع إذا غزا بالعذر وكان ذلك له ما لم يلتق الزحفان ، فإذا التقيا لم يكن له ذلك حتى يتفرقا .
العذر بغير العارض في البدن .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى إذا كان سالم البدن قويه واجدا لما يكفيه ومن خلف يكون داخلا فيمن عليه فرض الجهاد لو لم يكن عليه دين ، ولم يكن له أبوان ، ولا واحد من أبوين يمنعه ، فلو كان عليه دين لم يكن له أن يغزو بحال إلا بإذن أهل الدين .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا كان يحجبه مع الشهادة عن الجنة الدين فبين أن لا يجوز له الجهاد وعليه دين إلا بإذن أهل الدين وسواء كان الدين لمسلم ، أو كافر ، وإذا كان يؤمر بأن يطيع أبويه أو أحدهما في ترك الغزو فبين أن لا يؤمر بطاعة أحدهما إلا والمطاع منهما مؤمن ، فإن قال قائل : كيف تقول لا تجب عليه طاعة أبويه ، ولا واحد منهما حتى يكون [ ص: 172 ] المطاع مسلما في الجهاد ، ولم تقله في الدين ؟ قيل : الدين مال لزمه لمن هو له لا يختلف فيه من وجب له من مؤمن ، ولا كافر ; لأنه يجب عليه أداؤه إلى الكافر كما يجب عليه إلى المؤمن وليس يطيع في التخلف عن الغزو صاحب الدين بحق يجب لصاحب الدين عليه إلا بماله ، فإذا برئ من ماله فأمر صاحب الدين ونهيه سواء ، ولا طاعة له عليه ; لأنه لا حق له عليه بغير المال فلما كان الخروج بغرض إهلاك ماله لديه لم يخرج إلا بإذنه ، أو بعد الخروج من دينه وللوالدين حق في أنفسهما لا يزول بحال للشفقة على الولد والرقة عليه وما يلزمه من مشاهدتهما لبرهما ، فإذا كانا على دينه فحقهما لا يزول بحال ، ولا يبرأ منه بوجه وعليه أن لا يجاهد إلا بإذنهما ، وإذا كانا على غير دينه فإنما يجاهد أهل دينهما فلا طاعة لهما عليه في ترك الجهاد وله الجهاد ، وإن خالفهما والأغلب أن منعهما سخط لدينه ورضا لدينهما لا شفقة عليه فقط ، وقد انقطعت الولاية بينه وبينهما في الدين .

فإن قال قائل : فهل من دليل على ما وصفت ؟ قيل جاهد ابن عتبة بن ربيعة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد وأبوه مجاهد النبي صلى الله عليه وسلم فلست أشك في كراهية أبيه لجهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم وجاهد عبد الله بن عبد الله بن أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه متخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم بأحد ويخذل عنه من أطاعه مع غيرهم ممن لا أشك إن شاء الله تعالى في كراهتهم لجهاد أبنائهم مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانوا مخالفين مجاهدين له ، أو مخذلين .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وأي الأبوين أسلم كان حقا على الولد أن لا يغزو إلا بإذنه إلا أن يكون الولد يعلم من الوالد نفاقا فلا يكون له عليه طاعة في الغزو ، وإن غزا رجل وأحد أبويه ، أو هما مشركان ثم أسلما ، أو أحدهما فأمره بالرجوع فعليه الرجوع عن وجهه ما لم يصر إلى موضع لا طاقة له بالرجوع منه إلا بخوف أن يتلف وذلك أن يصير إلى بلاد العدو ، فلو فارق المسلمين لم يأمن أن يأخذه العدو ، فإذا كان هذا هكذا لم يكن له أن يرجع للتعذر في الرجوع ، وكذلك إن لم يكن صار إلى بلاد مخوفة إن فارق الجماعة فيها خاف التلف وهكذا إذا غزا ، ولا دين عليه ثم ادان فسأله صاحب الدين الرجوع .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإن سأله أبواه ، أو أحدهما الرجوع وليس عليه خوف في الطريق ، ولا له عذر فعليه أن يرجع للعذر ، وإذا قلت ليس له أن يرجع فلا أحب أن يبادر ، ولا يسرع في أوائل الخيل ، ولا الرجل ، ولا يقف الموقف الذي يقفه من يتعرض للقتل ; لأنه إذا نهيته عن الغزو لطاعة والديه ، أو لذي الدين نهيته إذا كان له العذر عن تعرض القتل وهكذا أنهاه عن تعرض القتل لو خرج وليس له أن يخرج بخلاف صاحب دينه وأحد أبويه ، أو خلاف الذي غزا وأحد أبويه وصاحب دينه كاره
وليس على الخنثى المشكل الغزو فإن غزا وقاتل لم يعط سهما ويرضخ له ما يرضخ للمرأة .
والعبد يقاتل فإن بان لنا أنه رجل فعليه من حين يبين الغزو وله فيه سهم رجل .
العذر الحادث .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26-09-2022, 12:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (169)
صــــــــــ 173 الى صـــــــــــ179






( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا أذن للرجل أبواه في الغزو فغزا ثم أمراه بالرجوع فعليه الرجوع إلا من عذر حادث والعذر ما وصفت من خوف الطريق ، أو جدبه ، أو من مرض يحدث به لا يقدر معه على الرجوع ، أو قلة نفقة لا يقدر على أن يرجع يستقل معها ، أو ذهاب مركب لا يقدر على [ ص: 173 ] الرجوع معه ، أو يكون غزا بجعل مع السلطان ، ولا يقدر على الرجوع معه ، ولا يجوز أن يغزو بجعل من مال رجل فإن غزا به فعليه أن يرجع ويرد الجعل ، وإنما أجزت له هذا من السلطان أنه يغزو بشيء من حقه وليس للسلطان حبسه في حال قلت عليه فيها الرجوع إلا في حال ثانية أن يكون يخاف برجوعه ورجوع من هو في حاله أن يكثروا وأن يصيب المسلمين خلة برجوعهم بخروجهم يعظم الخوف فيها عليهم فيكون له حبسه في هذه الحال ، ولا يكون لهم الرجوع عليها ، فإذا زالت تلك الحال فعليهم أن يرجعوا وعلى السلطان أن يخليهم إلا من غزا منهم بجعل إذا كان رجوعهم من قبل والد ، أو صاحب دين لا من علة بأبدانهم فإن أراد أحد منهم الرجوع لعلة ببدنه تخرجه من فرض الجهاد فعلى السلطان تخليته غزا بجعل ، أو غير جعل وليس له الرجوع في الجعل ; لأنه حق من حقه أخذه ، وهو يستوجبه وحدث له حال عذر وذلك أن يمرض ، أو يزمن بإقعاد ، أو بعرج شديد لا يقدر معه على مشي الصحيح وما أشبه هذا .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإني لأرى العرج إذا نقص مشيه عن مشي الصحيح وعدوه كله عذرا والله تعالى أعلم ، وكذلك إن رجل عن دابته ، أو ذهبت نفقته خرج من هذا كله من أن يكون عليه فرض الجهاد ، ولم يكن للسلطان حبسه عليه إلا في حال واحدة أن يكون خرج إلى فرض الجهاد بقلة الوجود فعليه أن يعطيهم حتى يكون واجدا فإن فعله حبسه وليس للرجل الامتناع من الأخذ منه إلا أن يقيم معه في الجهاد حتى ينقضي فله إذا فعل الامتناع من الأخذ منه .
وإذا غزا الرجل فذهبت نفقته ، أو دابته فقفل ثم وجد نفقة ، أو فاد دابة فإن كان ذلك ببلاد العدو لم يكن له الخروج وكان عليه الرجوع إلا أن يكون يخاف في رجوعه ، وإن كان قد فارق بلاد العدو فالاختيار له العود إلا أن يخاف فلا يجب عليه العود ; لأنه قد خرج ، وهو من أهل العذر فإن كانت تكون خلة برجوعه ، أو كانوا جماعة أصابهم ذلك وكانت تكون بالمسلمين خلة برجوعهم فعليهم وعلى الواحد أن يرجع إذا كانت كما وصفت إلا أن يخاف إذا تخلفوا أن يقتطعوا في الرجوع خوفا بينا فيكون لهم عذر بأن لا يرجعوا .
تحويل حال من لا جهاد عليه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا كان الرجل ممن لا جهاد عليه بما وصفت من العذر ، أو كان ممن عليه جهاد فخرج فيه فحدث له ما يخرج به من فرض الجهاد بالعذر في نفسه وماله ثم زالت الحال عنه عاد إلى أن يكون ممن عليه فرض الجهاد وذلك أن يكون أعمى فذهب العمى وصح بصره ، أو إحدى عينيه فيخرج من حد العمى ، أو يكون أعرج فينطلق العرج ، أو مريضا فيذهب المرض ، أو لا يجد ثم يصير واحدا ، أو صبيا فبلغ أو مملوكا فيعتق ، أو خنثى مشكلا فيبين رجلا لا يشكل ، أو كافرا فيسلم فيدخل فيمن عليه فرض الجهاد فإن كان بلده كان كغيره ممن عليه فرض الجهاد فإن كان قد غزا وله عذر ثم ذهب العذر وكان ممن عليه فرض الجهاد لم يكن له الرجوع عن الغزو دون رجوع من غزا معه أو بعض الغزاة في وقت يجوز فيه الرجوع .
قال وليس للإمام أن يجمر بالغزو فإن جمرهم ، فقد أساء ويجوز لكلهم خلافه والرجوع ، وإن أطاعته منهم طائفة فأقامت فأراد بعضهم الرجوع لم يكن لهم [ ص: 174 ] الرجوع إلا أن يكون من تخلف منهم ممتنعين بموضعهم ليس الخوف بشديد أن يرجع من يريد الرجوع فيكون حينئذ لمن أراد الرجوع أن يرجع وسواء في ذلك الواحد يريد الرجوع والجماعة ; لأن الواحد قد يخل بالقليل والجماعة لا تخل بالكثير ولذي العذر الرجوع في كل حال إذا جمر وجوزته قدر الغزو ، وإن أخل بمن معه وكل منزلة قلت لا ينبغي لأحد أن يرجع فيها فعلى الإمام فيها أن يأذن في الوقت الذي قلت : لبعضهم الرجوع ويمنع في الوقت الذي قلت : ليس لهم فيه الرجوع .
شهود من لا فرض عليه القتال .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى والذين لا يأثمون بترك القتال - والله تعالى أعلم - بحال ضربان ضرب أحرار بالغون معذورون بما وصفت وضرب لا فرض عليهم بحال وهم العبيد ، أو من لم يبلغ من الرجال الأحرار والنساء ، ولا يحرم على الإمام أن يشهد معه القتال الصنفان معا ، ولا على واحد من الصنفين أن يشهد معه القتال .

( قال الشافعي ) أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأل : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء ؟ وهل كان يضرب لهن بسهم ؟ فقال قد { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ولم يكن يضرب لهن بسهم ، ولكن يحذين من الغنيمة } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ومحفوظ أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال العبيد والصبيان وأحذاهم من الغنيمة .
( قال ) وإذا شهد من ليس عليه فرض الجهاد قويا كان ، أو ضعيفا القتال أحذى من الغنيمة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذي النساء وقياسا عليهن وخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في العبيد والصبيان ، ولا يبلغ بحذية واحد منهم سهم حر ، ولا قريبا منه ويفضل بعضهم على بعض في الحذية إن كان منهم أحد له غناء في القتال ، أو معونة للمسلمين المقاتلين ، ولا يبلغ بأكثرهم حذية سهم مقاتل من الأحرار .

وإن شهد القتال رجل حر بالغ له عذر في عدم شهود القتال من زمن ، أو ضعف بمرض ، أو عرض ، أو فقير معذور ضرب له بسهم رجل تام فإن قال : من أين ضربت لهؤلاء وليس عليهم فرض القتال ، ولا لهم غناء بسهم ، ولم تضرب به للعبيد ولهم غناء ، ولا للنساء والمراهقين ، وإن أغنوا وكل ليس عليه فرض القتال ؟ قيل : له قلنا خبرا وقياسا فأما الخبر ، فإن { النبي صلى الله عليه وسلم أحذى النساء من الغنائم } وكان العبيد والصبيان ممن لا فرض عليهم ، وإن كانوا أهل قوة على القتال ليس بعذر في أبدانهم ، وكذلك العبيد لو أنفق عليهم لم يكن عليهم القتال فكانوا غير أهل جهاد بحال كما يحج الصبي والعبد ، ولا يجزئ عنهما من حجة الإسلام ; لأنهما ليسا من أهل الفرض بحال ويحج الرجل والمرأة الزمنان اللذان لهما العذر بترك الحج والفقيران الزمنان فيجزئ عنهما عن حجة الإسلام ; لأنهما إنما زال الفرض عنهما بعذر في أبدانهما وأموالهما متى فارقهما ذلك كانا من أهله ، ولم يكن هكذا الصبي والعبد في الحج قال ، وكذلك لو لم يكونا كذا والمرأة مثلهما في الجهاد وضربت للزمن والفقير اللذين لا غزو عليهم ; لأن { رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لمرضى وجرحى وقوم لا غناء لهم على الشهود } وأنهم لم يزل فرض الجهاد عليهم إلا بمعنى العذر الذي إذا زال صاروا من أهله ، فإذا تكلفوا شهوده كان لهم ما لأهله .
[ ص: 175 ] من ليس للإمام أن يغزو به بحال .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزا معه بعض من يعرف نفاقه فانخزل يوم أحد عنه بثلثمائة ثم شهدوا معه يوم الخندق فتكلموا بما حكى الله عز وجل من قولهم { وما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا } ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق فشهدها معه عدد فتكلموا بما حكى الله تعالى من قولهم { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل } وغير ذلك مما حكى الله عز وجل من نفاقهم ثم غزا غزوة تبوك فشهدها معه قوم منهم نفروا به ليلة العقبة ليقتلوه فوقاه الله عز وجل شرهم وتخلف آخرون منهم فيمن بحضرته ثم أنزل الله عز وجل في غزاة تبوك أو منصرفه عنها ، ولم يكن في تبوك قتال من أخبارهم فقال { ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ، ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فأظهر الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أسرارهم وخبر السماعين لهم وابتغاءهم أن يفتنوا من معه بالكذب والإرجاف والتخذيل لهم فأخبره أنه كره انبعاثهم فثبطهم إذ كانوا على هذه النية كان فيها ما دل على أن الله عز وجل أمر أن يمنع من عرف بما عرفوا به من أن يغزو مع المسلمين ; لأنه ضرر عليهم ثم زاد في تأكيد بيان ذلك بقوله { فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله } قرأ الربيع إلى الخالفين .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فمن شهر بمثل ما وصف الله تعالى المنافقين لم يحل للإمام أن يدعه يغزو معه ، ولم يكن لو غزا معه أن يسهم له ، ولا يرضخ ; لأنه ممن منع الله عز وجل أن يغزو مع المسلمين لطلبته فتنتهم وتخذيله إياهم وأن فيهم من يستمع له بالغفلة والقرابة والصداقة وأن هذا قد يكون أضر عليهم من كثير من عدوهم .

( قال ) ولما نزل هذا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليخرج بهم أبدا ، وإذا حرم الله عز وجل أن يخرج بهم فلا سهم لهم لو شهدوا القتال ، ولا رضخ ، ولا شيء ; لأنه لم يحرم أن يخرج بأحد غيرهم فأما من كان على غير ما وصف الله عز وجل من هؤلاء أو بعضه ، ولم يكن يحمد حاله أو ظن ذلك به ، وهو ممن لا يطاع ولا يضر ما وصف الله تعالى عن هؤلاء الذين وصف الله عز وجل بشيء من أحكام الإسلام إلا ما منعه الله عز وجل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرهم على أحكام الإسلام بعد الآية ، وإنما منعوا الغزو مع المسلمين للمعنى الذي وصف الله عز وجل من ضررهم وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا أن يصلي عليهم بخلاف صلاته صلاة غيره .
( قال الشافعي ) وإن كان مشرك يغزو مع المسلمين وكان معه في الغزو من يطيعه من مسلم ، أو مشرك وكانت عليه دلائل الهزيمة والحرص على غلبة المسلمين وتفريق جماعتهم لم يجز أن يغزو به ، وإن غزا به لم يرضخ له ; لأن هذا إذا كان في المنافقين مع استتارهم بالإسلام كان في المكتشفين في الشرك مثله فيهم ، أو أكثر إذا كانت أفعالهم كأفعالهم ، أو أكثر ، ومن كان من المشركين على خلاف هذه الصفة فكانت فيه منفعة للمسلمين بدلالة على عورة عدو ، أو طريق ، أو ضيعة ، أو نصيحة للمسلمين فلا بأس أن يغزى به وأحب إلي أن لا يعطى من الفيء شيئا ويستأجر إجارة من مال لا مالك له بعينه ، وهو [ ص: 176 ] غير سهم النبي صلى الله عليه وسلم فإن أغفل ذلك أعطي من سهم النبي صلى الله عليه وسلم { ورد النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر مشركا } قيل نعيم فأسلم ولعله رده رجاء إسلامه وذلك واسع للإمام أن يرد المشرك فيمنعه الغزو ويأذن له ، وكذلك الضعيف من المسلمين .

ويأذن له ورد النبي صلى الله عليه وسلم من جهة إباحة الرد والدليل على ذلك والله أعلم أنه قد غزا بيهود بني قينقاع بعد بدر وشهد صفوان بن أمية معه حنينا بعد الفتح وصفوان مشرك .

( قال ) ونساء المشركين في هذا وصبيانهم كرجالهم لا يحرم أن يشهدوا القتال وأحب إلي لو لم يعطوا ، وإن شهدوا القتال فلا يبين أن يرضخ لهم إلا أن تكون منهم منفعة للمسلمين فيرضخ لهم بشيء ليس كما يرضخ لعبد مسلم أو لامرأة ، ولا صبي مسلمين وأحب إلي لو لم يشهدوا الحرب إن لم تكن بهم منفعة ; لأنا إنما أجزنا شهود النساء مع المسلمين والصبيان في الحرب رجاء النصرة بهم لما أوجب الله تعالى لأهل الإيمان وليس ذلك في المشركين .
كيف تفضل فرض الجهاد .

( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { كتب عليكم القتال ، وهو كره لكم } مع ما أوجب من القتال في غير آية من كتابه ، وقد وصفنا أن ذلك على الأحرار المسلمين البالغين غير ذوي العذر بدلائل الكتاب والسنة ، فإذا كان فرض الجهاد على من فرض عليه محتملا لأن يكون كفرض الصلاة وغيرها عاما ومحتملا لأن يكون على غير العموم فدل كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على أن فرض الجهاد إنما هو على أن يقوم به من فيه كفاية للقيام به حتى يجتمع أمران أحدهما أن يكون بإزاء العدو المخوف على المسلمين من يمنعه ، والآخر أن يجاهد من المسلمين من في جهاده كفاية حتى يسلم أهل الأوثان ، أو يعطي أهل الكتاب الجزية قل ، فإذا قام بهذا من المسلمين من فيه الكفاية به خرج المتخلف منهم من المأثم في ترك الجهاد وكان الفضل للذين ولوا الجهاد على المتخلفين عنه قال الله عز وجل { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة } الآية .

( قال الشافعي ) وبين إذ وعد الله عز وجل القاعدين غير أولي الضرر الحسنى أنهم لا يأثمون بالتخلف ويوعدون الحسنى بالتخلف بل وعدهم لما وسع عليهم من التخلف الحسنى إن كانوا مؤمنين لم يتخلفوا شكا ، ولا سوء نية ، وإن تركوا الفضل في الغزو وأبان الله عز وجل في قوله في النفير حين أمرنا بالنفير { انفروا خفافا وثقالا } وقال عز وجل { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما } وقال تبارك وتعالى { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين } الآية ، فأعلمهم أن فرض الجهاد على الكفاية من المجاهدين .

( قال الشافعي ) ولم يغز رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة علمتها إلا تخلف عنه فيها بشر فغزا بدرا وتخلف عنه رجال معروفون ، وكذلك تخلف عنه عام الفتح وغيره من غزواته صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وفي تجهزه للجمع للروم { ليخرج من كل رجلين رجل فيخلف الباقي الغازي في أهله وماله } .

( قال الشافعي ) وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيوشا وسرايا تخلف عنها بنفسه مع حرصه على الجهاد على ما ذكرت .

( قال الشافعي ) وأبان أن لو تخلفوا معا أثموا معا بالتخلف بقوله عز وجل { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما } يعني والله تعالى أعلم ، إلا إن تركتم النفير كلكم عذبتكم قال ففرض الجهاد على ما وصفت يخرج المتخلفين من المأثم بالكفاية فيه ، ويأثمون معا إذا تخلفوا معا .
[ ص: 177 ] تفريع فرض الجهاد .

( قال الشافعي ) قال الله عز وجل { قاتلوا الذين يلونكم من الكفار } قال : ففرض الله جهاد المشركين ثم أبان من الذين نبدأ بجهادهم من المشركين فأعلمهم أنهم الذين يلون المسلمين وكان معقولا في فرض الله جهادهم أن أولاهم بأن يجاهد أقربهم بالمسلمين دارا ; لأنهم إذا قووا على جهادهم وجهاد غيرهم كانوا على جهاد من قرب منهم أقوى وكان من قرب أولى أن يجاهد من قربه من عورات المسلمين وأن نكاية من قرب أكثر من نكاية من بعد قال : فيجب على الخليفة إذا استوت حال العدو ، أو كانت بالمسلمين عليهم قوة أن يبدأ بأقرب العدو من ديار المسلمين ; لأنهم الذين يلونهم ، ولا يتناول من خلفهم من طريق المسلمين على عدو دونه حتى يحكم أمر العدو دونه بأن يسلموا ، أو يعطوا الجزية إن كانوا أهل كتاب وأحب له إن لم يرد تناول عدو وراءهم ، ولم يطل على المسلمين عدو أن يبدأ بأقربهم من المسلمين ; لأنهم أولى باسم الذين يلون المسلمين ، وإن كان كل يلي طائفة من المسلمين فلا أحب أن يبدأ بقتال طائفة تلي قوما من المسلمين دون آخرين ، وإن كانت أقرب منهم من الأخرى إلى قوم غيرهم .

فإن اختلف حال العدو فكان بعضهم أنكى من بعض ، أو أخوف من بعض فليبدأ الإمام بالعدو الأخوف ، أو الأنكى ولا بأس أن يفعل ، وإن كانت داره أبعد إن شاء الله تعالى حتى ما يخاف ممن بدأ به مما لا يخاف من غيره مثله وتكون هذه بمنزلة ضرورة ; لأنه يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها ، وقد { بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن الحارث بن أبي ضرار أنه يجمع له فأغار النبي صلى الله عليه وسلم وقربه عدو أقرب منه وبلغه أن خالد بن أبي سفيان بن شح يجمع له فأرسل ابن أنيس فقتله وقربه عدو أقرب } .
( قال الشافعي ) وهذه منزلة لا يتباين فيها حال العدو كما وصفت والواجب أن يكون أول ما يبدأ به سد أطراف المسلمين بالرجال ، وإن قدر على الحصون والخنادق وكل أمر دفع العدو قبل انتياب العدو في ديارهم حتى لا يبقى للمسلمين طرف إلا ، وفيه من يقوم بحرب من يليه من المشركين ، وإن قدر على أن يكون فيه أكثر فعل ويكون القائم بولايتهم أهل الأمانة والعقل والنصيحة للمسلمين والعلم بالحرب والنجدة والأناة والرفق والإقدام في موضعه وقلة البطش والعجلة .
( قال الشافعي ) فإذا أحكم هذا في المسلمين وجب عليه أن يدخل المسلمين بلاد المشركين في الأوقات التي لا يغرر بالمسلمين فيها ويرجو أن ينال الظفر من العدو فإن كانت بالمسلمين قوة لم أر أن يأتي عليه عام إلا وله جيش أو غارة في بلاد المشركين الذين يلون المسلمين من كل ناحية عامة ، وإن كان يمكنه في السنة بلا تغرير بالمسلمين أحببت له أن لا يدع ذلك كلما أمكنه وأقل ما يجب عليه أن لا يأتي عليه عام إلا وله فيه غزو حتى لا يكون الجهاد معطلا في عام إلا من عذر ، ، وإذا غزا عاما قابلا غزا بلدا غيره ، ولا يتأتى الغزو على بلد ويعطل من بلاد المشركين غيره إلا أن يختلف حال أهل البلدان فيتابع الغزو على من يخاف نكايته ، أو من يرجو غلبة المسلمين على بلاده فيكون تتابعه على ذلك وعطل غيره بمعنى ليس في غيره مثله .

قال : وإنما قلت بما وصفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخل من حين فرض عليه الجهاد من أن غزا بنفسه ، أو غيره في عام من غزوة ، أو غزوتين ، أو سرايا ، وقد كان يأتي عليه الوقت لا يغزو فيه ، ولا يسري سرية ، وقد يمكنه ، ولكنه يستجم ويجم له ويدعو ويظاهر الحجج على من دعاه .
ويجب على أهل الإمام أن يغزوا [ ص: 178 ] أهل الفيء يغزوا كل قوم إلى من يليهم من المشركين ، ولا يكلف الرجل البلاد البعيدة وله مجاهد أقرب منها إلا أن يختلف حال المجاهدين فيزيد عن القريب عن أن يكفيهم فإن عجز القريب عن كفايتهم كلفهم أقرب أهل الفيء بهم .
قال : ولا يجوز أن يغزو أهل دار من المسلمين كافة حتى يخلف في ديارهم من يمنع دارهم منه .

( قال الشافعي ) : فإذا كان أهل دار المسلمين قليلا إن غزا بعضهم خيف العدو على الباقين منهم لم يغز منهم أحد وكان هؤلاء في رباط الجهاد ونزلهم .

( قال الشافعي ) وإن كانت ممتنعة غير مخوف عليها ممن يقاربها فأكثر ما يجوز أن يغزى من كل رجلين رجلا فيخلف المقيم الظاعن عن أهله وماله ، فإن { رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تجهز إلى تبوك فأراد الروم وكثرت جموعهم ، قال : ليخرج من كل رجلين رجل } ومن في المدينة ممتنع بأقل ممن تخلف فيها ، وإذا كان القوم في ساحل من السواحل كسواحل الشام وكانوا على قتال الروم والعدو الذي يليهم أقوى ممن يأتيهم من غير أهل بلدهم وكان جهادهم عليه أقرب منه على غيرهم فلا بأس أن يغزوا إليهم من يقيم في ثغورهم مع من تخلف منهم ، وإن لم يكن من خلفوا منهم يمنعون دارهم لو انفردوا إذا صاروا يمنعون دارهم بمن تخلف من المسلمين معهم ويدخلون بلاد العدو فيكون عدوهم أقرب ودوابهم أجم وهم ببلادهم أعلم وتكون دارهم غير ضائعة بمن تخلف منهم وخلف معهم من غيرهم .
قال : ولا ينبغي أن يولي الإمام الغزو إلا ثقة في دينه شجاعا في بدنه حسن الأناة عاقلا للحرب بصيرا بها غير عجل ، ولا نزق وأن يقدم إليه وإلى من ولاه أن لا يحمل المسلمين على مهلكة بحال ، ولا يأمرهم بنقب حصن يخاف أن يشدخوا تحته ، ولا دخول مطمورة يخاف أن يقتلوا ، ولا يدفعوا عن أنفسهم فيها ، ولا غير ذلك من أسباب المهالك فإن فعل ذلك الإمام ، فقد أساء ويستغفر الله تعالى ، ولا عقل ، ولا قود عليه ، ولا كفارة إن أصيب أحد من المسلمين بطاعته .

قال : وكذلك لا يأمر القليل منهم بانتياب الكثير حيث لا غوث لهم ، ولا يحمل منهم أحدا على غير فرض القتال عليه وذلك أن يقاتل الرجل الرجلين لا يجاوز ذلك ، وإذا حملهم على ما ليس له حملهم عليه فلهم أن لا يفعلوه قال : وإنما قلت لا عقل ، ولا قود ، ولا كفارة عليه أنه جهاد ويحل لهم بأنفسهم أن يقدموا فيه على ما ليس عليهم بغرض القتل لرجاء إحدى الحسنيين ، ألا ترى أني لا أرى ضيقا على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسرا ، أو يبادر الرجل ، وإن كان الأغلب أنه مقتول ; لأنه قد بودر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل رجل من الأنصار حاسرا على جماعة من المشركين يوم بدر بعد إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بما في ذلك من الخير فقتل .
تحريم الفرار من الزحف .

قال : الله تبارك وتعالى { يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } وقال عز وجل { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين } الآية أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : لما نزلت { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } فكتب عليهم أن لا يفر العشرون من المائتين فأنزل الله عز وجل { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين } فخفف عنهم وكتب عليهم أن لا يفر مائة من المائتين .

( قال الشافعي ) : وهذا كما قال ابن عباس إن شاء الله تعالى مستغنى فيه بالتنزيل عن التأويل وقال : الله تعالى : { إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار } الآية ، فإذا غزا المسلمون [ ص: 179 ] أو غزوا فتهيئوا للقتال فلقوا ضعفهم من العدو حرم عليهم أن يولوا عنهم إلا متحرفين إلى فئة فإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحب لهم أن يولوا عنهم ، ولا يستوجب السخط عندي من الله عز وعلا لو ولوا عنهم إلى غير التحرف للقتال والتحيز إلى فئة ; لأنا بينا أن الله عز وجل إنما يوجب سخطه على من ترك فرضه وأن فرض الله عز وجل في الجهاد إنما هو على أن يجاهد المسلمون ضعفهم من العدو ، ويأثم المسلمون لو أطل عدو على أحد من المسلمين وهم يقدرون على الخروج إليه بلا تضييع لما خلفهم من ثغرهم إذا كان العدو ضعفهم وأقل .
قال : وإذا لقي المسلمون العدو فكثرهم العدو أو قووا عليهم ، وإن لم يكثروهم بمكيدة ، أو غيرها فولى المسلمون غير متحرفين لقتال ، أو متحيزين إلى فئة رجوت أن لا يأثموا ، ولا يخرجون والله تعالى أعلم من المأثم إلا بأن لا يولوا العدو دبرا إلا وهم ينوون أحد الأمرين من التحرف إلى القتال أو التحيز إلى فئة فإن ولوا على غير نية واحد من الأمرين خشيت أن يأثموا وأن يحدثوا بعد نية خير لهم ومن فعل هذا منهم تقرب إلى الله عز وجل بما استطاع من خير بلا كفارة معلومة فيه .

قال : ولو ولوا يريدون التحرف للقتال أو التحيز إلى الفئة ثم أحدثوا بعد نية في المقام على الفرار بلا واحدة من النيتين كانوا غير آثمين بالتولية مع النية لأحد الأمرين وخفت أن يأثموا بالنية الحادثة أن يثبتوا على الفرار لا لواحد من المعنيين ، وإن بعض أهل الفيء نوى أن يجاهد عدوا بلا عذر خفت عليه المأثم ، ولو نوى المجاهد أن يفر عنه لا لواحد من المعنيين كان خوفي عليه من المأثم أعظم ، ولو شهد القتال من له عذر في ترك القتال من الضعفاء والمرضى الأحرار خفت أن يضيق على أهل القتال ; لأنهم إنما عذروا بتركه ، فإذا تكلفوه فهم من أهله كما يعذر الفقير الزمن بترك الحج ، فإذا حج لزمه فيه ما لزم من لا يعذر بتركه من عمل ومأثم وفدية .

قال : وإن شهد القتال عبد أذن له سيده كان كالأحرار ما كان في إذن سيده يضيق عليه التولية ; لأن كل من سميت من أهل الفرائض الذين يجري عليهم المأثم ويصلحون للقتال قال : ولو شهد القتال عبد بغير إذن سيده لم يأثم بالفرار على غير نية واحد من الأمرين ; لأنه لم يكن القتال ، ولو شهد القتال مغلوب على عقله بلا سكر لم يأثم بأن يولي ، ولو شهده مغلوب على عقله بسكر من خمر فولى كان كتولية الصحيح المطيق للقتال ، ولو شهد القتال من لم يبلغ لم يأثم بالتولية ; لأنه ممن لا حد عليه ، ولم تكمل الفرائض عليه ، ولو شهد النساء القتال فولين رجوت أن لا يأثمن بالتولية ; لأنهن لسن ممن عليه الجهاد كيف كانت حالهن .

قال : وإذا حضر العدو القتال فأصاب المسلمون غنيمة ، ولم تقسم حتى ولت منهم طائفة ، فإن قالوا ولينا متحرفين لقتال ، أو متحيزين إلى فئة كانت لهم سهمانهم فيما غنم بعد ، وإن لم يكونوا مقاتلين ، ولا ردءا ، ولو غنم المسلمون غنيمة ثم لم تقسم خمست ، أو لم تخمس حتى ولوا وأقروا أنهم ولوا بغير نية واحد من الأمرين وادعوا أنهم بعد التولية أحدثوا نية أحد الأمرين والرجعة ورجعوا لم يكن لهم غنيمة ; لأنها لم تصر إليهم حتى صاروا ممن عصى بالفرار وترك الدفع عنها وكانوا آثمين بالترك .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا ولى القوم غير متحرفين إلى فئة ثم غزوا غزاة أخرى وعادوا إلى ترك الغزاة فما كان فيها من غنيمة شهدوها ، ولم يولوا بعدها فلهم حقهم منها ، وإذا رجع القوم القهقرى بلا نية لأحد الأمرين كانوا كالمولين ; لأنه إنما أريد بالتحريم الهزيمة عن المشركين .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 26-09-2022, 01:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (170)
صــــــــــ 180 الى صـــــــــــ186




وإذا غزا القوم فذهبت دوابهم لم يكن لهم عذر بأن يولوا ، وإن ذهب السلاح والدواب وكانوا يجدون شيئا يدفعون به من حجارة ، أو خشب ، أو غيرها ، وكذلك إن لم يجدوا [ ص: 180 ] من هذا شيئا فأحب إلي أن يولوا فإن فعلوا أحببت أن يجمعوا مع الفعل على أن يكونوا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة ، ولا يبين أن يأثموا ; لأنهم ممن لا يقدر في هذه الحالة على شيء يدفع به عن نفسه ، وأحب في هذا كله أن لا يولي أحد بحال إلا متحرفا لقتال ، أو متحيزا إلى فئة .
ولو غزا المشركون بلاد المسلمين كان تولية المسلمين عنهم كتوليتهم لو غزاهم المسلمون إذا كانوا نازلين لهم عليهم أن يبرزوا إليهم .
قال : ولا يضيق على المسلمين أن يتحصنوا من العدو في بلاد العدو وبلاد الإسلام ، وإن كانوا قاهرين للعدو فيما يرون إذا ظنوا ذلك أزيد في قوتهم ما لم يكن العدو يتناول من المسلمين ، أو أموالهم شيئا في تحصنهم عنهم ، فإذا كان واحد من المعنيين ضررا على المسلمين ضاق عليهم إن أمكنهم الخروج أن يتخلفوا عنهم ، فأما إذا كان العدو قاهرين فلا بأس أن يتحصنوا إلى أن يأتيهم مدد أو تحدث لهم قوة ، وإن ونى عليهم فلا بأس أن يولوا عن العدو ما لم يلتقوا هم والعدو ; لأن النهي إنما هو في التولية بعد اللقاء .
( قال الشافعي ) رحمه الله والتحرف للقتال الاستطراد إلى أن يمكن المستطرد الكرة في أي حال ما كان الإمكان والتحيز إلى الفئة أين كانت الفئة ببلاد العدو ، أو ببلاد الإسلام بعد ذلك أقرب إنما يأثم في التولية من لم ينو واحدا من المعنيين أخبرنا ابن عيينة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عمر قال { بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فلقوا العدو فحاص الناس حيصة فأتينا المدينة وفتحنا بابها فقلنا يا رسول الله : نحن الفرارون قال : أنتم العكارون وأنا فئتكم } أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : أنا فئة كل مسلم .
في إظهار دين النبي صلى الله عليه وسلم على الأديان .

( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون } أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله } .

( قال الشافعي ) { لما أتي كسرى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مزقه فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزق ملكه } .

( قال الشافعي ) وحفظنا أن { قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ووضعه في مسك فقال : النبي صلى الله عليه وسلم يثبت ملكه } .

( قال الشافعي ) ووعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فتح فارس والشام فأغزى أبو بكر الشام على ثقة من فتحها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح بعضها وتم فتحها في زمان عمر وفتح العراق وفارس .

( قال الشافعي ) فقد أظهر الله عز وجل دينه الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأديان بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق وما خالفه من الأديان باطل وأظهره بأن جماع الشرك دينان دين أهل الكتاب ودين الأميين فقهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها وقتل منأهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعض الجزية صاغرين وجرى عليهم حكمه صلى الله عليه وسلم وهذا ظهور الدين كله قال : وقد يقال ليظهرن الله عز وجل دينه على الأديان حتى لا يدان الله عز وجل إلا به وذلك متى شاء الله تبارك وتعالى .

( قال الشافعي ) وكانت [ ص: 181 ] قريش تنتاب الشام انتيابا كثيرا مع معايشها منه وتأتي العراق ، قال : فلما دخلت في الإسلام ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم خوفها من انقطاع تعايشها بالتجارة من الشام والعراق إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام مع خلاف ملك الشام والعراق لأهل الإسلام فقال : النبي صلى الله عليه وسلم { إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده } .

( قال الشافعي ) فلم يكن بأرض العراق كسرى بعده ثبت له أمر بعده ، قال : { وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده } فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده وأجابهم على ما قالوا له وكان كما قال : لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطع الله الأكاسرة عنالعراق وفارس وقيصر ومن قام بالأمر بعده عن الشام .

( قال الشافعي ) { قال : النبي صلى الله عليه وسلم في كسرى يمزق ملكه } فلم يبق للأكاسرة ملك .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : { وقال : في قيصر يثبت ملكه } فثبت له ملك ببلاد الروم إلى اليوم وتنحى ملكه عن الشام وكل هذا أمر يصدق بعضه بعضا .
الأصل فيمن تؤخذ الجزية منه ومن لا تؤخذ .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : بعث الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بمكة وهي بلاد قومه وقومه أميون ، وكذلك من كان حولهم من بلاد العرب ، ولم يكن فيهم من العجم إلا مملوك ، أو أجير ، أو مجتاز ، أو من لا يذكر قال : الله تبارك وتعالى { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته } الآية فلم يكن من الناس أحد في أول ما بعث أعدى له من عوام قومه ومن حولهم ، وفرض الله عز وجل عليه جهادهم فقال : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } فقيل : فيه فتنة شرك ويكون الدين كله واحدا لله وقال : في قوم كان بينه وبينهم شيء { ، فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم } الآية مع نظائر لها في القرآن .

أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله } أخبرنا سفيان بن عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن أبي عصام المزني عن أبيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية قال : إن رأيتم مسجدا ، أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا أحدا } أخبرنا سفيان عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أليس قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله } قال : أبو بكر هذا من حقها لو منعوني عقالا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه " .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى يعني من منع الصدقة ، ولم يرتد أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة أن عمر قال : لأبي بكر هذا القول أو ما معناه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وهذا مثل الحديثين قبله في المشركين مطلقا ، وإنما يراد به والله تعالى أعلم مشركو أهل الأوثان ، ولم يكن بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قربه أحد من مشركي أهل الكتاب إلا يهود المدينة وكانوا حلفاء الأنصار ، ولم تكن أنصار اجتمعت أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلاما فوادعت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تخرج إلى شيء من عداوته بقول يظهر ، ولا فعل حتى كانت وقعة بدر فكلم بعضها بعضا بعداوته والتحريض عليه فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ، ولم يكن بالحجاز علمته إلا يهودي ، أو نصراني بنجران وكانت المجوس بهجر وبلاد البربر [ ص: 182 ] وفارس نائين عن الحجاز دونهم مشركون أهل أوثان كثير .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فأنزل الله عز وجل على رسوله فرض قتال المشركين من أهل الكتاب فقال : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ، ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله } الآية . ففرق الله عز وجل كما شاء لا معقب لحكمه بين قتال أهل الأوثان ففرض أن يقاتلوا حتى يسلموا وقتل أهل الكتاب ففرض أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية ، أو أن يسلموا وفرق الله تعالى بين قتالهم أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن محمد بن أبان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية أو جيشا أمر عليهم قال : إذا لقيت عدوا من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال ، أو ثلاث خلال - شك علقمة - ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين فإن أجابوك فاقبل منهم وأخبرهم أنهم إن فعلوا أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما عليهم ، وإن اختاروا المقام في دارهم أنهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله عز وجل كما يجري على المسلمين وليس لهم في الفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن لم يجيبوك إلى الإسلام فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن فعلوا فاقبل منهم ودعهم ، فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم } .

( قال الشافعي ) حدثني عدد كلهم ثقة عن غير واحد كلهم ثقة لا أعلم إلا أن فيهم سفيان الثوري عن علقمة بمثل معنى هذا الحديث لا يخالفه .

( قال الشافعي ) وهذا في أهل الكتاب خاصة دون أهل الأوثان وليس يخالف هذا الحديث حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله } ، ولكن أولئك الناس أهل الأوثان والذين أمر الله أن تقبل منهم الجزية أهل الكتاب ، والدليل على ذلك ما وصفت من فرق الله بين القتالين ، ولا يخالف أمر الله عز وجل أن يقاتل المشركون حتى يكون الدين لله ويقتلوا حيث وجدوا حتى يتوبوا ويقيموا الصلاة وأمر الله عز وجل بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ، ولا تنسخ واحدة من الآي غيرها ، ولا واحد من الحديثين غيره وكل فيما أنزل الله عز وجل ثم سن رسوله فيه .
( قال الشافعي ) : ولو جهل رجل فقال : إن أمر الله بالجزية نسخ أمره بقتال المشركين حتى يسلموا جاز عليه أن يقول جاهل مثله بل الجزية منسوخة بقتال المشركين حتى يسلموا ، ولكن ليس فيهما ناسخ لصاحبه ، ولا مخالف .
من يلحق بأهل الكتاب .

( قال الشافعي ) انتوت قبائل من العرب قبل أن يبعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وينزل عليه الفرقان فدانت دين أهل الكتاب وقارب بعض أهل الكتاب العرب من أهل اليمن فدان بعضهم دينهم وكان من أنزل الله عز وجل فرض قتاله من أهل الأوثان حتى يسلم مخالفا دين من وصفته دان دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان على نبي الله صلى الله عليه وسلم لتمسك أهل الأوثان بدين آبائهم { فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من أكيدر دومة } ، وهو رجل يقال من غسان أو من كندة { وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من ذمة أهل اليمن وعامتهم عرب ومن أهل نجران ، وفيهم عرب } فدل ذلك على ما وصفت من أن الإسلام لم يكن وهم أهل أوثان بل دائنين دين أهل الكتاب مخالفين دين أهل الأوثان وكان في هذا دليل على أن الجزية ليست على النسب إنما هي على الدين وكان أهل الكتاب المشهور عند العامة أهل التوراة من اليهود والإنجيل من النصارى وكانوا من بني إسرائيل [ ص: 183 ] وأحطنا بأن الله عز وجل أنزل كتبا غير التوراة والإنجيل والفرقان قال الله عز وجل { أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى } فأخبر أن لإبراهيم صحفا وقال : تبارك وتعالى { وإنه لفي زبر الأولين } .
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فكانت المجوس يدينون غير دين أهل الأوثان ويخالفون أهل الكتاب من اليهود والنصارى في بعض دينهم وكان أهل الكتاب اليهود والنصارى يختلفون في بعض دينهم وكان المجوس بطرف من الأرض لا يعرف السلف من أهل الحجاز من دينهم ما يعرفون من دين النصارى واليهود حتى عرفوه وكانوا والله تعالى أعلم أهل كتاب يجمعهم اسم أنهم أهل كتاب مع اليهود والنصارى .

أخبرنا ابن عيينة عن أبي سعد سعيد بن المرزبان عن نصر بن عاصم قال : قال فروة بن نوفل الأشجعي علام تؤخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب ؟ فقام إليه المستورد فأخذ بلبه وقال : يا عدو الله تطعن على أبي بكر وعلى أمير المؤمنين يعني عليا ، وقد أخذوا منهم الجزية فذهب به إلى القصر فخرج علي عليهما فقال : ألبدا فجلسا في ظل القصر فقال : علي رضي الله تعالى عنه أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه ، وإنما ملكهم سكر فوقع على ابنته ، أو أخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته فلما صحا خاف أن يقيموا عليه الحد فامتنع منهم فدعا أهل مملكته فلما أتوه قال : تعلمون دينا خيرا من دين آدم ؟ وقد كان آدم ينكح بنيه بناته وأنا على دين آدم ما يرغب بكم عن دينه ؟ فتابعوه وقاتلوا الذين خالفوه حتى قتلوهم فأصبحوا ، وقد أسرى على كتابهم فرفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذي في صدورهم فهم أهل كتاب ، وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر منهم الجزية .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وما روي عن علي من هذا دليل على ما وصفت أن المجوس أهل كتاب ودليل أن عليا كرم الله وجهه ما خبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ الجزية منهم إلا وهم أهل كتاب ، ولا من بعده ، فلو كان يجوز أخذ الجزية من غير أهل الكتاب لقال : علي الجزية تؤخذ منهم كانوا أهل كتاب ، أو لم يكونوا أهله ، ولم أعلم ممن سلف من المسلمين أحدا أجاز أن تؤخذ الجزية من غير أهل الكتاب أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو أنه سمع بجالة يقول : ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس أهل هجر .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وحديث بجالة متصل ثابت ; لأنه أدرك عمر وكان رجلا في زمانه كاتبا لعماله وحديث نصر بن عاصم عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم متصل وبه يأخذ ، وقد روي من حديث الحجاز حديثان منقطعان بأخذ الجزية من المجوس أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر له المجوس فقال : ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال : له عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى إن كان ثابتا فنفتي في أخذ الجزية ; لأنهم أهل كتاب لا أنه يقال إذا قال { سنوا بهم سنة أهل الكتاب } والله تعالى أعلم في أن تنكح نساؤهم وتؤكل ذبائحهم قال : ولو أراد جميع المشركين غير أهل الكتاب لقال والله تعالى أعلم سنوا بجميع المشركين سنة أهل الكتاب ، ولكن لما قال : سنوا بهم ، فقد خصهم ، وإذا خصهم فغيرهم مخالف ، ولا يخالفهم إلا غير أهل الكتاب أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه بلغه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين } وأن [ ص: 184 ] عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أخذها من البربر .

( قال الشافعي ) رحمه الله ولا يجوز أن يسأل عمر عن المجوس ويقول ما أدري كيف أصنع بهم ، وهو يجوز عنده أن تؤخذ الجزية من جميع المشركين لا يسأل عما يعلم أنه جائز له ، ولكنه سأل عن المجوس إذ لم يعرف من كتابهم ما عرف من كتاب اليهود والنصارى حتى أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بأخذه الجزية وأمره بأخذ الجزية منهم فيتبعه ، وفي كل ما حكيت ما يدل على أنه لا يسعه أخذ الجزية من غير أهل الكتاب .
تفريع من تؤخذ منه الجزية من أهل الأوثان .

( أخبرنا الربيع ) قال : ( قال الشافعي ) فكل من دان ودان آباؤه ، أو دان بنفسه ، وإن لم يدن آباؤه دين أهل الكتاب أي كتاب كان قبل نزول الفرقان وخالف دين أهل الأوثان قبل نزول الفرقان فهو خارج من أهل الأوثان وعلى الإمام إذا أعطاه الجزية ، وهو صاغر أن يقبلها منه عربيا كان أو عجميا
وكل من دخل عليه الإسلام ، ولا يدين دين أهل الكتاب ممن كان عربيا ، أو عجميا ، فأراد أن تؤخذ منه الجزية ويقر على دينه ، أو يحدث أن يدين دين أهل الكتاب فليس للإمام أن يأخذ منه الجزية ، وعليه أن يقاتله حتى يسلم كما يقاتل أهل الأوثان حتى يسلموا .
قال : وأي مشرك ما كان إذا لم يدع أهل دينه دين أهل الكتاب فهو كأهل الأوثان وذلك مثل أن يعبد الصنم وما استحسن من شيء ومن يعطل ومن في معناهم .
ومن غزا المسلمون ممن يجهلون دينه فذكروا لهم أنهم أهل كتاب فهم أهل كتاب سئلوا متى دانوا به وآباؤهم ، فإن ذكروا أن ذلك قبل نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلوا قولهم إلا أن يعلموا غير ما قالوا ، فإن علموا ببينة تقوم عليهم لم يأخذوا منهم الجزية ، ولم يدعوهم حتى يسلموا ، أو يقتلوا ، وإن علموه بإقرار فكذلك ، وإن أقر بعضهم أنه لم يدن ، ولم يدن آباؤه دين أهل الكتاب إلا في وقت يذكرونه يعلم أنه قبل أن ينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم أقررناهم على دينه وأخذنا منهم الجزية ، ولا يكون الإمام أخذها إلا أن يقول آخذها منكم حتى أعلم إن لم تدينوا وآباؤكم هذا الدين إلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا علمته لم آخذها منكم فيما أستقبل ونبذت إليكم فإما أن تسلموا وإما أن تقتلوا فإذا أخبرنا من الذين أسلموا منهم قوما عدولا فاثبتوا لنا على هؤلاء الذين أخذت منهم الجزية بقولهم بأن لم يدينوا دين أهل الكتاب بحال إلا بعد نزول الفرقان ، وإن شهد هؤلاء النفر المسلمون ، أو اثنان منهم على جماعتهم إن لم يدينوا دين أهل الكتاب إلا في وقت كذا وأن آباءهم كانوا يدينون دين أهل الكتاب نبذت إلى من بلغ منهم ، ولم يدن دين أهل الكتاب إلا في وقت كذا وكان ذلك بعد نزول الفرقان ، قال : ولم ينبذ إلى صغارهم إذ كان آباؤهم دانوا دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان .

ولو أن هؤلاء النفر العدول شهدوا على أنفسهم أنهم لم يكونوا دانوا دين أهل الكتاب إلا بعد نزول الفرقان كان إقرارا منهم على أنفسهم لا أجعله شهادة على غيرهم ، ولا أقبل الشهادة على أحد منهم إلا بأن يثبتوها عليه أن الفرقان نزل ، ولا يدين دين أهل الكتاب ، فإذا فعلوا لم أقبل منه الجزية ، ولو كان آباؤهم من أهل الكتاب ; لأنه لا يكون دينه دين آبائه إذا بلغ إنما يكون مقرا [ ص: 185 ] على دين آبائه ما لم يبلغ ، فلو شهدوا أن أبا رجلين مات على دين أهل الكتاب يهوديا أو نصرانيا وله ابن بالغ مخالف دين أهل الكتاب وابن صغير ونزل الفرقان وهما بتلك الحال فبلغ الصغير ودان دين أهل الكتاب وعاد البالغ إلى دينهم أخذت الجزية من الصغير ; لأنه كان يقر على دين أبيه ، ولم يدن بعد البلوغ دينا غيره ، ولا آخذها من الكبير الذي نزل الفرقان ، وهو على دين غير دين أهل الكتاب .
من ترفع عنه الجزية .

( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ، ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } قال : فكان بينا في الآية والله تعالى أعلم أن الذين فرض الله عز وجل قتالهم حتى يعطوا الجزية الذين قامت عليهم الحجة بالبلوغ فتركوا دين الله عز وجل وأقاموا على ما وجدوا عليه آباءهم من أهل الكتاب وكان بينا أن الذين أمر الله بقتالهم عليها الذين فيهم القتال وهم الرجال البالغون .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ثم أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل معنى كتاب الله عز وجل فأخذ الجزية من المحتلمين دون من دونهم ودون النساء { وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تقتل النساء من أهل الحرب ، ولا الولدان وسباهم } فكان ذلك دليلا على خلاف بين النساء والصبيان والرجال ، ولا جزية على من لم يبلغ من الرجال ، ولا على امرأة ، وكذلك لا جزية على مغلوب على عقله من قبل أنه لا دين له تمسك به ترك له الإسلام ، وكذلك لا جزية على مملوك ; لأنه لا مال له يعطي منه الجزية فأما من غلب على عقله أياما ثم أفاق ، أو جن فتؤخذ منه الجزية ; لأنه يجري عليه القلم في حال إفاقته وليس يخلو بعض الناس من العلة يغرب بها عقله ثم يفيق ، فإذا أخذت من صحيح ثم غلب عقله حسب له من يوم غلب على عقله فإن أفاق لم ترفع عنه الجزية ، وإن لم يفق رفعت عنه من يوم غلب على عقله قال : وإذا صولحوا على أن يؤدوا عن أبنائهم ونسائهم سوى ما يؤدون عن أنفسهم فإن كان ذلك من أموال الرجال فذلك جائز ، وهو كما ازديد عليهم من أقل الجزية ومن الصدقة ومن أموالهم إذا اختلفوا وغير ذلك مما يلزمهم إذا شرطوه لنا ، وإن كانوا على أن يؤدوها من أموال نسائهم ، أو أبنائهم الصغار لم يكن ذلك عليهم ، ولا لنا أن نأخذه من أبنائهم ، ولا نسائهم بقولهم فلا شيئا عليك فإن قالت : فإن أؤدي بعد علمها قبل ذلك منها ومتى امتنعت ، وقد شرطت أن تؤدي لم يلزمها الشرط ما أقامت في بلادها ، وكذلك لو تجرت بمالها لم يكن عليها أن تؤدي إلا أن تشاء ، ولكنها تمنع الحجاز فإن قالت أدخلها على شيء يؤخذ مني فألزمته نفسها جاز عليها ; لأنه ليس لها دخول الحجاز .

وإذا صالحت على أن يؤخذ من مالها شيء في غير بلاد الحجاز فإن أدته قبل ، وإن منعته بعد شرطه فلها منعه ; لأنه لا يبين لي أن على أهل الذمة أن يمنعوا من غير الحجاز ولو شرط هذا صبي ، أو مغلوب على عقله لم يجز الشرط عليه ، ولا يؤخذ من ماله ، وكذلك لو شرط أبو الصبي ، أو المعتوه أو وليهما ذلك عليهما لم يكن ذلك لنا ولنا أن نمنعهما من أن يختلفا في بلاد الحجاز ، وكذلك يمنع مالهما مع الذي لا يؤدي شيئا عن نفسه ، ولا يكون لنا منعه من مسلم ، ولا ذمي يؤدي عن ماله وتمنع أنفسهما .
قال : ولو أن أهل دار من أهل الكتاب امتنع رجالهم من أن يصالحوا على جزية ، أو [ ص: 186 ] يجري عليهم الحكم وأطاعوا بالجزية ولنا قوة عليهم وليس في صلحهم نظر فسألوا أن يؤدوا الجزية عن نسائهم وأبنائهم دونهم لم يكن ذلك لنا ، وإن صالحوهم على ذلك فالصلح منتقض ، ولا نأخذ منهم شيئا إن سموه على النساء والأبناء ; لأنهم قد منعوا أموالهم بالأمان وليس على أموالهم جزية ، وكذلك لا نأخذها من رجالهم ، وإن شرطها رجالهم ، ولم يقولوا من أبنائنا ونسائنا أخذناها من أموال من شرطها بشرطه ، وكذلك لو دعا إلى هذا النساء والأبناء لم يؤخذ هذا منهم ، وكذلك لو كان النساء والأبناء أخلياء من رجالهم ففيها قولان : أحدهما ليس لنا أن نأخذ منهم الجزية ولنا أن نسبيهم ; لأن الله عز وجل إنما أذن بالجزية مع قطع حرب الرجال وأن يجري عليهم الحكم ، ولا حرب في النساء والصبيان إنما هن غنيمة وليسوا في المعنى الذي أذن الله عز وجل بأخذ الجزية به ، والقول الثاني : ليس لنا سباؤهم وعلينا الكف عنهم إذا أقروا بأن يجري عليهم الحكم وليس لنا أن نأخذ من أموالهم شيئا ، وإن أخذناه فعلينا رده
قال : وتؤخذ الجزية من الرهبان والشيخ الفاني الزمن وغيره ممن عليه الحكم من رجال المشركين الذين أذن الله عز وجل بأخذ الجزية منهم .
وإذا صالح القوم من أهل الذمة على الجزية ثم بلغ منهم مولود قبل حولهم بيوم ، أو أقل ، أو أكثر فرضي بالصلح سئل فإن طابت نفسه بالأداء لحول قومه أخذت منه ، وإن لم تطب نفسه فحوله حول نفسه ; لأنه إنما وجب عليه الجزية بالبلوغ والرضا ويأخذ منه الإمام من حين رضي على حوله أصحابه وفضل إن كان عليه من سنة قبلها لئلا تختلف أحوالهم كأن بلغ قبل الحول بشهر فصالحه على دينار كل حول فيأخذ منه إذا حال حول أصحابه نصف سدس دينار ، وفي حول مستقبل معهم دينار ، فإذا أخره أخذ منه في حول أصحابه دينار ونصف سدس دينار .
الصغار مع الجزية .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } قال : فلم يأذن الله عز وجل في أن تؤخذ الجزية ممن أمر بأخذها منه حتى يعطيها عن يد صاغرا .

( قال الشافعي ) وسمعت عددا من أهل العلم يقولون الصغار أن يجري عليهم حكم الإسلام .

( قال الشافعي ) وما أشبه ما قالوا بما قالوا لامتناعهم من الإسلام ، فإذا جرى عليهم حكمه ، فقد أصغروا بما يجري عليهم منه .

( قال الشافعي ) : وإذا أحاط الإمام بالدار قبل أن يسبي أهلها ، أو قهر أهلها القهر البين ، ولم يسبهم ، أو كان على سبيه بالإحاطة من قهره لهم ، ولم يغزهم لقربهم أو قلتهم ، أو كثرتهم وقوته فعرضوا عليه أن يعطوا الجزية على أن يجري عليهم حكم الإسلام لزمه أن يقبلها منهم ، ولو سألوه أن يعطوها على أن لا يجري عليهم حكم الإسلام لم يكن ذلك له وكان عليه أن يقاتلهم حتى يسلموا ، أو يعطوا الجزية وهم صاغرون بأن يجري عليهم حكم الإسلام قال فإن سألوه أن يتركوا من شيء من حكم الإسلام إذا طلبهم به غيرهم ، أو وقع عليهم بسبب غيرهم لم يكن له أن يجيبهم إليه ، ولا يأخذ الجزية منهم عليه فأما إذا كان في غزوهم مشقة ، أو من بإزائهم من المسلمين ومن ينتابهم عنهم ضعف ، أو بهم انتصاف فلا بأس أن يوادعوا ، وإن لم يعطوا شيئا أو أعطوه على النظر ، وإن لم يجر عليهم حكم الإسلام كما يجوز ترك قتالهم وموادعتهم على النظر ، وهذا موضوع في كتاب الجهاد دون الجزية .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 473.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 467.41 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.24%)]