قراءة في ديوان: ملحمة التاريخ - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5012 - عددالزوار : 2138903 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4593 - عددالزوار : 1418434 )           »          بمناسبة ذكرى فتح القسطنطينية- نموذج للفتوحات الإسلامية القائمة على الإخلاص والإعداد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          الإســــراء والمعراج- معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي أعجزت أعداء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          عندما يرحل الأبناء بعيدا تنادي الأم – أحتـاج إلى قُـربَـك يا ولــدي! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          شهـــــر شعبان أحكام وآداب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 46 - عددالزوار : 14845 )           »          قناديل على الدرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 32 - عددالزوار : 8531 )           »          والله لا يؤمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          نصائح مهمة لأبنائنا على أبواب الامتحانات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 20-05-2021, 04:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,880
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة في ديوان: ملحمة التاريخ

وَأَطْبَقُوا فَوْقَهُمْ كَالْجِنِّ قَدْ مَلَؤُوا
كُلَّ الْمَسَالِكِ مِنْ وَادٍ وَمِنْ جَبَلِ

يَسْتَقْبِلُونَ جِنَان الْخُلْدِ فَانْفَرَجَتْ
أَبْوَابُهَا فَرَحًا بِالْمُؤْمِنِ الْبَطَلِ

وَخَلَّفُوا جُثَثَ الْكُفَّارِ هَاوِيَةً
إِلَى الْجَحِيمِ عَلَى وَقْدٍ وَفِي شُعَلِ

للهِ دَرُّ دُدَايِيفٍ وَعُصْبَتِهِ
تَحَصَّنُوا بِدُرُوعِ الْحَقِّ وَالْعِلَلِ

هِيَ الْحَضَارَةُ يَبْنِيهَا غَطَارِفَةٌ
مِنْ فَارِسٍ صَادِقٍ للهِ أَوْ نَبَلِ
ويقصر شاعرنا المقطع الأخير في قُرابة ستة عشر بيتًا على رثاء دُداييف - يرحمه الله - ويبشِّره بجنَّات الخلد إن كان قلبه وعمله خالصًا لله، وهذه سُنَنُ الله في الذين خلَوْا من قبل، ولن تجد لسنَّة الله تبديلاً، ولا تحويلاً:
للهِ دَرُّ دُدَايِيفٍ وَقَدْ رَصَدَتْ
أَعْدَاؤُهُ خَطْوَهُ رَصْدًا عَلَى وَجَلِ

رَمَوْكَ مِنْ مُحْكَمِ الصَّارُوخِ وَاسْتَتَرُوا
سَتْرَ الْجَبَانِ وَسَتْرَ الْعَاجِزِ الوَكِلِ

تَفَجَّرَ الدَّمُ فَاهْنَأْ مِنْ بَشَائِرِهِ
وَانْظُرْ إِلَى الْأُفْقِ تُشْرِقْ زَهْوَةُ الْأَمَلِ

فَاهْنَأْ أَمَامَكَ جَنَّاتٌ مَنَائِرُهَا
لِلْعَائِدِينَ بِصِدْقِ الْقَلْبِ وَالْعَمَلِ

وهنا يقف الشاعر على بعض التفاصيل التي تُصَوِّر الملحمة تصويرًا يُهِيج النفس، ويُحَرِّك مشاعرها النائمة، بل ويحيي العواطف المُتهالِكة، فهو يَعِيش مع الحدث، أو يُحاوِل أن يكون داخِلَه، فيكون البث المباشر، وحرارة الدم لم تزل مُتوَهِّجة، فتزداد حرارة القصيدة، وتبدو الملحمة والدم يَقطُر من حروفها، فتتحرَّك الدماء في العروق؛ ليُصبِح للملحمة الشعريَّة ارتباطها الحقيقي بالملحمة التاريخية، التي أرادَهَا في التأصيل لمعنى الملحمة، وتَزداد القصيدة بَهاءً حين يُحافِظ الشاعر على التزامِه بهذه الشريعة السمحة، التي أنزَلَها الله لتكون شرعته في الأرض، ولا يَقبَل غيرَها من عباده: ï´؟ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ï´¾ [آل عمران: 85].

الفصل الرابع - دم الجزائر فوَّار بساحتها:
وهذه الفقرة الشعرية من ملحمة الشاعر جاءَتْ على بحر البسيط، وقافية الميم المضمومة، مصرعة المطلع:
اصْمُتْ فَمَا عَادَ يُجْدِي عِنْدَهُ الْكَلِمُ
وَلَسْتُ أَدْرِي عَمًى أَعْمَاهُ أَمْ صَمَمُ

كيف لا يقف الشاعر عند أحداث الجزائر، وقد صارت ملحمتها بيد أبنائها، وارتفعَتْ ألهِبَتُها، وطاوَلَت السحاب، والمسلمون يُذبَحون رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخًا، ومَلأَتْ دماؤهم الساحات، وذاقَ الناس هناك مَرارَة الفواجع تَتْرَى في ديارهم، ففَقَدَ الأب أولاده، والزوج زوجه، والابن والديه، والجار جاره، والصاحب صاحبه، وتخلخلت الثقة بين الناس، وصارت المذابح في كلِّ ناحية، أهوال مُرَوِّعة، بعد أن كانت مَوْئِلاً للإخوة والأقارب والأباعد، وسادَهَا الحبُّ ولَذَّة العيش، واطمِئنان الإيمان... ويَتساءَل الشاعر عن مضرم هذه الفتنة المُرَوِّعة من الإجرام الأسود، ويُؤكِّد أنه ما كان إلا من الشياطين التي تدور برأسها الأطماع والنهم:
مَنْ أَضْرَمَ النَّارَ مَنْ غَذَّى اللَّهِيبَ بِهَا
فَعَمَّ مِنْ وَقْدِهَا الْإِجْرَامُ وَالضَّرَمُ

وَمَنْ رَمَى الْفِتْنَةَ السَّوْدَاءَ فَانْطَلَقَتْ
مِنْهَا الفَوَاجِعُ وَالشَّحْنَاءُ وَالْأَضَمُ

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 20-05-2021, 04:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,880
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة في ديوان: ملحمة التاريخ

كُلُّ الشَّيَاطِينِ فِي سَاحَاتِهَا دَلَفَتْ
يَشُدُّهَا الطَّمَعُ الْقَتَّالُ وَالنَّهَمُ
كما يقف الشاعر عند تفاصيل كثيرة في دراسة أسباب الفتنة، والجرائم المُرتَكَبَة، وآثارها القاتلة على المسلمين في كلِّ مكان، ويَخلُص إلى تقديم الحلِّ والنصيحة المُرتَكِزة على شريعة الله - سبحانه - والخالِصَة لوجهه - سبحانه وتعالى -:
عُودُوا إِلَى اللهِ لاَ مَنْجَى لَنَا أَبَدًا
إِلاَّ إِلَيْهِ وَشَرْعُ اللهِ فَالْتَزِمُوا

عُودُوا إِلَى اللهِ صَفًّا لاَ يُمَزِّقُهُ
حِقْدٌ عَلَى جَمْرَةِ الْأَهْوَاءِ يَرْتَكِمُ

وَأَطْلِقُوا النُّورَ فِي الظَّلْمَاءِ نُورَ هُدًى
لِيَجْمَعَ النَّاسَ أَمْنُ الْحَقِّ وَالسَّلَمُ

أمَّا الفصل الخامس، والذي كان عن مجزرة قانا في لبنان، والتي ارتكبَتْها عصابات الصهاينة، بأعتى قوَّة حربيَّة امتلَكَها الإنسان عبر التاريخ، بعد أن كان لبنان تاجًا للحياة عبر التاريخ، بما أبدى فيه الفاتِحُون من أخلاق، ورقيِّ التعامل، والتطبيق لشريعة الله - سبحانه وتعالى - ونظَمَ شاعِرُنا هذا الجزء من الملحمة على بحر الكامل وقافية الراء المكسورة:
قَدْ كُنْتِ يَا لِبْنَانُ سَاحَةَ أُمَّةٍ
مَوْصُولَةٍ وَعُرًى وَصِدْقَ ذِمَارِ

ويتحدَّث عن ظنونه في الأُمَمِ المتَّحدة أو القانون الدولي، لكنَّه يُؤَكِّد أن هذه الجرائم ما كانت لتُرتَكب لولا المذلَّة التي يَعِيشها المسلمون اليوم، ببُعْدِهم عن دينهم، وتركهم سبل النصر التي اختَطَّها الله - سبحانه وتعالى - لهم:
قَانَا حَسِبْتُكِ فِي الدِّيَارِ مَصُونَةً
بِالْعَهْدِ مِنْ أُمَمٍ وَمِنْ أَقَطَارِ

غَابَ النِّظَامُ وَلَمَّ زَيْفَ شِعَارِهِ
وَرَمَى بِكَيْدٍ صَارِخٍ مَكَّارِ

هَلْ تَغْفِرِينِ لِأُمَّةٍ نَامَتْ عَلَى
ذُلٍّ وَأَغْفَتْ فِي مَتَاهَةِ عَارِ

ويمشي الشاعر مع مجزرة قانا ببعض التفاصيل، التي يُحاوِل من خلالها بَيان بَشاعة الإجرام الذي ارتكَبَه الصهاينة، وكيف تَنادَى القوم لنجدتها بعد أن كان الرَّدَى قد حطَّ فيها من كلِّ ناحِيَة، وبقسوة لم تعهَدْها البشرية، فهل من مُغِيث؟! لكن الأيام دُوَلٌ، وستزحف الجموع غدًا لرفع رايَة الإسلام، وقهر الطغيان:
هُرِعُوا وَقَدْ أَهْوَى الْجَحِيمُ عَلَيْهِمُ
هَوْلاً يَمُورُ بِهِمْ وَضِيقُ حِصَارِ

طَلَعَ الْيَهُودُ عَلَيْكِ فِي حَوَّامَةٍ
مَجْنُونَةٍ تَهْوِي وَفِي إِعْصَارِ

جَمَعُوا مِنَ التَّارِيخِ كُلَّ جَرِيمَةٍ
عُرِفَتْ وَكُلَّ خَدِيعَةٍ وَشَنَارِ

قُولُوا لِبِيرِيزَ اللَّيَالِي دَوْلَةٌ
مَهْلاً سَيَعْقُبُهَا جَلاَءُ نَهَارِ

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 20-05-2021, 04:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,880
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة في ديوان: ملحمة التاريخ


فَغَدًا تَرَى زَحْفًا يَهُولُكَ مُقْبِلاً
بِالْحَقِّ تُشْرِقُ طَلْعَةُ الْأَبْرَارِ
وقدرة الشاعر على الرَّبْطِ بين كلِّ المآسي، وما أشبهها في فلسطين، تُبيِّن مَدَى ما تعيش هذه المآسي في قلبه، وليس عجيبًا ما لاقاه هذا القلب، فقد أخبر شاعر الحكماء أنه:
وَإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ كِبَارًا
تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الْأَجْسَامُ

وقانا ذاقَتْ شيئًا ممَّا تعوَّدت مُخَيَّمات فلسطين على طعمه، فمَجازِر صبرا وشاتيلا، وقبلهما دير ياسين، وغيرها من مواقع المَجازِر التي لا يُفارِق مُرُّها حُلوقَ المسلمين في فلسطين، غُصَص فوقها غُصَص، فكأنَّما تكسَّرت النِّصال على النِّصال، لكن وإن كان البلاء بهذه المَجازِر قد عمَّ جموع المسلمين في القُرَى والمدن والمُخَيَّمات كلها، فإن الفجر قادِمٌ - إن شاء الله - وسيخرج من بين هذه الأشلاء طوفان من الأحرار مُتَلاحِقة، ستُعِيد للإسلام نضارته:
غُصَصٌ تُرَجِّعُهَا رُبَا الْأَقْصَى لَهَا
لِتُعِيدَ مَا فِي الدَّارِ مِنْ أَخْبَارِ

فِي دِيرِ يَاسِينٍ حَدِيثٌ مُفْجِعٌ
يُرْثِي وَيَدْفَعُ غَضْبَةً لِلثَّارِ

وَحَنِينُ قبْيَةَ لِلنِّزَالِ كَأَنَّهُ
مَلأَ الزَّمَانَ بِلَيْلِهِ وَنَهَارِ

وَرُبَا الْخَلِيلِ فَلَمْ تَزَلْ أَيَّامُهَا
فَجْرًا مُدَمًّى مُشْرِقَ الْأَنْوَارِ

قَانَا رُوَيْدَكِ فَالْمَيَادِينُ ارْتَوَتْ
أَفَلاَ تَرَيْنَ مَطَالِعَ النَّوَّارِ

فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ جِنَانٌ فُتِّحَتْ
وَعَزَائِمٌ نَهَضَتْ وَصِدْقُ نِفَارِ

مَا بَيْنَ أَشْلاَءٍ وَبَيْنَ جَمَاجِمٍ
وَثَبَاتِ أَحْرَارٍ إِلَى أَحْرَارِ

ويظهر جليًّا مدى التأثير الذي يعيش في قلب الشاعر، وحرارة الموقف، ومدى الترابُط بين المَجازِر في ذاكرته، حتى كأنَّه يعيش الحدث لحظةَ وقوعِه، فهَنِيئًا له هذا التفاعُل مع الأحداث، وهَنِيئًا للأمَّة هذا التذكير والحث على الوثوب لملاقاة هذا الطغيان الظالم، وتخليص البشرية منه، وإلى الأبد - إن شاء الله.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 20-05-2021, 04:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,880
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة في ديوان: ملحمة التاريخ

قراءة في ديوان: ملحمة التاريخ


د. أمين سليمان الستيتي



وجعَلَ الفصل السادس: كوسوفا: وتابَعَ نهجه في الحديث عن المأساة، والحقد الدَّفِين في صدور الكافرين، وكيف يتستَّرون بزيف شعارات الدين، ويُخْفُون أطماعهم الظاهرة البيِّنة، ويُمارِسون جَرائمهم كلَّها مُتَحدِّين التعاليم الإنسانية والدينية كلها، لكن شاعرنا الدكتور عدنان النحوي لا يرى إلا الأمل القادم، فيُوصِي بالصبر، والوفاء بحق الله، وانتظار تحقيق وعده - سبحانه وتعالى - ويَربِط مَآسِيها بفلسطين كما اعتاد، لكنَّه لا ينسى بقِيَّة المآسِي في عالَم المسلمين اليوم، من الصومال إلى الجزائر وكشمير، ولا يَحتَار الشاعر؛ فحيثما مَدَّ بصره تُلاقِيه المآسي بارِزَةَ الأنياب، غير باسِمَةٍ، فالمطلع المصرع قوله:
لَآلِئُ فِي السُّفُوحِ وَفِي الجِبَالِ
وَطَيْفُكِ مِنْ جَمَالِكِ وَالْجَلاَلِ

مُرورًا بكلِّ ما وصف من المآسي الكوسفية، ووصولاً إلى خاتمته التي فيها وصاياها والعِبَر في قوله:
رُوَيْدَكِ يَا دِيَارَ البُسْنِ صَبْرًا
رُوَيْدَكِ كُوسُفَا فَالْحَقُّ غَالِ

رُوَيْدَكِ يَا "فِلَسْطِينُ" اسْتَعِدِّي
وَيَا كَشْمِيرُ شُدِّي فِي النِّضَالِ

وَيَا صُومَالُ لُمِّي مِنْ صِرَاعٍ
أَصَابَكِ مِنْهُ أَلْوَانُ الْهُزَالِ

وَيَا دَارَ الْجَزَائِرِ كَمْ بَلاَءٍ
أَصَبْتِ بِهِ وَكَمْ مَرَضٍ عُضَالِ

دِيَارُ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ أَضْحَتْ
مُمَزَّقَةً بِهَوْنٍ وَاعْتِلاَلِ

فَلُمُّوا مِنْ صُفُوفِكُمُ جَمِيعًا
عَلَى حَقٍّ أَشَدَّ مِنَ الْجِبَالِ

ولا يفوت الشاعر أن يُؤَكِّد أن النصر لا يكون إلا على يد التُّقَاة من أبناء هذه الأمَّة، الذين ينتمون إلى مدرسة الإيمان، ويُطَبِّقون الشريعة السمحة كما نزلت على محمد - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في قوله:
وَمِنْ عَزْمِ التُّقَاةِ إِذَا أَنَابُوا
عَلَى سَاحِ الشَّهَادَةِ وَالنِّزَالِ

ويعود إلى أفغانستان التي يقول عنها الكثيرون: إنها مقبرة الغُزَاة؛ لما في شعبها من قوة إيمان وانتماء إلى هذه الشريعة السمحة، واعتزاز بديارهم التي منَّ الله - سبحانه وتعالى - عليها بكثيرٍ من الخير والبركة؛ في طبيعتها وإنتاجها وتكوينها، فكم فيها من الشهداء والعلماء ورجالات الأمَّة عبر التاريخ، فما بالها قد عدت عليها العادِيَات بدهكل؟ في قصيدةٍ شكَّلت مرحلةً من ملحمة الشاعر، صاغَهَا على بحر الكامل، في عشرين بيتًا، قال فيها:
أَفْغَانُ يَا أَمَلَ الْقُلُوبِ تَطَلَّعَتْ
لِرُبَاكِ فِي شَوْقٍ وَعِزَّةِ مَأْمَلِ

مَا بَالُهُمْ أَضْحَوْا هُنَالِكَ وَيْحَهُمْ
شِيَعًا مُمَزَّقَةَ الْهَوَى الْمُتَبَدِّلِ

كَمْ مُجْرِمٍ سَاقَ الزُّحُوفَ إِلَى رُبَا
كِ فَتَاهَ بَيْنَ ذُرًا وَقَسْوَةِ مَعْقِلِ

هَلَكُوا عَلَى أَهْوَائِهِمْ وَتَمَزَّقُوا
إِرَبًا بِوَادٍ غَائِرٍ مُتَهَيِّلِ

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 20-05-2021, 04:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,880
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة في ديوان: ملحمة التاريخ

يُطْوَى الْغُزَاةُ عَلَى رُبَاكِ وَتَنْمَحِي
وَتَظَلُّ دَارُكِ فِي جِهَادٍ أَمْثَلِ
والتاريخ يُسَجِّل للأفغان مَآثِر لا يعدُّها العَدُّ، ولا يحصيها الدارسون، فما بالها اليوم لا تبدي ولا تخفي؟!
قَدْ كُنْتِ ثَرْوَةَ أُمَّةٍ وَغَنَاءَ أَزْ
مِنَةٍ وَفَيْضَ مَنَابِعٍ لَكِ فَانْهَلِ

كَمْ عَالِمٍ دَفَعَتْ رُبَاكِ وَصَادِقٍ
دَاعٍ وَكَمْ يَوْمٍ أَغَرَّ مُحَجَّلِ

مَا بَالُ دَارِكِ أَحْوَلَتْ وَعَدَتْ عَلَيْ
هَا الْعَادِيَاتُ مَعَ الزَّمَانِ بِدهْكَلِ

وإذا كانت بلاد الأفغان قد ابتُلِيَت مرَّات بغُزَاة كان مصيرهم الهزيمة والاندِحار، فإن بغداد لم تكن بعِيدة عن تلك المآسي، بل لعلَّ ما أصابها أكبر من كلمات الوصف في لغات الكون كلها، ولا سبيل للنجاة سوى سبيل الله - سبحانه وتعالى - وسيُحاسب كل امرئ بعدالة ميزان الله - عزَّ وجلَّ - كلُّ ذلك نظَمَه الشاعر في العقد الأخير من ملحمته الشعريَّة، ملحمة التاريخ ودَوِيُّه، على بحر الكامل في سبعة وعشرين بيتًا:
بَغْدَادُ وَاأَسَفَاهُ هَذَا حَالُنَا
لَمَّا ابْتُلِيتِ فَمَنْ تَرَاهُ الْجَانِي

كَمْ مِنْ بَنِيكِ تَأَلَّبُوا وَتَنَاثَرُوا
فِرَقًا مُشَتَّتَةً وَهَوْجَ أَمَانِ

فَسَلِ الْمُسَادَ وَكَمْ رَمَى بِشِبَاكِهِ
وَكَمِ الَّذِينَ هَوَوْا إِلَى قِيعَانِ

هَذَا الْكِتَابُ وَتِلْكَ سُنَّةُ أَحْمَدٍ
نَطَقَا بِحَقٍّ صَادِقِ التِّبْيَانِ

لاَ يُعْذَرَنَّ سِوَى الَّذِي عَذَرَ الْإِلَ
هُ وَلَيْسِ بَعْدُ هُنَاكَ عُذْرٌ ثَانِ

هَذَا سَبِيلُ نَجَاتِنَا وَبِغَيْرِهِ
ذُلٌّ يُطِيحُ بِنَا وَقَهْرٌ ثَانِ

وبهذه القصيدة يصل الدكتور عدنان النحوي إلى خِتام ملحمة التاريخ، الشعرية، التي أراد لها أن تعبِّر عن المفهوم الإسلامي للملحمة، والذي يتلخَّص في الصراع الدائم الدائر بين معسكر الكفر ومعسكر الإيمان، منذ أرسل الله - عزَّ وجلَّ - محمدًا - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وسيَبْقَى حتى يرث الله الأرض ومَن عليها، ليستخلص الله من المؤمنين الشهداء، ويتوب عليهم، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، ويَقِينُهم في الدنيا أن ذلك هو الفوز العظيم، الذي يَتنافَس فيه المتنافسون.

وقد اقتَصَر الشاعِر في مُعظَم قصائده على النظرة العامَّة لهذا الصراع؛ من حيث أسبابه، وحقائقه، والنتائج التي يسعى لها كلُّ فريق، والفِرَق الثانوية التي تنمو عادة بينهما، وهم الذين يسمِّيهم القرآن الكريم بـ(المنافقين).

ولعلَّ في قدرات الشاعر على تحسُّس العِبَر والوقوف عليها دورًا كبيرًا في المواعظ التي سطرها عبر هذه الملحمة، ونادَى بأعلى صوته المؤمنين المخلِصين لينتَبِهوا، ويعملوا وَفْقَ شريعة الله التي أنزَلَها على محمد - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لا يقصدون من عملهم سوى وجه الله - تعالى - لأنَّه السبيل الوحيد لِخَلاص الأُمَّة، وإعادتها إلى رايَة القيادة، ولتخرج البشرية من عبادة غير الله إلى عبادة الله، وتُنهِي الفتن التي ملأت الدنيا شرقها وغربها، ودخلت على المؤمنين في أخصِّ أماكنهم وسط المساجد، وفي عقر دارهم، وما غُزِي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا.

ولو وقف الشاعر عند المواقف الجزئية في المَعارِك، التي يَعِيشها المُقاتِل في هجومه أو دفاعه، وما يراه أو يحسه ويَعتَلِج في خاطره، سواء عند انتِصاره أو عند نهايته - لوصلت ملحمته آلاف الأبيات، خاصَّة وأنه يحمل بين ضلوعه نفَسًا طويلاً، في قدرة فائقة على الوصف، ومعجم لغوي غني، وقدرة شاعرية متميِّزة.

فالمُقاتِل عند انتِصاره، وما أمدَّه الله به من قوَّة، فهو يده التي يبطش بها، وعينه التي يُبصِر بها، هدفه تبليغ رسالة الإسلام، وشريعة الله - سبحانه وتعالى - وهذا الكافر بين يديه يُقاتِل الله وجنوده، فهو حَقِير يذهب برجله إلى شفير جهنم، وتجحظ عيناه حين يرى الخاتمة المحتومة التي لا مفرَّ منها، فلا يملك إلا نظرة الأسى والذهول لفقده أعزَّ ما يملك وهي الحياة، والنعيم الحرام الذي تمتَّع به، فتمرُّ على عينه كلُّ صُوَرِ الفساد والضلال التي عاشَهَا، في الوقت الذي صار بصره اليوم حديدًا، فيرى ملك الموت المتأهِّب لينشط روحه، كما ينشط الحسك من الصوف، ويرى مقعده في النار، وتجهُّم الملائكة من الريح القذرة المنبَعِثة من روحه الكافرة الشرِّيرة، والتفصيل في هذا الموقف عند الشاعر له مَذاقٌ آخر، حين يختلط بالعواطف الجيَّاشة، والأحاسيس الرقيقة، والنفس اللماحة.

كما أن مشاعر النصر عند المؤمن وهو يُقدِم على التخلُّص من هذه النفوس الخبيثة، وما يَعتَلِج في صدره من أحاسيس تَرتَبِط بأوامر الله - عزَّ وجلَّ - وتنفيذها طلبًا لرضاه، وتمسُّكًا بشريعته، وما ينتظره من العِزَّة التي وعَدَه الله ورسوله، والفرحة تملأ قلوب المسلمين الذين يَنتَظِرون عودته، مُظَفَّرًا غانمًا سالمًا، يرفع راية الإسلام خفَّاقة عالية، تظلُّ بها الدنيا، وتنشر العدل والسماحة في الأرجاء.

كذلك الصورة الأخرى، صورة علو الكفر، وما تحمله من بغي وظلم وعدوان، وفِتَن لا يعلمها إلا الله، وسيطرة وقهر للعِبَاد، وارتفاع رايَة الكفر بما تحمله من الفساد والبُعْدِ عن شريعة الله، وانتشار الضلال، وسيطرة المادة، وغياب الأخلاق، وانتشار التعاليم الصِّهْيَوْنِيَّة الكافرة الباغية، مُقابِل انكسار شوكة المسلمين، ومشاعر الحزن والأسى على تَشَتُّتهم، وتفرُّق كلمتهم، وبُعْدِهم عن شريعة الله، وارتكابهم المعاصي، وما أذاقَهُم الله من الذلِّ على يد عدوِّهم بما كسبت أيديهم، ويعفو عن كثير.

هذا ويتبع هذه الصُّوَرَ الميدانية صُوَرُ الأيامى، واليتامى، والثكالى، والنائِحين والنائِحات، والفجيعة بالأخبار المتوالِيَة من أرض المعركة، على الضعفاء الذين فقَدُوا أملهم ومُعِيلَهم، وحامِيَهم، والهدايا التي طالَمَا انتَظَروها، فجاءَهُم الموت، وفجيعته ومصيبته، فكانت السقطة أقوى، والطامَّة أكبر على نفوسهم.

ويتبع صورة علو الكافر حفلات الفساد، ومشارب الفتنة والضلال، واحتفالات الكبر والغوايَة، وإظهار القوَّة الظالمة التي تتحدَّى الله - تعالى الله عمَّا يصفون - ويظلم عباده، ويعلن عصيانه، ويتعدَّى على شريعته، ويدعو للكفر بها، ويحاربها، ويتَّهم أتباعها بكلِّ التُّهَم الباطلة المُضِلَّة، وما يتبعها من مُعانَاة المسلمين في كلِّ مكان يُسَيْطِر فيه الكفر، خاصَّة وأنه قد مدَّ مخالبه هذه الأيام حيث يشاء، فسبحان الله الذي يُمهِل ولا يُهمِل!

هذه هي الحلقة التي تكاد تكون مفقودة في المقارنة بين المفهوم الوثني للملحمة والمفهوم الإسلامي لها، فهناك الخيال والصور البعيدة عن الواقع، والتي اضطر كاتِبُوها لإدخال الآلهة في مَعارِكهم؛ ليجعلوها أكثر إثارة، ويَنتَزِعوا المشاعر من عُقُلها في الصدور، لينثروها حارَّة حارِقَة على الوجنات، مُلتَهِبة؛ لأنهم تحدَّثوا عن خصوصِيَّة الموقف الإنساني في اللحظات الحاسِمَة من الحياة، وهذا أمرٌ لا يُعجِز شعراءنا، بل حين يَقِفُون عنده سيبرزون؛ لأنهم سيعتَمِدون حقائق الأمور، بعيدًا عن الخيالات الكاذبة، وسيُصَوِّرون الحق كما أخبرهم به رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - نقلاً عن الله - سبحانه وتعالى - فإنه لا ينطق عن الهوى.

وهنا سؤال مهمٍّ: أيُّهم سيكون أكثر تأثيرًا على النفس؛ مَن اعتَمَد في وصفه على خيال كاذب، أم مَن اعتَمَد على خبر يقين؟! فسبحان الذي سخَّر لدينه وشريعته مَن ينصرها ويُقِيمها عبر التاريخ، وهو الذي لا يُغَيِّر ما بقومٍ حتى يُغَيِّروا ما بأنفسهم، ولا يُصِيب قومًا بمصيبة إلا بما كسبت أيديهم، ويعفو عن كثير.

هذا، والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على خير الخلق، وعلى آله وصحبه ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 97.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 94.18 كيلو بايت... تم توفير 3.55 كيلو بايت...بمعدل (3.63%)]