|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
![]() أعمال القلوب - التوكل سر التوكل هو اعتماد القلب على الله وحده. وأعمدته: الإيمان بالقدر، وحسن الظن بالله، واتخاذ الأسباب. دخلت وصاحبي محلا صغيرا يبيع أدوات كهربائية ولوازمها، وضع صاحب المحل لوحة، كتب فيها: (توكلت على الله)، لا يمكن للمرء ألا يراها. بعد السلام - لوحة جميلة، ومعبرة، وأشرت إلى تلك اللوحة. - نعم،ورثتها عن والدي -رحمه الله-، وكان يملك مخبزا صغيرا في قريتنا بالشام، وانتقلت هنا وعملت في هذا المجال، ثم توفي والدي منذ سبع سنوات؛ فبعنا المحل وأخذت هذه اللوحة، أشعر بالراحة والأمان كلما قرأتها، قضينا حاجتنا، وفي طريقنا إلى مركبتنا علق صاحبي: - كلام صاحب المحل جميل عن لوحة (توكلت على الله). - نعم، ولكن قليلا من الناس من يحقق التوكل الصحيح، ذلك أن التوكل عمل قلبي عظيم، لا يكفي أن يقول المرء توكلت على الله بلسانه، وقلبه لا يتوكل على الله. - ماذا تعني؟ - إذا علمنا أن التوكل عمل قلبي، فينبغي أن نجعل القلب يتوكل على الله أولا، فلا يتعلق بشيء غير الله، ولا يرجو إلا الله، ويرضى بما قسم الله، و يسعى دوما إلى مبتغاه وكله ثقة بالله مهما كاد له الكائدون، ومكر له الماكرون. من توكل على الله علم أن الله كافيه، إيجابا وسلبا، أي في جلب المنافع ودفع المكاره. ومن توكل على الله جعل التوكل دائما في قلبه، بل يزداد توكله كلما ازداد إيمانه، فهو يزيد وينقص. - وكيف قرن الله بين الإيمان والتوكل؟ - في آيات كثيرة، منها: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} (تبارك:29)، وقوله -عز وجل-: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (المائدة:23)، وقوله -سبحانه: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران: 122- 160)، (المائدة:11)، (التوبة:51)، (إبراهيم:11)، (المجادلة:10)، (التغابن:13). وكذلك قرن الله -عز وجل- بين التكل والهداية، {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} (إبراهيم:12)، وقال -سبحانه-: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} (النمل:79)، وجعل الله جزاء التوكل كفايته -سبحانه- لعبده: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق:2). وهذه الآية، شاملة كافية، من توكل على الله حق التوكل، كفاه الله، توفيقا وهداية ونصرا وحفظا ورزقا، ونجاة من النار، وفوزا بالجنة، مع الأخذ بالاعتبار أن (كمال الأجر، مع كمال العمل). - قرأت كلاما لابن القيم، أظنه في مدارج السالكين: «التوكل نصف الدين والنصف الثاني الإنابة». - نعم، ابن القيم، مرجع في أعمال القلوب، وإليك بعد أحاديث التوكل، الذي هو من واجبات أعمال القلوب: عن عمر - رضي الله عنه - مرفوعا: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا» (الصحيحة). عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال -يعني إذا خرج من بيته-: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هديت ووقيت وكفيت، فيقول الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟» (الجامع الصغير وزيادته). عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون» متفق عليه. عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ بِالْمَوْسِمِ فَرَاثَتْ عَلَيَّ أُمَّتِي قَالَ فَرَأَيْتُهُمْ فَأَعْجَبَتْنِي كَثْرَتُهُمْ وَهَيْئَاتُهُمْ قَدْ مَلَئُوا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ قَالَ حَسَنٌ فَقَالَ أَرَضِيتَ يَا مُحَمَّدُ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّ لَكَ مَعَ هَؤُلَاءِ قَالَ عَفَّانُ وَحَسَنٌ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ مَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهُ ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ » صحيح على شرط مسلم. د. أمير الحداد
__________________
|
#12
|
||||
|
||||
![]() أعمال القلوب - الشكر الإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر، والصبر داخل في الشكر. كنا في محاضرة بعد صلاة العشاء ألقاها شيخ فاضل من الجامعة الإسلامية في المدينة، بدعوة من وزارة الأوقاف في الكويت، بدأ الشيخ محاضرته بهذه الآية، يقول الله -تعالى- مخبرا ومحذرا ومنبها عباده، لأخبث أساليب الشيطان: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (الأعراف:16-17). فإن تذييل الآية بقوله: {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} هي الغاية من الإضلال والتزيين، وذلك أن نفي الشكر، كناية عن الكفر؛ إذ لا واسطة بينهما كما قال -تعالى-: {واشكروا لي ولا تكفرون} (البقرة:152)، وكذلك في سورة الإنسان: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (3)؛ فالشكر عبادة المتقين والأولياء الصالحين، وهذا أمر الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وأمته من بعده: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} (الزمر:66). في طريق عودتنا تدارسنا ما ذكره الشيخ في محاضرته التي استمرت لأكثر من أربعين دقيقة، ولو أراد لاستمر لأكثر من ساعة، ولكن توقف خشية ملل الحضور. - والله ما شعرنا بمرور الوقت؛ فقد كانت المحاضرة شيقة، وفيها الكثير من المعلومات الجديدة بالنسبة لي. - كم مرة ورد ذكر الشكر في القرآن بصيغه المختلفة. - ذكر الشيخ أنها وردت خمسا وسبعين مرة، بمشتقاتها، والأهم من ذلك أنه ذكر أركان الشكر الخمسة. خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وألا يستعملها فيما يكره. فإذا نقصت إحدى هذه الأركان، انتقض الشكر، ولم يكن العبد شاكرا، والشكر عبادة قلبية دائمة لله -عز وجل- بمعنى أن العبد ينبغي أن يكون دائما شاكرا لله -عز وجل-، ولذلك يُذكِّر الله عباده نعمه التي قد يغفل عنها الإنسان لوجودها دون عناء منه، فيقول -عز وجل-: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل:78). في تفسير السعدي: «.. خص هذه الأعضاء الثلاثة (السمع والأبصار والأفئدة) لشرفها وفضلها ولأنها متفاح كل علم، وذلك لأجل أن يشكروا الله باستعمال ما أعطاهم من هذه الجوارح في طاعة الله، فمن استعملها في غير ذلك كانت حجة عليه وقابل النعمة بالكفر لا بالشكر». ويقول -تعالى- مذكرا خلقه جميعا: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (النحل:53). كل نعمة ظاهرة وباطنة، الله هو المنعم بها، لا أحد غيره. ويقول -تعالى-: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النحل:18). وذلك إن بدأ العبد يعد نعم الله عليه، فإنه لن ينتهي من العد؛ لأن الإحصاء نهاية العد، فنفاه الله -عز وجل. وفي آية آخرى: {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (إبراهيم:34). فلا ينبغي لعبد أن يشعر مطلقا، أنه ليس في نعمة من الله -عز وجل- ويغفل عن شكر الله -سبحانه. أعجبني بيان الشيخ أن العبد ينبغي أن يكون شاكرا ويرتقي إلى أن يكون شكورا، كما في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: إن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ليقوم ليصلي من الليل حتى ترم قدماه، فيقال له في ذلك؟ فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا» (البخاري)؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم ـ أدى أعلى درجات الشكر، فكان عبدا شكورا، والمؤمن ينبغي أن يكون -على الأقل- عبدا شاكرا، كما في الحديث. عن صهيب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» (صحيح مسلم). فالعبد ينبغي أن يذكر نفسه دائما نعم الله عليه، ويملأ الشكر قلبه، فمن أذكار الصلاة ما ورد في حديث معاذ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده وقال: يا معاذ والله إني لأحبك والله إني لأحبك فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» (صحيح أبي داود). - لو تدبر المرء الآيات التي وردت في الشكر لوجد أنه عبادة الأنبياء والرسل والصالحين، والشكر يؤدي إلى دوام النعمة وحسن الجزاء يوم القيامة، كما قال -تعالى-: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم:7). ويقول -تعالى-: {وسنجزي الشاكرين} (آل عمران:145)، ويقول -تعالى-: {... وسيجزي الله الشاكرين} (آل عمران:144). - وماذا عن سجود الشكر؟ - هذه عبادة عظيمة ينبغي على العبد أن يفعلها حال تجدد نعمة من الله عليه، ففي السجود كل أركان الشكر التي ذكرتها، خضوع لله، وحب واعتراف بالنعمة، وثناء على الله، واستخدام النعمة في طاعة الله، والصحيح أنها لا يشترط فيها الطهارة وستر العورة للمرأة كما في الصلاة ولا الاتجاه للقبلة وغيرها؛ فهي عبادة جسدية تعكس ما في القلب، من شكر لله، وإليك بعض آيات القرآن التي ذكرت في الشكر. {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (النمل:40). {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (لقمان:12). {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (لقمان:31). {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سبأ:13). (والشاكر) و(الشكور) من أسماء الله الحسنى الثابتة في كتاب الله والمعنى أنه -سبحانه- يقبل القليل من العمل الصالح ويجازي عليه أضعافا مضاعفة لا حدود لها، يقول -تعالى لأهل الجنة: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا} (الإنسان:22). د. أمير الحداد
__________________
|
#13
|
||||
|
||||
![]() أعمال القلوب – الرضا – 1 د. أمير الحداد الرضا عبادة قلبية عظيمة، ينالها من عرف الله حقا. – مجرد النطق بكلمة (الرضا)، يترك أثرا جميلا في القلب، وكلما قلت «رضيت بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينا» تجدد هذا الشعور الجميل، وامتلأت طاقات إيجابية، كما يقول أصحاب مبدأ الطاقة. قالها صاحبي مبتسما، سألته. – ذكرني بالحديث الذي وردت فيه هذه العبادة. – تقصد حديث العباس بن عبدالمطلب قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا» مسلم، وفي الحديث الآخر عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – قال: «من قال رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، وجبت له الجنة» (صححه الألباني). – نعم، رددتها، «رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد – صلى الله عليه وسلم – رسولا». – ولكن هل تعلم واجبات القول -رضيت بالله ربا. – أمتعني بما لديك يا أبا خالد. كنت وصاحبي في طريقنا لمعرض الكتاب المقام في نوفمر بأرض المعارض في الكويت. – إن الرضا بالله ربا، آكد الفرائض، ومن لم يحققه لم يصح له إسلام ولا عمل، وهذه الثلاث هي أصول الدين، فالرضا بالله ربا، يتضمن توحيده وعبادته بإخلاص والخوف منه ومحبته والصبر على قضائه، والتسليم لأحكامه، والرضا بمحمد – صلى الله عليه وسلم – رسولا يتضمن الإيمان برسالته، وتوقيره ونصرته واتباع هديه، والرضا بالإسلام دينا، يتضمن قبول كل شرائعه، والتسليم بكل جوانبه التعبدية، والسلوكية، والقضائية، هذا جانب، والجانب الآخر الرضا بقضاء الله -عز وجل. – نعم هذا الذي أردت. – تفعيل ذلك أن قضاء الله -عز وجل-، قضاء شرعي، وقضاء قدر كوني، أما قضاؤه الشرعي فهي ما شرع من الأوامر والنواهي، وهذه حكمها ورد في قوله -تعالى-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء:65). وفي قوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (الأحزاب:36). وأما القضاء القدري فهو إما خير للعبد، وهذا يحبه العبد ويجب عليه شكر الله عليه، وإما مما لا يحبه العبد، وهذا الذي ورد في الحديث عن أنس قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله -عز وجل- إذا أحب قوما ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» (حسنه الألباني). إن رضا الله عن العبد ينبغي أن يكون غاية كل مسلم، يسعى بما يستطيع أن ينال رضا الله، وهو -سبحانه- يعلم صدق عبده في السعي إلى هذه الغاية، فييسرها له، ويثيبه عليها، يقول -تعالى-: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:100). ويقول -تعالى-: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (الفتح:18). هؤلاء المخلصون، رضي الله عنهم في الدنيا، ووعدهم الجنة في الآخرة، واعلم أنه من رضي الله عنه، فقد فاز؛ لأن الله يعلم أن هذا العبد سيموت وهو -سبحانه- راض عنه. – إنها نعمة عظيمة أن يعلم العبد أن الله راض عنه. – هذه لا يمكن أن يزعمها أحد، ولكن يسعى العبد أن ينالها صادقا، ويدعو الله، ويحسن الظن بالله. من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم -: «وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت» (صحيح). وسئل أبو عثمان عن قول النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الرضا بعد القضاء، فقال: «لأن الرضا قبل القضاء عزم على الرضا، والرضا بعد القضاء هو الرضا». وصلنا إلي مواقف المركبات، ولم نجد مكانا فارغا إلا على بعد مسيرة عشر دقائق، ترجلنا، تابعنا حديثا: – وماذا يقول ابن القيم، عن الرضا، فهو المرجع في أعمال القلوب. – نعم، يقول -رحمه الله-: إن الرضا كسبي باعتبار سببه، موهبي باعتبار حقيقته، فيمكن أن يقال بالكسب لأسبابه، فإذا تمكن في أسبابه وغرس شجرته، اجتنى منها ثمرة الرضا؛ فإن الرضا آخر التوكل، فمن رسخ قدمه في التوكل والتسليم والتفويض، حصل له الرضا ولا بد، ولكن لعزته وعدم إجابة أكثر النفوس له، وصعوبته عليها لم يوجبه الله على خلقه، رحمة بهم، وتخفيفا عنهم، لكن ندبهم إليه، وأثنى على أهله، وأخبر أن ثوابه رضاه عنهم، الذي هو أعظم وأكبر وأجل من الجنان وما فيها، فمن رضي عن ربه رضي الله عنه، بل رضا العبد عن الله من نتائج رضا الله عنه، فهو محفوف بنوعين من رضاه عن عبده: رضا قبله، أوجب له أن يرضى عنه، ورضا بعده، هو ثمرة رضاه عنه، ولذلك كان الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العارفين، وحياة المحبين، ونعيم العابدين، وقرة عيون المشتاقين. ومن أعظم أسباب حصول الرضا: أن يلزم ما جعل الله رضاه فيه، فإنه يوصله إلى مقام الرضا ولابد. (مدارج السالكين- ج2-ص172). عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، يقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا» متفق عليه. – اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار. حقا من يتدبر (آيات الرضا)، يجد أنها تلامس القلب والوجدان، وتدفع العبد أن يجتهد في نيل هذا المقام العظيم من مقامات التقرب إلى الله، يقول -تعالى-: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (آل عمران:15). ويقول -سبحانه-: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ} (التوبة:21). وأيضا: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:72). وأخيرا هذه الآيات المبشرة عند الاحتضار: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} (الفجر).
__________________
|
#14
|
||||
|
||||
![]() أعمال القلوب – الرضا – 2 د. أمير الحداد إذا نال العبد رضا الله فاز – من صفات الله -عز وجل- أنه يرضى عن فئات من الناس في الدنيا، وصفة الرضا في حق الله -عز وجل- ثابتة، كما تليق بجلاله وعظمته -عز وجل-، ومن رضي الله عنه، لا يغضب عليه أبدا! – هل هذا هو معنى قوله -تعالى-: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}؟ – هذه جزء من آية تكررت في أربعة مواضع. (المائدة:119)، و(التوبة:100)، و(المجادلة:22)، و(البينة:8). أما رضا الله فقد ورد في سورة (الفتح:18)، عن الذين بايعوا النبي – صلى الله عليه وسلم – تحت الشجرة؛ فقد نالوا رضا الله، وهذه شهادة من الله أنهم من أهل الجنة. – أفهم الجزء الأول من الآية: {رضي الله عنهم}، ولكن ما معنى {ورضوا عنه}؟ كنت وصاحبي نتصفح كتاب مدارج السالكين لنعرف العناوين الرئيسية لأعمال القلوب. – أولا: رضا العبد بالله، ورد في الحديث: عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، غفر له ذنبه» (مسلم). وإذا رضي العبد بالله ربا، رضي بعطائه ومنعه، رضي بتشريعه وحكمه، رضي بقدره وقضائه، رضي بما يأتيه من الله -عز وجل-، الرضا بالله، ثمرة معرفة الله بأسمائه وصفاته، رضي بالله؛ لأنه ربه، خلقه في أحسن تقويم، وكرمه على كثير من خلقه، رضي بالله؛ لأنه الرؤوف الرحيم الكريم، رضي بالله؛ لأنه العفو الغفور الودود، رضي بالله؛ لأنه الولي النصير مجيب الدعاء، لا يسخط أبدا، إذا منعه الله شيئا، بل حتى إذا ابتلاه فأخذ شيئا من عطاياه، فهو في رضا؛ لأنه على يقين بأن الله لا يظلم مثقال ذرة، وقضاؤه بين العدل والفضل، هذا في الدنيا، أم في الآخرة، فلا شك أنه يرضى بكرم الله، وجزيل ثوابه، ومن رضي الله عنه، أكرمه الله بالرضا عنه، في الآخرة، ورضوان الله أعظم نعيم يناله أهل الجنة. {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (آل عمران:115). ويقول -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:72). رضوان الله أكبر من كل نعيم الجنة، وهو الفوز العظيم، تنهد صاحبي داعيا: – اللهم إنا نسألك رضاك والجنة. – آمين. – وماذا عن قوله -تعالى-: {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} (الفجر). – هذا يفسره الحديث، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إذا حضر المؤمن (جاءه الموت)، أتت ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون: اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح وريحان ورب غير غضبان.. إلى آخر الحديث» صححه الألباني. وذكر الله -عز وجل- الصحابة في غير موضع مبينا رضاه عنهم، وسعيهم لنيل رضا الله، كما في قوله -عز وجل-: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ… الآية} (الفتح:29). ويقول -تعالى-: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (الحشر:8). – وما الفرق بين الرضا والرضوان؟ – في اللغة، ما ينتهي بالألف والنون، يدل على الكثرة، مثلا، تقول نائم، نومان، ولذلك، (الرضوان)، لم يرد إلا منسوبا إلى الله -عز وجل-؛ لأن رضا الله عظيم فهو (رضوان)، أما الرضا فينسب إلى العبد أيضا وكل بحسب ما يليق به، كما قال -تعالى-: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ} (التوبة:21). ويقول -تعالى-: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (الحديد:20). وقالوا: إن رضا الله في الدنيا، ورضوانه في الآخرة، والعبد يسعى أن ينال رضوان الله، ولا أقل من أن يسعى أن ينال رضا الله. – دعني أسألك، لأتأكد من مسألة، هل إذا رضي الله عن عبد لا يسخط عليه بعد ذلك؟ – إذا رضي الله عن العبد، فاز؛ لأن الله لا يرضى عن العبد إلا إذا كان أهلا لذلك أبدا، ولكن العبد لا يدري إذا كان الله قد رضي عنه، ولكنه يسعى ويدعو ويحسن الظن بالله.
__________________
|
#15
|
||||
|
||||
![]() أعمال القلوب د. أمير الحداد تعظيم الله -عز وجل «أعرف الناس بالله أشدهم له تعظيما وإجلالا» (مدارج السالكين: 2/465). كانت خطبة الجمعة جامعة نافعة، هزت مشاعر المصلين، وحركت قلوبهم وذكرتهم بالخوف من الله وتعظيمه وإجلاله، والاستعداد للوقوف بين يديه يوم القيامة. اجتمعت وصاحبي بعد الصلاة في مكتبه، نتذاكر ما ورد في الخطبة. – جزى الله خيرا خطيبنا على هذه الموعظة. – إن تعظيم الله عمل قلبي، ينبغي على العبد أن يستحضره دائما، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «فمن اعتقد الوحدانية في الألوهية لله -سبحانه وتعالى- والرسالة لعبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ثم لم يتبع هذا الاعتقاد موجبه من الإجلال والإكرام الذي هو حال في القلب يظهر على الجوارح، كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه» (الصارم المسلول: ج1، ص369). – وماذا يقول ابن القيم عن مقام تعظيم الله -عز وجل؟ أحضر لنا الخادم قارورة الماء وبعض الفاكهة والمكسرات كالمعتاد. – نعم قال ابن القيم عن منزلة التعظيم: «هذه المنزلة تابعة للمعرفة؛ فعلى قدر المعرفة، يكون تعظيم الرب -تعالى- في القلب، وأعرف الناس به أشدهم له تعظيما وإجلالا، وقدم ذم الله -تعالى- من لم يعظمه حق عظمته، ولا عرفه حق معرفته، ولا وصفه حق صفته، قال -تعالى-: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} (نوح:13). قال ابن عباس ومجاهد: «لا ترجون لله عظمة»، وقال سعيد بن جبير: «ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته، وروح العباد هو الإجلال والمحبة، فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت العبادة». (مدارج السالكين: 2/495). – كلام جامع مانع. – يحتاج العبد دائما أن يذكر نفسه بعظمة الله -عز وجل-، ويملأ قلبه تعظيما وإجلالا وتمجيدا لله -عز وجل-، فمن أسمائه -سبحانه- (العظيم)، كما ورد في آية الكرسي، التي هي أعظم آية في كتاب الله: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (البقرة:255). وكذلك قوله -عز وجل-: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (الواقعة:74). وكذلك قوله -سبحانه-: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (الشورى:4). وأمرنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن نعظم الله -عز وجل- في صلاتنا: عن ابن عباس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا؛ فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم» (صحيح مسلم). وذلك أن نقول في ركوعنا: «سبحان ربي العظيم»، وكذلك: «سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة». ولا شك أن العبد إذا استحضر أنه يقف أمام الله -عز وجل- الجبار الملك العظيم، كلما كبر للصلاة، يزداد تعظيما له. – ومن تعظيم الله، تعظيم كتابه؛ لأنه كلام الله-عز وجل- تعظيما ماديا ومعنويا، بمعنى يكرم المصحف ولا يهينه ولا يرميه، ولا يضعه في مكان لا يليق به، ومعنويا، أن يتبع أوامره، وينتهي بنواهيه ويتدبر آياته، ويتفاعل معها، ويؤمن بكل ما جاء به. – لا شك أننا مقصرون كثيرا في هذا الجانب، بغفلتنا عن تعظيم الله، ونغتر أوقاتا كثيرة بأمور الدنيا، ولا يؤثر فيها آيات القيامة والبعث والحساب، نسأل الله السلامة. – على المؤمن أن يجتهد في هذه العبادة القلبية العظيمة، ويقرأ الآيات التي تبين عظمة الله -سبحانه وتعالى-، مثلا يقول الله -عز وجل-: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} (مريم). السماوات والأرض والجبال، أعظم المخلوقات تنكر نسبة الولد لله العظيم، وتعظم الله كما ينبغي، وابن آدم يصر على هذا الكفر القبيح! وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله -تعالى-: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري؛ فمن نازعني واحدا منهما، أدخلته النار» وفي رواية «قذفته في النار»، ونحن نؤمن بهذا الحديث كما ورد دون تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تأويل، نؤمن به؛ لأنه وحي من الله إلى رسوله. وفي الحديث أيضا: عن عبدالله – رضي الله عنه -، قال: جاء حبر من اليهود، فقال: إنه إذا كان يوم القيامة جعل لله السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يهزهن، ثم يقول: أنا الملك أنا الملك، فلقد رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – يضحك حتى بدت نواجذه تعجبا وتصديقا لقوله، ثم قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}» (الزمر:67)، (البخاري).
__________________
|
#16
|
||||
|
||||
![]() أعمال القلوب د. أمير الحداد الصبر الإيمان نصفان، نصف صبر ونصف شكر (الإمام أحمد). عرض علي صاحبي مقطعاً مصوراً لأحد المعجبين في رده على عدم جواز الاستعانة بغير الله، يقول: يقول الله -تعالى-: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (45) فكيف لا تجوز الاستعانة بغير الله ولا سيما إذا كان الله قد أمرنا بالاستعانة بهم كأئمتنا لمكانتهم عند الله؟ هذا جهله مركب، جاهل باللغة، وجاهل بالعقيدة، وأمثاله لا يستهدفون، وإنما نتوجه للعامة الذين يُلبِّس عليهم أمثال هذا. – الصبر، واجب على المسلم بإجماع الأمة، وهو حبس النفس عن الجزع والتسخط، ولا شك أنه درجات، أوله واجب وآخره صبر الأنبياء، وذكر الإمام أحمد أنه ورد في كتاب الله في نحو تسعين موضعاً على ستة عشر نوعاً. استغرب صاحبي مقولتي! – كنت أظن أن الصبر ثلاثة أنواع، صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على البلاء. – نعم هو كذلك، ولكن الإمام يذكر تفصيل هذه الثلاث يقول: – الأول: الأمر به نحو قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (153)وقوله: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} آل عمران: 20 وقوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} النحل: 127. – الثاني: النهي عن ضده كقوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} (الأحقاف: 53). وقوله: {وَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ} الأنفال: 15. فإن تولية الأدبار: ترك للصبر والمصابرة وقوله: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} محمد: 33 فإن إبطالها ترك الصبر على إتمامها وقوله: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا} (آل عمران: 139) فإن الوهن من عدم الصبر. – الثالث: الثناء على أهله كقوله -تعالى-: {الصابرين والصادقين} الآية آل عمران: 17 وقوله: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (البقرة: 177) وهو كثير في القرآن. – الرابع: إيجابه -سبحانه- محبته لهم كقوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (آل عمران: 146). الخامس: إيجاب معيته لهم وهي معية العلم والإحاطة كقوله: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال: 46) وقوله: {وَاللَّهُ مَعَ الصَابِرِين} (البقرة: 249). (الأنفال: 69). – السادس: إخباره بأن الصبر خير لأصحابه كقوله: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ} (النحل: 126) وقوله: {وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ} (النساء: 25). – السابع: إيجاب الجزاء لهم بأحسن أعمالهم كقوله -تعالى-: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} النحل: 96. – الثامن: إيجابه -سبحانه- الجزاء لهم بغير حساب، كقوله -تعالى-: {بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (آل عمران: 125)، ومنه قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «واعلم أن النصر مع الصبر». – الحادي عشر: الإخبار منه -تعالى- بأن أهل الصبر هم أهل العزائم كقوله -تعالى-: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} الشور: 43 . – الثاني عشر: الإخبار أنه ما يلقى الأعمال الصالحة وجزاءها والحظوظ العظيمة إلا أهل الصبر كقوله -تعالى-: {ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرين} القصص: 80 ، وقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } (35). – الثالث عشر: الإخبار أنه إنما ينتفع بالآيات والعبر أهل الصبر كقوله -تعالى- لموسى: {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} إبراهيم: 5 في أهل سبأ: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} سبأ 19. وقوله في سورة الشورى: {ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} . – الرابع عشر: الإخبار بأن الفوز المطلوب المحبوب والنجاة من المكروه المرهوب ودخول الجنة إنما نالوه بالصبر كقوله -تعالى-: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}. – الخامس عشر: أنه يورث صاحبه درجة الإمامة سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، ثم تلا قوله -تعالى-: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24). – السادس عشر: اقترانه بمقامات الإسلام والإيمان كما قرنه الله -سبحانه وتعالى- باليقين وبالإيمان وبالتقوى والتوكل وبالشكر والعمل الصالح والرحمة؛ ولهذا كان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، كما أنه لا جسد لمن لا رأس له، وقال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: خير عيش أدركناه بالصبر. وأخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح: (أنه ضياء) (صحيح مسلم) وقال – صلى الله عليه وسلم -: «من يتصبر يصبره الله» متفق عليه. وفي الحديث الصحيح: «عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له» صحيح مسلم. وقال للمرأة السوداء التي كانت تصرع فسألته: أن يدعو لها: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت: إني أتكشف فادع الله: ألا أتكشف فدعا لها. متفق عليه. وأمر عند ملاقاة العدو بالصبر عند المصيبة وأخبر: «أنه إنما يكون عند الصدمة الأولى» متفق عليه. – تفصيل جميل، وسمعت أن الصبر ينبغي أن يكون جميلاً نعم هو قوله -تعالى-: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلً} (المعارج: 5) وهو الصبر الذي لا شكوى فيه ولا معه، ودعني أختم بمعنى قوله -[-: «ومن يتصبر يصبره الله» الحديث.. ذلك أن الصبر يكتسب فيبدأ من القلب، ويذكر المرء نفسه بأنه يتعامل مع الله، فيتقبل أوامره وينتهي عن نواهيه ويرضى بقضائه، ويدرب قلبه، ويعالج ضعفه، ويستعين بالله على ذلك حتى يتقوى صبره، ويترقى في درجات الصبر، حتى يكتبه الله من الصابرين.
__________________
|
#17
|
||||
|
||||
![]() أعمال القلوب د. أمير الحداد – الإخبات إذا أدرك العبد منزلة الإخبات نزل أول منازل الطمأنينة. لم أسافر إلى لبنان لأكثر من ثلاث سنوات؛ لما يمر به هذا البلد العزيز من أزمات، جعلت الحليم حيران، بعد استشارة معارفي هناك، عقدت العزم، وتوكلت على الله، وكنت هناك لثلاثة أيام في شهر نوفمبر الفائت. حرصت أن أصلي في مسجد (الحميضي) وسط بيروت؛ لألتقي الإمام، الذي صرت أجلس معه في كل زيارة تقريبا، كان يقرأ لبعض الشباب، من كتاب مدارج السالكين، قطع قراءته ورحب بي ترحيبا حارا، طلبت منه متابعة الدرس، جلست استمع. – الإخبات: هو التذلل لله -عز وجل- مع المحبة والتعظيم له، وهو أول مقامات الطمأنينة واليقين والثقة بالله، وهو أول مقام يتخلص فيه العبد من التردد والرجوع، سأله أحد الحاضرين: – قرأت أن الإخبات، يعني التواضع. – نعم لغة (الإخبات) من الخبت وهو المكان المنخفض من الأرض، واستعير لمعنى التواضع، ويقال فيه (خبتة) أي تواضع ودماثة. والآيات التي وردت في كتاب الله هي: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (هود:23). {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} (الحج:34). {لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الحج:54). في التفسير، (المخبتين) المطمئنين المتواضعين. {فتخبت له قلوبهم}، طاعة وتواضعا لأمره بامتثاله، استقر الحق في قلوبهم فخضعوا له. فالإخبات، تواضع وانقياد وخضوع لأمر الله -تعالى. وفي الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم -: «رب أعني ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي، رب اجعلني لك شكارا، لك ذكارا، لك رهابا، لك مطواعا، لك مخبتا، إليك أواها منيبا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، وسدد لساني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري» صحيح ابن ماجة. كان الحضور يدونون ملاحظاتهم من كلام الشيخ، وبعضهم كان يسجل الدرس كاملا في جهازه النقال. تابع الشيخ حديثه: – ومنزلة الإخبات، منزلة متقدمة من منازل القرب من الله، لا تنال إلا بمجاهدة النفس وكبح جماحها، وتربيتها على التواضع لأوامر الله، والخضوع لتعاليمه الواردة في القرآن أو السنة الصحيحة. وبيّن الله -سبحانه- صفات المخبتين في سورة الحج الآية: (34)، فذكر في الآية بعدها: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (الحج:35). فأتبع صفة المخبتين بأربع صفات وهي: وجل القلوب عند ذكر الله، والصبر على الأذى في سبيله، وإقامة الصلاة، والإنفاق. وكل هذه الصفات الأربع مظاهر للتواضع؛ فليس المقصود مَنْ جمع تلك الصفات؛ لأن بعض المؤمنين لايجد ما ينفق منه، وإنما المقصود من لم يخل بواحدة منها عند إمكانها، والمراد من الإنفاق الإنفاق على المحتاجين الضعفاء من المؤمنين؛ لأن ذلك هو دأب المخبتين. والمراد بالصبر: الصبر على ما يصيبهم من الأذى في سبيل الإسلام، وأما الصبر في الحروب وعلى فقد الأحبة فمما تشترك فيه النفوس الجلدة من المتكبرين والمخبتين. إن القلوب بالنسبة للاستجابة للحق تنقسم إلى قسمين: أحدهما: قلوب مستجيبة للحق، فهذه بأرفع المنازل في الدنيا والآخرة. وثانيهما: قلوب معرضة عن الحق، والإعراض مراتب: فالإعراض مرتبة، والتكذيب مرتبة فوقها، ثم الاستهزاء مرتبة فوقها، والمرتبة الأسوأ من ذلك هي الصد عنه، كما قال الله -سبحانه-: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} (النحل:88). والله -جل جلاله- جعل القلوب على ثلاثة أقسام: مختبة، ومريضة، وقاسية. فالقلوب المخبتة: هي التي تنتفع بالقرآن، وتزكو به. والإخبات: سكون الجوارح على وجه التواضع والخشوع لله. ومن آثار الإخبات: وجل القلوب لذكر الله -سبحانه-، والصبر على أقداره، والإخلاص في عبوديته، والإحسان إلى خلقه، كما قال -سبحانه-: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (الحج:34-35). فالقلب المخبت ضد القاسي والمريض. القلب المخبت المطمئن إليه، وهو الذي ينتفع بالقرآن ويزكو به. ومن فوائد (الإخبات): 1- أول درجات الطمأنينة والثقة بالله وحسن الظن به. 2- للمخبت البشرى من الله بالجنة. 3- الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة. 4- الإخبات من الأحوال القلبية الموجبة للالتفات عما سوى الله. 5- الإخبات يورث صاحبة العزة في الدنيا والنجاة في الآخرة. 6- الإخبات يقي من الفتنة. 7- بالإخبات ترتفع الهمة وتعلو النفس عن الرغبة في المدح أو الخشية من الذم. 8- بالإخبات يباشر القلب حلاوة الإيمان واليقين.
__________________
|
#18
|
||||
|
||||
![]() أعمال القلوب د. أمير الحداد حُسن الظن بالله «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله» صحيح مسلم. كنت وصاحبي في طريقنا إلى المقبرة، لنصلي العصر في المسجد الجديد المجاور للمقبرة، ثم نصلي على موتى المسلمين الذين سيدفنون في هذا اليوم. وهذه عادة تعاهدنا أن نفعلها مرة كل شهر منذ سنوات ربما تجاوزت السبع! – حديث النبي – صلى الله عليه وسلم -: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله»، ورد في صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه -، هل هذا في سكرات الموت أم على العموم؟ – إن حسن الظن بالله، عبادة قلبية عظيمة ينبغي أن تكون ملازمة للمؤمن دوما، وذلك أن حسن الظن بالله هو الإيمان بما يليق بالله -عز وجل- واعتقاد ما تقتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العلا، وصيغة الحديث تشبه قول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران:102). والحديث قاله النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل وفاته بثلاثة أيام، أما حال حياته، فيحسن العبد الظن بالله، بأنه سيغفر له إذا استغفر وتاب، وسيفرج همه إذا اتقاه، وسيستجيب لدعوته إذا دعاه، وسينصره إذا استغاث به، وسيوفقه إذا استخاره، وسيكفيه إذا توكل عليه، وسيحفظه إذا حفظ أمره، وسيعينه إذا استعان به، وهكذا. وفي لحظات الموت، يحسن الظن بالله، بأنه قبل أعماله الصالحة سوف يلقى الثواب الحسن على طاعته وسيتجاوز عن سيئاته. وكان السلف يدعون الله أن يرزقهم حسن الظن به، كما ورد عن سعيد بن جبير أنه كان يقول: «اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحُسن الظن بك». وكان عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – يقول: «والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا خيرا من حسن الظن بالله -عز وجل-، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله -عز وجل- الظن إلا أعطاه -عز وجل- ظنه». رفع المؤذن أذان العصر، وكان أمامنا -بحسب الخريطة- 17 دقيقة للوصول إلى مسجد المقبرة، ونعلم أن صلاة العصر لا تقام إلا بعد نصف ساعة، تابعنا حوارنا: – إن حسن الظن بالله، يدفع العبد للعمل الصالح، هذا هو الفهم الصحيح لحسن الظن بالله، لا ذلك الفهم الذي يزعم صاحبه أن الله سيغفر له، وهو مقيم على المعاصي! من أحسن الظن بالله، أحسن العمل، وذلك أن العبد يعلم أن الله يحب العمل الصالح ويثيب عليه، فيجتهد في الطاعات ويعلم أنها تسجل له، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، بل يقبل العمل ويضاعف الأجر عليه، وذم الله -عز وجل- المشركين ووصفهم بأنهم يظنون بالله ظن السوء، قال -تعالى-: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (الفتح:6). ووصف لنا المنافقين فقال -عز وجل-: {طَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} (آل عمران:154). «وظنهم السوء بالله، أن الله -عز وجل- لا ينصر رسوله، وعموم لفظ الآية، يشمل ظنونهم الفاسدة من الشرك وغيره» (روح المعاني). – دعنا نبحث عن أقوال ابن القيم عن حسن الظن بالله. – لك ذلك، لحظات وانتهى بحثنا في كتب ابن القيم، اسمع من أقوال الشيخ -رحمه الله-: دخل وائلة بن الأسقع على مريض فقال: أخبرني كيف ظنك بالله، قال: أغرقتني ذنوب لي، وأشرفت على هلكة، ولكني أرجو رحمة ربي، فكبر وائلة وكبر أهل البيت بتكبيره وقال: الله أكبر سَمِعْتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «يقول الله -تعالى-: أنا عند ظن عبدي بي» (متفق عليه). ودخل النبي – صلى الله عليه وسلم – على شاب وهو يموت فقال: «كيف تجدك قال أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال – صلى الله عليه وسلم -: ما اجتمعا في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله الذي يرجو وأمنه من الذي يخاف» صحيح الترمذي (الألباني). وَقَالَ عبدالله بن عَبَّاس -رضي الله عنهما-: إذا رأيتم الرجل قد نزل به الموت فبشروه حتى يلقى ربه وهو يحسن الظن بالله -تعالى. قال سفيان الثوري – رضي الله عنه -: من أذنب ذنبا، فعلم أن الله -تعالى- قدره عليه ورجا غفرانه غفر الله -عز وجل- له ذنبه قال: لأن الله -تعالى- غيّر قوما فقال -تعالى-: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} (فصلت: 23)، وقد قال -سبحانه وتعالى- في مثله: {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} (الفتح: 12) أي هلكى، ففي دليل خطابه -عز وجل- أن من ظنّ حسنا كان من أهل النجاة على قدر حسن ظنك بربك ورجائك له يكون توكلك عليه؛ ولذلك فسر بعضهم التوكل بحسن الظن بالله. والتحقيق: أن حسن الظن به يدعوه إلى التوكل عليه؛ إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنك به، ولا التوكل على من لا ترجوه. والعارف بربه حسن الظن به، لا يتهمه فيما يجريه عليه من أقضيته وأقداره؛ فحسن ظنه به يوجب له استواء الحالات عنده، ورضاه بما يختاره له ربه -سبحانه. والراجي ليس معارضا ولا معترضا، بل راغبا راهبا مؤملا لفضل ربه. حسن الظن به متعلق الأمل ببره وجوده، عابدا له بأسمائه: المحسن، البر، الحليم، الغفور، الوهاب، الرزاق، والله -سبحانه وتعالى- يحب من عبده أن يرجوه؛ ولذلك كان عند رجاء العبد له وظنه به. ولما احتضر سليمان التيمي قال لابنه: يا بني، حدثني بالرخص، واذكر لي الرجاء حتى ألقى الله -تعالى- على حسن الظنّ به. وكذلك لما حضر سفيان الثوري – رضي الله عنه – عنه الوفاة جعل العلماء حوله يرجونه، وحدثنا عن أحمد بن حنبل – رضي الله عنه – أنه قال لابنه عند الموت: اذكر لي الأخبار التي فيها الرجاء وحسن الظنّ. وروى عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: «عمود الدين وغاية مجده وذروة سنامه: حسن الظن بالله؛ فمن مات منكم وهو يحسن الظن بالله، دخل الجنة مدلا(أي: منبسطاً لا خوف عليه)».
__________________
|
#19
|
||||
|
||||
![]() أعمال القلوب د. أمير الحداد الخشية (الخوف المقرون بالمعرفة والسكون، هو الخشية) – قرأ إمامنا آيات من سورة (تبارك)، وهي من السور التي يكررها كثيرا إمامنا في الصلاة حتى حفظها بعضنا من قراءاته، وورد قول الله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} (الملك:12). وبعد الصلاة، استأذننا أن يلقي خاطرة قصيرة عن هذه الآية، بقي كل المصلين تقريبا في أماكنهم. – في هذه الآية وعد جميل «للذين يخشون ربهم بالغيب»، والخشية تختلف عن الخوف، ذلك أن الخوف هروب وانتقال من المخوف، والخوف قد يكون من أي شيء وإن كان مجهولا للعبد، أما الخشية فلا تكون إلا مع العلم، ونتيجتها السكون والاستقرار، يقول ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين، وأخذ إمامنا ينقل لنا النص كما ورد في الكتاب، من هاتفه الذكي: «الخوف: اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوّف، وقيل الخوف هروب القلب من حلول المكروه عند استشعاره، والخشية أخص من الخوف؛ فإن الخشية للعلماء بالله كما قال -تعالى-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر:28)، فهي خوف مقرون بمعرفة. وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية»؛ فالخوف حركة والخشية انجماع وانقباض». بعد الخاطرة، جلسنا في مكتبة المسجد مع إمامنا. – لم تذكر حكم الأحاديث التي ذكرتها في خاطرتك يا شيخ، وليست هذه عادتك. ابتسم (أبو أحمد). – صدقت، ذلك أني لم أكن أنوي إلقاء هذه الخاطرة ولكن الآيات التي قرأتها دفعتني، لنبحث عن تخريج الأحاديث، وبالفعل كان الأمر يسيرا. – حديث «إني أتقاكم لله» ورد في حديث الثلاثة الذين قال أحدهم: إنه يقوم الليل فلا ينام والآخر يصوم الدهر فلا يفطر، والثالث الذي اعتزل الناس، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – لهم: «إنما أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له..» صححه الألباني. وفي البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا». تابع الشيخ: – الخشية عمل قلبي وطاعة عظيمة لله -عز وجل- تبدأ بالقلب، ويظهر أثرها على الجوارح، والخشية تبعث في العبد مراقبة الله -عز وجل-، وكلما كان العبد أكثر علما ومعرفة بالله، اشتدت خشيته من الله. وفي سورة البينة يقول الله -تعالى- عن المؤمنين: {جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (البينة:8). عقب (أبو ياسر) على مقولة الشيخ: – وهناك فرق آخر بين الخوف والخشية، ذلك أن الخوف يقع عادة بعد الوقوع في معصية، وتذكر العقاب، وربما يختفي الخوف، أما الخشية فهي عمل قلبي دائم، لا ينبغي أن يفارق قلب العبد المؤمن. أعجبني تعليق أبي ياسر. – ولذلك كانت الخشية من صفات العلماء والأولياء الصالحين. وماذا عن قول الله -تعالى- عن موسى وفرعون: {وأهديك إلى ربك فتخشى}؟ هذه نجدها في كتب التفسير، ولحظات كانت جاهزة. – أي أعلمك وأرشدك إلى الله، كما ورد في الآيات الأخرى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ} (الشعراء). {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} (طه)، فهذه الآيات وغيرها، يعلم موسى فرعون بالله -عز وجل-، لعله يخشى بعد العلم. – ووردت مادة (خشي) ثماني وأربعين مرة، من ذلك قوله -تعالى-: محبذا ومحببا للخشية منه -تعالى-: {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (البقرة:150). وقال في مقام الذم لمن يخشى الناس كخشية الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} (النساء:77). وآيات أخرى وردت فيها الخشية: {إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} (طه:3). {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه:44). {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر:28). {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} (النازعات:26). {وهو يخشى} (عبس:9). {سيذكر من يخشى} الأعلى:10). {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (التوبة:18). {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} (الأنبياء:49). {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (النور:52). {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} (لقمان:33). {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} (الرعد:21). فصاحب الخوف يلتجئ إلى الهروب، والإمساك، وصاحب الخشية يلتجئ إلى الاعتصام بالعلم، ومثلهما مثل من لا علم له بالطب، ومثل الطبيب الحاذق، فالأول يلتجئ إلى الحمية والهرب، والطبيب يلتجئ إلى معرفته بالأدوية والأدواء. والعبد يحتاج إلى الخوف، والخشية، ومن بلغ منزلة الخشية، فقد ملأ الخوف قلبه سابقا.
__________________
|
#20
|
||||
|
||||
![]() أعمال القلوب د. أمير الحداد الطمأنينة والسكينة {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} – وما الفرق بين السكينة والطمأنينة؟ – الطمأنينة، حال دائمة تستقر في القلب، يعمل العبد على اكتسابها، بالأسباب التي بيّنها الله -عز وجل. والسكينة، ينزلها الله -عز وجل- على من يستحق من عباده حال الاضطراب والخوف والحيرة، فيهدأ ويفعل الصواب وينطق بالحق. وقالوا: الطمأنينة أعم فإنها تكون في العلم والخبر به واليقين والسكينة، وثبات القلب عند هجوم المخاوف. كنت وصاحبي في حوار علمي، مع مجموعة من مرتادي المسجد، بين العشائين، كعادتنا كل أربعاء. – ولو تدبرنا آيات الطمأنينة وآيات السكينة، ندرك الفرق بينهما. يقول -تعالى-: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (الفجر:7). {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (البقرة:260). {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد:28). {قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} (المائدة:113). أما آيات السكينة فمنها: {ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} (التوبة:26). {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة:40). {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (الفتح:4). {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (الفتح:18). وكان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إذا اشتدت عليه الأمور: قرأ آيات السكينة. وأصل السكينة هي السكون الذي ينزله الله في قلب عبده، عند اضطرابه من شدة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه، ويوجب له زيادة الإيمان، وقوة اليقين والثبات. ولهذا أخبر -سبحانه- عن إنزالها على رسوله – صلى الله عليه وسلم – وعلى المومنين في مواضع القلق والاضطراب. عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» صحيح الترمذي. وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله -تعالى-، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» مسلم. والطمأنينة موجب السكينة، وأثر من آثارها، وكأنها نهاية السكينة. وفي تفسير قوله -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}. قال الجمهور: لم يكن إبراهيم -عليه السلام- شاكا في إحياء الله الموتى قط، وإنما طلب المعاينة، وذلك أن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به. عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي…» متفق عليه. الحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم، بمعنى أن إبراهيم لم يشك في مسألة إحياء الموتى؛ ولذلك فنحن أولى بالشك منه؛ فإذا كنا لا نشك في هذا الأمر، فإبراهيم من باب أولى. وإذا تأملت سؤاله -عليه السلام- وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكا، وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حال شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤول. – هل نستطيع أن نقول: إن المرء ينبغي أن يسعى ليصل قلبه إلى الطمأنينة؟ وأنها من طاعات القلوب، وأن السكينة في الغالب، ينزلها الله، في قلب المؤمن إذا اتخذ الأسباب؟ – نعم، والطمأنينة تزيد وتنقص كأعمال القلوب كلها، ولكن لا ينبغي أن تفارق القلب في أدنى مستوياتها، وهي الاطمئنان إلى جنب الله، وكلام الله، ووعد الله ومعية الله ونصر الله والرضاء بقضاء الله. والنفس المطمئنة، هي التي اطمأنت عند موتها، بعد الله لأهل الإيمان بالكرامة في الآخرة وصدقت به.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |