من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف ) - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ملخص من شرح كتاب الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 1482 )           »          فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 7 )           »          الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          فضل الصبر على المدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الفرق بين إفساد الميزان وإخساره (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3086 - عددالزوار : 331639 )           »          تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، الرازق) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 10-05-2010, 05:33 AM
الصورة الرمزية ahmed1954
ahmed1954 ahmed1954 غير متصل
عضو مبدع
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
مكان الإقامة: ***********
الجنس :
المشاركات: 934
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )

منهـج عمـر فـي إدارة الـدولـة مـن خـلال خطبتـه الأولـى :





صعد عمر المنبر وقال في أول لقاء مع الأمة بعد استخلافه: أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم. فصاح الناس صيحة واحدة. قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك فوّل أمرنا باليُمن والبركة وهنا شعر أنه لا مفر من تحمل مسؤولية الخلافة فأضاف قائلاً يحدد منهجه وطريقته في سياسة الأمة المسلمة :





أما بعد فإنه ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد الكتاب الذي أنزل عليه كتاب، ألا إن ما أحل الله حلال إلى يوم القيامة، ألا إني لست بقاض، ولكني منفذ، ألا وإني لست بمبتدع ولكني متبع، ألا إنه ليس لأحد أن يطاع في معصية الله، ألا إني لست بخيركم، ولكني رجل منكم غير أن الله جعلني أثقلكم حملاً. أيها الناس من صحبنا فليصحبنا بخمس، وإلا فلا يقربنا : يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها، ويعيننا على الخير بجهده ويدلنا من الخير على ما نهتدي إليه، ولا يغتابن عندنا الرعية ولا يعترض فيما لا يعنيه. أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كل شيء وليس من تقوى الله عز وجل خلف، واعملوا لآخرتكم، فإنه من عمل لآخرته كفاه الله تبارك وتعالى أمر ديناه، وأصلحوا سرائركم، يصلح الله الكريم علانيتكم، وأكثروا من ذكر الموت، وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم، فإنه


هادم اللذات... وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها عز وجل، ولا في نبيها ، ولا في كتابها وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم، وإني والله لا أعطي أحداً باطلاً، ولا أمنع أحداً حقا. ثم رفع صوته حتى أسمع الناس فقال: يا أيها الناس، من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له، أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم. وإن من حولكم من الأمصار والمدن فإن هم أطاعوا كما أطعتم فأنا وليكم، وإن هم نقموا فلست لكم بوال ، ثم نزل. وهكذا عقدت الخلافة لعمر بن عبد العزيز في ذلك اليوم، وهو يوم الجمعة لعشر خلون من صفر سنة تسع وتسعين ، ويظهر لنا من هذه الخطبة





السياسية التي قرر عمر بن عبد العزيز إتباعها في الحكم وهي:




أ ـ التزامه بالكتاب والسنة ، وأنه غير مستعد للاستماع إلى أي جدل في مسائل الشرع، والدين على أساس أنه حاكم منفذ وأن الشرع بيّن من حيث تحليل ما أحل الله وتحريم ما حرّم الله ورفضه للبدعة والآراء المحدثة .





ب ـ حدد لمن يريد أن يتصل به ويعمل معه من رعيته أن يكون اتصاله معه






لخمسة أسباب :





ـ أن يرفع إليه حاجة من لا يستطيع أن يصل إلى الخليفة، أي أنه جعل المقربين منه همزة وصل بينه، وبين من لا يستطيعون الوصول إليه، فيعرف بذلك حوائج الناس، وينظر فيها.





ـ أن يعينه على الخير ما استطاع، أي أن علاقة هؤلاء به تقوم على أساس نزعة الخير يعين الخليفة عليه، وبالتالي يحذره من أي شر.





ـ فرض على من يقترب إليه فريضة أن يرشده، ويهديه إلى ما فيه خير الأمة، وخير الدين.


ـ نهى من يريد أن يتقرب إليه أن يغتاب عنده أحد.





ـ أن لا يتدخل أي متقرب منه في شؤون الحكم فيما لا يعنيه عامة .






جـ ـ كما أنه حذر الناس من عواقب الدنيا لو أساؤوا فيها ، وطلب إليهم أن يصلحوا سرائرهم ويحذروا الموت، ويتعظوا به.





د ـ قطع على نفسه عهداً بأن لا يعطي أحداً باطلاً، ولا يمنع أحداً حقاً، وأنه أعطاهم حقاً عليه، وهو أن يطيعوه ما أطاع الله، وأنه لا طاعة له عليهم إذا عصاه سبحانه وتعالى.


هذه هي الخطوط العريضة لسياسة عمر، ذكرها في أول لقاء له مع الرعية وأهل الحل والعقد في المسجد، بعد بيعته فدولته قد حدّدها بالسير على كتاب الله وسنّة رسوله  وقد آثر أن لا يدع لأي عامل من عماله حجة عليه بعد ذلك ففصل ما أجمل في خطبته الأولى في كتب أرسلها إلى عماله .








أهــم صفــاتــه :





وقد اتصف  بصفات القائد الرباني، ومن أهم هذه الصفات: إيمانه الراسخ بالله وعظمته، وإيمانه بالمصير والمآل، وخوفه من الله تعالى والعلم الغزير، والثقة بالله، والقدوة، والصدق، والكفاءة والشجاعة والمروءة والزهد، وحب التضحية، والتواضع، وقبول النصيحة، والحلم والصبر، وعلو الهمة، والحزم، والإدارة القوية، والعدل، والقدرة على حل المشكلات، وقدرته على التخطيط والتوجيه والتنظيم والمراقبة، وغير ذلك من الصفات، وبسبب ما أودع الله فيه من الصفات الربانية استطاع أن يجدد كثيراً من معالم الخلافة الراشدة التي اندثرت أمام زحف الملك العضوض ، واستطاع أن يتغلب على العوائق في الطريق، وتوجت جهوده الفذة بنتائج كبيرة على مستوى الفرد والمجتمع والدولة ،






وإن من أهم الصفات التي تجسدت في شخصية عمر بن عبد العزيز هي:





1- شـدة خـوفـه مـن الله تعالـى :




يقول عمر في كتاب له إلى يزيد بن المهلب: لو كانت رغبتي في اتخاذ أزواج، واعتقال أموال، كان في الذي أعطاني من ذلك، ما قد بلغ بي أفضل ما بلغ بأحد من خلقه، ولكنِّي أخاف ـ فيما أبتليت به ـ حساباً شديداً، ومسألة عظيمة، إلا ما عافى الله ورحم ، كما كان عمر شديد الخوف من الله تعالى، تقول زوجته فاطمة بنت عبد الملك: والله ما كان بأكثر الناس صلاة، ولا أكثرهم صياماً، ولكن والله ما رأيت أحداً أخوف لله من عمر، لقد كان يذكر الله في فراشه، فينتفض انتفاض العصفور من شدة الخوف حتى نقول: ليصبحَنَّ الناس ولا خليفة لهم ، وقال مكحول: لو حلفت لصدقت، ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز ، ولشدة خوفه من الله، كان غزير الدمع وسريعه, وقد كان جلّ خوفه ـ رحمه الله ـ من يوم القيامة، فيدعو الله، ويقول: اللهم إن كنت تعلم إني أخاف شيئاً دون



القيامة، فلا تؤمن خوفي ، ذلك اليوم الذي أحدث تغيراً جذرياً في مجرى حياته ذلك اليوم الذي يقول عنه عمر: ".. لقد عنيتم بأمر، لو عنيت به النجوم لانكدرت، ولو عنيت به الجبال لذابت، ولو عنيت به الأرض لتشققت، أما تعلمون أنه ليس بين الجنة والنار منزلة، وأنكم صائرون إلى إحداهما ، نعم إن الخوف من الله، والرؤية الواضحة للحياة، والفناء والخلود، والإحساس بيوم الحساب، والانفعال بمشاهد الجنة والنار، هي التي تضع المسئولين، وتجعلهم يرتعدون خوفاً إن هم انحرفوا قيد شعرة عما يريد الله .




2- زهــده :





وكان زهد عمر بن عبد العزيز مبني على الكتاب والسنة ولذلك ترك كل أمر لا ينفعه في آخرته فلم يفرح بموجود وهي الخلافة، ولم يحزن على مفقود من أمور الدنيا، وقد ترك ما هو قادر على تحصيله من متاع الدنيا انشغالاً بما هو خير في الآخرة ورغبة في ما عند الله عز وجل ، قال مالك بن دينار: الناس يقولون: مالك بن دينار زاهد، إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها ، قال ابن عبد الحكم: ولما ولي عمر بن عبد العزيز زهد في الدنيا، ورفض ما كان فيه وترك ألوان الطعام، فكان إذا صنع له طعام هيئ على شيء وغطي، حتى إذا دخل اجتذبه فأكل ، فكان لا يهمه من الأكل إلا ما يسد جوعه ويقيم صلبه وكانت نفقته وعياله في اليوم كما في الأثر، فعن سالم بن زياد: كان عمر ينفق على أهله في غدائه وعشائه كل يوم درهمين ، وكان لا يلبس من الثياب إلا الخشن، وترك مظاهر البذخ والإسراف التي سادت قبله وأمر ببيعها وأدخل أثمانها في بيت مال المسلمين، وهكذا فعل بالجواري والعبيد حيث رد الجواري إلى أصحابهن إن كن من اللاتي أخذن بغير حق ووزع العبيد على العميان وذوي العاهات وحارب كل مظاهر الترف والبذخ، والإسراف.





ونختم حديثنا عن الزهد عند عمر بن عبد العزيز بهذا الأثر فقد قال لمولاه مزاحم: إني قد اشتهيت الحج، فهل عندك شيء؟ قال: بضعة عشر ديناراً. قال: وما تقع مني؟ ثم مكث قليلاً، ثم قال له: يا أمير المؤمنين تجهّز، فقد جاءنا مال سبعة عشر ألف ديناراً من بعض مال بني مروان، قال: اجعلها في بيت المال، فإن تكن حلالاً فقد أخذنا منها ما يكفينا، وإن تكن حراماً فكفانا ما أصابنا منها . قال مزاحم: فلما رأى عمر ثقل ذلك علي قال: ويحك يا مزاحم لا يكثرن عليك شيء ضعته لله، فإن لي نفساً توّاقة لم تَتُق إلى منزلة، فنالتها إلا تاقت إلى ما هي أرفع منها، حتى بلغت اليوم المنزلة التي ليس بعدها منزلة، وإنها اليوم قد تاقت إلى الجنة .



3- تـواضـعــه :





وهذه الصفة الحميدة كانت إحدى الصفات الأساسية التي تميز بها عمر بن عبد العزيز، فقد أدى زهد عمر إلى تواضعه، لأن شرط الزهد الحقيقي هو التواضع لله ، وقد كان تواضع عمر في جميع أمور حياته ومعاملاته، فذلك ما يتطلبه الأمر من قائد خاف الله، ورجا ما عنده، وأراد الطاعة والولاء من رعيته ، ومما يذكر من تواضع عمر جوابه لرجل ناداه: يا خليفة الله في الأرض، فقال له عمر: مه، إني لما ولدت اختار لي أهلي اسماً فسموني عمر، فلو ناديتني: يا عمر، أجبتك، فلما اخترت لنفسي الكُنى فكنيت بأبي حفص، فلو ناديتني يا أبا حفص أجبتك، فلما وليتموني أموركم سميتموني: أمير المؤمنين، فلو ناديتني يا أمير المؤمنين أجبتك، وأما خليفة الله في الأرض، فلست كذلك ولكن خلفاء الله في الأرض داوود والنبي  وشبهه ، مشيراً على









قوله تعالى:



يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [ص: 26].





ومن تواضعه أن نهى الناس عن القيام له، فقال: يا معشر الناس: إن تقوموا نقم، وإن تقعدوا نقعد، فإنما يقوم الناس لرب العالمين، وكان يقول للحرس: لا تبتدئوني بالسلام، إنما السلام علينا لكم ، وكان متواضعاً حتى في إصلاح سراجه بنفسه، فقد: كان عنده قوم ذات ليلة في بعض ما يحتاج إليه، فغشى سراجه، فقام إليه فأصلحه فقيل له: يا أمير المؤمنين ألا نكفيك؟ قال: وما ضرني؟ قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز ، وكان يمتنع عن كثرة الكلام ـ وهو العالم الفصيح المفوّه ـ خشية على نفسه من المباهاة بما عنده، أو يظن الناس به ذلك، فكان يقول: إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة ، وقال له رجل: جزاك الله عن الإسلام خيراً فقال: لا بل جزى الله الإسلام عني خيراً .






وهكذا أمير المؤمنين عمر، يخفض الجناح للمؤمنين، ولا يتكبر على أحد من عباد الله، ولم تزده الخلافة إلا تواضعاً ورأفة ورحمة، ولم يحمله المنصب إلا على الإخبات والخضوع لسلطان الحق، يصلح سراجه بنفسه، ويجلس بين يدي الناس على الأرض، ويأبى أن يسير الحراس والشُّرط بين يديه، ويعنّف من يعظمه أو يخصه بسلام من بين الجالسين، ويتأبى أن يتميز على الناس بمركب، أو مأكل، أو ملبس، أو مشرب .




4- ورعــه :




من صفات أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الورع، والورع هو الإمساك عما قد يضر، فتدخل المحرمات والشبهات لأنها قد تضر، فإنه من اتقى الشبهات إستبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يواقعه ، والورع في الأصل الكف عن المحارم والتحرج منها، ثم استعير للكف عن الحلال المباح. وللدلالة على ما كان يتصف به عمر من الورع، وتحري السلامة من الشبهات، فقد روي أنه كان: يعجبه أن يتأدم بالعسل، فطلب من أهله يوماً عسلاً فلم يكن عنده، فأتوه بعد ذلك بالعسل، فأكل منه، فأعجبه، فقال لأهله: من أين لكم هذا؟ قالت امرأته بعثت مولاي بدينارين على بغل البريد، فاشتراه لي، فقال: أقسمت عليك لما أتيتني به، فأتته بعكَّة (العكة : وعاء من جلد ما عز يدبغ ويخصص للسمن والعسل)، فيها عسل، فباعها بثمن يزيد على الدينارين، ورد عليها مالها وألقى بقيته في بيت مال المسلمين وقال: انصبت دواب المسلمين في شهوة عمر. ومن ورعه أنه: كان له غلام يأتيه بقمقم (القمقم : هو ما يسخن فيه الماء من نحاس وغيره)، من ماء مسخن، يتوضأ منه، فقال للغلام يوماً: أتذهب بهذا القمقم إلى مطبخ المسلمين، فتجعله عنده، حتى يسخن، ثم تأتي به؟ قال: نعم أصلحك الله، قال: أفسدته علينا، قال: فأمر مزاحماً أن يغلي ذلك القمقم، ثم ينظر ما يدخل فيه من الحطب ثم يحسب تلك الأيام، التي كان يغليه فيها، فيجعله حطباً في المطبخ . ومن أمثلة ورعه كان لا يقبل أي هدية من عماله أو من أهل الذمة خوفاً من أن يكون ذلك من باب الرشوة، فعن عمرو بن مهاجر قال: اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحاً فقال: لو كانت لنا أو عندنا ـ شيء من التفاح، فإنه طيب الريح طيب الطعم فقام رجل من أهل بيته فأهدى إليه تفاحاً، فلما جاء به الرسول، قال عمر: ما أطيب ريحه وأحسنه، ارفعه يا غلام، فأقرئ فلاناً السلام وقل له: إن هديتك قد وقعت منا بموقع بحيث تحب، فقلت يا أمير المؤمنين ابن عمك ورجل من أهل بيتك وقد بلغك أن النبي  كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة قال: ويحك؟ إن الهدية كانت للنبي هدية وهي لنا اليوم رشوة ، ومن ورعه أنه كان لا يرى لنفسه أن تشم رائحة مسك أتته من أموال المسلمين، فعندما وضعت بين يديه مسكة عظيمة فأخذ بأنفه، فقيل يا أمير المؤمنين إنما هو ريح قال: وهل ينتفع منها إلا بريحها ، وكان يحترز من استعمال أموال المسلمين العامة، فكان يسرج السراج من بيت المال إذا كان في حاجة المسلمين، فإذا فرغ من حوائجهم أطفأها ثم أسرج عليه سراجه الخاص .






وكان رحمه الله ورعاً حتى في الكلام فعندما قيل له: ما تقول في أهل صفين؟ قال: تلك دماء طهر الله يدي منها، فلا أحب أن أُخضب لساني بها ، وهكذا يتضح أن ورع عمر كان في شأنه كله، في مأكله وحاجته وشهوته، ومال المسلمين وفي كافة أمور حياته، ذلك الورع النابع من الإيمان القوي، والشعور بالمسئولية واستحضاره الآخرة، فقد كانت صفة الورع من صفاته الجلية، فقد بلغ به مبلغاً جعله يشتري مكان قبره الذي سيواري فيه، فلا يكون له من الدنيا شيء دون مقابل حتى موضع قبره .


5- الـعــدل :




إن صفة العدل من أبرز صفات عمر بن عبد العزيز القيادية على الإطلاق ـ وإليك هذه الصور من عدله ، ما رواه الآجري من أن رجلاً ذمّياً من أهل حمص قدم على عمر، فقال: يا أمير المؤمنين: أسألك كتاب الله عز وجل، قال: وما ذاك، قال العباس بن الوليد بن عبد الملك: اغتصبني أرضي ـ والعباس جالس ـ فقال له: يا عباس ما تقول؟ قال: أقطعنيها يا أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك، وكتب لي بها سجلاً، فقال عمر: ما تقول يا ذمي؟ قال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله عز وجل. فقال عمر: كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد بن عبد الملك، فأردد عليه يا عباس ضيعته فردّها عليه .





ومن مواقفه العادلة ما حدّث به الحكم بن عمر الرعيني، قال: شهدت مسلمة بن عبد الملك يخاصم أهل دير إسحاق عند عمر بن عبد العزيز بالناعورة ، فقال عمر لمسلمة: لا تجلس على الوسائد، وخصماؤك بين يدي، ولكن وكّل بخصومتك من شئت، وإلا فجاثي القوم بين يدي، فوكل مولى له بخصومته ـ يعني مسلمة ـ فقضى عليه بالناعورة ، وهذا قليل من كثير، مما أوردته كتب السير عن عدل عمر.



6- تضـرعـه ودعـاؤه :





كان عمر بن عبد العزيز كثير التضرع والدعاء، فقد كان يقول: يا رب خلقتني ونهيتني ووعدتني بثواب ما أمرتني، ورهبتني عقاب ما نهيتني عنه وسلطت علي عدواً أسكنته صدري وأجريته مجرى دمي، إن أهمّ بفاحشة شجعني وإن أهمّ بصالحة ثبطني، لا يغفل إن غفلت، ولا ينسى إن نسيت، ينصب لي في الشهوات، ويتعرض لي في الشبهات، وإلا تصرف عني كيده يستذلني، اللهم فأقهر سلطانه علي بسلطانك عليه حتى أحبسه بكثرة ذكري لك فأكون مع المعصومين بك، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وكان يقول: اللهم أصلح صلاَّح أمة محمد ، اللهم أهلك من كان في هلاكه صلاح أمة محمد  ، وكان يدعو بهذا: اللهم ألبسني العافية حتى تهنّيني المعيشة، واختم لي بالمغفرة حتى لا تضرني الذنوب، واكفني كل هول دون الجنة حتى تبلغنيها برحمتك يا أرحم الراحمين ، وكان يقول: اللهم إني أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو التوحيد، ولم أعصك بأبغض الأشياء إليك وهو الشرك، فأغفر لي ما بينهما. وكان يقول: اللهم أني أعوذ بك أن أُبدّل نعمتك كفراً، أو أن أكفرها بعد موتها، أو أن أنساها فلا أثني بها . وكان كثيراً ما يدعو بها : اللهم رضني بقضاك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته، ولا تأخير شيء عجلته.



معالم التجديد عند عمر بن عبد العزيز :





يرى المتتبع لأقوال العلماء والمؤرخين والمهتمين بدراسة الحركة التجديدية، إجماعاً تاماً على عدّ الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز المجدد الأول في الإسلام ، وكان أول من أطلق عليه ذلك الإمام محمد بن شهاب الزهري، ثم تبعه على ذلك الإمام أحمد بن حنبل فقال: يروى في الحديث إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يصحح لهذه الأمة أمر دينها، فنظرنا في المائة الأولى فإذا هو عمر بن عبد العزيز.





إن الأعمال التجديدية التي قام بها عمر بن عبد العزيز ، والجهود الكبيرة التي بذلها لاستئناف الحياة الإسلامية، وإعادتها إلى نقائها وصفائها زمن الرسول  وخلفائه الراشدين تجعله على رأس المجددين الذين جاد بهم الزمان حتى يومنا هذا، وقد ساعده على ذلك موقعه الذي تبوأه على رأس خلافة قوية، منيعة الجانب، مترامية الأطراف، ولكي ندرك حجم الأعمال التجديدية التي اضطلع بها هذا الخليفة، وقدر الإصلاح الذي أحدثه، ينبغي أن نقف على حجم الانحرافات التي طرأت على الحياة الإسلامية والتغيّر والانقلاب الذي حدث للخلافة الإسلامية، ولعلنا لا نجانب الحقيقة إذا حصرنا الانحراف في ذلك الوقت بنظام الحكم، وما نتج عن ذلك من مظالم وفساد وأما الحياة العامة فكانت أنوار النبوة لازالت ذات أثر بالغ فيها وكان الدين صاحب السلطان الأول في قلوب الناس .


فمـن أهـم أعمـالـه التجـديـديـة :


1ـ تفعيل مبدأ الشورى :




وقد اهتم عمر بن عبد العزيز بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته عملاً بقول الله تعالى:




وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ



[الشورى: 38].




وقوله تعالى :



فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ




[آل عمران: 159].





فمن أقواله في الشورى: إن المشورة والمناظرة باب رحمة ومفتاح بركة لا يضل معهما رأي، ولا يفقد معهما حزم ، وكان أول قرار اتخذه عمر بعدما ولي أمر المدينة للوليد بن عبد الملك، يتعلق بتطبيق مبدأ الشورى، وجعله أساساً في إمارته، حين دعا عدداً من فقهاء المدينة وكبار علمائها، وجعل منهم مجلساً استشارياً دائماً ، وقد تبين مبدأ الشورى من أول يوم في خلافته، وقال للناس: أيها الناس، إني قد ابتليت بهذا الأمر، من غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، (فاختاروا لأنفسكم) فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين، ورضينا بك فول أمرنا باليمن والبركة ، ولم يكتف عمر باختياره ومبايعة الحاضرين، بل يهمه رأي المسلمين في الأمصار الأخرى ومشورتهم، فقال في خطبته الأولى ـ عقب توليه الخلافة ـ : وإن من حولكم من الأمصار والمدن إن أطاعوا كما أطعتم.، وإن هم أبوا فلست لكم بوال، وقد كتب إلى الأمصار الإسلامية فبايعت كلها، وممن كتب لهم يزيد بن المهلب يطلب إليه البيعة بعد أن أوضح له أنه في الخلافة ليس براغب، فدعا يزيد الناس إلى البيعة فبايعوا. وبذلك يتضح أنه لم يكتف بمشورة من حوله بل امتد الأمر إلى جميع أمصار المسلمين ونستنتج من موقف عمر هذا ما يلي:





أ ـ حرص عمر على تطبيق الشورى في أمر يخصه هو، ألا وهو توليه الخلافة.




ب ـ أن من طبق مبدأ الشورى في أمر مثل تولي الخلافة حري بتطبيقه فيما سواه.


وكان عمر يستشير العلماء، ويطلب نصحهم في كثير من الأمور أمثال سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب القرظي، ورجاء بن حيوة وغيرهم، فقال: إني قد ابتليت بهذا الأمر فأشيروا عليّ. كما كان يستشير ذوي العقول الراجحة من الرجال ، وقد حرص عمر على إصلاح بطانته لما تولى الخلافة، فقرب إلى مجلسه العلماء وأهل الصلاح، وأقصى عنه أهل المصالح الدنيوية والمنافع الخاصة ولم يكتف ـ رحمه الله ـ بانتقاء بطانته، بل كان زيادة على ذلك يوصيهم ويحثهم على تقويمه، فقال لعمر بن مهاجر: إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلبابي ثم هزني ثم قل يا عمر ما تصنع ؟، فمن أسباب نجاح عمر بن عبد العزيز تقريبه لأهل العلم والصلاح وانشراح صدره لهم ومشاركتهم معه لتحمل المسئولية فنتج عن ذلك حصول الخير العميم للإسلام والمسلمين.



2 ـ الأمانة في الحكم وتوكيل الأمناء:





فقد تواترت النقول المفيدة أنه بلغ من حرصه على ذلك أقصى المراتب فقد استشعر عظم المسئولية وضخامة الحمل منذ اللحظة الأولى لاستلامه الخلافة، فقال لمن سأله: مالي أراك مغتماً؟ قال: لمثل ما أنا فيه فليُغتم، ليس أحد من الأمة إلا وأنا أريد أن أوصل إليه حقه غير كاتب إليّ فيه، ولا طالبه مني. وقال: لست بخير من أحد منكم، ولكن أثقلكم حملاً. وكان يطالب عمّاله باختيار أصحاب الكفاءة والدين فيمن يولّونه شأنا من شؤون المسلمين، فقد كتب إلى أحد عمّاله: لا تولين شيئاً من أمر المسلمين إلا المعروف بالنصيحة لهم، والتوفير عليهم، وأداء الأمانة فيها استرعى ، ولم تكن سياسته في التورع عن أموال المسلمين سياسة طبقها على خاصة نفسه فقط بل ألزم بها عمّاله وولاته، فقد كتب إلى عامله أبي بكر بن حزم: أن أدق قلمك، وقارب بين أسطرك، فإني أكره أن أخرج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به ، وقد ساس رعيته سياسة رحيمة، وأمَّن لهم عيشاً رغيداً وكفاهم مذلة السؤال، فقسم فضول العطاء في أهل الحاجات ، وقسم في فقراء أهل البصرة ثلاثة دراهم لكل إنسان، وأعطى الذمى ، وطلب من عماله أن يجهزوا من أراد أداء فريضة الحج ، وكتب إلى عماله: أن اعملوا خانات في بلادكم فمن مر بكم من المسلمين، فاقروهم يوماً وليلة وتعهدوا دوابهم فمن كانت به علّة فاقروهم يومين وليلتين، فإن كان منقطعاً به فقوّوه بما يصل به إلى بلده ، وقد عزّ في زمن عمر وجود من يقبل الزكاة يقول عمر بن أسيد: والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح يرجع بماله كله قد أغنى عمر الناس ، وكانت حرمة المسلمين فوق كل الأموال فقد كتب إلى عماله: أن فادوا أسارى المسلمين، وإن أحاط ذلك بجميع مالكم ، ولا تزال خلافة عمر بن عبد العزيز حجة تاريخية، على كل أولئك الذين يشككون في إمكانية إقامة نظام اقتصادي إسلامي وبرهاناً ساطعاً على أن الاحتكام للشريعة الربانية هو وحده الذي يكفل للناس السعادة في الدنيا والآخرة .





3 ـ مبـدأ العـدل :





فقد كان فيه لعمر القدح المعلاّة، وكان بحق وارثاً فيه لجدّه لأمه عمر بن الخطاب ، فقد ضرب فيه على النقود عبارة: أمر الله بالوفاء والعدل، وطلب أن لا يقام على أحد حد إلا بعد علمه ، وكتب لعامله الجراح بن عبد الله الحكمي أمير خراسان: يا ابن أم جراح: لا تضربن مؤمناً ولا معاهداً سوطا إلا في حق، واحذر القصاص، فإنك صائر إلى من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وتقرأ كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.


وأنصف أهل الذمة وأمر أن لا يعتدي عليهم أو على معابدهم وكتب إلى عماله: لا تهدموا كنيسة ولا بيعة، ولا بيت نار صولحتم عليه ، وقد رفع المكس وحطّ العشور والضرائب التي فرضتها الحكومات السابقة، وأطلق للناس حرية التجارة في البر والبحر، وقد تبرأ من المظالم التي كان يرتكبها بنو أمية وتبرأ من الحجّاج وأفعاله وأنكر على عمّاله الاستنان بسنته .



4 ـ إحياؤه مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:





أخذت الخلافة تتراجع عن الغاية التي قامت من أجلها وهي حراسة الدين، فنهض عمر بهذا المبدأ ورفع لواءه وأعلى شأنه وجعله المهيمن والمقدّم على ما سواه وما حقق عمر ما حققه من أعمال وإنجازات إلا انطلاقاً من خوفه الشديد من الله، وطلبه مرضاته ، وقد ساعده على ذلك أنه كان من أجلة العلماء التابعين وأئمة الاجتهاد حتى قال عنه عمر بن ميمون: كان العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة وقد كان لسلامة دينه وصدق عقيدته الأثر البالغ في تجديده وإصلاحاته، فقد حارب الأهواء والبدع، وشدد النكير على أهلها .





وقد نقل عنه الإمام الأوزاعي قوله: إذا رأيت قوماً يتناجون في دينهم بشيء دون العامة، فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة. وكان يرى أنه لا قيمة لحياته لولا سنة يحيها، أو بدعة يميتها ، وقد اهتم اهتماماً شديداً بديانة الناس وأخلاقهم، فكتب إلى عمّاله: اجتنبوا الأشغال عند حضور الصلوات فمن أضاعها فهو لما سواها من شرائع الإسلام أشدّ تضييعاً. والناظر في رسائل عمر وخطبه ومواعظه وهي أكثر من أن تحصى يرى إيماناً قوياً، ومراقبة جلية وخوفاً من يوم يقف فيه الناس بين يدي رب العالمين، وقد أثرت شخصية عمر وسياسته العادلة تأثيراً بالغاً في حياة العامة وميولهم وأذواقهم ورغباتهم يدل على ذلك ما ذكره الطبري في تاريخه مقارناً عهد عمر بعهود من سبقه من الحكام السابقين: كان الوليد صاحب بناء واتخذ المصانع والضياع وكان الناس يلتقون في زمانه، فكان يسأل بعضهم بعضاً عن البناء والمصانع، فولي سليمان فكان صاحب نكاح وطعام، فكان الناس يسأل بعضهم عن التزويج والجواري، فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز كانوا يلتقون فيقول الرجل للرجل: ما وراءك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ ومتى تختم، ومتى ختمت. وما تصوم من الشهر؟ ولم يكتف عمر بإقامة الدين داخل دولته، بل وجّه عنايته إلى غير المسلمين، ودعاهم إلى الدخول في الإسلام، وراسل ملوك الهند وملوك ما وراء النهر، ووعدهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، فأسلم الكثير منهم وتسموا بأسماء العرب، ولعل من أجّل الأعمال التي خدم بها هذا الدين أمره بتدوين العلوم الإسلامية وخاصة علم الحديث.




5- الوقاية من الفساد الإداري في عهد عمر بن عبد العزيز:





سعى عمر بن عبد العزيز لتحقيق السلامة من الفساد الإداري، بالحرص على سبل الوقاية منه، وسد المنافذ على السموم الإدارية مثل الخيانة، والكذب والرشوة والهدايا للمسئولين والأمراء والإسراف وممارسة الولاة والأمراء للتجارة واحتجاب الولاة والأمراء عن الناس ومعرفة أحوالهم، والظلم للناس والجور عليهم وغير ذلك وإليك شيء من التفصيل :





أ- التوسعة على العمال في الأرزاق :كان أول إجراء إداري رأى فيه عمر الوقاية من الخيانة أن وسع على العمال في العطاء، رغم تقتيره على نفسه وأهله وأراد بذلك أن يغنيهم عن الخيانة ، فقد كان يوسع على عماله في النفقة، يعطي الرجل منهم في الشهر مائة دينار، ومائتي دينار وكان يتأول أنهم إذا كانوا في كفاية تفرغوا لأشغال المسلمين فقيل له: لو أنفقت على عيالك، كما تنفق على عمالك؟ فقال لا أمنعهم حقاً لهم، ولا أعطيهم حق غيرهم، وكان أهله قد بقوا في جهد عظيم، فاعتذر بأن معهم سلفاً كثيراً قبل ذلك ، وبهذا الإجراء ألا وهي التوسعة على عماله يحقق عمر أمرين هامين :





1 ـ سد منفذ الخيانة، وما يدفع العمال من حاجة إلى الخيانة وسرقة أموال المسلمين .





2 ـ ضمان فراغ الولاة والعمال والأمراء لإشغال المسلمين وحوائجهم .





ب- حرصه على الوقاية من الكذب :



قال ميمون بن مهران: دخلت على عمر بن عبد العزيز وعنده عامله على الكوفة، فإذا هو متغيظ عليه، فقلت: ماله يا أمير المؤمنين قال: أبلغني أنه قال: لا أجد شاهد زور إلا قطعت لسانه، قال: فقلت يا أمير المؤمنين: إنه لم يكن بفاعل. قال: فقال انظروا إلى هذا الشيخ ـ مستنكراً ما قال ميمون ـ إن منزلتين أحسنهما الكذب لمنزلتا سوء . والمقصود فإن الكذب أحد منازل السوء وبذلك يسعى عمر إلى قطع دابر الفساد الإداري بالتحذير والوقاية من الكذب والتحايل في اتخاذ القرارات .






ج- الامتناع عن أخذ الهدايا والهبات :رد على من قال له: ألم يكن رسول الله  يقبل الهدية ؟ قال بلى، ولكنها لنا ولمن بعدنا رشوة ، كما أبطل عمر أخذ الهدايا التي كان الولاة الأمويون يأخذونها وبخاصة هدايا النيروز والمهرجان، وهي هدايا تعطي في مناسبات وأعياد الفرس، فكتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله كتاباً، يقرأ على الناس، يُبطل فيه أخذ التوابع والهدايا ، التي كانت تؤخذ منهم في النيروز والمهرجان وغيرها من الأثمان والأجور ، كما أنذر ولاته وعماله من أن يتخذ أحدٌ منهم تلبية طلبات الخليفة أو أحد أهله شيء مسلم به، ومن ذلك ما حدث عندما أرسلت فاطمة بنت عبد الملك إلى ابن معدي كرب ، تطلب عسلاً من عسل سينين أو لبنان، فبعث إليها، وأيم الله لئن عدت لمثلها، لا تعمل لي عملاً أبداً، ولا أنظر إلى وجهك .





د- النهي عن الإسراف والتبذير :



فقد اتخذ قرارات تنم على حرص شديد على أموال المسلمين فكان أول إجراء له بعد توليه الخلافة هو انصرافه عن مظاهر الخلافة، إذ قربت إليه المراكب، فقال : ما هذه ؟ فقالوا : مراكب لم تركب قط، يركبها الخليفة أول ما يلي فتركها وخرج يلتمس بغلته، وقال: يا مزاحم ـ يعني مولاه ـ ضم هذه إلى بيت مال المسلمين، ونصبت له سرادقات وحجر لم يجلس فيها أحد قط، يجلس فيها الخليفة أول ما يلي، قال يا مزاحم ضم هذه إلى أموال المسلمين، ثم ركب بغلته، وانصرف إلى الفرش والوطاء الذي لم يجلس عليه أحد قط، يفرش للخلفاء أول ما يولون، فجعل يدفع ذلك برجله، حتى يفضي إلى الحصير، ثم قال: يا مزاحم ضم هذه لأموال المسلمين. وأخذ إجراء آخر لمحاربة الإسراف في الدولة، فحين قال له ـ ميمون بن مهران ـ وهما ينظران في أمور الناس: ما بال هذه الطوامير (طوامير: جمع طومار وهو الصحيفة) التي تكتب فيها بالقلم الجليل، وتمد فيها وهي من بيت مال المسلمين ؟ فكتب إلى العمال أن لا يكتبوا في طومار ولا يمد فيه، قال: فكانت كتبه شبراً أو نحو ذلك .





هـ - منع الولاة والعمال من ممارسة التجارة :



قال في كتاب له إلى عماله: نرى أن لا يتجر إمام ولا يحل لعامل تجارة في سلطانه الذي هو عليه، فإن الأمير متى يتجر يستأثر ويصيب أموراً فيها عنت وإن حرص أن لا يفعل ، وذلك إدراك منه أن ممارسة العمال والولاة للتجارة، لا تخلو من أحد أمرين، إن لم تكن الاثنان معاً: فإما أن ينشغل في تجارته ومتابعتهما عن أمور واحتياجات المسلمين، وإما أن تحدث محاباة له في التجارة لموقعه، ويصيب أموراً ليست له من الحق في شيء، وبهذا القرار سد عمر منفذاً خطيراً قد يؤدي إلى فساد إداري قل ما تتوارى عواقبه. وبعد ثمانية قرون جاء ابن خلدون وكتب في مقدمته العظيمة بعد تجارب طويلة ودراسة واسعة، ما يصدق عمر بن عبد العزيز في نظرته الصادقة، وحكمته البالغة قال: إن التجارة من السلطان مضرة بالرعايا معسرة للجباية .


و- فتح قنوات الاتصال بين الوالي والرعية :


كانت الحاشية حول الخلفاء قبل عمر بن عبد العزيز قد حجبت الناس عن الوصل إلى الخليفة وقد بنى الحاشية سياجاً من حديد لا ينفذ منه إليه إلا ما يشتهون وما تسمح به مصالحهم أما عمر بن عبد العزيز، فقد أعلن بالجوائز والمكافأة المالية لمن يخبره بحقيقة الحال، أو يشير عليه بشيء فيه مصلحة المسلمين ومصلحة لدولتهم، وكتب إلى أهل المواسم: أما بعد فأيما رجل قدم إلينا في رد مظلمة أو أمر يصلح الله به خاصاً أو عاماً من أمر الدين، فله ما بين مائة دينار إلى ثلاثمائة بقدر ما يرى الحسبة وبعد السفر، لعل الله يجيء به حقاً أو يميت باطلاً، أو يفتح به من ورائه خيراً . كما أمر العمال والولاة، بأن يحرصوا على فتح قنوات الاتصال بينهم وبين الرعية ويسمعوا منهم ويتعرفوا على أحوالهم فإن ذلك يمنع ممارسة الظلم والتعدي على حقوق الآخرين ويتيح لكل فرد طلب ما يريد دون اللجوء إلى أساليب وطرق لا تمت للإسلام بصلة .



رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه التزموا بمنهجهم بجميع ما به فسادوا الامم وحفظوا العهود فأين نحن منهم الان ...؟
__________________
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 10-05-2010, 05:35 AM
الصورة الرمزية ahmed1954
ahmed1954 ahmed1954 غير متصل
عضو مبدع
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
مكان الإقامة: ***********
الجنس :
المشاركات: 934
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )

منهـج عمـر فـي إدارة الـدولـة مـن خـلال خطبتـه الأولـى :





صعد عمر المنبر وقال في أول لقاء مع الأمة بعد استخلافه: أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم. فصاح الناس صيحة واحدة. قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك فوّل أمرنا باليُمن والبركة وهنا شعر أنه لا مفر من تحمل مسؤولية الخلافة فأضاف قائلاً يحدد منهجه وطريقته في سياسة الأمة المسلمة :





أما بعد فإنه ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد الكتاب الذي أنزل عليه كتاب، ألا إن ما أحل الله حلال إلى يوم القيامة، ألا إني لست بقاض، ولكني منفذ، ألا وإني لست بمبتدع ولكني متبع، ألا إنه ليس لأحد أن يطاع في معصية الله، ألا إني لست بخيركم، ولكني رجل منكم غير أن الله جعلني أثقلكم حملاً. أيها الناس من صحبنا فليصحبنا بخمس، وإلا فلا يقربنا : يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها، ويعيننا على الخير بجهده ويدلنا من الخير على ما نهتدي إليه، ولا يغتابن عندنا الرعية ولا يعترض فيما لا يعنيه. أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كل شيء وليس من تقوى الله عز وجل خلف، واعملوا لآخرتكم، فإنه من عمل لآخرته كفاه الله تبارك وتعالى أمر ديناه، وأصلحوا سرائركم، يصلح الله الكريم علانيتكم، وأكثروا من ذكر الموت، وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم، فإنه


هادم اللذات... وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها عز وجل، ولا في نبيها ، ولا في كتابها وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم، وإني والله لا أعطي أحداً باطلاً، ولا أمنع أحداً حقا. ثم رفع صوته حتى أسمع الناس فقال: يا أيها الناس، من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له، أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم. وإن من حولكم من الأمصار والمدن فإن هم أطاعوا كما أطعتم فأنا وليكم، وإن هم نقموا فلست لكم بوال ، ثم نزل. وهكذا عقدت الخلافة لعمر بن عبد العزيز في ذلك اليوم، وهو يوم الجمعة لعشر خلون من صفر سنة تسع وتسعين ، ويظهر لنا من هذه الخطبة





السياسية التي قرر عمر بن عبد العزيز إتباعها في الحكم وهي:




أ ـ التزامه بالكتاب والسنة ، وأنه غير مستعد للاستماع إلى أي جدل في مسائل الشرع، والدين على أساس أنه حاكم منفذ وأن الشرع بيّن من حيث تحليل ما أحل الله وتحريم ما حرّم الله ورفضه للبدعة والآراء المحدثة .





ب ـ حدد لمن يريد أن يتصل به ويعمل معه من رعيته أن يكون اتصاله معه






لخمسة أسباب :





ـ أن يرفع إليه حاجة من لا يستطيع أن يصل إلى الخليفة، أي أنه جعل المقربين منه همزة وصل بينه، وبين من لا يستطيعون الوصول إليه، فيعرف بذلك حوائج الناس، وينظر فيها.





ـ أن يعينه على الخير ما استطاع، أي أن علاقة هؤلاء به تقوم على أساس نزعة الخير يعين الخليفة عليه، وبالتالي يحذره من أي شر.





ـ فرض على من يقترب إليه فريضة أن يرشده، ويهديه إلى ما فيه خير الأمة، وخير الدين.


ـ نهى من يريد أن يتقرب إليه أن يغتاب عنده أحد.





ـ أن لا يتدخل أي متقرب منه في شؤون الحكم فيما لا يعنيه عامة .






جـ ـ كما أنه حذر الناس من عواقب الدنيا لو أساؤوا فيها ، وطلب إليهم أن يصلحوا سرائرهم ويحذروا الموت، ويتعظوا به.





د ـ قطع على نفسه عهداً بأن لا يعطي أحداً باطلاً، ولا يمنع أحداً حقاً، وأنه أعطاهم حقاً عليه، وهو أن يطيعوه ما أطاع الله، وأنه لا طاعة له عليهم إذا عصاه سبحانه وتعالى.


هذه هي الخطوط العريضة لسياسة عمر، ذكرها في أول لقاء له مع الرعية وأهل الحل والعقد في المسجد، بعد بيعته فدولته قد حدّدها بالسير على كتاب الله وسنّة رسوله  وقد آثر أن لا يدع لأي عامل من عماله حجة عليه بعد ذلك ففصل ما أجمل في خطبته الأولى في كتب أرسلها إلى عماله .








أهــم صفــاتــه :





وقد اتصف  بصفات القائد الرباني، ومن أهم هذه الصفات: إيمانه الراسخ بالله وعظمته، وإيمانه بالمصير والمآل، وخوفه من الله تعالى والعلم الغزير، والثقة بالله، والقدوة، والصدق، والكفاءة والشجاعة والمروءة والزهد، وحب التضحية، والتواضع، وقبول النصيحة، والحلم والصبر، وعلو الهمة، والحزم، والإدارة القوية، والعدل، والقدرة على حل المشكلات، وقدرته على التخطيط والتوجيه والتنظيم والمراقبة، وغير ذلك من الصفات، وبسبب ما أودع الله فيه من الصفات الربانية استطاع أن يجدد كثيراً من معالم الخلافة الراشدة التي اندثرت أمام زحف الملك العضوض ، واستطاع أن يتغلب على العوائق في الطريق، وتوجت جهوده الفذة بنتائج كبيرة على مستوى الفرد والمجتمع والدولة ،






وإن من أهم الصفات التي تجسدت في شخصية عمر بن عبد العزيز هي:





1- شـدة خـوفـه مـن الله تعالـى :




يقول عمر في كتاب له إلى يزيد بن المهلب: لو كانت رغبتي في اتخاذ أزواج، واعتقال أموال، كان في الذي أعطاني من ذلك، ما قد بلغ بي أفضل ما بلغ بأحد من خلقه، ولكنِّي أخاف ـ فيما أبتليت به ـ حساباً شديداً، ومسألة عظيمة، إلا ما عافى الله ورحم ، كما كان عمر شديد الخوف من الله تعالى، تقول زوجته فاطمة بنت عبد الملك: والله ما كان بأكثر الناس صلاة، ولا أكثرهم صياماً، ولكن والله ما رأيت أحداً أخوف لله من عمر، لقد كان يذكر الله في فراشه، فينتفض انتفاض العصفور من شدة الخوف حتى نقول: ليصبحَنَّ الناس ولا خليفة لهم ، وقال مكحول: لو حلفت لصدقت، ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز ، ولشدة خوفه من الله، كان غزير الدمع وسريعه, وقد كان جلّ خوفه ـ رحمه الله ـ من يوم القيامة، فيدعو الله، ويقول: اللهم إن كنت تعلم إني أخاف شيئاً دون



القيامة، فلا تؤمن خوفي ، ذلك اليوم الذي أحدث تغيراً جذرياً في مجرى حياته ذلك اليوم الذي يقول عنه عمر: ".. لقد عنيتم بأمر، لو عنيت به النجوم لانكدرت، ولو عنيت به الجبال لذابت، ولو عنيت به الأرض لتشققت، أما تعلمون أنه ليس بين الجنة والنار منزلة، وأنكم صائرون إلى إحداهما ، نعم إن الخوف من الله، والرؤية الواضحة للحياة، والفناء والخلود، والإحساس بيوم الحساب، والانفعال بمشاهد الجنة والنار، هي التي تضع المسئولين، وتجعلهم يرتعدون خوفاً إن هم انحرفوا قيد شعرة عما يريد الله .




2- زهــده :





وكان زهد عمر بن عبد العزيز مبني على الكتاب والسنة ولذلك ترك كل أمر لا ينفعه في آخرته فلم يفرح بموجود وهي الخلافة، ولم يحزن على مفقود من أمور الدنيا، وقد ترك ما هو قادر على تحصيله من متاع الدنيا انشغالاً بما هو خير في الآخرة ورغبة في ما عند الله عز وجل ، قال مالك بن دينار: الناس يقولون: مالك بن دينار زاهد، إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها ، قال ابن عبد الحكم: ولما ولي عمر بن عبد العزيز زهد في الدنيا، ورفض ما كان فيه وترك ألوان الطعام، فكان إذا صنع له طعام هيئ على شيء وغطي، حتى إذا دخل اجتذبه فأكل ، فكان لا يهمه من الأكل إلا ما يسد جوعه ويقيم صلبه وكانت نفقته وعياله في اليوم كما في الأثر، فعن سالم بن زياد: كان عمر ينفق على أهله في غدائه وعشائه كل يوم درهمين ، وكان لا يلبس من الثياب إلا الخشن، وترك مظاهر البذخ والإسراف التي سادت قبله وأمر ببيعها وأدخل أثمانها في بيت مال المسلمين، وهكذا فعل بالجواري والعبيد حيث رد الجواري إلى أصحابهن إن كن من اللاتي أخذن بغير حق ووزع العبيد على العميان وذوي العاهات وحارب كل مظاهر الترف والبذخ، والإسراف.





ونختم حديثنا عن الزهد عند عمر بن عبد العزيز بهذا الأثر فقد قال لمولاه مزاحم: إني قد اشتهيت الحج، فهل عندك شيء؟ قال: بضعة عشر ديناراً. قال: وما تقع مني؟ ثم مكث قليلاً، ثم قال له: يا أمير المؤمنين تجهّز، فقد جاءنا مال سبعة عشر ألف ديناراً من بعض مال بني مروان، قال: اجعلها في بيت المال، فإن تكن حلالاً فقد أخذنا منها ما يكفينا، وإن تكن حراماً فكفانا ما أصابنا منها . قال مزاحم: فلما رأى عمر ثقل ذلك علي قال: ويحك يا مزاحم لا يكثرن عليك شيء ضعته لله، فإن لي نفساً توّاقة لم تَتُق إلى منزلة، فنالتها إلا تاقت إلى ما هي أرفع منها، حتى بلغت اليوم المنزلة التي ليس بعدها منزلة، وإنها اليوم قد تاقت إلى الجنة .



3- تـواضـعــه :





وهذه الصفة الحميدة كانت إحدى الصفات الأساسية التي تميز بها عمر بن عبد العزيز، فقد أدى زهد عمر إلى تواضعه، لأن شرط الزهد الحقيقي هو التواضع لله ، وقد كان تواضع عمر في جميع أمور حياته ومعاملاته، فذلك ما يتطلبه الأمر من قائد خاف الله، ورجا ما عنده، وأراد الطاعة والولاء من رعيته ، ومما يذكر من تواضع عمر جوابه لرجل ناداه: يا خليفة الله في الأرض، فقال له عمر: مه، إني لما ولدت اختار لي أهلي اسماً فسموني عمر، فلو ناديتني: يا عمر، أجبتك، فلما اخترت لنفسي الكُنى فكنيت بأبي حفص، فلو ناديتني يا أبا حفص أجبتك، فلما وليتموني أموركم سميتموني: أمير المؤمنين، فلو ناديتني يا أمير المؤمنين أجبتك، وأما خليفة الله في الأرض، فلست كذلك ولكن خلفاء الله في الأرض داوود والنبي  وشبهه ، مشيراً على









قوله تعالى:



يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [ص: 26].





ومن تواضعه أن نهى الناس عن القيام له، فقال: يا معشر الناس: إن تقوموا نقم، وإن تقعدوا نقعد، فإنما يقوم الناس لرب العالمين، وكان يقول للحرس: لا تبتدئوني بالسلام، إنما السلام علينا لكم ، وكان متواضعاً حتى في إصلاح سراجه بنفسه، فقد: كان عنده قوم ذات ليلة في بعض ما يحتاج إليه، فغشى سراجه، فقام إليه فأصلحه فقيل له: يا أمير المؤمنين ألا نكفيك؟ قال: وما ضرني؟ قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز ، وكان يمتنع عن كثرة الكلام ـ وهو العالم الفصيح المفوّه ـ خشية على نفسه من المباهاة بما عنده، أو يظن الناس به ذلك، فكان يقول: إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة ، وقال له رجل: جزاك الله عن الإسلام خيراً فقال: لا بل جزى الله الإسلام عني خيراً .






وهكذا أمير المؤمنين عمر، يخفض الجناح للمؤمنين، ولا يتكبر على أحد من عباد الله، ولم تزده الخلافة إلا تواضعاً ورأفة ورحمة، ولم يحمله المنصب إلا على الإخبات والخضوع لسلطان الحق، يصلح سراجه بنفسه، ويجلس بين يدي الناس على الأرض، ويأبى أن يسير الحراس والشُّرط بين يديه، ويعنّف من يعظمه أو يخصه بسلام من بين الجالسين، ويتأبى أن يتميز على الناس بمركب، أو مأكل، أو ملبس، أو مشرب .




4- ورعــه :




من صفات أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الورع، والورع هو الإمساك عما قد يضر، فتدخل المحرمات والشبهات لأنها قد تضر، فإنه من اتقى الشبهات إستبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يواقعه ، والورع في الأصل الكف عن المحارم والتحرج منها، ثم استعير للكف عن الحلال المباح. وللدلالة على ما كان يتصف به عمر من الورع، وتحري السلامة من الشبهات، فقد روي أنه كان: يعجبه أن يتأدم بالعسل، فطلب من أهله يوماً عسلاً فلم يكن عنده، فأتوه بعد ذلك بالعسل، فأكل منه، فأعجبه، فقال لأهله: من أين لكم هذا؟ قالت امرأته بعثت مولاي بدينارين على بغل البريد، فاشتراه لي، فقال: أقسمت عليك لما أتيتني به، فأتته بعكَّة (العكة : وعاء من جلد ما عز يدبغ ويخصص للسمن والعسل)، فيها عسل، فباعها بثمن يزيد على الدينارين، ورد عليها مالها وألقى بقيته في بيت مال المسلمين وقال: انصبت دواب المسلمين في شهوة عمر. ومن ورعه أنه: كان له غلام يأتيه بقمقم (القمقم : هو ما يسخن فيه الماء من نحاس وغيره)، من ماء مسخن، يتوضأ منه، فقال للغلام يوماً: أتذهب بهذا القمقم إلى مطبخ المسلمين، فتجعله عنده، حتى يسخن، ثم تأتي به؟ قال: نعم أصلحك الله، قال: أفسدته علينا، قال: فأمر مزاحماً أن يغلي ذلك القمقم، ثم ينظر ما يدخل فيه من الحطب ثم يحسب تلك الأيام، التي كان يغليه فيها، فيجعله حطباً في المطبخ . ومن أمثلة ورعه كان لا يقبل أي هدية من عماله أو من أهل الذمة خوفاً من أن يكون ذلك من باب الرشوة، فعن عمرو بن مهاجر قال: اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحاً فقال: لو كانت لنا أو عندنا ـ شيء من التفاح، فإنه طيب الريح طيب الطعم فقام رجل من أهل بيته فأهدى إليه تفاحاً، فلما جاء به الرسول، قال عمر: ما أطيب ريحه وأحسنه، ارفعه يا غلام، فأقرئ فلاناً السلام وقل له: إن هديتك قد وقعت منا بموقع بحيث تحب، فقلت يا أمير المؤمنين ابن عمك ورجل من أهل بيتك وقد بلغك أن النبي  كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة قال: ويحك؟ إن الهدية كانت للنبي هدية وهي لنا اليوم رشوة ، ومن ورعه أنه كان لا يرى لنفسه أن تشم رائحة مسك أتته من أموال المسلمين، فعندما وضعت بين يديه مسكة عظيمة فأخذ بأنفه، فقيل يا أمير المؤمنين إنما هو ريح قال: وهل ينتفع منها إلا بريحها ، وكان يحترز من استعمال أموال المسلمين العامة، فكان يسرج السراج من بيت المال إذا كان في حاجة المسلمين، فإذا فرغ من حوائجهم أطفأها ثم أسرج عليه سراجه الخاص .






وكان رحمه الله ورعاً حتى في الكلام فعندما قيل له: ما تقول في أهل صفين؟ قال: تلك دماء طهر الله يدي منها، فلا أحب أن أُخضب لساني بها ، وهكذا يتضح أن ورع عمر كان في شأنه كله، في مأكله وحاجته وشهوته، ومال المسلمين وفي كافة أمور حياته، ذلك الورع النابع من الإيمان القوي، والشعور بالمسئولية واستحضاره الآخرة، فقد كانت صفة الورع من صفاته الجلية، فقد بلغ به مبلغاً جعله يشتري مكان قبره الذي سيواري فيه، فلا يكون له من الدنيا شيء دون مقابل حتى موضع قبره .


5- الـعــدل :




إن صفة العدل من أبرز صفات عمر بن عبد العزيز القيادية على الإطلاق ـ وإليك هذه الصور من عدله ، ما رواه الآجري من أن رجلاً ذمّياً من أهل حمص قدم على عمر، فقال: يا أمير المؤمنين: أسألك كتاب الله عز وجل، قال: وما ذاك، قال العباس بن الوليد بن عبد الملك: اغتصبني أرضي ـ والعباس جالس ـ فقال له: يا عباس ما تقول؟ قال: أقطعنيها يا أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك، وكتب لي بها سجلاً، فقال عمر: ما تقول يا ذمي؟ قال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله عز وجل. فقال عمر: كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد بن عبد الملك، فأردد عليه يا عباس ضيعته فردّها عليه .





ومن مواقفه العادلة ما حدّث به الحكم بن عمر الرعيني، قال: شهدت مسلمة بن عبد الملك يخاصم أهل دير إسحاق عند عمر بن عبد العزيز بالناعورة ، فقال عمر لمسلمة: لا تجلس على الوسائد، وخصماؤك بين يدي، ولكن وكّل بخصومتك من شئت، وإلا فجاثي القوم بين يدي، فوكل مولى له بخصومته ـ يعني مسلمة ـ فقضى عليه بالناعورة ، وهذا قليل من كثير، مما أوردته كتب السير عن عدل عمر.



6- تضـرعـه ودعـاؤه :





كان عمر بن عبد العزيز كثير التضرع والدعاء، فقد كان يقول: يا رب خلقتني ونهيتني ووعدتني بثواب ما أمرتني، ورهبتني عقاب ما نهيتني عنه وسلطت علي عدواً أسكنته صدري وأجريته مجرى دمي، إن أهمّ بفاحشة شجعني وإن أهمّ بصالحة ثبطني، لا يغفل إن غفلت، ولا ينسى إن نسيت، ينصب لي في الشهوات، ويتعرض لي في الشبهات، وإلا تصرف عني كيده يستذلني، اللهم فأقهر سلطانه علي بسلطانك عليه حتى أحبسه بكثرة ذكري لك فأكون مع المعصومين بك، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وكان يقول: اللهم أصلح صلاَّح أمة محمد ، اللهم أهلك من كان في هلاكه صلاح أمة محمد  ، وكان يدعو بهذا: اللهم ألبسني العافية حتى تهنّيني المعيشة، واختم لي بالمغفرة حتى لا تضرني الذنوب، واكفني كل هول دون الجنة حتى تبلغنيها برحمتك يا أرحم الراحمين ، وكان يقول: اللهم إني أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو التوحيد، ولم أعصك بأبغض الأشياء إليك وهو الشرك، فأغفر لي ما بينهما. وكان يقول: اللهم أني أعوذ بك أن أُبدّل نعمتك كفراً، أو أن أكفرها بعد موتها، أو أن أنساها فلا أثني بها . وكان كثيراً ما يدعو بها : اللهم رضني بقضاك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته، ولا تأخير شيء عجلته.



معالم التجديد عند عمر بن عبد العزيز :





يرى المتتبع لأقوال العلماء والمؤرخين والمهتمين بدراسة الحركة التجديدية، إجماعاً تاماً على عدّ الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز المجدد الأول في الإسلام ، وكان أول من أطلق عليه ذلك الإمام محمد بن شهاب الزهري، ثم تبعه على ذلك الإمام أحمد بن حنبل فقال: يروى في الحديث إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يصحح لهذه الأمة أمر دينها، فنظرنا في المائة الأولى فإذا هو عمر بن عبد العزيز.





إن الأعمال التجديدية التي قام بها عمر بن عبد العزيز ، والجهود الكبيرة التي بذلها لاستئناف الحياة الإسلامية، وإعادتها إلى نقائها وصفائها زمن الرسول  وخلفائه الراشدين تجعله على رأس المجددين الذين جاد بهم الزمان حتى يومنا هذا، وقد ساعده على ذلك موقعه الذي تبوأه على رأس خلافة قوية، منيعة الجانب، مترامية الأطراف، ولكي ندرك حجم الأعمال التجديدية التي اضطلع بها هذا الخليفة، وقدر الإصلاح الذي أحدثه، ينبغي أن نقف على حجم الانحرافات التي طرأت على الحياة الإسلامية والتغيّر والانقلاب الذي حدث للخلافة الإسلامية، ولعلنا لا نجانب الحقيقة إذا حصرنا الانحراف في ذلك الوقت بنظام الحكم، وما نتج عن ذلك من مظالم وفساد وأما الحياة العامة فكانت أنوار النبوة لازالت ذات أثر بالغ فيها وكان الدين صاحب السلطان الأول في قلوب الناس .


فمـن أهـم أعمـالـه التجـديـديـة :


1ـ تفعيل مبدأ الشورى :




وقد اهتم عمر بن عبد العزيز بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته عملاً بقول الله تعالى:




وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ



[الشورى: 38].




وقوله تعالى :



فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ




[آل عمران: 159].





فمن أقواله في الشورى: إن المشورة والمناظرة باب رحمة ومفتاح بركة لا يضل معهما رأي، ولا يفقد معهما حزم ، وكان أول قرار اتخذه عمر بعدما ولي أمر المدينة للوليد بن عبد الملك، يتعلق بتطبيق مبدأ الشورى، وجعله أساساً في إمارته، حين دعا عدداً من فقهاء المدينة وكبار علمائها، وجعل منهم مجلساً استشارياً دائماً ، وقد تبين مبدأ الشورى من أول يوم في خلافته، وقال للناس: أيها الناس، إني قد ابتليت بهذا الأمر، من غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، (فاختاروا لأنفسكم) فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين، ورضينا بك فول أمرنا باليمن والبركة ، ولم يكتف عمر باختياره ومبايعة الحاضرين، بل يهمه رأي المسلمين في الأمصار الأخرى ومشورتهم، فقال في خطبته الأولى ـ عقب توليه الخلافة ـ : وإن من حولكم من الأمصار والمدن إن أطاعوا كما أطعتم.، وإن هم أبوا فلست لكم بوال، وقد كتب إلى الأمصار الإسلامية فبايعت كلها، وممن كتب لهم يزيد بن المهلب يطلب إليه البيعة بعد أن أوضح له أنه في الخلافة ليس براغب، فدعا يزيد الناس إلى البيعة فبايعوا. وبذلك يتضح أنه لم يكتف بمشورة من حوله بل امتد الأمر إلى جميع أمصار المسلمين ونستنتج من موقف عمر هذا ما يلي:





أ ـ حرص عمر على تطبيق الشورى في أمر يخصه هو، ألا وهو توليه الخلافة.




ب ـ أن من طبق مبدأ الشورى في أمر مثل تولي الخلافة حري بتطبيقه فيما سواه.


وكان عمر يستشير العلماء، ويطلب نصحهم في كثير من الأمور أمثال سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب القرظي، ورجاء بن حيوة وغيرهم، فقال: إني قد ابتليت بهذا الأمر فأشيروا عليّ. كما كان يستشير ذوي العقول الراجحة من الرجال ، وقد حرص عمر على إصلاح بطانته لما تولى الخلافة، فقرب إلى مجلسه العلماء وأهل الصلاح، وأقصى عنه أهل المصالح الدنيوية والمنافع الخاصة ولم يكتف ـ رحمه الله ـ بانتقاء بطانته، بل كان زيادة على ذلك يوصيهم ويحثهم على تقويمه، فقال لعمر بن مهاجر: إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلبابي ثم هزني ثم قل يا عمر ما تصنع ؟، فمن أسباب نجاح عمر بن عبد العزيز تقريبه لأهل العلم والصلاح وانشراح صدره لهم ومشاركتهم معه لتحمل المسئولية فنتج عن ذلك حصول الخير العميم للإسلام والمسلمين.



2 ـ الأمانة في الحكم وتوكيل الأمناء:





فقد تواترت النقول المفيدة أنه بلغ من حرصه على ذلك أقصى المراتب فقد استشعر عظم المسئولية وضخامة الحمل منذ اللحظة الأولى لاستلامه الخلافة، فقال لمن سأله: مالي أراك مغتماً؟ قال: لمثل ما أنا فيه فليُغتم، ليس أحد من الأمة إلا وأنا أريد أن أوصل إليه حقه غير كاتب إليّ فيه، ولا طالبه مني. وقال: لست بخير من أحد منكم، ولكن أثقلكم حملاً. وكان يطالب عمّاله باختيار أصحاب الكفاءة والدين فيمن يولّونه شأنا من شؤون المسلمين، فقد كتب إلى أحد عمّاله: لا تولين شيئاً من أمر المسلمين إلا المعروف بالنصيحة لهم، والتوفير عليهم، وأداء الأمانة فيها استرعى ، ولم تكن سياسته في التورع عن أموال المسلمين سياسة طبقها على خاصة نفسه فقط بل ألزم بها عمّاله وولاته، فقد كتب إلى عامله أبي بكر بن حزم: أن أدق قلمك، وقارب بين أسطرك، فإني أكره أن أخرج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به ، وقد ساس رعيته سياسة رحيمة، وأمَّن لهم عيشاً رغيداً وكفاهم مذلة السؤال، فقسم فضول العطاء في أهل الحاجات ، وقسم في فقراء أهل البصرة ثلاثة دراهم لكل إنسان، وأعطى الذمى ، وطلب من عماله أن يجهزوا من أراد أداء فريضة الحج ، وكتب إلى عماله: أن اعملوا خانات في بلادكم فمن مر بكم من المسلمين، فاقروهم يوماً وليلة وتعهدوا دوابهم فمن كانت به علّة فاقروهم يومين وليلتين، فإن كان منقطعاً به فقوّوه بما يصل به إلى بلده ، وقد عزّ في زمن عمر وجود من يقبل الزكاة يقول عمر بن أسيد: والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح يرجع بماله كله قد أغنى عمر الناس ، وكانت حرمة المسلمين فوق كل الأموال فقد كتب إلى عماله: أن فادوا أسارى المسلمين، وإن أحاط ذلك بجميع مالكم ، ولا تزال خلافة عمر بن عبد العزيز حجة تاريخية، على كل أولئك الذين يشككون في إمكانية إقامة نظام اقتصادي إسلامي وبرهاناً ساطعاً على أن الاحتكام للشريعة الربانية هو وحده الذي يكفل للناس السعادة في الدنيا والآخرة .





3 ـ مبـدأ العـدل :





فقد كان فيه لعمر القدح المعلاّة، وكان بحق وارثاً فيه لجدّه لأمه عمر بن الخطاب ، فقد ضرب فيه على النقود عبارة: أمر الله بالوفاء والعدل، وطلب أن لا يقام على أحد حد إلا بعد علمه ، وكتب لعامله الجراح بن عبد الله الحكمي أمير خراسان: يا ابن أم جراح: لا تضربن مؤمناً ولا معاهداً سوطا إلا في حق، واحذر القصاص، فإنك صائر إلى من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وتقرأ كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.


وأنصف أهل الذمة وأمر أن لا يعتدي عليهم أو على معابدهم وكتب إلى عماله: لا تهدموا كنيسة ولا بيعة، ولا بيت نار صولحتم عليه ، وقد رفع المكس وحطّ العشور والضرائب التي فرضتها الحكومات السابقة، وأطلق للناس حرية التجارة في البر والبحر، وقد تبرأ من المظالم التي كان يرتكبها بنو أمية وتبرأ من الحجّاج وأفعاله وأنكر على عمّاله الاستنان بسنته .



4 ـ إحياؤه مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:





أخذت الخلافة تتراجع عن الغاية التي قامت من أجلها وهي حراسة الدين، فنهض عمر بهذا المبدأ ورفع لواءه وأعلى شأنه وجعله المهيمن والمقدّم على ما سواه وما حقق عمر ما حققه من أعمال وإنجازات إلا انطلاقاً من خوفه الشديد من الله، وطلبه مرضاته ، وقد ساعده على ذلك أنه كان من أجلة العلماء التابعين وأئمة الاجتهاد حتى قال عنه عمر بن ميمون: كان العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة وقد كان لسلامة دينه وصدق عقيدته الأثر البالغ في تجديده وإصلاحاته، فقد حارب الأهواء والبدع، وشدد النكير على أهلها .





وقد نقل عنه الإمام الأوزاعي قوله: إذا رأيت قوماً يتناجون في دينهم بشيء دون العامة، فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة. وكان يرى أنه لا قيمة لحياته لولا سنة يحيها، أو بدعة يميتها ، وقد اهتم اهتماماً شديداً بديانة الناس وأخلاقهم، فكتب إلى عمّاله: اجتنبوا الأشغال عند حضور الصلوات فمن أضاعها فهو لما سواها من شرائع الإسلام أشدّ تضييعاً. والناظر في رسائل عمر وخطبه ومواعظه وهي أكثر من أن تحصى يرى إيماناً قوياً، ومراقبة جلية وخوفاً من يوم يقف فيه الناس بين يدي رب العالمين، وقد أثرت شخصية عمر وسياسته العادلة تأثيراً بالغاً في حياة العامة وميولهم وأذواقهم ورغباتهم يدل على ذلك ما ذكره الطبري في تاريخه مقارناً عهد عمر بعهود من سبقه من الحكام السابقين: كان الوليد صاحب بناء واتخذ المصانع والضياع وكان الناس يلتقون في زمانه، فكان يسأل بعضهم بعضاً عن البناء والمصانع، فولي سليمان فكان صاحب نكاح وطعام، فكان الناس يسأل بعضهم عن التزويج والجواري، فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز كانوا يلتقون فيقول الرجل للرجل: ما وراءك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ ومتى تختم، ومتى ختمت. وما تصوم من الشهر؟ ولم يكتف عمر بإقامة الدين داخل دولته، بل وجّه عنايته إلى غير المسلمين، ودعاهم إلى الدخول في الإسلام، وراسل ملوك الهند وملوك ما وراء النهر، ووعدهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، فأسلم الكثير منهم وتسموا بأسماء العرب، ولعل من أجّل الأعمال التي خدم بها هذا الدين أمره بتدوين العلوم الإسلامية وخاصة علم الحديث.




5- الوقاية من الفساد الإداري في عهد عمر بن عبد العزيز:





سعى عمر بن عبد العزيز لتحقيق السلامة من الفساد الإداري، بالحرص على سبل الوقاية منه، وسد المنافذ على السموم الإدارية مثل الخيانة، والكذب والرشوة والهدايا للمسئولين والأمراء والإسراف وممارسة الولاة والأمراء للتجارة واحتجاب الولاة والأمراء عن الناس ومعرفة أحوالهم، والظلم للناس والجور عليهم وغير ذلك وإليك شيء من التفصيل :





أ- التوسعة على العمال في الأرزاق :كان أول إجراء إداري رأى فيه عمر الوقاية من الخيانة أن وسع على العمال في العطاء، رغم تقتيره على نفسه وأهله وأراد بذلك أن يغنيهم عن الخيانة ، فقد كان يوسع على عماله في النفقة، يعطي الرجل منهم في الشهر مائة دينار، ومائتي دينار وكان يتأول أنهم إذا كانوا في كفاية تفرغوا لأشغال المسلمين فقيل له: لو أنفقت على عيالك، كما تنفق على عمالك؟ فقال لا أمنعهم حقاً لهم، ولا أعطيهم حق غيرهم، وكان أهله قد بقوا في جهد عظيم، فاعتذر بأن معهم سلفاً كثيراً قبل ذلك ، وبهذا الإجراء ألا وهي التوسعة على عماله يحقق عمر أمرين هامين :





1 ـ سد منفذ الخيانة، وما يدفع العمال من حاجة إلى الخيانة وسرقة أموال المسلمين .





2 ـ ضمان فراغ الولاة والعمال والأمراء لإشغال المسلمين وحوائجهم .





ب- حرصه على الوقاية من الكذب :



قال ميمون بن مهران: دخلت على عمر بن عبد العزيز وعنده عامله على الكوفة، فإذا هو متغيظ عليه، فقلت: ماله يا أمير المؤمنين قال: أبلغني أنه قال: لا أجد شاهد زور إلا قطعت لسانه، قال: فقلت يا أمير المؤمنين: إنه لم يكن بفاعل. قال: فقال انظروا إلى هذا الشيخ ـ مستنكراً ما قال ميمون ـ إن منزلتين أحسنهما الكذب لمنزلتا سوء . والمقصود فإن الكذب أحد منازل السوء وبذلك يسعى عمر إلى قطع دابر الفساد الإداري بالتحذير والوقاية من الكذب والتحايل في اتخاذ القرارات .






ج- الامتناع عن أخذ الهدايا والهبات :رد على من قال له: ألم يكن رسول الله  يقبل الهدية ؟ قال بلى، ولكنها لنا ولمن بعدنا رشوة ، كما أبطل عمر أخذ الهدايا التي كان الولاة الأمويون يأخذونها وبخاصة هدايا النيروز والمهرجان، وهي هدايا تعطي في مناسبات وأعياد الفرس، فكتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله كتاباً، يقرأ على الناس، يُبطل فيه أخذ التوابع والهدايا ، التي كانت تؤخذ منهم في النيروز والمهرجان وغيرها من الأثمان والأجور ، كما أنذر ولاته وعماله من أن يتخذ أحدٌ منهم تلبية طلبات الخليفة أو أحد أهله شيء مسلم به، ومن ذلك ما حدث عندما أرسلت فاطمة بنت عبد الملك إلى ابن معدي كرب ، تطلب عسلاً من عسل سينين أو لبنان، فبعث إليها، وأيم الله لئن عدت لمثلها، لا تعمل لي عملاً أبداً، ولا أنظر إلى وجهك .





د- النهي عن الإسراف والتبذير :



فقد اتخذ قرارات تنم على حرص شديد على أموال المسلمين فكان أول إجراء له بعد توليه الخلافة هو انصرافه عن مظاهر الخلافة، إذ قربت إليه المراكب، فقال : ما هذه ؟ فقالوا : مراكب لم تركب قط، يركبها الخليفة أول ما يلي فتركها وخرج يلتمس بغلته، وقال: يا مزاحم ـ يعني مولاه ـ ضم هذه إلى بيت مال المسلمين، ونصبت له سرادقات وحجر لم يجلس فيها أحد قط، يجلس فيها الخليفة أول ما يلي، قال يا مزاحم ضم هذه إلى أموال المسلمين، ثم ركب بغلته، وانصرف إلى الفرش والوطاء الذي لم يجلس عليه أحد قط، يفرش للخلفاء أول ما يولون، فجعل يدفع ذلك برجله، حتى يفضي إلى الحصير، ثم قال: يا مزاحم ضم هذه لأموال المسلمين. وأخذ إجراء آخر لمحاربة الإسراف في الدولة، فحين قال له ـ ميمون بن مهران ـ وهما ينظران في أمور الناس: ما بال هذه الطوامير (طوامير: جمع طومار وهو الصحيفة) التي تكتب فيها بالقلم الجليل، وتمد فيها وهي من بيت مال المسلمين ؟ فكتب إلى العمال أن لا يكتبوا في طومار ولا يمد فيه، قال: فكانت كتبه شبراً أو نحو ذلك .





هـ - منع الولاة والعمال من ممارسة التجارة :



قال في كتاب له إلى عماله: نرى أن لا يتجر إمام ولا يحل لعامل تجارة في سلطانه الذي هو عليه، فإن الأمير متى يتجر يستأثر ويصيب أموراً فيها عنت وإن حرص أن لا يفعل ، وذلك إدراك منه أن ممارسة العمال والولاة للتجارة، لا تخلو من أحد أمرين، إن لم تكن الاثنان معاً: فإما أن ينشغل في تجارته ومتابعتهما عن أمور واحتياجات المسلمين، وإما أن تحدث محاباة له في التجارة لموقعه، ويصيب أموراً ليست له من الحق في شيء، وبهذا القرار سد عمر منفذاً خطيراً قد يؤدي إلى فساد إداري قل ما تتوارى عواقبه. وبعد ثمانية قرون جاء ابن خلدون وكتب في مقدمته العظيمة بعد تجارب طويلة ودراسة واسعة، ما يصدق عمر بن عبد العزيز في نظرته الصادقة، وحكمته البالغة قال: إن التجارة من السلطان مضرة بالرعايا معسرة للجباية .


و- فتح قنوات الاتصال بين الوالي والرعية :


كانت الحاشية حول الخلفاء قبل عمر بن عبد العزيز قد حجبت الناس عن الوصل إلى الخليفة وقد بنى الحاشية سياجاً من حديد لا ينفذ منه إليه إلا ما يشتهون وما تسمح به مصالحهم أما عمر بن عبد العزيز، فقد أعلن بالجوائز والمكافأة المالية لمن يخبره بحقيقة الحال، أو يشير عليه بشيء فيه مصلحة المسلمين ومصلحة لدولتهم، وكتب إلى أهل المواسم: أما بعد فأيما رجل قدم إلينا في رد مظلمة أو أمر يصلح الله به خاصاً أو عاماً من أمر الدين، فله ما بين مائة دينار إلى ثلاثمائة بقدر ما يرى الحسبة وبعد السفر، لعل الله يجيء به حقاً أو يميت باطلاً، أو يفتح به من ورائه خيراً . كما أمر العمال والولاة، بأن يحرصوا على فتح قنوات الاتصال بينهم وبين الرعية ويسمعوا منهم ويتعرفوا على أحوالهم فإن ذلك يمنع ممارسة الظلم والتعدي على حقوق الآخرين ويتيح لكل فرد طلب ما يريد دون اللجوء إلى أساليب وطرق لا تمت للإسلام بصلة .



رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه التزموا بمنهجهم بجميع ما به فسادوا الامم وحفظوا العهود فأين نحن منهم الان ...؟
__________________
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 10-05-2010, 02:49 PM
الصورة الرمزية ريحانة دار الشفاء
ريحانة دار الشفاء ريحانة دار الشفاء غير متصل
مراقبة قسم المرأة والأسرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2005
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 17,017
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )

اللهم واحشرنا مع النبيين والشهداء والصدقين
اللهم واجعلنا ممن يستمعون للقول فيتبعون احسنه
اخى الكريم
احمد
جزاك الله خيرا على نقل هذه السير العطرة
لا حرمك الله الاجر
بالتوفيق
__________________

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 10-05-2010, 09:29 PM
الصورة الرمزية ahmed1954
ahmed1954 ahmed1954 غير متصل
عضو مبدع
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
مكان الإقامة: ***********
الجنس :
المشاركات: 934
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )

__________________
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 12-05-2010, 12:44 PM
الصورة الرمزية ahmed1954
ahmed1954 ahmed1954 غير متصل
عضو مبدع
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
مكان الإقامة: ***********
الجنس :
المشاركات: 934
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )




النَّدْوي أبوالحسن علي بن عبد الحي بن فخرالدين الحسني



بسم الله الرحمن الرحيم



اسمه ونسبه



عليٌّ أبو الحسنِ بنُ عبد الحي بن فخر الدين الحسني ـ ينتهي نسبه إلى عبد الله الأشتر بن محمد ذي النفس الزكية بن عبد الله المحض بن الحسن السبط بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه هاجربعض أجداده وهو الأمير السيد قطب الدين محمدالمدني (م 677هـ) إلى الهند في أوائل القرن السابع الهجري.
أبوه علامة الهند ومؤرِّخُها السيد عبدالحي بن فخرالدين الحسني رحمه الله صاحب المصنَّفات المشهورة: “ نُزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر في تراجم علماء الهند وأعيانها” - طُبع أخيراً باسم : الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام- في ثمانية مجلدات. “والهند في العهد الإسلامي”،و”الثقافة الإسلامية في الهند”.
أمه - رحمها الله - كانت من السيدات الفاضلات،المربِّيات النادرات،المؤلِّفات المعدودات، تحفظُ القرآن وتكتبُ وتؤلِّف، وتقول الشعرَ.

ميلاده ونشأته

وُلِدَ بقرية تكيه بمديرية راي بريلي- في الولاية الشمالية -(Uttar Pardash) بالهند في 6/ محرم 1333هـ الموافق عام 1914م.
بدأ تعلُّمَه للقرآن الكريم في البيتِ تُعاوِنُه أمُّه، ثم بدأ في تعلُّم اللغتَينِ الأرديةَ والفارسيةَ.
تُوُفِّي أبوه عام 1341هـ - ( 1923م) وهو لم يزل دون العاشرة، فتولَّى تربيتَه أمُّه الفاضلةُ،وأخوه الأكبُر الدكتور عبد العلي الحسني الذي كان هو الآخَرُ طالباًفي كلية الطب بعد تخرُّجِه من دار العلوم ندوة العلماء ومن دار العلوم ديوبند.
بدأ تعلُّم العربيةِ على الشيخ خليل بن محمد الأنصاري اليماني عام 1342هـ (1924م) وتخرَّج عليه،كما استفاد- في دراسة اللغة العربية وآدابها - من عمَّيهِالشيخ عزيز الرحمن والشيخ محمد طلحة،وتوسع فيها وتخصص على الأستاذ الدكتور تقي الدين الهلالي عند مقدمه في ندوة العلماء عام 1930 م.
حضراحتفالَ ندوة العلماء بكانفور عام 1926م، وشدَّ انتباه المشاركين في الاحتفال بكلامه العربي، واستعان به بعضُ الضيوفِ العرب في تنقُّلا ته خارجَ مقرِّ الحفل.
التحق بجامعة لكهنؤ في القسم العربي عام 1927م -وكان أصغرَ طُلاب الجامعةِ سِنّاً - وحصل علىشهادة فاضل أدب في اللغة العربية وآدابها.
قرأ -أيام دراسة اللغة العربية الأولى -كتبا تعتبر في القمة في اللغة الأردية وآدابها ، مِمَّاأعانه على القيام بواجب الدعوة، وشرح الفكرة الإسلامية الصحيحة، وإقناع الطبقة المثقَّفة بالثقافة العصرية.
عكف على دراسة اللغة الإنجليزية في الفترة مابين 1928- 1930م ممامكَّنَتْه من قراءة الكتب المؤلَّفة -بالإنجليزية - في المواضيع الإسلامية والحضارة الغربية وتاريخها وتطورها، والاستفادة منها مباشرة.
التحق بدار العلوم لندوة العلماء عام 1929م، وحضَر دروسَ الحديث الشريف للعلامة المحدِّث المربِّي حيدر حسن خان- وكان قد دَرَسَ كتاب الجهاد من صحيح الإمام مسلم على شيخه خليل الأنصاري- ولازَمَه سنتَيْنِ كاملَتَيِن فقرأ عليه الصحيحين، وسنن أبي داؤد، وسنن الترمذي حرفاً حرفاً، وقرأ عليه دروساً في تفسير البيضاوي أيضاً، وقرأ على الشيخ الفقيه المفتي شبلي الجيراجبوري الأعظمي بعض كتب الفقه.
تلقَّى تفسيرَ سورٍ مختارة من شيخه خليل الأنصاري، ثم تلقَّى دروساًفي التفسير من الشيخ عبد الحي الفاروقي، وحضر دروس البيضاوي للمحدث حيدرحسن خان، ودَرَسَ التفسيرلكامل القرآن الكريم - حسب المنهج الخاص للمتخرجين من المدارس الإسلامية - على العلامة المفسِّر أحمد علي اللاهوري في لاهور عام 1351هـ / 1932م . أقام عند العلامة المجاهدحسين أحمد المدني عام 1932م في دار العلوم ديوبند عدة أشهر، وحضردروسَه في صحيح البخاريِّ وسنن الترمذيِّ، واستفاد منه في التفسيروعلوم القرآن الكريم أيضاً،كما استفادمن الشيخ الفقيه الأديب إعزاز علي في الفقه، و من الشيخ المقرئ أصغر علي في التجويد على رواية حفص.

حياته العملية وجهوده الدعوية

تَعيَّن مُدَرِّساً في دارالعلوم لندوة العلماء عام 1934م، ودرَّس فيها التفسير والحديث، والأدب العربي وتاريخه’ والمنطق.
تزوج عام 1934م، وعوضه الله عن أولاده من الصلب ابن الأخ الداعية الكاتب الموهوب[ محمد الحسني رحمه الله] وأبناء الأخت الصالحين البررة الدعاة المخلصين[ محمد الثاني رحمه الله، محمد الرابع، ومحمد الخامس وهو المعروف بـ: واضح رشيد حفظهما الله]
استفادمن الصُّحف والمجلات العربية الصادرة في البلاد العربية - والتىكانت تصل إلى أخيه الأكبر،أوإلىدار العلوم ندوة العلماء-مما عرَّفَه على البلاد العربية وأحوالها، وعلمائها’وأدبائها’ومفكِّر يهاعن كثب.
بدأ يتوسع في المطالعة والدراسة - خارجاً عن نطاق التفسير والحديث والأدب والتاريخ أيضاً- منذ عام 1937م، واستفاد من كتب المعاصرين من الدعاة و المفكرين العرب ، وفضلاء الغرب ،و الزعماء السياسِيِّينَ.
قام برحلة استطلاعية للمراكز الدينيَّة في الهند عام 1939م تعرَّف فيها على الشيخ المربِّي عبد القادر الراي بوري والداعية المصلح الكبيرمحمد إلياس الكاندهلوي، وبقي علىصلة بهما، فتلقَّى التربيةَ الروحيةَ من الأول وتأسَّى بالثاني في القيام بواجبِ الدعوةوإصلاح المجتمع، فقضى زمناً في رحلات دعوية متتابعة للتربية والإصلاح والتوجيه الديني على منهجه، واستمرت الرحلات الدعوية - على اختلاف في الشكل والنظام - إلى مرض وفاته رحمه الله في ذي الحجة عام 1420هـ.
أسَّسَ مركزاً للتعليمات الإسلامية عام 1943م’ ونظَّم فيها حلقاتِ درسٍ للقرآن الكريم والسنَّة النَّبوِيَّةِ فتهافتَ عليها الناسُ من الطبقة المثقفةِ والموظَّفِين الكبار.
اختير عضواً في المجلس الانتظامي [الإداري] لندوة العلماء عام 1948م ، وعُيِّن نائبا لمعتمد (وكيل)ندوة العلماء للشؤن التعليمية بترشيحٍ من المعتمد العلامة السيد سليمان النَّدْوي -رحمه الله - عام 1951م، واختيرمعتمداً-إثرَ وفاة العلامة رحمه الله-عام 1954م،ثم وقع عليه الاختيارُ أميناًعاماًلندوة العلماء -بعد وفاة أخيه الدكتور السيد عبد العلي الحسني - عام 1961م.
أسَّسَ حركة رسالة الإنسانية عام 1951م.
أسَّسَ المجمع الإسلامي العلمي في لكهنؤ عام 1959م
شارك في تأسيس هيئة التعليم الديني للولاية الشمالية (U.P.) عام 1960م، وفي تأسيس المجلس الاستشاري الإسلامي لعموم الهند عام 1964م، وفي تأسيس هيئة الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند عام 1972م . دعا إلى أوَّل ندوة عالمية عن الأدب الإسلامي في رحاب دارالعلوم لندوة العلماءعام 1981م .

أهم مؤلفاته

نُشِرَله أوَّلُ مقالٍ بالعربية في مجلة “المنـار” للسيد رشيد رضا عام 1931م حول حركة الإمام السيدأحمد بن عرفان (الشهيد في بالاكوت عام 1831م)
ظهر له أوَّلُ كتاب بالأردية عام 1938 م بعنوان “ سيرة سيد أحمد شهيد” ونال قبولاً واسعاًفي الأوساط الدينية والدعوية.
ألّف كتابه “ مختارات في أدب العرب” عام 1940م ، وسلسة “قصص النبيين” للأطفال’وسلسلةً أخرىللأطفال’باسم:“القراءة الراشدة” في الفترة مابين 1942-1944م.
بدأ في تاليف كتابه المشهور “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين” عام 1944 م،وأكمله عام 1947م، وقد طُبِعت ترجمتُه الأرديةُ في الهند قبل رحلته الأولى للحج عام 1947م.
ألَّف - عام 1947م - رسالة بعنوان : “إلى مُمثِّلي البلاد الإسلامية” موجَّهةً إلى المندوبين المسلمين والعرب المشاركين في المؤتمر الآسيوي المنعقد في دلهي- على دعوة من رئيس وزراء الهند وقتها : جواهر لال نهرو - فكانت أولَ رسالةٍ له انتشرت في الحجاز عند رحلته الأولى.
كلَّفته الجامعة الإسلامية في عليكره (A.M.U.) الهند، بوضع منهاج لطلبة الليسانس في التعليم الديني أسماه “إسلاميات”، وألقى في الجامعة الملية بدلهى - على دعوة منها- عام 1942م محاضرةًطُبعت بعنوان : “بين الدين و المدنِيَّةِ”.
دُعِي أستاذاً زائِراً في جامعة دمشق عام 1956م، وألقى محاضرات بعنوان : "التجديد و المجدِّدون في تاريخ الفكر الإسلامي" ضُمَّت - فيما بعد- إلى كتابه الكبير"رجال الفكر والدعوة في الإسلام ".
ألقى محاضرات في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - على دعوة من نائب رئيسها سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز- عام 1963م، طُبِعت بعنوان: "النبوة والأنبياء في ضوء القرآن".
سافر إلى الرياض- على دعوة من وزير المعارف السعودي - عام 1968م للمشاركة في دراسة خطة كلية الشريعة،وألقى بها عدَّةَ محاضرات في جامعة الرياض وفي كلية المعلِّمين، وقد ضُمَّ بعضُها إلى كتابه: "نحو التربية الإسلامية الحرة في الحكومات والبلاد الإسلامية".
ألّف - بتوجيهٍ من شيخه عبد القادر الراي بورى - كتاباً حول القاديانية ، بعنوان: "القادياني والقاديانية " عام1958م.
ألَّف كتابه " الصِّراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية" عام 1965م، وكتابه " الأركان الأربعة" عام 1967م ، و"العقيدة والعبادة والسلوك" عام 1980م، و " صورتان متضادتان لنتائج جهود الرسول الأعظم والمسلمين الأوائل عند أهل السنة و الشيعة" ، عام 1984م، و"المرتضى" في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عام 1988م.

الصحافة

شارك في تحرير مجلة " الضياء"العربية الصادرة من ندوة العلماء عام 1932م، ومجلة "الندوة" الأردية الصادرة منها أيضاً عام 1940 م ، وأصدر مجلة " التعمير" الأردية عام 1948م.
وتولَّى كتابة افتتاحيات مجلة " المسلمون" -الصادرة من دمشق- في الفترة مابين59- 1958 م وكانت أُوْلاها هي التي نُشِرت فيما بعد بعنوان : "رِدَّة و لا أبا بكر لها"،كما ظهرت له مقالات في مجلة "الفتح"للأستاذ محب الدين الخطيب.
أشرف على إصدار جريدة "نداي ملت" الأردية الصادرة عام 1962م، وكان المشرفُ العام على مجلة "البعث الإسلامي" العربية الصادرة منذ عام 1955م، وجريدة "الرائد" العربية الصادرة منذ عام1959م، وجريدة "تعمير حيات" الأردية الصادرة منذ عام 1963م، والمجلة الإنجليزية TheFragrance الصادرة منذ عام 1998م، أربعتُها تصدر من ندوة العلماء، وكان هو المشرف العام على مجلة "معارف" الأردية الصادرة من دار المصنفين بأعظم كره، ومجلة الأدب الإسلامي الصادرة من رابطة الأدب الإسلامي العالمية مكتب البلاد العربية، ومجلة "كاروان أدب" الصادرة من رابطة الأدب الإسلامي العالمية مكتب بلاد شبه القارة الهندية.

رحلاته في طلب العلم

سافر إلى مدينة لاهور عام 1929م، وكانت أوَّلَ رحلةٍ له إلى بلدٍ بعيد’ حيث تعرَّف على علمائها وأعيانها، والتقى بشاعر الإسلام الدكتور محمد إقبال وكان قد ترجم بعض قصائده -قصيدة القمر- إلى النثر العربي.وفي هذه الرحلة عرضه عمه الشيخ محمد طلحة على المربي الكبير الأستاذ محمد شفيع واستشاره في الميدان الذي يختاره للدراسة في المستقبل فأشار عليه المذكور بالاستمرار في تعلم العربية.
سافر ثانية إلى لاهور عام 1930م وقرأ عليه تفسير أوائل سورة البقرة.
وفي رحلته الثالثة إلى لاهور عام 1931م قرأ على العلامة اللاهوري كتاب حجة الله البالغة للإمام ولي الله الدهلوي رحمه الله.
رافق العلامة الدكتور تقي الدين الهلالي في رحلته إلى بنارس وأعظم كره ومؤ ومبارك فور، ولعله في هذه الرحلة قرأ أوائل الصحاح على صاحب تحفة الأحوذي العلامة عبد الرحمن المباركفوري وأخذ منه - أيضاً - الإجازة في الحديث.
سافر إلى ديوبند عام 1932م وأقام بدارالعلوم ديوبند للحضور في دروس العلامة المحدث المجاهد حسين أحمد المدني في الحديث الشريف ، كما استفاد منه بصفة خاصة في التفسيروعلوم القرآن.
وفي رحلته الرابعة إلى لاهور عام 1932م قرأ على العلامة اللاهوري تفسير كامل القرآن الكريم حسب المنهاج المقرر للمتخرجين من المدارس الإسلامية.
رافق العلامة السيد سليمان النَّدْوي في سفره إلى كرنال وباني بت، وتهانيسر ودلهي عام 1939م.

رحلاته الدعوية

وتوجَّه إلى بومبائ عام 1935م لدعوة الدكتور أمبيدكر زعيم المنبوذين إلى الإسلام.
قام برحلة استطلاعية للمراكز الدينية في الهند عام 1939م.
سافر للحج عام 1947م، وكانت أوَّلَ رحلةٍ له خارج الهند، وأقام بالحجاز ستة أشهر’ وتعرَّف على كبار علماء الحجاز، أمثال أصحاب الفضيلة الشيوخ : عبد الرزاق حمزه ، عمر بن الحسن آل الشيخ،و السيد علوي المالكي ، وأمين الكتبي ، وحسن مشاط، ومحمدالعربى التباني، ومحمود شويل، وكانت رسالته "إلى ممثلي البلاد الإسلامية" قد طبعت، فكانت خيرَ معرِّف لمؤلِّفها في الحجاز، وقد قرأها ذات يوم فضيلة الشيخ محمد علي الحر كان على طلابه في المسجد النبوي الشريف، واطَّلع فضيلة الشيخ عبد الرزاق حمزه إمام الحرم المكي على مسوَّدة كتابه "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" فأعجب به ،وشجَّع المؤلِّف الناهض على نشره.
ورحل للحج مرة أخرى عام 1951م، وتعرَّف على أدبائها وكتَّابها بصفة خاصة، وعلى رأسهم معالي الشيخ محمد سرور الصبان، والتقى بهم عدة لقاءاتٍ كان أهمَّها اللقاءُ في بستان البخاري بمكة المكرمة الذي حضره جمع من الشباب الأدباء والصحفيين وكبارالموظفين أمثال الأساتذة : سعيد العامودي،وعبد القدوس الأنصاري، وعلى حسن فدعق، ومحسن أحمد باروم، وحسين عرب،وكانت الجلسة - حسب تعبير سماحته -كأنها جلسة نقاش للطالب قدَّروا فيه مدى معرفته اللغةَ العربية، وسبروا غورَه في دراسته ومعلوماته العامة، واطِّلاعَه على اللغة الإنجليزية، فكانت الأسئلة حيناً عن ا لأدب العربي وأعلامه المعاصرين، وآخر عن الاشتراكية والأدب الإنجليزي، والحضارة الغربية وما إلى ذلك، وكانت النتيجة أن طُلب منه إلقاء سلسلة من الأحاديث على إذاعة جدة، فألقاها بعنوان : "بين العالم وجزيرة العرب" ثم تكرَّرَتْ رحلاتُه للبلاد المقدَّسَةِ.
زارمصر للمرة الأولى عام 1951، وكان كتابه "ماذاخسر العالم بانحطاط المسلمين" قد سبقه إلى الأوساط العلميةِ والدينية، والدعويةِ، والأدبيةِ فكان خيرَ معِّرفٍ لمؤلِّفِه. ومكث في القاهرة ستة أشهر إلا قليلا، وألقى سلسلة من الأحاديث والمحاضرات في مختلف النوادي والجمعيات، التي تَعرَّف فيها على شباب مصر والأوساط القديمة والجديدة، واسترعىانتباههم، والتقى فيها- من كبارالعلماء ومشايخ الأزهر-مع شيخ الأزهر عبد المجيد سليم، ومحمد شلتوت، وأحمد محمد شاكر،وحَسَنَين محمد مخلوف، ومحمدحامد الفقي، ومحمد عبد اللطيف دراز، ومحمد فؤاد عبد الباقي، ومصطفى صبري باشا شيخ الإسلام سابقا بالدولة العثمانية ) ومحمد الشربيني، ومحمد يوسف موسى، وأحمد عبد الرحمن البنَّا (والد الشيخ حسن البنَّا رحمه الله).
ومن القادة والزعماء مع : سماحة المفتي أمين الحسيني، والأمير عبدالكريم الريفي، واللواء صالح حرب باشا، ومن الدعاة والمفكرين الإسلاميين سيد قطب، ومحب الدين الخطيب، وأحمد الشرباصي، ومحمد الغزالي، وسعيد رمضان، وصالح العشماوي،وبهي الخولي، ومن الأدباء أحمد أمين، وعباس محمود ا لعقاد، وأحمد حسن الزيات.
وكان من أهم الأحاديث التي ألقاها محاضرةٌ في دارالشبان المسلمين، بعنوان: " الإسلام علىمفترق الطرق"، وأخرى بعنوان : "الدعوة الإسلامية وتطوراتها في الهند" في حفل أقامه رئيس عام جمعيات الشبان المسلمين تكريماًله، والثالثة حول: "شعر إقبال ورسالته" في كلية دارالعلوم، والرابعة بعنوان: "الإنسان الكامل في نظر الدكتور محمد إقبال" في جامعة فؤاد الأول، عدا محاضرات في عدد من المراكز الدعوية والجمعيات مثل:شباب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وجمعية أنصار السنة المحمدية، والجمعية الشرعية، وجمعية العشيرة المحمدية، وجمعية مكارم الأخلاق، والرابطة الإسلامية، وحضر ندوةًدعويةًفي منزل سيد قطب حول كتابه: "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين".
وفي الرحلة نفسِها نُشرت رسالتُه بعنوان: "اسمعي يامصر" علَّق عليهاسيد قطب قائلاً: "قرأتُ اسمعي يا مصر وياليت مصر قد سمِعَتْ" .
ونظَّم له الإخوانُ رحلاتٍ وجولاتٍ دعويةً زار فيها -عدا القرى والأرياف - القناطرالخيرية، وطنطا، وبنها، وحامول، وحلوان، وسنتريس، والمحلة الكبرى، ونكله، والعزيزية، وقويسنا، ونبروه، رافقه فيها ترجمان الإخوان والداعية الكبير محمد الغزالي، وذلك عدا لقاءاتٍ متكررة مع الطلاب في أروقة الأزهروالفنادق.
وسافر في الرحلة نفسها إلى السودان والشام والقدس والأردن، والتقىبالسودان مع أعيانها وكبار رجالها، أمثال:السيد علي ميرغني باشا، والأستاذ إسماعيل بك الأزهري ـ رئيس وزراء السودان فيمابعد- وشوقي أسد سكرتيرجمعية التبشير الإسلامي ، ومحمد عوض إمام المسجد الجامع، والحاج محمد موسى سليمان قائد العمال ورئيس جمعية الشبان المسلمين .
أقام في الشام 48 أياما، قضى 24 يوما منها في دمشق ـ وزار في باقيها حمص، وحماه، ومعرة النعمان ، وحلب، وحارم، فكانت فرصةً للاتصال بالأوساط العلمية والدينية والأدبية المختلفة ، ومقابلة شخصياتها الموقرة، وتبادل الأراء معها ، فزار من مؤسَّسات الشام ومراكزها العلمية والأدبية مركزالإخوان المسلمين بجامع الدقاق، والمجمع العلمي العربي بدمشق، والمكتبة الظاهرية، ومدرسة دارالحديث، وجمعية التمدن الإسلامي، وحضر إحدى جلسات البرلمان السوري المهمة المثيرة .
وألقىمحاضرةً في قاعة جامعة دمشق بعنوان: "شهادة العلم والتاريخ في قضية فلسطين" عدا محاضرات في كل من الهيئة العلمية الإسلامية، وجمعية التمدن الإسلامي، والجمعية الغراء،ومركز الإخوان المسلمين في حمص، ومركز الإخوان بحماه، وفي اجتماع كبير بحلب.
والتقىفيها مع كبارعلمائها وأدبائهاأمثال أصحاب الفضيلة : عبد الوهاب الصلاحي، ومكي كتاني،وأحمد الدقر، ومحمد بهجة البيطار، وأبي الخير الميداني، ومصطفىالسباعي، ومحمد المبارك، ومصطفىالزرقاء،ومحمد أحمد دهمان، وأبي اليسر عابدين- حفيد العلامة الشامي و مفتي الجمهورية ـ وأحمد كفتارو، ومحمدسعيدبرهاني، ومحمد على حوماني، وتيسيرظبيان،ومحمدكمال خطيب، ومحمدكردعلى، ومحمد عزة دروزة، وخليل مردم بك، وعبد القادر المغربي. وكان يرافقه ويساعده في الوصول إلى الناس وزياراتهم الأستاذ عبدالرحمن الباني الذي كان مدرِّسا في كلية المعلِّمين بدمشق .
وفي فلسطين زار بيت المقدس، وتشرف بزبارة المسجد الأقصى، وقضى الأيام الأخيرة من رمضان وصلى العيد بها، وزار مدينة الخليل، وبيت اللحم، وفي العودة منها قابل بالأردن الملك عبد الله ملك الأردن، وقد طُبعت مذكراته لهذه الرحلة الطويلة بعنوان:"مذكرات سائح في الشرق الأوسط" .
وزار الشام للمرة الثانية ـ أستاذاً زائراً في كلية الشريعة بجامعة دمشق ـ عام 1956م، وأقام بها ثلاثة أشهر كان فيها على صلة وعلاقة دائمة مع علماء دمشق وأدبائها ومفكِّريها، وقادة الحركات والمنظَّمات الإسلامية، وألقى ـ عدا محاضراته الأساسية في الجامعة حول التجديد والمجدِّدين في تاريخ الفكر الإسلامي ـ أحاديث على إذاعة سورية، كان أولها بعنوان "اسمعي يا سورية !" ومحاضرة في مركز الإخوان بحلب بعنوان: "حاجتنا إلى إيمان جديد"، وكلمة في المؤتمر الإسلامي بدمشق بعنوان: "ارتباط قضية فلسطين بالوعي الإسلامي" وخطاباً أمام مدرِّسي الدين بالجامعة. وسافر إلى الشام مرة ثالثة عام 1964م والمرة الرابعة لنصف ليلة فقط عام 1973م .
سافر في هذه الرحلة - 1956م- إلى لبنان، زار فيها بيروت وقلمون وطرابلس، والتقى فيها مع الشخصيات الدينية والعلمية وقادة الحركات الدينية، أمثال: محمد عمر داعوق مؤسِّس حركة عباد الرحمن، ومحمد علايا مفتى الجمهورية، وشفيق يموت رئيس المحكمة الشرعية، ومحمد أسد ـ ليوبولد ويس سابقا ـ صاحب كتاب: الطريق إلى مكة، ومصطفى الخالدي الداعي العامل المعروف في المجالات الاجتماعية، والفضيل الورتلاني المجاهد الجزائري المعروف، وزار في بيروت مركزعبادالرحمن،وكلية الشريعة، وألقى في خلية الملك سعود ـ وهي مركز إسلامي ببيروت وقاعة المحاضرات والاجتماعات - بعنوان: "الشعوب لاتعيش على أساس المدنيات بل تعيش بالرسالة وتعضدها روحها وخصائصها" وزار في طرابلس الكلية الشرعية، ومركز المولوية، ومدرسة الغزالي،ومدرسة ابن خلدون وغيرها .
سافر في الرحلة نفسها- 1956م- إلى تركياومكث فيهاأسبوعين طبعت مذكراتها بعنوان: " أسبوعان في تركيا الحبيبة"، ثم سافر إليها عام 1964م، فعام 1986م، فعام 1989م، فعام 1993م فعام 1996م وكانت الرحلاتُ الأربع الأخيرة للحضور في مؤتمرات رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
سافر إلى الكويت عام 1962م و ألقى بهاكلمته الرائعة بعنوان: "اسمعي يا زهرة الصحراء" ثم عام 1968م’ فعام 1983م، فعام 1987م،
وإلى الإمارات العربية المتحدة عام 1974م على دعوة من حاكم الشارقة الأمير سلطان بن محمد القاسمي’ ثم عام 1976م’ فعام 1983م، فعام 1988م، فعام1993م، وإلى قطر للحضور في مؤتمر السيرة النبوية عام 1990م، وقد طُبِعت أهم محاضراته التي ألقاها في الخليج العربي في مجموعة بعنوان : "أحاديث صريحة مع إخواننا العرب المسلمين"
سافر على رأس وفد من رابطة العالم الإسلامي عام 1973م إلى أفعانستان، وإيران، ولبنان ، والعراق (وكان قد زار العراق للمرة الأولى عام 1956م) وسوريا ، والأردن، وكانت له في كل من هذه البلدان محاضرات وكلمات و أحاديث، وقد طُبعت مذكراته لهذه الرحلة بعنوان :"من نهر كابل إلى نهر اليرموك".
سافر على دعوة من مؤسَّسة آل البيت إلىالأردن عام 1984م. وألقى محاضرات في جامعة اليرموك ، و في كلية العلوم العربية وغيرها ،
وزار في العام نفسِه اليمن - على دعوة من وزير التعليم اليمني-وألقىمحاضرات في جامعة صنعاء و في كلية الطيران, ومركز المدرَّعات وفي بعض الجوامع، وقد طُبِعت أهم محاضراته في الرحلتين بعنوان : "نفحات الإيمان بين صنعاء و عمان"
سافرعلى دعوة من رابطة الجامعات الإسلامية إلى المغرب الأقصى عام 1976م - وقد طُبعت مذكرات هذه الرحلة بعنوان : " أسبوعان في المغرب الأقصى"_ و سافر إلى الجزائرللحضور في ملتقى الفكر الإسلامي عام 1982م، ثم عام 1986م.
سافر إلى بورماعام 1960م،
وإلى باكستان عام 1964م، ثم عام 1978م على دعوة من رابطة العالم الإسلامي لحضورمؤتمرها الأسيوي الأول. فعام 198م، فعام 1986م-وقد طبعت أحاديثه في باكستان في مجموعتين بالأردية بعنوان: " أحاديث باكستان " و"تحفة باكستان"- و إلى سري لانكا عام 1982م،
وإلى بنغلاديش عام 1984م وطبعت أحاديثه -فيها- بالأردية بعنوان : "تحفة مشرق".
كانت رحلته الأولى إلى أوروبا عام 1963م، زار فيها جنيف، ولوزان، وبرن، وباريس، ولندن، وكيمرج، وآكسفورد، وغلاسغو، وإيدامبرا، وقابل فيها عدداً من فضلاء الغرب والمستشرقين وألقى محاضرات في كل من جامعة إيدامبرا، وجامعة لندن، وفي اجتماعات خاصة للمسلمين، وزار في الرحلة نفسِها مدريد، وطليطلة ، وإشبيلية، وقرطبة، وغرناطة، من مدن أسبانيا.
وكانت رحلته الثانية إلى أوروبا عام 1964م زار فيها لندن، وبرلن، وآخن وميونخ، و بون، والرحلة الثالثةكانت عام1969م على دعوة من المركز الإسلامي بجنيف زار فيهاجنيف، ولندن، وبرمنغهم، ومانشستر، وبليك برن و شيفلد، وديوزبري، وليدس، وغلاسغو، وألقى في كل منها محاضرات، منها محاضرة في جامعة برمنغهم، وأخرى في جامعة ليدس، وقدطبعت محاضراته وأحاديثه في أوروبا بعنوان : "حديث مع الغرب ".
والرحلة الرابعة إلى لندن كانت عام 1983م بمناسبة تأسيس مركزآكسفوردللدراسات الإسلامية-وألقى في تلك المناسبة مقاله القِّيم بعنوان: "الإسلام والغرب"، ثم تكرَّرت رحلاته إلى إنكلترا. زار بلجيكا عام 1985م،
و سافر- على دعوة من "منظَّمة الطلاب المسلمين في أمريكاوكندا "- إلى أمريكاوكندا عام 1977م حيث زارنيويورك، و إنديانابولس، وبلومنغتن، ومين هاتن،ونيويورك ستي، وشيكاغو، وجرسى ستي، وفلادلفيا، وبالتي مور، وبوستن،ودترايت، وسالت ليك ستى، وسان فرانسسكو، وسان جوزي ، ولوس إنجلوس، ومونتريال، وتورنتو، وواشنطن، وألقىمحاضرات في كل من جامعة كولومبيا، وجامعة هارورد’ وجامعة دترايت، وجامعة جنوب كيلي فورنيا، وجامعة أوتا، وفي قاعة الصلاة بالأمم المتحدة، وفي اجتماعات المسلين الخاصة - طُبِعت أهم محاضرات هذه الرحلة بعنوان :" أحاديث صريحة في أمريكا"- وزار أمريكا مرة أخرىعام 1993م .
سافر- على دعوة من حركة "أبيم" حركة الشباب المسلم- إلى ماليزيا عام 1987م، فزاركوالالمبور وكوالا ترنكانو، وألقى محاضرات في الجامعة الوطنية، والجامعة التكنولوجية، والجامعة الماليزية،والجامعة الإسلامية العالمية، ومركز حركة "أبيم"، ومركز الحزب الإسلامي، ومعهد التربية الإسلامية، واجتماعات عامة للمسلمين.
سافر إلى تاشقند، وسمرقند، وخرتنك، وبخارى عام 1993م لحضور مناسبة تأسيس مركز علمي تذكاراً للإمام البخاري.

مع الأمراء والملوك

أقام سنتين في مقتبل شبابه ـ وذلك بعد وفاة أبيه ـ في قصر الأمير نورالحسن-نجل العلامة الأميرصديق حسن خان-وقد أفادته هذا الإقامةُ إذ زالت عن عينه غشاوةُ المهابة للزينات والزخارف، ولم تبهر عينَه قط مظاهر الإمارة والثراء.
قابل الملك عبد الله بن الشريف حسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية ثلاث مقابلات عام 1951م، لَفَت فيها نظرَه إلى رعاية المسجد الأقصى، والعناية به، وباللاجئين الفلسطينين، والتقى بالملك حسين بن طلال عاهل المملكة الأردنية عام 1973م مع وفد من رابطة العالم الإسلامي .
وجَّه إلى الأمير سعود بن عبد العزيز آل سعود رسالة عام 1947م، طبعت بعنوان: "بين الجباية والهداية"، والتقى به ملكاً للمملكة العربية السعودية في جلسة تأسيس رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عام 1962م .
كان أول لقائه مع الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود عام 1963م، والتقى به ملكاً عدة لقاءات، كما قابل الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود والملك فهد بن عبد العزبز آل سعود في زيارات مختلفة، ووجَّه إليهم رسائل دعوية، أبدى فيها آراءه وملاحظاته ونبَّههم إلىأن للحجاز شخصيةً خاصةً ورسالةً ومكانةً، ولابد من المحافظة عليها في كل عصرٍ.
قابل الملك حسن الثاني ـ عاهل المملكة المغربية الهاشمية - عام 1976م، وحدَّثه عن انتظار المسلمين واحتياجهم إلى قائد عصامىٍّ، مؤمنٍ ألمعيٍّ، يمتاز بإخلاصه ويقِينه، وعزمه الراسخ، وقلبه الواثق .
التقى بالأمير سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة عدة لقاءات، وسافر على دعوة منه لىالإمارات العربية المتحدة عام 1974م، وقد زاره الأمير في مقره بلكهنؤ عام 1980م .
قابل الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية اليمينة في صنعاء عام 1984م .
زاره الجنرال محمد ضياء الحق رئيس الجمهورية الإسلامية الباكستانية في كراتشي عام 1984م، فقَّدم إلى فخامته تمثال قبة الصخرة الرخامي ـ الذي كان أُهدي إلى سماحته هديةٍ تذكارية من كلية العلوم بالأردن ـ تلميحا منه بأن استخلاص المسجد الأقصى المبارك مسئولية من مسئوليات رئيسٍ مؤمنٍ لبلدٍ مسلمٍ كبير كباكستان، وكان آخر لقائه مع الرئيس ضياء الحق عام 1986م .

تقدير وتكريم

اختير عضوا مراسِلاً في مجمع اللغة العربية بدمشق عام 1956م .
أدار الجلسة الأولى لتأسيس رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عام 1962م نيابةً عن رئيسها سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -وقد حضر أولَّها جلالةُ الملك سعودُ بن عبد العزيز آل سعودكما حضرها الملك إدريس السنوسي حاكم ليبيا، وشخصيات أخرى ذات شأن-وقدَّم فيها مقالَه القيِّمَ بعنوان: "الإسلام فوق القوميات والعصبيات".
اختير عضواً في المجلس الاستشاري الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة منذ تأسيسها عام 1962م،ظلَّ عضوا فيه إلى انحلال المجلس- وانضمام الجامعة في سلك بقية الجامعات السعودية تابعةً لوزارة التعليم العالي - قبل أعوام.
اختير عضواً في رابطة الجامعات الإسلامية منذ تأسيسها عام
اختير عضوا مؤازراً في مجمع اللغة العربية الأردني عام 1980 م
تمَّ اختياره لجائزة الملك فيصل العالميةلخدمة الإسلام عام 1980م .
مُنح شهادة الدكتوراة الفخرية في الآداب من جامعة كشمير عام 1981م.
اختير رئيساً لمركز آكسفورد للدراسات الإسلامية عام 1983م.
اختيرعضواً في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت) عام 1983م
تأسَّست رابطة الأدب الإسلامي العالمية عام 1984م فاختيررئيسا عاما لها.
أقام عبدالمقصود خوجة ـ من أعيان جدة ـ حفلا لتكريم سماحته بجدة عام 1985م .
أقيمت ندوة أدبية حول حياته وجهوده الدعوية والأدبية عام 1996م في تركيا على هامش المؤتمر الرابع للهيئة العامة لرابطة الأدب الإسلامي العالمية .
منح جائزة الشخصية الإسلامية لعام 1998م من دولة دبي في رمضان 1419هـ
منح جائزة السلطان حسن البلقية العالمية في موضوع " سيرأعلام الفكر الإسلامي" من مركز آكسفورد للدراسات الإسلامية عام 1998م (1419هـ) ( )
منحه معهد الدراسات الموضوعية بالهند جائزة الإمام ولي الله الدهلوي لعام1999م - والتي تم منحها لأول مرة - وكان قد تقرر اختياره لهذه الجائزة في حياته ولكن وافته المنية قبل الإعلان الرسمي، وقد استلم هذه الجائزة باسم - رحمه الله - ابن أخته وخليفته فضيلة الشيخ محمد الرابع الحسني النَّدْوي في دلهي في 7/ من شعبان 1421هـ (نوفمبر2000م).
منحته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ( ايسسكو ISESCO) -تقديرا لعطائه العلمي المتميز وإكباراً للخدمات الجليلة التي قدمها إلى الثقافة العربية الإسلامية - وسام الإيسسكو من الدرجة الأولى. وقد استلم هذا الوسام نيابة عن ابن أخت سماحته وخليفته امينِ ندوة العلماء العام فضيلةِ الشيخ محمدٍ الرابعِ الحسني النَّدْوي وكيلُ ندوة العلماء للشؤون التعليمية سعادةُ الدكتور عبد الله عباس النَّدْوي في الرباط في 25/ من شعبان 1421هـ.

علاقته بالمنظمات والمؤسسات

أمين ندوة العلماء العام ورئيس دارالعلوم التابعة لها.
عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة
رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
رئيس مركز آكسفورد للدراسات الإسلامية.
عضو المجلس الأعلى العالمي للدعوة الإسلامية بالقاهرة.
عضو رابطة الجامعات الإسلامية بالرباط
رئيس المجمع الإسلامي العلمي في لكهنؤ، (الهند)
رئيس هيئة الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند
رئيس هيئة التعليم الديني للولاية الشمالية،
رئيس مجمع دار المصنفين بأعظم كره (الهند)
عضو المجلس الاستشاري بدار العلوم ديوبند (الهند)
عضوالمجلس الاستشاري الإسلامي لعموم الهند.
عضو المجلس الاستشاري الأعلى للجامعة الإسلامية في إسلام آباد( باكستان)
عضو مجمع اللغة العربية بدمشق.
عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
عضو مجمع اللغة العربية بالأردن.
عضو المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية ( مؤسسة آل البيت) بالأردن.
عضو الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت.
عضوالمجلس التنفيذي لمؤتمر العالم الإسلامي في بيروت.
عضو المجلس الإداري للمركز الإسلامي بجنيف.
وذلك عدا عضويته لكثير من الجامعات الإسلامية، والمنظمات الدعوية ولجان التعليم والتربية. رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عن الأمة الإسلامية خير مايجزي العلماء عن أممهم.
__________________
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 03-06-2010, 05:50 PM
الصورة الرمزية ahmed1954
ahmed1954 ahmed1954 غير متصل
عضو مبدع
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
مكان الإقامة: ***********
الجنس :
المشاركات: 934
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )

الاستاذ على عزت بوجفتش

علي عزت بيجوفيتش

علي عزت بيجوفيتش وكتابه «الإسلام بين الشرق والغرب»

محمد يوسف عدس ـ مصر[1]
على مدى عام أو يزيد ابتداءً من يولية 1992 ومأسة البوسنة والهرسك تستأثر بأولوية في الاعلام العالمي، فمن منّا لم يسمع بأهوال العدوان الصربي الوحشي على شعب البوسنة الاعزل؟ ومن منا لم يسمع بأعمال التطهير العرقي واغتصاب الارض والعرض.. ومعسكرات التعذيب؟ ومع ذلك نادرا ما كنا نشاهد «علي عزت بيجوفيتش» يظهر على شاشة التلفزيون وهو رئيس الدولة المُغتصبة وقائد المقاومة المستميتة. وعندما يظهر الرجل ـ لحظات خاطفة ـ في نشرات الاخبار نلمح انساناً مثقلاً كأنه يحمل على عاتقه جبلا من الهموم. ولكننا لا نملك إلاّ أن نعجب كيف انّه لا يزال قويا متماسكا لم يتحطم.. لقد عاش المآسي والكوارث التي تنقضُّ على شعبه ووطنه ليل نهار، وهو نفسه محاصر في مدينة سراييفو بمدفعية الصرب وقنّاصتهم يحدّقون بالمدينة على قمم الجبال، وقد تمزقت المدينة وتقطعت فيها شرايين الحياة فلا طعم ولا ماء ولا كهرباء. وتحول استاد سراييفو ـ الذي احتضن الالعاب الاولمبية الشتوية يوما ـ إلى مقبرة كبرى تضم رفات آلاف الضحايا من المسلمين الذين سقطوا صرعى في المجازر الصربية الهمجية.


صلابة علي عزت

كان للرجل امل في ان ينهض المجتمع الدولي بواجبه في انقاذ شعبه الاعزل أو على الاقل يرفع عنه حظر التسلح حتى يتمكن من الحصول على سلاح يدافع به عن نفسه ضد الغزو والعدوان، ولكن يطول انتظاره ولا يأتيه من الاخبار في كل يوم الا أسوأها: فموقف الامم المتحدة هزيل مُخز، وموقف الولايات المتحدة سلسلة من التشنجات والتراجعات المهينة. وأما موقف أوربا. فأقل ما يوصل به انّه موقف متحيز خسيس. فالماساة تقع في قلب اوربا والحقائق تقع امامها صارخة مزلزلة.. ولكن اوربا لا تحرك ساكنا لرد العدوان، وانما تتوالى تصريحات ساستها بأن دولهم لن تتدخل في الصراع وكأنهم يقولون للصرب: افعلوا اذن ما يحلو لكم.
قاومت بريطانيا مستميتة كل دعوة أو مبادرة لتسليح المسلمين بحجة ان ذلك يطيل امد الحرب ويزيد من اراقة الدماء.. وكانها تقول: دع المسلمين عُزلا من السلاح يائسين حتى يتم قتلهم بسرعة وسهولة، فاذا اُبيدوا ينتهي الصراع وتزول المشكلة. وهكذا تقف الحضارة الغربية عارية مجردة من كل مزاعمها الإنسانيّة والاخلاقية، وينكشف وجهها القبيح امام الالم.
ان (علي عزت) لا يعيش فقط ماساة شعبه الدامية ولا تحاصره مشاعر الاحباط المتصل بسبب المواقف الدولية المتخاذلة تجاه قضية بلاده العادلة، ولكن بالاضافة إلى كل ذلك يتعرض لمحاولات تستهدف تحطيم شخصيته وتمزيق نسيجه النفسي وسحق صلابته وشموخه واعتزازه بفكره ودينه وشعبه. وللاسف الشديد لا تأتيه هذه المحاولات من قبل اعدائه الظاهريين من الصرب والكروات فحسب وانما تأتيه بصفة خاصة من خلال المفاوضات في قصر الامم المتحدة، وبواسطة خبراء في المكر السياسي والدبلوماسي من امثال لورد «كارنجتون» ولورد «أوين» وغيرها، وهم اناس جعلوا اكبر همهم ان يروا علي عزت ينهار مستسلماً لضغوطهم فيوقّع على وثيقة موته ونهاية دولته وتحويل شعبه إلى شراذم من اللاجئين المشردين. وعندئذ تنحل عقدة المجتمع الدولي ودول اوربا بصفة خاصة.. فلن تكون في حاجة إلى سحب اعترافها السابق بدولة البوسنة والهرسك التي لم يعد لها وجود.
كانت هذه الظروف المأساوية جديرة بتحطيم اقوى الرجال، ولكن علي عزت ظل صامدا متماسكاً متوازن العقل صحيح النفس، وهو امر يثير الدهشة ويبعث على التساؤل.. ولكن لعل دهشتنا تزول إذا عرفنا طرفا من حياة الرجل وفكره كما يتمثل في كتابه «الإسلام بين الشرق والغرب»، فهذا الكتاب يمدنا برؤية داخلية كاشفة لشخصية مؤلفه وسماته النفسية والاخلاقية.


عاشق الحرية

قضى (علي عزت) فترات طويلة وراء قضبان السجون ـ في دولة يحكها نظام شيوعي دكتاتوري ـ بسبب افكاره التي لا تنسجم مع فكر النظام، الذي لا يقبل من رعاياه أقل من التسليم الكامل والتبعية المطلقة فلا يرتفع فكر ولا رأي آخر ما عدا فكر الدولة ورأيها. ولم يكن علي عزت من النوع الذي يتنازل عن جوهر انسانيته الذي يتمثل في حرية الاختيار وحرية الفكر والتعبير. وسنجد ان فكرة الحرية الإنسانيّة محور اساسي هام من المحاور التي تدور عليها الموضوعات التي تصدّى للكتابة فيها. ومما له دلالة نفسية على موقف المؤلف الخاص انّه عالج هذه الفكرة في علاقتها بالدكتاتورية والنظم الشمولية في اكثر من موضع وانتهى من تحليلاته إلى ان هذه النظم غير ممكنة، بمعنى انّه يستحيل استمرارها في الوجود لانها تنظر إلى الإنسان نظرة احادية الجانب فتصطدم بأعمق ما في طبيعته. وكأن علي عزت في ذلك الوقت المبكر كان يتنبأ بانهيار النظم الشيوعية قبل ان يبدأ الزلزال الذي اكتسحها بوقت طويل.
يمضي (علي عزت) ليكشف عن طبيعة العلاقة التي تربط بين السلطة المستبدة وبين نوعين مختلفين من الناس يسميهم «الاتباع والهراطقة». فهناك علاقة توافق وانسجام بين الاتباع الذين يعشقون التبعية والخضوع، وبين السلطة التي تحب ان يكون لها اتباع مخلصون لا يسألونها وانما يصفقون ويستحسنون. ويعلق المؤلف على ذلك بقوله: «انهم جميعاً متوافقون منسجمون كأنهم اجزاء من كل واحد». اما الهراطقة فانه يتحدث عنهم كأنه يصف نفسه فيقول: «انهم اناس اشقياء.. يتطلعون دائماً إلى شيء جديد.. قليلاً ما يتحدثون عن الخبز ولكن يتحدثون كثيراً عن الحرية.. يتحدثون عن السلام قليلاً وعن الشخصية الإنسانيّة كثيراً. انهم لا يقبلو فكرة ان الملك يمنحهم مرتباتهم وانما على العكس يعتقدون انهم هم الذين يطعمون الملك.. هؤلاء هم الهراطقة الخارجون.. لا يحبون السلطة ولا تحبهم السلطة.. في الاديان يُوقّر الامعات الاشخاص.. والسلطات.. والاوثان.. اما عشّاق الحرية فانهم لا يمجدون الا الله».
ولد علي عزت سنة 1925 في مدينة «بوسانا كروبا» في شمال غرب البوسنة، وقد اصبحت هذه المنطقة الآن تحت الاحتلال الصربي. واسم عائلته بجوفيتش معناه الحرفي «ابن عزت بك» وكلمة «بك» لقب شرفي موروث من الدولة العثمانية كان يمنح لمن قدم خدمة مرموقة لبلاده. وعلي عزت من اسرة مسلمة عريقة في البوسنة. تعلم في سراييفو والتحق بمدرسة تسمى «جمنازيوم» وهي مدرسة ثانوية تتبنى منهجاً اكاديمياً على غرار المناهج الالمانية، ويتميز النظام المدرسي فيها بالدقة والصرامة.


جماعة الشباب المسلمين

في ذلك الوقت كانت البوسنة والهرسك جزءاً من مملكة تحكمها اسرة لبرالية. ولم يكن التعليم الديني جزءاً من المناهج المدرسية. وكان علي عزت ـ وهو لا يزال شاباً ناشئاً ـ واعياً بأهمية ان يتعرف على دينه ويقرأ فيه قراءة مستفيضة فأتفق هو وبعض زملائه في المدرسة ان ينشئوا نادياً مدرسياً للمناقشات الدينية سموه «ملادي مسلماني» اي الشبان المسلمين.. وكثير من زملاء علي عزت واصدقائه ينتمون إلى هذه الفترة المبكرة من حياته.
تطورت جماعة «الشبان المسلمين» فيما بعد فلم تقتصر في نشاطها على الاجتماعات والمناقشات وانما امتدت إلى اعمال تعليمية وخيرية، وانشىء بها قسم خاص بالفتيات والمسلمات.. واستطاعت الجماعة اثناء الحرب العالمية الثانية ان تقدم خدمات فعالة في مجال ايواء اللاجئين ورعاية اليتامى والتخفيف من ويلات الحرب.. والى جانب هذه الانشطة تضمن برامج الجماعة برنامجاً «لبناء الشخصية». وكانت عضوية الجماعة تجتذب طلاباً من المدرسة الثانوية ومن جامعة سراييفو. ومن الثابت ان اتجاهات الجماعة وتطورها نحو التكامل والنضوج كان نتيجة سعيها المستمر لتحسين نفسها، ومحاولة الاستفادة في عملها بالمعرفة التي توصلت اليها من خلال تحليلاتها واجتهاداتها الخاصة إلى جانب تأثرها بأفكار اخرى جاء بها بعض الطلاب البوسنيين الذين تعلموا في جامعة الازهر بالقاهرة واتصلوا بمنظمات اسلامية هناك تعلموا منها ان الإسلام ايمان وعمل.. دين ودنيا.. وانّه اسلوب حياة بقدر ما هو طريقة في التفكير. وسنجد هذه الافكار تتطور عند علي عزت في كتابه «الإسلام بين الشرق والغرب» حيث يعالجها بمنهجه الخاص في اطار فلسفي.
كانت مجموعة الشباب المتعلم الدينامي الملتزم بفكر الإسلام واخلاقياته تحفزهم رغبة قوية لايقاظ مجتمعهم وتخليص فكره من كثير من المعتقدات الخاطئة التي كان يظن انها من الدين ولكنها في الحقيقة لا تستند إلى أي اساس من القرآن أو السنّة النبوية الصحيحة. وهي معتقدات سكت عنها رجال الدين الرسميون أو ساهموا في ترويجها لقلة فقههم في الدين. وبسبب ذلك، ولاسيما اخرى تتعلق بعجزهم عن مواجهة تطورات الحياة الحديثة بالفهم والمعالجة المستنيرة، كانت صلة علي عزت وصحبه بعلماء الدين الرسميين صلة محدودة يشوبها كثير من عدم الثقة بأهليتهم في ان يكون لهم دور فعال في انهاض المسلمين وتنويرهم وتخليصهم من كبوة الجهالة والارتكاس في الخرافات.
ولكن تبين للشبان المسلمين فيما بعد ان بقاءهم واستمرار نشاطهم لن يتحقق الا إذا كانت لهم مظلة رسمية تحميهم من مظنة اهل السوء والسلطان، فاقتربوا من «جمعية العلماء» وشجعهم على ذلك الشيخ «قاسم دوبراشا» (الذي توفى سنة 1979). وظل علي عزت محتفظاً بعلاقة ذات طابع عملي برجماتي مع «جمعية العلماء» وان كان لا يأمل فيهم كثيراً خاصة وان الدولة في ظل النظام الشيوعي كانت تتدخل في اختيار رئيس الجمعية وتضع لها اطراً حديدية في مجال نشاطاتها العامة. وقد انعكس هذا على فكر علي عزت الذي كان لا يؤمن بقدرة المؤسسات الدينية الرسمية على احداث تغييرات اجتماعية وسياسية ايجابية في مجتمعاتها. ويظهر موقفه هذا بوضوح في انتقاده لهذه المؤسسات، لعل اقواها تعليقه على حياة وأفول كل من الثورة والدين حيث يقول: «ان كلاً من الدين والثورة يولدان في مخاض من الالم والمعاناة، ولا تدوم حياة الدين والثورة بدوام النضال والجهاد، حتى إذا تحققا يبدأ الموت يتسرب اليهما».. ذلك لان الدين والثورة ـ في مرحلة تحققهما في الواقع العملي ـ يقيمان لهذا الغرض مؤسسات.. هذه المؤسسات هي نفسها التي تقضي عليهما في نهاية الامر.. فالمؤسسات الرسمية لا هي ثورية ولا هي دينية».
اما جماعة الشبان المسلمين فكانت منظمة عفوية حية ظلت مجالاً متطوراً يتدرب فيها اجيال من الشباب المسلم وينمون في اطارها قدراتهم الفكرية والعملية.
التحق علي عزت بكلية القانون في «جامعة سراييفو»، وظل مستمراً في عضويته بلجنة الشبان المسلمين. وفي ابريل 1941م استولى جيش «هتلر» على يوغسلافيا فأحل فيها مكان الملكية جمهورية كرواتية فاشستية. وكانت جمعية الشبان المسلمين تلتزم بسياسة خاصة تحرّم على اعضائها الالتحاق بحركة «الأستاشا» النازية الموالية للالمان، ولهذا السبب عندما تقدموا للسلطات الحكومية الجديدة لتسجيل جمعيتهم رفضت هذه السلطات طلبهم.
كانت اتجاهات جماعة الشبان المسلمين ـ منذ وقت مبكر في حياتها ـ اتجاهات واضحة وثورية.. فقد ورد في مقال لها نشر سنة 1942م بان الإسلام ليس ديناً فقط وانما هو ايديولوجية عالمية يتضمن شؤونا اجتماعية وأموراً تتعلق ببناء الدولة وسياستها.. وقد نشر هذا المقال في مجلة «جمعية العلماء» التي كانت تحمل عنوان (الهداية» ولم يشأ صاحب المقال ان يذكر اسمه وانما اكتفى بتوقيع (طالب طب من الشبان المسلمين). وكان وصف الإسلام بالايديولوجية العالمية في ذلك الوقت المبكر يدل على توجهات الجماعة وتبنيها لفكرة اسلامية سياسية نجد صداها واضحاً في كتاب علي عزت الذي نحن بصدده، كما نراها بصورة ممركزة في كتاب صغير آخر له بعنوان «الاعلان الاسلامي».
وتدلنا دراسة فكر وحركة الشبان المسلمين في البوسنة على ان افكار هذه الجماعة كانت مزيجاً من تحليلاتهم واجتهاداتهم الخاصة مع تأثيرات خارجية سبق ان المحنا اليها.
وتتضح حيوية هذه الجماعة في اتجاهها نحو تعميق فكرها ورغبة اعضائها في الانفتاح على الفكر العالمي، فكانت لهم خطط منظمة لتعلم اللغات الاوربية. وقد اشتملت قراءاتهم على مؤلفات «محمد اسد» في الإسلام باللغة الالمانية ضمن قراءات اخرى كثيرة. وكان من عادتهم ان يجتمعوا ليقرأوا معاً ما يجري على الساحة في الاوضاع السياسية بالعالم الاسلامي. ومن خلال كتابات محمد اسد عرفوا كثيراً عن الحركة الإسلامية في باكستان وكانت تحمل في طياتها املاً في وقت من الاوقات. وقد اشار اليها علي عزت في كتاباته وتعرض لبعض جوانبها السلبية بالنقد في كتابه «الاعلان الاسلامي».
وفي هذا المجال نذكر ان اهتمام علي عزت بتعلّم اللغات الاوربية لم يقتصر على اللغة الالمانية فحسب وانما امتد ليشمل اللغتين الفرنسية والانجليزية فقد كان حريصاً ـ فيما يبدو ـ على ان يتصل بالفكر الغربي في منابعه وبلغته الاصلية. ويظهر هذا واضحاً في ثقافته الواسعة التي انعكست في كتاباته كما يظهر في العدد الهائل من المراجع التي اتصل بها خلال بحثه لموضوع كتابه «الإسلام بين الشرق والغرب» وتشتمل على موضوعات متنوعة في الفلسفة والاخلاق والقانون والفنون والعلوم الطبيعية وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الجريم والادب والشعر والتاريخ والاديان.


الصراع مع النظام الشيوعي

انتهت الحرب العالمية سنة 1945م، وخرج «جوزيف بروز تيتو» وحزبه الشيوعي من انقاض الحرب ليعلنوا سيطرتهم على السلطة، ويؤسسوا دكتاتورية النظام الشيوعي في يوغسلافيا. أما بقية المنظمات غير الشيوعية فقد الغيت أو اخترقت. وحوكم قادة المسلمين البارزين وأعدم بالفعل كثير منهم. وتم اعتقال الفين من اعضاء جماعة الشبان المسلمين فأرسل عدد منهم إلى معسكرات العمل الشاق بدون محاكمة، وحوكم بعضهم الآخر محاكمات صورية ثم اودعوا السجون. واختفى بقية اعضاء الجماعة تحت الارض حيث اصدروا صحيفة سرية سموها «مجاهد»، وسعى بعضهم للحصول على تدريبات عسكرية تحسباً من ان تقوم السلطات الشيوعية بتصفيات جديدة بين المسلمين. وفي سنة 1949 انقض عليهم تيتو مرة اخرى بقسوة اكبر. وليس واضحاً تمام إذا كان علي عزت قد اعتقل في التطهير الاول أو الثاني ولكن الثابت انّه ظل مسجوناً حتى افرج عنه سنة 1954م وكان عمره في ذلك الوقت 29 سنة.
ورغم كل ما عاناه علي عزت في السجن على يد النظام الماركسي الا ان هذا الظلم الذي وقع على شخصه لم يمنعه من ان يكون منصفاً لهذا النظام في نقطتين محدودتين: ففي سياق حديثه عن افلاس الفكر الماركسي تحت وطأة الدكتاتورية والارهاب اشار علي عزت إلى ان الاضافة الوحيدة التي تستحق الذكر في الفكر الماركسي بعد «لينين» جاءت من يوغسلافيا متمثلة في فكرة الادارة الذاتية. وفي ذلك يقول: «.. انها تعتبر طريقاً متميزاً.. فهي تعني تحرراً من النمذجة[2] والمذهبية المغلقة التي وضعت فيها الماركسية الاغلال على نمو فكر الطبقة العاملة». اما النقطة الثانية فتتمثل في موقفه المؤيد لحركة عدم الانحياز، وكانت يوغسلافيا احدى اربعة دول تتزعم هذه الحركة، وقد رأى علي عزت في انضمام الدول الإسلامية إلى هذه الحركة دليلاً على رفضها التبعية للشرق أو الغرب، واتخاذها موقفاً وسطاً بين الكتلتين المتطرفتين المتصارعتين وهو يرى انّه موقف يتفق تماماً مع طبيعة الإسلام وروحه التي تنبذ التطرف وتكرس الوسطية.
عمل علي عزت بعد خروجه من السجن محامياً متخصصاً في القانون التجاري لدى احدى الشركات. وفي غضون ذلك نشأت بينه وبين «حسين دوزو» علاقة. وكان «حسين دوزو» قد تخرج من جامعة الازهر وعينته الحكومة اليوغسلافية رئيساً «لجمعية العلماء» وكان حريصاً من جانبه على ان يقيم حواراً بين العلماء وبين المثقفين المسلمين. وقد اتيح لعلي عزت من خلال هذه العلاقة ان ينشر مقالاته في مجلة الجمعية المسماة «تاكفين Takvin» على مدى عقد السبعينات فتناول في مقالاته موضوعات في الثقافة والاخلاق مستخدماً اسماً مستعاراً مكوناً من ثلاث حروف «ل. س. ب» وهي الحروف الاولى من اسماء ابنائه «ليلى وسابينا وبكر». وكان لهذا الانفتاح عى جمعية العلماء اهمية كبرى فقد استطاع علي عزت ايصال فكره لخمسين الف مسلم من قراء المجلة.
وفي سنة 1981م قام ابنه «بكر» بجمع سلسلة من مقالات ابيه في كتيب وضع له عنواناً هو «الاعلام الاسلامي». وقد اثار هذا الكتاب ضجة اعلامية كبيرة في يوغسلافيا، واستغل استغلالاً ظالماً ضد مؤلفه، وقد كان ولا يزال اداة اتخذها الصرب والكروات لتحريض الغرب على دولة «البوسنة والهرسك» وعلى رئيسها وكانت التهمة المعلنة هي «الاصولية الإسلامية».
وجاء ذلك متسقاً مع اتجاه الغرب لخلق عدو جديد بدلاً من الشيوعية التي انهارت، فوجد في الإسلام ايديولوجية مؤهلة لهذه الوظيفة، وهي فكرة تروج لها الصهيونية العالمية وتجد لها صدى واسعاً في دوائر الاعلام الغربي بل تجد انصاراً اكثر تحمساً في بلاد المسلمين من العلمانيين المتطرفين والماركسيين القدامى تؤازرهم السلطات الحاكمة ملتمسة لنفسها شرعية ما، بعد ان فقدت مصداقيتها لدى الجماهير. ولعل هذا يفسر الموقف السلبي لحكومات الدول المسلمة والموقف الغربي المنحاز إلى العدوان الصربي الكرواتي ضد البوسنة وضد رئيس جمهوريتها.
عندما صدر كتاب «الاعلام الاسلامي» كانت يوغسلافيا محكومة بمجلس مكون من رؤساء جمهوريات الاتحاد اليوغسلافي، وكان رد الفعل بازاء الكتاب شديد الحدة فألقى القبض على مؤلفه ووجهت إليه تهمة السعي لاحياء جماعة الشبان المسلمين ضمن اتهامات اخرى. وكان توجيه الاتهام في حد ذاته مهزلة لان محتويات الكتاب كلها سبق نشرها على حلقات خلال عشر سنوات في مجلة مسموح بها من قبل السلطات الحكومية، وليس في الكتاب شيء جديد. كانت السلطات قد القت القبض مع علي عزت على مجموعة اخرى من اصدقاءه المثقفين بينهم سيدة، ووجهت إلى الجميع تهمة العمل ضد نظام الدولة وأمن شعبها والسعي لتحويل البوسنة والهرسك إلى دولة اسلامية. ولم تكن هناك اي ادلة حقيقية تدعم هذا الاتهام سوى كتاب «الاعلام الاسلامي» الذي لم يرد فيه ذكر لاسم يوغسلافيا أو البوسنة كما اشرنا من قبل.
اجريت محاكمة صورية لعلي عزت وصحبه سنة 1983م، وسمح لاصدقاء المتهمين وأسرهم بحضور الجلسة الاولى فقد ثم استكملت المحاكمة بعد ذلك في جلسات سرية سريعة. ويذكر شهود الجلسة الولى ان علي عزت قام للدفاع عن نفسه فلم ينكر انّه مؤلف الكتاب وانّه مسؤول عن محتوياته. وكانت حجته ان كتاباته كانت موجهة إلى المسلمين بصفة عامة وانّه من شأن المسلمين في البلاد التي يشكلون فيها الاغلبية العظمى من السكان ان يختاروا ـ إذا شاءوا ـ نظاماً اسلاميا للحكم ولا يصح عندئذ ان تتدخل الدول الغربية ضد هذه الرغبة.
ولم تلتفت المحكمة لدفاع علي عزت فأصدرت حكمها عليه مع زملاه بالسجن لمدة 14 سنة.
في تلك الاثناء طارت شهرة علي عزت في انحاء يوغسلافيا وأصبح حديث الناس في بيوتهم. وهكذا ادخل علي عزت السجن للمرة الثانية بتهمة باطلة، وكأن الاقدار كانت تصنعه بطريقة خاصة وتهيئه لدور صعب ينتظره في المستقبل القريب.


انهيار يوغسلافيا وبداية الصراع

خلال وجود علي عزت بالسجن بدأ الزلزال يجتاح العالم الشيوعي في اوربا الشرعية وتحققت نبوءته بانهيار النظم الاشتراكية. وبرزت على انقاض هذه النظم نزعات قومية وعرقية كانت مكبوتة في يوغسلافيا، اخذت تعمل على تفكيك الوحدة الهشة التي صنعها تيتو وحافظ عليها مدة حياته بالحيلة والدهاء. وكان لظهور رؤساء جمهوريات مثل «سلوبودان ميلوسوفيتش» الصربي و«تودجمان» الكرواتي من اصحاب النزعات الفاشية العرقية من الاسباب الاساسية التي ادت إلى الانهيار السريع في يوغسلافيا، فانشقت سلوفينيا ثم كرواتيا وأعلنا استقلالهما معاً في يوم 25 يونيو سنة 1991. وفي صباح 26 يونيو هاجمت القوات الصربية كرواتيا، وكان بامكانها سحق كرواتيا بآلتها العسكرية الرهيبة التي انفردت بها ميراثاً من الدولة اليوغسلافية السابقة، ولكنها اضطرت لايقاف العمليات العسكرية عندما ادركت وتأكدت ان الدول الاوربية وبالاخص المانيا سوف تتدخل بالقوة العسكرية للدفاع عن كرواتيا.
كانت موجة التغيير التي بدأت تجتاح يوغسلافيا عاملاً هاماً في استرخاء قبضة السلطة المركزية عن الجمهوريات، ومن ثم تهيأت الظروف لاعادة محاكمة علي عزت وصحبه حيث الغت محكمة سراييفو الحكم الذي صدر عليهم بالسجن وأفرج عنهم 1989 بعد ان اعادت المحكمة لهم اعتبارهم.
بدأت مرحلة جديدة في حياة علي عزت فقد كان دوره السابق هو دور المفكر الثائر ورجل الاخلاق والمواقف، ولكنه اصبح الآن امام مرحلة جديدة تتطلب منه دوراً سياسياً قيادياً، خصوصا وان كل الدلائل تشير إلى مخاطر كبرى وأزمات مقبلة تلوح في الافق. ولذلك انشأ علي عزت حزباً جديداً باسم «حزب العمل الديمقراطي» استطاع به هزيمة الحزب الشيوعي وتولى رئاسة جمهورية البوسنة والهرسك اعتباراً من نوفمبر 1990م.
كانت القيادة البوسنية تشعر بالقلق ازاء الصراع الذي اندلع بين صربيا وكرواتيا ان يؤثر على التركيبة العرقية المتداخلة من المسلمين والصرب والكروات في انحاء جمهورية البوسنة والهرسك، ومن ثم تنجرف إلى حرب اهلية كتلك الحروب السابقة التي خرج منها المسلمون بأكبر نصيب من الويلات والمآسي. ولذلك كان على القيادة البوسنوية ان تحدد موقفها بعد انفصال سلوفينيا وكرواتيا وتفجر الصراع العسكري في المنطقة.
__________________
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 13-06-2010, 12:53 PM
الصورة الرمزية ahmed1954
ahmed1954 ahmed1954 غير متصل
عضو مبدع
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
مكان الإقامة: ***********
الجنس :
المشاركات: 934
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )


الداعية الامام حسن البصري رضى الله عنه

أحد كبار التابعين، وعلم بارز من أعلام المسلمين، كان فقيهًا عالمًا، وعابدًا تقيًّا ورعًا، عرف بفصاحة اللسان، وروعة البيان، والحكمة، والزهد، وغزارة العلم، إنه التابعى الجليل شيخ أهل البصرة "أبو سعيد الحسن بن أبى الحسن بن يسار البصري" .
§ مولده ونشأته :


ولد "الحسن البصري" بالمدينة المنورة فى خلافة أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" – رضى الله عنه – سنة (21 ﻫ) الموافق (642 م)، لأبوين من الرقيق، وكان أبوه قد وقع فى أسر المسلمين عند فتح منطقة "ميسان" الواقعة بين "البصرة" و "واسط" بأرض "العراق"، فأسلم، وسكن "المدينة"، وتزوج من جارية تسمى "خيرة"، وكانت مولاة لأم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أعتقتها أم المؤمنين – رضى الله عنها – بعد أن ولدت "خيرة" ولدها "الحسن". نشأ "الحسن" مع أسرته فى "وادى القرى" بالقرب من "المدينة المنورة"، واستطاع أن يحفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ الرابعة عشرة من عمره، كما تعلم القراءة والكتابة والحساب، وسمع كثيرًا من أقوال الصحابة – رضى الله عنهم – وكان يسمع أمير المؤمنين "عثمان بن عفان"، وهو يخطب "الجمعة"، وكان عمر "الحسن" – يومئذٍ - أربع عشرة سنة .
§ الذهاب إلى البصرة وطلب العلم :
انتقل "الحسن" إلى مدينة "البصرة" بالعراق عام (36 ﻫ) الموافق (656 م)، وكان عمره – حينئذٍ- نحو (15) عامًا، وبدأ يتلقى العلم من فقه وحديث ولغة على عدد كبير من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -الموجودين بالبصرة، كما قرأ القرآن الكريم على "حطان بن عبد الله الرقاشي"، وأخذ طريقة الوعظ والتذكير والقص (حكاية القصص) عن الشاعر "ابن سريع التميمي"، وقد أعجب "الحسن" بالوعظ والقص فاتخذ لنفسه مكانًا فى مسجد "البصرة" ليعلم الناس فيه، وكان كثير من رواة القصص - فى ذلك الوقت - قد ابتعدوا عن النهج السليم فى القص، وجنحوا إلى المبالغة والتهويل، فمُنِعوا – جميعًا- من القص فى "جامع البصرة" إلا "الحسن البصري"؛ فقد كان يتكلم فى أحوال الآخرة والتذكير بالموت، والتنبيه على عيوب النفس وكيفية علاجها بما تعلمه من كتاب الله – عز وجل – وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وصحابته الكرام – رضوان الله عليهم أجمعين .
§ مجلسه :
كانت للحسن البصري حلقة علم كبيرة فى جامع "البصرة"، يعلم الناس فيها الحديث النبوي الشريف، والفقه، والقرآن، واللغة، والبلاغة، كما كانت له حلقة علم خاصة فى منزله، يعلم الناس فيها الزهد والرقائق . وقد كان "الحسن" من أفقه الناس، وأعلمهم بالحلال والحرام، كما كان تقيًّا ورعًا محبًّا لدين الله – عز وجل – منتهجًا صراطه المستقيم فى جميع أموره، آخذًا على عاتقه مسئولية إرشاد الناس ونصحهم، وإنقاذ المجتمع من حوله مما أخذ ينتشر بينهم من انحرافات وابتعاد عن دين الله، فقد كان"الحسن البصري" على عقيدة سلف الأمة الصالح، تتلمذ عليهم، وسعد بصحبتهم، وتأثر بهم، وانتهج منهجهم، واهتدى بهديهم .
§ قاضى البصرة :
كان "الحسن البصري" كثير النصح للحكام والأمراء لا يخشى فى الله لومة لائم، وقد علت شهرته وزادت كثيرًا فى أواخر زمن الخليفة الأموي "معاوية بن أبى سفيان"، وقد عاصر "الحسن" "الحجاج بن يوسف الثقفي" حاكم "العراق"، وكان "الحسن البصري" شديد الإنكار لسياسة "الحجاج" القاسية فى الحكم .
وكان "الحسن البصري" من المقربين إلى الخليفة الأموي الراشد "عمر بن عبد العزيز"، وكان – رضى الله عنه – يحبه كثيرًا، ويستشيره فى بعض أمور الحكم، وقد تولى "الحسن" منصب القضاء بالبصرة سنة (102ﻫ) الموافق (720 م) وكان لا يأخذ على منصبه هذا أجرًا .
§ شخصية الإمام ووصفه :
كان الإمام "الحسن البصري" – رحمه الله – عالمًا فذًّا، واسع المعرفة، فصيحًا، بليغًا، عابدًا، تقيًّا، كثير الصيام، زاهدًا، ورعًا، إذا قرأ القرآن يبكى حتى ينحدر الدمع على لحيته، وكان شجاعًا كثير الجهاد فى سبيل الله، وقد كان "المهلب بن أبى صفرة" إذا قاتل المشركين قدم الإمام "الحسن البصري" فى الصفوف الأولى من الجيش، وكان – رحمه الله – موضع إعجاب وتقدير كثير من علماء عصره، فقال "أبو بردة"، عنه : "ما رأيت رجلاً قط لم يصحب النبي -صلى الله عليه و سلم-، أشبه بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -من هذا الشيخ" .
وقال عنه "أبو قتادة العدوي" : "عليكم بهذا الشيخ، فإني والله ما رأيت رجلاً قط أشبه رأيًا بعمر بن الخطاب منه"، وقال عنه أيضًا : "كان الحسن البصري من أعلم الناس بالحلال والحرام" .
وقال "حميد" و"يونس بن عبيد":"ما رأينا أحدًا أكمل مروءة من الحسن البصري".
وقالا- أيضًا- : "قد رأينا الفقهاء فما رأينا منهم أجمع من الحسن البصري ".
وقال "عوف"، "ما رأيت رجلاً أعلم بطريق الجنة من الحسن البصري " .
§ من أقوال "الحسن البصري" :
كان "الحسن البصري" حكيمًا فصيحًا بليغًا يتكلم كلامًا كأنه الدر، ومن أقواله التى أثرت عنه أنه قال : "ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم، ذهب بعضك"
وقال "يا ابن آدم لا ترضِ أحدًا بسخط الله، ولا تطيعن أحدًا فى معصية الله، ولا تحمدن أحدًا على فضل الله، ولا تلومن أحدًا فيما لم يؤتك الله، إن الله خلق الخلق والخلائق فمضوا على ما خلقهم عليه، فمن كان يظن أنه مزداد بحرصه فى رزقه فليزدد بحرصه فى عمره، أو يغير لونه أو يزيد فى أركانه أو بنانه" .
وقال : "ما أعز أحد الدرهم إلا أذله الله" .§ وفاته :
توفى "الحسن البصري" ليلة "الجمعة" أول شهر "رجب" عام (110 ﻫ) الموافق عام (728م)، وشهد جنازته خلق كثير، وقد أوصى "الحسن" عند موته أن يكتب فى وصيته : "اكتب هذا ما يشهد به "الحسن بن أبى الحسن" ، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، من شهد بها صادقًا عند موته دخل الجنة" .
§ الحسن البصري فى سطور :
- ولد "الحسن البصري" فى "المدينة المنورة" عام (21ﻫ = 642 م)، لأبوين من الرقيق .
- أسلم والده، وسكن "المدينة المنورة"، وتزوج من جارية تسمى "خيرة"، وأنجب منها ولده "الحسن" .
- نشأ "الحسن" فى "وادى القرى" بالقرب من "المدينة"، وحفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ الرابعة عشرة من عمره .
- انتقل إلى مدينة "البصرة" بالعراق عام (36 ﻫ = 656 م)، وبدأ يتلقى العلم على عدد كبير من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بالبصرة .
- كان له فى بداية حياته مكان فى مسجد البصرة، يعظ الناس فيه ويذكرهم عن طريق حكى القصص .
- أصبحت له حلقة درس كبيرة فى جامع "البصرة" يعلم فيها الحديث، والقرآن، واللغة، والفقه .... وغيرها من العلوم .
- تولى منصب القضاء فى "البصرة" عام (102 ﻫ = 720 م) .
- توفى "الحسن البصري" ليلة "الجمعة" أول شهر رجب عام (110 ﻫ = 728م).


__________________
0




__________________
__________________
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 13-06-2010, 01:07 PM
الصورة الرمزية ahmed1954
ahmed1954 ahmed1954 غير متصل
عضو مبدع
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
مكان الإقامة: ***********
الجنس :
المشاركات: 934
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )


الداعية الامام حسن البصري رضى الله عنه

أحد كبار التابعين، وعلم بارز من أعلام المسلمين، كان فقيهًا عالمًا، وعابدًا تقيًّا ورعًا، عرف بفصاحة اللسان، وروعة البيان، والحكمة، والزهد، وغزارة العلم، إنه التابعى الجليل شيخ أهل البصرة "أبو سعيد الحسن بن أبى الحسن بن يسار البصري" .
§ مولده ونشأته :


ولد "الحسن البصري" بالمدينة المنورة فى خلافة أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" – رضى الله عنه – سنة (21 ﻫ) الموافق (642 م)، لأبوين من الرقيق، وكان أبوه قد وقع فى أسر المسلمين عند فتح منطقة "ميسان" الواقعة بين "البصرة" و "واسط" بأرض "العراق"، فأسلم، وسكن "المدينة"، وتزوج من جارية تسمى "خيرة"، وكانت مولاة لأم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أعتقتها أم المؤمنين – رضى الله عنها – بعد أن ولدت "خيرة" ولدها "الحسن". نشأ "الحسن" مع أسرته فى "وادى القرى" بالقرب من "المدينة المنورة"، واستطاع أن يحفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ الرابعة عشرة من عمره، كما تعلم القراءة والكتابة والحساب، وسمع كثيرًا من أقوال الصحابة – رضى الله عنهم – وكان يسمع أمير المؤمنين "عثمان بن عفان"، وهو يخطب "الجمعة"، وكان عمر "الحسن" – يومئذٍ - أربع عشرة سنة .
§ الذهاب إلى البصرة وطلب العلم :
انتقل "الحسن" إلى مدينة "البصرة" بالعراق عام (36 ﻫ) الموافق (656 م)، وكان عمره – حينئذٍ- نحو (15) عامًا، وبدأ يتلقى العلم من فقه وحديث ولغة على عدد كبير من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -الموجودين بالبصرة، كما قرأ القرآن الكريم على "حطان بن عبد الله الرقاشي"، وأخذ طريقة الوعظ والتذكير والقص (حكاية القصص) عن الشاعر "ابن سريع التميمي"، وقد أعجب "الحسن" بالوعظ والقص فاتخذ لنفسه مكانًا فى مسجد "البصرة" ليعلم الناس فيه، وكان كثير من رواة القصص - فى ذلك الوقت - قد ابتعدوا عن النهج السليم فى القص، وجنحوا إلى المبالغة والتهويل، فمُنِعوا – جميعًا- من القص فى "جامع البصرة" إلا "الحسن البصري"؛ فقد كان يتكلم فى أحوال الآخرة والتذكير بالموت، والتنبيه على عيوب النفس وكيفية علاجها بما تعلمه من كتاب الله – عز وجل – وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وصحابته الكرام – رضوان الله عليهم أجمعين .
§ مجلسه :
كانت للحسن البصري حلقة علم كبيرة فى جامع "البصرة"، يعلم الناس فيها الحديث النبوي الشريف، والفقه، والقرآن، واللغة، والبلاغة، كما كانت له حلقة علم خاصة فى منزله، يعلم الناس فيها الزهد والرقائق . وقد كان "الحسن" من أفقه الناس، وأعلمهم بالحلال والحرام، كما كان تقيًّا ورعًا محبًّا لدين الله – عز وجل – منتهجًا صراطه المستقيم فى جميع أموره، آخذًا على عاتقه مسئولية إرشاد الناس ونصحهم، وإنقاذ المجتمع من حوله مما أخذ ينتشر بينهم من انحرافات وابتعاد عن دين الله، فقد كان"الحسن البصري" على عقيدة سلف الأمة الصالح، تتلمذ عليهم، وسعد بصحبتهم، وتأثر بهم، وانتهج منهجهم، واهتدى بهديهم .
§ قاضى البصرة :
كان "الحسن البصري" كثير النصح للحكام والأمراء لا يخشى فى الله لومة لائم، وقد علت شهرته وزادت كثيرًا فى أواخر زمن الخليفة الأموي "معاوية بن أبى سفيان"، وقد عاصر "الحسن" "الحجاج بن يوسف الثقفي" حاكم "العراق"، وكان "الحسن البصري" شديد الإنكار لسياسة "الحجاج" القاسية فى الحكم .
وكان "الحسن البصري" من المقربين إلى الخليفة الأموي الراشد "عمر بن عبد العزيز"، وكان – رضى الله عنه – يحبه كثيرًا، ويستشيره فى بعض أمور الحكم، وقد تولى "الحسن" منصب القضاء بالبصرة سنة (102ﻫ) الموافق (720 م) وكان لا يأخذ على منصبه هذا أجرًا .
§ شخصية الإمام ووصفه :
كان الإمام "الحسن البصري" – رحمه الله – عالمًا فذًّا، واسع المعرفة، فصيحًا، بليغًا، عابدًا، تقيًّا، كثير الصيام، زاهدًا، ورعًا، إذا قرأ القرآن يبكى حتى ينحدر الدمع على لحيته، وكان شجاعًا كثير الجهاد فى سبيل الله، وقد كان "المهلب بن أبى صفرة" إذا قاتل المشركين قدم الإمام "الحسن البصري" فى الصفوف الأولى من الجيش، وكان – رحمه الله – موضع إعجاب وتقدير كثير من علماء عصره، فقال "أبو بردة"، عنه : "ما رأيت رجلاً قط لم يصحب النبي -صلى الله عليه و سلم-، أشبه بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -من هذا الشيخ" .
وقال عنه "أبو قتادة العدوي" : "عليكم بهذا الشيخ، فإني والله ما رأيت رجلاً قط أشبه رأيًا بعمر بن الخطاب منه"، وقال عنه أيضًا : "كان الحسن البصري من أعلم الناس بالحلال والحرام" .
وقال "حميد" و"يونس بن عبيد":"ما رأينا أحدًا أكمل مروءة من الحسن البصري".
وقالا- أيضًا- : "قد رأينا الفقهاء فما رأينا منهم أجمع من الحسن البصري ".
وقال "عوف"، "ما رأيت رجلاً أعلم بطريق الجنة من الحسن البصري " .
§ من أقوال "الحسن البصري" :
كان "الحسن البصري" حكيمًا فصيحًا بليغًا يتكلم كلامًا كأنه الدر، ومن أقواله التى أثرت عنه أنه قال : "ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم، ذهب بعضك"
وقال "يا ابن آدم لا ترضِ أحدًا بسخط الله، ولا تطيعن أحدًا فى معصية الله، ولا تحمدن أحدًا على فضل الله، ولا تلومن أحدًا فيما لم يؤتك الله، إن الله خلق الخلق والخلائق فمضوا على ما خلقهم عليه، فمن كان يظن أنه مزداد بحرصه فى رزقه فليزدد بحرصه فى عمره، أو يغير لونه أو يزيد فى أركانه أو بنانه" .
وقال : "ما أعز أحد الدرهم إلا أذله الله" .§ وفاته :
توفى "الحسن البصري" ليلة "الجمعة" أول شهر "رجب" عام (110 ﻫ) الموافق عام (728م)، وشهد جنازته خلق كثير، وقد أوصى "الحسن" عند موته أن يكتب فى وصيته : "اكتب هذا ما يشهد به "الحسن بن أبى الحسن" ، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، من شهد بها صادقًا عند موته دخل الجنة" .
§ الحسن البصري فى سطور :
- ولد "الحسن البصري" فى "المدينة المنورة" عام (21ﻫ = 642 م)، لأبوين من الرقيق .
- أسلم والده، وسكن "المدينة المنورة"، وتزوج من جارية تسمى "خيرة"، وأنجب منها ولده "الحسن" .
- نشأ "الحسن" فى "وادى القرى" بالقرب من "المدينة"، وحفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ الرابعة عشرة من عمره .
- انتقل إلى مدينة "البصرة" بالعراق عام (36 ﻫ = 656 م)، وبدأ يتلقى العلم على عدد كبير من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بالبصرة .
- كان له فى بداية حياته مكان فى مسجد البصرة، يعظ الناس فيه ويذكرهم عن طريق حكى القصص .
- أصبحت له حلقة درس كبيرة فى جامع "البصرة" يعلم فيها الحديث، والقرآن، واللغة، والفقه .... وغيرها من العلوم .
- تولى منصب القضاء فى "البصرة" عام (102 ﻫ = 720 م) .
- توفى "الحسن البصري" ليلة "الجمعة" أول شهر رجب عام (110 ﻫ = 728م).


__________________

0




__________________




__________________
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 11-08-2010, 01:20 PM
الصورة الرمزية ahmed1954
ahmed1954 ahmed1954 غير متصل
عضو مبدع
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
مكان الإقامة: ***********
الجنس :
المشاركات: 934
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )

شكيب أرسلان.. أمير البيان
(في ذكرى مولده: غرة رمضان 1286هـ)
سمير حلبي

شكيب أرسلان


كان "شكيب أرسلان" من أكثر الدعاة إلى الوحدة العربية حماسًا، ومن أشدهم إيمانًا بأهميتها وضرورتها لمواجهة الهجمة الاستعمارية الشرسة على العالم العربي والإسلامي، وللخروج بالأمة العربية من حالة التفكك والتشرذم والضياع التي أرادها لها المستعمر الدخيل؛ حتى يسهل له السيطرة على أهلها والاستيلاء على خيراتها ومقدراتها.
الميلاد والنشأة
ولد شكيب بن حمود بن حسن بن يونس بن فخر الدين بن حيدر بن سليمان بقرية الشويفات قرب بيروت ليلة الإثنين (غرة رمضان 1286هـ = 25 من ديسمبر 1869م).
وتضرب أسرته بجذورها في التاريخ، وتحظى من الشرف والمجد بنصيب وافر؛ فقد كان جده الأكبر الأمير "عون" ممن اشترك مع "خالد بن الوليد" في فتوح "الشام". أما أمه فقد كانت سيدة شركسية فاضلة، وقد عمّرت طويلاً، وكان شكيب يحبها ويجلها، وكان متعلقًا بها بدرجة كبيرة.
كان "شكيب أرسلان" متدينًا محافظًا على الصلاة، وكان محبًا للعلم حريصًا على القراءة والاطلاع، وكانت حياته كلها كتابة أو قراءة أو حديث أو رحلة.
وقد تأثر بعدد كبير من أعلام عصره ممن تتلمذ على أيديهم أو اتصل بهم في مراحل متعددة من عمره، وأول أساتذته كان الشيخ "عبد الله البستاني" الذي علمه في "مدرسة الحكمة". كما اتصل بالإمام "محمد عبده" و"محمود سامي الباردوي" و"عبد الله فكري" والشيخ "إبراهيم اليازجي" ، وتعرف إلى "أحمد شوقي" و"إسماعيل صبري" وغيرهم من أعلام الفكر والأدب والشعر في عصره.
كما تأثر بالسيد "جمال الدين الأفغاني" تأثرًا كبيرًا، واقتدى به في منهجه الفكري وحياته السياسية، وكذلك تأثر بعدد من المفكرين والعلماء مثل "أحمد فارس الشدياق" الذي كان شديد الحماس والتأييد للخلافة الإسلامية والدولة العثمانية، وتأثر أيضًا بالعالم الأمريكي د. "كرينليوس فانديك" الذي كان يدرّس بالجامعة الأمريكية ببيروت، وكان دائم الإشادة به.
محاولات المستعمرين للنيل منه
شبّ "شكيب أرسلان" ليجد الوطن العربي والإسلامي فريسة للمستعمرين والغزاة المحتلين، ومن ثم فقد نما لديه - منذ وقت مبكر- وعي قوي بضرورة الوحدة العربية وأهميتها في مواجهة أطماع المستعمرين ومؤامرات الغزاة لإضعاف الأمة العربية وتفتيتها ليسهل لهم السيطرة عليها.
وقد عني "شكيب أرسلان" بقضية الوحدة العربية عناية شديدة، وأولاها كل اهتمامه، وأوقف عليها حياته كلها، وكانت مقالاته دعوة متجددة إلى قيام تلك الوحدة الكبرى، التي كان يرى فيها الخلاص من حالة الضعف والاستكانة التي سادت الأقطار العربية، وجعلتهم فريسة للمستعمر الأجنبي.
وتعرض "شكيب أرسلان" – بسبب مواقفه الوطنية – للكثير من الاضطهاد من المستعمرين، وحيكت ضده المؤامرات العديدة من الاستعمار ومن أذنابه ممن ينتسبون إلى العروبة وهي منهم براء، كما تعرض لحملات شرسة من التشويه والافتراءات والأكاذيب.
وسعى المحتلون إلى تشويه صورته أمام الجماهير، فاتهمه المفوض الفرنسي السامي المسيو "جوفنيل" بأنه من أعوان "جمال باشا السفاح"، وأنه كان قائدًا لفرقة المتطوعين تحت إمرته، وكان "شكيب" قد تولى قيادة تلك الفرقة من المتطوعين اللبنانيين لمقاومة الدول التي احتلت "لبنان"، وكان من الطبيعي أن يكون تحت إمرة "جمال باشا" باعتباره قائد الفيلق الرابع الذي تنتمي إليه فرقة "شكيب"، واستطاع "شكيب" أن يفند أكاذيبهم، ويفضح زيفهم وخداعهم.
موقفه من الحلفاء والأتراك

نسب نسيب بخط يد شكيب


كان "شكيب" لا يثق بوعود الحلفاء للعرب، وكان يعتقد أن الحلفاء لا يريدون الخير للعرب، وإنما يريدون القضاء على الدولة العثمانية أولاً، ثم يقسمون البلاد العربية بعد ذلك. وقد حذر "شكيب أرسلان" قومه من استغلال الأجانب الدخلاء للشقاق بين العرب والترك.
ولكنه حينما رأى الأتراك يتنكرون للخلافة الإسلامية ويلغونها، ويتجهون إلى العلمانية، ويقطعون ما بينهم وبين العروبة والإسلام من وشائج وصلات؛ اتخذ "شكيب" موقفًا آخر من تركيا وحكامها، وبدأ يدعو إلى الوحدة العربية؛ لأنه وجد فيها السبيل إلى قوة العرب وتماسكهم.
وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى حدث ما حذر منه "شكيب أرسلان" فقد برح الخفاء، وتجلت حقيقة خداع الحلفاء للعرب، وظهرت حقيقة نواياهم وأطماعهم ضد العرب والمسلمين، خاصة بعدما تنكر الأتراك للخلافة الإسلامية، واتجهوا اتجاهًا علمانيًا.
مع قضايا التحرر العربي
وظل "شكيب أرسلان" مطاردًا من أكثر من دولة؛ فتركيا تطارده لاهتمامه بقضايا العرب، وحملته على تنكر حكامها للخلافة والإسلام، وإنجلترا وفرنسا تطاردانه لدفاعه عن شعوب الأمة العربية ودعوته إلى التحرر، وتزعمه حملة الجهاد ضد المستعمرين، كما ظل مبعدًا لفترة طويلة من حياته عن كثير من أقطار الوطن العربي، لا يُسمح له بدخولها، خاصة مصر وسوريا اللتين كانتا تشكلان قلب الأمة العربية.
ولم يقتصر دور "شكيب أرسلان" على الاهتمام بقضايا الأمة العربية وإيقاظ الهمم وبعث الوعي الوطني في داخل الوطن العربي فحسب، وإنما انطلق يشرح قضية العرب ويفضح فظائع المستعمرين ويكشف زيفهم وخداعهم في كثير من بلدان العالم؛ فسافر إلى روما وأمريكا الشمالية وروسيا وإسبانيا، وقد استقبل في كل بلد زاره بكل حفاوة وتقدير، ونشر العديد من المقالات التي تفضح جرائم المستعمرين في حق الشعوب العربية والإسلامية، وتصور الحالة الأليمة التي صارت إليها الأمور في كثير من البلدان التي ترزح تحت نير الاستعمار.
جهود لتوحيد المسلمين
كذلك اهتم "شكيب أرسلان" بأحوال المسلمين في أنحاء العالم المختلفة، ففي عام (1344هـ = 1924م) أسس جمعية "هيئة الشعائر الإسلامية" في "برلين"، وكانت تهدف إلى الاهتمام بأمور المسلمين في "ألمانيا"، وقد تشكلت هذه الجمعية من أعضاء يمثلون معظم الشعوب الإسلامية، وأهم ما يميزها أنها نحت منحى دينيًا بعيدًا عن الشؤون السياسية، وذلك لتلافي أسباب الخلاف والشقاق التي قد تنجم عن اختلاف الأيدلوجيات السياسية بين الشعوب والدول المختلفة.
العامل الديني والصراع بين الشرق والغرب
وقد أدرك "شكيب أرسلان" منذ وقت مبكر أثر العامل الديني في الصراع بين الشرق والغرب، وأكد عليه في كثير من كتبه ومقالاته، وأوضح أثر ذلك العامل في إثارة دول الغرب ودعمها لاستعمار الشرق واحتلال العالم الإسلامي، وربط بين الحملات الصليبية القديمة نحو الشرق وأخواتها المعاصرة على أيدي الفرنسيين والإنجليز والألمان، ولكنه كان أشد نقدًا للفرنسيين، فقد كانت فرنسا في طليعة الدول التي حاربت الإسلام والمسلمين، وقد خرجت منها وحدها إحدى عشرة حملة صليبية في مقابل حملة إنجليزية وأخرى ألمانية.
وتناول "شكيب أرسلان" فظائع فرنسا ضد المسلمين في شمال أفريقيا، مؤكدًا أنها حملة عنصرية ضد العروبة والإسلام.
وهو لا يغفل في حديثة الإشادة بسماحة الإسلام والحديث عن جو التسامح والإخاء الذي يعيشه أبناء الوطن العربي من مسلمين ونصارى، موضحًا ما يسود بينهم من السلام والوئام، حيث ينعم الجميع بكل الحقوق والواجبات دون تمييز أو تهميش.
الثورة العربية
لم يشترك "شكيب أرسلان" ولم يشارك في أحداث الثورة العربية التي قامت ضد تركيا سنة (1336هـ = 1916م)، وإنما كان له موقف منها؛ فقد انتقدها وحذر من عواقبها، وقد أدى موقفه هذا إلى أن الكثيرين أساءوا الظن به، ولم يكن "شكيب أرسلان" بدعا في ذلك؛ فقد اتخذ هذا الموقف نفسه عدد كبير من الزعماء والمفكرين كالشيخ "عبد العزيز جاويش" والزعيم "محمد فريد" و"عبد الحميد سعيد" وغيرهم.
ويفسر "شكيب أرسلان" موقفه هذا بأنه اعتقد أن البلاد العربية ستصبح نهبًا للاستعمار، وأنها ستقسم بين إنجلترا وفرنسا.
مؤامرة تقسيم فلسطين
وسعى "شكيب أرسلان" إلى إيقاظ الشعور الوطني لدى أبناء الأمة العربية وتنبيههم إلى الأخطار المحدقة بهم.
وكان من أوائل الذين تنبهوا إلى خطورة سياسة المستعمرين في فلسطين، وسعيهم إلى تقسيمها وإنشاء وطن قومي لليهود فيها، ويؤكد أنه يفضّل الدولة العثمانية الشرقية الإسلامية على احتلال الفرنج الأعداء الغرباء، ولكنه – في الوقت نفسه – يذكر أنه لو علم أن الثورة ضد تركيا ستؤدي إلى استقلال العرب لما سبقه إليها أحد.
ويذكر أن موقفه هذا لم يكن وليد حدس أو تخمين، فقد تجمعت لديه الأدلة والقرائن أن فرنسا وإنجلترا يسعيان لتقسيم سوريا وفلسطين.
وما كادت الحرب العالمية الأولى تضع أوزارها حتى تبين للجميع صحة ما ذهب إليه "شكيب أرسلان" وبعد نظره.
وكان "شكيب" من أوائل الذين تصدوا لخطر الوجود اليهودي في فلسطين، وسعى مخلصًا إلى دعوة العرب إلى جمع الشمل والتصدي لتلك المؤامرة، وحذر أبناء فلسطين من الخلاف والشقاق، لأن ذلك مما يقوي آمال الإنجليز واليهود ويعظم أطماعهم في فلسطين.
مع الجامعة العربية
لعل "شكيب أرسلان" كان من أوائل الدعاة إلى إنشاء الجامعة العربية إن لم يكن أولهم على الإطلاق، ففي أعقاب الحرب العالمي الأولى مباشرة دعا "شكيب أرسلان" إلى إنشاء جامعة عربية، ولما تألفت الجامعة العربية كان سرور "شكيب أرسلان" لها عظيمًا، وكان يرى فيها الملاذ للأمة العربية من التشرذم والانقسامات، والسبيل إلى نهضة عربية شاملة في جميع المجالات العلمية والفكرية والاقتصادية.
وكان "شكيب" من أشد دعاة الوحدة العربية ومن أكثر المتحمسين لأصالة الثقافة العربية، وكان مولعًا بتمجيد العرب والعروبة، كما كان يضيق بالشعوبية وأهلها، ويراها حركة تخريب لمدنية العرب، وإضعافا لعزائهم، وجمودا لأفضالهم. وكان يقول: إن لكل عصر شعوبية، وشعوبية هذا العصر هم أولئك الأدباء والكتاب الذين يهاجمون العرب والعروبة.
وبلغ من حرصه على هويته وقوميته العربية أنه كان يخطب دائمًا بالعربية في رحلاته إلى أمريكا وأوربا مع تمكنه وإجادته للإنجليزية والفرنسة والتركية وإلمامه بالألمانية.
المفكر والأديب
عاش شكيب أرسلان نحو ثمانين عامًا، قضى منها نحو ستين عامًا في القراءة والكتابة والخطابة والتأليف والنظم، وكتب في عشرات الدوريات من المجلات والصحف في مختلف أنحاء الوطن العربي والإسلامي.
وبلغت بحوثه ومقالاته المئات، فضلاً عن آلاف الرسائل ومئات الخطب، كما نظم عشرات القصائد في مختلف المناسبات.
وقد اتسم أسلوبه بالفصاحة وقوة البيان والتمكن من الأداة اللغوية مع دقة التعبير والبراعة في التصوير حتى أطلق عليه "أمير البيان".
وقد أصدر عددًا كبيرًات من الكتب ما بين تأليف وشرح وتحقيق، ومن أهم تلك الكتب:
- تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر – الطبعة الأولى- سنة (1352هـ = 1933م).
- الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر- الطبعة الأولى- سنة (1358هـ = 1939م).
- رواية آخر بني سراج: تأليف : الكونت دي شاتوبريان – ترجمة: شكيب أرسلان – مطبعة المنار بالقاهرة- سنة (1343هـ = 1925م)
- السيد رشيد رضا، أو إخاء أربعين سنة - مطبعة ابن زيدون بدمشق – الطبعة الأولى – سنة (1356هـ = 1937م).
- شوقي، أو صداقة أربعين سنة- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر – الطبعة الأولى – سنة (1355هـ = 1936م).
- لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟- مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر – الطبعة الأولى – سنة (1358هـ = 1939م).
وبعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية سنة (1365هـ = 1945م) وتحررت سوريا ولبنان، عاد "شكيب أرسلان" إلى وطنه في أواخر سنة (1366هـ = 1946م). فاستُقبل استقبالاً حافلاً.
ولكن حالته الصحية كانت قد ضعفت بعد تلك السنوات الطوال من الكفاح الشاق، والاغتراب المضني، وكثرة الأمراض، فما لبث أن توفي في (15 من المحرم 1366هـ = 9 من ديسمبر 1946م) بعد حياة حافلة بالعناء والكفاح.

أهم مصادر الدراسة:
  • الأمير شكيب أرسلان: حياته وآثاره – سامي الدهان – دار المعارف بمصر – القاهرة- (1380هـ = 1960م).
  • شكيب أرسلان .. داعية العروبة والإسلام (أعلام الغرب: 21) أحمد الشرباصي-المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة – القاهرة (1383 هـ = 1963م).
  • شكيب أرسلان.. من رواد الوحدة العربية.. (مذاهب وشخصيات: 54) – أحمد الشرباصي– الدار القومية للطباعة والنشر – القاهرة- (1383هـ = 1963م).
__________________
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 01-09-2010, 12:36 PM
الصورة الرمزية ahmed1954
ahmed1954 ahmed1954 غير متصل
عضو مبدع
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
مكان الإقامة: ***********
الجنس :
المشاركات: 934
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من المؤمنين رجال ( دعاه الى الله من الخلف الى السف )

وفاة أحمد ديدات.. المناظر ضد التيار
دربان- فاطمة أسمال- إسلام أون لاين.نت/8-8-2005
الشيخ ديدات

يتوقع أن تشارك حشود غفيرة في تشييع جنازة الداعية الإسلامي الشيخ أحمد ديدات الذي وافته المنية اليوم الإثنين 8-8-2005. وقد لاقى الشيخ ديدات ربه عن عمر يناهز 87 عاما بمنزله في منطقة فيرولام بإقليم كوازولو ناتال بجنوب أفريقيا بعد صراع طويل مع المرض.
وقال نجله يوسف لمراسلة إسلام أون لاين.نت إن والده توفي بالسكتة القلبية، وأكد أن أسرته لم تشعر بالصدمة "لأننا كمسلمين نؤمن أن كل نفس ذائقة الموت"، موضحا أن آخر لحظات في حياة والده كانت هادئة، وتزامنت مع بداية تلاوة سورة "يس" على إحدى محطات الإذاعة الإٍسلامية، حيث "قدمت الإذاعة للسورة وشرعت في التلاوة، وبدأت بعدها سكرات الموت". وقد تقرر تشييع جثمان الداعية الراحل عقب صلاة المغرب اليوم الإثنين، ويتوقع أن يشارك في الجنازة المئات من الأشخاص من مختلف أنحاء البلاد.
زوجة مخلصة
وقال يوسف نجل الداعية الراحل إن السيدة حواء ديدات التي عكفت الأعوام التسعة الأخيرة على رعاية زوجها، كانت بجانبه وقت وفاته، وإنها بخير مؤكدا "أنها زوجة مجاهد".
وأشار يوسف إلى أن أسرته تلقت مكالمات هاتفية من أشخاص من مختلف أنحاء العالم منها الهند والمملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أعربوا خلالها عن تعازيهم في وفاة الشيخ.
وقد أعرب العديد من رجال الدين والشخصيات السياسة عن حزنهم لدى سماعهم بخبر وفاة الداعية البارز فقد لفت أحمد جمال، رئيس مؤسسة الأنصار في دربان، الذي أعد رسالة علمية حول أفكار الشيخ الراحل أن العالمين الإسلامي والمسيحي في حاجة لمواصلة المناظرات الدينية والحوار ". وتابع "لا أعتقد أن مسلما كتب للبابا يدعوه إلى الإسلام، ولكن الشيخ ديدات فعلها... إنها المسئولية الواقعة على عاتقنا في نشر رسالته".
حياة ديدات
ولد الشيخ أحمد ديدات في الأول من يوليو 1918 في مقاطعة سورات الهندية، وانتقل إلى جنوب أفريقيا في عام 1927، ورغم أنه لم يكن يعرف اللغة الإنجليزية، إلا أنه تعلمها في ستة أشهر وتفوق في دراسته وأنهاها متفوقا على زملائه، إلا أن والده اضطر إلى إخراجه من المدرسة في بداية المرحلة الثانوية بسبب الظروف المادية السيئة.
وذهب الشيخ ديدات بعد ترك المدرسة للعمل في محل بإحدى المناطق الريفية حيث بدأت رحلته في الدعوة... وكان يتردد عليه في المحل طلاب مدرسة تبشيرية ليعرضوا عليه تعاليم المسيحية، ولأنه كان لا يكاد يعرف من الإسلام سوى الشهادة، وجد صعوبة في الدفاع عن عقيدته.
وبعدها وجد كتابا يحتوي على حوار بين إمام مسلم وقس مسيحي كان أول كتاب بين عدة كتب قرأها فيما بعد حول هذا الموضوع.
أول محاضرة
كانت أول محاضرة للشيخ ديدات بعنوان "محمد صلى الله عليه وسلم رسول السلام" في عام 1940 ألقاها أمام 14 شخصا بإحدى دور السينما بالإقليم الذي عاش فيه.
وبعد فترة وجيزة، زاد العدد، وكان محبو الاستماع له يعبرون التقسيمات العنصرية التي كانت سائدة آنذاك إبان فترة التمييز العنصري بجنوب أفريقيا، للاستماع له والمشاركة في جلسات الأسئلة والأجوبة التي كانت تعقد عقب محاضراته.
ونجحت قوة حجته في إعادة مرتدين كانوا قد تخلوا عن عقيدتهم إلى الإسلام. وهكذا بدأت شؤون وشجون الدعوة تهيمن على كل جوانب حياته حتى بلغ عدد الحضور في محاضراته 40 ألفا.
وفي عام 1957، أسس الشيخ ديدات المركز العالمي للدعوة الإسلامية بمساعدة اثنين من أصدقائه، وقد تولى المركز طبع مجموعة متنوعة من الكتب ونظم العديد من الدروس الدينية للمسلمين الجدد.
مناظرات
وألقى الشيخ ديدات محاضرات في كل أنحاء العالم، ونجح في مواجهة مسيحيين إنجيليين في مناظرات عامة.. ومن أشهر مناظراته مناظرة "هل صُلب المسيح؟" التي ناظر فيها بنجاح الأسقف جوسيه ماكدويل في ديربان عام 1981.
ومن أهم الكتب التي أثرى بها العلامة ديدات المكتبة الإسلامية "الاختيار بين الإسلام والمسيحية" و"هل الكتاب المقدس كلام الله؟" و"القرآن معجزة المعجزات" و"ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد؟" و"مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء".
السباحة ضد التيار
وذكر موقع الشيخ أحمد ديدات على الإنترنت أن الشيخ ديدات الذي لم يكمل دراسته الرسمية، علَّم نفسه وتزود بخبرة واسعة وساعده على ذلك ولعه بالقراءة والمجادلة والمناقشة، وحسه العميق وإلزامه لنفسه بأهداف محددة.
ووصفه الموقع بأنه كان شديد التركيز، ولم يكن يترك أي عمل قبل أن ينجزه، وكان واسع الإدراك وصريحًا ومتحمسًا وجريئًا في تحديه لمن يناظرهم، خاصة من ساووه في حماسته الدعوية وجراءته.
وأضاف الموقع لم يؤثر عدم استكماله دراسته الرسمية على شجاعته الإبداعية وتماسكه وطموحه ونشاطه وجرأته المتناهية في "السباحة ضد التيار".
واشتهر الداعية الراحل في الولايات المتحدة بمناظرته مع القس جيمي سواجارت التي حضرها 8000 شخص حول موضوع "هل الكتاب المقدس كلام الله؟".
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 245.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 239.38 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (2.39%)]