شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 22 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 774 - عددالزوار : 117620 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 3619 )           »          قسمة غنائم حنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الوجه المشرق والجانب المضيء لطرد المسلمين من الأندلس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          القرآن يذكر غزوة حنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          مشاهد من معركة حنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          غزوة هوازن "حنين" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الإمام الأوزاعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          ليلة هي من أقسى ليالي الدنيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أحكام فقهية وقعت في مكة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #211  
قديم 28-06-2024, 09:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

استحباب أن تكون أفعال الصلاة متقاربة في الطول

قوله: [ (فوجدت قيامه كركعته) ] هذا القيام هو الذي قبل الركوع، القيام في القراءة، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان كان قيامه مقارباً للركوع والسجود، أي أنه كان يطيل الركوع والسجود فيكون قريباً من القيام، وفي بعض الأحيان يطول القيام جداً فلا يكون قريباً من الركوع والسجود. قوله: [ (فوجدت قيامه كركعته، وسجدته واعتداله في الركعة كسجدته وجلسته بين السجدتين) ]. أي أن القيام والاعتدال والركوع والسجود والرفع من السجود كلها متقاربة. قوله: [ (وسجدته وما بين التسليم والانصراف قريباً من السواء) ]. قد جاء في بعض الأحاديث -وهو صحيح-: (ما خلا القيام والقعود) ومعناه أن الأفعال متقاربة إلا القيام في القراءة والقعود للتشهد، فإنه يكون أطول من الركوع ومن السجود ومن الجلسة بين السجدتين ومن القيام بعد الركوع، فقوله: ( ما خلا القيام ) يعني: في القراءة في أول الصلاة، ( والقعود ) يعني: في آخرها أو في وسطها. قوله: [ (فجلسته بين التسليم والانصراف) ] يعني: بعد السلام، فإذا سلم يجلس قليلاً مستقبل القبلة بمقدار ما يقول: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله، ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف إلى المأمومين، هذه الفترة التي يقول فيها هذا الذكر وهو مستقبل القبلة هي قريبة من الركوع والسجود والجلسة بين السجدتين. ومعناه أنه لا يطيل الجلوس وهو مستقبل القبلة بعد السلام، بل يجلس بمقدار ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من هذا الذكر الذي هو: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف إلى المأمومين ويلقيهم وجهه.

تراجم رجال إسناد حديث (رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فوجدت قيامه كركعته وسجدته...)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو ابن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و أبو كامل ]. هو فضيل بن حسين الجحدري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . وقوله: [ دخل حديث أحدهما في الآخر ] يعني: تشابها أو تماثلا، وقد ذكر لفظ مسدد حيث ساقه فيما بعد فقال: [قال مسدد ...] إلخ. [ حدثنا أبو عوانة ]. هو أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هلال بن أبي حميد ]. هلال بن أبي حميد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب ]. عبد الرحمن و البراء مر ذكرهما.
صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود. حديث المسيء صلاته ]. قوله: [ حديث المسيء صلاته ] من كلام المعلق، وهذا غير صحيح، فليس له أن يضيف، بل يكتفي بتبويب أبي داود، ولا حاجة لأن يقول: [حديث المسيء صلاته]؛ لأنه سيذكر تحت هذا الحديث حديث المسيء صلاته وغيره، فليس الباب مقصوراً عليه، بل فيه حديث المسيء وغيره.

شرح حديث (لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن سليمان عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود) ]. قوله: [ باب: صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ] يعني: يقيم ظهره في الركوع والسجود، بحيث يطمئن ويستقر ولا يستعجل في ركوعه ولا في سجوده، ويعتدل في ركوعه وفي سجوده. وأورد أبو داود حديث عقبة بن عمرو الأنصاري البدري أبو مسعود ، وهو مشهور بكنيته رضي الله تعالى عنه، وقد يقع تصحيف بين أبي مسعود و ابن مسعود ، فيقال: (عن ابن مسعود) وهو أبو مسعود ، كما حصل في بعض نسخ بلوغ المرام في حديث: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)، وهو من رواية أبي مسعود هذا، فإنه في كثير من النسخ المطبوعة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)، والتصحيف بين (ابن) و(أبي) يمكن ويحصل؛ لأن الكتابة فيهما متقاربة، فقد يتصحف الاسم من (أبي مسعود) إلى (ابن مسعود)، والذي هو مشهور بالرواية الكثيرة هو ابن مسعود ، ولهذا تصحفت (أبو) إلى (ابن) في حديث: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) في نسخ بلوغ المرام. و عقبة بن عمرو الأنصاري البدري قيل: إنه لم يشهد بدراً ولكنه سكن بدراً فنسب إليها، ولكن جاء عن البخاري أنه قال: إنه شهد بدراً. قوله: [ (لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود) ] أي أنه لابد من الاطمئنان، فلا ينقر الصلاة في ركوعه وسجوده نقراً بحيث يصل إلى الأرض أو يهوي ثم يرتفع مباشرة، وإنما يستقر ويطمئن ويقيم صلبه بحيث يأتي بالذكر والدعاء، ولو بأقل ما يحصل به الاطمئنان، فلا يلزم التطويل ولكن الشيء الذي لابد منه هو حصول الاطمئنان في حال الركوع والسجود، بحيث لا ينقر الصلاة نقراً، وإذا حصل منه ذلك النقر الذي ليس فيه اطمئنان فصلاته غير صحيحة ولا تجزئ.
تراجم رجال إسناد حديث (لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود)

قوله: [ حدثنا حفص بن عمر النمري ]. قد مر ذكره. [ حدثنا شعبة عن سليمان ]. شعبة مر ذكره، و سليمان هو سليمان بن مهران الأعمش الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن عمير ]. عمارة بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي معمر ]. هو عبد الله بن سخبرة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي مسعود البدري ]. هو أبو مسعود البدري عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث المسيء صلاته

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي حدثنا أنس -يعني ابن عياض - قال، ح: وحدثنا ابن المثنى حدثني يحيى بن سعيد عن عبيد الله -وهذا لفظ ابن المثنى - حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه السلام وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع الرجل فصلى كما كان صلى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام، ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل، حتى فعل ذلك ثلاث مرار، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني، قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم اجلس حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها). قال القعنبي : عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال في آخره: (فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك، وما انتقصت من هذا شيئاً فإنما انتقصته من صلاتك، وقال فيه: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء) ]. هذا الحديث مشهور باسم (حديث المسيء صلاته) وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فجاء رجل فدخل المسجد وصلى، وفي بعض الروايات أنه صلى ركعتين، وهذا يدل على أنها نافلة، وقال بعض أهل العلم: إنها تحية المسجد، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فرد عليه السلام وقال: [ (ارجع فصل فإنك لم تصل) ] فرجع وصلى ثم جاء وسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام وقال: [ (ارجع فصل فإنك لم تصل) ]، ثم رجع وصلى ثم جاء وسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: [ (ارجع فصل فإنك لم تصل) ] فقال: [ والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني ]، فعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم الأمور التي لابد منها في الصلاة، أو الأمور التي رأى أنه أخل بها في صلاته، وغالبها أفعال وفيها أقوال وهي القراءة، ولكن الغالب فيها أنها أفعال: ركوع وسجود وقيام بعد الركوع وجلوس بين السجدتين.. وهكذا.

فائدة تكراره للصلاة عدة مرات


هذا الرجل لما جاء وصلى والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ثم قال له: [ (ارجع فصل) ] لم يقل: علمني، أو: لا أحسن غير هذا فعلمني، وإنما أراد أن يرجع ويصلي حتى يتحقق من حسن صلاته أو عدم حسنها، فرجع وصلى مثل ما صلى فقال له: [ (ارجع فصل فإنك لم تصل) ] ولما قال في الثالثة: [ إني لا أحسن غير هذا فعلمني ] علمه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون عدم تعليم النبي صلى الله عليه وسلم إياه في أول مرة إما للتحقق، أو أنه يريد منه أن يقول: إنه لا يحسن غير ذلك، ولكنه كرر ذلك ثلاث مرات، ولا شك في أن هذا الفعل وهذا الترداد ثم بعد ذلك كونه يقول: علمني ثم يعلمه، لا شك أن ذلك فيه تثبيت لتلك الكيفية التي يعلمه إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه، وأنه سوف يعرفها تماماً مادام أنه قد حصل هذا الجهد وحصل هذا التكرار والترداد منه، فلا شك في أنه بعد ذلك سيحصل منه استيعاب لما يعلمه إياه رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. والحديث يدل على أن الإنسان إذا ذهب ولو لم يختف ثم جاء فإنه يكرر السلام، فلو ذهب إلى مكان ولو لم يختف عن صاحبه فإنه يسلم إذا رجع؛ لأن ذلك الصحابي جاء وسلم مراراً، كلما ذهب وجاء والرسول ينظر إليه وينظر إلى صلاته يأتي ويسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم يرد عليه السلام صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وجوب التكبير للدخول في الصلاة وأنه لا يجزئ غيره

فلما ذكر الرجل أنه لا يعرف غير وقال: [ والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا ]، علمه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له: [ (إذا قمت إلى الصلاة فكبر) ]، أي: إذا أردت الدخول في الصلاة وقمت لتدخل في الصلاة فكبر؛ لأن هذا التكبير هو للدخول في الصلاة، وهو يدل على أن التكبير هو مفتاح الصلاة أو هو للدخول في الصلاة، وأنه لا يجوز غير ذلك؛ لأنه لو جاز أن يأتي بغير ذلك لعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، أو لقال: فكبر أو ائت بأي لفظ يدل على التعظيم، وإنما قال: [ (فكبر) ]، وهديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر، وقال: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، والنصوص في هذا كثيرة، وكلها تدل على أن الدخول في الصلاة يكون بالتكبير ولا يكون بغير ذلك؛ لأنه لو أجزأ شيء غير ذلك لعلمه النبي صلى الله عليه وسلم إياه، ولفعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولما قصر تحريم الصلاة على أنه يكون بالتكبير دل على أن التكبير أمر لابد منه في الدخول في الصلاة.
حكم قراءة الفاتحة في الصلاة

قوله: [ (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) ]. بعض العلماء يستدل بهذا على عدم لزوم الفاتحة، وأن الفاتحة ليست بلازمة، بل يقرأ الإنسان ما تيسر، لكنه جاء في بعض الروايات: (ثم أقرأ الفاتحة وما تيسر)، وجاء في بعض الأحاديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، فقوله: [ (ما تيسر) ] مجملٌ جاء بيانه وتفسيره في السنة، مثلما جاء تفسير قوله تعالى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] حيث جاء مطلقاً في هدي التمتع، لكنه فسر بأنه ذبح شاة، وهي أقل ما يجزئ، وإن ذبح أكثر من ذلك صح وجاز، فجاء بيان هذا الذي استيسر في السنة، وهنا هذا اللفظ المجمل جاء تفسيره في السنة، وأنه لابد من قراءة الفاتحة، ثم يقرأ شيئاً معها، وقد جاء في بعض الأحاديث: (اقرأ الفاتحة وما تيسر).
وجوب الطمأنينة في الركوع والرفع منه والسجود والرفع منه

قوله: [ (ثم اركع حتى تطمئن راكعا) ]. أي: بعد ذلك يركع، والركوع لابد منه، ولابد من الاطمئنان فيه؛ لأنه قال: [ (حتى تطمئن راكعاً) ]، فلا يكفي أن يهوي ثم يرفع فيكون كالغراب الذي ينقر الأرض. قوله: [ (ثم ارفع حتى تعتدل قائما) ]. أي: حتى تطمئن قائماً وتكون معتدلاً في القيام، فتكون ساجداً من قيام لا ساجداً من حال بين القيام والركوع، فلابد من القيام ولابد من الاطمئنان، وقد مر بنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطيل القيام بعد الركوع، يقول أنس : (حتى نقول: قد أوهم). قوله: [ (ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا) ]. أي أنه يسجد ويستقر ويطمئن في سجوده، ولا يهوي إلى الأرض ثم يرفع كهيئة الطير الذي ينقر ليأخذ الشيء الذي يأكله من الأرض ثم يرفع. قوله: [ (ثم اجلس حتى تطمئن جالسا) ]. يعني: ثم اجلس بين السجدتين حتى تطمئن جالساً، فلابد من الاطمئنان. قوله: [ (ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) ]. أي: في جميع الركعات، فقد ذكر طريقة القيام والركوع والاعتدال من الركوع والسجود والاعتدال بين السجدتين، فذكر هذه الأفعال التي لابد منها في الصلاة.
شرح رواية (فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك ...)

قوله: [ قال القعنبي : عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال في آخره: [ ( فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك، وما انتقصت من هذا شيئاً فإنما انتقصته من صلاتك) ]. الرواية السابقة جاءت عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه، وهذه عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة بدون واسطة أبيه، ولا إشكال في ذلك؛ لأن سعيد بن أبي سعيد يروي عن أبي هريرة ويروي عن أبيه عن أبي هريرة . قوله: [ (فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك، وما انتقصت من هذا شيئاً فإنما انتقصته من صلاتك) ] يعني: إنك إذا أتيت بهذه الهيئة كانت الصلاة مجزئة، وإذا انتقصت من ذلك فإنه ينتقص من صلاتك، لكن إذا كانت بالهيئة التي هي السرعة كنقر الغراب ونقر الطائر فإن الصلاة لا تصح، وأما الواجب الذي لابد منه فهو الذي تجزئ معه الصلاة، وما زاد على ذلك فهو من النوافل ومن الأمور المستحبة التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها. قوله: [ وقال فيه: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء) ]. أي: إذا أردت القيام فأسبغ الوضوء، مثل قوله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:6] أي: إذا أردتم القيام، وإسباغ الوضوء شيء لابد منه، وهو أن يغسل المرء مرة واحدة يُجري فيها الماء على الأعضاء التي يجب غسلها، وأما الإسباغ المستحب الذي ليس بواجب فهو كونه يغسل مرتين أو ثلاث مرات؛ لأن هذه من الأمور المستحبة، وأما تعميم الماء ووصوله إلى الأعضاء وإن لم يحصل الدلك فهو القدر المجزئ الذي يكفي، وما زاد على ذلك فهو من باب الاستحباب.
تراجم رجال إسناد حديث المسيء صلاته

قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا أنس -يعني ابن عياض- ]. أنس بن عياض ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثني يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر العمري المصغر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا لفظ ابن المثنى ]. أي: سياق الشيخ الثاني؛ لأن هنا شيخين: القعنبي في الطريق الأولى، و ابن المثنى في الطريق الثانية، وهذا لفظ ابن المثنى . [ حدثني سعيد بن أبي سعيد ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. قوله: [ قال القعنبي : عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة ]. معنى هذا أنه ساقه على أصل ابن المثنى وفيه سعيد بن أبي سعيد ، وطريق القعنبي الأولى ليس فيها ذكر والده، وإنما سعيد بن أبي سعيد يروي عن أبي هريرة مباشرة، ولا تنافي بينهما؛ لأن سعيد بن أبي سعيد يروي عن أبي هريرة ويروي عن أبيه عن أبي هريرة ."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #212  
قديم 28-06-2024, 09:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [111]
الحلقة (142)



شرح سنن أبي داود [111]

الصلاة لها شأنها العظيم، ولا يعظم أجرها إلا بزيادة الخشوع فيها، ولذا شرع للمصلي أن يأتي لها بما يدعوه إلى الخشوع فيها، وذلك أنه إذا قام للصلاة يتوضأ كما أمره الله عز وجل ثم يدخل في صلاته بالتكبير، ويجعل لمفاصله حظاً من صلاته في ركوعه واعتداله وسجوده ونحو ذلك، ويمكن أعضاء السجود في سجوده من الأرض، ويجتنب الهيئات المنهي عنها في الصلاة، كافتراش السبع، ويحرص على أن يجعل صلاته في تمام لا أن ينقرها كنقر الغراب، وبذلك ينصرف من صلاته وقد كتب له الأجر العظيم.

تابع صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود


شرح حديث رفاعة في الطمأنينة في الركوع

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلاد عن عمه أن رجلاً دخل المسجد فذكر نحوه، قال فيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء -يعني: مواضعه- ثم يكبر ويحمد الله عز وجل ويثني عليه، ويقرأ بما تيسر من القرآن، ثم يقول: الله أكبر، ثم يركع حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائماً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعداً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ثم يرفع رأسه فيكبر، فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته) ]. قوله: [ (لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء -يعني: مواضعه) ]. معناه أنه يتوضأ كما أمره الله عز وجل، بأن يغسل وجهه، ثم اليدين والمرفقين، ثم يمسح برأسه، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين، حيث إنه لابد من الوضوء. وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، فمن شروط الصلاة أن يسبقها بالطهارة، والأمر بالصلاة هو أمر بالطهارة؛ للقاعدة المشهورة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، فمن الأمور التي لابد منها عند الصلاة أن يتطهر إما بالماء أو بالتيمم عند عدم الماء أو عند العجز عن استعمال الماء، وعلى هذا فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء صلاته في هذه الطريق الثانية التي أوردها أبو داود أنه لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ ويضع الوضوء في مواضعه، وذلك بأن يأتي به في الأماكن أو في الأعضاء التي بينها الله عز وجل في سورة المائدة، وهي غسل الوجه واليدين والمرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين. قوله: [ (ثم يكبر ويحمد الله عز وجل ويثني عليه) ]. أي: يأتي بتكبيرة الإحرام التي هي مفتاح الصلاة، والتي لا يكون الدخول في الصلاة إلا بها، وتسمى تكبيرة الإحرام لأنه يحرم على الإنسان بقولها والإتيان بها ما كان حلالاً له قبلها، فالتكبير في الصلاة للإحرام كالإحرام في الحج؛ لأنه قبل أن يحرم بالحج يحل له أمور، فإذا أحرم حرمت عليه، فإذا تحلل من الحج حلت له، وكذلك الإنسان قبل أن يكبر تكبيرة الإحرام في الصلاة يحل له أمور، فإذا كبر حرمت عليه، كالأكل والشرب والالتفات والتكلم والذهاب والإياب، وما إلى ذلك من المباحات التي تحل له قبل أن يدخل في الصلاة. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الصلاة: (تحريمها التكبير). يعني أن الإنسان إذا كبر تكبيرة الإحرام حرمت عليه أمور كانت حلالاً له قبل ذلك. وقوله: (وتحليلها التسليم) بمعنى أن الأمور التي كانت حرمت عليه بعد تكبيرة الإحرام قد حلت له بعد التسليم. كذلك لابد من لفظ التكبير، فلا يكفي أن يعظم الله بأي لفظ آخر، كأن يقول: (الله أجل)، أو: (الله أعظم)، بل لابد من أن يقول: الله أكبر. قوله: [ (ويحمد الله عز وجل) ]. المقصود بذلك الذكر الذي يكون بعد التكبير وقبل القراءة، وهو دعاء الاستفتاح، ودعاء الاستفتاح -كما هو معلوم- سنة، فلو لم يأت به المرء صحت صلاته. [ (ويقرأ بما تيسر من القرآن) ]. وذلك بقراءة سورة الفاتحة إذا كان الإنسان عالماً بها، وإن لم يكن قد علم بها ولكنه يعرف شيئاً من القرآن، أو دخل في الإسلام وهو لا يعرف الفاتحة لكنه يعرف شيئاً من القرآن غيرها، فإنه ينتقل إلى قراءة شيء من القرآن غير الفاتحة، لكن يجب عليه أن يتعلم الفاتحة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وإذا لم يستطع أن يتعلم شيئاً من ذلك فإنه يحمد الله ويهلله ويكبره كما سيأتي في حديث آخر من أحاديث هذا الباب، وكما سبق أن مر في قراءة الأعجمي والأعرابي أو من لا يحسن القراءة، فإنه يأتي بقوله: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وهذا معنى قوله: (إن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وهلله وكبره ثم اركع)، كما سيأتي. قوله: [ (ثم يقول: الله أكبر) ]. يعني: يكبر للركوع، ومن المعلوم أن قول (الله أكبر)، ليس من أركان الصلاة، وإنما هو من الواجبات، وعلى قول جمهور أهل العلم فإن التكبير من المستحبات إلا تكبيرة الإحرام، وأن الإنسان لو ترك بقية التكبيرات على قول جمهور العلماء فقد ترك أمراً مستحباً، وقال بعض العلماء: إنه واجب، لكن لا يعتبر من الأركان التي إذا تُركت تبطل الصلاة بتركها. قوله: [ (ثم يركع حتى تطمئن مفاصله) ]. بمعنى أنه يطمئن بحيث يستقر في ركوعه، وتطمئن المفاصل بعد الهوي للركوع، بحيث يكون هناك استقرار، أما أن يهوي للركوع ثم يرتفع دون أن تستقر مفاصله فلا تصح صلاته، بل لابد من الاستقرار في الركوع والاطمئنان فيه، وهذا شيء لابد منه في الصلاة، والذي ينقر الصلاة نقراً ويهوي ثم يرفع بسرعة أو يسجد ثم يهوي بسرعة دون أن يستقر لا يقال: إنه قد ركع، ولا يقال: إنه سجد، بل لابد من الاطمئنان ولو شيئاً يسيراً جداً. قوله: [ (ثم يقول: سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائماً) ]. أي: يقول: (سمع الله لمن حمده)، عند الرفع من الركوع، حتى يستقر ويعتدل قائماً. قوله: [ (ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله) ]. معناه أنه يطمئن في سجوده ويستقر فيه، بحيث تكون الحركة التي صدرت منه عند الهوي إلى السجود قد انتهت، وحصل الاستقرار والاطمئنان في السجود. قوله: [ (ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعداً) ]. يعني: يفعل هذا بين السجدتين. قوله: [ (ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله) ]. يعني: عندما يهوي للسجدة الثانية فإنه يسجد حتى تطمئن مفاصله كما حصل في السجدة الأولى. قوله: [ (ثم يرفع رأسه فيكبر) ]. يعني: يكبر قائماً للركعة الثانية. قوله: [ (فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته) ]. يعني: إذا فعل ذلك في جميع الركعات؛ لأنه بين ما يتعلق بالركعة الواحدة من الأفعال التي ينبغي تطبيقها في كل ركعة، فيفعل في كل الركعات كما فعل في الركعة الأولى من القراءة ومن الركوع والسجود. وقوله: (الله أكبر) وقوله: (سمع الله لمن حمده) إلا الاستفتاح فإنه لا يكون إلا في الركعة الأولى عند الدخول في الصلاة بعد التكبير وقبل القراءة، كما سبق أن مر في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في باب السكتات التي يسكتها الإمام قال أبو هريرة : (أرأيت في سكوتك -بأبي أنت وأمي يا رسول الله- بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي...).

تراجم رجال إسناد حديث رفاعة في الطمأنينة في الركوع

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة البصري، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ]. إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن يحيى بن خلاد ]. علي بن يحيى بن خلاد ثقة, أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عمه ]. عمه هو رفاعة بن رافع، وهو صحابي، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

شرح حديث رفاعة في الطمأنينة في السجود
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا هشام بن عبد الملك و الحجاج بن منهال قالا: حدثنا همام حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع رضي الله عنه بمعناه، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله عز وجل ويحمده، ثم يقرأ من القرآن ما أذن له فيه وتيسر. فذكر نحو حديث حماد قال: ثم يكبر فيسجد فيمكن وجهه -قال همام: وربما قال: جبهته- من الأرض حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ثم يكبر فيستوي قاعداً على مقعده ويقيم صلبه -فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات حتى فرغ-، لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك) ]. أورد المصنف حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه من طريق أخرى وهي مثل التي قبلها في صفة الصلاة، وأنه لابد من إسباغ الوضوء، وإسباغ الوضوء يكون بتعميمه على الأعضاء، بحيث لا يخلو جزء ولو كان قليلاً من الأعضاء المغسولة من وصول الماء إليه، وهذا هو الأمر الواجب الذي لابد منه، وما زاد على ذلك فهو سنة ومستحب، وهو من الإسباغ، ولكن الإجزاء يحصل بوصول الماء إلى جميع الأجزاء المغسولة، وهي غسل الوجه واليدين والمرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين كما جاء ذلك في سورة المائدة. قوله: [ (ثم يكبر الله عز وجل ويحمده) ] هنا فيه ذكر الحمد بعد تكبيرة الإحرام، ولعل المقصود من ذلك هو دعاء الاستفتاح الذي هو حمد وثناء أو دعاء كما جاء في بعض الأحاديث التي فيها الاستفتاح، لأن منه ما هو حمد وثناء كقوله: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك) ومنه ما هو دعاء، كقوله: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب). قوله: [ (ثم يقرأ من القرآن ما أذن له فيه وتيسر، فذكر نحو حديث حماد، قال: ثم يكبر فيسجد فيمكن وجهه -قال همام : وربما قال: جبهته- من الأرض) ]. هذا فيه اختصار؛ لأنه ما ذكر الركوع. قوله: [ (وربما قال: جبهته من الأرض حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ثم يكبر فيستوي قاعداً على مقعده ويقيم صلبه، فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات حتى فرغ) ]. يعني أن ما يجري في الركعة الواحدة يجري في الأربع الركعات إذا كانت الصلاة رباعية.

تراجم رجال إسناد حديث رفاعة في الطمأنينة في السجود

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا هشام بن عبد الملك ]. هو أبو الوليد الطيالسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و الطيالسي يروي عنه أبو داود بواسطة وبغير واسطة؛ لأنه يقول أحياناً: (حدثنا أبو الوليد الطيالسي -كما سيأتي في هذا الباب- بغير واسطة). [ و الحجاج بن منهال ]. الحجاج بن منهال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ]. هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه ]. هذا مثل الذي تقدم، إلا أنه فيه ذكر أبيه وهو يحيى بن خلاد ، و يحيى بن خلاد يروي عن عمه رفاعة بن رافع ؛ لأن رفاعة أخو خلاد فيحيى بن خلاد بن رافع يروي عن عمه رفاعة بن رافع . و يحيى بن خلاد له رؤية، وذكره ابن حبان في ثقاة التابعين، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن عمه رفاعة بن رافع ]. هو رفاعة بن رافع رضي الله عنه، وقد مر ذكره.

حكم السجود على غير الجبهة أو على بعضها

قال الخطابي : وفيه دليل على أن السجود لا يجزئ على غير الجبهة، وأن من سجد على كور العمامة ولم يسجد معها على شيء من جبهته لم تجزئه صلاته. وهذا الكلام صحيح؛ لأن الإنسان إذا لم يمكن جبهته من الأرض لا تصح صلاته، وإذا كان بعض الجبهة مغطى فإنه يسجد على ما غطي وعلى ما كان مكشوفاً، أما أن يغطي جبهته كلها بدون مانع أو أن العمامة تكون ملفوفة ثم يسجد عليها ويرتفع عن الأرض فلا تصح الصلاة، هذا مقتضى كلام الخطابي وهو صحيح.

شرح حديث (إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن محمد -يعني ابن عمرو - عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه بهذه القصة، قال: (إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ، وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك، وقال: إذا سجدت فمكن لسجودك، فإذا رفعت فاقعد على فخذك اليسرى) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث رفاعة بن رافع من طريق أخرى، وفيها: [ (إذا قمت فتوجهت إلى القبلة) ] يعني أن الإنسان يستقبل القبلة أولاً؛ لأن استقبالها شرط من شروط الصلاة. قوله: [ (فكبر) ] يعني: يكبر حتى يدخل في الصلاة. قوله: [ (ثم اقرأ بأم القرآن) ]. قد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة، ومنها (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب). قوله: [ (وبما شاء الله أن تقرأ) ] يعني: بعد الفاتحة. قوله: [ (وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك) ]. يعني أنه يعتمد براحتي اليدين ثم تكون الأصابع نازلة عن الركبتين. قوله: [ (وامدد ظهرك) ] بمعنى أنه يكون مستقيماً، بحيث لا يصوب رأسه ولا يشخصه بحيث يكون رأسه مساوياً لظهره. قوله: [ (وإذا سجدت فمكن لسجودك) ]. يعني: بأن تستقر على الأرض بالأعضاء التي يكون السجود عليها، وهي سبعة: الجبهة ومعها الأنف، واليدان، والركبتان، والقدمان. قوله: [ (فإذا رفعت فاقعد على فخذك اليسرى) ]. يعني: يقعد على فخذه اليسرى مفترشاً.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر)

قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. هو وهب بن بقية الواسطي، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن خالد ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، أو هو خالد بن الحارث الهجيمي البصري، وهو ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وليس هناك إشكال، فكل منهما ثقة. [ عن محمد -يعني ابن عمرو- ]. هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن رفاعة بن رافع ]. قد مر ذكرهم.

شرح حديث (إذا أنت قمت في صلاتك فكبر الله تعالى ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن محمد بن إسحاق حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة، قال: (إذا أنت قمت في صلاتك فكبر الله تعالى، ثم اقرأ ما تيسر عليك من القرآن، وقال فيه: فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش فخذك اليسرى ثم تشهد، ثم إذا قمت فمثل ذلك حتى تفرغ من صلاتك) ]. أورد أبو داود حديث رفاعة بن رافع رضي الله تعالى عنه وهو مثل ما تقدم إلا أن فيه بعض الفروق، منها قوله: [ (إذا أنت قمت في صلاتك فكبر الله تعالى ثم اقرأ ما تيسر عليك من القرآن) ]. يعني: تيسر عليك أو لك. وقوله: [ (فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن) ]. يعني: للتشهد الأول، وذلك إنما يكون في الثلاثية والرباعية، فاطمئن وتشهد. قوله: [ (ثم إذا قمت فمثل ذلك حتى تفرغ صلاتك) ]. يعني: إذا قمت لإكمال الصلاة -سواء أكانت ثلاثية، بأن تأتي بركعة أم رباعية بأن تأتي بركعتين- فإن تعمل فيما بقي من صلاتك بعد التشهد الأول كما عملته في صلاتك قبل التشهد الأول حتى تفرغ من صلاتك.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا أنت قمت في صلاتك فكبر الله تعالى ...)


قوله: [ حدثنا مؤمل بن هشام ]. مؤمل بن هشام ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بابن علية، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع ]. قد مر ذكرهم.

شرح حديث (فتوضأ كما أمرك الله عز وجل ثم تشهد فأقم ثم كبر...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباد بن موسى الختلي حدثنا إسماعيل -يعني ابن جعفر - أخبرني يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن أبيه عن جده عن رفاعة بن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقص هذا الحديث، قال فيه: (فتوضأ كما أمرك الله عز وجل، ثم تشهد فأقم ثم كبر، فإن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وكبره وهلله، وقال فيه: وإن انتقصت منه شيئاً انتقصت من صلاتك) ]. أورد حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه زيادات على ما تقدم، حيث قال: [ (فتوضأ كما أمرك عز وجل ثم تشهد فأقم) ]. والمقصود بالتشهد هنا الأذان. قوله: [ (وأقم) ] يعني: الإقامة. قوله: [ (ثم كبر) ]. يعني: ادخل في الصلاة، وذلك بأن تكبر تكبيرة الإحرام. قوله: [ (فإن كان معك قرآن فاقرأ به) ]. يعني الفاتحة، وهي لابد منها إذا كانت محفوظة، وإن لم تكن محفوظة فإنه يؤتى بما تيسر من القرآن سواها، وإن لم يكن لا هذا ولا هذا فيحمد الله ويهلله ويكبره ثم يركع، وهذا شاهد للحديث الذي سبق أن مر في باب قراءة الأعجمي الذي فيه أنه يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. قوله: [ وقال فيه: (وإذا انتقصت منه شيئاً انتقصت من صلاتك) ]. يعني: إذا انتقصت من هذه الأشياء شيئاً انتقصت من صلاتك. وهذا الحديث يشير إلى الصلاة المفروضة؛ لأنه يذكر في بعض الروايات أنه يأتي بالتشهد الأول، وأما الذي هو في صلاة نافلة فهو حديث المسيء صلاته الذي دخل وصلى ركعتين ثم جاء وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم كما مر في حديث أبي هريرة .

تراجم رجال إسناد حديث (فتوضأ كما أمرك الله عز وجل ثم تشهد فأقم ثم كبر...)

قوله: [ حدثنا عباد بن موسى الختلي ]. عباد بن موسى الختلي ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي ]. [ حدثنا إسماعيل -يعني ابن جعفر- ]. إسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع ]. هذا زيادة في النسب المتقدم؛ لأن الذي تقدم علي بن يحيى عن أبيه عن عمه وهنا يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن جده وجده يروي عن عمه رفاعة ، ففي هذا الحديث أن الذي يروي عن علي ابنه، بخلاف الطرق السابقة فإنه يروي فيها عنه غير ابنه، ولهذا قال: عن أبيه عن جده عن رفاعة ، و يحيى بن علي هذا مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيه عن جده عن رفاعة بن رافع ]. قد مر ذكرهم.

شرح حديث (نهى رسول الله عن نقرة الغراب وافتراش السبع...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر بن الحكم، ح: وحدثنا قتيبة حدثنا الليث عن جعفر بن عبد الله الأنصاري عن تميم بن محمود عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير) هذا لفظ قتيبة ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نقرة الغراب، وذلك في حال الركوع والسجود، يعني أنه يهوي للركوع ثم يرفع بسرعة ويهوي للسجود ثم يرفع بسرعة مثل الغراب الذي يلتقط شيئاً من الأرض، فهو يضع منقاره ثم يرفعه بسرعة بعدما يأخذ الشيء الذي يريد أكله، وكذلك من يصلي ويركع بسرعة ويسجد بسرعة بحيث لا يطمئن في ركوعه ولا في سجوده، فهو يرفع رأسه دون أن يطمئن كما يفعل الطائر الذي يلقط الشيء الذي يأكله، فإنه يضع منقاره على الأرض ويأخذه بسرعة ثم يرفعه وهكذا، وهذا فيه عدم الاطمئنان في الصلاة والعجلة فيها والسرعة التي لا استقرار فيها ولا هدوء فيها. قوله: [ (وافتراش السبع) ]. يعني كونه عندما يسجد يمد ذراعه كله ويجعله على الأرض، بحيث يكون مرفقه على الأرض وكفه على الأرض مثل افتراش الكلب أو السبع، والصحيح أن يضع كفيه على الأرض ويرفع مرفقيه ويجافيهما عن جنبيه، هذا هو المشروع وهذا هو السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير) ]. يعني أن غير الإمام يتخذ مكاناً لا يصلي فرضه إلا فيه، بحيث يكون دائماً وأبداً لا يصلي الفرض إلا في هذا المكان، مثل ما يفعل البعير الذي يألف مكاناً ويأتي ويبرك فيه ولا يتعداه. وفسر بتفسير آخر لكنه ليس بصحيح، وهو أنه يبرك بحيث يقدم ركبتيه ويهوي بسرعة حتى يكون لهما صوت مثل ما يفعل البعير عندما يثني يديه ثم تقع ركبة يديه على الأرض ويحدث لهما صوت؛ لأن ثقله يكون على ركبتي اليدين، فإذا فعل هذه الهيئة أشبه البعير، لكن معلوم أن الإنسان يصل إلى الأرض بسهولة ويسر، بحيث تقع الركبتان على الأرض دون أن يصير لهما صوت. وهذا التفسير لا يستقيم؛ لأنه قال: [ (في المسجد) ] فهذا يدل على أن الأمر هو اتخاذ المكان، وليس المقصود هذه الهيئة التي تكون في المسجد وفي غير المسجد، فكونه ينزل على الأرض بسرعة ليس له علاقة بالمسجد؛ لأنه قد يصلي في المسجد وفي غير المسجد، لكن الشيء الذي يتعلق بالمسجد هو كونه يتخذ مكاناً يلازمه كما يلازم البعير مكانه الذي يكون فيه، ويبدو أنه في الفرض مع الإمام. وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في هذه المسألة يقول: ويكره لغير الإمام اتخاذ مكان لا يصلي فرضه إلا فيه؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن إيطانه كإيطان البعير. والنهي عن مكان بذاته، أما كون الإنسان يصلي في جهة معينة فالظاهر أنه جائز والأمر في ذلك واسع، وهذا يختلف؛ لأنه مرة يصلي في مكان ومرة يصلي في مكان، وهذا لا يقال له: توطين مكان؛ لأن هذه أماكن، وإنما المقصود بالنهي هو مكان واحد بعينه، بحيث يكون ملازماً له دائماً وأبداً.

تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله عن نقرة الغراب وافتراش السبع...)

قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. أبو الوليد الطيالسي مر ذكره، وقد روى عنه أبو داود فيما مضى بواسطة، وهناك ذكره باسمه وهنا ذكره بكنيته. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. هو يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جعفر بن الحكم ]. هو جعفر بن عبد الله بن الحكم الذي سيأتي في الطريق الثانية، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و مسلم وأصحاب السنن. قوله: [ ح ]. هو للتحول من إسناد إلى إسناد آخر. [ وحدثنا قتيبة ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث عن جعفر بن عبد الله الأنصاري ]. الليث و جعفر بن عبد الله الأنصاري مر ذكرهما. والسبب في التحويل أن في الإسناد الأول روى الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر ، أي: بواسطة يزيد بن حبيب ، وفي الإسناد الآخر روى الليث عن جعفر مباشرة، وأيضاً فيه فرق بينهما، ففي الأول قال: جعفر بن الحكم فنسبه إلى جده، والطريق الثانية نسبه فيها إلى أبيه فقال: جعفر بن عبد الله ، و جعفر بن عبد الله هو جعفر بن الحكم . [ عن تميم بن محمود ]. تميم بن محمود فيه لين، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عبد الرحمن بن شبل ]. عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه حديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . والحديث له شواهد بالنسبة لافتراش السبع، أما نقر الغراب فلا أدري هل يأتي في الأحاديث أو لا، لكن العلماء صححوه واحتجوا به. قوله: [ هذا لفظ قتيبة ]. يعني: لفظ الطريق الثانية؛ لأنه ذكره من طريقين: طريق أبي الوليد الطيالسي وطريق قتيبة ، وهذا اللفظ المذكور هو طريق قتيبة وليس طريق أبي الوليد الطيالسي .

مصطلحات بعض المحدثين في بيان قائل لفظ المتن عند تعدد الرواة


إن البخاري عندما يذكر شيخين له في ذلك اصطلاح خاص، فهو يجعل اللفظ للأخير منهما دون أن ينص عليه، وأما غيره مثل مسلم رحمة الله عليه فإنه عندما يذكر أكثر من شيخ يقول: حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان، و أبو داود يذكر من له اللفظ مثل ما مر بنا قريباً، حيث قال: [ هذا لفظ قتيبة ]، ويأتي بذلك أحياناً في أثناء الإسناد وأحياناً يأتي بذلك بعدما ينتهي المتن والإسناد، كما في هذه الطريق، حيث قال: [ هذا لفظ قتيبة ]، يعني: لفظ شيخه الثاني، أما البخاري فطريقته أنه إذا ذكر شيخين من شيوخه -كما يقول ابن حجر- فقد عرف بالاستقراء من صنيعه أن الحديث للثاني منهما، وقد ذكر ابن حجر هذه القاعدة عند حديث جابر رضي الله عنه: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي) فإنه ذكره من طريق شيخين وقال: إنه من طريق شيخه الثاني، بدليل أنه ذكر شيخه الأول في الباب الفلاني وذكر إسناده في الباب الفلاني، ولفظه يختلف عن هذا اللفظ.

شرح حديث أبي مسعود في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم


قال المصنف رحمه الله تعالى:[ حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن سالم البراد قال: (أتينا عقبة بن عمرو الأنصاري أبا مسعود رضي الله عنه فقلنا له: حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بين أيدينا في المسجد فكبر، فلما ركع وضع يديه على ركبتيه وجعل أصابعه أسفل من ذلك وجافى بين مرفقيه، حتى استقر كل شيء منه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، فقام حتى استقر كل شيء منه، ثم كبر وسجد ووضع كفيه على الأرض ثم جافى بين مرفقيه حتى استقر كل شيء منه، ثم رفع رأسه فجلس حتى استقر كل شيء منه، ففعل مثل ذلك أيضا، ثم صلى أربع ركعات مثل هذه الركعة فصلى صلاته ثم قال: هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) ]. أورد أبو داود حديث عقبة بن عمرو الأنصاري أبي مسعود البدري رضي الله عنه، وفي هذا الحديث أنه صلى بهم وأخبر بأنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي هكذا. قوله: [ (أتينا عقبة بن عمرو الأنصاري فقلنا له: حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. يعني: طلبوا منه أن يحدثهم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحكي لهم كيفيتها، فأراد أن يبين لهم بالفعل فصلى بهم إماماً. قوله: [ (فقام بين أيدينا في المسجد فكبر، فلما ركع وضع يديه على ركبتيه وجعل أصابعه أسفل من ذلك) ]. يعني: جعل الراحتين على الركبتين وجعل أصابعه أسفل من ذلك، وهذا إنما يكون إذا كانت الراحة على الركبتين، فإن الأصابع تنزل عن الركبتين. قوله: [ (حتى استقر كل شيء منه) ]. يعني: استقر راكعاً، وهذا محل الشاهد للترجمة التي هي: [ باب: صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ]. قوله: [ (ثم قال: سمع الله لمن حمده، فقام حتى استقر كل شيء منه) ]. يعني: اعتدل من الركوع واستقر. قوله: [ (ثم كبر وسجد ووضع كفيه على الأرض، ثم جافى بين مرفقيه) ]. يعني: عن جنبيه. قوله: [ (حتى استقر كل شيء منه) ]. يعني: بحيث هدأ في سجوده ولم يسرع. قوله: [ (ثم رفع رأسه فجلس حتى استقر كل شيء منه) ]. يعني: جلس بين السجدتين حتى استقر كل شيء منه، بحيث اطمأن في جلوسه. قوله: [ (ففعل مثل ذلك أيضاً) ]. يعني: في السجدة الثانية. قوله: [ (ثم صلى أربع ركعات مثل هذه الركعة) ]. المقصود به تمام أربع ركعات مع هذه الركعة، وليس المقصود أنه صلى خمساً، وإنما صلى أربعاً كل هذه الركعات الأربع على هذه الهيئة التي تقدمت. قوله: [ (فصلى صلاته ثم قال: هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي) ]. يعني أنهم سألوه أن يحدثهم فبين لهم بالفعل وقال: [ هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ]، كمثل فعل عثمان رضي الله عنه عندما دعا بوضوء وتوضأ والناس يرونه مثل وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا).

تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم


قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو زهير بن حرب أبو خيثمة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. و زهير بن حرب أكثر عنه الإمام مسلم في صحيحه، حيث روى عنه ألفاً ومائتي حديث، وأكثر منه أبو بكر بن أبي شيبة، فقد روى عنه مسلم ألفاً وخمسمائة حديث، وممن أكثر عنه مسلم محمد بن رافع القشيري النيسابوري ولكنه دون هذين. [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن السائب ]. عطاء بن السائب صدوق اختلط، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. ومعلوم أن المختلط ينظر من حدث عنه قبل الاختلاط ومن حدث عنه بعد الاختلاط، فما كان قبل الاختلاط فالرواية صحيحة ولا إشكال فيها، وما كان بعد الاختلاط أو جهل فهذا هو الذي يتوقف فيه وهو الذي يقدح فيه، و جرير ممن روى عنه قبل الاختلاط، ولكن هذه الصفة التي جاءت في هذا الحديث لها شواهد كثيرة من غير هذه الطريقة. [ عن سالم البراد ]. سالم البراد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أتينا عقبة بن عمرو الأنصاري أبا مسعود ]. هو عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

الأسئلة


حكم إتمام الصفوف في الصلاة من جهة اليمين واليسار
السؤال: ما حكم الطلاب الذي يصفون أمام كرسي الشيخ من الجهة اليمنى فإذا أقيمت الصلاة بقيت الجهة اليسرى شاغرة؟


الجواب: الصفوف تبدأ من خلف الإمام ثم تمتد يميناً وشمالاً، ولا يؤتى أو يبدأ بجهة واحدة، بل تكون وراء الإمام لا شمال الإمام ولا يمينه، وإنما تبدأ من خلفه ثم تمتد يميناً وشمالاً إلى أن ينتهي الصف.



حكم التساهل في سنة المغرب وغيرها من السنن الرواتب


السؤال: ما حكم الطلاب الذين يتركون سنة المغرب حرصاً على الاقتراب من الشيخ أثناء الدرس؟


الجواب: لا ينبغي للإنسان أن يتساهل في سنة المغرب؛ لأن السنن الرواتب اثنا عشرة ركعة كما جاء في حديث عائشة ، أو عشر ركعات كما جاء في حديث عبد الله بن عمر ، ولكن الإتيان باثني عشرة ركعة: أربع قبل الظهر وثنتين بعدها وثنتين بعد المغرب وثنتين بعد العشاء وثنتين قبل الفجر هو أفضل وأكمل، فينبغي للإنسان أن لا يتهاون ولا يتساهل في هذه الرواتب، ويمكن للإنسان أن يتنفل ولو في مكانه.


حكم حجز الشخص المكان له أو لغيره في الصف الأول

السؤال: هل يسوغ أن يطلب أخ من أخيه أن يحجز له مكاناً بوضع كتاب أو غيره في الصفوف الأولى ليذهب لقضاء حوائجه؟ الجواب: قضاء الحوائج والأشياء التي ليست بضرورية لا يناسب فعل ذلك، هذا فيما يتعلق بالصفوف الأول، لكن لو ذهب الإنسان لحاجة لابد منها كأن يشرب أو يتوضأ فهذا لا بأس به، أما كون الإنسان يذهب ليتجول في الأسواق فهذا لا يصلح."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #213  
قديم 28-06-2024, 10:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [112]
الحلقة (143)





شرح سنن أبي داود [112]

من رحمة الله بعباده أن جعل النوافل من العبادات متممة للفرائض، فإذا حصل نقص في الفريضة أكمل ذلك النقص من النافلة، وهذا يدل دلالة واضحة على أهمية المحافظة على النوافل، فهي السياج الواقي للفريضة. وقد وردت أحاديث كثيرة مبينة لأذكار الركوع والسجود بصيغ متعددة، مثل: سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود، ويمكن أن يجمع إليها ما ورد من الصيغ الأخرى.

ما جاء في إتمام الفرائض من النوافل



شرح حديث: (... أتموا لعبدي فريضته من تطوعه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه). حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا إسماعيل حدثنا يونس عن الحسن عن أنس بن حكيم الضبي أنه قال: خاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة رضي الله عنه قال: فنسبني فانتسبت له، فقال: يا فتى ألا أحدثك حديثاً؟ قال: قلت: بلى رحمك الله، قال يونس : وأحسبه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا عز جل لملائكته -وهو أعلم-: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع، قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه) ]. المقصود من هذه الترجمة: أن الفرائض إذا حصل فيها شيء من النقص وكان هناك نوافل، فإن ذلك النقص يكمل من النوافل، وفي ذلك ترغيب في النوافل وحث عليها؛ لأنها مكملة ومتممة للفرائض، بحيث أن الذي يتساهل فيها يتساهل في الفرائض، والذي يحافظ عليها يحافظ على الفرائض. وعلى هذا فالنوافل شأنها عظيم والاهتمام بها عظيم، وفائدتها كبيرة؛ لأنها تكون وقاية للفرائض، ولأنها تتم بها الفرائض إذا كان هناك نقص فيها عند المحاسبة. هذه هي الترجمة التي أوردها الإمام أبو داود رحمه الله، وأتى بها على وفق ما جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أن النوافل تكمل الفرائض إذا حصل فيها نقص. وقد جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ثم قال: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه). فالنوافل شأنها عظيم؛ إذ بها تضاعف الأجور، وهي كالسياج الذي يحافظ به على الفرائض. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة) وهذا يدلنا على عظم شأن الصلاة، وأن شأنها كبير، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي أول ما يحاسب عليه يوم القيامة، وآخر ما يفقد في هذه الحياة. والإنسان إذا كان مفلحاً في صلاته، وقائماً بما يجب عليه فيها، فإنه يرجى أن يكون فيما وراء ذلك على التمام وعلى وجه حسن، وإذا كان بخلاف ذلك في الصلاة فما سواها يكون من باب أولى. قوله: [ (قال: يقول ربنا عز وجل لملائكته -وهو أعلم-: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة) ]. يعني: أنه حصل في فرضه على التمام والكمال. [ (وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم) ]. يعني: باقي الأعمال من بعد الصلاة، كذلك الصلاة إذا كان الإنسان عنده خلل أو تقصير، فإن النوافل من الصدقات تتم بها، وكذلك الصيام والحج وهكذا.

تراجم رجال إسناد حديث: (... أتموا لعبدي فريضته من تطوعه)

قوله: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ]. هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يونس ]. هو يونس بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن حكيم الضبي ]. أنس بن حكيم الضبي مستور، أخرج له أبو داود و ابن ماجة .

معنى قوله: (فنسبني فانتسبت له)

[ قال: خاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة ]. يعني: هذا الرجل الذي هو أنس بن حكيم خاف من زياد أو ابن زياد أمير من الأمراء، فأتى المدينة ولقي أبا هريرة رضي الله عنه، قال: فنسبني فانتسبت له، يعني: قيل: إن معناه أنه طلب منه أن يعرف بنفسه فانتسب له، وقيل: إن كل واحد منهما عرف بنفسه فيكون أبو هريرة عرف بنفسه وهذا عرف بنفسه، ولعل الأقرب: أن أبا هريرة هو الذي طلب منه أن يعرف بنفسه؛ لأن أبا هريرة معروف ولا يحتاج إلى أن ينتسب له وأن يعرف بنفسه؛ ولأنه جاء إلى أبي هريرة وهو يعرف أنه أبو هريرة . والذي يبدو أن أبا هريرة هو الذي طلب منه أن يعرف بنفسه، كما هو شأن الشخص الغريب الذي يأتي وُيسأل ممن هو حتى يعرف. و زياد هو أمير من الأمراء، ما أدري هل هو زياد ابن أبيه أم لا؟ أما ابن زياد فهو عبيد الله بن زياد وكل منهما كان أميراً. والتعارف أمر مطلوب يدل عليه هذا الحديث، وحديث الباقر مع جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن جابراً سألهم عن أسمائهم واحداً واحداً حتى وصل إلى الباقر فعرفه بنفسه، فوضع يده على صدره فجعل يحدثه بحديث الحج الطويل. قوله: [ قال يونس : وأحسبه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. وهذا يونس بن عبيد يحسب أنه رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسواء رفعه أو لم يرفعه فمثل هذا له حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال بالرأي؛ لأنه إخبار عن أمر مغيب.

شرح حديث: (... أتموا لعبدي فريضته من تطوعه...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد عن الحسن عن رجل من بني سليط عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وفيه: أنه قال بدل أنس بن حكيم : عن رجل من بني سليط، وقيل: إن هذا الرجل هو أنس بن حكيم ، لكن جاء غير مسمى هنا. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن عن رجل من بني سليط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ]. أي: بنحو الحديث الذي تقدم. والحديث كما هو معلوم فيه هذا الرجل في الإسناد الأول مسمى وهو أنس بن حكيم ، وفي الثاني مبهم وقيل: إنه نفسه أنس بن حكيم ، لكن الحديث الذي سيأتي حديث تميم الداري شاهد له.

شرح حديث: (...ثم الزكاة مثل ذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن داود بن أبي هند عن زرارة بن أوفى عن تميم الداري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى قال: (ثم الزكاة مثل ذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث تميم الداري وقال: إنه بنحو حديث أبي هريرة المتقدم، وهو شاهد له، ودال على ما دل عليه، وفي هذا الإخبار عن الأمر المستقبل، وأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم يجب تصديقها، وأن ما أخبر به عليه الصلاة والسلام من الأمور المغيبة سواء كانت ماضية أو مستقبلة أو موجودة لا نشاهدها ولا نعاينها الواجب تصديقها؛ لأن هذا هو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إخبار عن أمر مستقبل وهو أن الصلاة أول ما يحاسب عليه، وهو كما أسلفت يدل على عظم شأن الصلاة، وأن أمرها خطير، وأن الواجب على الإنسان أن يحافظ ويحرص عليها. وقد جاء في الحديث الصحيح: (إن أول ما يقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء) وقد يقال: إن بينهما شيئاً من التعارض، ولكن لا تعارض؛ لأن الصلاة فيما يتعلق بحقوق الله هي أول شيء يحاسب عليه، وأول شيء فيما يكون بين الناس يقضى ويحاسب فيما بينهم في الدماء، فيكون الأول يحمل على حقوق الله، والثاني يحمل على حقوق الناس وما يكون بينهم، فلا تعارض بين ما جاء في هذا الحديث وبين الحديث الآخر الذي فيه: (إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء).

تراجم رجال إسناد حديث: (...ثم الزكاة مثل ذلك ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن داود بن أبي هند ]. داود بن أبي هند ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن زرارة بن أوفى ]. زرارة بن أوفى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن تميم الداري ]. تميم الداري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.

ما جاء في وضع اليدين على الركبتين



شرح حديث: (صليت إلى جنب أبي فجعلت يدي بين ركبتي ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تفريع أبواب الركوع والسجود: باب وضع اليدين على الركبتين: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي يعفور ، قال أبو داود : واسمه وقدان ، عن مصعب بن سعد أنه قال: (صليت إلى جنب أبي رضي الله عنه فجعلت يديَّ بين ركبتيَّ، فنهاني عن ذلك فعدت، فقال: لا تصنع هذا فإنا كنا نفعله فنهينا عن ذلك، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب) ]. أورد أبو داود رحمه الله: [ باب تفريع أبواب الركوع والسجود ]، وبدأ بوضع اليدين على الركبتين في الركوع، وأن السنة هي وضع اليدين على الركبتين وليس جعلهما بين الفخذين، وقد كان ذلك مشروعاً قبل ذلك ثم نسخ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وأمر بوضع الأيدي على الركب، ويسمى وضع اليدين بين الفخذين: التطبيق، بحيث يطبق اليد على اليد ويجعلهما بين فخذيه، هذا كان في أول الأمر، ثم نسخ بوضع الأيدي على الركب، كما جاء ذلك مبيناً في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الذي أورده المصنف رحمه الله تعالى، حيث قال ابنه مصعب : (صليت إلى جنب أبي فوضعت يدي بين ركبتي) أي: طبق بينهما، فنهاني، ثم عدت إليه مرة أخرى، ولعل كونه عاد إليه إما نسياناً أو لكونه كان معروفاً عند بعض الناس، فبين له أبوه رضي الله عنه بأنهم نهوا عن ذلك وأمروا بأن يضعوا أيديهم على ركبهم. قوله: [ (لا تصنع هذا فإنا كنا نفعله فنهينا عن ذلك وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب) ]. يعني: كنا نفعل هذا الذي فعلته وهو التطبيق، فنهينا عنه وأمرنا بأن نضع الأيدي على الركب. وقول الصحابي: (نهينا وأمرنا) له حكم الرفع؛ لأن الآمر والناهي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما نبينا محمد عليه الصلاة والسلام إذا قال: (أُمرت بكذا أو نُهيت عن كذا)، فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي يأمره وينهاه عليه الصلاة والسلام.

تراجم رجال إسناد حديث (صليت إلى جنب أبي فجعلت يدي بين ركبتي ...)

قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي يعفور ]. أبو يعفور اسمه وقدان وقيل: واقد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : واسمه وقدان ]. هذا كلام أبي داود في بيان أن اسمه وقدان ؛ وذلك لأن هناك أبا يعفور الأصغر وأبو يعفور الأكبر، وهذا هو أبو يعفور الأكبر . [ عن مصعب بن سعد ]. هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: صليت إلى جنب أبي ]. أبوه هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة صاحب المناقب والفضائل رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليطبق بين كفيه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة و الأسود عن عبد الله رضي الله عنه قال: (إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليطبق بين كفيه، فكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في التطبيق، وأنه قال: (إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليطبق بين كفيه) يعني: يجعل الذراعين على الفخذين، ويجعل الكفين بين الفخذين مطبقتين. قوله: [ (كأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] يعني: بهذا التطبيق الذي قد حصل. ومن المعلوم أن هذا منسوخ كما جاء ذلك مصرحاً به في حديث سعد بن أبي وقاص المتقدم، حيث قال: (كنا نفعل ذلك فنهينا عنه، وأمرنا بأن نضع الأيدي على الركب) ولا شك أن وضع الأيدي على الركب أسلم وأمكن؛ لأن وضعها على الركب فيه اعتماد عليها، بخلاف ما إذا كانت بين الفخذين فإن الأمر يختلف؛ لأن هذا فيه اعتماد اليدين على الركبتين وفيه مجافاة، وأما التطبيق فقد كان موجوداً أولاً ثم نهي عنه كما في حديث سعد ، ولهذا ذكر الناسخ أولاً، ثم ذكر بعده المنسوخ، وهو حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه. أما عن طريقة أبي داود من حيث الاستقراء فلا أدري هل هو يقدم الناسخ باستمرار ويؤخر المنسوخ؟ لكن المعروف عن الإمام مسلم رحمه الله أنه يقدم المنسوخ ثم يأتي بالناسخ كما ذكر ذلك النووي عند أحاديث نقض الوضوء من مما مست النار، فإنه ذكر الأحاديث التي فيها النقض، ثم عقبها بالأحاديث التي فيها أنه لا ينقض، وقال النووي : إن طريقة الإمام مسلم أنه يقدم المنسوخ على الناسخ، وهنا في هذا الموضع قدم أبو داود الناسخ على المنسوخ، فلا أدري هل هذه الطريقة له، أو أنه يأتي عنه أشياء تخالف هذه الطريقة؟ وهذا يمكن أن يعرف في المستقبل، ولا شك أن الحكم هو للناسخ، ولهذا ترجم به فقال: وضع اليدين على الركبتين، هذا هو الحكم الثابت المستقر، وإنما الكلام في التقديم والتأخير، هل طريقة أبي داود أنه يقدم الناسخ على المنسوخ كما هو الحال هنا، أو أنه يتفق في هذا الموضع هكذا ويمكن أن يأتي في مواضع أخرى يختلف عن هذا الموضوع؟ الله أعلم. قوله: [ (فكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. يعني: أن بينهن شيئاً من التقدم والتأخر؛ لأنه ليس تشبيكاً وإنما هو تطبيق.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليطبق بين كفيه...)


قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ]. محمد بن عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن قيس النخعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و الأسود ]. هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من فقهاء الصحابة، وقد قيل: إنه أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، ولكن الصحيح خلاف ذلك؛ لأن المقصود بالعبادلة الأربعة هم صغار الصحابة الذين كانوا في عصر واحد، وقد أدركهم من لم يدرك ابن مسعود ، وأما ابن مسعود فإنه متقدم الوفاة، إذ أن وفاته سنة اثنتين وثلاثين، وأما العبادلة الأربعة فإنهم تأخروا وعاشوا بعد ذلك ثلاثين سنة أو أكثر من ثلاثين سنة، فأدركهم من لم يدرك ابن مسعود وأخذ عنهم من لم يأخذ عن ابن مسعود ، وكان يقال لهم: العبادلة، فالمشهور أن العبادلة الأربعة هم الصغار من الصحابة وهم: عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

ما جاء في ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده


شرح حديث: (لما نزلت: (فسبح باسم ربك العظيم) قال رسول الله: اجعلوها في ركوعكم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده: حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة و موسى بن إسماعيل المعنى قالا: حدثنا ابن المبارك عن موسى -قال أبو سلمة : موسى بن أيوب - عن عمه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (لما نزلت: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: اجعلوها في سجودكم) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده ] يعني: ما يقوله من الذكر؛ لأن هذه الترجمة تتعلق بالذكر، وبعدها ستأتي ترجمة تتعلق بالدعاء في الركوع والسجود. ومن المعلوم أن هناك أذكاراً وأدعية، فالأذكار هي التي فيها ثناء على الله وتمجيد لله وتسبيح لله وتعظيم لله، والدعاء هو طلب العبد كأن يقول: اللهم أعطني كذا، اللهم حقق لي كذا، فهنا أتى بترجمتين: باب ما يقول في الركوع والسجود، وترجمة: باب في الدعاء في الركوع والسجود، ولا تنافي بين الترجمتين؛ لأن هذه الترجمة كلها أذكار، والترجمة التي بعدها كلها أدعية، هذا هو الفرق بين الترجمتين، هذه ثناء على الله وتعظيم لله وتمجيد لله، وتلك -التي ستأتي- مطالب من العبد يسألها من ربه ويرجو من ربه أن يحققها له، وأن يتقبل منه. أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه قال: (لما نزل قول الله عز وجل: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] قال عليه الصلاة والسلام: اجعلوها في ركوعكم) يعني: قولوا: سبحان ربي العظيم في الركوع. قوله: [ (ولما نزل قول الله عز وجل: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: اجعلوها في سجودكم) ] يعني: قولوا: سبحان ربي الأعلى في السجود. وقد جاء في السجود ذكر الأعلى؛ لأن هذا المقام الذي يكون فيه العبد في غاية الذل والخضوع لله سبحانه وتعالى، فناسب أن يأتي وصف الله بالأعلى الذي هو العلو المطلق ذاتاً وقدراً وقهراً، ففي هذه الهيئة التي هو عليها وقد ذل لله وخضع وجعل أشرف شيء فيه على الأرض خضوعاً لله وذلاً لله سبحانه وتعالى يقول العبد فيها: سبحان ربي الأعلى. وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في أنه يقال في الركوع: سبحان ربي العظيم، ويقال في السجود: سبحان ربي الأعلى.

تراجم رجال إسناد حديث: (لما نزلت (فسبح باسم ربك العظيم) قال رسول الله: اجعلوها في ركوعكم...)


قوله: [ حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة ]. الربيع بن نافع أبو توبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى ]. يعني: أن هذا الذي جاء عن الشيخين ليس متفقاً في اللفظ والمعنى، وإنما الاتفاق في المعنى، مع وجود شيء من الاختلاف في الألفاظ. [ حدثنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد قال عنه بعض أهل العلم: جمعت فيه خصال الخير، وقال بعض أهل العلم: هو أجل من أن يقال فيه: ثقة. [ عن موسى قال أبو سلمة : موسى بن أيوب ]. يعني: الربيع بن نافع قال: عن موسى فقط ولم ينسبه، وأما موسى بن إسماعيل فإنه نسبه، و أبو سلمة هو موسى بن إسماعيل شيخ أبي داود الثاني ذكره أولاً باسمه ثم ذكره بكنيته أبو سلمة التبوذكي . ومعرفة الكنى للمحدثين مهمة عند العلماء؛ لأن الذي لا يعرفها قد يظن أن أبا سلمة شخص آخر غير الذي مر، مع أن أبا سلمة هو موسى بن إسماعيل إلا أنه ذكر أولاً باسمه وذكر هنا بكنيته. وفائدة معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث ألا يظن أن الشخص الواحد شخصان؛ ولهذا فإن معرفة الكنى مهمة لا سيما من اشتهر بكنيته، فأحياناً الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب يذكر شيوخ أو تلاميذ الرجل يقول: روى عنه أبو موسى و أبو موسى هو محمد بن المثنى ، فالذي لا يعرف أن محمد بن المثنى كنيته أبو موسى يمكن أن يبحث ويقول: محمد بن المثنى ما وجدته. موسى بن أيوب الغافقي مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن عمه ]. وهو إياس بن عامر الغافقي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة، يعني مثلما قيل في ابن أخيه. [ عن عقبة بن عامر ]. هو عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. و أبو توبة هذا هو الربيع بن نافع الحلبي وهو الذي جاء عنه أنه قال: إن معاوية ستر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن اجترأ عليه اجترأ على غيره. يعني: من تكلم فيه سهل عليه أن يتكلم في غيره.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #214  
قديم 28-06-2024, 10:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح حديث: (كان رسول الله إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثاً...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا الليث -يعني ابن سعد - عن أيوب بن موسى أو موسى بن أيوب عن رجل من قومه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه بمعناه، زاد قال: (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاثاً)، وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى وبحمده (ثلاثاً)) ]. قال أبو داود : وهذه الزيادة نخاف ألا تكون محفوظة ]. يعني: قوله: [ (وبحمده) ] قال: أخاف ألا تكون محفوظة، يعني: أنها شاذة؛ لأنها جاءت من هذا الطريق الذي فيه شيء من الكلام، و الألباني في كتابه (صفة الصلاة) ذكر أنها ثابتة، ولعل هذا من طرق أخرى أو من أوجه أخرى غير هذا الوجه الذي قال عنه أبو داود : نخاف ألا تكون محفوظة. قوله: [ (ثلاثاً) ] يعني: أنها تكرر، وهذا الذي يقول عنه العلماء: أدنى الكمال ثلاث، وأعلاه في حق الإمام عشر، وهو الذي جاء عن عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه أنه صلى بالناس به، وأنهم حزروا له في سجوده سبحان ربي الأعلى عشر مرات، وقال عنه أحد الصحابة: ما رأيت أشبه من هذا الفتى بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: عمر بن عبد العزيز . فالعلماء يقولون: الواجب واحدة، وأدنى الكمال ثلاث، وأعلاه في حق الإمام عشر.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثاً...)


قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي وهو ثقة، وهو الذي قال عنه الإمام أحمد : شيخ الإسلام، لقبه بشيخ الإسلام وهو لقب عظيم يدل على مكانته وعلو منزلته، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث يعني ابن سعد ]. هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب بن موسى أو موسى بن أيوب ]. يعني: شك، ولكن سبق أن مر أنه موسى بن أيوب وليس أيوب بن موسى . [ عن رجل من قومه ]. هو عمه إياس بن عامر الذي ذكر في الإسناد الذي قبل هذا. [ عن عقبة بن عامر ]. هو عقبة بن عامر الجهني وقد مر ذكره. [ قال أبو داود : انفرد أهل مصر بإسناد هذين الحديثين: حديث الربيع وحديث أحمد بن يونس ]. يعني: الإسناد الأول هو الربيع بن نافع و موسى بن إسماعيل البصري ، و عبد الله بن المبارك ، مروزي، لكن من موسى بعد ذلك يكونون مصريين، في هذا الإسناد من موسى بن أيوب إلى عقبة بن عامر مصريون، و عقبة بن عامر مصري أيضاً؛ لأنه نزل مصر وينسب إليها. أما الإسناد الثاني فكلهم مصريون، بخلاف الأول. ففي الإسناد الثاني إلى أن وصل إلى أبي داود مصريون، وأما الإسناد الأول فقبل أن يصل إلى أبي داود ليسوا مصريين.

شرح حديث حذيفة: (... فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة قال: قلت لسليمان : أدعو في الصلاة إذا مررت بآية تخوف؟ فحدثني عن سعد بن عبيدة عن مستورد عن صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه: (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى، وما مر بآية رحمة إلا وقف عندها فسأل، ولا بآية عذاب إلا وقف عندها فتعوذ) ]. أورد أبو داود حديث حذيفة رضي الله عنه وهو أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، وأنه ما مر بآية فيها خوف إلا تعوذ، وما مر بآية فيها رحمة إلا وقف عندها فسأل. وهذا الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو في صلاة الليل، وبعض أهل العلم يقول: إنه يفعل ذلك في الفريضة وفي النافلة، لكن كونه لم يحفظ في الفريضة وإنما جاء في النافلة الأولى أن يؤتى به في النافلة دون الفريضة.

تراجم رجال إسناد حديث حذيفة: (... فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى...)


قوله: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة قال: قلت لسليمان ]. هو الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي مر ذكره. [ فحدثني عن سعد بن عبيدة ]. سعد بن عبيدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مستورد ]. هو مستورد بن الأحنف وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن صلة بن زفر ]. هو صلة بن زفر العبسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حذيفة ]. هو حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أن النبي كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا قتادة عن مطرف عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح) فهذا كله ذكر لله عز وجل، وتنزيه وتقديس له، وثناء عليه وتمجيد له. قوله: [ (رب الملائكة والروح) ] الروح هو جبريل كما قال الله عز وجل: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ [الشعراء:193] وإنما عطفه على الملائكة من باب عطف الخاص على العام، ومنه قوله عز وجل: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ [القدر:4] فيكون جبريل ذكر مرتين للاهتمام به وللتنويه بشأنه، مرة ذُكر مع غيره؛ لأنه واحد من الملائكة، ومرة ذُكر بالتنصيص، وذكر في سورة القدر: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ [القدر:4] وهو أيضاً من باب عطف الخاص على العام؛ اهتماماً بالخاص وتنويهاً بقدره.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)


قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف ]. هو مطرف بن عبد الله بن الشخير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (... يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثنا معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس عن عاصم بن حميد عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: (قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة، لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ، قال: ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك، ثم قام فقرأ بآل عمران، ثم قرأ سورة سورة) ]. من المعلوم أن الركوع يعظم فيه الرب، كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسجود يكثر فيه من الدعاء كما جاء ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لا مانع في الركوع من الدعاء قليلاً، ولا مانع في السجود من التعظيم لله سبحانه وتعالى أقل من الدعاء، بحيث يكون الغالب على السجود الدعاء وفيه ذكر لله عز وجل مثل: سبحان ربي الأعلى، وكذلك: سبوح قدوس الذي مر في الحديث الماضي، وكذلك هذا الحديث الذي يقول في ركوعه وسجوده: (سبحان ذي الجبروت...) إلى آخره، أي: أن كلاً من السجود والركوع يأتي فيهما الذكر والدعاء، ولكن الغالب على الركوع التعظيم لله عز وجل والذكر لله سبحانه وتعالى، والغالب على السجود الدعاء، وقد جاء الجمع بين الدعاء والذكر في كل من الركوع والسجود في حديث عائشة الذي سيأتي، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام بعدما أنزلت عليه: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] كان يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) يعني: (سبحانك اللهم وبحمدك) ثناء وتعظيم لله عز وجل. وقوله: [ (اللهم اغفر لي) ] دعاء، فجمع بين الذكر والدعاء في الركوع والسجود. سبق أن مرت بعض الأحاديث في هذه الترجمة وهي أحاديث تتعلق بذكر الله عز وجل والثناء عليه، وهذا الحديث الذي أورده أبو داود هنا وهو حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أنه قام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة من الليالي وصلى معه صلاة الليل، فاستفتح فقرأ بسورة البقرة، فكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا بآية عذاب إلا تعوذ، ثم ركع وأطال الركوع مثل قيامه، وكان يقول فيه: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)، وهذا كله تعظيم لله سبحانه وتعالى. قوله: [ (والملكوت) ] يعني: مالك الملك ومتصرف في الكون كيف يشاء. قوله: [ (والجبروت) ] يعني: كونه الجبار، قهر كل شيء وغلبه. قوله: [ (والعظمة) ] يعني: كونه ذا عظمة، ولهذا جاء في الركوع: سبحان ربي العظيم. قوله: [ (والكبرياء) ] يعني: أن من صفاته سبحانه الكبرياء، وليس لأحد أن يتصف بهذه الصفة، فهذه من صفات الله سبحانه وتعالى التي اتصف بها. قوله: [ (ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك) ]. يعني: مثل هذا الثناء الذي هو: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة). قوله: [ (ثم قام فقرأ بآل عمران ثم قرأ سورة سورة) ]. يعني: في كل ركعة يأتي بسورة.

حكم التنويع بين أذكار الركوع والسجود

ولا يفهم من ذلك: أنه اقتصر على هذا الذكر دون قوله: سبحانه ربي العظيم أو سبحان ربي الأعلى، بل هذا مما جاء فيه، وأما سبحان ربي العظيم وسبحان ربي الأعلى فهذه يؤتى بها في كل ركعة، ولكن يمكن أن يجمع بينهما، يعني: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) وبين: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)، ويأتي بالثناء على الله عز وجل وبالأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتنوعة في السجود، ولا يقال: يأتي بهذه تارة وبهذه تارة ولا يجمع بينها لا؛ لأن هذا موطن يطال فيه السجود ويؤتى فيه بالأدعية المختلفة، بخلاف الاستفتاح فإنه لا يطال فيه، ولا يجمع فيه بين الأدعية المختلفة التي وردت، بل يأتي بهذا أو بهذا أو بهذا، أما أن يجمع بين الأدعية المتنوعة، ويجلس مدة طويلة قبل أن يقرأ الفاتحة ليأتي بها، فلا؛ لأن هذا ليس موطناً للجمع بين تلك الأدعية المتنوعة، وكذلك مثل: ألفاظ التشهد والأذان لا يجمع بين الأنواع منها، وإنما يؤتى بهذا أحياناً وبهذا أحياناً، أما بالنسبة للسجود فلا يقال: إنه يقتصر على أحدها ويأتي بهذا مرة وبهذا مرة، وأنه لا يجمع بينها، وكذلك في الركوع لا يقال: إنه لا يجمع بين هذا وهذا، يمكن أن يقول: (سبحان ربي العظيم) ويقول: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) ويقول: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي) ويقول: (سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة) كل ذلك يمكن أن يجمع؛ لأنه يجوز أن يطيل الركوع والسجود ويأتي بالأدعية المختلفة. أما سبحان ربي الأعلى وسبحان ربي العظيم، فقد قال بعض أهل العلم بوجوبها وأنه لا بد منها، فلا يستعاض عنها بشيء، لكن يؤتى بها ويؤتى معها بأشياء أخرى.

تراجم رجال إسناد حديث (...يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة...)


قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معاوية بن صالح ]. معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن قيس ]. عمرو بن قيس ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [ عن عاصم بن حميد ]. عاصم بن حميد صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن عوف بن مالك الأشجعي ]. عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (...وكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي و علي بن الجعد قالا: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة مولى الأنصار عن رجل من بني عبس عن حذيفة رضي الله عنه: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فكان يقول: الله أكبر ثلاثاً، ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة، ثم استفتح فقرأ البقرة، ثم ركع فكان ركوعه نحواً من قيامه، وكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم، ثم رفع رأسه من الركوع فكان قيامه نحواً من ركوعه، يقول: لربي الحمد، ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه، فكان يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثم رفع رأسه من السجود، وكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده، وكان يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، فصلى أربع ركعات فقرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام) شك شعبة ]. أورد أبو داود حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وقد سبق أن مر، وهذه طريق أخرى عن حذيفة وفيها أنه قام وصلى معه في الليل، وقد سبق في الرواية السابقة أنه كان يتعوذ عند آية العذاب، ويسأل عند آية الرحمة، وهو مثل ما جاء في حديث عوف بن مالك الأشجعي المتقدم في صلاة الليل، وكان قد أطال القراءة حيث قرأ البقرة والنساء وآل عمران، فيدل هذا الحديث على أن حذيفة صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مبين لما أجمل في الحديث المتقدم حيث لم ينص فيه على قيام الليل، وأنه عندما استفتح الصلاة كبر وقال: (الله أكبر). قوله: [ (ذو الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، ثم استفتح فقرأ سورة البقرة ثم ركع فكان في ركوعه نحواً من قيامة، وكان يقول في ركوعه: سبحان رب العظيم.. سبحان ربي العظيم) ]. يعني: أنه أطال الركوع، وكان يقول في ركوعه: (سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم)، لكن لا يعني أنه لا يقول غير ذلك. قوله: [ (ثم رفع رأسه من الركوع فكان قيامه نحواً من ركوعه، يقول لربي الحمد) ]. وهذا فيه إطالة القيام بعد الركوع، ومن المعلوم أن هذه صلاة خاصة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء) أي: أن هذا شيء يرجع إليه وليس متعلقاً بغيره أو ملاحظاً فيه غيره. قوله: [ (ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه، فكان يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى) ]. يعني: كان يطيل السجود، ويقول فيه: سبحان ربي الأعلى، لكنه كما هو معلوم لا يقتصر عليه، ولكن هذا مما جاء ذكره وبيانه في هذا الحديث أنه يقول: سبحان ربي الأعلى، ولهذا نجد أن كثيراً من الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول في الركوع: سبحان ربي العظيم، ويقول في السجود: سبحان ربي الأعلى، ويقول في الركوع غير ذلك، ويقول في السجود غير ذلك. قوله: [ (وكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده، وكان يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي) ]. وليس معنى ذلك: أنه يقتصر عليها ولا يزيد عليها، وإنما يأتي بما ورد، ومنه كونه يستغفر الله عز وجل ويكرر ذلك. والسنة الاقتصار على ما ورد، لاسيما فيما بين السجدتين، وأما بالنسبة للسجود فله أن يدعو بما شاء، ولهذا قال في الحديث: (فأكثروا من الدعاء) فإذا سأل الله عز وجل في سجوده بما يريده من خيري الدنيا والآخرة فله ذلك، ولكن كونه يحرص على أن يكون دعاؤه بالأدعية التي جاءت عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هذا هو الأولى. قوله: [ (فصلى أربع ركعات فقرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام) شك شعبة ]. يعني: أن الركعة الأخيرة حصل فيه شك من شعبة أحد رواة الحديث، هل هي المائدة أو الأنعام.

تراجم رجال إسناد حديث (...وكان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم...)

قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و أبو داود يروي عنه بواسطة وبغير واسطة، وأحياناً يكنيه مع نسبته الطيالسي كما هنا، وأحياناً يسميه فيقول: حدثنا هشام بن عبد الملك . [ و علي بن الجعد ]. علي بن الجعد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ]. عمرو بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي حمزة مولى الأنصار ]. هو طلحة بن يزيد ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن رجل من بني عبس ]. هنا مبهم، وقد سبق أن مر في الحديث السابق وفيه: صلة بن زفر العبسي ، فالظاهر أن هذا الذي أبهم هنا وقيل: إنه من عبس هو صلة بن زفر العبسي . وصلة بن زفر يروي عن حذيفة وهو عبسي، وهنا قال: عن رجل من بني عبس وهو صلة بن زفر ، و صلة بن زفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حذيفة ]. هو حذيفة بن اليمان صحابي ابن صحابي رضي الله تعالى عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ومحل الشاهد من إيراد الحديث في باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده كونه يقول: سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود، هذا هو المطابق للترجمة، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أنه يقال في الركوع: سبحان ربي العظيم، ويقال في السجود: سبحان ربي الأعلى.

الأسئلة



الفرق بين أن يرقي المرء نفسه وبين أن يرقيه غيره


السؤال: ما الفرق بين كون الرجل يرقي نفسه وبين أن يسترقي من غيره؟ الجواب: بينهما فرق، كون المرء يرقي نفسه هو أن يقرأ وينفث على نفسه، أما كونه يسترقي فهو يطلب من غيره أن يرقيه، وذلك بأن ينفث عليه ويقرأ."





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #215  
قديم 28-06-2024, 10:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [113]
الحلقة (144)





شرح سنن أبي داود [113]

لقد وردت أحاديث صحيحة تدل على مشروعية الدعاء في الركوع والسجود، وإن كان الغالب في الركوع هو التعظيم والثناء على الله سبحانه، والغالب في السجود هو الدعاء، لكن قد يرد الدعاء في الركوع، كما قد يرد الثناء والتعظيم في السجود، والدعاء في السجود من مظان الإجابة، كما جاءت بذلك الأحاديث؛ لأن العبد في حال سجوده يكون أكثر تذللاً وخضوعاً لله سبحانه. وقد وردت الأحاديث تدل على مشروعية الدعاء في الصلاة، وهو أعم من الدعاء في الركوع والسجود.

الدعاء في الركوع والسجود



شرح حديث (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في الدعاء في الركوع والسجود. حدثنا أحمد بن صالح و أحمد بن عمرو بن السرح و محمد بن سلمة قالوا: حدثنا ابن وهب أخبرنا عمرو -يعني: ابن الحارث - عن عمارة بن غزية عن سمي مولى أبي بكر أنه سمع أبا صالح ذكوان يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب في الدعاء في الركوع والسجود. الدعاء: هو طلب الشيء من الله وسؤال الله الأشياء، كسؤاله المغفرة، وسؤاله من خيري الدنيا والآخرة، فهذا أجل دعاء، وهناك أدعية وأذكار، فالأذكار هي التي فيها ثناء على الله عز وجل وتعظيم وتمجيد لله، وقد سبق أن مر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للذي سأله: (سبح الله وهلله وكبره، قال: هذه لربي فما لي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني) فهذا فيه ذكر ودعاء، فهو شيء لله وشيء للعبد، ولهذا جاء في الحديث القدسي يقول الله عز وجل: (قسمت الصلاة -أي: قراءة الفاتحة- بيني وبين عبدي نصفين) فنصفها لله عز وجل وهو ثناء وتعظيم لله عز وجل، ونصفها للعبد وهي مطالب قال عز وجل: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:1-5] هذه لله وقوله عز وجل: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:5-7] هذه مطالب للعبد، ولهذا يقول فيها: (ولعبدي ما سأل) أي: أنها سؤال وطلب، فكونه يقول: إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] فهذا طلب للعون من الله، وكونه يقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] يعني: يطلب الهداية، فالدعاء سؤال، أما الذكر فهو ثناء وتعظيم لله سبحانه وتعالى. إذاً: هذه الترجمة التي ذكرها أبو داود هنا تتعلق بالدعاء والسؤال، وأما الترجمة السابقة فكلها في بيان ما يقوله في ركوعه وسجوده من الذكر الذي فيه التعظيم والثناء لله عز وجل. أورد أبو داود حديث أبي هريرة : (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) وهذا فيه بيان أن حالة السجود هي أخص أحوال العبد، وأقرب ما يكون فيها صلة بالله سبحانه وتعالى؛ لأنه في غاية الخضوع والذلة لله سبحانه وتعالى، فيكون بذلك مخبتاً راجياً سائلاً؛ لأنه في حالة غاية التذلل لله سبحانه وتعالى؛ لأنه يضع أشرف شيء فيه وهو وجهه -جبهته وأنفه- على الأرض؛ خضوعاً لله وذلاً له سبحانه وتعالى، فيكون عند ذلك مأموراً بأن يكثر من الدعاء؛ لأن هذا أقرب أحوال العبد صلة بربه، وأرجى ما يكون في الدعاء أن يكون ساجداً مخبتاً لله سبحانه وتعالى، وقد صار على هذه الهيئة التي هي الخضوع والذل لله سبحانه وتعالى، ويكون فيها أغلب أعضائه أو أكثر جسمه على الأرض، بخلاف الأحوال الأخرى فهو إما قائم أو راكع أو جالس، ولكن حالة السجود أكثره على الأرض وأشرف شيء فيه على الأرض، ولهذا في السجود القدمان والركبتان واليدان والوجه كل ذلك موضوع على الأرض، والإنسان مأمور بأن يسجد على هذه الأعضاء، ولهذا قيل لأماكن الصلاة: مساجد، ما قيل لها: مراكع، ولا مواقف، ولا مجالس نسبة للجلوس بين السجدتين أو الجلوس في التشهد أو الركوع أو القيام في الصلاة وبعد الركوع، وإنما قيل: لمواضع الصلاة مساجد؛ لأن هذه هي الهيئة التي يكون فيها أكثر أعضاء جسم الإنسان متمكناً من الأرض. وقد سبق أن مر: (أنه كان يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى) يعني: كون الإنسان في غاية التذلل والخضوع، ويأتي بهذا الوصف المناسب لعلو وعظمة الله عز وجل، وأنه العلي الأعلى سبحانه وتعالى، فهذا دليل على أن السجود يكثر فيه من الدعاء، ويمكن أن يطول ويأتي بالأدعية الكثيرة المتنوعة، وقد جاء أيضاً في الحديث الذي سيأتي: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم).

تراجم رجال إسناد حديث (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء)


قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح و أحمد بن عمرو بن السرح ]. أحمد بن صالح مر ذكره، و أحمد بن عمرو بن السرح هو المصري أيضاً وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري أيضاً وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . و محمد بن سلمة المرادي هو من شيوخ أبي داود ، وهناك شخص بجانب محمد بن سلمة لم يدركه أبو داود ، بل هو من طبقة شيوخ شيوخه، فإذا جاء محمد بن سلمة في شيوخه فالمراد به المصري، وإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخه فالمراد به الحراني الباهلي ؛ لأنه كثيراً ما يأتي بدون نسبة فيقال: محمد بن سلمة. [ قالوا: حدثنا ابن وهب أخبرنا عمرو -يعني ابن الحارث - ]. ابن وهب مر ذكره، و عمرو بن الحارث هو المصري أيضاً، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن غزية ]. عمارة بن غزية، لا بأس به، وهذه الكلمة بمعنى: صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سمي مولى أبي بكر ]. هو سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ذكر أسباب الولاء وأنواعه

إن من أنواع علوم الحديث معرفة المولى، وهو يكون من أسفل ومن أعلى؛ لأنه يقال للسيد: مولى، وهو المولى من أعلى، ويقال للعبد: مولى، أو العتيق مولى وهو المولى من أسفل، كما أن الولاء يكون بسبب العتق، وبسبب الإسلام، وبسبب الحلف، فقد يكون مولاهم بسبب الحلف، وقد يكون مولاهم بسبب العتق، وقد يكون مولاهم بسبب الإسلام على يديه، كما قيل عن البخاري : الجعفي نسبة إلى الجعفيين؛ لأن أحد أجداده أسلم على يد واحد من الجعفيين، فصار النسب بالولاء للجعفيين. و أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم. أما ولاء الحلف فهو: كون قبيلة تحالف قبيلة أخرى، فينسب الشخص إليها ولاءً؛ لأنه ليس منها، ولهذا إذا كان الشخص من القبيلة يقولون: من أنفسهم، مثل ما يقولون في ترجمة مسلم بن الحجاج : مسلم بن الحجاج القشيري من أنفسهم، يعني: أن أصله منهم، ونسبته إليهم نسبة نسب، وليست نسبة ولاء، لكن الجعفي مولاهم، قد يكون مولى بسبب الإسلام، أي: أنه أسلم على يد إنسان منهم، أو مولاهم بسبب العتق، أو مولاهم بسبب المحالفة، كون قبيلة تدخل مع قبيلة في الحلف، فينسب أفرادها إلى تلك القبيلة، لا أنهم من أصلها ولكنهم محالفون لها.

تابع تراجم رجال إسناد حديث (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء)


قوله: [ أنه سمع أبا صالح ذكوان ]. وهنا جمع بين اسمه وكنيته، وهو يأتي كثيراً بذكر كنيته، وقد يؤتى بنسبته، وهو السمان أو الزيات ؛ لأنه كان يجلب الزيت والسمن فلقب بالسمان و الزيات . [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث (...فأما الركوع فعظموا الرب فيه وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال حدثنا سفيان عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه فقال: أيها الناس! إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، وإني نهيت أن أقرأ راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا الرب فيه، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر) يعني: في مرض موته صلى الله عليه وسلم، والستارة: هي التي تكون على الباب، ولهذا لا بأس أن يكون على الأبواب ستار بحيث إذا فتح الباب تمنع من أن يُرى ما كان في الداخل، وكذلك الشبابيك لا بأس أن يكون عليها ستائر حتى إذا فتح الشباك فهناك ستارة تمنع من الرؤية إلى الداخل، وهذا يدل على أن اتخاذ الستائر على الأبواب والشبابيك لا بأس بها؛ لأن لها حاجة، ولكن الذي لا حاجة له والذي لا يصلح ولا ينبغي هو ستر الجدران، وذلك بأن يوضع عليها ستائر؛ فهذه زيادة لا حاجة إليها، وهو صرف للمال في غير حاجة إليه، وأما كونه يضع الستائر على الشبابيك والأبواب فلا بأس بذلك. إذاً: فالرسول صلى الله عليه وسلم كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وهو يصلي بالناس في مرض موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس! إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤية الصالحة يراها المسلم أو ترى له). مبشرات النبوة هي التي يحصل البدء بها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أول ما بُدئ به من الوحي الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ومن المعلوم أن الرؤيا بالنسبة للأنبياء يحصل فيها إخبار عن أمور مغيبة، وهي وحي؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي، وغيرهم رؤاهم ليست وحياً، ولكن الرؤيا يمكن أن يستدل بها على أمر مستقبل، أو يتوقع أن يحصل أمر مستقبل، فهي تدل عليه، والمستقبل من أمور الغيب الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل، لكن قد يعرف عن طريق الرؤيا حصول شيء يحصل في المستقبل بسبب الرؤيا، وعندما تقع الرؤيا تكون مطابقة للشيء الذي يحصل في المستقبل، مثل: قصة صاحبي يوسف في السجن، فإن كل واحد منهما رأى رؤيا، وقصها وهي كلها تخبر عن أمر مستقبل أو ترشد إلى أمر مستقبل، وكان تأويل هذه الرؤيا طبقاً للشيء الذي رؤي، فأحدهما رأى أنه يعصر خمراً، وكان تعبيرها أنه يعصر خمراً، فالرؤيا منها ما يأتي تأويلها مطابقاً للشيء الذي رآه في المنام، وقد تكون الرؤيا على سبيل ضرب المثال لا تطابق الذي يراه في المنام، وهي رؤيا الشخص الثاني الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه، فهذا لم يحمل خبزاً حقيقة، ولكنه صلب وقطع رأسه، ثم أتت الطير وأكلت من رأسه، فكلها إخبار عن أمر مستقبل. قوله: [ (يراها المسلم أو ترى له) ] يعني: يكون فيها إشارة إلى شيء يحصل في المستقبل، ولا يعلم الغيب إلا الله عز وجل، وعن طريق الوحي يمكن أن يعرف شيئاً من الغيب، مثل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن أمور كثيرة تقع في المستقبل، ومنها ما قد وقع، ومنها ما لم يقع. قوله: [ (يراها المسلم أو ترى له) ]. يعني: يراها المسلم نفسه، فيرى أنه يحصل له كذا وكذا، أو شخص آخر من الناس يراها له، كأن يقول: إن فلاناً حصل له كذا. والرؤيا قد تكون أضغاث أحلام؛ لأنه ليس كل ما يجري في المنام يقال له: رؤيا، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم كان بعد صلاة الفجر مباشرة يسأل أصحابه يقول: (من رأى منكم رؤيا يقصها؟) فإذا رأى شخص رؤيا وقصها مباشرة لم تكن ذهب منها شيء، ففي مرة من المرات أخبر صلى الله عليه وسلم عن رؤيا طويلة رآها، كما في حديث عبد الرحمن بن سمرة الطويل في رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم. أيضاً: إذا كانت الرؤيا طيبة فإنه يخبر بها، وإذا كانت غير ذلك فلا يخبر بها أحداً؛ لأنه قد يترتب عليها فتنة أو مضرة أو ما إلى ذلك. والرؤيا الصالحة إذا استبشر بها العبد وفرح فليس عليه من حرج، لكن لا ينبغي للناس أن يهتموا بالرؤى وأن يحرصوا عليها، وأن يكون الإنسان فقط مشغولاً يحب أن يرى رؤيا أو كذا إلى آخره، لا، الرؤيا تأتي دون قصد، وأحياناً قد يشغل الإنسان نفسه في شيء ثم يراه في المنام؛ بسبب أنه مشغول به دائماً وأبداً. قوله: [ (وإني نهيت أن أقرأ راكعا ً أو ساجداً) ]. الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قال: (نهيت)، فالناهي له هو الله عز وجل، وإذا قال: (أمرت)، فالآمر له هو الله عز وجل، بخلاف الصحابة إذا قالوا: أمرنا أو نهينا فإن الآمر لهم والناهي لهم هو رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأمره ونهيه إنما هو من عند الله كما قال الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، لكن هم يسندون الخبر إلى من علمهم وأرشدهم، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يسند ذلك إلى من أمره ونهاه، وهو الله عز وجل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يأمره وينهاه هو الله، والصحابة الذي يأمرهم وينهاهم هو الرسول صلى الله عليه وسلم. والسنة هي من الله عز وجل، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة تدل على هذا، ومنها: حديث أنس الطويل في قضية فريضة الصدقة التي فرضها الله، فذكر فيه زكاة الأنعام وغيرها بالتفصيل، ثم قال: فرضها الله، مع أنها ليست في الكتاب وإنما هي في السنة، وهذا يدل على أنها وحي من الله عز وجل، الله تعالى هو الذي فرضها وأوحى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الحديث الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الشهيد وأنه يغفر له، ثم قال بعد ذلك: (إلا الدين فإنه سارني به جبريل آنفاً) يعني: هذا الاستثناء وحي. قوله: [ (فأما الركوع فعظموا الرب فيه) ]. أي: أكثروا من الثناء على الله عز وجل والتعظيم، لكن لا مانع أن يدعى فيه؛ لأنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قول: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)، وهو دعاء بالإضافة إلى كونه ذكر وثناء. قوله: [ (وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) أي: حري وجدير أن يستجاب لكم، وفيه من الإكثار من الدعاء مثل الذي مر في الحديث الأول الذي قال فيه: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء). وهذا الحديث كون الرسول صلى الله عليه وسلم قاله في آخر حياته وفي مرضه فيه دليل على أن الرؤيا من مبشرات النبوة، وهي التي تبقى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، بحيث إذا كانت الرؤيا صادقة فقد يحصل ويتحقق ما رؤي فيها. وقوله: [ (وإني نهيت) ]. يحتمل أن يكون في المنام، ويحتمل أن يكون في غيره؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي، لكن لا يقال جزماً: إن هذا النهي إنما حصل في المنام، يمكن أن يكون في المنام ويمكن أن يكون في غيره من أنواع الوحي أو الكيفيات التي يحصل بها الوحي. أما مسألة الاقتران بين الجمل بين قوله: [ (لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له) ] وبين قوله: [ (وإني نهيت أن أقرأ) ] فهذا إخبار عن عدة أشياء قالها صلى الله عليه وسلم في هذه المناسبة، فيحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى الرؤيا وإلى أنه يحصل منها كذا وكذا، لاسيما وكونه في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، وأن هذا هو الذي سيبقى، وأن معرفة الأمور المغيبة أو الإرشاد إلى الأمور المغيبة لا يكون إلا عن طريق هذا الشيء، أما عن طريق الكهان أو ما إلى ذلك من الأشياء غير الصحيحة، والأمور المحرمة فهذا ليس من الأمور التي يمكن أن يعرف بها أمر مستقبل، وإنما عن طريق هذه الرؤيا التي هي من مبشرات النبوة، التي كانت أول ما بدأ بها الرسول صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (...فأما الركوع فعظموا الرب فيه وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء...)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا سفيان ]. سفيان بن عيينة المكي وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن سحيم ]. سليمان بن سحيم صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد ]. إبراهيم بن عبد الله بن معبد صدوق، وحديثه أخرجه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن ابن عباس ]. ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره.
حكم مخاطبة المصلي أثناء صلاته

قوله: [ (إن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستار والناس صفوف خلف أبي بكر فقال: أيها الناس!) ] يحتمل أن يكونوا قد دخلوا في الصلاة أو أنهم لا زالوا يتهيئون للصلاة. ويجوز مخاطبة المصلي إذا كان لحاجة، مثل: حديث عائشة عندما كسف الشمس وكان الناس يصلون، فسئلت وهي في الصلاة فأشارت أنها آية، يعني: أن هذه صلاة الكسوف، فيمكن عند الحاجة أنه يخاطب المصلي ويسلم عليه ولكن يرد بالإشارة.

حكم الدعاء في الركوع والسجود بما ورد في القرآن من الأدعية والدعاء بغير العربية


قوله: [ (وإني نهيت أن أقرأ راكعاً أو ساجداً)] يستثنى من ذلك الدعاء في السجود بما ورد في القرآن مثل: قوله عز وجل: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] وقوله: رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا [الممتحنة:5]. وقد ورد عن الإمام أحمد أنه كان يعجبه الدعاء بما ورد في القرآن، مثل: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]. فينبغي للإنسان أن يتعلم الأدعية الشرعية التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان لم يتمكن فله أن يدعو بلهجته ولسانه، والله عز وجل لا تختلف عليه الألسنة، بل هو عالم بكل شيء ومحيط بكل شيء سبحانه وتعالى، لكن عليه أن يتعلم الأشياء التي لابد منها في الصلاة.
شرح حديث (كان رسول الله يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن) وجاء أنه كان يقول ذلك بعد ما أنزلت عليه سورة النصر، ما صلى صلاة إلا قال في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) أي: ينفذ ما أمر به في القرآن؛ لأن قوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [النصر:3] تنفيذه: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، وقوله: (اللهم اغفر لي) تنفيذ لقوله: وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر:3]. ولهذا يأتي التأويل بمعنى التنفيذ، وبمعنى حقيقة الشيء. وهذا الحديث يدل على أن الركوع يجمع فيه بين الذكر والدعاء، وكذلك السجود، ولكن كون النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فأما الركوع فعظموا الرب فيه، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) فينبغي أن يكون الغالب في السجود أدعية، وغالب ما يكون في الركوع أذكار وتعظيم وثناء لله سبحانه وتعالى. وقوله: [ (يتأول القرآن) ] المقصود به سورة النصر وما فيها من أوامر الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم بالتسبيح والاستغفار، والرسول صلى الله عليه وسلم كان ينفذ هذا، فهو ما صلى صلاة منذ أن أنزلت عليه: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] إلا قال في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) وهذا هو معنى قول عائشة رضي الله عنها في الحديث الآخر: (كان خلقه القرآن) يعني: يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي، ويتأدب بالآداب الموجودة في القرآن، فخلقه مبني على القرآن وتابع للقرآن. ومعنى قوله: [ (يتأول القرآن) ] فلفظ (القرآن) هنا المراد به إطلاق الكل وإرادة الجزء، يعني: يتأول ما جاء في القرآن من الأمر بالتسبيح والاستغفار.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #216  
قديم 28-06-2024, 10:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي...)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا جرير ]. جرير بن عبد الحميد الضبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. منصور بن المعتمر الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الضحى ]. مسلم بن صبيح وهو ثقة، أخرج له أصحاب الستة. [ عن مسروق ]. مسروق بن الأجدع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (أن النبي كان يقول في سجوده اللهم اغفر لي ذنبي كله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب ح وحدثنا أحمد بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، زاد ابن السرح : علانيته وسره) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو من الأدعية التي كان صلى الله عليه وسلم يدعو بها في سجوده، وأنه كان يقول في سجوده: (اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله). يعني: صغيره وكبيره؛ لأن (الدق) المقصود به الصغير أو الدقيق، و(الجل) الكبير العظيم. قوله: [ (وأوله وآخره) ] يعني: أن الاثنين الأولين المتقابلين بالنسبة للصغر والكبر، والآخرين بالنسبة للأول والآخر، يعني: ما كان أولاً وما كان آخراً، والأمر الثالث الذي عند ابن السرح ما كان علانية وسراً، والمقصود به ما كان شيئاً ظاهراً للناس ومشاهداً وشيئاً خفياً لا يطلع عليه إلا الله عز وجل، والله تعالى هو الذي يعلم الغيب والشهادة، وهو الذي يعلم السر والعلانية، ويعلم الخفي والظاهر. وهذا فيه بيان أن الدعاء يمكن أن يطول فيه وأن يكرر وأن يأتي فيه بالألفاظ المتقاربة؛ لأن المقام في مثل هذا لا بأس به، وإلا فإنه يمكن أن يقول: (اللهم اغفر لي ذنبي كله) ويكون هذا مغنياً عن قوله: دقه وجله وعلانيته وسره وأوله وآخره، لكن ذكر التفاصيل في الأدعية هذا من الأمور المطلوبة.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يقول في سجوده اللهم اغفر لي ذنبي كله...)


قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب ح وحدثنا أحمد بن السرح عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب ]. أورد المصنف طريقين، الأولى: أحمد بن صالح أخبرنا ابن وهب وقد مر ذكرهم. الطريق الثانية: أخبرني أحمد بن عمرو بن السرح عن ابن وهب، و أحمد بن عمرو بن السرح هو مصري ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [أخبرنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب ]. يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن غزية عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة ]. وقد مر ذكر الأربعة.

شرح حديث (فقدت رسول الله ذات ليلة فلمست المسجد فإذا هو ساجد وقدماه منصوبتان وهو يقول أعوذ برضاك من سخطك...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبدة عن عبيد الله عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة عن عائشة رضي الله عنهما قالت: (فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فلمست المسجد فإذا هو ساجد وقدماه منصوبتان، وهو يقول: أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلمست المسجد فإذا هو ساجد وقدماه منصوبتان) أي: فقدته من الفراش في الليل، فبحثت عنه في المكان الذي يصلي فيه من البيت، فلمسته ووقعت يدها على رجليه وهما منصوبتان وهو يدعو في سجوده قائلاً: (أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك). قوله: (المسجد)، يحتمل أن يكون فقدها إياه في الفراش، وأنها وقعت يدها عليه وهو في مسجده أي: محل سجوده في الحجرة، ويحتمل أن يكون خرج من الحجرة وصلى في المسجد، وهي بحثت عنه في المسجد، ووقعت يدها عليه وهو يصلي، وذلك كان في الظلام؛ لأنه ليس هناك إضاءة ترى فيها شخصه صلى الله عليه وسلم، وإنما كانت تتلمس بيدها حتى وقعت يدها عليه.
بطلان من زعم أن رسول الله إذا مشى في الشمس لا ظل له

هذا الحديث يدل على بطلان ما يقوله بعض الغلاة في رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه إذا مشى في الشمس لا يكون له ظل؛ لأنه نور يقابل نور الشمس، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بحاجة إلى أن يضاف إليه شيء ليس واقعاً، وإنما ذلك من باب الغلو، فلو كان الأمر كما يقولون إنه لا ظل له كيف تقوم عائشة وتبحث عن رسول الله في الظلمة حتى تجده وتقع يدها عليه، فلو كان لا ظل له وأنه مضيء مثل ضوء الشمس لما كان عنده ظلام أبداً، وإنما يكون مثل الشمس أين وجد فنوره مثل نور الشمس ساطع، ولا تحتاج عائشة إلى أن تبحث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الليل حتى تقع يدها عليه رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فهذا الحديث يدل على بطلان ما يزعمون، ثم أيضاً الحديث الآخر حديث عائشة أيضاً: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الليل ورجلاها في قبلته، فإذا سجد غمزها حتى ترفع رجليها ويسجد، وإذا رفع بسطتهما، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح) يعني: لو كان الأمر كما يقولون فلا حاجة إلى المصابيح ورسول الله صلى الله عليه وسلم موجود في الحجرة، فهذا كله من الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم. كذلك الحديث الآخر الذي فيه: (أن امرأة كانت تقم المسجد، وأنها ماتت فدفنوها ليلاً، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل عنها، فقالوا: إنها ماتت وأنهم دفنوها في الليل قال: ألا آذنتموني؟! قالوا: كانت ليلة ظلماء فكرهنا أن نوقظك أو أن نشق عليك)فلو كان الأمر كما يقوله هؤلاء الغلاة فليس هناك حاجة إلى أن يقولوا: (كانت ليلة ظلماء)وذلك لأن نوره مثل نور الشمس. فرسول الله لا شك أن عنده نوراً -وهو نور الوحي ونور الهدى- به يستضاء في الطريق إلى الله والوصول إليه، وفي الخروج من الظلمات إلى النور، وقد جعله الله هادياً مهدياً قال تعالى: يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ [المائدة:16]، وقال الله عز وجل عنه: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45-46] فهو سراج منير، لكن المقصود بالسراج كونه يضيء الطريق إلى الله عز وجل؛ وذلك بالكتاب والسنة الذي من سار عليهما فقد سار على طريق صحيح وصراط مستقيم، وليس المقصود منه كما يقول بعض الغلاة: إنه إذا مشى في الشمس يكون لا ظل له. وكما جاء في بعض الأحاديث: (أنه جلس في ظل الكعبة) يعني: لو كان الأمر كما يقولون كيف يتظلل بظلال وهو نفسه لا ظل له؟! الحاصل أن هذا من الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أغناه الله بما أعطاه من الفضائل والخصائص عن تكلف المتكلفين، وغلو الغلاة الذين يضيفون إليه ما لا يكون حاصلاً، وإنما ذلك من باب الغلو والإطراء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
مشروعية نصب القدمين في السجود

قوله: [ (وهما منصوبتان) ] هذا يدل على أن الرجلين تنصبان في السجود، وأن الإنسان لا يبسطهما، وإنما كما جاء في بعض الأحاديث: (يجعل أطراف أصابعه متجهة إلى القبلة ناصباًَ قدميه) يعني: حيث تيسر ذلك وحيث أمكن ذلك.
مشروعية الاستعاذة بصفات الله سبحانه

قوله: [ (أعوذ برضاك من سخطك، أعوذ بمعافاتك من عقوبتك) ] فالرضا والسخط من صفات الله عز وجل، وهما صفتان متقابلتان، والمعافاة والعقوبة هما من أفعال الله عز وجل وهما متقابلتان، وفي هذا دليل على أنه يستعاذ بصفات الله كما يستعاذ بالله؛ لأن صفاته غير مخلوقة، وإنما هي قائمة به سبحانه وتعالى، فيستعاذ بها كما يستعاذ به سبحانه وتعالى، ولهذا جاء في هذا الحديث الاستعاذة بالرضا والمعافاة، وكذلك جاء الاستعاذة بكلمات الله التامات، وجاء الاستعاذة بالعزة والقدرة كما في الحديث: (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر). وفيه أيضاً: أن الصفات بعضها أفضل من بعض؛ لأن صفة الرضا أفضل من صفة الغضب والسخط، ولهذا يستعاذ بهذه من هذه، ولهذا سبقت الرحمة الغضب، وهذا يدل على تفاضل الصفات، فإن المستعاذ بها أفضل من المستعاذ منها، وكذلك كلام الله عز وجل يتفاضل، ولهذا فأفضل آية في القرآن آية الكرسي، وأفضل سورة في القرآن سورة الفاتحة، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] تعدل ثلث القرآن، وهي أفضل من سورة: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ [المسد:1] التي بجوارها، فكلام الله يتفاضل، وصفاته تتفاضل، وهذه النصوص تدل على ذلك، ثم إن الاستعاذة حصلت في شيئين متضادين: مستعاذ به، ومستعاذ منه، فحصلت الاستعاذة بصفة الرضا من صفة الغضب والسخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة، ولما حصلت الاستعاذة بهذه الأشياء المتقابلة بعضها من بعض، وكان الموصوف بها الفاعل الذي لا ضد له قال: (أعوذ بك منك) وذلك لأن كل محذور وكل مخوف إنما هو بقضاء الله وقدره وبخلقه وتكوينه.
مراتب القدر

ليس هناك ضر وليس هناك شيء يحذر منه إلا وهو من الله عز وجل قضاءً وقدراً وخلقاً وإيجاداً، فالله هو الذي قدر كل شيء كائن، وهو الذي خلق كل شيء، ولا يقع في الوجود حركة ولا سكون إلا وهو بأمر الله عز وجل وبإيجاد الله سبحانه وتعالى، ولهذا القدر له أربع مراتب: الأولى: علم الله عز وجل الذي لا بداية له، فقد علم كل شيء كائن بهذا العلم الذي لا بداية له. الثانية: كتابة ذلك في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكل كائن مكتوب في اللوح المحفوظ، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وسبق به القضاء والقدر. الثالثة: المشيئة، فالله تعالى إذا شاء أن يوجد هذا الذي علمه وكتبه وجد. الرابعة: الإيجاد والخلق. إذاً: فكل فعل من الأفعال وكل أمر من الأمور لابد أن يجتمع فيه أربعة أشياء: سبق علم الله به، وسبق كتابة الله له، وسبق مشيئة الله له، وقد أوجده الله عز وجل طبقاً لما علمه وكتبه وشاءه، فكل شيء كائن فإنما وقع بخلق الله وإيجاده طبقاً لما علمه أزلاً، ولما كتبه في اللوح المحفوظ، ولما شاء أن يكون عليه. إذاً فقوله: [ (وأعوذ بك منك) ] أي: أن المستعاذ منه من كل ما هو ضار ومن كل ما هو محذور ومخوف سبق به قضاء الله وقدره، والله تعالى هو الذي أوجد ذلك الشيء الضار الذي يخشى منه الإنسان ويحذره، وكما قلنا: إن الصفات غير مخلوقة، وإنما المخلوق آثار الصفات التي هي مفعولات؛ لأن الفعل غير المفعول، فالفعل فعل الله، والمفعول خلق الله عز وجل، فكل هذه الأشياء التي يحذر منها سبق بها العلم والكتابة والمشيئة، ووجدت طبقاً لما علمه الله عز وجل وكتبه وشاءه، وأراده سبحانه وتعالى، وكل شيء ضار في الوجود فإنما هو بقضاء الله وقدره، وهو منه قضاء وقدراً، وهو منه خلقاً وإيجاداً، ولهذا جاء في حديث وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس : (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). هذا هو معنى قوله: [ (وأعوذ بك منك) ] وهو نظير ما جاء في الحديث: (لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك) أي: أن الفرار من الله إلى الله. وهذا الحديث شرحه ابن القيم في كتابه: (شفاء العليل) شرحاً وافياً جميلاً، وكتابه (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل) عقد فيه ثلاثين باباً، وجعل باباً من هذه الثلاثين -وهو الباب السادس والعشرون- خاصاً لشرح هذا الحديث، الذي هو حديث عائشة الذي معنا: (أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك). فشرحه ابن القيم شرحاً نفيساً جميلاً، وواضحاً على منهج السلف، وخالٍ مما عليه أهل البدع والمنكرات الذين لم يحالفهم التوفيق فيما يكتبون ويقولون عن الله عز وجل وأسمائه وصفاته. قوله: [ (وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك) ] أي: لا أستطيع أن أحصي ثناءً عليك، بل أنت كما أثنيت على نفسك، فلا يستطيع أحد أن يحصي ثناءً على الله عز وجل، فثناء المثنين ومدح المادحين لا يمكن أن يصل إلى الغاية في ذلك، أو لا يستطيع أحد أن يحصي ثناءً عليه سبحانه وتعالى كما أثنى هو على نفسه سبحانه وتعالى.

تراجم رجال إسناد حديث (فقدت رسول الله ذات ليلة فلمست المسجد فإذا هو ساجد وقدماه منصوبتان وهو يقول أعوذ برضاك من سخطك...)


قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري، صدوق، أخرج له أبو داود وحده. [ حدثنا عبدة ]. عبدة بن سليمان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. عبيد الله بن عمر بن حفص العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن يحيى بن حبان ]. محمد بن يحيى بن حبان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و حَبان هذا بفتح الحاء، ويأتي بكسر الحاء حِبان بن موسى في بعض الأسانيد. [ عن عبد الرحمن الأعرج ]. عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عبد الرحمن اسمه و الأعرج لقبه، وقد جمع بين الاسم واللقب، وأحياناً يأتي باللقب وحده، فيقول: عن الأعرج أو حدثنا الأعرج ، وأحياناً يقال: عبد الرحمن بن هرمز وهو الأعرج ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثرهم حديثاً على الإطلاق. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ستة رجال وامرأة واحدة، وهي أم المؤمنين عائشة ، وهذا الحديث رواه أبو هريرة عن عائشة وهما من السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من رواية صحابي عن صحابي.

عدم دلالة قوله (وقدماه منصوبتان) على كون القدمين متلاصقتين

قوله: [ (فإذا هو ساجد وقدماه منصوبتان) ]. هذا ليس فيه دلالة على إلصاق القدمين في السجود؛ لأن اليد قد تقع على القدمين وهما متلاصقتان أو وبينهما مسافة، فلا يدل على أنهما متلاصقتان، ولا يدل على أنهما متباعدتان، وإنما يدل على أنهما منصوبتان، وأما التلاصق وعدمه فلا دليل فيه."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #217  
قديم 28-06-2024, 10:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [114]
الحلقة (145)





شرح سنن أبي داود [114]

في هذه المادة بيان لأدعية النبي صلى الله عليه وسلم وأذكاره في صلاته: في ركوعه وسجوده، وبيان لكيفية السجود، وما هي الأعضاء التي يُسجد عليها، وبيان أن من أدرك الإمام ساجداً فإنه يسجد معه ولا ينتظره حتى يقوم إلى الركعة الأخرى؛ حتى يدرك أجر ذلك السجود.

الدعاء في الصلاة


شرح حديث: (أن رسول الله كان يدعو في صلاته: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الدعاء في الصلاة. حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية حدثنا شعيب عن الزهري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في صلاته: اللهم! إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم! إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ الدعاء في الصلاة ]، فلما ذكر الدعاء في الركوع والسجود جاء بهذا الدعاء المطلق في الصلاة. وأورد حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في صلاته: اللهم! أني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) فهذه الأربع التي يستعاذ بالله عز وجل منها، فاثنتان منها خاصتان واثنتان عامتان، ففتنة المحيا من جملتها فتنة المسيح الدجال ، فاستعاذ من فتنة المسيح الدجال ؛ لأنها فتنة من أعظم الفتن التي تكون في حق من أدركه، وأما فتنة المحيا فإنها تكون لمن أدركه ومن لم يدركه، وكذلك الاستعاذة من عذاب القبر فهي أمر خاص، وهو ما يحصل في القبر من عذاب، وفتنة الممات أعم من عذاب القبر؛ لأنها تشمل عذاب القبر وغير عذاب القبر، فكل ما يكون بعد الموت وقبل البعث والنشور فهو من فتنة الممات، فذكر أمرين خاصين وأمرين عامين يستعاذ منها، والخاص هنا داخل في العام ففتنة المسيح الدجال داخلة في فتنة الحياة، وفتنة عذاب القبر داخلة في فتنة الممات. قوله: [ (وأعوذ بك من المأثم والمغرم) ] المأثم: هو الإثم وكل ما يسببه وما يترتب عليه، والمغرم: هو الدين والغرم وما يتحمله الإنسان ويكون لازماً ومطالَباً به. ثم قالت عائشة رضي الله عنهما: (ما أكثر ما تتعوذ من المغرم! فبين عليه الصلاة والسلام أسباب الاهتمام به وخطورته فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب) أي: عندما يأتيه الدائنون ليطالبونه فإنه يضطر لأن يكذب عليهم، فيحصل منه الكذب. قوله: [ (ووعد فأخلف) ] أي أنه يقول: سأعطيك مالك في الوقت الفلاني، ثم يجئ الوقت المحدد ولم يعطه إياه، فيترتب على ذلك أنه إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف ولم يفِ بوعده، فكل هذا مما يترتب على الدين. والدين شأنه عظيم وخطير، ولهذا جاء في الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان خطورته، وجاء أن الشهيد يغفر له كل شيء، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إلا الدين، سارّني به جبريل آنفاً)، فهذه حقوق الناس فلا بد من أدائها.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يدعو في صلاته: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر...)


قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا بقية ]. هو بقية بن الوليد الحمصي وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا شعيب ]. هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي أيضاً وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري المدني ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وقد مر ذكرها. وهذا الحديث إسناده سداسي: ثلاثة حمصيون، وثلاثة مدنيون، وهم: عمرو بن عثمان و بقية بن الوليد و شعيب بن أبي حمزة، فهؤلاء حمصيون وهم في نصفه الأسفل، ونصفه الأعلى: الزهري و عروة و عائشة، وهم مدنيون.

شرح حديث: (صليت إلى جنب رسول الله في صلاة تطوع فسمعته يقول: أعوذ بالله من النار...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن ابن أبي ليلى عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه رضي الله عنه قال: (صليت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة تطوع فسمعته يقول: أعوذ بالله من النار، ويل لأهل النار) ]. أورد أبو داود حديث أبي ليلى رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صليت إلى جنب رسول الله عليه وسلم في صلاة تطوع فسمعته يقول: أعوذ بالله من النار، ويل لأهل النار)، فهذا الدعاء في الصلاة، والتعوذ بالله من النار جاءت فيه أحاديث كثيرة. وقوله: [ (ويل لأهل النار) ] لا أعلم مجيئه من طريق أخرى، وهذا الإسناد فيه رجل ضعيف وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو أيضاً لا يروي عن أبيه إلا بواسطة ثابت.

تراجم رجال إسناد حديث: (صليت إلى جنب رسول الله في صلاة تطوع فسمعته يقول: أعوذ بالله من النار...)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن داود ]. هو عبد الله بن داود الخريبي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. و عبد الله بن داود الخريبي هذا هو الذي نقل عنه الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) أنه قال: إن أشد آية على أصحاب جهم هي قول الله عز وجل: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، قال: فمن بلغه القرآن فكأنما سمعه من الله. [ عن ابن أبي ليلى ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو صدوق سيء الحفظ جداً، أخرج له أصحاب السنن. والحديث الذي لا يأتي إلا من طريقه يضعفه أهل العلم به. [ عن ثابت البناني ]. هو ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى، هو والد محمد الذي روى عن ثابت في هذا الإسناد، و عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه]. هو أبو ليلى، وهو صحابي، أخرج له أصحاب السنن.


شرح حديث: (قام رسول الله إلى الصلاة وقمنا معه فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقمنا معه، فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً! فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: لقد تحجرت واسعاً، يريد رحمة الله عز وجل) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة وقام معه، فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً! فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لقد تحجرت واسعاً، يريد رحمة الله) يعني: تحجرت رحمة الله حيث جعلتها خاصة بي وبك مع أنها وسعت كل شيء، فكيف تطلب أن تكون لي ولك وألا يشرك معنا أحداً في ذلك! فهذا من الاعتداء في الدعاء، وهذا مما لا يجوز في الدعاء، فإذا قال الإنسان: اللهم ارحمني وارحم فلاناً! فهذا مستقيم، لكن أن يقول: ولا ترحم معنا أحداً، فهذا هو الذي لا يسوغ ولا يجوز؛ لأن الله تعالى يقول: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156]. وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا حصل منه شيء من الدعاء الذي لا يجوز أن صلاته لا تبطل بذلك، ولا يكون ذلك مؤثراً في صلاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره أن يعيد صلاته، ويشبه هذا الذي قاله الأعرابي ما جاء في كتاب (دلائل الخيرات) في بعض الأدعية، حيث يقول صاحب (دلائل الخيرات): اللهم! ارحم محمداً حتى لا يبقى من الرحمة شيء، اللهم! صلِّ على محمد حتى لا يبقى من الصلاة شيء، اللهم! بارك على محمد حتى لا يبقى من البركة شيء، اللهم! سلم على محمد حتى لا يبقى من السلام شيء. فهذا كلام باطل، وهو يشبه كلام الأعرابي هذا الذي أنكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الأدعية المنكرة التي اشتمل عليها كتاب (دلائل الخيرات) الذي افتتن به كثير من الناس في كثير من البلاد، بل إنهم يحفظون ما فيه ولا يحفظون الأدعية التي في صحيحي البخاري ومسلم ، وهي كلام الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فهم يحفظون ويعتنون بشيء فيه غلو وجفاء ويتركون كلاماً في غاية الصفاء والحسن والجمال والكمال، كيف لا وهو كلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.


تراجم رجال إسناد حديث: (قام رسول الله إلى الصلاة وقمنا معه فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً...)


قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. ابن شهاب مر ذكره، و أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة فقيه، أحد الفقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثة أصحاب الكتب الستة. [ أن أبا هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي وقد مر ذكره. وهذا الإسناد ثلاثة منه مصريون في نصفه الأسفل، وثلاثة منه مدنيون في نصفه الأعلى.

شرح حديث: (أن النبي كان إذا قرأ (سبح اسم ربك الأعلى) قال سبحان ربي الأعلى

قال المصنف رحمه الله تعالى:[ حدثنا زهير بن حرب حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: سبحان ربي الأعلى) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: سبحان ربي الأعلى). وسبب إيراده في باب: الدعاء في الصلاة، أنه يذكره ويأتي به في الصلاة، وهو عام يسن في الصلاة وغير الصلاة، لكن إذا كان في النافلة فقد جاء ما يدل على مثله، وذلك من جهة أنه إذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ. إذاً: فهذا الدعاء يكون في الصلاة وغير الصلاة؛ لأنه مطلق.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا قرأ (سبح اسم ربك الأعلى) قال سبحان ربي الأعلى

قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو زهير بن حرب أبو خثيمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني أبو إسحاق السبيعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسلم البطين ]. هو مسلم بن عمران البطين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حديث ابن عباس موقوفاً في قول سبحان ربي الأعلى بعد قراءة (سبح اسم ربك العظيم) وترجمة رجال الإسناد


[ قال أبو داود : خولف وكيع في هذا الحديث، فرواه أبو وكيع و شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفاً ]. أي: رواه شعبة ووالد وكيع عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفاً، وليس فيه ذكر مسلم بن عمران البطين ، ففيه إذاً الوقف، وفيه عدم وجود الواسطة بين أبي إسحاق وبين سعيد بن جبير ، لكن الإسناد الأول صحيح. [ أبو وكيع ]. هو الجراح بن مليح، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد)، و مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ و شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.


شرح حديث: (كان رجل يصلي فوق بيته وكان إذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) قال سبحانك فبلى...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة أنه قال: (كان رجل يصلي فوق بيته، وكان إذا قرأ: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40] قال: سبحانك فبلى، فسألوه عن ذلك، فقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يصلي على ظهر بيته، وكان إذا قرأ في سورة القيامة: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40] قال: سبحانك فبلى، فقيل له في ذلك، فقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا يدلنا على أن مثل هذا الكلام إذا قيل عند هذه الآية في صلاة نافلة، أو عند قراءة القرآن فلا يضر، فقد جاء ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان رجل يصلي فوق بيته وكان إذا قرأ (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) قال سبحانك فبلى...)


قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى الزمن العنزي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر هو الملقب بغندر البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة ]. موسى بن أبي عائشة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ (كان رجل يصلي فوق بيته) ]. هو رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا الذي جاء في الحديث، فلما سئل عنه قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.

استحباب الإمام أحمد الدعاء في الفريضة بما ورد في القرآن


[ قال أبو داود : قال أحمد : يعجبني في الفريضة أن يدعو بما في القرآن ]. يعني: يدعو بما يناسب القرآن من الأدعية التي جاءت في القرآن، مثل قوله عز وجل: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، وقوله: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8]، وقوله: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10] وغير ذلك من الأدعية التي جاءت في القرآن.

مقدار الركوع والسجود


شرح حديث: (رمقت النبي في صلاته فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول: سبحان الله وبحمده، ثلاثاً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: مقدار الركوع والسجود. حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا سعيد الجريري عن السعدي عن أبيه أو عن عمه أنه قال: (رمقت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول: سبحان الله وبحمده، ثلاثاً) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ مقدار الركوع والسجود ]، والمقصود هنا بالترجمة القدْر، بحيث لا يقصر عن الحد الأدنى، وإذا كان الإنسان يصلي بالناس فلا يطول إطالة تشق عليهم، وإذا كان وحده فليطول ما شاء، فقد جاء في الحديث: (إذا صلى بالناس فليخفف، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء). وقد كانت للنبي صلى الله عليه وسلم أحوال في صلاته: فأحياناً يطيل القراءة، وأحياناً يقصرها، وكذلك في الركوع والسجود، فالأمر كما قال مالك بن أنس : إنه جمع بين الإيجاز والتمام. وأورد أبو داود رحمه الله حديث والد السعدي أو عمه أنه قال: (رمقت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته)، أي: نظرت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي. قوله: [ (فكان يتمكن في ركوعه وسجوده) ]، أي: أنه يطمئن ويستقر في الركوع والسجود. قوله: [ (قدر ما يقول: سبحان الله وبحمده، ثلاثاً) ]، أي: أنه يكون مستقراً ومطمئناً في الركوع والسجود مقدار ما يقول هذه الكلمات ثلاث مرات.

تراجم رجال إسناد حديث: (رمقت النبي في صلاته فكان يتمكن في ركوعه وسجوده قدر ما يقول: سبحان الله وبحمده ثلاثاً)


قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله ]. مسدد مر ذكره و خالد بن عبد الله الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد الجريري ]. هو سعيد بن إياس الجريري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن السعدي ]. السعدي لم يسمَّ ولا يعرف، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه أو عن عمه ]. أبوه أو عمه لم يُذكر من خرج له.

شرح حديث: (إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم، وذلك أدناه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الملك بن مروان الأهوازي حدثنا أبو عامر و أبو داود عن ابن أبي ذئب عن إسحاق بن يزيد الهذلي عن عون بن عبد الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم وذلك أدناه، وإذا سجد فليقل: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً وذلك أدناه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ركع أحدكم فليقل: سبحان ربي العظيم ثلاثاً، وذلك أدناه، وإذا سجد فليقل: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً وذلك أدناه) والمقصود بأدناه: أدنى الكمال، وليس المقصود أنه لا يقول أقل من ذلك؛ فإن الحد الأدنى أن يقول الإنسان: سبحان ربي العظيم في الركوع مرة واحدة، وسبحان ربي الأعلى في السجود مرة واحدة، فهذا هو الذي على الإنسان أن يأتي به، وما زاد على ذلك فهو مستحب، وهذا هو أدنى أدنى الكمال، ولهذا يقول بعض الفقهاء: وأدنى الكمال ثلاث، يعني: أن الواجب واحدة.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم، وذلك أدناه...)


قوله: [ حدثنا عبد الملك بن مروان الأهوازي ]. إما أن يكون عبد الملك بن مروان الأهوازي أبو بشر الرقي وهو مقبول، ولم يرو له أحد من أصحاب الأمهات الست، وقد رمز له الحافظ بالتمييز، وإما أن يكون عبد الملك بن مروان بن قارظ البصري الأهوازي وهو ثقة، أخرج له أبو داود وحده. وقال في التقريب: تمييز، مع أنه ليس للتمييز، بل هو من رواة أبي داود . [ حدثنا أبو عامر ]. هو أبو عامر العقدي، واسمه عبد الملك بن عمرو ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو داود ]. هو سليمان بن داود الطيالسي، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن أبي ذئب ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسحاق بن يزيد الهذلي ]. إسحاق بن يزيد الهذلي مجهول، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عون بن عبد الله ]. عون بن عبد الله ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن مسعود ]. عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. و عون بن عبد الله هذا لم يدرك عبد الله بن مسعود ، فالإسناد منقطع، وفيه أيضاً هذا المجهول الذي يروي عن عون وهو إسحاق بن يزيد . [ قال أبو داود : هذا مرسل؛ عون لم يدرك عبد الله ]. وهذا مرسل بالاصطلاح العام وليس بالاصطلاح الخاص عند المحدثين؛ لأن المرسل في الاصطلاح الخاص عند المحدثين هو ما أضافه التابعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يطلقون المرسل على المنقطع فيقولون: فلان أرسل عن فلان، أي: أنه روى عنه مرسلاً ولم يرو عنه مباشرة؛ لأنه لم يدركه، أو بينه وبينه واسطة فأرسل عنه، وكلمة مرسل هنا يراد بها الاصطلاح الآخر وهو الانقطاع.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #218  
قديم 28-06-2024, 10:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



شرح حديث: (من قرأ منكم بـ (التين والزيتون) فانتهى إلى آخرها ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد الزهري حدثنا سفيان حدثنا إسماعيل بن أمية قال: سمعت أعرابياً يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ منكم بـ(( َالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ))[التين:1] فانتهى إلى آخرها: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين:8] فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، ومن قرأ: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [القيامة:1] فانتهى إلى: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40] فليقل: بلى، ومن قرأ: وَالْمُرْسَلاتِ [المرسلات:1] فبلغ: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [المرسلات:50] فليقل: آمنا بالله). قال إسماعيل : ذهبت أعيد على الرجل الأعرابي وأنظر لعله، فقال: يا ابن أخي! أتظن أني لم أحفظه؟ لقد حججت ستين حجة ما منها حجة إلا وأنا أعرف البعير الذي حججت عليه]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ [التين:1] فانتهى إلى آخرها: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين:8] فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، ومن قرأ: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40] فليقل: بلى، ومن قرأ: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [المرسلات:50] فليقل: آمنا بالله)، وهذا الحديث لا علاقة له بالترجمة وهي: مقدار الركوع والسجود؛ لأنه ليس فيه شيء له علاقة بمقدار الركوع والسجود، وإنما هو قول يقال عند ختام هذه السور الثلاث: سورة القيامة، وسورة المرسلات، وسورة التين، فلا علاقة له بمقدار الركوع والسجود. ولهذا قال بعض أهل العلم: لعل هذا الحديث تأخر عن مكانه، وأن مكانه هو في الدعاء في الصلاة، وليس في مقدار الركوع والسجود، فليس فيه شيء له علاقة ببيان مقدار الركوع والسجود، بل لم يتعرض فيه للركوع والسجود، ولا لما يقال في الركوع والسجود، وإنما يتعلق بالقول عند قراءة أواخر هذه السور، فيقول في آخر القيامة: بلى، ويقول في آخر المرسلات: آمنا بالله، ويقول في آخر التين: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين. والحديث في إسناده ذلك الرجل الأعرابي الذي يروي عن أبي هريرة وهو مجهول فلا يحتج بذلك، لكن الجملة التي تتعلق بسورة القيامة سبق أن مرت من طريق صحيحة في حديث الرجل الذي كان يصلي على ظهر بيته وقرأ قول الله عز وجل: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40]، فقال: سبحانك فبلى، فقيل له في ذلك، فقال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها. [ قال إسماعيل : فذهبت أعيد على الرجل الأعرابي وأنظر لعله، فقال: يا ابن أخي! أتظن أني لم أحفظه؟! لقد حججت ستين حجة ما منها حجة إلا وأنا أعرف البعير الذي حججت عليه ]. أي: أن إسماعيل طلب من الأعرابي أن يعيده عليه؛ لعله حصل منه شيء من الخطأ أو الوهم، ففهم ذلك الأعرابي وقال: لعلك تظن أنني قد أخطأت، فقد حججت ستين حجة ما من حجة إلا وأنا أذكر البعير الذي حججت عليه، يعني: ما نوعه، وما اسمه، وغير ذلك من الصفات التي تتعلق به، فهو يشير إلى قوة ذاكرته واستحضاره واستذكاره، وأنه يستذكر تلك الإبل التي حج عليها واحداً واحداً، وهذه مبالغة في حفظه وفي استذكاره وعدم نسيانه.

تراجم رجال إسناد حديث: (من قرأ منكم بـ(التين والزيتون) فانتهى إلى آخرها ...)
قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد الزهري ]. هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري وهو صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني إسماعيل بن أمية ]. إسماعيل بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت أعرابياً يقول ]. الأعرابي هنا مجهول لا يعرف، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ سمعت أبا هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. وبالنسبة للصحابة وعدد أحاديثهم قلةً وكثرة فقد عُني ببيانها في الكتب الستة، وعدد الأحاديث المتفق عليها بين البخاري و مسلم ، والأحاديث التي انفرد بها البخاري، والأحاديث التي انفرد بها مسلم ، اعتني ببيان ذلك للخزرجي في كتابه (خلاصة تهذيب الكمال)، وهذا من فوائد وميزات هذا الكتاب.

شرح حديث: (ما صليت وراء أحد بعد رسول الله أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى، يعني عمر بن عبد العزيز ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح و ابن رافع قالا: حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان حدثني أبي عن وهب بن مانوس قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى -يعني: عمر بن عبد العزيز -، قال: فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (ما رأينا أحداً أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى -يريد بذلك عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه- قال: فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات) يعني: أنهم قدروا عدد التسبيحات في الركوع والسجود. وهذا هو مطابق للترجمة من جهة مقدار الركوع والسجود. قوله: [ (أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى) ] أي: أن صلاته تشبه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدروا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما صليت وراء أحد بعد رسول الله أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى، يعني عمر بن عبد العزيز ...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل.

ترجمة محمد بن رافع وعلاقته بالإمام مسلم رواية ونسباً

[ و ابن رافع ]. هو محمد بن رافع النيسابوري القشيري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . وهو أحد الشيوخ الذين أكثر عنهم الإمام مسلم في صحيحه، ومن طريقه يروي الأحاديث التي اختارها وانتقاها من صحيفة همام بن منبه . و محمد بن رافع من بلد الإمام مسلم ومن قبيلته، فهو نيسابوري و مسلم نيسابوري، وهو قشيري و مسلم قشيري، ولكن هناك من روى عنه مسلم أكثر منه وهو: أبي بكر بن أبي شيبة، فقد روى عنه مسلم أكثر من ألف وخمسمائة حديث، و زهير بن حرب أبو خثيمة، روى عنه مسلم ألف ومائتي حديث وغيرهما، وأما محمد بن رافع فقد روى عنه دون الألف، و مسلم رحمة الله عليه ينسب إلى بني قشير على أنه من أنفسهم وليست نسبة ولاء، ولهذا عندما يذكرون نسب البخاري يقولون: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبة البخاري الجعفي مولاهم، وعندما يترجمون لمحمد بن رافع يقولون: القشيري من أنفسهم، أي: أنه نسبته إليهم ليست نسبة ولاء كالبخاري وغيره، وإنما هي نسبة أصل، فهو من نفس تلك القبيلة العربية.

تابع تراجم رجال إسناد حديث: (ما صليت وراء أحد بعد رسول الله أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى، يعني عمر بن عبد العزيز ...)
[ حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان ]. عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثني أبي ]. وهو مثله صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن وهب بن مانوس ]. وهب بن مانوس مستور، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ قال: سمعت سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث في إسناده هذا الرجل المستور، والمستور يساوي مجهول الحال، فالحديث إذاً لا يصح من هذه الطريق.

وجه اختلاف ابن رافع وابن صالح في التصريح بالسماع والعنعنة

[ قال أبو داود : قال أحمد بن صالح : قلت له: مانوس أو مابوس ؟ قال: أما عبد الرزاق فيقول: مابوس وأما حفظي فمانوس ، وهذا لفظ ابن رافع ، قال أحمد : عن سعيد بن جبير عن أنس بن مالك ]. ذكر أبو داود هنا شيئين: أحدهما: أنه قيل لابن رافع : مابوس أو مانوس ؟ أي: هل هو بالباء أو بالنون؟ فقال: إن عبد الرزاق يقول: مابوس بالباء، والذي أحفظ أنه مانوس . الأمر الثاني: أن هذا لفظ ابن رافع . أي أن محمد بن رافع يقول: إن وهب بن مانوس يقول: سمعت سعيد بن جبير قال: سمعت أنس بن مالك ، فهذا اللفظ فيه ذكر سماع وهب بن مانوس من سعيد بن جبير وسماع سعيد بن جبير من أنس، فهذا هو لفظ ابن رافع ، وأما لفظ الشيخ الثاني وهو أحمد بن صالح فهو يقول: وهب بن مانوس عن سعيد بن جبير عن أنس ، أي: أنه عبر بالعنعنة. فهذا فيه بيان الفرق بين لفظي الشيخين، وليس المقصود بيان أن هناك تدليساً أو نحوه، بل المقصود هو بيان التعبير الذي عبر به كل من الشيخين.

أعضاء السجود



شرح حديث: (أمر نبيكم أن يُسجد على سبعة، ولا يكف شعراً ولا ثوباً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: أعضاء السجود. حدثنا مسدد و سليمان بن حرب قالا: حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت، قال حماد : أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يُسجد على سبعة، ولا يكف شعراً ولا ثوباً) ]. أورد أبو داود هذا الترجمة وهي: [ أعضاء السجود ] أي: الأعضاء التي يسجد عليها وتتصل بالأرض من الساجد عندما يصلي، والمقصود هو بيان الأعضاء التي يكون السجود عليها، وهي سبعة كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الوجه وفيه الجبهة والأنف، واليدان، والركبتان، وأطراف القدمين، فهذه هي السبعة الأعضاء التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يسجد عليها. وكما أسلفت أن المساجد إنما أطلق عليها مساجد لأن حالة السجود هي الحالة التي يكون فيها التمكن من الأرض، فأكثر أجزاء وأعضاء الإنسان إنما تتصل بالأرض في حال سجوده؛ فالإنسان إذا كان قائماً لا تكون إلا رجلاه على الأرض، وإذا كان راكعاً لا تكون إلا رجلاه على الأرض، وإذا كان جالساً كانت ركبتاه وقدماه على الأرض، وأما في حال سجوده فإن أكثر الأعضاء تكون على الأرض، بل إن أشرف شيء في الإنسان وهو وجهه يعفره بالتراب؛ ذلاً وخضوعاً لله سبحانه وتعالى، ولهذا قيل لأماكن العبادة وبيوت الله: مساجد، ولم يقل: مراكع ولا مواقف ولا مجالس، فمراكع نسبة للركوع، ومواقف نسبة للوقوف، ومجالس نسبة للجلوس، وإنما قيل لها: مساجد؛ نسبة للسجود عليها. فالمقصود بالترجمة بيان أعضاء السجود السبعة. وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت، وقال حماد : أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم)، وهذا فيه إشكال؛ لأن الطريق واحد، فلو كان أحد الشيخين هو الذي قال: أمرت، والثاني قال: أمر نبيكم، لكان مستقيماً، كما في الحديث الذي سبق أن محمد بن رافع قال كذا، و أحمد بن صالح قال كذا، فكل واحد منهما عبر بعبارة، وأما أن يأتي الإسناد من طريق واحد ثم يقول فلان كذا وقال فلان كذا، فهذا فيه إشكال، لكن المزي يقول: في رواية أبي الطيب الأشناني عن أبي داود عن مسدد عن سفيان و حماد بن زيد ، فقد يكون التعبير بأمرت لسفيان ، لكن الرواية التي معنا ليس فيها إلا حماد بن زيد فالإشكال قائم، ولعل الأمر كما ذكر من أن هناك شخصاً آخر في درجة حماد بن زيد وهو الذي جاء عنه لفظة: (أمرت)، وأما حماد بن زيد فقال: (أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم). والنتيجة واحدة؛ لأن قوله: (أمرت) أو: (أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم) هما بمعنى واحد. قوله: [ (أمر نبيكم أن يسجد على سبعة) ] يعني: سبعة أعضاء، وهذه الأعضاء جاء بيانها في بعض الأحاديث. قوله: [ (ولا يكف شعراً ولا ثوباً) ]، أي: أنه يجعل الشعر مسترسلاً، وكذلك لا يكف قميصه بأن يرفعه ويشمره، ولا أن يكف كميه، وإنما يترك ثيابه على ما هي عليه بالنسبة للقميص، لكن هذا لا يعني أن الإنسان إذا كان عليه إزار ورداء أنه يترك الرداء مسترسلاً؛ لأن هذا هو الذي فسر به السدل في الثياب الذي نهي عنه في الصلاة، فالإنسان إذا كان عليه رداء وكانت أطرافه متدلية فإنه إذا ركع يسقط، لكن إذا كفه وجعله على كتفه الأيسر فإن ذلك يكون أدعى إلى كونه يبقى. فالمقصود بكف الثياب: أن الإنسان لا يشمرها، ولا يكف كميه، وكذلك لا يرفع شعره ويكفه إلى الوراء، بل ينزل ما استرسل منه يسجد معه كما يسجد هو، فهذا هو المقصود من الحديث. وقيل: إن هذا الفعل قد يكون من فعل أهل التكبر. وأما الشماغ فليس له حكم الشعر، فإذا نزل لا يقال: إنه يكفه؛ لأنه لا يخشى من السقوط، ولو سقط لا يؤثر، ولأن المحذور في عدم ستر العاتقين بالرداء، فلابد من ستر العاتقين أو ستر أحدهما كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي ينبغي أن يترك العمامة أو الشماغ وما إلى ذلك، ولكن لو رده ما يقال: إنه كفته؛ لأن هذه مثل: المشلح ونحوه؛ ولأن مثل هذا يشوش عليه في جذبه وتجميعه وما إلى ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث: (أمر نبيكم أن يسجد على سبعة، ولا يكف شعراً ولا ثوباً)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قالا: حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد بن درهم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن دينار ]. هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن طاوس ]. هو طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حكم الصلاة على الجبهة دون الأنف


نرى كثيراً من المصلين إذا سجد يعتمد على الجبهة، فنقول: لا يجوز أن يعتمد على الجبهة؛ لأنه لو اعتمد على الجبهة، فمعناه أنه اعتمد على مقدم الجبهة فيرتفع أنفه وهذا لا يجوز، بل يجب أن يسجد عليهما؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الأحاديث ذكر أعضاء السجود فذكر الجبهة وأشار إلى أنفه، أي: أنه يسجد على الجبهة مع الأنف، ولا شك أنه إذا سجد على الجبهة كلها فإن الأنف يسجد معه، وإنما يرتفع الأنف إذا لم يسجد على الجبهة كلها، وأما لو مكن الجبهة فلابد أن يكون الأنف في الأرض. ولا نقول له: أعد الصلاة، لكن نقول له: لا تفعل هذا في المستقبل.

شرح طريق أخرى لحديث: (أمر نبيكم أن يسجد على سبعة )


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أمرت، وربما قال: أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة آراب) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى، قال: (أمرت، وربما قال: أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة آراب) يعني: أعضاء فهي جمع إرب، والسبعة الأعضاء هي: الوجه والكفان والركبتان وأطراف القدمين. قوله هنا: [ (أمرت، أو أمر نبيكم) ] فيه شك، أي: أنه قال كذا، أو قال كذا.

تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث: (أمر نبيكم أن يسجد على سبعة )


قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس ]. وقد مر ذكرهم.

شرح حديث: (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه وكفه وركبتاه وقدماه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر -يعني: ابن مضر - عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه) ]. حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه هذا فيه تفصيل هذه الآراب والأعضاء التي جاءت مجملة في الحديثين المتقدمين من طريق ابن عباس رضي الله عنهما، فقد فسرها وبينها وأنها: الوجه، والوجه فيه شيئان: الجبهة، والأنف، واليدان، والركبتان والقدمان، أي: أطراف القدمين، فينصب قدميه وتكون أصابعها موجهة إلى القبلة، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فيمكن هذه الأعضاء السبعة من الأرض.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه)


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا بكر يعني: ابن مضر ]. بكر بن مضر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن ابن الهاد ]. هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم ]. هو محمد بن إبراهيم التيمي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عامر بن سعد ]. هو عامر بن سعد بن أبي وقاص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن العباس بن عبد المطلب ]. العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل -يعني: ابن إبراهيم - عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما رفعه قال: (إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما) ]. حديث ابن عمر رضي الله عنهما هذا فيه أن اليدين من أعضاء السجود، وكذلك الوجه، وهذا الحديث ذُكر فيه ثلاثة أعضاء من سبعة أعضاء، وهي الوجه واليدان، وهذه من أعضاء السجود، فالإنسان يسجد على وجهه ويديه كما يسجد على ركبتيه وقدميه.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما)


قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل يعني: ابن إبراهيم ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المشهور بابن علية وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ عن ابن عمر رفعه ]. كلمة [رفعه] هي بمعنى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو ينمي به إلى النبي يعني: يبلغ به النبي، وكل هذه من الصيغ الرفع.

ما جاء في الرجل يدرك الإمام ساجداً كيف يصنع؟



شرح حديث: (إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في الرجل يدرك الإمام ساجداً كيف يصنع؟ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس أن سعيد بن الحكم حدثهم: أخبرنا نافع بن يزيد حدثني يحيى بن أبي سليمان عن زيد بن أبي العتاب و ابن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ باب: في الرجل يدرك الإمام ساجداً كيف يصنع؟ ] يعني: أن الإنسان لا يترك الائتمام بالإمام إن أدركه في السجود، وإنما يدخل معه، ولكنه لا يعتد بتلك الركعة، فإذا قام يقضي ركعة كاملة؛ لأن السجود لا تدرك به الركعة. والمقصود أنه يسجد مع الإمام إذا أدركه في السجود. وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً)، فهذا يدل على أن الإنسان يدخل مع الإمام في الصلاة؛ لأنه إذا دخل مع الإمام في الصلاة فهو في عمل خير وهو الصلاة، وإن لم يدخل معه لا يقال: إنه في صلاة، وقد جاء في بعض الأحاديث: (إنه في صلاة ما انتظر الصلاة) أي: أن الإنسان إذا كان ينتظر الصلاة فهو في صلاة، فإذا دخل مع الإمام وهو في السجود فقد دخل معه في صلاته، فهذه الأفعال والحركات يثاب عليها وإن لم يكن معتداً بها؛ لأنها أقل من ركعة، فهو مسبوق يأتي بتلك الركعة التي لم يدرك إلا سجودها. قوله: [ (ومن أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) ] يدل على أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة التي يعتد بشيء منها، وأما من لم يدرك الركعة وإنما أدرك بعضها فيكون قد أدرك الأجر، وإذا جاء في الركعة الأخيرة بعد الركوع فإنه يكون قد أدرك فضل الجماعة، ولكن لم يدرك شيئاً يعتد به، وعليه إذا قام أن يقضي، ومن العلماء من قال: إن إدراك الركوع ليس إدراكاً للركعة، بل لابد من إدراك قراءة الفاتحة، ولكن جمهور العلماء على أن إدراك الركوع إدراك للركعة، ويستدلون على ذلك بحديث أبي بكرة حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد)، فاعتبر صلاته ولم يأمره بأن يعيد، وإنما نهاه أن يعود إلى الهيئة التي فعلها وهي الركوع دون الصف، وإنما يمشي حتى يصل إلى الصف ثم يركع. وعلى هذا: من أدرك الإمام ساجداً فلا ينتظره حتى يأتي بالركعة التي بعدها، وإنما يدخل في الصلاة ويسجد معه، ويكون بحركاته وسكناته قد فعل تلك العبادة التي يؤجر عليها، ولكنه لا يَعتد بها، ولهذا قال: (لا تعدوها شيئاً).

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً...)


قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي النيسابوري ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ أن سعيد بن الحكم ]. سعيد بن الحكم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا نافع بن يزيد ]. نافع بن يزيد ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثني يحيى بن أبي سليمان ]. يحيى بن أبي سليمان ليِّن الحديث، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن زيد بن أبي العتاب ]. زيد بن أبي العتاب ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و ابن المقبري ]. ابن المقبري يحتمل أن يكون سعيد بن أبي سعيد الابن، ويحتمل أن يكون الأب، وكل منهما روى عن أبي هريرة ، وكل منهما ثقة، وكل منهما أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مر ذكره. والحديث في إسناده يحيى بن أبي سليمان وفيه كلام، وقد صحح هذا الحديث الشيخ الألباني؛ فقد جاءت أحاديث أخرى تدل على معناه: أن من جاء والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام."




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #219  
قديم 28-06-2024, 10:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [115]
الحلقة (146)



شرح سنن أبي داود [115]

شرعت الصلاة بهيئة وحركات معينة على المسلم أن يلتزم بها، فإن أخل بها فقد أخل بصلاته، ومن ذلك هيئة السجود؛ فإن السجود يكون على سبعة أعضاء مع انفراج بين البطن والفخذين، وبين الفخذين والساقين؛ فيجب على المسلم أن يتعلم كيف يصلي؛ حتى لا تكون صلاته ناقصة أو باطلة.

السجود على الأنف والجبهة



شرح حديث (أن رسول الله رئي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين من صلاة صلاها بالناس)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: السجود على الأنف والجبهة. حدثنا ابن المثنى حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رئي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين من صلاة صلاها بالناس) ]. أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب السجود على الجبهة والأنف، أي: أن السجود على الجبهة والأنف أحد الأعضاء السبعة التي يكون السجود عليها، وقد سبق أن مرت الأحاديث التي فيها ذكر الأعضاء السبعة، وهي: الجبهة والأنف واليدان والركبتان وأطراف القدمين. هذه هي أعضاء السجود. وهذه الترجمة معقودة لواحد من هذه الأعضاء وهو الجبهة والأنف، وفيها أنه يجمع بينهما ولا يكتفى بأحدهما عن الآخر، بل لابد وأن يمكن جبهته من الأرض ويكون أنفه ساجداً معها، أما إذا سجد على أعلى جبهته وعلى مقدمة رأسه فإنه يرتفع الأنف عن الأرض وهذا لا يسوغ، بل الواجب هو تمكين الجبهة كلها ويكون الأنف معها على الأرض ساجداً لله عز وجل. وأورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين) وكان ذلك في ليلة واحد وعشرين من شهر رمضان، وكان قد أخبر أنه رأى ليلة القدر، وأنه يسجد في صبيحتها على ماء وطين، فنزلت السماء، وخر السقف، وابتل مكان مصلاه صلى الله عليه وسلم، فكان يسجد في الماء والطين، ورؤي على جبهته وأنفه أثر الماء والطين. فهذا الحديث هو الذي فيه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه الفجر في ليلة من ليالي رمضان، وكانت هي ليلة واحد وعشرين، ورؤي على جبهته وأنفه أثر الماء والطين، فدل هذا على أن الأنف والجبهة يسجد عليهما جميعاً، وأنه لا يسجد على واحد منهما، فلا يسجد الإنسان على أنفه ويرفع جبهته أو يسجد على جبهته ويرفع أنفه، وإنما يسجد عليهما جميعاً.

تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله رئي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين من صلاة صلاها بالناس)


قوله: [ حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب الزمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا صفوان بن عيسى ]. صفوان بن عيسى ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان ، مشهور بكنيته أبي سعيد ، وبنسبه الخدري، وهو صحابي جليل مشهور، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. و يحيى بن أبي كثير اليمامي هذا الذي جاء في الإسناد هو الذي روى عنه مسلم بإسناده إليه في صحيحه أنه قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم.

طريق أخرى لحديث (أن رسول الله رئي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين من صلاة صلاها بالناس) وتراجم رجال إسنادها


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الرزاق عن معمر نحوه ]. يعني: نحو الحديث المتقدم بالإسناد. [ حدثنا محمد بن يحيى ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [حدثنا عبد الرزاق ]. هو ابن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن معمر ]. معمر قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.

صفة السجود


شرح حديث (وصف لنا البراء فوضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته وقال: هكذا كان رسول الله يسجد)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صفة السجود. حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة حدثنا شريك عن أبي إسحاق قال: (وصف لنا البراء بن عازب رضي الله عنهما، فوضع يديه واعتمد على ركبتيه، ورفع عجيزته وقال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب صفة السجود، يعني: كون الإنسان يسجد معتدلاً، لا يكون شاقاً على نفسه، حتى كأنه يريد أن يمتد وأن ينبطح على بطنه من شدة مباعدته فيما بين مقدمه ومؤخره، وإنما عليه أن يتوسط، فلا يكون بعضه راكباً على بعض كهيئة الكسلان، الذي يلصق بطنه بفخذه وفخذه بعقبه، وإنما يكون على اعتدال وتوسط، بحيث يمكن جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وأطراف قدميه، ويكون متوسطاً، ولا يباعد بين أجزائه كأن يكون مقدمه بعيداً عن مؤخره، أو رأسه بعيداً عن رجليه؛ بسبب امتداده ومبالغته، وليس على هيئة السجود المشروع الذي هو الاعتدال والتوسط في الأمور. وقد أورد أبو داود حديث: (ويجافي عضديه عن جنبيه) كما سيأتي، بحيث يكون الاعتماد على اليد، لا على الفخذ، ويكون مجافياً عضديه عن جنبيه معتمداً على يديه، هذه هي صفة السجود. وأورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله عنه من طريق أبي إسحاق قال: (وصف لنا البراء بن عازب رضي الله عنهما، فوضع يديه واعتمد على ركبتيه، ورفع عجيزته وقال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد). يعني: وضع يديه واعتمد على ركبتيه بحيث يكون كل جسمه معتمداً على ركبتيه وليس على ساقيه، واعتمد على يديه لا على ذراعيه، بخلاف من يلصق بطنه بفخذه وفخذه بساقه، فإن جسم الإنسان يكون معتمداً على الساق، والصحيح أنه يكون نازلاً على الركبتين، ويرفع عجيزته، أي: مؤخره، ولا يكون هناك مبالغة حتى كأنه يريد أن ينبطح على بطنه. وقد جاء في صحيح البخاري عن أحد الصحابة أنه أنكر على شخص فقال: ( لا تكن من الناس الذين يسجدون على عوراتهم ) يعني: يلم بعضه على بعض حتى يكون كأنه ملتصق بالأرض، ويكون مؤخره قريباً من مقدمه، وإنما يكون مؤخره مرتفعاًَ، ولا يكون بهذه الطريقة التي فيها المبالغة، وهي أن الإنسان يمتد ويتقدم على الناس بسبب امتداده.

تراجم رجال إسناد حديث (وصف لنا البراء فوضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته وقال: هكذا كان رسول الله يسجد)


قوله: [ حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة ]. الربيع بن نافع أبو توبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً وتغير بعد أن ولي القضاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وصف لنا البراء بن عازب ]. البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (اعتدلوا في السجود ولا يفترش أحدكم ذراعيه افتراش الكلب)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اعتدلوا في السجود، ولا يفترش أحدكم ذراعيه افتراش الكلب) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اعتدلوا في السجود، ولا يفترش أحدكم ذراعيه افتراش الكلب). قوله: [ (اعتدلوا في السجود) ] يعني: توسطوا فيه، بحيث يسجد الإنسان على أعضائه السبعة، ويمكنها، ويعتمد على ركبتيه وعلى يديه، وكل عضو يأخذ حقه من السجود، لا أن يكون على هيئة الكسول الذي يلصق بالأرض مقدمه ومؤخره، فيفرش ذراعيه ويعتمد على ساقيه، فإن هذه هيئة لا تسوغ، وإنما السائغ والمطلوب هو التوسط والاعتدال بين هيئة الكسل والخمول، وهيئة المبالغة والغلو والزيادة، التي تكون المسافة فيها بين مقدمه ومؤخره بعيدة جداً. ومن صفات الكلب أنه يضع ذراعه كله على الأرض، وهذه الصفة منهي عنها، وإنما المشروع هو الاعتماد على اليدين، ورفع الذراعين والمرفقين مع المجافاة، بحيث إنه لا يعتمد بعضده على جنبيه وبذراعيه على فخذيه وبفخذيه على ساقيه، وإنما يجافي بينها، فيجافي بين الفخذ والساق بحيث يرفع هذا عن هذا، وكذلك الذراع يؤخرها عن الفخذ لا يعتمد عليها، وكذلك العضدان يجافيهما عن الجنبين.

تراجم رجال إسناد حديث (اعتدلوا في السجود ولا يفترش أحدكم ذراعيه افتراش الكلب)


قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود؛ لأن مسلم بن إبراهيم الفراهيدي يروي عن شعبة بن الحجاج الواسطي، و شعبة يروي عن قتادة بن دعامة السدوسي البصري، و قتادة يروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (أن النبي كان إذا سجد جافى بين يديه حتى لو أن بهمة أرادت أن تمر تحت يديه مرت)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة حدثنا سفيان عن عبيد الله بن عبد الله عن عمه يزيد بن الأصم عن ميمونة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى بين يديه، حتى لو أن بهمة أرادت أن تمر تحت يديه مرت) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ميمونة، وهو يتعلق بهيئة من هيئات السجود، وهي السجود على اليدين، وأنه يعتمد عليهما ويجافي يديه عن جنبيه، حتى لو أن بهمة من أولاد المعز أو الضأن دخلت تحت يديه لمرت؛ لأنه كان يجافي عضديه عن جنبيه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. فهذا يدلنا على أنه يعتمد على اليدين وأنه يجافى بين العضدين والجنبين.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان إذا سجد جافى بين يديه حتى لو أن بهمة أرادت أن تمر تحت يديه مرت)


قوله: [ حدثنا قتيبة ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عبد الله ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن الأصم، وهو مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ عن عمه يزيد بن الأصم ]. يزيد بن الأصم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ميمونة ]. هي ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (أتيت النبي من خلفه فرأيت بياض إبطيه وهو مجخ قد فرج يديه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن التميمي الذي يحدث بالتفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه، فرأيت بياض إبطيه وهو مجخ قد فرج بين يديه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم من خلفه، فرأيت بياض إبطيه وهو مجخ، قد فرج بين يديه). يعني: فرج بين يديه وجافاهما عن جنبيه وهو ساجد، قيل: إنه كان ليس عليه قميص، ولهذا تمكن ابن عباس من رؤية إبطيه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (وهو مجخ) ]. يعني: قد رفع مؤخره. قوله: [ (قد فرج بين يديه) ]. يعني: لم يلصقهما ببطنه، بل أبعدهما وفرقهما عن جسده.

تراجم رجال إسناد حديث (أتيت النبي من خلفه فرأيت بياض إبطيه وهو مجخ قد فرج يديه)


قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، اخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية، وهو ثقة إلا أن سماعه عن أبي إسحاق بآخره، لكن ما ورد في هذا الحديث قد جاء في غيره، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو إسحاق ]. أبو إسحاق السبيعي مر ذكره. [ عن التميمي الذي يحدث بالتفسير ]. التميمي اسمه أربدة، وهو صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (أن رسول الله كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتى نأوي له)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عباد بن راشد حدثنا الحسن حدثنا أحمر بن جزء صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتى نأوي له) ]. أورد أبو داود حديث أحمر بن جزء رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه، حتى نأوي له) يعني: حتى نشفق عليه من كونه يعتمد على يديه ويطول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه السجود، لاسيما في صلاة الليل، فنشفق عليه من هذه الهيئة التي فيها مشقة مع طول السجود.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتى نأوي له)


قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عباد بن راشد ]. مسلم بن إبراهيم مر ذكره. و عباد بن راشد صدوق له أوهام، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أحمر بن جزء ]. أحمر بن جزء رضي الله عنه صحابي، وله هذا الحديث الواحد عند أبي داود ، ولم يرو عنه إلا الحسن ، وروى له أبو داود و ابن ماجة .

شرح حديث (إذا سجد أحدكم فلا يفترش يديه افتراش الكلب وليضم فخذيه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثنا ابن وهب حدثنا الليث عن دراج عن ابن حجيرة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سجد أحدكم فلا يفترش يديه افتراش الكلب، وليضم فخذيه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سجد أحدكم فلا يفترش يديه افتراش الكلب، وليضم فخذيه) يعني: أنه لا يباعد بينهما، وافتراش الكلب سبق أن مر ذكر صفته، وهو أنه يضع ذراعيه مع كفيه، فهذه هيئة افتراش الكلب، لكن المصلي عليه أن يضع كفيه على الأرض ويرفع يديه ويجافي بينهما.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا سجد أحدكم فلا يفترش يديه افتراش الكلب وليضم فخذيه)


قوله: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث ]. عبد الملك بن شعيب بن الليث ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن دراج ]. هو دراج أبو السمح، وهو صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن ابن حجيرة ]. هو عبد الرحمن بن حجيرة، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه قد مر ذكره.

ما جاء في الرخصة بعدم الانفراج في السجود


شرح حديث (اشتكى أصحاب النبي إلى النبي مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرخصة في ذلك للضرورة. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (اشتكى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا، فقال: استعينوا بالركب) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب الرخصة في ذلك للضرورة، أي: الرخصة في كون الإنسان يضع ذراعيه أو مرفقيه على فخذيه إذا احتاج إلى ذلك، ويترك المجافاة إذا أطال في السجود، لاسيما في صلاة الليل التي يطول فيها السجود، فإن الإنسان إذا استمر واضعاً يديه معتمداً عليها مجافياً بين عضديه عن جنبيه تحصل له مشقة. وقد مر في الحديث: (أنه كان يجافي حتى نأوي له) يعني: حتى نشفق عليه، فكذلك هنا إذا كان هناك مضرة أو هناك ضرورة تجعل الإنسان يعتمد على فخذيه لا بأس بذلك. قوله: [ (استعينوا بالركب) ]. يعني: إذا كانت اليدان ثابتتين على الأرض باستمرار في السجود مع المجافاة وشق ذلك عليهم، فلهم عند ذلك أن يعتمدوا على ركبهم وعلى أفخاذهم بأذرعتهم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #220  
قديم 28-06-2024, 10:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


تراجم رجال إسناد حديث (اشتكى أصحاب النبي إلى النبي مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا...)


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. وهو الذي قيل في ترجمته: إن أمه حملت به أربع سنوات. [ عن سمي ]. هو سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. هو أبو صالح ذكوان السمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبي هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره.

حكم التخصر والإقعاء في الصلاة



شرح حديث (صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التخصر والإقعاء. حدثنا هناد بن السري عن وكيع عن سعيد بن زياد عن زياد بن صبيح الحنفي قال: (صليت إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما فوضعت يدي على خاصرتي، فلما صلى قال: هذا الصلب في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في التخصر والإقعاء، وهذه الترجمة فيها ذكر الإقعاء، وليس في الحديث ذكر شيء عن الإقعاء، وقد سبق أن مر في الإقعاء حديث ابن عباس الذي فيه ذكر الجلوس على القدمين بين السجدتين، وأن ذلك سنة، أما إقعاء الكلب الذي صفته أن يضع الإنسان إليته على الأرض، ويعتمد بيديه على الأرض فهذا هو المنهي عنه في مشابهة الكلب، فالكلب لا يشابه لا في الافتراش ولا في الإقعاء. والحديث الذي أورده المصنف هنا هو حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو يتعلق بالتخصر والاختصار، وكون الإنسان يضع يديه على خاصرته يعتمد عليها عند القيام منهياً عنه، والخاصرة هي فوق العظمين اللذين في أعلى الورك. قوله: [ (قال: هذا الصلب في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه) ]. يعني: على هيئة المصلوب الذي يعلق في خشبه ويرفع وتمد يداه عندما يصلب؛ وذلك لأنه يباعد الذراعين: يمينه وشماله، فيكون شبيهاً بهيئة المصلوب، وقد نهانا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان في الصلاة يضع اليد اليمنى على اليسرى على صدره، هذه هي الهيئة المشروعة، وأما كونه يفعل الاختصار هذا فهذا هو الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي ...)

قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن زياد ]. هو سعيد بن زياد الشيباني، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن زياد بن صبيح الحنفي ]. زياد بن صبيح الحنفي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد الصحابة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث وارد في الصحيحين.

البكاء في الصلاة



شرح حديث (رأيت رسول الله يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الكباء في الصلاة. حدثني عبد الرحمن بن محمد بن سلام حدثنا يزيد - يعني ابن هارون - أخبرنا حماد - يعني ابن سلمة - عن ثابت عن مطرف عن أبيه رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء، صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود باب البكاء في الصلاة، يعني: أن كون الإنسان يحصل منه البكاء في الصلاة لا يؤثر على صلاته، لكن شرط أن هذا البكاء هو الذي يكون من غير تكلف. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى) يعني: من البكاء، والرحى عندما يطحن بها يصدر لها صوت. وجاء في بعض الأحاديث: (أزيز كأزيز المرجل) وهو القدر الذي فيه ماء يغلي، فإنه يصدر له صوت. فالحديث دال على حصول البكاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، ودال على أن البكاء في الصلاة لا يؤثر شيئاً، والبكاء المحمود هو الذي يأتي من غير تكلف، وإنما يكون من خشية الله سبحانه وتعالى. كذلك إذا بكى الإمام في الصلاة وبسبب بكائه أبكى فهذا لا يؤثر، مادام أنه ليس فيه تكلف، وهذا مثل المرأة الصحابية التي جاءها بعض الصحابة وزاروها فهيجتهم على البكاء، وجعلتهم يبكون سجية بغير تكلف.

تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء)


قوله: [ حدثني عبد الرحمن بن محمد بن سلام ]. إذا قال الراوي: حدثني؛ فإنه يقصد أنه حدثه وحده وليس معه أحد، وإذا قال: حدثنا؛ فيكون حدثه ومعه غيره، ويحتمل أنه وحده، لكن الغالب أنه يحكي عنه وعن غيره. و عبد الرحمن بن محمد بن سلام لا بأس به، وهي بمعنى: صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد يعني ابن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا حماد يعني ابن سلمة ]. حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف ]. هو مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن الشخير رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن.

كراهية الوسوسة وحديث النفس في الصلاة



شرح حديث (من توضأ فأحسن وضوءه ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية الوسوسة وحديث النفس في الصلاة. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا هشام - يعني ابن سعد - عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ فأحسن وضوءه ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب كراهية الوسوسة وحديث النفس في الصلاة. والمقصود من هذه الترجمة: أن الإنسان يقبل على صلاته، ويستحضر ما هو مطلوب فيها، ويبعد نفسه عن أن تتحدث بشيء من أمور الدنيا، أو من أمور الدين المتعلقة بغير الصلاة، مثل: كون الإنسان يفكر في مسائل العلم وهو يصلي، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا من حديث النفس. فالإنسان عليه أن يقبل على صلاته، ولا يشتغل فيها لا في أمر دنيا ولا في أمر دين. وأورد أبو داود حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما) يعني: لا يحدث نفسه فيهما، بل يكون مقبلاً على صلاته، (غفر له ما تقدم من ذنبه) يعني: أنها تغفر له الصغائر، وأما الكبائر فإنه لا بد فيها من التوبة حتى تغفر، وإنما الذي يغفر بالأعمال الصالحة وبالأعمال الطيبة هي الصغائر، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) يعني: لا بد من اجتناب الكبائر، وأما كون الإنسان يرتكب الكبيرة ولم يتب منها فلا تكفرها تلك الأعمال، وإنما تكفرها التوبة والخوف والندم، والله عز وجل يقول: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31].

تراجم رجال إسناد حديث (من توضأ فأحسن وضوءه ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه)


قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الملك بن عمرو ]. هو أبو عامر العقدي يأتي أحياناً باسمه وأحياناً بكنيته، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام يعني ابن سعد ]. هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن خالد الجهني ]. زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن جبير بن نفير الحضرمي عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة) ]. أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة) يعني: كونه لا يحدث فيهما نفسه، وإنما يكون مقبلاً على صلاته بقلبه وقالبه وباطنه وظاهره، فهو أشار بالوجه للظاهر، وبالقلب للباطن. فإذاً: يكون مقبلاً في صلاته على الله عز وجل، مؤدياً ما هو مطلوب فيها، لا يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا، ولا بأي شاغل يشغله عن أداء الصلاة كما ينبغي. قوله: [ (إلا وجبت له الجنة) ] يعني: هذا جزاؤه. وهذا الحديث هو الذي فيه: أن عقبة بن عامر الجهني قال: (كنا نتناوب رعاية الإبل) يعني: أنهم كانوا يوفقون بين مصالحهم الدنيوية وبين حضورهم مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقي الحديث عنه، فكانوا يجمعون الإبل بعضها إلى بعض، وكل واحد يسرح بها يوماً من الأيام، فإذا كان الواحد منهم عنده خمس من الإبل وواحد عنده ثلاث وواحد عنده أربع فيجمعونها ويتناوبون على رعيها. ثم قال: (فعجلتها بعشي) يعني: بكر في العودة بها، ثم قال: (فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس) فسمعه يحدث بهذا الحديث، ثم قال: (ما أجود هذه! فقال رجل: التي قبلها أجود، فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه) وحدثه بالحديث الذي فيه: (ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقول حين يفرغ من وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت أبواب الجنة الثمانية له يدخل من أيها شاء).

تراجم رجال إسناد حديث (ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما...)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا زيد بن الحباب ]. زيد بن الحباب صدوق يخطئ في حديث الثوري ، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا معاوية بن صالح ]. معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ربيعة بن يزيد ]. ربيعة بن يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إدريس الخولاني ]. أبو إدريس الخولاني اسمه عائذ الله ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جبير بن نفير الحضرمي ]. جبير بن نفير الحضرمي مخضرم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عقبة بن عامر الجهني ]. عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

الفتح على الإمام في الصلاة


شرح حديث (شهدت رسول الله يقرأ في الصلاة فترك شيئاً لم يقرأه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الفتح على الإمام في الصلاة. حدثنا محمد بن العلاء و سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قالا: أخبرنا مروان بن معاوية عن يحيى الكاهلي عن المسور بن يزيد المالكي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يحيى : وربما قال: (شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة، فترك شيئاً لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله! تركت آية كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلا أذكرتنيها؟ قال سليمان في حديثه: قال: كنت أراها نسخت) ]. أورد أبو داود رحمه الله باب الفتح على الإمام في الصلاة، يعني: إذا أخطأ الإمام في القراءة يفتح عليه، حتى يأتي بالشيء الذي تركه أو الذي أخطأ فيه. وإذا حصل منه سهو في الأفعال فإنه يُفتح عليه بأن يُقال: سبحان الله! والنساء تصفق، كما جاء ذلك في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله تعالى تحت هذه الترجمة تتعلق بالفتح في القراءة. وأورد أبو داود حديث المسور بن يزيد المالكي رضي الله عنه أنه قال: (شهدت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة، فترك شيئاً لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله! تركت آية كذا وكذا) ]. يعني: بعد فراغه من الصلاة قال له رجل: تركت آية كذا وكذا، فقال له: (هلا أذكرتنيها؟) يعني: ألا فتحت علي بها؟ قوله: [ (قال سليمان: كنت أراها نسخت) ] يعني: أن ذلك الرجل الذي لم يفتح عليه كان يظن أنها نسخت تلاوتها، والزمن زمن التشريع، فكون النبي صلى الله عليه وسلم تجاوز الآية ظن أنها نسخت وأنها لا تقرأ.

تراجم رجال إسناد حديث (شهدت رسول الله يقرأ في الصلاة فترك شيئاً لم يقرأه...)


قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ]. سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي صدوق يخطئ، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ أخبرنا مروان بن معاوية ]. هو مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى الكاهلي ]. هو يحيى بن كثير الكاهلي، وهو لين الحديث، أخرج له البخاري في جزء القراءة و أبو داود . [ عن المسور بن يزيد المالكي ]. هو المسور بن يزيد الأسدي المالكي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة و أبو داود . والحديث فيه من هو لين الحديث، لكن هناك أحاديث تدل على ما دل عليه. قوله: [ (قال يحيى: وربما قال) ]. يعني: هذا فيه إشكال من ناحية أن الإسناد إنما جاء من طريق واحد، ولم يأت من طريق ثانٍ؛ لأنه لو جاء من طريقين وكان في أحد الطريقين: قال كذا، والآخر: قال في طريقه كذا، لكان مستقيماً، لكنه ما جاء إلا من طريق واحد.

الفرق بين لفظ الشيخ الأول والثاني في صيغ التحديث


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال سليمان قال: حدثنا يحيى بن كثير الأزدي حدثني المسور بن يزيد الأسدي المالكي ]. ذكر أن سليمان -وهو شيخه الثاني- قال: حدثنا يحيى بن كثير الأزدي حدثني المسور بن يزيد الأسدي المالكي ، بينما في الإسناد الأول قال: عن يحيى الكاهلي ، عن المسور بن يزيد الأسدي هذا لفظ الشيخ الأول.

شرح حديث (أن النبي صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبي: أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يزيد بن محمد الدمشقي حدثنا هشام بن إسماعيل حدثنا محمد بن شعيب أخبرنا عبد الله بن العلاء بن زبر عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبي: أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك؟) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر الذي فيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه في القراءة، فلما انصرف قال لأبي : أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك؟) أي: ما منعك أن تفتح علي في هذا الذي حصل لي لبس فيه؟ فهذا يدلنا على مشروعية الفتح على الإمام إذا حصل منه خطأ، لا أنه يترك ولا يفتح عليه، وقد قال بعض أهل العلم: إنه يترك ولا يفتح عليه، لكن الأحاديث الصحيحة وردت في أنه يفتح عليه، ومن ذلك هذان الحديثان اللذان معنا: حديث المسور بن يزيد المالكي ، وحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم. والإسناد جاء ذكره مختلطاً بغيره في الطبعة التي بين أيدينا، وكان من حقه أن يوضع له رقم ويكون في أول السطر؛ لأنه ذكره بعد كلام يتعلق بالحديث السابق، وصار كأنه إسناد طويل، ولكن ذلك خطأ في الطباعة، أو خطأ في الترقيم؛ لأنه أخلي هذا الحديث من الرقم، وأدخل هذا الإسناد للتنبيه على الإسناد الذي يتعلق بالحديث السابق الذي قبله؛ فإنه قال في آخر الحديث الأول: [ وقال سليمان : قال: حدثني يحيى بن كثير الأزدي قال: حدثنا المسور بن يزيد الأسدي المالكي ]. وقوله: [ حدثنا يزيد بن محمد الدمشقي ] هذا أول الإسناد لحديث عبد الله بن عمر ، وأما الذي قبله فهو تابع للحديث الذي قبله؛ لأن المسور بن يزيد المالكي صحابي، وهنا صار كأنه يروي عن شيخ أبي داود ، مع أن ذاك تابع للحديث الأول، وهذا حديث جديد، ومن حقه أن يأتي في أول السطر. فإذاً: قوله: [ حدثنا يزيد بن محمد الدمشقي ] من حقه أن يكون في أول السطر، لأن هذا كلام أبي داود ، و أبو داود هو الذي قال: حدثنا يزيد بن محمد بنفسه.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبي: أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك)


قوله: [ حدثنا يزيد بن محمد الدمشقي ]. يزيد بن محمد الدمشقي صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ حدثنا هشام بن إسماعيل ]. هشام بن إسماعيل ثقة، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا محمد بن شعيب ]. محمد بن شعيب صدوق صحيح الكتاب، أخرج له أصحاب السنن. [ أخبرنا عبد الله بن العلاء بن زبر ]. عبد الله بن العلاء بن زبر ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن سالم بن عبد الله ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عمر و عبد الله عمرو و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس ، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث صححه الألباني في سنن أبي داود .

الأسئلة



حكم مسح ما علق في الجبهة والأنف من الطين في الصلاة


السؤال: هل في حديث سجود النبي صلى الله عليه وسلم على الماء والطين دلالة على أن المصلي لا يمسح ما يعلق في جبهته وأنفه؟


الجواب: ليس في الحديث دلالة على أنه لا يمسح؛ لأنه قال: (رئي على وجهه أثر ماء وطين) فهو لم يمسح وهو مستقبل القبلة؛ لأنه عندما انصرف إليهم رأوه على هذه الهيئة وهذه الحالة، لكن قد يكون مسح بعد ذلك."





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 347.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 341.17 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (1.68%)]