|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم قال الله تعالى:﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ... ﴾ قوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]. ســبب النزول: عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه، فجاء أُسيد بن حضير، وعبّاد بن بشر، فقالا: يا رسول الله، إن اليهود قالت: كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ظننا أن قد وَجَدَ عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما»[1]. قوله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ﴾؛ أي: ويسألك أصحابك يا محمد عن المحيض. و«المحيض» مصدر ميمي، بمعنى الحيض، أي: يسألونك عن الحيض، لقوله بعده: في الجواب: ﴿ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾، وقيل: المحيض مكان الحيض، وهو الفرج. ﴿ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾؛ أي: قذر نجس نتن، قدره الله على النساء- ولهذا أوجب الشرع على الحائض الاغتسال بعد انقطاعه، وأمر صلى الله عليه وسلم النساء بِحَتِّ ما أصابهن منه، ثم قرصه بالماء، ثم نضحه[2]. ومُنعت بسببه الحائض من الصلاة والصوم والطواف ومس المصحف. قال صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل؟ ولم تصم؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها»[3]. ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ الاعتزال: الاجتناب والترك. وأظهر في مقام الإضمار، ولم يقل: (فاعتزلوا النساء فيه) للتنصيص على أن الحيض هو سبب الاعتزال. وقدم العلة، وهي كونه أذى ليكون أدعى للامتثال، وقبول الحكم، وتنفيرًا من المخالفة. والمعنى: فاعتزلوا جماع النساء الحائضات ﴿ فِي الْمَحِيضِ ﴾؛ أي: في مكان الحيض وهو الفرج، وقت الحيض. قال صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»[4]. وعن مسروق قال: قلت لعائشة: ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ قالت: «كل شيء إلا الفرج»[5]. وفي هذا إبطال لما كان عليه اليهود في معاملة الحائض، حتى إنهم لا يؤاكلونها، ولا يجتمعون معها في البيوت، فلا يحرم من الحائض إلا جماعها في الفرج، وما عدا ذلك، من مباشرتها فيما عدا ذلك، ومن مؤاكلتها، والاجتماع معها فجائز. عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري، وأنا حائض، فيقرأ القرآن»[6]. وعنها قالت: «كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب، وأتعرق العَرْق[7]، وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ»[8]. وعنها قالت: «كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد، وإني حائض طامث، فإن أصابه مني شيء غسل مكانه لم يَعْدُه، وإن أصاب- يعني ثوبه- شيء غسل مكانه لم يَعْدُه، وصلى فيه»[9]. ﴿ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ قرأ حمزة والكسائي وخلف وأبوبكر عن عاصم بتشديد الطاء والهاء «حتى يطَّهَّرن» أي: حتى يغتسلن، وقرأ الباقون بتخفيفهما: ﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ أي: حتى يطهرن من الدم. وهذا توكيد وتفسير لما قبله، أي: ولا تقربوهن في مكان الحيض، وهو الفرج، أي: لا تجامعوهن ﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ أي: حتى ينقطع دم الحيض عنهن ويغتسلن- كما دلت عليه القراءتان، وهما بمثابة آيتين. ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾ الفاء: استئنافية، و«إذا»: ظرفية شرطية، و«تطهرن»: فعل الشرط، وجوابه: «فأتوهن». ومعنى قوله: ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ أي: فإذا اغتسلن بالماء، أو تيممن بالصعيد عند فقد الماء أو تعذر استعماله، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 6]. ﴿ فَأْتُوهُنَّ ﴾ الفاء: رابطة لجواب الشرط، أي: فجامعوهن. والأمر للإباحة لأنه أمر بعد حظر، فنهى عن قربانهن حال الحيض، حتى يطهرن، ثم أمر بإتيانهن، إذا تطهرن واغتسلن، بعد انقطاع الحيض. كقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ﴾ [المائدة: 2]، وقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10]. ﴿ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾؛ أي: في المأتى الذي أمركم الله بإتيانهن فيه، وأحله لكم، وأمركم باعتزالهن فيه حال الحيض، وهو الفرج، كما قال تعالى: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ [البقرة: 223]؛ أي: فجامعوهن في محل الحرث، لبذر الولد بالنطفة وهو القبل، وقال تعالى: ﴿ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 187]؛ أي: من الولد وغيره. ويفهم من هذا تحريم الوطء في الدبر، كما دل على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾ [المؤمنون: 5، 6]. ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ تعليل لما سبق، من الأمر باعتزال النساء في المحيض، وعدم جماعهن، حتى يطهرن، ويتطهرن، وإباحة جماعهن بعد ذلك. و«التوابين» جمع توّاب. على وزن «فعّال» صيغة مبالغة تفيد الكثرة، فالتوابون كثيرو التوبة. قال صلى الله عليه وسلم: «توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله وأستغفره في كل يوم مائة مرة، أو أكثر من مائة مرة»[10]. والتوبة: هي الإنابة إلى الله- عز وجل- والرجوع من معصيته إلى طاعته. وفي الآية: إثبات محبة الله- عز وجل- للتوابين على ما يليق بجلاله وعظمته، والترغيب في التوبة، ويفهم منها عدم محبته- عز وجل- للمصرين على الكفر والمعاصي. ﴿ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ أي: ويحب المتطهرين من الأذى والنجاسات الحسية، من جماع الحائض، أو إتيان النساء في أدبارهن، ومن الحدثين الأكبر والأصغر، وسائر النجاسات. فجمعوا بين طهارة الباطن، بالتطهر من النجاسات المعنوية، من الشرك والمعاصي بالتوبة، وبين طهارة الظاهر، بالتطهر من النجاسات الحسية باعتزال النساء في المحيض، وفي أدبارهن والتطهر من الأحداث والأخباث. قوله تعالى: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾. ســبب النـزول: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: «كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾»[11]. قوله: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ﴾؛ أي: زوجاتكم أيها المؤمنون ﴿ حَرْثٌ لَكُمْ ﴾ أي: موضع حرث وزرع وبذر لكم، تضعون فيها هذا الماء الدافق، فيخرج الولد بإذن الله- عز وجل- كما يوضع البذر في الأرض ويسقى فيخرج النبات بإذن الله عز وجل. ﴿ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ﴾ أي: فأتوا موضع حرثكم، وهو «الفرج». ﴿ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾ «أنى» ظرف مكان، أي: جامعوا زوجاتكم من أي جهة شئتم، وعلى أي حال كن، متى شئتم، إذا كان ذلك في موضع الحرث، وهو الفرج، كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾، وقال: «يعني صمامًا واحدًا»[12]. وعن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده أنه قال: يا رسول الله، نساؤنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «حرثك، ائت حرثك أنى شئت، وأطعمها إذا طعمت، واكسها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه، ولا تضرب»[13]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أتى ناس من حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن أشياء، فقال له رجل: إني أَجُبُّ النساء[14] فكيف ترى في ذلك، فأنزل الله، ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ﴾»[15]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله، هلكت، قال: ما الذي أهلكك؟ قال: حولت رحلي[16] البارحة، قال: فلم يرد عليه شيئًا، فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾: أقبل وأدبر، واتق الدبر والحيضة»[17]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أنزلت هذه الآية: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ في أناس من الأنصار، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ائتها على كل حال إذا كان في الفرج»[18]. فدل الكتاب والسنة والآثار عن سلف الأمة على أن للرجل أن يجامع زوجته على أي هيئة كانت إذا كان ذلك في الفرج موضع الحرث والولد. أما مباشرتها في الدبر فهي محرمة؛ لأنها مخالفة لحكمة مشروعية النكاح في الفرج من إعفاف كل من الزوجين، وتكثير النسل، والبعد عن الأذى؛ لأن الغائط أشد أذى من الحيض، فهي مخالفة لمقتضى أدلة الكتاب والسنة. وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى إتيان النساء في أدبارهن اللوطية الصغرى[19]. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ملعون من أتى امرأة في دبرها»[20]. وما رُوي عن ابن عمر من أنه أباح إتيان المرأة في دبرها، فهو محمول على أنه يجوز إتيانها في قبلها من دبرها- كما تقدم في معنى الآية- يدل على هذا ما رواه ابن علقمة عن أبي النضر، أنه أخبره، أنه قال لنافع مولى ابن عمر: إنه قد أكثر عليك القول: أنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن. قال: كذبوا عليَّ، ولكن سأحدثك كيف كان الأمر: إن ابن عمر عرض المصحف يومًا وأنا عنده، حتى بلغ ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾. فقال: يا نافع، هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت: لا. قال: إنا كنا معشر قريش نُجَبِّي النساء، فلما دخلنا المدينة، ونكحنا نساء الأنصار، أردنا منهن مثل ما كنا نريد، فإذا هن قد كرهن ذلك، وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود، إنما يؤتين على جنوبهن، فأنزل الله: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾»[21]. وعن سعيد بن يسار أبي الحباب، قال: قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري، أنحمض لهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكر الدبر. فقال: «وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين»[22]. قال ابن كثير[23] بعد ذكر هذا الأثر عن ابن عمر- نقلًا عن مسند الدارمي، قال: «وهذا إسناد صحيح، ونص صريح منه بتحريم ذلك، فكل ما ورد عنه مما يحتمل ويحتمل فمردود إلى هذا المحكم». ﴿ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ﴾؛ أي: وقدموا لأنفسكم بامتثال أوامر الله، والأعمال الصالحة، ما ينفعكم غدًا عند الله- عز وجل- كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المزمل: 20]. ومن ذلك حسن معاشرة الزوجات، واستحضار النية الصالحة، بأن ينوي عند الجماع تحصين نفسه وزوجه، والولد الصالح، وتكثير الأمة مع ذكر اسم الله- عز وجل- والدعاء الوارد عند الجماع، كما في الحديث، قال صلى الله عليه وسلم: «لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدًا»[24]. ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أمرنا أولًا بالتقديم لأنفسنا، وذلك بامتثال أوامره، والأعمال الصالحة، ثم أمر بتقواه، وذلك باجتناب نواهيه عمومًا، وفي أمر النساء خصوصًا. ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ ﴾ في هذا وعد ووعيد، أي: واعلموا أنكم ملاقوه يوم القيامة، فيحاسبكم على أعمالكم، ويجازيكم عليها، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ [الانشقاق: 6]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ 25 ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ [الغاشية: 25، 26]. ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: بشر يا محمد، ويا أيّ مبشر ﴿ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بشارة مطلقة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 64]. والبشارة: الإخبار بما يسر، وسمي الخبر السار بشارة؛ لأن به تنبسط البشرة، ويستنير الوجه، وقد كان صلى الله عليه وسلم، إذا سر استنار وجهه، كأنه قطعة قمر[25]؛ أي: وأخبر المؤمنين المصدقين بقلوبهم وألسنتهم، المنقادين بجوارحهم ظاهرًا وباطنًا لما جاءهم من الحق، أي: أخبرهم بما يسرهم، مما أعد الله لهم عنده من الكرامة، والنعيم المقيم، كما قال صلى الله عليه وسلم عن الجنة- فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» ثم قال: «اقرؤوا إن شئتم هذه الآية: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17] »[26]. [1] أخرجه مسلم في الحيض- جواز غسل الحائض رأس زوجها (302)، وأبو داود في الطهارة- مؤاكلة الحائض ومجامعتها (258)، والنسائي في الطهارة- تأويل قول الله عز وجل: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ﴾، وفي الحيض (369)، والترمذي في تفسير سورة البقرة (2977)، وابن ماجه في الطهارة- ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها (644). [2] أخرجه البخاري في الوضوء- غسل الدم (227)، ومسلم في الطهارة- نجاسة الدم وكيفية غسله (675)، من حديث أسماء رضي الله عنها. [3] أخرجه البخاري في الحيض (304)، ومسلم في الإيمان (80)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. [4] سبق تخريجه. [5] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (3/ 726- 727). [6] أخرجه البخاري في الحيض (297)، ومسلم في الحيض (301)، وأبو داود في الطهارة (260)، والنسائي في الحيض (381)، وابن ماجه في الطهارة وسننها (634). [7] العَرْق: العظم، إذا أخذ عنه معظم اللحم، وتَعرَّق العظم: أخذ عنه اللحم بأسنانه. [8] أخرجه مسلم في الحيض (300)، وأبو داود في الطهارة (259)، والنسائي في الطهارة (279)، وابن ماجه في الطهارة وسننها (643). [9] أخرجه أبوداود في الطهارة (269)، والنسائي في الطهارة (284). [10] أخرجه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2702)، وأب وداود في الصلاة (1515)، وأحمد (4/ 211، 260)، من حديث الأغر المزني رضي الله عنه، وأخرجه ابن ماجه في الأدب (3815)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. [11] أخرجه البخاري في التفسير- ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ﴾ (4528)، ومسلم في النكاح- جواز جماع امرأته في قبلها (1435)، وأبو داود في النكاح- جامع النكاح (2163)، والترمذي في تفسير سورة البقرة (2977)، وابن ماجه في النكاح- النهي عن إتيان النساء في أدبارهن (1925)، والطبري في «جامع البيان» (3/ 756). [12] أخرجه أحمد (6/ 305)، والترمذي في التفسير (2979)، وقال: «حديث حسن صحيح». [13] أخرجه أبوداود في النكاح (2143)، وابن ماجه في النكاح (1850). [14] أي: أجامع المرأة من نسائي منكبّة على وجهها. [15] أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/ 404). [16] هذا كناية عن إتيان زوجته مدبرة. [17] أخرجه أحمد (1/ 297)، والترمذي في التفسير (2980)، وقال: «حديث حسن غريب»، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/ 405). [18] أخرجه أحمد (1/ 268). [19] أخرجه أحمد (2/ 210)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ورواه بعضهم موقوفًا عليه؛ قال ابن كثير في «تفسيره» (1/ 385): «وهذا أصح». [20] أخرجه أبو داود في النكاح (2162)، وابن ماجه في النكاح (1923). [21] أخرجه النسائي- فيما ذكر ابن كثير في «تفسيره» (1/ 384)- قال ابن كثير: «وهذا إسناد صحيح، وقد رواه ابن مردويه». [22] أخرجه الدارمي في «مسنده» (1/ 260)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3/ 41)، والنسائي في «الكبرى» (8979)، والطبري في «جامع البيان» (3/ 752). [23] في «تفسيره» (1/ 388). [24] أخرجه البخاري في الوضوء (141)، ومسلم في النكاح (1434)، وأبو داود في النكاح (2161)، والترمذي في النكاح (1092)، وابن ماجه في النكاح (1919)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. [25] أخرجه البخاري في المناقب (3556)، ومسلم في التوبة (2769)، من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه. [26] أخرجه البخاري في بدء الخلق (3244)، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها (2824)، والترمذي في التفسير (3197)، وابن ماجه في الزهد (4328).
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم فوائــد وأحكــام من قوله تعالى:﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ قوله تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 226، 227] 1- إباحة الإيلاء من الزوجة، فيما دون أربعة أشهر؛ لقوله تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشهرٍ ﴾، وقد آلى صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرًا. قال ابن القيم[1]: «جعل مدة الإيلاء أربعة أشهر؛ لأن الزوج يحتاج إلى ترك وطء امرأته مدة لعارض، من سفر، أو تأديب، أو راحة نفس، أو اشتغال بمهم، ولا يلزم من ذلك أن يكون الوطء مؤقتًا بأربعة أشهر مرة». 2- ثبوت حكم الإيلاء في حق الزوجات، مدخولًا بهن، أو غير مدخولٍ بهن، دون ملك اليمين؛ لقوله تعالى: ﴿ مِنْ نِسَائِهِمْ ﴾. 3- أن الإيلاء لا يجوز أكثر من أربعة أشهر؛ لقوله تعالى: ﴿ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾. 4- إذا آلى الرجل من زوجته مطلقًا، أو أكثر من أربعة أشهر انتظر أربعة أشهر، منذ وقع الإيلاء، فإما أن يفيء، ويرجع إلى جماع زوجته، وإما أن يطلق؛ لقوله تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾. ويجبر على ذلك، إذا هي طالبته بذلك، فإن أبى فسخها الحاكم منه، أو طلقها عليه. 5- إذا كان الإيلاء أقل من أربعة أشهر فعلى الزوجة أن تصبر، وليس لها مطالبته وإلزامه، لا بالفيء ولا بالطلاق، ويستحب للزوج أن يفيء ويكفر عن يمينه، وإن أتم يمينه فلا شيء عليه. 6- أن وطء الرجل لزوجته- كما أنه من حقوقه عليها- هو أيضًا من حقوقها عليه؛ لهذا يجب عليه وطؤها وإعفافها، ولا يجوز تركها مدة طويلة- مع حاجتها إلى ذلك- ما لم تأذن لزوجها بذلك، فالحق لها. 7- رعاية الإسلام لحقوق النساء، ودفع ظلم الأزواج عنهن، وفي ذلك حفظ لهم، ولهن من الظلم. 8- أن الطلاق لا يقع بمجرد مضي أربعة أشهر على الإيلاء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ ﴾. وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو الصحيح. وقيل: يقع بمجرد مضي أربعة أشهر تطليقة واحدة. 9- الترغيب في الفيء، والرجوع إلى جماع الزوجات؛ لترتيب مغفرة الله- عز وجل- ورحمته على ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾. 10- إثبات صفة المغفرة التامة، والرحمة الواسعة لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ والرحمة سبب المغفرة. 11- في اقتران صفة المغفرة والرحمة في حقه - عز وجل - زيادة كماله إلى كمال، وباجتماعهما في حق عباده كمال نعمته عليهم؛ لأن بالمغفرة زوال المرهوب، وبالرحمة حصول المطلوب، كما أن في تقديم المغفرة على الرحمة إشارة إلى أن التخلية قبل التحلية. 12- إثبات صفة السمع لله- عز وجل- وأنه- عز وجل- ذو السمع الذي وسع جميع الأصوات، وإثبات صفة العلم الواسع له- عز وجل- وأنه ذو العلم الذي وسع كل شيء؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾. 13- في اقتران هاتين الصفتين: «سميع»، «عليم». زيادة كمال علمه عز وجل وإحاطته إلى كمال. 14- في ختام الآية ﴿ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ ﴾ بقوله تعالى: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾: تحذير من التهاون في أمر الطلاق، وإشارة لعظم أمره، ووجوب مراعاة أحكامه، وكراهته، وأنه خلاف الأولى. [1] انظر: «بدائع التفسير» (1/ 406).
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم فوائد وأحكام من قوله تعالى:﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ... ﴾ ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ 1- حرص الصحابة رضي الله عنهم على تعلم أمر دينهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ ﴾. 2- خطاب الله- عز وجل- لنبيه صلى الله عليه وسلم تشريف وتكريم له. 3- أنه صلى الله عليه وسلم مبلّغ عن الله- عز وجل- لقوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ الآية. 4- أن الحيض أذى وقذر نجس نتن، قدَّره الله على النساء، تترك المرأة بسببه الصلاة والصيام، ويَمنع الرجل من جماع زوجته؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾. 5- وجوب اعتزال النساء في المحيض، أي: في مكان الحيض وهو الفرج، لقوله تعالى: ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»[1]. وعن مسروق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ قالت: «كل شيء إلا الفرج». وعنها رضي الله عنها قالت: «كانت إحدانا إذا كانت حائضًا، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر من فور حيضتها، ثم يباشرها. قالت: وأيكم يملك إربه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك إربه»[2]. وعن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه، وهي حائض، أمرها فاتزرت»[3]. فالذي يحرم من الحائض مباشرتها في الفرج، وهذا مجمع على تحريمه. أما ما عدا الفرج فجائز مباشرتها فيه سواء كان فوق الإزار أو تحته. وما ورد من الآثار في النهي عن مجامعتها تحت الإزار، فهو محمول على الاحتياط، لئلا يتوصل إلى الجماع في الفرج، المجمع على تحريمه. 6- إثبات الحكمة في أحكام الله- عز وجل- الشرعية؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ فأمر عز وجل باعتزال النساء في المحيض؛ لأن الحيض أذى، وقدم ذكر الحكمة والعلة على الحكم؛ ليكون ذلك أدعى لقبول الحكم. 7- تأكيد وجوب اعتزال جماع النساء في الفرج حال الحيض، وتحريم ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾، فمن وطئ زوجته في الفرج حال الحيض فهو آثم وعليه التوبة والاستغفار. 8- إذا طهرت المرأة من الحيض، بأن انقطع دمها، وتطهرت بالاغتسال بالماء، أو بالتيمم، عند فقد الماء، أو تعذر استعماله جاز وطؤها في الفرج؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾، والأمر هنا للإباحة؛ لأنه أمر بعد حظر. 9- إذا طهرت الحائض، بأن انقطع دمها لم يجز وطؤها حتى تغتسل؛ لقوله تعالى: ﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ بتشديد الطاء والهاء، وقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾. 10- وجوب اغتسال الحائض بعد انقطاع الحيض؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾. 11- تحريم وطء النساء في أدبارهن لمفهوم قوله تعالى: ﴿ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾ أي: في الفرج، دون الدبر. 12- إثبات المحبة لله- عز وجل- وأنه- عز وجل- يحب التوابين، من الكفر والمعاصي، والمتطهرين من الأحداث والنجاسات، الحسية والمعنوية؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾. وفي المقابل فهو- عز وجل- يبغض ويسخط المصرِّين على الكفر والمعاصي، المتلطخين بالنجاسات الحسية والمعنوية. 13- فضل التوبة إلى الله- عز وجل- والتطهر من الأحداث والنجاسات الحسية والمعنوية، ظاهرًا وباطنًا، والترغيب في ذلك؛ لمحبة الله لذلك. 14- أن الزوجات حرث لأزواجهن، أي: موضع بذر وزرع يدفقون بفروجهن هذا الماء، فيحصل الولد بإذن الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ﴾. 15- أن للأزواج جماع زوجاتهم متى شاؤوا، ما لم يكن ذلك في الحيض، وعلى أي حال، مقبلات ومدبرات وعلى جنب، شريطة أن يكون الجماع في الفرج؛ لقوله تعالى: ﴿ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ﴾. 16- تحريم وطء المرأة في دبرها؛ لأنه ليس موضع الحرث، الذي أباحه الله، وأمر بوطئها فيه. 17- ينبغي للإنسان أن يقدم لنفسه ما ينفعه غدًا عند الله- عز وجل- بامتثال أوامر الله، والأعمال الصالحة، ومن ذلك ذكر اسم الله - عز وجل - عند الجماع، والذكر الوارد عنده، مع استحضار النية الصالحة، بإعفاف نفسه وزوجته، وطلب الولد الصالح، وتكثير الأمة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ﴾. 18- وجوب تقوى الله- عز وجل- عمومًا، وفي أمر النساء خصوصًا، بمعاشرتهن بالمعروف؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾. 19- إثبات البعث ولقاء الله- عز وجل- والجزاء والحساب على الأعمال؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ ﴾، وفي هذا وعد لمن اتقى الله، ووعيد لمن خالف أمره وعصاه. 20- إثبات لقاء الله, ورؤيته عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ مُلَاقُوهُ ﴾ لكن رؤيته- عز وجل- خاصة بالمؤمنين، دون الكافرين؛ لقوله تعالى عن الكافرين: ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ [المطففين: 15]، فالملاقاة عامة للجميع، والرؤية خاصة بالمؤمنين. 21- البشارة المطلقة للمؤمنين، في الدنيا والآخرة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾. 22- فضل الإيمان والترغيب فيه؛ لبشارة الله- عز وجل- لأهله. [1] سبق تخريجه. [2] أخرجه البخاري في الحيض (302)، ومسلم في الحيض (293)، وأبو داود في الطهارة (268)، والنسائي في الحيض (373)، والترمذي في الطهارة (132)، وابن ماجه في الطهارة (636). [3] أخرجه البخاري في الحيض (303)، ومسلم في الحيض (294)، وأبو داود في النكاح (2167)، والنسائي في الطهارة (287).
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم تفسير قوله تعالى:﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 224، 225]. قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾. قوله: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا﴾ أي: ولا تصَّيروا، من جعل بمعنى صير، التي تنصب مفعولين؛ أولهما- هنا- لفظ الجلالة ﴿ اللَّهَ ﴾، والثاني ﴿ عُرْضَةً﴾. ﴿ لِأَيْمَانِكُمْ﴾ اللام للتعدية، وقيل للتعليل، والأيمان: جمع يمين، وهو الحلف والقسم، وهو تأكيد الشيء المحلوف عليه، بالحلف بالله- عز وجل- أو اسم من أسمائه، أو صفة من صفاته، بقصد إقناع المحلوف له، وإشهاد الحالف الله على صدقه، كما قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ [البقرة: 204]، وحروف القسم ثلاثة: الواو، والباء، والتاء، يقال: والله، وبالله، وتالله. وسمي الحلف يمينًا؛ لأن من عادة العرب إذا تحالفوا أن يمسك أحدهما باليد اليمنى من الآخر، ومنه قولهم: أعطى يمينه، قال كعب بن زهير: حتى وضعت يميني لا أنازعه= في كف ذي يسرات قيله القيل[1] ﴿ أَنْ تَبَرُّوا ﴾ «أن» والفعل بعدها في تأويل مصدر، في محل جر بدل من «أيمان» أو عطف بيان، أو في محل جر بحرف جر محذوف، أي: في أن تبروا، وقيل في محل نصب على المفعول لأجله، أي: إرادة أن تبروا. والمعنى: لا تكثروا الحلف بالله، ولا تحلفوا به على ترك البر والتقوى، والإصلاح بين الناس، وإذا حلفتم على ترك ذلك، فلا تجعلوا حلفكم مانعًا من فعل ذلك، بل كَفِّروا عن أيمانكم، وافعلوا ما حلفتم على تركه، من البر والتقوى والإصلاح بين الناس، وما هو خير، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِي ﴾ [النور: 22]. فلا يجوز الحلف على ترك البر والتقوى والإصلاح بين الناس، وإذا حلف على ترك ذلك، فلا يجوز الاستمرار على ترك ذلك احتجاجًا بالحلف، بل يجب الحنث في اليمين والتكفير عنها؛ لأن الاستمرار على اليمين المانعة من البر والتقوى والإصلاح بين الناس من الاستمرار على المعصية، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «والله لأن يَلِجَّ أحدكم بيمينه في أهله آثَمُ له عند الله من أن يُعطي كفارته، التي افترض الله عليه»[2]. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإني، والله- إن شاء الله- لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها»[3]. وعن عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «وإذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيرًا منها، فكفِّر عن يمينك وائت الذي هو خير»[4]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرًا منها، فليأتها وليكفِّر عن يمينه»[5]. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب، وفي قطيعة الرحم، وفيما لا تملك»[6]. ومعنى قوله: ﴿ أَنْ تَبَرُّوا ﴾ أي: أن تعملوا الخير؛ لأن «البر»: كلمة جامعة لكل خصال الخير الظاهرة والباطنة، من فعل الواجبات والمستحبات، من بر الوالدين وصلة الأرحام وغير ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: «البر: ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب»[7]، وقال صلى الله عليه وسلم: «البر: حسن الخلق»[8]. ﴿ وَتَتَّقُوا ﴾ التقوى: أن يجعل الإنسان بينه وبين عذاب الله وقاية، بفعل أوامره واجتناب نواهيه. والمراد بها هنا اجتناب النواهي، لذكر «البر» قبلها، وهو فعل الأوامر. قال ابن عباس رضي الله عنهما: «البر: ما أمرت به، والتقوى: ما نهيت عنه»[9]. ﴿ وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ أي: وتوفقوا بين المتنازعين من الناس، بالعمل على إزالة الفساد، والقضاء على أسباب الفرقة، والاختلاف بينهم، وفض خصوماتهم، وإنهائِها، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين؛ لعموم قوله: ﴿ النَّاسِ ﴾. والإصلاح بين الناس من أعمال البر، وخص بالذكر- والله أعلم- لفضله، وعظيم أثره؛ لأنه من النفع المتعدي، ولأن فساد ذات البين من أعظم وأخطر ما يقع بين الناس. قال تعالى: ﴿ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 128] وقال تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة»؟ قالوا: بلى، قال: «إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة»[10]. وفي رواية: «لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين»[11]. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم وسوء ذات البين، فإنها الحالقة»[12]. ولهذا قال عز وجل: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]. وجعل عز وجل للغارمين نصيبًا من الزكاة، ومنهم الذين يتحملون غرامات للإصلاح بين الناس. ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ ﴾ أي: والله ذو السمع الذي وسع جميع الأصوات، كما قالت عائشة رضي الله عنها: «الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات»[13]. ومن ذلك سماعه- عز وجل- لأيمان الحالفين. ﴿ عَلِيمٌ﴾ أي: ذو علم تام وسع كل شيء، كما قال عز وجل: ﴿ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [طه: 98]]. ومن ذلك علمه- عز وجل- بمقاصد ونوايا الحالفين، وفي هذا وعد لمن أطاع الله واجتنب نهيه، ووعيد لمن خالف ذلك. قوله تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾. قوله: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِفِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾. لما نهى عن جعل الحلف مانعًا من البر والتقوى والإصلاح بين الناس، أتبع ذلك ببيان عدم المؤاخذة بلغو اليمين. والمؤاخذة: المعاقبة، أي: لا يعاقبكم الله بما صدر منكم من لغو الأيمان، أي: لا يلزمكم بها، ولا بكفارتها. ولغو اليمين: ما يجري على اللسان من غير قصد عقد اليمين ولا توكيدها، كقول الرجل: لا والله، وبلى والله، ونحو ذلك- كما قالت عائشة رضي الله عنها: «أنزلت هذه الآية: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ﴾ في قول الرجل: لا والله، وبلى والله»[14]. ورُوي عنها أيضًا أنها كانت تقول: «هو الشيء يحلف عليه أحدكم، لا يريد منه إلا الصدق، فيكون على غير ما حلف عليه»[15]. ﴿ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ أي: ولكن يعاقبكم بالذي كسبته قلوبكم، أو بكسب قلوبكم، أي: بالذي عقدتموه وعزمتم عليه وقصدتموه من الأيمان والأعمال. كأن يحلف على شيء وهو يعلم أنه كاذب وهي اليمين الغموس، وهذا متوعد عليه بالنار. وكأن يحلف على شيء أن يفعله، أو لا يفعله، ثم يحنث في يمينه، فعليه الكفارة، قال تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 89]. فعقد الأيمان هو كسب القلب، الذي عليه مدار صلاح الأعمال وفسادها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»[16]. ﴿ وَاللهُ غَفُورٌ ﴾ أي: والله ذو مغفرة واسعة لذنوب عباده، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ [النجم: 32]. والمغفرة: ستر الذنب عن الخلق، والتجاوز عن العقوبة عليه. ﴿ حَلِيمٌ﴾ أي: ذو حلم واسع، لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، بل يمهله لعله يتوب، ولا يهمله. قال ابن القيم[17]: وهو الحليم فلا يعاجل عبده= بعقوبة ليتوب من عصيان [1] انظر: «ديوانه» (ص114). [2] أخرجه البخاري في الأيمان والنذور (6625)، ومسلم في الأيمان (1655). [3] أخرجه البخاري في فرض الخمس (2133)، ومسلم في الأيمان (1649)، وابن ماجه في الكفارات (2107). [4] أخرجه البخاري في الأيمان والنذور (6622)، ومسلم في الأيمان (1652)، وأبو داود في الخراج (2929)، والنسائي في الأيمان والنذور (3783)، والترمذي في النذور والأيمان (1529). [5] أخرجه مسلم في الأيمان (1650)، والترمذي في النذور والأيمان (1530). [6] أخرجه أبو داود في الأيمان والنذور (3272). [7] أخرجه أحمد (4/ 194)، من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه. [8] أخرجه مسلم في البر والصلة (2553)، والترمذي في الزهد (2389)، من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه. [9] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (8/ 53). [10] أخرجه أبو داود في الأدب (4919)، والترمذي في صفة القيامة (2509)، وقال: «حديث صحيح». [11] ذكرها الترمذي. [12] أخرجه الترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع (2508)- وقال: «حديث حسن صحيح غريب». [13] أخرجه البخاري- معلقًا- في التوحيد- باب ﴿ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ «فتح الباري» (13/ 372)، وأخرجه موصولًا النسائي في الطلاق (3460)، وابن ماجه في المقدمة (188)، وأحمد (6/ 46). [14] أخرجه البخاري في التفسير (4613)، وأبو داود في الأيمان والنذور (3254). [15] أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/ 408- 409). [16] أخرجه البخاري في الأيمان (52)، ومسلم في المساقاة (1599)، وابن ماجه في الفتن (3984)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه. [17] في «النونية» ص(148).
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() فوائد وأحكام من قوله تعالى:﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ... ﴾ قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 224، 225] 1- وجوب تعظيم الله عز وجل وأسمائه وصفاته، وعدم الإكثار من الحلف، وعدم الحلف بالله وأسمائه على ترك البر وصلة الرحم والتقوى والإصلاح بين الناس؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾. 2- لا ينبغي أن تكون الأيمان سببًا مانعًا لفعل البر والتقوى والإصلاح بين الناس، ونحو ذلك، وإذا حلف الإنسان على ترك شيء من ذلك فينبغي أن يكفِّر عن يمينه، ويأتي الذي هو خير؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾ الآية. فمن حلف على ترك واجب، أو فعل محرم، وجب عليه الحنث في يمينه، والتكفير عنها، والقيام بالواجب، والابتعاد عن المحرم. ومن حلف على ترك مندوب، أو فعل مكروه، استحب له الحنث، والتكفير وفعل المندوب، وترك المكروه. 3- دلت الآية على أنه إذا تزاحمت الحقوق قدم أهمها، وعلى اعتبار المقاصد في الأقوال، كما هي معتبرة في الأفعال. 4- الترغيب في البر والتقوى، والإصلاح بين الناس؛ لقوله تعالى: ﴿ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ﴾. 5- فضل الإصلاح بين الناس؛ لأن الله خصه بالذكر من بين أعمال البر، وذلك لما فيه من النفع العظيم، المتعدي للآخرين، والقضاء على فساد ذات البين. 6- إثبات صفة السمع لله- عز وجل- الذي وسع جميع الأصوات، وصفة العلم الذي وسع كل شيء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾، وفي هذا وعيد وتحذير لمن ترك ما أمر الله به، أو ارتكب ما نهى الله عنه، ووعد لمن امتثل أمر الله، وابتعد عما نهى الله عنه؛ لأن مقتضى سمعه- عز وجل- وعلمه مجازاة كل بعمله. 7- فضل الله- عز وجل- على العباد، بعدم مؤاخذتهم باللغو في الأيمان، التي تصدر منهم من غير قصد، لعقد اليمين، وكذا غيرها من الأقوال، التي تصدر من غير قصد؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ﴾. 8- يسر الدين الإسلامي في تشريعاته، ومراعاته أحوال المكلفين. 9- أن الأيمان التي يؤاخذ عليها، ويلزم الوفاء بها أو تكفيرها هي الأيمان المنعقدة، التي انطوت عليها القلوب، وكذا أيضًا سائر الأعمال والأقوال؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾. 10- أن مدار الأعمال على القلوب، صلاحًا أو فسادًا، مما يوجب تعاهد القلوب وإصلاحها. 11- إثبات صفة المغفرة الواسعة لله- عز وجل- لذنوب عباده، سترًا لها عن الخلق، وتجاوزًا عن العقوبة عليها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾. 12- إثبات صفة الحلم لله- عز وجل- وأنه- سبحانه- ذو الحلم الواسع، الذي لا يعاجل من عصاه بالعقوبة، بل يمهله لعله يتوب، ولا يهمله؛ لقوله تعالى: ﴿ حَلِيمٌ ﴾. 13- أن من مغفرة الله- عز وجل- وحلمه، عدم المؤاخذة بلغو اليمين، ونحو ذلك.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم تفسير قوله تعالى:﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ قوله تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾[البقرة: 226]. قوله: ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ «للذين» جار ومجرور خبر مقدم، و«تربص» مبتدأ مؤخر. واللام في قوله «للذين» للإباحة، أي: يباح لهم تربص أربعة أشهر، أو للتوقيت، أي: يوقت لهم أربعة أشهر. و«الإيلاء» في الأصل: الحلف، قال الأعشى[1]: فآليت لا أرثي لها من كلالة ![]() ولا من حفى حتى تلاقي محمدًا ![]() ![]() ![]() وقال الآخر: قليل الآلايا حافظ ليمينه ![]() وإن صدرت منه الألية برت[2] ![]() ![]() ![]() وقال الآخر: كفينا من تغيَّب من نزار ![]() وأَحْنَثْنا أليَّة مُقْسِمينا[3] ![]() ![]() ![]() ومعنى ﴿ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ﴾: يمتنعون باليمين من نكاح زوجاتهم، وعدي الفعل «يؤلون» بـ«من» لتضمينه معنى «يمتنعون». ويحتمل أن تكون «من» بمعنى «على» أي: يحلفون على ترك وطء زوجاتهم. وفي هذا دليل على جواز الإيلاء، وأنه يختص بالزوجات، دون الإماء. وقد آلى النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرًا، تسعة وعشرين يومًا؛ كما في حديث عائشة رضي الله عنها[4]. ﴿ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ﴾ التربص: الصبر والانتظار، أي: أنهم يُنْتَظرون مدة أربعة أشهر، بدءًا من إيلائهم، أو يباح لهم الانتظار والامتناع من نسائهم أربعة أشهر. ﴿ فَإِنْ فَاءُوا ﴾ الفيء: الرجوع من حال إلى حال، كما قال تعالى: ﴿ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾ [الحجرات: 9]؛ أي: حتى ترجع إلى أمر الله. ومنه سُمي فيء ظل الشمس فيئًا، لرجوعه من جهة الغرب إلى الشرق بعد الزوال، وسمي «الفيء» وهو ما يؤخذ من الكفار بدون قتال، لرجوعه إلى المسلمين. والمعنى: فإن رجعوا إلى جماع زوجاتهم. ﴿ فإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ أي: فإن الله- عز وجل- ذو مغفرة تامة. فيغفر ما حصل منهم من تقصير في حقوق زوجاتهم، من الحلف على ترك جماعهن أربعة أشهر، مما ينافي العشرة بالمعروف. ﴿ رَحِيمٌ ﴾ أي: ذو رحمة واسعة، فيرحمهم ولا يؤاخذهم على ذلك. فلا يجوز أن تزيد مدة الإيلاء- وهو الحلف على ترك وطء الزوجة- على أربعة أشهر- فإذا تمت هذه المدة وجب على الزوج الفيء والرجوع إلى ما كان عليه وجماع زوجته، فإن لم يرجع، فلها مطالبته بذلك، أو الطلاق، ويجبره الحاكم على ذلك. قال السعدي- رحمه الله[5]- في كلامه على هذه الآية: «وهذا من الأيمان الخاصة بالزوجة، في أمر خاص، وهو حلف الرجل على ترك وطء زوجته مطلقًا، أو مقيدًا، بأقل من أربعة أشهر، أو أكثر، فإن كان لدون أربعة أشهر، فهذا مثل سائر الأيمان، إن حنث كفر، وإن أتم يمينه، فلا شيء عليه، وليس لزوجته عليه سبيل؛ لأنه ملكه أربعة أشهر. وإن كان أبدًا أو مدة تزيد على أربعة أشهر، ضربت له مدة أربعة أشهر من يمينه، إذا طلبت زوجته ذلك؛ لأنه حق لها، فإذا تمت أمر بالفيئة، وهو الوطء، فإن وطئ فلا شيء عليه، إلا كفارة اليمين، وإن امتنع أجبر على الطلاق، فإن امتنع طلق عليه الحاكم». وفي ختم الآية بقوله: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾: ترغيب بالفيء والعود إلى جماع الزوجة والإحسان إليها؛ لأنه أحب إلى الله- عز وجل- فمن فعل ذلك غفر الله له ورحمه، والجزاء من جنس العمل. عن عمرو بن دينار قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل، فسمع امرأة تقول: ![]() فوالله لولا الله أني أراقبه ![]() لحرك من هذا السرير جوانبه ![]() فسأل عمر ابنته حفصة رضي الله عنها كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوج؟ فقالت: ستة أشهر أو أربعة أشهر. فقال عمر: «لا أحبس أحدًا من الجيوش أكثر من ذلك»[6]. وعن السائب بن جبير، مولى ابن عباس، قال: ما زلت أسمع حديث عمر، أنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة، وكان يفعل ذلك كثيرًا، إذ مر بامرأة من نساء العرب، مغلقة بابها، تقول: تطاول هذا الليل وازورّ جانبه ![]() وأرقني أن لا ضجيع ألاعبه ![]() ألاعبه طورًا وطورًا كأنما ![]() بدا قمرًا في ظلمة الليل حاجبه ![]() يسر به من كان يلهو بقربه ![]() لطيف الحشا لا يحتويه أقاربه ![]() فوالله لولا الله لا شيء غيره ![]() لنقض من هذا السرير جوانبه ![]() ولكنني أخشى رقيبًا موكلًا ![]() بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتبه[7] ![]() قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾. قوله: ﴿ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ ﴾ عزموا: بمعنى «قصدوا» ولهذا عُديَ بنفسه، أي: وإن قصدوا بعزيمة تامة طلاق زوجاتهم اللاتي مضى على إيلائهم منهن أربعة أشهر. وفي هذا دلالة على أنه لا يقع الطلاق بمجرد مضي أربعة أشهر على الإيلاء. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «إذا آلى الرجل من امرأته، لم يقع عليه طلاق، وإن مضت أربعة أشهر، حتى يوقف، فإما أن يطلق، وإما أن يفيء»[8]. ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ أي: فإن الله عز وجل ذو سمع تام يسع جميع الأصوات. وذو علم وسع كل شيء، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [طه: 98]. سميع لما يقولون من الإيلاء والطلاق وغير ذلك، عليم بما يفعلون، وما يعزمون عليه في نفوسهم، وغير ذلك. وفي وصفه عز وجل بهذين الوصفين «سميع» «عليم» مقترنين زيادة كمال إلى كماله عز وجل. وختم الآية: ﴿ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ... ﴾ بقوله: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾؛ لأن الطلاق لفظ يسمع ومعنى يقصد، وفي ذلك إشارة إلى ما يشبه التخويف والتحذير، وذلك لعظم أمر الطلاق وبغضه عند الله- عز وجل- ولوجوب مراعاة أحكامه، والإشارة إلى أنه خلاف الأولى. ونجد الفرق بين هذا، وبين ختام الآية السابقة: ﴿ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ فالفيء: الرجوع إلى جماع الزوجة، وإلى ما كان عليه الحال قبل الإيلاء، وهو أمر محبوب عند الله- عز وجل- ولهذا وعد بعده بالمغفرة والرحمة. [1] في «ديوانه» (ص185). [2] البيت لكثير عزة. انظر «ديوانه» (ص59). [3] انظر: «جامع البيان» (4/ 42), و«التبيان» (2/ 231). [4] أخرجه البخاري في الصوم (1910)، ومسلم في الصيام (1085)، وابن ماجه في الطلاق (2061). [5] في «تيسير الكريم الرحمن» (1/ 280- 281). [6] ذكر هذا كله ابن كثير في «تفسيره» (1/ 394). وقال: «وقد روي هذا من طرق، وهو من المشهورات». وقد أخرج بعض هذا عبدالرزاق في «مصنفه» (7/ 151- 152 رقم12593 و12594)، وسعيد بن منصور في «سننه» (2/ 210 رقم2463)، والبيهقي في «سننه» (9/ 51 رقم17850). [7] انظر «محاسن التأويل» (2/ 133). [8] أخرجه البخاري في «الطلاق» (5291).
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم تفسير قوله تعالى:﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ... ﴾ قوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 228]. ســبب النــزول: عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية رضي الله عنها «أنها طلقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للمطلقة عدة، فأنزل الله- عز وجل- حين طلقت أسماء بالعدة للطلاق، فكانت أول من أنزلت فيها العدة للمطلقات»[1]. قوله: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ الواو: عاطفة، و«المطلقات»: جمع مطلقة، أي: اللاتي طلقهن أزواجهن. ﴿ يَتَرَبَّصْنَ ﴾: خبر بمعنى الأمر، أي: عليهن أن ينتظرن بأنفسهن بعد طلاقهن ويصبرن عن الزواج. وفي قوله: ﴿ يَتَرَبَّصْنَ ﴾ إشارة إلى شدة حاجة المرأة إلى الزواج، وقوة الداعي فيها إليه، فهي تُرَوِّض نفسها وتصبرها في هذه الحال. ﴿ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ القروء: جمع قرء، بفتح القاف، وبضمها، وهو: الحيض، كما يدل عليه قوله تعالى: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ ﴾ [الطلاق: 4]، فرتب العدة بالأشهر على عدم الحيض، مما يدل على أن أصل العدة بالحِيَض، والأشهر بدل منها. وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة استحاض، فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا، إنما ذلك عرق، وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك، فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، ثم صلي»[2]. وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، منهم بضعة عشر من الصحابة، منهم الخلفاء الأربعة وغيرهم[3]. وهو الصحيح؛ لأن الحيض هو الذي يدل على براءة الرحم، وخلوه من الحمل. وإليه ذهب أبو حنيفة[4]، وأحمد في أصح الروايتين عنه. وقال: «الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: الأقراء الحيض»[5]. وعلى هذا، فإذا طهرت المطلقة من الحيضة الثالثة، انتهت عدتها، وجاز لها الزواج. وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن المراد بالقرء الطهر، وهو قول عائشة رضي الله عنها، وابن عمر رضي الله عنهما، ورُوي عن ابن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهما، وجمع من التابعين، والفقهاء بعدهم[6]، منهم مالك[7] والشافعي[8]. واستُشهد لهذا بقول الأعشى يمدح أحد أمراء العرب: ففي كل عام أنت جاشم غزوة ![]() تشد لأقصاها عزيم عزائكا ![]() مورثة مالًا وفي الحي رفعة ![]() لما ضاع فيها من قروء نسائكا ![]() أي: إنه آثر الغزو على المقام، حتى ضاعت أيام الطهر من نسائه، لم يجامعهن فيها[9]. وعلى هذا فإذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد انتهت عدتها. وذهب بعض أهل العلم من أهل اللغة وغيرهم إلى أن القُرء يطلق على الوقت لمجيء الشيء المعتاد أو إدباره، فيطلق على الحيض وعلى الطهر[10]، لكن على هذا يبقى الخلاف في المراد به في الآية. ويستثنى من هذا الأَمَة، فعدتها قُرْآن فقط، أي: حيضتان، لما رُوي عن عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم قال: «عدة الأمة حيضتان»[11]. ولأن الأَمَة على النصف من الحرة، والقُرء لا يتبعض، فَكُمِّل لها قُـرْآن. وقد جعل الله- عز وجل- العدة على المطلقة- لحكم عظيمة، منها: تعظيم حق الزوج، وإتاحة الفرصة له لمراجعتها، والتأمل في حاله، إذا كان الطلاق رجعيًّا، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾ [الطلاق: 1]. وفي هذا مراعاة حق الزوجين ومصلحتهما معًا. ومنها: التأكد من براءة الرحم، وخلوه من الحمل؛ لئلا تختلط المياه، إذا تزوجت بعد الطلاق مباشرة. ومنها: تعظيم أمر عقد النكاح، كما قال تعالى: ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 21]. وقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله»[12]. قوله: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ أي: ولا يجوز للمطلقات أن يخفين الذي أوجده الله من حمل أو حيض في أرحامهن؛ لأجل الاستعجال في انقضاء العدة أو إطالتها، ونحو ذلك، وذلك لما يترتب على الكتمان من محاذير شرعية عظيمة. والأرحام: جمع رحم وهو موضع تَكَوُّن الجنين. ﴿ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ أي: إن كن يصدقن بالله واليوم الآخر، وفي هذا تخويف وتحذير لهن من الكتمان. والإيمان بالله: هو الإيمان بوجوده، وربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته، وشرعه. والإيمان باليوم الآخر: هو التصديق بالبعث والحساب، والجزاء على الأعمال. وسمي يوم القيامة باليوم الآخر؛ لأنه آخر الأيام، فآخر ليلة من الدنيا صبيحتها يوم القيامة، ولا يوم بعده. وكثيرًا ما يقرن الله- عز وجل- بين الإيمان به واليوم الآخر؛ لأن الإيمان باليوم الآخر من أعظم ما يحمل الناس على مراقبة الله عز وجل. قال ابن كثير[13] في كلامه على الآية: «ودل هذا على أن المرجع في هذا إليهن؛ لأنه أمر لا يعلم إلا من جهتهن، وتتعذر إقامة البينة غالبًا على ذلك، فرد الأمر إليهن، وتوعدن فيه، لئلا تخبر بغير الحق، إما استعجالًا منها لانقضاء العدة، أو رغبة منها في تطويلها؛ لما لها في ذلك من المقاصد، فأمرت أن تخبر بالحق في ذلك، من غير زيادة ولا نقصان». ﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ﴾ «بعولة»: جمع بعل، وهو: الزوج، كما قال الله- عز وجل- عن امرأة إبراهيم عليه السلام: ﴿ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾ [هود: 72]؛ أي: زوجي. أي: وأزواجهن ﴿ أحَقُّ ﴾ أي: أحق وأولى برجعتهن منهن ومن أوليائهن وغيرهم، فكما أن الطلاق بأيدي الأزواج، فكذلك الرجعة بأيديهم. وقوله: ﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ ﴾ يقتضي أنهن أزواج بعد الطلاق الرجعي. ﴿ فِي ذَلِكَ ﴾ الإشارة إلى التربص المفهوم من قوله تعالى: ﴿ يَتَرَبَّصْنَ ﴾ أي: في مدة التربص ثلاثة قروء. والمعنى: وأزواجهن أحق بإرجاعهن، إذا رغبوا في ذلك، ما دُمنَ في العدة، وقوله: ﴿ أحق ﴾ اسم تفضيل، أي: أزواجهن أحق بردهن من أنفسهن. ﴿ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ﴾ «إن»: شرطية، و«أرادوا»: فعل الشرط، وجوابه يدل عليه ما سبق، أي: إن أرادوا إصلاحًا فهم أحق بردهن، والمعنى: وأزواجهن أحق وأولى برجعتهن إن أرادوا إصلاحًا لما بينهم وبينهن، وائتلافًا. ويفهم من هذا أنهم إن لم يريدوا الإصلاح، بل أرادوا المضارة، وتطويل العدة عليهن، ونحو ذلك، فليسوا أحق بردهن، ولا تجوز لهم مراجعتهن، كما قال تعالى: ﴿ لَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [البقرة: 231]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ ﴾ [الطلاق: 6]. كما يجب أيضًا على الزوجات في هذه الحال إرادة الإصلاح، كما قال تعالى في سورة النساء: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ﴾ [النساء: 35]. ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ أي: وللزوجات على أزواجهن، قبل الطلاق وبعده، ما دُمنَ رجعيات، من الحقوق، وحسن العشرة مثل الذي لهم عليهن من ذلك ﴿ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ أي: بما هو معروف شرعًا وعرفًا، لكل من الزوجين على الآخر. فلهن عليهم تحصينهن بوطئهن، والإنفاق عليهن، وكسوتهن، وإسكانهن، وتعليمهن، ونحو ذلك. ولهم عليهن طاعتهم بالمعروف، وتمكينهم من وطئهن، وحفظ أنفسهن، وأولادهم وأموالهم، وبيوتهم، ونحو ذلك. قال ابن القيم[14]: «فأخبر أن للمرأة من الحق مثل الذي عليها، فإذا كان الجماع حقًّا للزوج عليها، فهو حق لها على الزوج، بنص القرآن، وأيضًا فإنه سبحانه أمر الأزواج أن يعاشروا الزوجات بالمعروف، ومن ضد المعروف أن يكون عنده شابة، شهوتها تعدل شهوة الرجل، أو تزيد عليها، بأضعاف مضاعفة، ولا يذيقها لذة الوطء مرة واحدة، ومن زعم أن هذا من المعروف كفاه طبعه ردًا عليه. والله- سبحانه وتعالى- إنما أباح للأزواج إمساك نسائهم على هذا الوجه، لا غيره، فقال تعالى: ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229]». عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف»[15]. وعن معاوية القشيري عن أبيه عن جده أنه قال: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت»[16]. وهذه الحقوق على الزوجين لكل منهما على الآخر تشمل جميع حقوق المعاشرة بالمعروف قولًا وفعلًا وبذلًا وخلقًا، وغير ذلك. قال ابن عباس رضي الله عنهما: «إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله يقول: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾»[17]. وقدَّم- في الذكر- حق النساء، فقال: ﴿ وَلَهُنَّ ﴾- والله أعلم- تأكيدًا لذلك، ولئلا يعتقد الرجال أن جعل القوامة فيهم، كما في قوله تعالى في سورة النساء: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 34]، يبرر لهم التساهل في حقوقهن عليهم، بل إن القوامة من أعظم حقوقهن عليهم. وقدّم حقهن أيضًا؛ لأن المرأة أسيرة عند الرجل، مهيضة الجناح، فلا يجوز التهاون في حقها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الله في النساء، فإنهن عندكم عوان، لا يملكن لأنفسهن شيئًا»[18]. وقوله: ﴿ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ أي: بما هو معروف بين الناس، من حقوق الزوجات على أزواجهن، مع مراعاة اختلاف طبقات النساء، فلكل امرأة من الحقوق ما لأمثالها من النساء، حسب يسر زوجها وعسره، قال تعالى: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7]. ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ لما ذكر- عز وجل- أن للنساء مثل الذي عليهن بالمعروف أتبع ذلك بقوله: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ احترازًا من أن يظن مساواة النساء للرجال مطلقًا. ومعنى ﴿ دَرَجَةٌ﴾ أي: زيادة في الفضيلة. فلهم فضل عليهن في العقل والدين؛ لأنهم أكمل عقولًا ودينًا منهن من حيث العموم. قال صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن»، فسُئِل صلى الله عليه وسلم عن نقص دينهن؟ فقال: «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم»، وسُئِل عن نقص عقولهن؟ فقال: «جُعِلت شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل»[19]. كما قال تعالى: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ [البقرة: 282]. ولهم فضل عليهن في خَلْقِهم، وخُلُقهم، فهم أشد خَلْقًا، وأقوى أجسامًا منهن، وهم أقدر منهن على الصبر والتحمل، ورباطة الجأش، والإمساك بزمام العاطفة، قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾ [الزخرف: 18]. ولهم فضل عليهن في كون النبوة فيهم والقضاء والإمامة الصغرى والكبرى، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»[20]. ولهم فضل عليهن في الميراث، فميراث الرجل بقدر ميراث امرأتين، قال تعالى: ﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11]. ولهم فضل عليهن بشهود الجُمَع والجماعات وانعقادها بهم دونهن، وفي الجهاد. ولهم فضل عليهن بقوامتهم عليهن، وإنفاقهم عليهن، كما قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]. ولهم فضل عليهن في الحقوق بوجوب طاعتهن لهم، قال تعالى: ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 34]. وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفِظت فرجها، وأطاعت زوجها؛ قيل لها: ادخلي الجنة، من أي أبواب الجنة شئت»[21]. وليس على الرجال طاعة النساء، وإنما عليهم أداء حقوقهن. ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ﴾ له العزة التامة بأنواعها الثلاثة. ﴿ حَكِيمٌ ﴾ له الحكم التام بأقسامه الثلاثة، وله الحكمة البالغة، بقسميها. حكيم في خلقه وأمره وشرعه، يضع الأمور مواضعها. وكثيرًا ما يقرن عز وجل في وصف نفسه بين هذين الوصفين؛ لأن باجتماعهما في حقه- عز وجل- زيادة كماله- عز وجل- إلى كمال، فعزته- عز وجل- مقرونة بالحكمة، وحكمه مقرون بالعزة. بخلاف المخلوق الضعيف فعزته- إن عز- مقرونة غالبًا بالغشم والجهل، وحكمه قد يقترن بالضعف. [1] أخرجه أبوداود في الطلاق- عدة المطلقة (2281). [2] أخرجه البخاري في الوضوء (228)، ومسلم في الحيض (333)، وأبو داود في الطهارة (282)، والنسائي في الحيض (359)، والترمذي في الطهارة (125)، وابن ماجه في الطهارة وسننها (621). [3] انظر: «جامع البيان» (4/ 87- 95)، «تفسير ابن أبي حاتم» (2/ 415)، «الناسخ والمنسوخ» للنحاس (2/ 34- 35)، «تفسير ابن كثير» (1/ 397). [4] انظر: «مختصر الطحاوي» (ص217)، «شرح معاني الآثار» (3/ 64)، «فتح القدير» لابن الهمام (4/ 308- 309)، «تبيين الحقائق» (3/ 26)، «حاشية ابن عابدين» (3/ 505). [5] انظر: «مسائل الإمام أحمد» رواية النيسابوري (1/ 245)، «المسائل الفقهية» لأبي يعلى (2/ 209)، «الإفصاح» لابن هبيرة (2/ 173)، «المغني» (7/ 452- 453)، «زاد المعاد» (5/ 601). [6] انظر: «جامع البيان» (4/ 95- 100)، «تفسير ابن أبي حاتم» (2/ 414)، «تفسير ابن كثير» (1/ 396- 397). [7] انظر: «المدونة» (2/ 419)، «الموطأ» ص(395)، «أحكام القرآن» لابن العربي (1/ 184). [8] انظر: «الأم» (5/ 209- 210)، «المهذب» (2/ 14)، «تفسير ابن كثير» (1/ 397). [9] انظر: «ديوان الأعشى» ص(91)، «لسان العرب» مادة «قرأ»، «تفسير ابن كثير» (1/ 397). [10] انظر: «جامع البيان» (4/ 101)، «لسان العرب» مادة «قرأ»، «تفسير ابن كثير» (1/ 398). [11] انظر: «الناسخ والمنسوخ» للنحاس (2/ 43)، «تفسير ابن كثير» (1/ 396). [12] سيأتي تخريجه. [13] في «تفسيره» (1/ 398). [14] انظر: «بدائع التفسير» (1/ 405). [15] أخرجه مسلم في الحج (1218)، وأخرجه من حديث أبي حرة الرقاشي أبوداود في المناسك (1905)، وابن ماجه في المناسك (3074). [16] أخرجه أبوداود في النكاح (2142)، وابن ماجه في النكاح (1850). [17] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (4/ 120)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/ 417). [18] أخرجه أحمد (5/ 72، 73)، من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه رضي الله عنه. [19] سبق تخريجه. [20] أخرجه البخاري في المغازي (4425)، والنسائي في آداب القضاة (5388)، والترمذي في الفتن (2262)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه. [21] أخرجه أحمد (1/ 191)، من حديث عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم فوائد وأحكام من قوله تعالى:﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ... ﴾ قوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 228]. 1- إباحة الطلاق، وهو مكروه لله عز وجل؛ لحديث: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»[1]. ولأنه أمر محبوب للشيطان، كما في حديث بعث الشيطان سراياه: «فيأتي أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه، ويقول: نِعْمَ أنت»[2]. وكل أمر محبوب للشيطان، ومن تزيينه، فهو مكروه عند الله عز وجل. 2- وجوب اعتداد المطلقات وانتظارهن عن الزواج، ثلاث حيض، لقوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾. ويستثنى من هذا: النساء اليائسات من الحيض، واللاتي لم يحضن لصغرهن، فعدتهن ثلاثة أشهر، وكذا الحوامل عدتهن وضع حملهن؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4]. ويستثنى من ذلك المطلقة قبل الدخول والخلوة؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49]. كما أن عدة الأمة حيضتان لما ثبت عن عمر رضي الله عنه[3] وغيره من الصحابة. 3- شدة حاجة النساء إلى الزواج، وقوة الداعي عندهن إلى ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ﴾ أي: يُصَبِّرن أنفسهن ويحبسنها، عن الزواج وإن كان الداعي إليه قويًّا، والحاجة إليه شديدة. 4- تحريم كتمان المطلقات ما خلق الله في أرحامهن من الحمل، أو الحيض، ووجوب إظهاره وبيانه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ﴾. 5- أن المرجع في هذا الأمر هي المرأة؛ لأنه لا يعرف إلا من جهتها، وخبرها مقبول في مثل هذا، فعليها بيان الحق، وعدم كتمانه. 6- وجوب الإيمان بالله واليوم الآخر؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾، وأن من شرط الإيمان بالله واليوم الآخر أن لا تكتم المطلقة ما خلق الله في رحمها. 7- أن الإيمان باليوم الآخر من أعظم ما يحمل على مراقبة الله؛ لهذا كثيرًا ما يقرن- عز وجل- بين الإيمان به واليوم الآخر. 8- أن المطلقة الرجعية في حكم الزوجة، لقوله تعالى: ﴿ وبعولتهنَّ ﴾ فسماهم بعولة لهن بعد طلاقهم لهن مما يدل على أن الزوجية ما زالت باقية. 9- أن الأزواج أحق بمراجعة مطلقاتهم الرجعيات، ما دُمن في العدة، وليس لهن الاعتراض على ذلك ولا الإلزام به، فإذا انتهت العدة فلا رجعة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾. بخلاف البائن فلا رجعة لزوجها عليها؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 230]؛ أي: فإن طلقها الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، ولقوله تعالى في المطلقة قبل الدخول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49]، وذلك لأن الطلاق قبل الدخول بائن. 10- يجب أن يكون قصد من يراجع مطلقته الإصلاح، لا المضارة؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ﴾، فإن لم يرد الإصلاح، بل قصد المضارة لها، وإطالة عدتها، حرم عليه مراجعتها، لأنه ليس له الحق بمراجعتها بهذا القصد. 11- أن للنساء على الرجال مثل ما لهم عليهن، من العشرة بالمعروف، والنفقة، والسكنى والجماع، وغير ذلك من الحقوق بين الزوجين، حسب المعروف شرعًا وعرفًا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾. ومن أعظم حقوق الزوجين على الآخر – والذي لا يهتم به كثير من الأزواج – أن يسعى كل منهما ما استطاع لإعفاء الآخر؛ بظهور كل منهما أمام الآخر بأجمل صورة، وأزكى رائحة، وأكرم خلق، حتى ترى الزوجة في زوجها جمال يوسف عليه السلام، ويرى فيها جمال العنقاء، فلا هي ترى أجمل منه، ولا هو يرى أجمل منها، ويكتفى كل منهما ويقنع الآخر، ويسلم كل منهما من النظر هنا وهناك. أما أن تأتي الزوجة إلى زوجها بلباس المطبخ، ويأتي إليها بلباس السفر أو لباس الورشة فهذا لا ينبغي، وهو تقصير من كل منهما في حق صاحبه، ومؤذن بنفور كل منهما من الآخر. و«على نفسها جنت براقش»[4]. 12- وجوب العناية بأداء حقوق الزوجات، وعدم التهاون فيها؛ ولهذا قدم حقهن فقال: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ ﴾. 13- فضل الرجال وزيادة حقهم على النساء من حيث العموم؛ لما خصهم الله به من تمام العقل والدين، وغير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾. 14- الإشارة إلى أن الرجال إنما فضلوا على النساء بسبب رجولتهم، والتي قوامها تعظيم الخالق- عز وجل- والقيام بحقوقه، وحقوق من تحت ولايتهم من النساء وغيرهن، كما قال عز وجل: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 36، 37]. وقال صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر»[5]. وفي هذا إشارة إلى أنهم إنما أعطوا ما بقي بعد الفرائض لرجولتهم التي بسببها تحملوا كثيرًا من المسؤوليات والنفقات. 15- إثبات صفة العزة التامة لله عز وجل؛ عزة القوة، وعزة القهر والغلبة، وعزة الامتناع؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ﴾. 16- إثبات صفة الحكم التام لله عز وجل؛ الحكم الكوني، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي، وإثبات صفة الحكمة البالغة له عز وجل: الحكمة الغائية، والحكمة الصورية؛ لقوله تعالى: ﴿ حَكِيمٌ ﴾. [1] أخرجه أبوداود في الطلاق (2178)، وابن ماجه في الطلاق (2018)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. [2] أخرجه مسلم في صفة القيامة والجنة والنار (2813)، من حديث جابر رضي الله عنه. [3] سبق تخريجه. [4] براقش: اسم كلبة نبحت ليلًا، فدلت على أهلها خيلًا مغيرة. وهو مثل يضرب لمن لقي شرًّا وآفته من نفسه؛ انظر: «الأمثال» للهاشمي (1/ 170)، وانظر: «الحيوان» (2/ 268، «محاضرات الأدباء» (2/ 703). [5] أخرجه البخاري في الفرائض (6732)، ومسلم في الفرائض (1615)، وأبو داود في الفرائض (2898)، والترمذي في الفرائض (2098)، وابن ماجه في الفرائض (2740)، من حديث ابن عباس رضى الله عنه.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم تفسير قوله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ... ﴾ قوله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229]. ســبب النزول: عن عروة بن الزبير، قال: «كان الرجل أحق برجعة امرأته- وإن طلقها ما شاء، مادامت في العدة، وإن رجلًا من الأنصار غضب على امرأته، فقال: لا أؤويك ولا أفارقك، قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك، فإذا دنا أجلك راجعتك، ثم أطلقك، فإذا دنا أجلك راجعتك. فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله- عز وجل: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾ قال: فاستقبل الناس الطلاق، من كان طلق، ومن لم يكن طلق»[1]. قوله: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾ الطلاق: فك وحل قيد النكاح، وسمي طلاقًا؛ لأن الزوجة قبله في قيد النكاح، الذي هو في يد الزوج، كما قال تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ﴾ [البقرة: 237]، ولهذا سمى عز وجل زوج امرأة العزيز سيدها، فقال تعالى: ﴿ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ﴾ [يوسف: 25]. وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا فاتقوا الله - عز وجل- بالنساء، فإنهن عندكم عوان»[2]، وفي رواية: «ألا فاستوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عوان عندكم»[3]، أي: أسيرات. ومعنى قوله: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾؛ أي: الطلاق الذي تمكن فيه الرجعة مادامت المطلقة في العدة. ﴿ مرتان ﴾ أي: طلقتان، بأن يطلق مرة، ثم يراجع، ثم يطلق مرة، ثم يراجع، وهو طلاق السنة، وهو كاف لمراجعة المطلِّق أمره في هذه المدة. وقد كانوا في الجاهلية، بل وفي أول الإسلام يطلق الرجل امرأته ما شاء، وهو أحق برجعتها ما دامت في العدة، ولو طلقها مائة طلقة، فأبطل الله ذلك؛ لما فيه من الضرر على الزوجات، وبيَّن أن الطلاق الذي تمكن فيه الرجعة الطلقة والطلقتان فقط. ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾؛ أي: فعليكم إذا طلقتم النساء إمساك ﴿ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾؛ أي: إمساك لهن بمراجعتهن ما دمن في العدة ﴿ بمعروف ﴾؛ أي: بما عرف في الشرع، وعند الناس من حسن العشرة، قولًا وفعلًا وبذلًا. وقدِّم الإمساك بمعروف؛ لأنه أحب إلى الله- عز وجل- لما فيه من استمرار الحياة الزوجية، وذلك خير من الفراق. ﴿ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ التسريح: الإرسال والإطلاق للشيء، وتخلية سبيله، والمعنى: أو إطلاق لهن بإحسان، وذلك بتركهن حتى تنقضي عدتهن، وتخلية سبيلهن، وإعطائهن ما لهن من حقوق، وتمتيعهن، جبرًا لخواطرهن، وتطييبًا لقلوبهن، وتخفيفًا لمرارة الفراق عليهن. كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 231]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49]. وأمر عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لأزواجه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 28]. ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا ﴾، لما أمر في الآية السابقة بالإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان، أتبع ذلك ببيان أن من التسريح بإحسان ألا يأخذوا مما أعطوهن شيئًا؛ أي: ولا يحل لكم أيها الأزواج أن تأخذوا من الذي أعطيتموهنَّ من المهور والنفقات والهدايا وسائر الأعطيات ﴿ شَيْئًا ﴾. و«شيئًا»: نكرة في سياق النفي تعم أي شيء؛ أي: لا يحل لكم أن تأخذوا مما أعطيتموهن أيّ شيء مهما كان صغيرًا أو كبيرًا، قليلًا أو كثيرًا؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]. لكن لو أعطت المرأة زوجها شيئًا مما دفعه إليها عن طيب نفس منها، حلَّ له أخذه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ [النساء: 4]. ﴿ إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾ «إلا» أداة استثناء. قرأ أبو جعفر ويعقوب وحمزة بضم الياء: «يُخافا» بالبناء للمفعول، أي: إلا أن يخاف الحاكم والقاضي، أو أهل الزوجين أو من علم حالهما من المسلمين ﴿ ألَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾، ولهذا قال بعده: ﴿ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾. وقرأ الباقون بفتح الياء ﴿ يخافا ﴾ بالبناء للفاعل، أي: إلا أن يخاف الزوجان ﴿ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾. والخوف: توقع حصول أمر مكروه؛ لأمارة معلومة أو مظنونة. والمعنى على القراءة الأولى: إلا أن يُخاف أن لا يقيم الزوجان حدود الله فيما بينهما. والمعنى على القراءة الثانية: إلا أن يخاف الزوجان أن لا يقيما حدود الله- فيما بينهما، وهي ما يجب على كل منهما من حقوق تجاه الآخر. و﴿ حدود الله ﴾ في الأصل تعم جميع أوامر الله- عز وجل- ونواهيه، وسميت أوامر الله- عز وجل- ونواهيه «حدودًا» لوجوب القيام بأوامره- عز وجل- وعدم جواز تجاوزها، كما قال تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ﴾ [البقرة: 229]، ولوجوب ترك نواهيه، وعدم قربها؛ كما قال عز وجل: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ﴾ [البقرة: 187]. ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾ تصريح بمفهوم الجملة السابقة؛ لتأكيد عدم جواز أخذ الرجل شيئًا مما أعطاه لزوجته، إلا في حال الخوف من عدم إقامة حدود الله فيما بينهما. والخطاب في قوله: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ ﴾ لحكام المسلمين وقضاتهم، وأهل الزوجين، ومن علم حالهما من المسلمين، ممن يمكنه الإصلاح بينهما. ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴾ أي: فلا حرج ولا إثم عليهما، أي: على الزوجين. ﴿ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾؛ أي: في الذي افتدت به نفسها منه، برد بعض ما أعطاها إليه، أو كله، أو أكثر منه؛ أي: فلا حرج عليها في طلب الطلاق والخلع، وبذل الفداء في هذه الحال، ولا حرج عليه في قبول ذلك وأخذه، والفدية والفداء: مال أو عرض يدفع مقابل الخلاص؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتردين عليه حديقته»؟ قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقبل الحديقة، وطلقها تطليقه»[4]. وفي بعض الروايات أنها قالت: «لا أطيقه بغضًا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أتردين عليه حديقته»؟ قالت: نعم، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد»[5]. هذا فيما إذا خافا ألا يقيما حدود الله بينهما، كما في قصة امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنهما؛ حيث وصلت بها كراهتها له إلى حالة تحوُّل بينها وبين القيام بحقه، فيجوز للمرأة في مثل هذه الحال أن تفدي نفسها منه، وله أخذ ذلك. ومفهوم قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾: أنه إذا لم يخافا ألا يقيما حدود الله فيما بينهما، فلا يجوز لها أن تفتدي نفسها منه، ولا يجوز له قبول ذلك وأخذه. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق، من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة»[6]. وفي تسميته «فدية»: دلالة على حصول البينونة في الخلع؛ لأن المرأة تفدي نفسها بما تبذله من مال. تلك الإشارة لما سبق من الأحكام الشرعية في الطلاق والخلع وغيرهما. ﴿ حُدُودَ اللَّهِ ﴾ حدود جمع «حد»، وهو الفاصل بين شيئين، ومنه حدود الأرض ومراسيمها، وهي ما يفصل بعضها عن بعض. و﴿ حُدُودَ اللَّهِ ﴾: أحكامه وشرائعه، وهي تنقسم إلى قسمين: حدود أوامر وواجبات، سميت حدودًا؛ لأنه يجب القيام بها، ولا يجوز تجاوزها ولا تعديها، كما قال تعالى هنا: ﴿ فَلَا تَعْتَدُوهَا ﴾. وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 14]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [الطلاق: 1]. والقسم الثاني: حدود نواهٍ ومحرمات، وسميت حدودًا؛ لأنه يجب تركها، وعدم قربها، كما قال تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ﴾ [البقرة: 187]، وفي تسميتها حدود الله- تعظيم لها، وتحذير من مخالفتها. ﴿ فلا تعتدوها ﴾ أي: أقيموها، ولا تتجاوزوها؛ عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله حدّ حدودًا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تضيِّعوها، وحرَّم محارم فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً لكم من غير نسيان فلا تسألوا عنها»[7]. ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ ﴾ أي: ومن يتجاوز ﴿ حُدُودَ اللَّهِ ﴾ أي: أوامره، ويرتكب نواهيه. ﴿ فَأُولَئِكَ هم الظالمون ﴾: أشار إليهم بإشارة البعيد تحقيرًا لهم، وأكد الظلم فيهم بكون الجملة اسمية معرفة الطرفين، وبضمير الفصل «هم». أي: فأولئك الذين بلغوا الغاية في الظلم؛ ظلم أنفسهم وزوجاتهم، وغير ذلك، واقتحموا الحرام، ولم يسعهم الحلال. والظلم في الأصل: النقص، قال تعالى: ﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ﴾ [الكهف: 33]؛ أي: ولم تنقص منه شيئًا. وهو أيضًا وضع الشيء في غير موضعه على سبيل العدوان، وأظلم الظلم: الشرك، كما قال تعالى حكاية عن لقمان أنه قال لابنه: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]. وهو قسمان: 1- ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه بالذنوب والمعاصي، وأعظم ذلك الشرك بالله. 2- ظلم الغير بالاعتداء على دمائهم وأموالهم وأعراضهم وغير ذلك، وهو أيضًا من ظلم النفس. قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾. قوله: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا ﴾؛ أي: طلقة ثالثة، بعد أن طلقها مرتين. ﴿ فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ﴾ أي: فلا تحل له من بعد الطلقة الثالثة. ﴿ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾ أي: حتى تتزوج زوجًا غيره، ويطأها بعقد صحيح، لما روته عائشة رضي الله عنها: أن رفاعة القرظي طلق امرأته ثلاثًا، فتزوجت بعده عبدالرحمن بن الزَّبير، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن رفاعة طلقني، فبَتَّ طلاقي، وتزوجت بعده عبدالرحمن بن الزَّبِيرِ، ولم يكن معه إلا مثل هُدْبَةِ الثوب، وقالت بثوبها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟! لا، حتى تذوقي عُسَيْلَتَهُ، ويذوق عُسَيْلَتَكِ»[8]. وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إن العسيلة الجماع»[9]. وفي اشتراط حلها لزوجها الأول بعد الطلقة الثالثة أن يعقد عليها زوج آخر ويطأها ردع للأزواج وتحذير للمطلق وتنفير له من إيقاع الطلقة الثالثة، ونوع من العقوبة له؛ لأن الرجل قد ينفر من اقتران زوجته بغيره، حتى لو كان لا يرغب مراجعتها، فكيف إذا كان يرغب في ذلك. كما يشترط أن يكون النكاح الثاني نكاح رغبة، فإن كان قصد الزوج الثاني مجرد تحليلها للزوج الأول لم يصح ذلك؛ لبطلان النكاح؛ للحديث: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلِّل والمحلَّل له»[10]. ﴿ فإن طلَّقها ﴾؛ أي: الزوج الثاني، أو خالعها، أو مات عنها، وانقضت عدتها منه. ﴿ فَلَا جُنَاحَ ﴾؛ أي: فلا حرج ولا إثم على الزوج الأول وزوجته ﴿ أَنْ يَتَرَاجَعَا ﴾؛ أي: أن يرجع كل منهما إلى الآخر بعقد جديد. واختلف هل تعود إلى زوجها الأول بما بقي من الطلقات، أو بالطلقات الثلاث كلها. ﴿ إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾؛ أي: إن غلب على ظنهما أنهما سيقيمان حدود الله فيما بينهما بحسن معاشرة كل منهما الآخر، وأداء حقه بالمعروف- وهذا شرط في تراجعهما. ومفهوم هذا أنهما إن لم يظنا أن يقيما حدود الله فيما بينهما لم يجز أن يتراجعا. ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ﴾ الواو: عاطفة، والإشارة إلى ما سبق من أحكام النكاح والطلاق، وغير ذلك، وأشار إليها بإشارة البعيد تعظيمًا لها، وسماها حدودًا؛ لأنه لا يجوز تجاوزها ولا تعديها. ﴿ يُبَيِّنُهَا ﴾؛ أي يفصِّلها ويوضحها بما أنزل من الوحي في الكتاب والسنة، كما قال تعالى: ﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 97]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 52]. وقال تعالى: ﴿ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ﴾ [النور: 18]، وقال تعالى: ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44]. ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ أي: لقوم يعلمون العلم النافع الذي يهتدون به إلى العمل الصالح، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]؛ أي: بالعلم النافع والعمل الصالح، فأعظم العلوم وأجلّها وأعلاها: علم معرفة الله- عز وجل- وعبادته كما شرع، والمسارعة والمسابقة إلى ذلك. وهم المعنيون بقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28]، وبقوله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]. أما من كان علمه دون ذلك سواء كان علمًا دينيًّا، أو علمًا دنيويًّا، فلا يوصف بوصف العلم على إطلاقه، لكن كما قال تعالى: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7]، وما أكثر هؤلاء حتى بين المنتسبين للعلوم الشرعية. المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن» [1] أخرجه مالك في الطلاق- جامع الطلاق (2/ 588)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (5/ 260)، والطبري في «جامع البيان» (4/ 125، 126، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/ 418)، والبيهقي في «سننه» (7/ 333). وأخرجه الترمذي في الطلاق (1192)، والحاكم في «المستدرك» (2/ 279)، من حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها. والأصح وقفه على عروة- كما قال البخاري والترمذي. انظر: «علل الترمذي الكبير» (1/ 470- رقم 180). [2] سبق تخريجه. [3] أخرجها الترمذي في الرضاع (1163)، وابن ماجه في النكاح (1851)، من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح». [4] أخرجه البخاري في الطلاق (5273)، والنسائي في الطلاق (3463)، وابن ماجه في الطلاق (2056). [5] جاء هذا في رواية ابن ماجه، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (1/ 403) من رواية ابن مردويه وابن ماجه، قال ابن كثير: «وهذا إسناد مستقيم». [6] أخرجه أبوداود في الطلاق (2226)، والترمذي في الطلاق واللعان (1187)، وابن ماجه في الطلاق (2055)، وأحمد (5/ 277)، والطبري في «جامع البيان» (4/ 151)، من حديث ثوبان رضي الله عنه. [7] أخرجه الدارقطني في «سننه» (4/ 297 – 298)، وأبونعيم في الحلية (9/ 17)، والحاكم في «المستدرك» (4/ 115)، والبيهقي في «سننه» (10/ 13)، وصححه ابن كثير في «تفسيره» (3/ 252). وقد أخرجه الطبري في «جامع البيان» (9/ 24، والبيهقي (10/ 12)- موقوفًا على أبي ثعلبة رضي الله عنه. [8] أخرجه البخاري في الشهادات (2639)، وفي الطلاق (5260)، ومسلم في النكاح (1433)، والنسائي في النكاح (3283)، والترمذي في النكاح (1118)، وابن ماجه في النكاح (1932)، وأحمد (6/ 37). [9] أخرجها أحمد (6/ 62). [10] أخرجه النسائي في الطلاق (3416)، والترمذي في النكاح (1120)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. وأخرجه الترمذي في النكاح (1119)، وابن ماجه في النكاح (1935)، من حديث علي رضي الله عنه. وأخرجه ابن ماجه في النكاح (1934) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وأخرجه أحمد (2/ 323) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه ابن ماجه أيضًا (1936)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بالتيس المستعار»؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له».
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() «عون الرحمن في تفسير القرآن» الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم فوائــد وأحكــام من قوله تعالى:﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ... ﴾ قوله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 229، 230]. 1- إباحة الطلاق؛ لقوله تعالى ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾، وقد دل الكتاب على هذا في مواضع كثيرة، ودلت عليه السنة وإجماع الأمة، وهو أبغض الحلال إلى الله. 2- أن الطلاق الذي تمكن معه الرجعة طلقتان فقط، بأن يطلق ثم يراجع، ثم يطلق ثم يراجع؛ لقوله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾. وفي هذا إبطال لما كان عليه أهل الجاهلية من كون الرجل يطلق امرأته ما شاء من الطلقات، ثم إذا قاربت انتهاء عدتها راجعها، ثم طلقها- وهكذا- فتبقى معلقة، لا هي مطلقة، ولا هي ذات زوج. 3- الحكمة العظيمة في جعل الطلاق مرتين، واحدة بعد واحدة ليراجع المرء نفسه ويتأمل في حاله ومصلحته، وذلك من رحمة الله عز وجل. 4- يجب على الرجل إذا طلق زوجته الطلقة الأولى أو الثانية أحد أمرين: إما مراجعتها قبل انتهاء عدتها، وإمساكها ومعاشرتها بالمعروف، أو تركها حتى تنتهي عدتها، وتسريحها بإحسان، بإعطائها مالها من حقوق، وتمتيعها من غير مضارة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾. 5- تحريم أخذ الأزواج شيئًا مما أعطوه لزوجاتهم من مهر أو غيره مهما قل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 20، 21]. ويستثنى من هذا إذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول، فله أخذ نصف المهر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 237]. لكن لو أعطت المرأة زوجها شيئًا من مالها بطيب نفس منها جاز له أخذه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ [النساء: 4]. 6- الإشارة إلى مسؤولية الأمة عن إصلاح ما يقع بين الأزواج، بما في ذلك حكام المسلمين، وأهل الزوجين، ومن علم حالهما من المسلمين؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾. 7- جواز أخذ الزوج شيئًا مما أعطاه لزوجته، وجواز افتدائها نفسها منه بذلك، إذا خافا ألا يقيما حدود الله بينهما، فتفدي نفسها ببذل بعض ما أعطاها، أو كله، أو أكثر منه؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾. و«ما» موصولة تفيد العموم، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ أكثر مما أعطاها؛ لقوله: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾، ثم قال: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾؛ أي: مما أعطاها؛ ولهذا قال بعده: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾. واستدلوا بما جاء في بعض روايات قصة ثابت بن قيس بن شماس مع امرأته رضي الله عنهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتردين عليه حديقته»؟ قالت: نعم، فأمره أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد»[1]. ويختلف الحال فيما إذا كان الفراق بسبب الزوجة، أو بسبب الزوج، أو بسببهما معًا، فإن كان الفراق بسببها هي جاز للزوج أن يأخذ منها بالإجماع، لقوله تعالى: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]. ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة ثابت بن قيس مع امرأته. وإن كان الفراق بسببه هو، فلا يجوز له أن يأخذ منها شيئًا بالإجماع؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 20، 21]. فإن كان سبب الفراق منهما معًا: فمن أهل العلم من قال: لا يجوز له الأخذ منها، ومنهم من جوز ذلك، والأظهر القول الأول. 8- تأكيد شدة تحريم أخذ الأزواج شيئًا مما أعطوه لزوجاتهم إلا في حال الخوف ألا يقيم الزوجان حدود الله فيما بينهما؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾، فهذا تصريح بمفهوم الجملة قبله الغرض منه توكيد شدة حُرمته. 9- تحريم طلب المرأة الطلاق، وفداء نفسها من غير خوف ألا يقيما حدود الله فيما بينهما؛ لمفهوم قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة»[2]. 10- جواز الخلع مطلقًا بإذن السلطان، وبدونه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾، وهذا مطلق، وبهذا قال جهور أهل العلم، وقيل: لابد فيه من إذن السلطان. 11- عناية التشريع الإسلامي بحقوق المرأة، ودفاعه عنها، مما لم يكن له مثيل في أي شريعة، أو دين، أو نظام. 12- حصول البينونة الصغرى بالخلع؛ لأن ﷲ سماه فدية، فقال: ﴿ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾، والفداء والفدية: مال أو عرض يدفع مقابل الخلاص، فإذا دفعت له هذا الفداء تخلصت منه كلية، بلا رجعة إلا بعقد جديد. 13- أن للمرأة كامل التصرف في مالها، دون إذن زوجها أو وليها، إذا كانت حرة رشيدة؛ لقوله تعالى: ﴿ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾؛ كما قال تعالى في سورة النساء: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ [النساء: 4]. 14- تعظيم ﷲ - عز وجل - لنفسه، ولما شرعه من أحكام النكاح، والطلاق والرجعة، والخلع، وغير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾. فأشار عز وجل إلى أحكامه بإشارة البعيد ﴿ تلك ﴾ تعظيمًا لها، وسماها حدودًا، ونهى عن تجاوزها. 15- تحريم تعدي حدود الله - عز وجل- وأنه ظلم عظيم، والتحذير من ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾. وقد أكد ذلك بكون الجملة اسمية، معرفة الطرفين، وبضمير الفصل ﴿ هُمُ ﴾. 16- إباحة الطلاق الثلاث متفرقة، وهي نهاية طلاق الحر[3]؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ يعني الثالثة- بعد التطليقتين المذكورتين في قوله: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾. وأما جمع الطلقات الثلاث بلفظ واحد، وبألفاظ متعددة، كأن يقول: «أنت طالق ثلاثًا»، أو يقول: «أنت طالق، طالق، طالق» ونحو ذلك، فهذا محرم وهو من طلاق البدعة، ولا يقع به إلا طلقة واحدة على الصحيح. وقيل: تقع به الطلقات الثلاث. 17- إذا طلق الرجل امرأته الطلقة الثالثة بانت منه، وحرمت عليه، حتى تتزوج زوجًا غيره ويطأها بعقد صحيح، فإذا فارقها بطلاق أو موت، وانتهت عدتها حلت لزوجها الأول بعقد جديد؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا ﴾. ولقوله صلى الله عليه وسلم لزوجة رفاعة القرظي: «لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك»، فلو تزوجها بعقد صحيح ولم يطأها، أو وطئها بعقد غير صحيح، كنكاح المحلل، أو وطئها بملك يمين لم تحل لزوجها الأول. 18- حكمة التشريع في اشتراط أن ينكحها ويطأها زوج آخر بعد الطلقة الثالثة؛ لما في ذلك من ردع للأزواج، وعقوبة للمطلقين ثلاثًا، وتحذير من الاستخفاف بحقوق الزوجات. 19- إطلاق المراجعة على عقد النكاح؛ لقوله تعالى: ﴿ أ أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾. 20- يشترط لجواز تراجع الزوجين أن يغلب على ظنهما إقامة حدود الله فيما بينهما بالعشرة بينهما بالمعروف، وأداء كل منهما حقوق الآخر، ويعزما على ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾. فإن لم يظنا ذلك أو ظنا خلافه لم يجز أن يتراجعا، إذ لا يجوز أن يرجعا إلى حال يعصي ﷲ كل منهما في حق صاحبه. والمباح إذا كان وسيلة إلى محرم يكون محرمًا؛ لأن الوسائل لها أحكام الغايات. 21- الاكتفاء بغلبة الظن في الأمور المستقبلة؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾، وذلك بأن يغلب على ظنهما ذلك ويعزما عليه، وقد يحصل في المستقبل ما ليس في الحسبان، ولهذا لم يطالبا بتيقن ذلك. 22- ينبغي للإنسان إذا أراد أن يتحمل مسؤولية من المسؤوليات كبيرة كانت أو صغيرة أن ينظر في نفسه، فإن رأى من نفسه قوة على ذلك، وغلب على ظنه قدرته على القيام بها أقدم، وإلا فالعافية لا يعدلها شيء، وقد أحسن القائل: وأحزم الناس من لو مات من ظمأ لا يقرب الورد حتى يعرف الصدرا[4] 23- توكيد عظمة حدود ﷲ وأحكامه وشرائعه، ووجوب القيام بها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾. 24- امتنان ﷲ- عز وجل- على الخلق، ببيان وتفصيل حدوده وأحكام شرعه، وإقامة الحجة عليهم بذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾. 25- أن الذين يتبينون حدود الله وأحكامه ويعرفونها، وينتفعون بها هم أهل العلم، أي: أهل العلم بالله، وبشرعه، وما يجب له عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ وهم الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح. 26- فضل العلم وأهله وامتداحهم، والتعريض بذم الجهل وأهله؛ لأن ﷲ- عز وجل- جعل تبيينه لحدوده خاصًّا بمن يعلمون، وأنهم المقصودون بذلك. [1] سبق تخريجه. [2] سبق تخريجه. [3] أما العبد فطلاقه طلقتان. [4] البيت لصفي الدين الحلي. انظر: «ديوانه» (ص69).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |