|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#391
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (391) صــ 183 إلى صــ 200 وقال آخرون : بل يعني بذلك فواتح السور التي منها يستخرج القرآن . ذكر من قال ذلك : 6591 - حدثنا عمران بن موسى قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال : حدثنا إسحاق بن سويد عن أبي فاختة أنه قال في هذه الآية : " منه آيات محكمات هن أم الكتاب " قال : " أم الكتاب " فواتح السور ، منها يستخرج القرآن - ( الم ذلك الكتاب ) ، منها استخرجت " البقرة " و ( الم الله لا إله إلا هو ) منها استخرجت " آل عمران " . القول في تأويل قوله ( فأما الذين في قلوبهم زيغ ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : فأما الذين في قلوبهم ميل عن الحق وانحراف عنه . يقال منه : " زاغ فلان عن الحق ، فهو يزيغ عنه زيغا وزيغانا وزيغوغة وزيوغا " و " أزاغه الله " - إذا أماله - " فهو يزيغه " ومنه قوله - جل ثناؤه - : ( ربنا لا تزغ قلوبنا ) لا تملها عن الحق ( بعد إذ هديتنا ) [ سورة آل عمران : 8 ] . [ ص: 184 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل : - ذكر من قال ذلك : 6592 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال حدثني ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير : " فأما الذين في قلوبهم زيغ " أي : ميل عن الهدى . 6593 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله : " في قلوبهم زيغ " قال : شك . 6594 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله . 6595 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : " فأما الذين في قلوبهم زيغ " قال : من أهل الشك . 6596 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فأما الذين في قلوبهم زيغ " أما الزيغ فالشك . 6597 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد : قال : " زيغ " شك قال ابن جريج : " الذين في قلوبهم زيغ " المنافقون . القول في تأويل قوله ( فيتبعون ما تشابه منه ) قال [ ص: 185 ] أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " فيتبعون ما تشابه " ما تشابهت ألفاظه وتصرفت معانيه بوجوه التأويلات ، ليحققوا بادعائهم الأباطيل من التأويلات في ذلك ما هم عليه من الضلالة والزيغ عن محجة الحق ، تلبيسا منهم بذلك على من ضعفت معرفته بوجوه تأويل ذلك وتصاريف معانيه ، كما : - 6598 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس : " فيتبعون ما تشابه منه " فيحملون المحكم على المتشابه ، والمتشابه على المحكم ، ويلبسون ، فلبس الله عليهم . 6599 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير : " فيتبعون ما تشابه منه " أي : ما تحرف منه وتصرف ، ليصدقوا به ما ابتدعوا وأحدثوا ، ليكون لهم حجة على ما قالوا وشبهة . 6600 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في قوله : " فيتبعون ما تشابه منه " قال : الباب الذي ضلوا منه وهلكوا فيه ابتغاء تأويله . وقال آخرون في ذلك بما : [ ص: 186 ] 6601 - حدثني به موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي في قوله : " فيتبعون ما تشابه منه " يتبعون المنسوخ والناسخ فيقولون : ما بال هذه الآية عمل بها كذا وكذا مكان هذه الآية ، فتركت الأولى وعمل بهذه الأخرى ؟ هلا كان العمل بهذه الآية قبل أن تجيء الأولى التي نسخت ؟ وما باله يعد العذاب من عمل عملا يعذبه [ في ] النار ، وفي مكان آخر : من عمله فإنه لم يوجب النار ؟ واختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية . فقال بعضهم : عني به الوفد من نصارى نجران الذين قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحاجوه بما حاجوه به ، وخاصموه بأن قالوا : ألست تزعم أن عيسى روح الله وكلمته ؟ وتأولوا في ذلك ما يقولون فيه من الكفر . ذكر من قال ذلك : 6602 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع قال : عمدوا - يعني الوفد الذين قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نصارى نجران - فخاصموا النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا : ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه ؟ قال : بلى ! قالوا : فحسبنا ! فأنزل الله - عز وجل - : " فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة " ثم [ ص: 187 ] إن الله - جل ثناؤه - : أنزل ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ) [ سورة آل عمران : 59 ] ، الآية . وقال آخرون : بل أنزلت هذه الآية في أبي ياسر بن أخطب ، وأخيه حيي بن أخطب ، والنفر الذين ناظروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قدر مدة أكله وأكل أمته ، وأرادوا علم ذلك من قبل قوله : " الم و " المص " و " المر " و " الر " فقال الله - جل ثناؤه - فيهم : " فأما الذين في قلوبهم زيغ " - يعني هؤلاء اليهود الذين قلوبهم مائلة عن الهدى والحق " فيتبعون ما تشابه منه " يعني : معاني هذه الحروف المقطعة المحتملة التصريف في الوجوه المختلفة التأويلات " ابتغاء الفتنة " . وقد ذكرنا الرواية بذلك فيما مضى قبل في أول السورة التي تذكر فيها " البقرة " . وقال آخرون : بل عنى الله - عز وجل - بذلك كل مبتدع في دينه بدعة مخالفة لما ابتعث به رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - بتأويل يتأوله من بعض آي القرآن المحتملة التأويلات ، وإن كان الله قد أحكم بيان ذلك ، إما في كتابه وإما على لسان رسوله . ذكر من قال ذلك : 6603 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة " وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية : " فأما الذين في قلوبهم زيغ " قال : إن لم يكونوا الحرورية والسبائية ، فلا أدري من هم ! ولعمري لقد كان في أهل بدر [ ص: 188 ] والحديبية الذين شهدوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار خبر لمن استخبر ، وعبرة لمن استعبر ، لمن كان يعقل أو يبصر . إن الخوارج خرجوا وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ كثير بالمدينة والشأم والعراق ، وأزواجه يومئذ أحياء . والله إن خرج منهم ذكر ولا أنثى حروريا قط ، ولا رضوا الذي هم عليه ، ولا مالئوهم فيه ، بل كانوا يحدثون بعيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياهم ونعته الذي نعتهم به ، وكانوا يبغضونهم بقلوبهم ، ويعادونهم بألسنتهم ، وتشتد والله عليهم أيديهم إذا لقوهم . ولعمري لو كان أمر الخوارج هدى لاجتمع ، ولكنه كان ضلالا فتفرق . وكذلك الأمر إذا كان من عند غير الله وجدت فيه اختلافا كثيرا . فقد ألاصوا هذا الأمر منذ زمان طويل . فهل أفلحوا فيه يوما أو أنجحوا ؟ يا سبحان الله ؟ كيف لا يعتبر آخر هؤلاء القوم بأولهم ؟ لو كانوا على هدى ، قد أظهره الله وأفلجه ونصره ، ولكنهم كانوا على باطل أكذبه الله وأدحضه . فهم كما رأيتهم كلما خرج لهم قرن أدحض الله حجتهم ، وأكذب أحدوثتهم ، وأهراق دماءهم . إن كتموا كان قرحا في قلوبهم ، وغما عليهم . وإن أظهروه أهراق الله دماءهم . ذاكم والله دين سوء فاجتنبوه . والله [ ص: 189 ] إن اليهودية لبدعة ، وإن النصرانية لبدعة ، وإن الحرورية لبدعة ، وإن السبائية لبدعة ، ما نزل بهن كتاب ولا سنهن نبي . 6604 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : " فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله " طلب القوم التأويل فأخطئوا التأويل وأصابوا الفتنة ، فاتبعوا ما تشابه منه ، فهلكوا من ذلك . لعمري لقد كان في أصحاب بدر والحديبية الذي شهدوا بيعة الرضوان وذكر نحو حديث عبد الرزاق عن معمر ، عنه . 6605 - حدثني محمد بن خالد بن خداش ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت : قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هو الذي أنزل عليك الكتاب " إلى قوله " وما يذكر إلا أولو الألباب " فقال : فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه ، فهم الذين عنى الله ، فاحذروهم . [ ص: 190 ] 6606 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة أنها قالت : قرأ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : " هو الذي أنزل عليك الكتاب " إلى " وما يذكر إلا أولو الألباب " قالت : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه - أو قال : يتجادلون فيه - فهم الذين عنى الله ، فاحذرهم قال مطر عن أيوب أنه قال : فلا تجالسوهم ، فهم الذين عنى الله فاحذروهم . [ ص: 191 ] 6607 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو معناه . 6608 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه . 6609 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرنا الحارث ، عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات " الآية كلها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ، والذين يجادلون فيه ، فهم الذين عنى الله ، أولئك الذين قال الله ، فلا تجالسوهم . [ ص: 192 ] 6610 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أسامة عن يزيد بن إبراهيم عن ابن أبي مليكة قال : سمعت القاسم بن محمد يحدث عن عائشة قالت : تلا النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب " ثم قرأ إلى آخر الآيات ، فقال : " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ، فأولئك الذين سمى الله ، فاحذروهم . 6611 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا الوليد بن مسلم عن حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : نزع رسول الله [ ص: 193 ] - صلى الله عليه وسلم - : " يتبعون ما تشابه منه " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قد حذركم الله ، فإذا رأيتموهم فاعرفوهم . 6612 - حدثنا علي قال : حدثنا الوليد عن نافع بن عمر عن [ ابن أبي مليكة ، حدثتني ] عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأيتموهم فاحذروهم ، ثم نزع : " فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه " ولا يعملون بمحكمه . [ ص: 194 ] 6613 - حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال أخبرنا عمي قال أخبرني شبيب بن سعيد عن روح بن القاسم عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن هذه الآية : " فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " فقال : فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه ، فهم الذين عنى الله ، فاحذروهم . 6614 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا خالد بن نزار عن نافع عن ابن أبي مليكة عن عائشة في هذه الآية " هو الذي أنزل عليك الكتاب " الآية " يتبعها " يتلوها ، ثم يقول : فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فاحذروهم ، فهم الذين عنى الله . [ ص: 195 ] 6615 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية : " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب " إلى آخر الآية ، قال : هم الذين سماهم الله ، فإذا أريتموهم فاحذروهم . قال أبو جعفر : والذي يدل عليه ظاهر هذه الآية ، أنها نزلت في الذين جادلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمتشابه ما أنزل إليه من كتاب الله ، إما [ ص: 196 ] في أمر عيسى ، وإما في مدة أكله وأكل أمته . وهو بأن تكون في الذين جادلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمتشابهه في مدته ومدة أمته أشبه ، لأن قوله : " وما يعلم تأويله إلا الله " دال على أن ذلك إخبار عن المدة التي أرادوا علمها من قبل المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله . فأما أمر عيسى وأسبابه ، فقد أعلم الله ذلك نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأمته ، وبينه لهم . فمعلوم أنه لم يعن به إلا ما كان خفيا عن الآجال . القول في تأويل قوله ( ابتغاء الفتنة ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : معنى ذلك : ابتغاء الشرك . ذكر من قال ذلك : 6616 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ابتغاء الفتنة " قال : إرادة الشرك . 6617 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( ابتغاء الفتنة ) يعني الشرك . [ ص: 197 ] وقال آخرون : معنى ذلك : ابتغاء الشبهات . ذكر من قال ذلك : 6618 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " ابتغاء الفتنة " قال : الشبهات بها أهلكوا . 6619 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : " ابتغاء الفتنة " الشبهات ، قال : هلكوا به . 6620 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد : " ابتغاء الفتنة " قال : الشبهات . قال : والشبهات ما أهلكوا به . 6621 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير : " ابتغاء الفتنة " أي اللبس . قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : " إرادة الشبهات واللبس " . ![]()
__________________
|
#392
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء السادس تَفْسِيرِ سُّورَةِ آل عمران الحلقة (392) صــ 198 إلى صــ 212 فمعنى الكلام إذا : فأما الذين في قلوبهم هيل عن الحق وحيف عنه فيتبعون من آي الكتاب ما تشابهت ألفاظه ، واحتمل صرف صارفه في وجوه التأويلات - باحتماله المعاني المختلفة - إرادة اللبس على نفسه وعلى غيره ، احتجاجا به على باطله الذي مال إليه قلبه ، دون الحق الذي أبانه الله فأوضحه بالمحكمات من آي كتابه . [ ص: 198 ] قال أبو جعفر : وهذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنها نزلت فيه من أهل الشرك ، فإنه معني بها كل مبتدع في دين الله بدعة فمال قلبه إليها ، تأويلا منه لبعض متشابه آي القرآن ، ثم حاج به وجادل به أهل الحق ، وعدل عن الواضح من أدلة آيه المحكمات إرادة منه بذلك اللبس على أهل الحق من المؤمنين ، وطلبا لعلم تأويل ما تشابه عليه من ذلك ، كائنا من كان ، وأي أصناف المبتدعة كان من أهل النصرانية كان أو اليهودية أو المجوسية ، أو كان سبئيا ، أو حروريا ، أو قدريا ، أو جهميا ، كالذي قال - صلى الله عليه وسلم - : " فإذا رأيتم الذين يجادلون به ، فهم الذين عنى الله ، فاحذروهم " ، وكما : - 6622 - حدثني يونس قال أخبرنا سفيان عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه ، عن ابن عباس - وذكر عنده الخوارج وما يلفون عند القرآن ، فقال : يؤمنون بمحكمه ، ويهلكون عند متشابهه ! وقرأ ابن عباس : " وما يعلم تأويله إلا الله " الآية . قال أبو جعفر : وإنما قلنا القول الذي ذكرنا أنه أولى التأويلين بقوله : " ابتغاء الفتنة " لأن الذين نزلت فيهم هذه الآية كانوا أهل شرك ، وإنما أرادوا بطلب تأويل ما طلبوا تأويله اللبس على المسلمين ، والاحتجاج به عليهم ، ليصدوهم [ ص: 199 ] عما هم عليه من الحق ، فلا معنى لأن يقال : " فعلوا ذلك إرادة الشرك " وهم قد كانوا مشركين . القول في تأويل قوله ( وابتغاء تأويله ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى " التأويل " الذي عنى الله - جل ثناؤه - بقوله : " وابتغاء تأويله " . فقال بعضهم : معنى ذلك : الأجل الذي أرادت اليهود أن تعرفه من انقضاء مدة أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمر أمته من قبل الحروف المقطعة من حساب الجمل " الم " و " المص " و " الر " و " المر " وما أشبه ذلك من الآجال . ذكر من قال ذلك : 6623 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس أما قوله : " وما يعلم تأويله إلا الله " يعني تأويله يوم القيامة " إلا الله " . وقال آخرون : بل معنى ذلك : " عواقب القرآن " . وقالوا : " إنما أرادوا أن يعلموا متى يجيء ناسخ الأحكام التي كان الله - جل ثناؤه - شرعها لأهل الإسلام قبل مجيئه ، فنسخ ما قد كان شرعه قبل ذلك " . ذكر من قال ذلك : 6624 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " وابتغاء تأويله " أرادوا أن يعلموا تأويل القرآن - وهو عواقبه - قال [ ص: 200 ] الله : " وما يعلم تأويله إلا الله " وتأويله عواقبه متى يأتي الناسخ منه فينسخ المنسوخ ؟ وقال آخرون : معنى ذلك : " وابتغاء تأويل ما تشابه من آي القرآن ، يتأولونه - إذ كان ذا وجوه وتصاريف في التأويلات - على ما في قلوبهم من الزيغ ، وما ركبوه من الضلالة " . ذكر من قال ذلك : 6625 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير : " وابتغاء تأويله " وذلك على ما ركبوا من الضلالة في قولهم " خلقنا " و " قضينا " . قال أبو جعفر : والقول الذي قاله ابن عباس من أن " ابتغاء التأويل " الذي طلبه القوم من المتشابه هو معرفة انقضاء المدة ووقت قيام الساعة والذي ذكرنا عن السدي من أنهم طلبوا وأرادوا معرفة وقت هو جاء قبل مجيئه أولى بالصواب ، وإن كان السدي قد أغفل معنى ذلك من وجه صرفه إلى حصره على أن معناه : أن القوم طلبوا معرفة وقت مجيء الناسخ لما قد أحكم قبل ذلك . وإنما قلنا : إن طلب القوم معرفة الوقت الذي هو جاء قبل مجيئه المحجوب علمه عنهم وعن غيرهم ، بمتشابه آي القرآن - أولى بتأويل قوله : " وابتغاء تأويله " [ ص: 201 ] لما قد دللنا عليه قبل من إخبار الله - جل ثناؤه - أن ذلك التأويل لا يعلمه إلا الله . ولا شك أن معنى قوله : " قضينا " " فعلنا " قد علم تأويله كثير من جهلة أهل الشرك فضلا عن أهل الإيمان وأهل الرسوخ في العلم منهم . القول في تأويل قوله ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بذلك : وما يعلم وقت قيام الساعة ، وانقضاء مدة أكل محمد وأمته ، وما هو كائن ، إلا الله ، دون من سواه من البشر الذين أملوا إدراك علم ذلك من قبل الحساب والتنجيم والكهانة . وأما الراسخون في العلم فيقولون : " آمنا به كل من عند ربنا " - لا يعلمون ذلك ، ولكن فضل علمهم في ذلك على غيرهم ، العلم بأن الله هو العالم بذلك دون من سواه من خلقه . واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، وهل " الراسخون " معطوف على اسم " الله " ، بمعنى إيجاب العلم لهم بتأويل المتشابه ، أم هم مستأنف ذكرهم ، بمعنى الخبر عنهم أنهم يقولون : آمنا بالمتشابه وصدقنا أن علم ذلك لا يعلمه إلا الله ؟ فقال بعضهم : معنى ذلك : وما يعلم تأويل ذلك إلا الله وحده منفردا بعلمه . وأما الراسخون في العلم ، فإنهم ابتدئ الخبر عنهم بأنهم يقولون : آمنا بالمتشابه والمحكم ، وأن جميع ذلك من عند الله . ذكر من قال ذلك : [ ص: 202 ] 6626 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا خالد بن نزار عن نافع عن ابن أبي مليكة عن عائشة قوله : " والراسخون في العلم يقولون آمنا به " قالت : كان من رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه ، ولم يعلموا تأويله . 6627 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال : كان ابن عباس يقول : ( وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون [ في العلم ] آمنا به ) 6628 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني ابن أبي الزناد قال قال هشام بن عروة : كان أبي يقول في هذه الآية " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله ، ولكنهم يقولون : " آمنا به كل من عند ربنا " . 6629 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا عبيد الله عن أبي نهيك الأسدي قوله : " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " فيقول : إنكم تصلون هذه الآية ، وإنها مقطوعة : " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا . [ ص: 203 ] 6630 - حدثنا المثنى قال : حدثنا ابن دكين قال : حدثنا عمرو بن عثمان بن عبد الله بن موهب قال : سمعت عمر بن عبد العزيز يقول : " والراسخون في العلم " انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا " آمنا به كل من عند ربنا " . 6631 - حدثني يونس قال أخبرنا أشهب عن مالك في قوله : " وما يعلم تأويله إلا الله " قال : ثم ابتدأ فقال : " والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " وليس يعلمون تأويله . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ، وهم مع علمهم بذلك ورسوخهم في العلم يقولون : " آمنا به كل من عند ربنا " . ذكر من قال ذلك : 6632 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال : أنا ممن يعلم تأويله . 6633 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " والراسخون في العلم " يعلمون تأويله ، ويقولون : " آمنا به " . 6634 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " والراسخون في العلم يعلمون تأويله ، ويقولون : " آمنا به " . 6635 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع : " والراسخون في العلم " يعلمون تأويله ويقولون : " آمنا به " . 6636 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير : " وما يعلم تأويله " الذي أراد ، ما أراد " إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " فكيف يختلف ، وهو قول واحد [ ص: 204 ] من رب واحد ؟ ثم ردوا تأويل المتشابه على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد ، فاتسق بقولهم الكتاب وصدق بعضه بعضا ، فنفذت به الحجة ، وظهر به العذر ، وزاح به الباطل ، ودمغ به الكفر . قال أبو جعفر : فمن قال القول الأول في ذلك ، وقال : إن الراسخين لا يعلمون تأويل ذلك ، وإنما أخبر الله عنهم بإيمانهم وتصديقهم بأنه من عند الله ، فإنه يرفع " الراسخين في العلم " بالابتداء في قول البصريين ، ويجعل خبره : " يقولون آمنا به " . وأما في قول بعض الكوفيين ، فبالعائد من ذكرهم في " يقولون " . وفي قول بعضهم : بجملة الخبر عنهم ، وهي : " يقولون " . ومن قال القول الثاني ، وزعم أن الراسخين يعلمون تأويله ، عطف ب " الراسخين " على اسم " الله " فرفعهم بالعطف عليه . قال أبو جعفر : والصواب عندنا في ذلك أنهم مرفوعون بجملة خبرهم بعدهم وهو : " يقولون " لما قد بينا قبل من أنهم لا يعلمون تأويل المتشابه الذي ذكره الله - عز وجل - في هذه الآية ، وهو فيما بلغني مع ذلك في قراءة أبي : ( ويقول الراسخون في العلم ) كما ذكرناه عن ابن عباس أنه كان يقرؤه . وفي قراءة عبد الله : ( إن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون ) . قال أبو جعفر : وأما معنى " التأويل " في كلام العرب ، فإنه التفسير والمرجع والمصير . وقد أنشد بعض الرواة بيت الأعشى : [ ص: 205 ] على أنها كانت تأول حبها تأول ربعي السقاب فأصحبا وأصله من : " آل الشيء إلى كذا " - إذا صار إليه ورجع " يئول أولا " و " أولته أنا " صيرته إليه . وقد قيل إن قوله : ( وأحسن تأويلا ) [ سورة النساء : 59 \ سورة الإسراء : 35 ] أي جزاء . وذلك أن " الجزاء " هو الذي آل إليه أمر القوم وصار إليه . ويعني بقوله : " تأول حبها " : تفسير حبها ومرجعه . وإنما يريد بذلك أن حبها كان صغيرا في قلبه ، فآل من الصغر إلى العظم ، فلم يزل ينبت حتى أصحب ، فصار قديما ، كالسقب الصغير الذي لم يزل يشب حتى أصحب فصار كبيرا مثل أمه . [ ص: 206 ] وقد ينشد هذا البيت : على أنها كانت توابع حبها توالي ربعي السقاب فأصحبا قال أبو جعفر : يعني ب " الراسخين في العلم " العلماء الذين قد أتقنوا علمهم ووعوه فحفظوه حفظا ، لا يدخلهم في معرفتهم وعلمهم بما علموه شك ولا لبس . وأصل ذلك من : " رسوخ الشيء في الشيء " وهو ثبوته وولوجه فيه . يقال منه : " رسخ الإيمان في قلب فلان ، فهو يرسخ رسخا ورسوخا " . وقد روي في نعتهم خبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ما : - 6637 - حدثنا موسى بن سهل الرملي قال : حدثنا محمد بن عبد الله قال : حدثنا فياض بن محمد الرقي قال : حدثنا عبد الله بن يزيد بن آدم عن أبي الدرداء وأبي أمامة قالا سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من الراسخ في العلم ؟ قال : " من برت يمينه ، وصدق لسانه ، واستقام به قلبه ، وعف بطنه ، فذلك الراسخ في العلم . [ ص: 207 ] 6638 - حدثني المثنى وأحمد بن الحسن الترمذي قال : حدثنا نعيم بن حماد قال : حدثنا فياض الرقي قال : حدثنا عبد الله بن يزيد الأودي قال : وكان أدرك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : حدثنا أنس بن مالك وأبو أمامة وأبو الدرداء : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الراسخين في العلم فقال : من برت يمينه ، وصدق لسانه ، واستقام به قلبه ، وعف بطنه وفرجه ، فذلك الراسخ في العلم . وقد قال جماعة من أهل التأويل : إنما سمى الله - عز وجل - هؤلاء القوم " الراسخين [ ص: 208 ] في العلم " بقولهم : " آمنا به كل من عند ربنا " . ذكر من قال ذلك : 6639 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال : " والراسخون في العلم يقولون آمنا به ، قال : " الراسخون " الذين يقولون : " آمنا به كل من عند ربنا " . 6640 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " والراسخون في العلم " هم المؤمنون ، فإنهم يقولون : " آمنا به " بناسخه ومنسوخه " كل من عند ربنا " . 6641 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج قال : قال ابن جريج قال ابن عباس قال عبد الله بن سلام : " الراسخون في العلم ) وعلمهم قولهم قال ابن جريج : " والراسخون في العلم يقولون آمنا به " وهم الذين يقولون ( ربنا لا تزغ قلوبنا ) ويقولون : ( ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ) الآية . وأما تأويل قوله : " يقولون آمنا به " فإنه يعني أن الراسخين في العلم يقولون : صدقنا بما تشابه من آي الكتاب ، وأنه حق وإن لم نعلم تأويله ، وقد : - 6642 - حدثني أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سلمة بن نبيط عن الضحاك : " والراسخون في العلم يقولون آمنا به " قال : المحكم والمتشابه . [ ص: 209 ] القول في تأويل قوله ( كل من عند ربنا ) قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " كل من عند ربنا " كل المحكم من الكتاب والمتشابه منه " من عند ربنا " وهو تنزيله ووحيه إلى نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - كما : - 6643 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس في قوله : " كل من عند ربنا " قال : يعني ما نسخ منه وما لم ينسخ . 6644 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " قالوا : " كل من عند ربنا " آمنوا بمتشابهه ، وعملوا بمحكمه . 6645 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع قوله : " كل من عند ربنا " يقولون : المحكم والمتشابه من عند ربنا . 6646 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " نؤمن بالمحكم وندين به ، ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به ، وهو من عند الله كله . 6647 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال : حدثنا يزيد قال أخبرنا جويبر عن الضحاك في قوله : " والراسخون في العلم " يعملون به ، يقولون : نعمل بالمحكم ونؤمن به ، ونؤمن بالمتشابه ولا نعمل به ، وكل من عند ربنا . [ ص: 210 ] قال أبو جعفر : واختلف أهل العربية في حكم " كل " إذا أضمر فيها . فقال بعض نحويي البصريين : إنما جاز حذف المراد الذي كان معها الذي " الكل " إليه مضاف في هذا الموضع ، لأنها اسم ، كما قال : ( إنا كل فيها ) [ سورة غافر : 48 ] ، بمعنى : إنا كلنا فيها . قال : ولا يكون " كل " مضمرا فيها وهي صفة ، لا يقال : " مررت بالقوم كل " وإنما يكون فيها مضمر إذا جعلتها اسما . لو كان : " إنا كلا فيها " على الصفة لم يجز ، لأن الإضمار فيها ضعيف لا يتمكن في كل مكان . وكان بعض نحويي الكوفيين يرى الإضمار فيها وهي صفة أو اسم سواء . لأنه غير جائز أن يحذف ما بعدها عنده إلا وهي كافية بنفسها عما كانت تضاف إليه من المضمر ، وغير جائز أن تكون كافية منه في حال ، ولا تكون كافية في أخرى . وقال : سبيل " الكل " و " البعض " في الدلالة على ما بعدهما بأنفسهما وكفايتهما منه بمعنى واحد في كل حال ، صفة كانت أو اسما . قال أبو جعفر : وهذا القول الثاني أولى بالقياس ؛ لأنها إذا كانت كافية بنفسها مما حذف منها في حال لدلالتها عليها ، فالحكم فيها أنها كلما وجدت دالة على ما بعدها فهي كافية منه . [ ص: 211 ] القول في تأويل قوله ( وما يذكر إلا أولو الألباب ( 7 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وما يتذكر ويتعظ وينزجر عن أن يقول في متشابه آي كتاب الله ما لا علم له به إلا أولو العقول والنهى ، وقد : - 6648 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير : " وما يذكر إلا أولو الألباب " يقول : وما يذكر في مثل هذا يعني في رد تأويل المتشابه إلى ما قد عرف من تأويل المحكم ، حتى يتسقا على معنى واحد " إلا أولو الألباب " . القول في تأويل قوله ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ( 8 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : أن الراسخين في العلم يقولون : آمنا بما تشابه من آي كتاب الله ، وأنه والمحكم من آيه من تنزيل ربنا ووحيه . ويقولون أيضا : " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا " يعني أنهم يقولون رغبة منهم إلى ربهم في أن يصرف عنهم ما ابتلى به الذين زاغت قلوبهم من اتباع متشابه آي القرآن ، ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله الذي لا يعلمه غير الله : يا ربنا ، لا تجعلنا مثل هؤلاء الذين زاغت قلوبهم عن الحق فصدوا عن سبيلك " لا تزغ قلوبنا " [ ص: 212 ] لا تملها فتصرفها عن هداك بعد إذ هديتنا له ، فوفقتنا للإيمان بمحكم كتابك ومتشابهه " وهب لنا " يا ربنا " من لدنك رحمة " يعني : من عندك رحمة ، يعني بذلك : هب لنا من عندك توفيقا وثباتا للذي نحن عليه من الإقرار بمحكم كتابك ومتشابهه " إنك أنت الوهاب " يعني : إنك أنت المعطي عبادك التوفيق والسداد للثبات على دينك ، وتصديق كتابك ورسلك ، كما : - 6649 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير : " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا " أي : لا تمل قلوبنا وإن ملنا بأحداثنا " وهب لنا من لدنك رحمة " . قال أبو جعفر : وفي مدح الله - جل ثناؤه - هؤلاء القوم بما مدحهم به من رغبتهم إليه في أن لا يزيغ قلوبهم ، وأن يعطيهم رحمة منه معونة لهم للثبات على ما هم عليه من حسن البصيرة بالحق الذي هم عليه مقيمون ما أبان عن خطأ قول الجهلة من القدرية : أن إزاغة الله قلب من أزاغ قلبه من عباده عن طاعته وإمالته له عنها جور . لأن ذلك لو كان كما قالوا ، لكان الذين قالوا : " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا " بالذم أولى منهم بالمدح . لأن القول لو كان كما قالوا ، لكان القوم إنما سألوا ربهم بمسألتهم إياه أن لا يزيغ قلوبهم أن لا يظلمهم ولا يجور عليهم . وذلك من السائل جهل ، لأن الله - جل ثناؤه - لا يظلم عباده ولا يجور عليهم . ![]()
__________________
|
#393
|
||||
|
||||
![]() ![]() |