منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله - الصفحة 49 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5048 - عددالزوار : 2216900 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4631 - عددالزوار : 1496011 )           »          شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 745 - عددالزوار : 435045 )           »          سبع مثبتات في عصر الفتن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          لا يفوتنَّك غنائم الجُمعة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          القِوامةُ تكليفٌ ومسؤولية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          سَيِّدُ الاستغفار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          فضل السنن الرواتب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          أثر الذنوب أقوى من أثر العين و الحسد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          قبل أن تتفوه بكلمة زنها جيداً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-06-2025, 04:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثامن
الحلقة (481)
صـ 275 إلى صـ 284





وَالرَّأْيُ وَالْمَكِيدَةُ؟ فَقَالَ: "بَلْ [1] هُوَ الْحَرْبُ وَالرَّأْيُ وَالْمَكِيدَةُ" فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلِ قِتَالٍ. [قَالَ:] [2] فَرَجَعَ إِلَى رَأْيِ الْحُبَابِ [3] .
وَكَذَلِكَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ، كَانَ قَدْ رَأَى أَنْ يُصَالِحَ غَطَفَانَ عَلَى نِصْفِ تَمْرِ الْمَدِينَةِ، وَيَنْصَرِفَ عَنِ الْقِتَالِ. فَجَاءَهُ سَعْدٌ [4] فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ اللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا فَسَمْعًا وَطَاعَةً، أَوْ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ إِنَّمَا فَعَلْتَ هَذَا لِمَصْلَحَتِنَا، فَلَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا يَنَالُونَ مِنْهَا تَمْرَةً [5] إِلَّا بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ، فَلَمَّا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ نُعْطِيهِمْ تَمْرَنَا [6] ، مَا نُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ، أَوْ كَمَا قَالَ. فَقَبِلَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ [7] .
وَعُمَرُ أَشَارَ عَلَيْهِ لَمَّا أَذِنَ لَهُمْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي نَحْرِ الرِّكَابِ أَنْ يَجْمَعَ أَزْوَادَهُمْ وَيَدْعُوَ فِيهَا بِالْبَرَكَةِ، فَقَبِلَ مِنْهُ [8] .
وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَرُدَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمَّا أَرْسَلَهُ بِنَعْلَيْهِ يُبَشِّرُ مَنْ لَقِيَهُ وَرَاءَ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِالْجَنَّةِ، لَمَّا خَافَ أَنْ يَتَّكِلُوا، فَقَبِلَ مِنْهُ [9] .
(1)
بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(2)
قَالَ: زِيَادَةٌ فِي (م) .

(3)
انْظُرْ هَذَا الْخَبَرَ فِي: سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 2/272، السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ كَثِيرٍ 2/402، إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ، ص 77 - 78.

(4)
فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: سَعِيدٌ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

(5)
م: ثَمَرَةً

(6)
ن، م: ثَمَرَنَا.

(7)
انْظُرْ هَذَا الْخَبَرَ فِي: سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ 3/234، السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ كَثِيرٍ 3/201 - 202 إِمْتَاعِ الْأَسْمَاعِ، ص 235 - 236.

(8)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى.

(9)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى.






وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ [1] نَصٌّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، بَلْ كَانَ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِمَنْ خَالَفَهُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا نَازَعَهُ [عُمَرُ] [2] فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ لِأَجْلِ الْخَوْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَنَازَعُوهُ فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَنَازَعُوهُ فِي إِرْسَالِ جَيْشِ أُسَامَةَ - لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ، بَلْ بَيَّنَ لَهُمْ دَلَالَةَ النَّصِّ عَلَى مَا فَعَلَهُ.
وَأَمَّا فِي الْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ الَّتِي لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَنْصُوصَةً، بَلْ يُقْصَدُ بِهَا الْمَصْلَحَةُ، فَهَذِهِ لَيْسَ هُوَ فِيهَا بِأَعْظَمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.
الْخَامِسُ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ مَا زَادَهُ عِنْدَ الْأُمَّةِ إِلَّا شَرَفًا وَتَعْظِيمًا، وَلَمْ تُعَظِّمِ الْأُمَّةُ أَحَدًا بَعْدَ نَبِيِّهَا كَمَا عَظَّمَتِ الصِّدِّيقَ، وَلَا أَطَاعَتْ أَحَدًا كَمَا أَطَاعَتْهُ، مِنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ أَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا، وَلَا رَهْبَةٍ أَخَافَهُمْ بِهَا، بَلِ الَّذِينَ بَايَعُوا الرَّسُولَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ بَايَعُوهُ طَوْعًا، مُقِرِّينَ بِفَضِيلَتِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ. ثُمَّ مَعَ هَذَا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي عَهْدِهِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي دِينِهِمْ [إِلَّا] [3] وَأَزَالَ الِاخْتِلَافَ بِبَيَانِهِ لَهُمْ، وَمُرَاجَعَتِهِمْ لَهُ. وَهَذَا أَمْرٌ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ.
وَكَانَ عُمَرُ أَقْرَبَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ عُثْمَانُ.
وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَاتَلَهُمْ وَقَاتَلُوهُ [4] ، فَلَا قَوَّمَهُمْ وَلَا قَوَّمُوهُ، فَأَيُّ الْإِمَامَيْنِ حَصَلَ بِهِ مَقْصُودُ الْإِمَامَةِ أَكْثَرَ؟ وَأَيُّ الْإِمَامَيْنِ أَقَامَ الدِّينَ وَرَدَّ الْمُرْتَدِّينَ،
(1)
م: فِيمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ.

(2)
عُمَرُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .

(3)
إِلَّا: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.

(4)
س، ب: فَقَاتَلُوهُ.






وَقَاتَلَ الْكَافِرِينَ، وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْكَلِمَةُ: [1] كَلِمَةُ الْمُؤْمِنِينَ؟ هَلْ يُشَبِّهُ هَذَا بِهَذَا إِلَّا مَنْ هُوَ فِي غَايَةِ النَّقْصِ مِنَ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ !
[فصل قال الرافضي الثاني قول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها والرد عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ [2] : "الثَّانِي: قَوْلُ عُمَرَ: كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً، وَقَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهَا، فَمَنْ عَادَ إِلَى مِثْلِهَا فَاقْتُلُوهُ. وَكَوْنُهَا فَلْتَةً يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ عَنْ رَأْيٍ صَحِيحٍ، ثُمَّ سَأَلَ وِقَايَةَ شَرِّهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ يَعُودُ إِلَى مِثْلِهَا، وَكَانَ ذَلِكَ [3] يُوجِبُ الطَّعْنَ فِيهِ" .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ لَفْظَ عُمَرَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِنْ خُطْبَةِ عُمَرَ الَّتِي قَالَ فِيهَا: "ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ:" وَاللَّهِ لَوْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا "فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً، أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ قَدْ وَقَى اللَّهُ شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الْأَعْنَاقُ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ، مَنْ بَايَعَ رَجُلًا مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُبَايِعْ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا، وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ خَيْرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: أَنَّ الصِّدِّيقَ قَالَ:" وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا
(1)
الْكَلِمَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) فَقَطْ.

(2)
فِي (م) ص 194 (م) .

(3)
ك: وَكُلُّ ذَلِكَ.





شِئْتُمْ. فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ [1] أَبِي عُبَيْدَةَ وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ - وَاللَّهِ - أَنْ أُقَدَّمَ فَيُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي [ذَلِكَ] [2] مِنْ إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ [مِنْ] [3] أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُسَوِّلَ لِي نَفْسِي شَيْئًا عِنْدَ الْمَوْتِ [4] لَا أَجِدُهُ الْآنَ ". وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِكَمَالِهِ [5] ."
وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا وَقَعَتْ فَجْأَةً لَمْ تَكُنْ قَدِ اسْتَعْدَدْنَا لَهَا وَلَا تَهَيَّأْنَا ; لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُتَعَيِّنًا لِذَلِكَ، فَلَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَجْتَمِعَ لَهَا النَّاسُ ; إِذْ كُلُّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا، وَلَيْسَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ مَنْ يَجْتَمِعُ النَّاسُ عَلَى تَفْضِيلِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ كَمَا اجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ فِي أَبِي بَكْرٍ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِبَيْعَةِ رَجُلٍ دُونَ مَلَأٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاقْتُلُوهُ. وَهُوَ لَمْ يَسْأَلْ وِقَايَةَ شَرِّهَا، بَلْ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّ الْفِتْنَةِ بِالِاجْتِمَاعِ [6] .
[فصل قال الرافضي الثالث قصورهم في العلم والتجاؤهم في أكثر الأحوال إلى علي والرد عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ [7] : "الثَّالِثُ: قُصُورُهُمْ فِي الْعِلْمِ وَالْتِجَاؤُهُمْ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ إِلَى عَلِيٍّ [8]" .
(1)
م، س، ب: وَيَدِ.

(2)
ذَلِكَ: زِيَادَةٌ فِي (م) .

(3)
مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (م) .

(4)
ن، س: عِنْدَ مَوْتٍ، ب: عِنْدَ مَوْتِي.

(5)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى فِي الْأَصْلِ 1/360 4/435.

(6)
ب: بِالْإِجْمَاعِ.

(7)
فِي (ك) ص 194 (م) .

(8)
ك: وَالِالْتِجَاءُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ إِلَى عَلِيٍّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.





وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبُهْتَانِ. أَمَّا أَبُو بَكْرٍ: فَمَا عُرِفَ أَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا أَصْلًا. وَعَلِيٌّ قَدْ رَوَى عَنْهُ وَاحْتَذَى حَذْوَهُ وَاقْتَدَى بِسِيرَتِهِ. وَأَمَّا عُمَرُ: فَقَدِ (* اسْتَفَادَ عَلِيٌّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا اسْتَفَادَ عُمَرُ مِنْهُ. وَأَمَّا عُثْمَانُ: فَقَدْ كَانَ أَقَلَّ عِلْمًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَمَعَ هَذَا فَمَا كَانَ *) [1] يَحْتَاجُ إِلَى عَلِيٍّ، حَتَّى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ شَكَا إِلَى عَلِيٍّ بَعْضَ سُعَاةِ عُمَّالِ عُثْمَانَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِكِتَابِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ عُثْمَانُ [2] : لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ.
وَصَدَقَ عُثْمَانُ، وَهَذِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ وَنُصُبُهَا الَّتِي لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ [3] فِيهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ مِنْ أَرْبَعِ طُرُقٍ: أَصَحُّهَا عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ (* الَّذِي كَتَبَهُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [4] ، وَعَمِلَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ. وَبَعْدَهُ كِتَابُ *) [5] عُمَرَ [6] .
وَأَمَّا الْكِتَابُ الْمَنْقُولُ عَنْ عَلِيٍّ فَفِيهِ أَشْيَاءُ لَمْ يَأْخُذْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ
(1)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

(2)
س، ب: عَلِيٌّ.

(3)
م: التَّوَقُّفِ.

(4)
الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ (قَالَ النَّابُلْسِيُّ فِي ذَخَائِرِ الْمَوَارِيثِ 3/144 - 145 فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ: فِي الزَّكَاةِ وَفِي الْخُمْسِ وَفِي الشَّرِكَةِ وَفِي اللِّبَاسِ وَفِي تَرْكِ الْحِيَلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى) وَهُوَ فِي: الْبُخَارِيِّ 2/116 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ الْعَرَضِ مِنَ الزَّكَاةِ) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/129 - 131 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابٌ فِي زَكَاةِ السَّائِمَةِ، الْمُسْنَدِ (ط الْمَعَارِفِ 1/183 - 184 (حَدِيثٌ رَقْمُ (72) وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ: "رَوَاهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُفَرَّقًا فِي مَوَاضِعَ صَحِيحَةٍ" . وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ.

(5)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

(6)
جَاءَ كِتَابُ عُمَرَ فِي الزَّكَاةِ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/132 - 134 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ زَكَاةِ السَّائِمَةِ) ; سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/66 - 67 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ) ; الْمُوَطَّأِ 1/257 - 259 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ) .





الْعُلَمَاءِ، مِثْلَ قَوْلِهِ: "فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خُمُسُ [1] شَاةٍ" ; فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ النُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَلِهَذَا كَانَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: إِمَّا مَنْسُوخٌ، وَإِمَّا خَطَأٌ فِي النَّقْلِ.
وَالرَّابِعُ: كِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، كَانَ قَدْ كَتَبَهُ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى نَجْرَانَ. وَكِتَابُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ آخِرُ الْكُتُبِ، فَكَيْفَ يَقُولُ عَاقِلٌ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَلْجَئُونَ إِلَيْهِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، وَقُضَاتُهُ لَمْ يَكُونُوا يَلْتَجِئُونَ إِلَيْهِ، بَلْ كَانَ شُرَيْحٌ [الْقَاضِي] [2] وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الْقُضَاةِ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ عَلِيٍّ يَقْضُونَ بِمَا تَعَلَّمُوهُ [3] مِنْ [غَيْرِ] [4] عَلِيٍّ، وَكَانَ شُرَيْحٌ قَدْ تَعَلَّمَ مِنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعَبِيدَةُ تَعَلَّمَ مِنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ، وَكَانُوا لَا يُشَاوِرُونَهُ فِي عَامَّةِ مَا يَقْضُونَ بِهِ ; اسْتِغْنَاءً بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانَا يَلْتَجِئَانِ إِلَيْهِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ.
وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ: كَانَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ، وَالْآنَ قَدْ رَأَيْتُ أَنْ يُبَعْنَ. فَقَالَ لَهُ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: رَأْيُكَ مَعَ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ [5] أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ.
(1)
خَمْسٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(2)
الْقَاضِي: زِيَادَةٌ فِي (م) .

(3)
ن، م، س: يَعْلَمُوهُ.

(4)
غَيْرِ: فِي (ب) فَقَطْ.

(5)
ن، س: الْجَمَاعَاتِ.





فَهَذَا قَاضِيهِ لَا يَرْجِعُ إِلَى رَأْيِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ [1] ، مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ إِنَّمَا مَنَعَ بَيْعَهَا تَقْلِيدًا لِعُمَرَ، لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ صَحِيحٌ. فَإِذَا كَانُوا لَا يَلْتَجِئُونَ إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَكَيْفَ يَلْتَجِئُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهَا، وَفِيهَا مِنَ النُّصُوصِ مَا يَشْفِي وَيَكْفِي؟ !
وَإِنَّمَا كَانَ يَقْضِي وَلَا يُشَاوِرُ عَلِيًّا، وَرُبَّمَا قَضَى بِقَضِيَّةٍ أَنْكَرَهَا عَلِيٌّ لِمُخَالَفَتِهَا قَوْلَ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، كَابْنَيْ عَمٍّ [2] وَأَخَوَيْنِ [3] أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ قَضَى لَهُ بِالْمَالِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلِيٌّ، وَقَالَ: بَلْ يُعْطَى السُّدُسَ، وَيَشْتَرِكَانِ [4] فِي الْبَاقِي. وَهَذَا قَوْلُ سَائِرِ الصَّحَابَةِ: زَيْدٍ وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يَكُنِ النَّاسُ مُقَلِّدِينَ فِي ذَلِكَ أَحَدًا.
وَقَوْلُ عَلِيٍّ فِي الْجَدِّ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، إِلَّا ابْنَ أَبِي لَيْلَى. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ بِهِ أَصْحَابُهُ، وَهُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَقَوْلُ زَيْدٍ قَالَ بِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَأَمَّا قَوْلُ الصِّدِّيقِ فَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ.
وَقَدْ جَمَعَ الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ كِتَابًا كَبِيرًا فِيمَا لَمْ يَأْخُذْ بِهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ ; لِكَوْنِ قَوْلِ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ أَتْبَعَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَانَ الْمَرْجُوحُ مِنْ قَوْلِهِ أَكْثَرَ مِنَ الْمَرْجُوحِ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَالرَّاجِحُ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ أَكْثَرُ، فَكَيْفَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَلْتَجِئُونَ إِلَيْهِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ؟ !
(1)
ن: لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي رَأْيِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، م: لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي رَأْيِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ.

(2)
ن، م، س: كَابْنِ عَمٍّ.

(3)
وَأَخَوَيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

(4)
ن: وَيُشْرَكَانِ.





[فصل قال الرافضي الرابع الوقائع الصادرة عنهم]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "الرَّابِعُ: الْوَقَائِعُ الصَّادِرَةُ عَنْهُمْ [2] ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَكْثَرُهَا" .
قُلْنَا: الْجَوَابُ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْهَا مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا. وَبَيَانُ الْجَوَابِ [3] عَمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ أَيْسَرُ مِنَ الْجَوَابِ عَمَّا يُنْكَرُ عَلَى عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ لَهُ عِلْمٌ وَعَدْلٌ أَنْ يَجْرَحَهُمْ وَيُزَكِّيَ عَلِيًّا، بَلْ مَتَى زَكَّى عَلِيًّا كَانُوا أَوْلَى بِالتَّزْكِيَةِ، وَإِنْ جَرَحَهُمْ كَانَ قَدْ طَرَقَ الْجَرْحُ إِلَى عَلِيٍّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
وَالرَّافِضَةُ إِنْ طَرَدَتْ قَوْلَهَا لَزِمَهَا جَرْحُ عَلِيٍّ أَعْظَمَ مِنْ جَرْحِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ لَمْ تَطْرُدْهُ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ وَتَنَاقُضُهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
كَمَا يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى إِذَا قَدَحُوا فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ دُونَ نُبُوَّةِ مُوسَى وَعِيسَى، فَمَا يُورِدُ الْكِتَابِيُّ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ سُؤَالًا إِلَّا وَيَرِدُ عَلَى نُبُوَّةِ مُوسَى وَعِيسَى أَعْظَمُ مِنْهُ، وَمَا يُورِدُ الرَّافِضِيُّ عَلَى إِمَامَةِ الثَّلَاثَةِ إِلَّا وَيَرِدُ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَمَا يُورِدُهُ [4] الْفَيْلَسُوفُ عَلَى أَهْلِ الْمِلَلِ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ. وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ أَبْعَدَ عَنِ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِهِ يَرِدُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ مِمَّا يَرِدُ عَلَى الْأَقْرَبِ إِلَى الْحَقِّ [5] .
(1)
فِي (ك) ص 194 (م) .

(2)
ك: مِنْهُمْ.

(3)
ن، م: وَبَيَانُ أَنَّ الْجَوَابَ.

(4)
س، ب: وَمَا يُورِدُ.

(5)
عِبَارَةُ إِلَى الْحَقِّ "سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) ."





وَمِنَ الطُّرُقِ الْحَسَنَةِ فِي مُنَاظَرَةِ هَذَا أَنْ يُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ مَا يُورِدُهُ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ وَمَا هُوَ أَغْلَظُ مِنْهُ ; فَإِنَّ الْمُعَارَضَةَ نَافِعَةٌ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ فُهِمَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ عُلِمَ الْجَوَابُ عَمَّا يُورِدُ عَلَى الْحَقِّ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْحَيْرَةِ وَالْعَجْزِ عَنِ الْجَوَابِ انْدَفَعَ شَرُّهُ بِذَلِكَ، وَقِيلَ لَهُ: جَوَابُكَ عَنْ هَذَا هُوَ جَوَابُنَا عَنْ هَذَا.
[فصل قال الرافضي الخامس قوله تعالى "لا ينال عهدي الظالمين" أخبر بأن عهد الإمامة لا يصل إلى الظالم والرد عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "الْخَامِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 124] أَخْبَرَ بِأَنَّ عَهْدَ الْإِمَامَةِ لَا يَصِلُ إِلَى الظَّالِمِ. وَالْكَافِرُ ظَالِمٌ [2] ; لِقَوْلِهِ: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 254] . وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الثَّلَاثَةَ كَانُوا كُفَّارًا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، إِلَى أَنْ ظَهَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" .
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: الْكُفْرُ الَّذِي يَعْقُبُهُ الْإِيمَانُ الصَّحِيحُ لَمْ يَبْقَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْهُ ذَمٌّ. هَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، بَلْ مِنْ دِينِ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 38] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ
(1)
فِي (ك) ص 194 (م) .

(2)
ظَالِمٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) .





الصَّحِيحِ [1] : "«إِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ»" ، وَفِي لَفْظٍ: "«يَهْدِمُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَإِنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ»" [2] .
الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ بِأَفْضَلَ مِمَّنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الْمُسْتَفِيضَةِ أَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ [3] ، وَعَامَّتُهُمْ أَسْلَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ بَعْدَ الْكُفْرِ، وَهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْقَرْنِ الثَّانِي الَّذِينَ وُلِدُوا عَلَى الْإِسْلَامِ.
وَلِهَذَا قَالَ [4] أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَبْعَثَ نَبِيًّا [5] مِمَّنْ آمَنَ بِالْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يَبْعَثَ نَبِيًّا مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، فَمِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِمَا أَوْلَى وَأَحْرَى.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 26] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ - وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 13 - 14] .
وَقَالَ تَعَالَى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ - قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا} الْآيَةَ [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 88 - 89] .
(1)
عِبَارَةُ "فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ" : سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/598 وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ. . .

(3)
سَبَقَ هَذَا الْخَبَرُ فِيمَا مَضَى 2/35.

(4)
ن، م: كَانَ، وَهُوَ خَطَأٌ.

(5)
نَبِيًّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .





وَطَرْدُ هَذَا: مَنْ تَابَ مِنَ الذَّنْبِ وَغُفِرَ لَهُ [1] لَمْ يَقْدَحْ [2] فِي عُلُوِّ دَرَجَتِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ. وَالرَّافِضَةُ لَهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلٌ فَارَقُوا بِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ السَّلَفِ وَدَلَائِلَ الْعُقُولِ، وَالْتَزَمُوا لِأَجْلِ ذَلِكَ مَا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ، كَدَعْوَاهُمْ إِيمَانَ آزَرَ، وَأَبَوَيِ النَّبِيِّ وَأَجْدَادِهِ وَعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مُؤْمِنًا مِنْ قُرَيْشٍ: لَا رَجُلٌ وَلَا صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ، وَلَا الثَّلَاثَةُ [3] ، وَلَا عَلِيٌّ، وَإِذَا قِيلَ عَنِ الرِّجَالِ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، فَالصِّبْيَانُ [4] كَذَلِكَ: عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ.
وَإِنْ قِيلَ: كُفْرُ الصَّبِيِّ لَيْسَ مِثْلَ كُفْرِ الْبَالِغِ.
قِيلَ: وَلَا إِيمَانُ الصَّبِيِّ مِثْلَ إِيمَانِ الْبَالِغِ ; فَأُولَئِكَ يَثْبُتُ لَهُمْ حُكْمُ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَهُمْ بَالِغُونَ، وَعَلِيٌّ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَهُوَ دُونَ الْبُلُوغِ.
وَالصَّبِيُّ الْمَوْلُودُ بَيْنَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْكُفْرِ فِي الدُّنْيَا
(1)
س: وَطَرْدُ هَذَا مِنْ بَابِ الذَّنْبِ وَغُفِرَ لَهُ، ب: وَطَرْدُ هَذَا مِنْ بَابِ الذَّنْبِ وَغُفْرَانِهِ لَهُ. .

(2)
م: وَلَمْ يَقْدَحْ

(3)
ن: وَلَا امْرَأَةٌ وَلَا الثَّلَاثَةُ.

(4)
س، ب: وَالصُّلْبَانُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-06-2025, 04:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثامن
الحلقة (482)
صـ 285 إلى صـ 294





بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَهَلْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْبُلُوغِ؟ [1] عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ، بِخِلَافِ الْبَالِغِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
فَكَانَ إِسْلَامُ الثَّلَاثَةِ مُخْرِجًا لَهُمْ مِنَ الْكُفْرِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا إِسْلَامُ عَلِيٍّ، فَهَلْ يَكُونُ مُخْرِجًا لَهُ مِنَ الْكُفْرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ إِسْلَامَ الصَّبِيِّ غَيْرُ مُخْرِجٍ لَهُ مِنَ الْكُفْرِ.
وَأَمَّا كَوْنُ صَبِيٍّ مِنَ الصِّبْيَانِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ سَجَدَ لِصَنَمٍ أَوْ لَمْ يَسْجُدْ، فَهُوَ لَمْ يُعْرَفْ ; فَلَا يُمْكِنُ الْجَزْمُ بِأَنَّ عَلِيًّا أَوِ الزُّبَيْرَ [2] وَنَحْوَهُمَا [3] لَمْ يَسْجُدُوا لِصَنَمٍ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مَعَنَا نَقْلٌ بِثُبُوتِ ذَلِكَ، بَلْ وَلَا مَعَنَا نَقْلٌ مُعَيَّنٌ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ سَجَدَ لِصَنَمٍ. بَلْ هَذَا يُقَالُ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ قُرَيْشٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَنْ يَسْجُدُوا لِلْأَصْنَامِ ; وَحِينَئِذٍ فَهَذَا مُمْكِنٌ فِي الصِّبْيَانِ، كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ.
الرَّابِعُ: أَنَّ أَسْمَاءَ الذَّمِّ: كَالْكُفْرِ، وَالظُّلْمِ، وَالْفِسْقِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ - لَا تَتَنَاوَلُ إِلَّا مَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ (* صَارَ مُؤْمِنًا بَعْدَ الْكُفْرِ، وَعَادِلًا بَعْدَ الظُّلْمِ، وَبَرًّا بَعْدَ الْفُجُورِ - فَهَذَا تَتَنَاوَلُهُ أَسْمَاءُ الْمَدْحِ *) [4] دُونَ أَسْمَاءِ الذَّمِّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 124] ، أَيْ:
(1)
(1 - 1) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(2)
م: وَالزُّبَيْرَ.

(3)
س، ب: أَوْ نَحْوَهُمَا.

(4)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .






يَنَالُ الْعَادِلَ دُونَ الظَّالِمِ، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ شَخْصًا كَانَ ظَالِمًا ثُمَّ تَابَ وَصَارَ عَادِلًا تَنَاوَلَهُ [1] الْعَهْدُ كَمَا يَتَنَاوَلُهُ سَائِرُ آيَاتِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ.
لِقَوْلِهِ [2] تَعَالَى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ: 22] ، وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [سُورَةُ الطُّورِ: 17] [3] .
الْخَامِسُ: أَنَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ بَعْدَ إِيمَانِهِ كَافِرٌ، فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. فَكَيْفَ يُقَالُ عَنْ أَفْضَلِ الْخَلْقِ إِيمَانًا: إِنَّهُمْ كُفَّارٌ ; لِأَجْلِ مَا تَقَدَّمَ.
السَّادِسُ: أَنَّهُ قَالَ لِمُوسَى: {إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ - إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 10 - 11.
السَّابِعُ: أَنَّهُ قَالَ: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا - لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 72 - 73] .
فَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَنْ جِنْسِ الْإِنْسَانِ أَنَّهُ ظَلُومٌ جَهُولٌ، وَاسْتَثْنَى مِنَ الْعَذَابِ مَنْ تَابَ. وَنُصُوصُ الْكِتَابِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ لَا بُدَّ أَنْ يَتُوبَ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَسْأَلَةِ الْعِصْمَةِ: هَلِ الْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ مِنَ الذُّنُوبِ أَمْ لَا فَيَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ؟ وَالْكَلَامُ فِيهَا مَبْسُوطٌ قَدْ تَقَدَّمَ.
(1)
س، ب: يَتَنَاوَلُهُ. .

(2)
ب: كَقَوْلِهِ.

(3)
م:. . . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ.






[فصل قال الرافضي السادس قول أبي بكر أقيلوني فلست بخيركم والرد عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "السَّادِسُ: قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ:" أَقِيلُونِي ; فَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ [2] "، وَلَوْ كَانَ إِمَامًا لَمْ يَجُزْ لَهُ طَلَبُ الْإِقَالَةِ" .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا: أَوَّلًا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيَّنَ صِحَّتُهُ، وَإِلَّا فَمَا كَلُّ مَنْقُولٍ صَحِيحٌ. وَالْقَدْحُ بِغَيْرِ الصَّحِيحِ لَا يَصِحُّ.
وَثَانِيًا: إِنْ صَحَّ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ لَمْ تَجُزْ مُعَارَضَتُهُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ: الْإِمَامُ لَا يَجُوزُ لَهُ طَلَبُ الْإِقَالَةِ ; فَإِنَّ هَذِهِ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، فَلِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ طَلَبُ الْإِقَالَةِ إِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ؟ بَلْ إِنْ كَانَ قَالَهُ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا [3] إِجْمَاعٌ عَلَى نَقِيضِ ذَلِكَ وَلَا نَصٌّ، فَلَا يَجِبُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَهُ فَلَا يَضُرُّ تَحْرِيمُ هَذَا الْقَوْلِ.
وَأَمَّا تَثْبِيتُ كَوْنِ الصِّدِّيقِ قَالَهُ، وَالْقَدْحُ فِي ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، فَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَا يُبَالِي مَا يَقُولُ.
وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا [4] يَدُلُّ عَلَى الزُّهْدِ فِي الْوِلَايَةِ وَالْوَرَعِ فِيهَا، وَخَوْفِ اللَّهِ أَنْ لَا يَقُومَ بِحُقُوقِهَا. وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا يَقُولُهُ الرَّافِضُةُ: إِنَّهُ كَانَ طَالِبًا لِلرِّيَاسَةِ، رَاغِبًا فِي الْوِلَايَةِ.
(1)
فِي (ك) ص 195 (م) .

(2)
ك: فَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ وَعَلِيٌّ فِيكُمْ.

(3)
ن، م: مَعْنَاهُ.

(4)
ب: وَهَذَا.





[فصل قال الرافضي السابع قول أبي بكر عند موته ليتني سألت رسول هل للأنصار في هذا الأمر حق والرد عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "السَّابِعُ: قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ مَوْتِهِ: لَيْتَنِي كُنْتُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لِلْأَنْصَارِ فِي هَذَا الْأَمْرِ حَقٌّ؟ وَهَذَا [2] يَدُلُّ عَلَى شَكِّهِ فِي صِحَّةِ بَيْعَةِ نَفْسِهِ، مَعَ أَنَّهُ الَّذِي دَفَعَ الْأَنْصَارَ يَوْمَ السَّقِيفَةِ لِمَا قَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، بِمَا رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ»" [3] .
وَالْجَوَابُ: أَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ»" [4] فَهُوَ حَقٌّ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الصِّدِّيقَ شَكَّ فِي هَذَا، أَوْ فِي صِحَّةِ إِمَامَتِهِ فَقَدْ كَذَبَ.
وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الصِّدِّيقَ قَالَ: لَيْتَنِي كُنْتُ سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ لِلْأَنْصَارِ فِي الْخِلَافَةِ نَصِيبٌ؟ فَقَدْ كَذَبَ ; فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ الصَّحَابَةِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُشَكَّ فِيهَا ; لِكَثْرَةِ النُّصُوصِ فِيهَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا النَّقْلِ.
وَإِنْ قُدِّرَ صِحَّتُهُ، فَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِلصِّدِّيقِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ النَّصَّ،
(1)
فِي (ك) ص 195 (م)

(2)
وَهَذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك) .

(3)
ك: بِمَا رَوَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ.

(4)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى.





وَاجْتَهَدَ فَوَافَقَ اجْتِهَادُهُ النَّصَّ. ثُمَّ مِنِ اجْتِهَادِهِ وَوَرَعِهِ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مَعَهُ نَصٌّ يُعِينُهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ [1] ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عِلْمِهِ ; حَيْثُ وَافَقَ اجْتِهَادُهُ النَّصَّ، وَيَدُلُّ عَلَى وَرَعِهِ ; حَيْثُ خَافَ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ، فَأَيُّ قَدْحٍ فِي هَذَا؟ !
[فصل قال الرافضي الثامن قول أبي بكر في مرض موته ليتني كنت تركت بيت فاطمة لم أكبسه والرد عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ [2] : "الثَّامِنُ: قَوْلُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: لَيْتَنِي كُنْتُ تَرَكْتُ بَيْتَ [3] فَاطِمَةَ لَمْ أَكْبِسْهُ [4] ، وَلَيْتَنِي كُنْتُ فِي ظُلَّةِ بَنِي سَاعِدَةَ ضَرَبْتُ عَلَى يَدِ أَحَدِ [5] الرَّجُلَيْنِ، وَكَانَ هُوَ الْأَمِيرَ، وَكُنْتُ الْوَزِيرَ [6] ; وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِقْدَامِهِ عَلَى بَيْتِ [7] فَاطِمَةَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمَا فِيهِ" [8] .
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْقَدْحَ لَا يُقْبَلُ حَتَّى يَثْبُتَ اللَّفْظُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَيَكُونَ
(1)
ن، م: نَصٌّ بِعَيْنِهِ عَنِ الِاجْتِهَادِ.

(2)
فِي (ك) ص 195 (م) .

(3)
بَيْتَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . وَفِي (ك) : بِنْتَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

(4)
م: لَمْ أَكْتَسِهِ، ك: لَمْ أَكْشِفْهُ.

(5)
ن، م: وَلَيْتَنِي كُنْتُ فِي ظُلَّةِ بَنِي سَاعِدَةَ كُنْتُ ضَرَبْتُ عَلَى يَدِ أَحَدِ. . .، ك: وَلَيْتَنِي فِي ظُلَّةِ بَنِي سَاعِدَةَ كُنْتُ ضَرَبْتُ يَدِي عَلَى يَدِ أَحَدِ.

(6)
ك: وَكُنْتُ أَنَا الْوَزِيرَ.

(7)
ك: بِنْتِ.

(8)
ك:. . فِيهِ، وَعَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْفَضْلَ لِغَيْرِهِ لَا لِنَفْسِهِ.





دَالًّا دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى الْقَدْحِ، فَإِذَا انْتَفَتْ إِحْدَاهُمَا انْتَفَى الْقَدْحُ، فَكَيْفَ إِذَا انْتَفَى كُلٌّ مِنْهُمَا؟ ! وَنَحْنُ نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَقْدَمْ عَلَى عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَذَى، بَلْ وَلَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْمُتَخَلِّفِ عَنْ بَيْعَتِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا.
وَغَايَةُ مَا يُقَالُ: إِنَّهُ كَبَسَ الْبَيْتَ لِيَنْظُرَ هَلْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي يُقَسِّمُهُ، وَأَنْ يُعْطِيَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ، ثُمَّ رَأَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَهُمْ لَجَازَ ; فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ.
وَأَمَّا إِقْدَامُهُ عَلَيْهِمْ أَنْفُسِهِمْ بِأَذًى، فَهَذَا مَا وَقَعَ فِيهِ قَطُّ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَإِنَّمَا يَنْقُلُ مِثْلَ [1] هَذَا جُهَّالُ الْكَذَّابِينَ، وَيُصَدِّقُهُ حَمْقَى [2] الْعَالَمِينَ، الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الصَّحَابَةَ هَدَمُوا بَيْتَ فَاطِمَةَ، وَضَرَبُوا بَطْنَهَا حَتَّى أَسْقَطَتْ.
وَهَذَا كُلُّهُ دَعْوَى مُخْتَلِقٍ، وَإِفْكٌ مُفْتَرًى، بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَرُوجُ إِلَّا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَنْعَامِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "لَيْتَنِي كُنْتُ ضَرَبْتُ عَلَى يَدِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ" فَهَذَا لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا، وَلَمْ يُبَيِّنْ صِحَّتَهُ، فَإِنْ كَانَ قَالَهُ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى زُهْدِهِ وَوَرَعِهِ وَخَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.
(1)
مِثْلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) .

(2)
ن: حَمْقَاءُ.





[فصل قال الرافضي التاسع تجهيز الرسول لجيش أسامة وفيه أبي بكر وعمر وعثمان والرد عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "التَّاسِعُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «جَهِّزُوا جَيْشَ أُسَامَةَ» ، وَكَرَّرَ الْأَمْرَ [بِتَنْفِيذِهِ] [2] ، وَكَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَلَمْ يُنَفِّذْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّهُ أَرَادَ [3] مَنْعَهُمْ مِنَ التَّوَثُّبِ [4] عَلَى الْخِلَافَةِ بَعْدَهُ، فَلَمْ يَقْبَلُوا [5] مِنْهُ."
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ ; فَإِنَّ هَذَا لَا يُرْوَى بِإِسْنَادٍ مَعْرُوفٍ، وَلَا صَحَّحَهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ النَّقْلِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالْمَنْقُولَاتِ لَا يَسُوغُ إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ بِثُبُوتِهَا، وَإِلَّا فَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ أَحَدٍ مَا شَاءَ.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ بِإِجْمَاعِ عُلَمَاءِ النَّقْلِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي جَيْشِ أُسَامَةَ: لَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُثْمَانُ، وَإِنَّمَا قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ [6] عُمَرُ. وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الصَّلَاةِ حَتَّى مَاتَ، وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصُّبْحَ يَوْمَ مَوْتِهِ، وَقَدْ كَشَفَ
(1)
فِي (ك) ص 195 (م) .

(2)
بِتَنْفِيذِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، س) ، (ب) .

(3)
ك: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثُمَّ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَرَادَ.

(4)
س، ب: الْوَثْبِ.

(5)
ك: فَلَمْ يَقْبَلُوهُ. .

(6)
فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .





سِجْفَ الْحُجْرَةِ، فَرَآهُمْ صُفُوفًا خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَسُرَّ بِذَلِكَ. فَكَيْفَ يَكُونُ مَعَ هَذَا قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي جَيْشِ أُسَامَةَ؟ !
الثَّالِثُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ أَرَادَ تَوْلِيَةَ عَلِيٍّ لَكَانَ هَؤُلَاءِ أَعْجَزَ أَنْ يَدْفَعُوا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكَانَ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ أَطْوَعَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ أَنْ يَدَعُوْا هَؤُلَاءِ يُخَالِفُونَ أَمْرَهُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَاتَلَ ثُلُثُ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَكْثَرُ مَعَ عَلِيٍّ لِمُعَاوِيَةَ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ مَعَهُ نَصًّا، فَلَوْ كَانَ مَعَهُ نَصٌّ لَقَاتَلَ مَعَهُ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَلَمْ يَأْمُرْ عَلِيًّا، فَلَوْ كَانَ عَلِيٌّ هُوَ الْخَلِيفَةَ لَكَانَ يَأْمُرُهُ بِالصَّلَاةِ بِالْمُسْلِمِينَ، فَكَيْفَ وَلَمْ يُؤَمِّرْ عَلِيًّا عَلَى أَبِي بَكْرٍ قَطُّ؟ !
بَلْ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ لَمَّا ذَهَبَ يُصْلِحُ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قَالَ لِبِلَالٍ: "إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ" [1] ، وَكَذَلِكَ فِي مَرَضِهِ، وَلَمَّا أَرَادَ إِقَامَةَ الْحَجِّ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَحُجَّ، وَأَرْدَفَهُ بِعَلِيٍّ تَابِعًا لَهُ، وَأَبُو بَكْرٍ هُوَ الْإِمَامُ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ، بِعَلِيٍّ وَغَيْرِهِ، وَيَأْمُرُ عَلِيًّا وَغَيْرَهُ فَيُطِيعُونَهُ، وَقَدْ أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى عَلِيٍّ فِي حَجَّةِ سَنَةِ تِسْعٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُؤَمَّرًا عَلَيْهِمْ إِمَامًا لَهُمْ.
(1)
سَيَرِدُ هَذَا الْحَدِيثُ مُفَصَّلًا فِيمَا يَلِي فِي هَذَا الْجُزْءِ ص. فَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ هُنَاكَ.





[فصل قال الرافضي العاشر أنه لم يول أبا بكر شيئا من الأعمال وولى عليه والرد عليه]
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "الْعَاشِرُ: أَنَّهُ لَمْ يُولِّ [2] أَبَا بَكْرٍ شَيْئًا مِنَ الْأَعْمَالِ، وَوَلَّى عَلَيْهِ" [3] .
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ. بَلِ الْوِلَايَةُ الَّتِي وَلَّاهَا أَبَا بَكْرٍ لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ، وَهِيَ وِلَايَةُ الْحَجِّ. وَقَدْ وَلَّاهُ غَيْرَ ذَلِكَ.
الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ وَلَّى مَنْ هُوَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ دُونَ أَبِي بَكْرٍ، مِثْلَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ; فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وِلَايَتَهُ لِكَوْنِهِ نَاقِصًا عَنْ هَؤُلَاءِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ عَدَمَ وِلَايَتِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَقْصِهِ، بَلْ قَدْ يَتْرُكُ وِلَايَتَهُ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ أَنْفَعُ لَهُ مِنْهُ فِي [4] تِلْكَ الْوِلَايَةَ، وَحَاجَتُهُ إِلَيْهِ فِي الْمُقَامِ عِنْدَهُ وَغَنَائِهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ مِنْ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْوِلَايَةِ، فَإِنَّهُ هُوَ وَعُمَرُ كَانَا مِثْلَ الْوَزِيرَيْنِ لَهُ. يَقُولُ كَثِيرًا: "دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ" وَ "خَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ" ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَسْمُرُ عِنْدَهُ عَامَّةَ لَيْلِهِ.
(1)
فِي (ك) ص 196 (م)

(2)
ك: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لَمْ يُولِّ. .

(3)
ب: وَوَلَّى عَلِيًّا، ك: وَوَلَّى غَيْرَهُ.

(4)
ن، م، س: مِنْ.





وَعُمَرُ لَمْ يَكُنْ يُوَلِّي أَهْلَ الشُّورَى [1] ، كَعُثْمَانَ [2] ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُمْ عِنْدَهُ أَفْضَلُ مِمَّنْ وَلَّاهُ مِثْلَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمُعَاوِيَةَ، وَغَيْرِهِمَا ; لِأَنَّ انْتِفَاعَهُ بِهَؤُلَاءِ فِي حُضُورِهِ أَكْمَلُ مِنِ انْتِفَاعِهِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وِلَايَةٍ يَكْفِي فِيهَا مَنْ دُونَهُمْ.
وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ يَدْخُلُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَلِيهِ عُمَرُ، وَقَالَ لَهُمَا: "«إِذَا اتَّفَقْتُمَا عَلَى شَيْءٍ لَمْ أُخَالِفْكُمَا»" [3] . وَإِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ الْوَفْدُ شَاوَرَهُمَا، فَقَدْ يُشِيرُ هَذَا بِشَيْءٍ، وَيُشِيرُ هَذَا بِشَيْءٍ ; وَلِذَلِكَ شَاوَرَهُمَا فِي أَسْرَى بَدْرٍ، وَكَانَ مُشَاوَرَتُهُ لِأَبِي بَكْرٍ أَغْلَبَ، وَاجْتِمَاعُهُ [4] بِهِ أَكْثَرَ. هَذَا أَمْرٌ يَعْلَمُهُ مَنْ تَدَبَّرَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي يَطُولُ ذِكْرُهَا.
[فصل قال الرافضي الحادي عشر أن رسول الله أنفذه لأداء سورة براءة ثم رده والرد عليه]
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ [5] : "الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْفَذَهُ لِأَدَاءِ سُورَةِ بَرَاءَةَ، ثُمَّ أَنْفَذَ عَلِيًّا [6] ، وَأَمَرَهُ بِرَدِّهِ، وَأَنْ يَتَوَلَّى هُوَ ذَلِكَ، وَمَنْ لَا يَصْلُحُ لِأَدَاءِ سُورَةٍ أَوْ بَعْضِهَا، فَكَيْفَ [7] يَصْلُحُ"
(1)
ن، س: وَعُمَرُ لَمْ يَكُنْ يُوَالِي أَهْلَ الشُّورَى، م: وَعُمَرُ لَمْ يَكُونُوا فِي أَهْلِ الشُّورَى.

(2)
س: وَعُثْمَانَ، ب: عُثْمَانَ.

(3)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/156 وَنَصُّهُ هُنَاكَ: "لَوِ اجْتَمَعْتُمَا فِي مَشُورَةٍ مَا خَالَفْتُكُمَا" .

(4)
س، ب: فَاجْتِمَاعُهُ.

(5)
فِي (ك) ص 196 (م) .

(6)
ك: ثُمَّ أَنْقَذَ عَلِيًّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَلْفَهُ.

(7)
ك: كَيْفَ. .







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26-06-2025, 04:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثامن
الحلقة (483)
صـ 295 إلى صـ 304



لِلْإِمَامَةِ الْعَامَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِأَدَاءِ الْأَحْكَامِ إِلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ؟ ! ""
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِالتَّوَاتُرِ الْعَامِّ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ سَنَةَ تِسْعٍ، لَمْ يَرُدَّهُ وَلَا رَجَعَ، بَلْ هُوَ الَّذِي أَقَامَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ ذَلِكَ الْعَامَ، وَعَلِيٌّ مِنْ جُمْلَةِ رَعِيَّتِهِ، يُصَلِّي خَلْفَهُ، وَيَدْفَعُ بِدَفْعِهِ، وَيَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ كَسَائِرِ مَنْ مَعَهُ.
وَهَذَا مِنَ الْعِلْمِ الْمُتَوَاتِرِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَمْ يَخْتَلِفِ اثْنَانِ فِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي أَقَامَ الْحَجَّ ذَلِكَ الْعَامَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهُ أَمَرَهُ بِرَدِّهِ؟ !
وَلَكِنْ أَرْدَفَهُ بِعَلِيٍّ [1] لِيَنْبِذَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ عَهْدَهُمْ ; لِأَنَّ عَادَتَهُمْ كَانَتْ جَارِيَةً أَنْ لَا يَعْقِدَ الْعُقُودَ [2] وَلَا يَحُلَّهَا إِلَّا الْمُطَاعُ، أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَقْبَلُونَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ م: وَفِي الصَّحِيحِ [3] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُونَ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ: "أَنْ [4] : «لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ»" [5] ، وَفِي رِوَايَةٍ: «ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(1)
بِعَلِيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(2)
ن، س، ب: الْعُهُودَ.

(3)
.

(4)
أَنْ سَاقِطَةٌ مِنْ (ب) .

(5)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْجُزْءِ السَّابِقِ ص 475.






وَسَلَّمَ - بِعَلِيٍّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ، فَأَذَّنَ عَلِيٌّ مَعَنَا [1] فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ بِبَرَاءَةَ، وَبِأَنْ [2] لَا يَحُجَّ (* بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» . قَالَ: فَنَبَذَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، فَلَمْ يَحُجَّ *) [3] عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ - الَّتِي حَجَّ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْرِكٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ [4] : "وَمَا حَصَلَ فِي حَجَّةِ الصِّدِّيقِ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَطَبَ بِالنَّاسِ فِي ذَلِكَ الْمَوْسِمِ وَالْجَمْعِ الْعَظِيمِ، وَالنَّاسُ مُنْصِتُونَ لِخُطْبَتِهِ، يُصَلُّونَ خَلْفَهُ، وَعَلِيٌّ مِنْ جُمْلَتِهِمْ. وَفِي السُّورَةِ فَضْلُ أَبِي بَكْرٍ وَذِكْرُ الْغَارِ، فَقَرَأَهَا عَلِيٌّ عَلَى النَّاسِ، فَهَذَا مُبَالَغَةٌ فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَحُجَّةٌ قَاطِعَةٌ" .
وَتَأْمِيرُهُ لِأَبِي بَكْرٍ عَلَى عَلِيٍّ هَذَا كَانَ بَعْدَ قَوْلِهِ: "«أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» ؟" [5] ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الرَّافِضِيَّ وَنَحْوَهُ مِنْ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ وَسِيرَتِهِ وَأُمُورِهِ وَوَقَائِعِهِ، يَجْهَلُونَ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ مُتَوَاتِرٌ مَعْلُومٌ لِمَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالسِّيرَةِ، وَيَجِيئُونَ إِلَى مَا وَقَعَ فَيَقْبَلُونَهُ، وَيُزِيدُونَ فِيهِ وَيُنْقِصُونَ.
وَهَذَا الْقَدْرُ، وَإِنْ كَانَ الرَّافِضِيُّ لَمْ يَفْعَلْهُ، فَهُوَ فِعْلُ شُيُوخِهِ وَسَلَفِهِ
(1)
ن، م: مَعَنَا عَلِيٌّ.

(2)
ن، س: بِأَنْ م: أَنْ.

(3)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) .

(4)
لَمْ أَجِدِ الْكَلَامَ التَّالِيَ بِنَصِّهِ فِيمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ كُتُبِ ابْنِ حَزْمٍ: الْفِصَلِ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ كَلَامًا مُقَارِبًا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْكَلَامِ التَّالِي فِي الْفِصَلِ 4/222.

(5)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/501.






الَّذِينَ قَلَّدَهُمْ، وَلَمْ يُحَقِّقْ مَا قَالُوهُ، وَيُرَاجِعْ [1] مَا هُوَ الْمَعْلُومُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُتَوَاتِرِ عِنْدَهُمْ، الْمَعْلُومُ لِعَامَّتِهِمْ وَخَاصَّتِهِمْ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ: "الْإِمَامَةُ الْعَامَّةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِأَدَاءِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إِلَى الْأُمَّةِ" .
قَوْلٌ بَاطِلٌ ; فَالْأَحْكَامُ كُلُّهَا قَدْ تَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ عَنْ نَبِيِّهَا، لَا تَحْتَاجُ فِيهَا إِلَى الْإِمَامِ، إِلَّا كَمَا تَحْتَاجُ إِلَى نَظَائِرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَكَانَتْ عَامَّةُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهَا عِنْدَ الصَّحَابَةِ مَعْلُومَةً، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا زَمَنَ الصِّدِّيقِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، إِلَّا وَاتَّفَقُوا بَعْدَ النِّزَاعِ بِالْعِلْمِ الَّذِي [2] كَانَ يُظْهِرُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَكَانَ الصِّدِّيقُ يَعْلَمُ عَامَّةَ الشَّرِيعَةِ، وَإِذَا خَفِيَ عَنْهُ [3] الشَّيْءُ الْيَسِيرُ سَأَلَ عَنْهُ الصَّحَابَةَ مِمَّنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمُ ذَلِكَ [4] ، كَمَا «سَأَلَهُمْ عَنْ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ [5] ، فَأَخْبَرَهُ مَنْ أَخْبَرَهُ مِنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهَا [6] السُّدُسَ» [7] .
(1)
ن، م، س: رَاجَعَ.

(2)
س، ب: بِالَّذِي.

(3)
م: عَلَيْهِ.

(4)
م: عِلْمٌ مِنْ ذَلِكَ.

(5)
س، ب: الْجَدِّ.

(6)
س، ب: أَعْطَاهُ.

(7)
فِي الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ 6/261 وَلَنَا مَا رَوَى قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ قَالَ: "جَاءَتِ الْجَدَّاتُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - شَيْءٌ، وَمَا أَعْلَمُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا وَلَكِنِ ارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْطَاهَا السُّدُسَ ; فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟ فَشَهِدَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَأَمْضَاهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ" .





وَلَمْ يُعْرَفْ لِأَبِي بَكْرٍ فُتْيَا وَلَا حُكْمٌ خَالَفَ نَصًّا، وَقَدْ عُرِفَ لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مِنْ ذَلِكَ أَشْيَاءُ [1] ، وَالَّذِي عُرِفَ لِعَلِيٍّ أَكْثَرُ مِمَّا عُرِفَ لَهُمَا [2] .
مِثْلَ قَوْلِهِ فِي [الْحَامِلِ] [3] الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِنَّهَا تَعْتَدُّ أَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِسُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ لَمَّا وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِثَلَاثِ لَيَالٍ: "حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ" ، وَلَمَّا قَالَتْ لَهُ: إِنَّ أَبَا السَّنَابِلِ قَالَ: مَا أَنْتِ بِنَاكِحَةٍ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْكِ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ. قَالَ: "كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ»" [4] .
وَقَدْ جَمَعَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ "خِلَافُ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ" مِنْ أَقْوَالِ عَلِيٍّ الَّتِي تَرَكَهَا النَّاسُ لِمُخَالَفَتِهَا النَّصَّ أَوْ مَعْنَى النَّصِّ جُزْءًا كَبِيرًا.
وَجَمَعَ بَعْدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ كَانَ إِذَا نَاظَرَهُ الْكُوفِيُّونَ يَحْتَجُّ بِالنُّصُوصِ، فَيَقُولُونَ: نَحْنُ أَخَذْنَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَجَمَعَ لَهُمْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً [5] مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ تَرَكُوهُ، أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ، يَقُولُ: إِذَا جَازَ لَكُمْ خِلَافُهُمَا [6] فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَى خِلَافِهِمَا [7] ، فَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ. وَلَمْ يُعْرَفْ لِأَبِي بَكْرٍ مِثْلُ هَذَا.
(1)
س، ب: شَيْءٌ.

(2)
ن، م، س: مِنْهُمَا.

(3)
الْحَامِلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) .

(4)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/243.

(5)
ن، م: شَيْئًا كَثِيرًا.

(6)
ن، م، س: خِلَافُهَا.

(7)
ن، م، س: خِلَافِهَا.





الثَّالِثُ: أَنَّ الْقُرْآنَ بَلَّغَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ يَصْلُحُ لِتَبْلِيغِهِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ تَبْلِيغَ الْقُرْآنِ يَخْتَصُّ بِعَلِيٍّ ; فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْآحَادِ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَنْقُولًا بِالتَّوَاتُرِ.
الْخَامِسُ: أَنَّ الْمَوْسِمَ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ يَحُجُّ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُنَادِيَ فِي الْمَوْسِمِ: "«أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ»" كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1] . فَأَيُّ حَاجَةٍ كَانَتْ بِالْمُشْرِكِينَ إِلَى أَنْ يُبَلَّغُوا الْقُرْآنَ [2] .
[فصل قال الرافضي الثاني عشر قول عمر إن محمدا لم يمت وهذا يدل على قلة علمه والرد عليه]
(فَصْلٌ)
قَالَ الرَّافِضِيُّ [3] : "الثَّانِي عَشَرَ: قَوْلُ عُمَرَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَمُتْ، وَهَذَا يَدُلُّ [4] عَلَى قِلَّةِ عِلْمِهِ، وَأَمَرَ بِرَجْمِ حَامِلٍ، فَنَهَاهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ: لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ. وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي غَلِطَ فِيهَا وَتَلَوَّنَ فِيهَا" .
(1)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ وَفِي الْجُزْءِ السَّابِقِ 7

(2)
س، ب: الْقُرْآنَ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(3)
فِي (ك) ص 196 (م) .

(4)
ك: إِنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - لَمْ يَمُتْ، وَهُوَ يَدُلُّ. . .





وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ أَوَّلًا: ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "«قَدْ كَانَ قَبْلَكُمْ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ»" [1] وَمِثْلُ هَذَا لَمْ يَقُلْهُ لِعَلِيٍّ.
وَأَنَّهُ قَالَ: "«رَأَيْتُ أَنِّي أُتِيتُ بِقَدَحٍ فِيهِ لَبَنٌ، فَشَرِبْتُ حَتَّى أَنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي، ثُمَّ نَاوَلْتُ فَضْلِي عُمَرَ" قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْعِلْمُ» [2] .
فَعُمَرُ كَانَ أَعْلَمَ الصَّحَابَةِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ، فَهَذَا كَانَ سَاعَةً، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ مَوْتُهُ، وَمِثْلُ هَذَا يَقَعُ كَثِيرًا قَدْ يَشُكُّ الْإِنْسَانُ فِي مَوْتِ مَيِّتٍ سَاعَةً وَأَكْثَرَ، ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ مَوْتُهُ، وَعَلِيٌّ قَدْ تَبَيَّنَ لَهُ أُمُورٌ بِخِلَافِ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ فِيهَا أَضْعَافَ ذَلِكَ، بَلْ ظَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْكَامِ عَلَى خِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي إِمَامَتِهِ كَفُتْيَاهُ فِي الْمُفَوِّضَةِ الَّتِي مَاتَتْ وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَأَمَّا الْحَامِلُ، فَإِنْ كَانَ [3] لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا حَامِلٌ فَهُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَمَرَ بِرَجْمِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا حَامِلٌ، فَأَخْبَرَهُ عَلِيٌّ أَنَّهَا حَامِلٌ، فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ عَلِيًّا أَخْبَرَنِي بِهَا لَرَجَمْتُهَا، فَقَتَلْتُ الْجَنِينَ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي خَافَ مِنْهُ.
(1)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى

(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى

(3)
س، ب: كَانَتْ





وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ كَانَ يَظُنُّ جَوَازَ رَجْمِ الْحَامِلِ، فَهَذَا مِمَّا قَدْ يَخْفَى، فَإِنَّ الشَّرْعَ قَدْ جَاءَ فِي مَوْضِعٍ بِقَتْلِ الصَّبِيِّ وَالْحَامِلِ تَبَعًا كَمَا إِذَا حُوصِرَ الْكُفَّارُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ وَنَصَبَ عَلَيْهِمُ الْمَنْجَنِيقَ، وَقَدْ يَقْتُلُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ.
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ «سُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ، فَقَالَ: "هُمْ مِنْهُمْ»" [1] .
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ [2] وَالصِّبْيَانِ.
وَقَدِ اشْتَبَهَ هَذَا عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَمَنَعُوا مِنَ الْبَيَاتِ خَوْفًا مِنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
فَكَذَلِكَ قَدْ يُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ ظَنَّ جَوَازَ ذَلِكَ، وَيَقُولُ: إِنَّ الرَّجْمَ حَدٌّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ.
لَكِنَّ السُّنَّةَ فَرَّقَتْ بَيْنَ مَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ كَالْحَدِّ وَبَيْنَ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ كَالْبَيَاتِ وَالْحِصَارِ.
وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُرَاجِعُهُ آحَادُ النَّاسِ حَتَّى فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ قَالَتِ امْرَأَةٌ لَهُ: أَمِنْكَ نَسْمَعُ أَمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: بَلْ [3] مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَتْ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}
(1)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى

(2)
بَعْدَ كَلِمَةِ "النِّسَاءِ" تُوجَدُ وَرَقَةٌ لَمْ تُصَوَّرْ مِنْ نُسْخَةِ (م) أَوْ قَدْ تَكُونُ مَفْقُودَةً مِنَ النُّسْخَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَسَأُنَبِّهُ عَلَى النُّسْخَةِ عِنْدَ الْعَوْدَةِ إِلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ

(3)
بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)





[سُورَةُ النِّسَاءِ: 20] فَقَالَ: امْرَأَةٌ أَصَابَتْ وَرَجُلٌ أَخْطَأَ [1] .
وَكَذَلِكَ كَانَ يَرْجِعُ إِلَى عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ.
وَصَاحِبُ الْعِلْمِ الْعَظِيمِ إِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ، لَمْ [2] يَقْدَحْ هَذَا فِي كَوْنِهِ أَعْلَمَ مِنْهُ، فَقَدْ تَعَلَّمَ مُوسَى مِنَ الْخَضِرِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ، وَتَعَلَّمَ سُلَيْمَانُ مِنَ الْهُدْهُدِ خَبَرَ بِلْقِيسَ.
وَكَانَ الصَّحَابَةُ فِيهِمْ مَنْ يُشِيرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ [3] ، وَكَانَ عُمَرُ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ مُرَاجَعَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِمُوَافَقَتِهِ فِي مَوَاضِعَ: كَالْحِجَابِ، وَأُسَارَى بَدْرٍ، وَاتِّخَاذِ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، وَقَوْلِهِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَهَذِهِ الْمُوَافَقَةُ وَالْمُرَاجَعَةُ لَمْ تَكُنْ لَا [4] لِعُثْمَانَ وَلَا لِعَلِيٍّ.
وَفِي التِّرْمِذِيِّ: "«لَوْ لَمْ أُبْعَثْ فِيكُمْ لَبُعِثَ فِيكُمْ عُمَرُ»" [5] ، "«وَلَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ»" [6] .
(1)
سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ فِيمَا مَضَى

(2)
ن، س: وَلَمْ

(3)
عِبَارَةُ "فِي بَعْضِ الْأُمُورِ" : سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س)

(4)
لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(5)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى

(6)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى





[فصل قال الرافضي الثالث عشر أنه ابتدع التراويح والرد عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنَّهُ ابْتَدَعَ التَّرَاوِيحَ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ [2] إِنَّ الصَّلَاةَ بِاللَّيْلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً بِدْعَةٌ، وَصَلَاةُ الضُّحَى بِدْعَةٌ، فَإِنَّ قَلِيلًا [3] فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ فِي بِدْعَةٍ، أَلَا وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ سَبِيلُهَا إِلَى النَّارِ» ، وَخَرَجَ عُمَرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلًا فَرَأَى الْمَصَابِيحَ فِي الْمَسَاجِدِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا لِصَلَاةِ التَّطَوُّعِ، فَقَالَ: بِدْعَةٌ وَنِعْمَتِ [4] الْبِدْعَةُ، فَاعْتَرَفَ بِأَنَّهَا بِدْعَةٌ" .
فَيُقَالُ: مَا رُئِيَ فِي طَوَائِفِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ أَجْرَأَ مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الرَّافِضَةِ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُهَا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَالْوَقَاحَةُ الْمُفْرِطَةُ فِي الْكَذِبِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَعْرِفُ أَنَّهَا كَذِبٌ، فَهُوَ مُفْرِطٌ فِي الْجَهْلِ كَمَا قَالَ فَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ وَإِنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ
(1)
فِي (ك) ص 196 (م)

(2)
ك: يَا أَيُّهَا النَّاسُ.

(3)
ك: وَصَلَاةُ الضُّحَى بِدْعَةٌ، أَلَا فَلَا تَجْمَعُوا لَيْلًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي النَّافِلَةِ وَلَا تُصَلُّوا صَلَاةَ الضُّحَى، فَإِنَّ قَلِيلًا.

(4)
ك: وَنِعْمَ.





وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْمُطَالَبَةُ، فَيُقَالُ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ؟ وَأَيْنَ إِسْنَادُهُ؟ وَفِي أَيِّ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ رُوِيَ هَذَا؟ وَمَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ: إِنَّ هَذَا صَحِيحٌ؟ .
الثَّانِي: أَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَدْنَى مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ: لَا كُتُبِ الصَّحِيحِ وَلَا السُّنَنِ وَلَا الْمَسَانِدِ، وَلَا الْمُعْجَمَاتِ وَلَا الْأَجْزَاءِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ إِسْنَادٌ: لَا صَحِيحٌ وَلَا ضَعِيفٌ، بَلْ هُوَ كَذِبٌ بَيِّنٌ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ جَمَاعَةً لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّى فَصَلَّوْا مَعَهُ فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى صَلَاتَهُ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَفِقَ رِجَالٌ يَقُولُونَ: الصَّلَاةَ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ،"





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26-06-2025, 04:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثامن
الحلقة (484)
صـ 305 إلى صـ 314






وَلَكِنْ خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، فَتَعْجِزُوا عَنْهَا فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ» ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ [1] .
«وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا شَيْئًا مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ فَقَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّادِسَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قَامَ بِنَا حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ [2] ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلِهِ" ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ لَمْ يَقُمْ بِنَا، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ [3] [الثَّالِثَةُ] جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ، قُلْتُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السُّحُورُ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ [4] .
(1)
الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي: الْبُخَارِيِّ 2/11 (كِتَابُ الْجُمُعَةِ، بَابُ مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ أَمَّا بَعْدُ 3/45 (كِتَابُ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، بَابُ فَضْلِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/67 (كِتَابُ تَفْرِيعِ أَبْوَابِ شَهْرِ رَمَضَانَ، بَابٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ)

(2)
(2 - 2) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)

(3)
اللَّيْلَةُ: زِيَادَةٌ فِي (ب)

(4)
الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/68 (كِتَابُ تَفْرِيعِ أَبْوَابِ شَهْرِ رَمَضَانَ، بَابٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/150 (كِتَابُ الصَّوْمِ بَابُ مَا جَاءَ مِنْ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، سُنَنِ النَّسَائِيِّ 3/202 - 203 (كِتَابُ قِيَامِ اللَّيْلِ، بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ) الْمُسْنَدِ (ط الْحَلَبِيِّ) 5/159 - 160، 163، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/420 - 421 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّنَّةِ فِيهَا بَابُ مَا جَاءَ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ) سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ 2/494 - 495"






وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ، وَيَقُولُ: "«مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»" فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ [1] .
وَخَرَّجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ لَيْلَةً مِنْ رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَأَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ [2] ، وَالَّتِي تَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي تَقُومُونَ يُرِيدُ بِذَلِكَ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ [3] .
وَهَذَا الِاجْتِمَاعُ الْعَامُّ لَمَّا لَمْ يَكُنْ قَدْ فُعِلَ سَمَّاهُ بِدْعَةً، لِأَنَّ مَا فُعِلَ ابْتِدَاءً
(1)
الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 3/44 - 45 (كِتَابُ التَّرَاوِيحِ، بَابُ فَضْلِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ) ، مُسْلِمٍ 1/523 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ التَّرْغِيبِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَهُوَ التَّرَاوِيحُ) وَهُوَ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/66 - 67 (كِتَابُ تَفْرِيعِ أَبْوَابِ شَهْرِ رَمَضَانَ بَابٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ (الْمُوَطَّأِ) 1/113 - 114 (كِتَابُ الصَّلَاةِ فِي رَمَضَانَ، بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الصَّلَاةِ فِي رَمَضَانَ

(2)
فِي هَامِشِ (س) كُتِبَ أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا يَلِي: الْبِدْعَةُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ الضَّلَالَةُ دُونَ الْبِدْعَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالتَّرَاوِيحُ مِنَ الثَّانِي

(3)
الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/45 (كِتَابُ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، بَابُ فَضْلِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ) الْمُوَطَّأِ 1/114 - 115 (كِتَابُ الصَّلَاةِ فِي رَمَضَانَ، بَابُ مَا جَاءَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ)






يُسَمَّى بِدْعَةً فِي اللُّغَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِدْعَةً شَرْعِيَّةً ; فَإِنَّ الْبِدْعَةَ الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي هِيَ ضَلَالَةٌ هِيَ مَا فُعِلَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ كَاسْتِحْبَابِ مَا لَمْ يُحِبَّهُ اللَّهُ، وَإِيجَابِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ وَتَحْرِيمِ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ، فَلَا بُدَّ مَعَ الْفِعْلِ [1] مِنِ اعْتِقَادٍ يُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ، وَإِلَّا فَلَوْ عَمِلَ الْإِنْسَانُ فِعْلًا مُحَرَّمًا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ لَمْ يُقَلْ إِنَّهُ فَعَلَ بِدْعَةً.
الرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ قَبِيحًا مَنْهِيًّا عَنْهُ لَكَانَ عَلِيٌّ أَبْطَلَهُ لَمَّا صَارَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ بِالْكُوفَةِ، فَلَمَّا كَانَ جَارِيًا فِي ذَلِكَ مَجْرَى عُمَرَ دَلَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ، بَلْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: نَوَّرَ اللَّهُ عَلَى عُمَرَ قَبْرَهُ كَمَا نَوَّرَ عَلَيْنَا مَسَاجِدَنَا.
وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّ عَلِيًّا دَعَا الْقُرَّاءَ فِي رَمَضَانَ، فَأَمَرَ رَجُلًا مِنْهُمْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ عِشْرِينَ رَكْعَةً، قَالَ [2] : وَكَانَ عَلِيٌّ يُوتِرُ بِهِمْ [3] .
وَعَنْ عَرْفَجَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَأْمُرُ النَّاسَ بِقِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَيَجْعَلُ لِلرِّجَالِ إِمَامًا وَلِلنِّسَاءِ إِمَامًا، قَالَ عَرْفَجَةُ: فَكُنْتُ أَنَا إِمَامَ النِّسَاءِ رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ فِي "سُنَنِهِ" [4] .
وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ: هَلْ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً أَفْضَلُ أَمْ فِعْلُهُ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ، هُمَا: قَوْلَانِ
(1)
ن: الْعَقْلِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(2)
قَالَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(3)
هَذَا الْأَثَرُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ فِي: سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ 2/496 - 497

(4)
هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عَرْفَجَةَ السُّلَمِيِّ فِي: سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ 2/4





لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَطَائِفَةٍ يُرَجِّحُونَ فِعْلَهَا فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً مِنْهُمُ اللَّيْثُ، وَأَمَّا مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ فَيُرَجِّحُونَ فِعْلَهَا فِي الْبَيْتِ، وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ»" أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1] .
وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: "«الرَّجُلُ إِذَا قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كَتَبَ [اللَّهُ] لَهُ [2] قِيَامَ لَيْلَةٍ»" [3] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "«أَفْضَلُ [الصَّلَاةِ] [4] صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ» فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا لَمْ تُشْرَعْ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَأَمَّا مَا شُرِعَتْ لَهُ الْجَمَاعَةُ [5] كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ، فَفِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَوَاتِرَةِ وَاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ."
(1)
الْحَدِيثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/147 (كِتَابُ الْأَذَانِ، بَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ) وَنَصُّهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ حُجْرَةً، قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ "وَالْحَدِيثُ أَيْضًا - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي: الْبُخَارِيِّ 8/28 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الْغَضَبِ وَالشِّدَّةِ لِأَمْرِ اللَّهِ) ، 9/95 (كِتَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ. .) مُسْلِمٍ 1/539 - 540 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ، بَابُ اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي بَيْتِهِ وَجَوَازِهَا فِي الْمَسْجِدِ) وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَالْمُوَطَّأِ وَالْمُسْنَدِ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ"

(2)
ن: كَتَبَ لَهُ

(3)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ (ص 307)

(4)
الصَّلَاةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س)

(5)
عِبَارَةُ "وَأَمَّا مَا شُرِعَتْ لَهُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ" سَاقِطَةٌ مِنْ (س) . وَفِي (ب) : أَمَّا.





قَالُوا: فَقِيَامُ [1] رَمَضَانَ إِنَّمَا لَمْ يَجْمَعِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَلَيْهِ خَشْيَةَ أَنْ يُفْتَرَضَ، وَهَذَا قَدْ أُمِنَ بِمَوْتِهِ، فَصَارَ هَذَا كَجَمْعِ الْمُصْحَفِ وَغَيْرِهِ.
وَإِذَا كَانَتِ الْجَمَاعَةُ مَشْرُوعَةً فِيهَا فَفِعْلُهَا فِي الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ.
وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "وَالَّتِي تَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ، يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ، فَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ، فَإِنَّ آخِرَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي أَوَّلِهِ أَفْضَلُ، وَالْوَقْتُ الْمَفْضُولُ قَدْ يَخْتَصُّ الْعَمَلُ فِيهِ بِمَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ أَفْضَلُ مِنَ التَّفْرِيقِ بِسَبَبٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا الْحَاضِرِ [2] أَفْضَلُ، وَالْإِبْرَادُ بِالصَّلَاةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ أَفْضَلُ."
وَأَمَّا يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَالصَّلَاةُ عَقِبَ الزَّوَالِ أَفْضَلُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ بِالْجُمُعَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى النَّاسِ، وَتَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ إِلَّا إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ وَشَقَّ عَلَيْهِمُ الِانْتِظَارُ، فَصَلَاتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَفْضَلُ، وَكَذَلِكَ الِاجْتِمَاعُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي: إِذَا كَانَ يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ.
وَفِي السُّنَنِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(1)
ن: قِيَامُ

(2)
ن: الْخَاصِّ





"«صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ»" [1] .
وَلِهَذَا كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَسْتَحِبُّ إِذَا أُسْفِرَ بِالصُّبْحِ أَنْ يُسْفَرَ بِهَا لِكَثْرَةِ الْجَمْعِ، وَإِنْ كَانَ التَّغْلِيسُ أَفْضَلَ.
فَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّ الْوَقْتَ الْمَفْضُولَ قَدْ يَخْتَصُّ بِمَا يَكُونُ الْفِعْلُ فِيهِ أَحْيَانًا أَفْضَلَ.
وَأَمَّا الضُّحَى فَلَيْسَ لِعُمَرَ فِيهَا اخْتِصَاصٌ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "«أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ [2] مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ»" [3] .
(1)
الْحَدِيثُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 1/151 - 152 (كِتَابُ الصَّلَاةِ بَابٌ فِي فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ) وَنَصُّهُ فِيهَا: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا الصُّبْحَ، فَقَالَ: "أَشَاهِدٌ فُلَانٌ؟ قَالُوا: لَا قَالَ" أَشَاهِدٌ فُلَانٌ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَيْتُمُوهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ، وَإِنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ عَلَى مِثْلِ صَفِّ الْمَلَائِكَةِ، وَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا فَضِيلَتُهُ لَابْتَدَرْتُمُوهُ، وَإِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ. . الْحَدِيثَ، وَهُوَ فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 2/104 - 105 (كِتَابُ الْإِمَامَةِ، بَابُ الْجَمَاعَةِ إِذَا كَانُوا اثْنَيْنِ) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/140. وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي "صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" 2/254 - 255

(2)
أَيَّامٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(3)
الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 3/41 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ صِيَامِ أَيَّامِ الْبِيضِ. . .) وَجَاءَ مُخْتَصَرًا فِيهِ 2/57 (كِتَابُ التَّهَجُّدِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى) . وَجَاءَ الْحَدِيثُ كَامِلًا فِي: مُسْلِمٍ 1/499 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى. . . سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/89 (كِتَابُ الْوِتْرِ، بَابٌ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ) . وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ





وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مِثْلُ [1] حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ [2] .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "«يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى»" [3] .
[فصل قال الرافضي الرابع عشر أن عثمان فعل أمورا لا يجوز فعلها والرد عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ: [4] "الرَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّ عُثْمَانَ فَعَلَ أُمُورًا لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا، حَتَّى أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ كَافَّةً، وَاجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ أَكْثَرَ مِنِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى إِمَامَتِهِ وَإِمَامَةِ صَاحِبَيْهِ" .
(1)
ن، س: مِنْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(2)
الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 499 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى. .) سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/89 (كِتَابُ الْوَتْرِ، بَابٌ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ)

(3)
الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: مُسْلِمٍ 1/498 - 499 (كِتَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا، بَابُ اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى. . .) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/36 - 37 (كِتَابُ التَّطَوُّعِ، بَابُ صَلَاةِ الضُّحَى) : 4/489 - 490 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابٌ فِي إِمَاطَةِ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ) . وَقَالَ الْمُعَلِّقُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالسُّلَامَى بِزِنَةِ الْخُزَامَى - أَرَادَ بِهِ هُنَا كُلَّ عَظْمٍ وَمَفْصِلٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْحَرَكَةِ وَيَقَعُ بِهِ الْقَبْضُ وَالْبَسْطُ ""

(4)
فِي (ك) ص 197 (م)





وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ هَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ، فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ بَايَعُوا عُثْمَانَ فِي الْمَدِينَةِ وَفِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ، لَمْ يَخْتَلِفْ فِي إِمَامَتِهِ [1] اثْنَانِ، وَلَا تَخَلَّفَ عَنْهَا أَحَدٌ، وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ: إِنَّهَا كَانَتْ أَوْكَدَ مِنْ غَيْرِهَا [2] بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا الَّذِينَ قَتَلُوهُ فَنَفَرٌ قَلِيلٌ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: يَعِيبُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ: "خَرَجُوا عَلَيْهِ كَاللُّصُوصِ مِنْ وَرَاءِ الْقَرْيَةِ، فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ كُلَّ قِتْلَةٍ، وَنَجَا مَنْ نَجَا مِنْهُمْ تَحْتَ بُطُونِ الْكَوَاكِبِ" يَعْنِي هَرَبُوا لَيْلًا.
وَمَعْلُومٌ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ أَهْلَ الْأَمْصَارِ لَمْ يَشْهَدُوا قَتْلَهُ فَلَمْ يَقْتُلْهُ بِقَدْرِ مَنْ بَايَعَهُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَقْتُلُوهُ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ دَخَلَ فِي قَتْلِهِ كَمَا دَخَلُوا فِي بَيْعَتِهِ، بَلِ الَّذِينَ قَتَلُوهُ أَقَلُّ مِنْ عُشْرِ مِعْشَارِ مَنْ بَايَعَهُ، فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّ اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى قَتْلِهِ كَانَ أَكْثَرَ مِنِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَيْعَتِهِ؟ ! لَا يَقُولُ هَذَا إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَحْوَالِهِمْ، وَأَعْظَمِهِمْ تَعَمُّدًا لِلْكَذِبِ عَلَيْهِمْ.
الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: الَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَى عَلِيٍّ وَقَاتَلُوهُ أَكْثَرُ بِكَثِيرٍ مِنَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَى عُثْمَانَ وَقَتَلُوهُ، فَإِنَّ عَلِيًّا قَاتَلَهُ بِقَدْرِ الَّذِينَ قَتَلُوا عُثْمَانَ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَقَطَعَهُ كَثِيرٌ مِنْ عَسْكَرِهِ: خَرَجُوا عَلَيْهِ وَكَفَّرُوهُ، وَقَالُوا: أَنْتَ ارْتَدَدْتَ عَنِ الْإِسْلَامِ، لَا نَرْجِعُ إِلَى طَاعَتِكَ حَتَّى تَعُودَ إِلَى الْإِسْلَامِ.
(1)
ن، س: فِي زَمَنِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

(2)
س: مِنْ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ





ثُمَّ إِنَّ وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ قَتَلَهُ قَتْلَ مُسْتَحِلٍّ لِقَتْلِهِ مُتَقَرِّبٍ إِلَى اللَّهِ بِقَتْلِهِ مُعْتَقِدًا فِيهِ أَقْبَحَ مِمَّا اعْتَقَدَهُ قَتَلَةُ عُثْمَانَ فِيهِ.
فَإِنَّ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عُثْمَانَ لَمْ يَكُونُوا مُظْهِرِينَ لِكُفْرِهِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَدَّعُونَ الظُّلْمَ وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَكَانُوا [1] يَجْهَرُونَ بِكُفْرِ عَلِيٍّ، وَهُمْ أَكْثَرُ مِنَ السَّرِيَّةِ الَّتِي قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ لِحِصَارِ عُثْمَانَ حَتَّى قُتِلَ.
فَإِنْ كَانَ هَذَا حُجَّةً فِي الْقَدْحِ فِي عُثْمَانَ كَانَ ذَلِكَ حُجَّةً فِي الْقَدْحِ فِي عَلِيٍّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كِلَيْهِمَا [2] حُجَّةٌ بَاطِلَةٌ، لَكِنَّ الْقَادِحَ فِي عُثْمَانَ بِمَنْ قَتَلَهُ أَدْحَضُ حُجَّةً مِنَ الْقَادِحِ فِي عَلِيٍّ بِمَنْ قَاتَلَهُ، فَإِنَّ الْمُخَالِفِينَ لِعَلِيٍّ الْمُقَاتِلِينَ لَهُ كَانُوا أَضْعَافَ الْمُقَاتِلِينَ لِعُثْمَانَ، بَلِ الَّذِينَ قَاتَلُوا عَلِيًّا كَانُوا أَفْضَلَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الَّذِينَ حَاصَرُوا عُثْمَانَ وَقَتَلُوهُ، وَكَانَ فِي الْمُقَاتِلِينَ [3] لِعَلِيٍّ أَهْلُ زُهْدٍ وَعِبَادَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ قَتَلَةُ عُثْمَانَ لَا فِي الدِّيَانَةِ وَلَا فِي إِظْهَارِ تَكْفِيرِهِ مِثْلَهُمْ، وَمَعَ هَذَا فَعَلِيٌّ خَلِيفَةٌ رَاشِدٌ وَالَّذِينَ اسْتَحَلُّوا دَمَهُ ظَالِمُونَ مُعْتَدُونَ فَعُثْمَانُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ عَلِيٍّ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: قَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى مُبَايَعَةِ عُثْمَانَ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَتِهِ أَحَدٌ مَعَ أَنَّ بَيْعَةَ الصِّدِّيقِ تَخَلَّفَ عَنْهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمَاتَ وَلَمْ يُبَايِعْهُ وَلَا بَايَعَ عُمَرَ، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ
(1)
ن، س: كَانُوا

(2)
ن، س: كِلَاهُمَا، وَهُوَ خَطَأٌ

(3)
س: الْقَاتِلِينَ





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26-06-2025, 04:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثامن
الحلقة (485)
صـ 305 إلى صـ 324



عُمَرَ، وَلَمْ يَكُنْ تَخَلُّفُ سَعْدٍ عَنْهَا قَادِحًا فِيهَا، لِأَنَّ سَعْدًا لَمْ يَقْدَحْ فِي الصِّدِّيقِ وَلَا فِي أَنَّهُ أَفْضَلُ الْمُهَاجِرِينَ، بَلْ كَانَ هَذَا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ، لَكِنْ طَلَبَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ أَمِيرٌ.
وَقَدْ ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "«الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ»" [1] فَكَانَ مَا ظَنَّهُ سَعْدٌ خَطَأً مُخَالِفًا لِلنَّصِّ الْمَعْلُومِ، فَعُلِمَ أَنَّ تَخَلُّفَهُ خَطَأٌ بِالنَّصِّ، (2 وَإِذَا عُلِمَ الْخَطَأُ بِالنَّصِّ 2) [2] لَمْ يُحْتَجْ فِيهِ إِلَى الْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا بَيْعَةُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهَا أَحَدٌ مَعَ كَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَانْتِشَارِهِمْ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَمِنْ سَوَاحِلِ الشَّامِ إِلَى أَقْصَى الْيَمَنِ، وَمَعَ كَوْنِهِمْ كَانُوا ظَاهِرِينَ عَلَى عَدُوِّهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ يُقَاتِلُونَهُمْ، وَهِيَ فِي زِيَادَةِ فَتْحٍ وَانْتِصَارٍ، وَدَوَامِ دَوْلَةٍ، وَدَوَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مُبَايَعَتِهِ وَالرِّضَا عَنْهُ سِتَّ سِنِينَ نِصْفَ خِلَافَتِهِ، مُعَظِّمِينَ لَهُ مَادِحِينَ لَهُ، لَا يَظْهَرُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمُ التَّكَلُّمُ فِيهِ بِسُوءٍ.
ثُمَّ بَعْدَ هَذَا صَارَ يَتَكَلَّمُ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَجُمْهُورُهُمْ لَا يَتَكَلَّمُ فِيهِ إِلَّا بِخَيْرٍ وَكَانَتْ قَدْ طَالَتْ عَلَيْهِمْ إِمَارَتُهُ، فَإِنَّهُ بَقِيَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ تَدُمْ خِلَافَةُ أَحَدٍ مِنَ الْأَرْبَعَةِ مَا دَامَتْ خِلَافَتُهُ، فَإِنَّ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ كَانَتْ سَنَتَيْنِ وَبَعْضَ الثَّالِثَةِ، وَخِلَافَةَ عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ وَبَعْضَ الْأُخْرَى، وَخِلَافَةَ عَلِيٍّ أَرْبَعَ سِنِينَ وَبَعْضَ الْخَامِسَةِ، وَنَشَأَ فِي خِلَافَتِهِ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ
(1)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى

(2)
(2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (س) (ب)






كُرْهًا فَكَانَ مُنَافِقًا مِثْلَ ابْنِ سَبَأٍ وَأَمْثَالِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ سَعَوْا فِي الْفِتْنَةِ بِقَتْلِهِ.
وَفِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَسْمَعُ الْمُنَافِقِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 47] أَيْ: وَفِيكُمْ مَنْ يَسْمَعُ [1] مِنْهُمْ فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ، وَيَقْبَلُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ يُلَبِّسُونَ عَلَيْهِ.
وَهَكَذَا فَعَلَ أُولَئِكَ الْمُنَافِقُونَ: لَبَّسُوا عَلَى بَعْضِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُمْ يُحِبُّ عُثْمَانَ وَيَبْغَضُ مَنْ كَانَ يَبْغَضُهُ حَتَّى تَقَاعَدَ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ نَصْرِهِ.
وَكَانَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ عَامَّتُهُمْ مِنْ أَوْبَاشِ الْقَبَائِلِ مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ ذِكْرٌ بِخَيْرٍ وَلَوْلَا الْفِتْنَةُ لَمَا ذُكِرُوا.
وَأَمَّا عَلِيٌّ فَمِنْ حِينِ تَوَلَّى تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ قَرِيبٌ مِنْ نِصْفِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ قَعَدَ عَنْهُ فَلَمْ يُقَاتِلْ مَعَهُ، وَلَا قَاتَلَهُ مِثْلُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَاتَلَهُ [2] .
ثُمَّ كَثِيرٌ مِنَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ رَجَعُوا عَنْهُ مِنْهُمْ مَنْ كَفَّرَهُ وَاسْتَحَلَّ دَمَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ كَعَقِيلٍ أَخِيهِ وَأَمْثَالِهِ.
(1)
ن: يَسْتَمِعُ

(2)
عِنْدَ عِبَارَةِ "وَمِنْهُمْ مَنْ قَاتَلَهُ" تَعُودُ نُسْخَةُ (م)





وَلَمْ تَزَلْ شِيعَةُ عُثْمَانَ الْقَادِحِينَ فِي عَلِيٍّ تَحْتَجُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً رَاشِدًا وَمَا كَانَتْ [1] حُجَّتُهُمْ أَعْظَمَ مِنْ حُجَّةِ الرَّافِضَةِ، فَإِذَا [2] كَانَتْ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةً وَعَلِيٌّ قُتِلَ مَظْلُومًا فَعُثْمَانُ أَوْلَى بِذَلِكَ.
[باب الفصل السادس في فسخ حججهم على إمامة أبي بكر]
[الأول الإجماع والجواب منع الإجماع والرد عليه]
بَابٌ.
قَالَ الرَّافِضِيُّ [3] : الْفَصْلُ السَّادِسُ: فِي فَسْخِ [4] حُجَجِهِمْ [5] عَلَى إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: الْإِجْمَاعُ، وَالْجَوَابُ: مَنْعُ الْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ لَمْ يُوَافِقُوا عَلَى ذَلِكَ وَجَمَاعَةً مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ كَسَلْمَانَ وَأَبِي ذَرٍّ وَالْمِقْدَادِ وَعَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَخَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ [6] [وَابْنِ عَبَّاسٍ] [7] .
(1)
ن، م، س: مَا كَانَتْ

(2)
س، ب: وَإِذَا

(3)
فِي (ك) ص 197 (م)

(4)
فَسْخِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) وَفِي (ك) : نَسْخِ

(5)
س، ب حُجَّتِهِمْ

(6)
م: ك: وَخَالِدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، صَحَابِيٌّ مِنَ السَّابِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ، اخْتُلِفَ فِي يَوْمِ اسْتِشْهَادِهِ فَقِيلَ فِي: يَوْمِ مَرْجِ الصُّفَّرِ، وَقِيلَ: يَوْمَ أَجْنَادَيْنِ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْإِصَابَةِ 1/406، طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 4/94 - 100

(7)
وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي (ك) فَقَطْ





حَتَّى أَنَّ أَبَاهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ [1] ، وَقَالَ: مَنِ اسْتُخْلِفَ عَلَى النَّاسِ [2] ؟ فَقَالُوا: ابْنُكَ، فَقَالَ: وَمَا فَعَلَ الْمُسْتَضْعَفَانِ؟ إِشَارَةٌ إِلَى عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ [3] ، قَالُوا: اشْتَغَلُوا بِتَجْهِيزِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَوْا [أَنَّ] [4] ابْنَكَ أَكْبَرُ [الصَّحَابَةِ سِنًّا، فَقَالَ: أَنَا] أَكْبَرُ [5] مِنْهُ.
وَبَنُو حَنِيفَةَ كَافَّةً لَمْ يَحْمِلُوا [6] الزَّكَاةَ إِلَيْهِ، حَتَّى سَمَّاهُمْ أَهْلَ الرِّدَّةِ وَقَتَلَهُمْ وَسَبَاهُمْ، فَأَنْكَرَ [7] عُمَرُ عَلَيْهِ، وَرَدَّ السَّبَايَا أَيَّامَ خِلَافَتِهِ.
وَالْجَوَابُ: بَعْدَ أَنْ يُقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ مِنْ أَمْرِ هَؤُلَاءِ إِخْوَانِ الْمُرْتَدِّينَ مَا تَحَقَّقَ بِهِ عِنْدَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ أَنَّهُمْ إِخْوَانُ الْمُرْتَدِّينَ حَقًّا، وَكَشَفَ أَسْرَارَهُمْ وَهَتَكَ أَسْتَارَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَزَالُ يَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ تُبَيِّنُ عَدَاوَتَهُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَلِخِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ، {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} .
(1)
أَيْ أَنَّ أَبَا قُحَافَةَ وَالِدَ أَبِي بَكْرٍ أَنْكَرَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ النَّاسُ ابْنَهُ

(2)
ك: مَنِ اسْتَخْلَفَ النَّاسُ

(3)
ك: إِشَارَةٌ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَبَّاسٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ

(4)
أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب)

(5)
ن، م، س: وَابْنُكَ أَكْبَرُ مِنْهُ، ب: ابْنُكَ أَكْبَرُ سِنًّا. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك) وَهُوَ الصَّوَابُ

(6)
ن، م، س، ب: وَلَمْ يَحْمِلُوا، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ك)

(7)
ك: وَأَنْكَرَ





فَنَقُولُ: مَنْ كَانَ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ بِالسِّيرَةِ، وَسَمِعَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ، جَزَمَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا بِأَنَّ قَائِلَهُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَخْبَارِ الصَّحَابَةِ، وَإِمَّا أَنَّهُ مِنْ أَجْرَأِ النَّاسِ عَلَى الْكَذِبِ، فَظَنِّي أَنَّ هَذَا الْمُصَنِّفَ وَأَمْثَالَهُ مِنْ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ يَنْقُلُونَ مَا فِي كُتُبِ سَلَفِهِمْ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ مِنْهُمْ لِذَلِكَ، وَلَا نَظَرٍ فِي أَخْبَارِ [1] الْإِسْلَامِ، وَفِي الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَعْرِفَ أَحْوَالَ الْإِسْلَامِ فَيَبْقَى هَذَا وَأَمْثَالُهُ فِي ظُلْمَةِ الْجَهْلِ بِالْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُفْتَرِينَ لِلْكَذِبِ [2] مِنْ شُيُوخِ الرَّافِضَةِ كَثِيرُونَ جِدًّا [3] وَغَالِبُ الْقَوْمِ ذَوُو هَوًى أَوْ جَهْلٍ فَمَنْ حَدَّثَهُمْ بِمَا يُوَافِقُ هَوَاهُمْ صَدَّقُوهُ، وَلَمْ يَبْحَثُوا عَنْ صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ، وَمَنْ حَدَّثَهُمْ [4] بِمَا يُخَالِفُ أَهْوَاءَهُمْ كَذَّبُوهُ، وَلَمْ يَبْحَثُوا عَنْ صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ وَلَهُمْ نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 32] كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ لَهُمْ نَصِيبٌ وَافِرٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 33] .
وَمِنْ أَعْظَمِ مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ جَعْلُهُ [5] بَنِي حَنِيفَةَ
(1)
م: وَلَا نَظَرُوا أَخْبَارَ

(2)
م: الْكَذِبَ

(3)
م: كَثِيرٌ جِدًّا

(4)
س، ب: يُحَدِّثُهُمْ

(5)
م: جَعْلُ





مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ ; فَإِنَّهُمْ لَمَّا امْتَنَعُوا عَنْ بَيْعَتِهِ وَلَمْ يَحْمِلُوا [1] إِلَيْهِ الزَّكَاةَ سَمَّاهُمْ أَهْلَ الرِّدَّةِ، وَقَتَلَهُمْ وَسَبَاهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا فِي كَلَامِهِ.
وَبَنُو حَنِيفَةَ قَدْ عَلِمَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ بِالْيَمَامَةِ، وَادَّعَى أَنَّهُ شَرِيكُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّسَالَةِ، وَادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي آخِرِ حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُتِلَ [2] هُوَ وَالْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ بِصَنْعَاءِ الْيَمَنِ وَكَانَ اسْمُهُ عَبْهَلَةَ، وَاتَّبَعَ الْأَسْوَدَ أَيْضًا خَلْقٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ قَتَلَهُ اللَّهُ بِيَدِ فَيْرُوزَ الدَّيْلِمِيِّ وَمَنْ أَعَانَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ قَتْلُهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ [3] لَيْلَةَ قُتِلَ، وَقَالَ: "«قَتَلَهُ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ أَهْلِ [4] بَيْتٍ صَالِحِينَ»" [5] .
وَالْأَسْوَدُ ادَّعَى الِاسْتِقْلَالَ بِالنُّبُوَّةِ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمُشَارَكَةِ، وَغَلَبَ عَلَى الْيَمَنِ وَأَخْرَجَ مِنْهَا عُمَّالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى قَتَلَهُ
(1)
ن، م، س امْتَنَعُوا عَنْ بَيْعَتِهِ لَمْ يَحْمِلُوا. .

(2)
فَقُتِلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب)

(3)
بِقَتْلِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(4)
أَهْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(5)
ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِهِ "الِاسْتِيعَابِ" عَلَى هَامِشِ الْإِصَابَةِ 3/202) قَالَ "سَيْفُ (بْنُ عُمَرَ) وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الشَّنَوِيُّ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَتَى الْخَبَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّمَاءِ اللَّيْلَةَ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا الْأَسْوَدُ الْكَذَّابُ الْعَنْسِيُّ، فَخَرَجَ لِيُبَشِّرَنَا فَقَالَ:" قُتِلَ الْأَسْوَدُ الْبَارِحَةَ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ مُبَارَكِينَ "قِيلَ" وَمَنْ قَتَلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ ""





اللَّهُ، وَنَصَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمِينَ [1] ، بَعْدَ أَنْ جَرَتْ أُمُورٌ، وَقَدْ نُقِلَ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ.
وَأَمَّا مُسَيْلِمَةُ فَإِنَّهُ ادَّعَى الْمُشَارَكَةَ فِي النُّبُوَّةِ، وَعَاشَ إِلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنَّ فِي يَدِي سُوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَقِيلَ لِي: انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا، فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ: صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ»" [2] وَأَمْرُ مُسَيْلِمَةَ وَادِّعَاؤُهُ النُّبُوَّةَ وَاتِّبَاعُ بَنِي حَنِيفَةَ لَهُ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى، إِلَّا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْمَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ.
وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ عَلِمَهُ مَنْ [يَعْلَمُهُ مِنَ] الْيَهُودِ [3] وَالنَّصَارَى، فَضْلًا عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَقُرْآنُهُ الَّذِي قَرَأَهُ قَدْ حَفِظَ النَّاسَ مِنْهُ سُوَرًا إِلَى الْيَوْمِ، مِثْلَ قَوْلِهِ: يَا ضِفْدَعُ بَنْتَ ضِفْدَعَيْنِ، نِقِّي كَمْ تَنِقِّينَ، لَا الْمَاءَ تُكَدِّرِينَ، وَلَا الشَّارِبَ تَمْنَعِينَ، رَأْسُكِ فِي الْمَاءِ وَذَنَبُكِ فِي الطِّينِ.
وَمِثْلَ قَوْلِهِ: الْفِيلُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْفِيلُ، لَهُ زَلُّومٌ طَوِيلُ، إِنَّ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا لَقَلِيلُ.
(1)
س، ب: الْمُسْلِمُونَ

(2)
سَيَرِدُ الْحَدِيثُ مُفَصَّلًا بَعْدَ صَفَحَاتٍ (ص 328) فَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ هُنَاكَ

(3)
ن: قَدْ عَلِمَهُ مِنَ الْيَهُودِ ; س، ب: قَدْ عَلِمَهُ الْيَهُودُ





وَمِثْلَ قَوْلِهِ: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْجَمَاهِرْ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَهَاجِرْ، وَلَاتُطِعْ كُلَّ سَاحِرٍ [1] وَكَافِرْ.
وَمِثْلَ قَوْلِهِ: وَالطَّاحِنَاتِ طَحْنًا، وَالْعَاجِنَاتِ عَجْنًا، وَالْخَابِزَاتِ خُبْزًا، إِهَالَةً وَسَمْنًا إِنَّ الْأَرْضَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قُرَيْشٍ نِصْفَيْنِ، وَلَكِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ لَا يَعْدِلُونَ. وَأَمْثَالَ هَذَا الْهَذَيَانِ.
وَلِهَذَا لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ طَلَبَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُسْمِعُوهُ شَيْئًا مِنْ قُرْآنِ مُسَيْلِمَةَ، فَلَمَّا أَسْمَعُوهُ، قَالَ لَهُمْ: "وَيْحَكُمْ أَيْنَ يَذْهَبُ بِعُقُولِكُمْ؟ إِنَّ هَذَا كَلَامٌ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ إِلٍّ" أَيْ مِنْ رَبٍّ [2] .
وَكَانَ مُسَيْلِمَةُ قَدْ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ: "مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ [3] فِي الْأَمْرِ مَعَكَ" فَكَتَبَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ. وَلَمَّا جَاءَ رَسُولُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا أَظْهَرَ أَحَدُ الرَّسُولَيْنِ الرِّدَّةَ"
(1)
ن: سَافِرٍ، م: مُسَافِرٍ

(2)
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي "النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ" "وَفِي حَدِيثِ الصِّدِّيقِ لَمَّا عُرِضَ عَلَيْهِ كَلَامُ مُسَيْلِمَةَ قَالَ:" إِنَّ هَذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ إِلٍّ "أَيْ مِنْ رُبُوبِيَّةٍ. وَالْإِلُّ بِالْكَسْرِ هُوَ اللَّهُ تَعَالِي، وَقِيلَ: الْإِلُّ: هُوَ الْأَصْلُ الْجَيِّدُ، أَيْ لَمْ يَجِئْ مِنَ الْأَصْلِ الَّذِي جَاءَ مِنْهُ الْقُرْآنُ. ."

(3)
س، ب: فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ أُشْرِكْتُ





بِالْكُوفَةِ فَقَتَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَذَكَّرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا [1] .
وَكَانَ مُسَيْلِمَةُ قَدْ [2] قَدِمَ فِي وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، ثُمَّ لَمَّا رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ، قَالَ لِقَوْمِهِ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أَشْرَكَنِي فِي الْأَمْرِ مَعَهُ "وَاسْتَشْهَدَ بِرَجُلَيْنِ [3] : أَحَدُهُمَا الرَّحَّالُ بْنُ عُنْفُوَةَ، فَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ. وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِثَلَاثَةٍ أَحَدُهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَالثَّانِي: الرَّحَّالُ هَذَا:" إِنَّ أَحَدَكُمْ ضِرْسُهُ فِي النَّارِ أَعْظَمُ مِنْ كَذَا وَكَذَا» "فَاسْتُشْهِدَ الثَّالِثُ فِي سَبِيلِ [اللَّهِ] [4] وَبَقِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ خَائِفًا حَتَّى شَهِدَ هَذَا لِمُسَيْلِمَةَ بِالنُّبُوَّةِ، وَاتَّبَعَهُ فَعَلِمَ أَنَّهُ هُوَ كَانَ الْمُرَادَ بِخَبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [5] ."
وَكَانَ مُؤَذِّنُ مُسَيْلِمَةَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا وَمُسَيْلِمَةَ رَسُولَا اللَّهِ.
(1)
ذَكَرَ هَذِهِ الْأَخْبَارَ تَفْصِيلًا ابْنُ كَثِيرٍ فِي "السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ" 4/97 - 99. وَانْظُرْ أَيْضًا سِيرَةَ ابْنِ هِشَامٍ 4/247 إِمْتَاعَ الْأَسْمَاعِ، ص 508 - 509 زَادَ الْعِمَادِ 3/610 - 613

(2)
قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(3)
س، ب: رَجُلَيْنِ

(4)
لَفْظُ الْجَلَالَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي (ن)

(5)
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي "السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ" 4/97: "وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرَّحَّالَ بْنَ عُنْفُوَةَ - وَاسْمُهُ نَهَارُ بْنُ عُنْفُوَةَ - وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَتَعَلَّمَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ وَصَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّةً. وَقَدْ مَرَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفُرَاتِ بْنِ حَيَّانَ، فَقَالَ لَهُمْ:" أَحَدُكُمْ ضِرْسُهُ فِي النَّارِ مِثْلُ أُحُدٍ "فَلَمْ يَزَالَا خَائِفَيْنِ حَتَّى ارْتَدَّ الرَّحَّالُ مَعَ مُسَيْلِمَةَ وَشَهِدَ لَهُ زُورًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْرَكَهُ فِي الْأَمْرِ مَعَهُ وَأَلْقَى إِلَيْهِ شَيْئًا مِمَّا كَانَ يَحْفَظُهُ مِنَ الْقُرْآنِ فَادَّعَاهُ مُسَيْلِمَةُ لِنَفْسِهِ، فَحَصَلَ بِذَلِكَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ لِبَنِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ قَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ"





وَمِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ الْأُمَّةِ - أَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ - أَنَّهُ قَاتَلَ الْمُرْتَدِّينَ؛ وَأَعْظَمُ النَّاسِ رِدَّةً كَانَ بَنُو حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَكُنْ قِتَالُهُ لَهُمْ عَلَى مَنْعِ الزَّكَاةِ، بَلْ قَاتَلَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، وَكَانُوا فِيمَا يُقَالُ نَحْوَ مِائَةِ أَلْفٍ.
وَالْحَنَفِيَّةُ أُمُّ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ سُرِّيَّةُ عَلِيٍّ كَانَتْ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، وَبِهَذَا احْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ سَبْيَ الْمُرْتَدَّاتِ إِذَا كَانَ الْمُرْتَدُّونَ مُحَارِبِينَ، فَإِذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ مَعْصُومِينَ، فَكَيْفَ اسْتَجَازَ عَلِيٌّ أَنْ يَسْبِيَ نِسَاءَهُمْ؟ وَيَطَأَ مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ؟ .
وَأَمَّا الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ عَلَى مَنْعِ الزَّكَاةِ، فَأُولَئِكَ نَاسٌ آخَرُونَ، وَلَمْ يَكُونُوا يُؤَدُّونَهَا وَقَالُوا: لَا نُؤَدِّيهَا إِلَيْكَ، بَلِ امْتَنَعُوا مِنْ أَدَائِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَقَاتَلَهُمْ عَلَى هَذَا، لَمْ يُقَاتِلْهُمْ لِيُؤَدُّوهَا إِلَيْهِ، وَأَتْبَاعُ الصِّدِّيقِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا يَقُولُونَ: إِذَا قَالُوا: نَحْنُ نُؤَدِّيهَا [1] وَلَا نَدْفَعُهَا إِلَى الْإِمَامِ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ لَعِلْمِهِمْ بِأَنَّ الصِّدِّيقَ، إِنَّمَا قَاتَلَ مَنِ امْتَنَعَ عَنْ أَدَائِهَا جُمْلَةً لَا مَنْ قَالَ: أَنَا أُؤَدِّيهَا بِنَفْسِي.
وَلَوْ عَدَّ هَذَا الْمُفْتَرِي الْرَافِضِيُّ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ الْمَجُوسَ وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ عَدِّهِ لِبَنِي حَنِيفَةَ، بَلْ كُفْرُ بَنِي حَنِيفَةَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَانَ أَعْظَمَ مِنْ كُفْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ ; فَإِنَّ أُولَئِكَ كُفَّارٌ مِلِّيُّونَ [2] وَهَؤُلَاءِ مُرْتَدُّونَ، وَأُولَئِكَ يُقِرُّونَ
(1)
ن، م: نَحْنُ لَا نُؤَدِّيهَا. . .، وَهُوَ خ

(2)
س، ب: أَصْلِيُّونَ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26-06-2025, 04:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثامن
الحلقة (486)
صـ 325 إلى صـ 334



بِالْجِزْيَةِ، وَهَؤُلَاءِ لَا يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ [1] ، وَأُولَئِكَ لَهُمْ كِتَابٌ، أَوْ شِبْهَةُ كِتَابٍ، وَهَؤُلَاءِ اتَّبَعُوا مُفْتَرِيًا كَذَّابًا؛ لَكِنْ كَانَ مُؤَذِّنُهُ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا وَمُسَيْلِمَةَ رَسُولَا اللَّهِ، وَكَانُوا يَجْعَلُونَ مُحَمَّدًا وَمُسَيْلِمَةَ سَوَاءً.
وَأَمْرُ مُسَيْلِمَةَ مَشْهُورٌ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ الَّذِي يُذْكَرُ فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ، وَالْمَغَازِي وَالْفُتُوحِ وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَالْكَلَامِ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ خَلُصَ إِلَى الْعَذَارَى فِي خُدُورِهِنَّ، بَلْ قَدْ أَفْرَدَ الْإِخْبَارِيُّونَ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ كُتُبًا سَمَّوْهَا كُتُبَ "الرِّدَّةِ" وَ "الْفُتُوحِ" مِثْلَ كِتَابِ "الرِّدَّةِ" لِسَيْفِ بْنِ عُمَرَ [2] وَالْوَاقِدَيِّ وَغَيْرِهِمَا، يَذْكُرُونَ فِيهَا مِنْ تَفَاصِيلِ أَخْبَارِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَقِتَالِهِمْ مَا يَذْكُرُونَ كَمَا قَدْ أَوْرَدُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفُتُوحِ الشَّامِ.
فَمِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَمِنْهُ مَا نَقَلَهُ الثِّقَاتُ، وَمِنْهُ أَشْيَاءُ مَقَاطِيعُ وَمَرَاسِيلُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ صِدْقًا وَكَذِبًا وَمِنْهُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَكَذِبٌ.
(1)
(1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(2)
س، ب: وَالْفُتُوحِ كَسَيْفِ بْنِ عُمَرَ. . وَتَكَلَّمَ سَزْكِينُ (م [0 - 9] ، ج [0 - 9] ، ص 102 عَلَى كِتَابِ "الرِّدَّةِ - لِلْوَاقِدِيِّ وَذَكَرَ أَنَّ مِنْهُ صَفَحَاتٍ مَخْطُوطَةً وَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبَيْشٍ اقْتَبَسَ مِنْهُ فِي" كِتَابِ الْمَغَازِي "كَمَا تُوجَدُ قِطَعٌ مِنْهُ فِي كِتَابِ" الْإِصَابَةِ "بَيَّنَ سِزْكِينُ مَوَاضِعَهَا. وَتَكَلَّمَ سِزْكِينُ أَيْضًا عَلَى سَيْفِ بْنِ عُمَرَ التَّمِيمِيِّ الْمُتَوَفَّى فِي عَهْدِ هَارُونَ الرَّشِيدِ (مِنْ 170 - 193 هـ) وَذَكَرَ مِنْ كُتُبِهِ كِتَابَ" الْفُتُوحِ الْكَبِيرِ وَالرِّدَّةِ "وَذَكَرَ عَدَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ اقْتَبَسُوا مِنْهُ وَاعْتَمَدُوا مِثْلَ الطَّبَرِيِّ وَابْنِ عَسَاكِرَ وَيَاقُوتٍ وَابْنِ حَجَرٍ. انْظُرْ سِزْكِينَ (م 1، ج [0 - 9] ، ص 133 - 134) "






لَكِنَّ تَوَاتُرَ رِدَّةِ مُسَلْيِمَةَ وَقِتَالِ الصِّدِّيقِ وَحَرْبِهِ [لَهُ] [1] كَتَوَاتُرِ هِرَقْلَ وَكِسْرَى وَقَيْصَرَ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ قَاتَلَهُ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَتَوَاتُرِ كُفْرِ مَنْ قَاتَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْيَهُودِ وَالْمُشْرِكِينَ مِثْلَ عُتْبَةَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَحُيَيِ بْنِ أَخْطَبَ، وَتَوَاتُرِ نِفَاقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
بَلْ تَوَاتُرُ رِدَّةِ مُسَيْلِمَةَ وَقِتَالِ الصِّدِّيقِ لَهُ أَظْهَرُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ قِتَالِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، وَمِنْ كَوْنِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ قَاتَلَا عَلِيًّا، وَمِنْ كَوْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ تَخَلَّفُوا عَنْ بَيْعَةِ عَلِيٍّ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ اتَّبَعْتُهُ، فَقَدَّمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مَنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِطْعَةٌ مِنْ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ: "«لَوْ سَأَلَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ، وَإِنِّي لَأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ [2] فِيكَ مَا رَأَيْتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي»" ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُرِيتُ [3] فِيكَ مَا رَأَيْتُ"
(1)
لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

(2)
م: رِيتُ ن، س، ب: رَأَيْتُ وَالْمُثْبَتُ هُوَ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَسَيَتَكَرَّرُ بَعْدَ قَلِيلٍ كَمَا أَثْبَتَهُ هُنَا

(3)
عَنْهُ زِيَادَةٌ فِي (م)






فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سُوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ [1] فِي الْمَنَامِ أَنْ أَنْفُخَهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي، فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَالْآخَرُ [2] مُسَيْلِمَةَ»" [3] .
وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: "إِنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ قِتَالَ أَهْلِ الرِّدَّةِ" .
فَمِنْ أَعْظَمِ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ عَلَى عُمَرَ، بَلِ الصَّحَابَةُ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى قِتَالِ مُسَيْلِمَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَلَكِنْ كَانَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى مُقِرِّينَ بِالْإِسْلَامِ، وَامْتَنَعُوا عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَهَؤُلَاءِ حَصَلَ لِعُمَرَ أَوَّلًا شُبْهَةٌ فِي قِتَالِهِمْ، حَتَّى نَاظَرَهُ الصِّدِّيقُ، وَبَيَّنَ لَهُ وُجُوبَ قِتَالِهِمْ فَرَجَعَ إِلَيْهِ، وَالْقِصَّةُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ
(1)
س، ب: رَأَيْتُ

(2)
س، ب فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ.

(3)
س، ب أَيْ وَالْأَخَرُ





النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، [وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» ] [1]" ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَلَمْ يَقُلْ إِلَّا بِحَقِّهَا؟ ؛ فَإِنَّ الزَّكَاةَ مِنْ حَقِّهَا. وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ "[2] ."
وَعُمَرُ احْتَجَّ بِمَا بَلَغَهُ أَوْ سَمِعَهُ [3] مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَيَّنَ لَهُ الصِّدِّيقُ أَنَّ قَوْلَهُ: "بِحَقِّهَا" يَتَنَاوَلُ الزَّكَاةَ، فَإِنَّهُمَا حَقُّ الْمَالِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: [4] لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا»" [5] .
فَهَذَا اللَّفْظُ الثَّانِي الَّذِي قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ فِقْهَ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْقِتَالِ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلْقُرْآنِ.
قَالَ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}
(1)
وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)

(2)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا مَضَى

(3)
ن، م: وَسَمِعَ

(4)
م: يَشْهَدُو

(5)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/75 - 76، 1/117





[سُورَةُ التَّوْبَةِ: 5] فَعَلَّقَ تَخْلِيَةَ السَّبِيلِ عَلَى الْإِيمَانِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ.
وَالْأَخْبَارُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ قَدْ [1] قَبَضَ الزَّكَاةَ، ثُمَّ أَعَادَهَا إِلَى أَصْحَابِهَا لَمَّا بَلَغَهُ مَوْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَتَرَبَّصُ، ثُمَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ عَلَيْهَا لَمَّا قَاتَلَهُمْ صَارَتِ الْعُمَّالُ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى الصَّدَقَاتِ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرُهُمْ يَقْبِضُونَهَا، كَمَا كَانُوا يَقْبِضُونَهَا فِي زَمَنِهِ وَيَصْرِفُونَهَا كَمَا كَانُوا يَصْرِفُونَهَا.
«وَكَتَبَ الصِّدِّيقُ لِمَنْ كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ كِتَابًا لِلصَّدَقَةِ فَقَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالَّتِي أَمَرَ بِهَا»" .
وَبِهَذَا الْكِتَابِ وَنَظَائِرِهِ يَأْخُذُ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ كُلُّهُمْ؛ فَلَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا وَلَّى أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ، لَا هُوَ وَلَا عُمَرُ بِخِلَافِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ فَإِنَّهُمَا وَلَّيَا أَقَارِبَهُمَا.
فَإِنْ جَازَ أَنْ يَطْعَنَ فِي الصِّدِّيقِ وَالْفَارُوقِ أَنَّهُمَا قَاتَلَا لِأَخْذِ الْمَالِ، فَالطَّعْنُ فِي غَيْرِهِمَا أَوْجَهُ فَإِذَا وَجَبَ الذَّبُّ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، فَهُوَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَوْجَبُ.
وَعَلِيٌّ يُقَاتِلُ لِيُطَاعَ وَيَتَصَرَّفَ فِي النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ، فَكَيْفَ يَجْعَلُ هَذَا
(1)
(قَدْ) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)





قِتَالًا عَلَى الدِّينِ؟ وَأَبُو بَكْرٍ يُقَاتِلُ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَرَكَ مَا فَرَضَ اللَّهُ لِيُطِيعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَطْ، وَلَا يَكُونُ هَذَا قِتَالًا [1] عَلَى الدِّينِ؟ .
وَأَمَّا الَّذِينَ عَدَّهُمْ هَذَا الرَّافِضِيُّ أَنَّهُمْ تَخَلَّفُوا عَنْ بَيْعَةِ الصِّدِّيقِ مَنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ فَذَلِكَ كَذِبٌ عَلَيْهِمْ إِلَّا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَإِنَّ مُبَايَعَةَ هَؤُلَاءِ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُنْكَرَ، وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ وَالْمَنْقُولَاتِ وَسَائِرِ أَصْنَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ.
وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ مَا خَرَجَ فِي السَّرِيَّةِ حَتَّى بَايَعَهُ، وَلِهَذَا يَقُولُ لَهُ: "يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ" .
وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَنْ ذَكَرَهُ بَايَعَهُ، لَكِنَّ خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ كَانَ نَائِبًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "«لَا أَكُونُ نَائِبًا لِغَيْرِهِ»" فَتَرَكَ الْوِلَايَةَ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنَ الْمُقِرِّينِ بِخِلَافَةِ الصِّدِّيقِ، وَقَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَتِهِ إِلَّا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ.
وَأَمَّا عَلِيٌّ وَبَنُو هَاشِمٍ فَكُلُّهُمْ بَايَعَهُ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ لَمْ يَمُتْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا وَهُوَ مُبَايِعٌ لَهُ.
لَكِنْ قِيلَ: [عَلِيٌّ] [2] تَأَخَّرَتْ بَيْعَتُهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: بَلْ بَايَعَهُ ثَانِيَ يَوْمٍ، وَبِكُلِّ حَالٍ فَقَدْ بَايَعُوهُ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ.
(1)
ن، م: قِتَالٌ، وَهُوَ خَطَأٌ

(2)
عَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م)





ثُمَّ جَمِيعُ النَّاسِ بَايَعُوا عُمَرَ إِلَّا سَعْدًا، لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَةِ عُمَرَ أَحَدٌ إِلَا بِنُو هَاشِمٍ وَلَا غَيْرُهُمْ.
وَأَمَّا بَيْعَةُ عُثْمَانَ فَاتَّفَقَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَيْهَا، وَكَانَ سَعْدٌ قَدْ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَلَمْ يُدْرِكْهَا، وَتَخَلُّفُ سَعْدٍ قَدْ عُرِفَ سَبَبُهُ؛ فَإِنَّهُ [1] كَانَ يَطْلُبُ أَنْ يَصِيرَ أَمِيرًا، وَيَجْعَلَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمِيرًا وَمِنَ الْأَنْصَارِ أَمِيرًا، وَمَا طَلَبَهُ [2] سَعْدٌ لَمْ يَكُنْ سَائِغًا بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِذَا ظَهَرَ خَطَأُ الْوَاحِدِ الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ، ثَبَتَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ كَانَ صَوَابًا، وَأَنَّ ذَلِكَ الْوَاحِدَ الَّذِي عُرِفَ خَطَؤُهُ بِالنَّصِّ شَاذٌّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، بِخِلَافِ الْوَاحِدِ الَّذِي يُظْهِرُ حُجَّةً شَرْعِيَّةً مِنِ الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ، فَإِنَّ هَذَا يُسَوِّغُ خِلَافَةً، وَقَدْ يَكُونُ الْحَقُّ مَعَهُ وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ.
كَمَا كَانَ الْحَقُّ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي تَجْهِيزِ جَيْشِ أُسَامَةَ وَقِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، حَتَّى تَبَيَّنَ صَوَابُ رَأْيِهِ فِيمَا بَعْدُ.
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي قُحَافَةَ فَمِنَ الْكَذِبِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أَبُو قُحَافَةَ كَانَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ، أَتَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ مِثْلُ الثَّغَامَةِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«لَوْ أَقْرَرْتَ الشَّيْخَ مَكَانَهُ لَأَتَيْنَاهُ»" [3] إِكْرَامًا لِأَبِي بَكْرٍ. وَلَيْسَ
(1)
ن، س، ب: وَإِنْ

(2)
م: وَمَا طَلَبَ

(3)
الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/16





فِي الصَّحَابَةِ مَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَأَوْلَادُهُ، وَأَدْرَكُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَدْرَكَهُ أَيْضًا بَنُو أَوْلَادِهِ: إِلَّا أَبُو بَكْرٍ مِنْ جِهَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. فَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ كَانُوا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنِينَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ كُلُّهُمْ أَيْضًا آمَنُوا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحِبُوهُ وَأُمُّ أَبِي بَكْرٍ أُمُّ الْخَيْرِ [1] آمَنَتْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُمْ أَهْلُ بَيْتِ إِيمَانٍ لَيْسَ فِيهِمْ مُنَافِقٌ، وَلَا يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ مِثْلُ هَذَا لِغَيْرِ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ.
وَكَانَ يُقَالُ: لِلْإِيمَانِ بُيُوتٌ وَلِلنِّفَاقِ بُيُوتٌ فَبَيْتُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بُيُوتِ الْإِيمَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَبَنُو النَّجَّارِ مِنْ بُيُوتِ الْإِيمَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ [2] .
وَقَوْلُهُ: "إِنَّهُمْ قَالُوا لِأَبِي قُحَافَةَ: إِنَّ ابْنَكَ أَكْبَرُ الصَّحَابَةِ سِنًّا" كَذِبٌ ظَاهِرٌ، وَفِي الصَّحَابَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ أَسَنُّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ مِثْلَ الْعَبَّاسِ، فَإِنَّ الْعَبَّاسَ كَانَ أَسَنَّ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَسَنَّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ [3] : "لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ: يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ - مَاتَ وَسِنُّهُ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَأَنَّهُ اسْتَوْفَى سِنَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مَا لَا يَصِحُّ، لَكِنَّ الْمَأْثُورَ عَنْ أَبِي قُحَافَةَ أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ"
(1)
س، ب: وَأُمُّ الْخَيْرِ

(2)
م: مِنْ أَوْلَادِ الْأَنْصَارِ

(3)
أَوْرَدَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْكَلَامَ التَّالِيَ فِي "الِاسْتِيعَابِ" وَلَكِنْ عَلَى غَيْرِ التَّرْتِيبِ الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هُنَا. انْظُرْ الِاسْتِيعَابَ 2/248، 2/24





وَسَلَّمَ - ارْتَجَّتْ مَكَّةُ، فَسَمِعَ ذَلِكَ أَبُو قُحَافَةَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: أَمْرٌ جَلِيلٌ، فَمِنْ وَلِيَ بَعْدَهُ؟ قَالُوا: ابْنُكَ، قَالَ: فَهَلْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنُو الْمُغِيرَةِ؟ ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ "."
وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ عَنْ مَنْعِهِ الْإِجْمَاعُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ لَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ إِلَّا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَإِلَّا فَالْبَقِيَّةُ كُلُّهُمْ بَايَعُوهُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ النَّقْلِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدْ قِيلَ: إِنَّهَا تَخَلَّفَتْ عَنْ مُبَايَعَتِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ بَايَعَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ رَهْبَةٍ وَلَا رَغْبَةٍ.
وَالرِّسَالَةُ الَّتِي يَذْكُرُ بَعْضُ الْكُتَّابِ أَنَّهُ أَرْسَلَهَا إِلَى عَلِيٍّ كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، بَلْ عَلِيٌّ أَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنِ ائْتِنَا، فَذَهَبَ هُوَ إِلَيْهِمْ فَاعْتَذَرَ عَلِيٌّ إِلَيْهِ وَبَايَعَهُ.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ [1] : أَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "«لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ»" وَإِنَّمَا
(1)
الْكَلَامُ التَّالِي - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/139 - 140 "كِتَابُ الْمَغَازِي: بَابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ" ؛ مُسْلِمٍ 3/1380 - 1381 "كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ" وَانْظُرْ مَا سَبَقَ: 4/196 [0 - 9] ) ، 4/232 - 233





يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِهِ، وَإِنِّي لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلْتُ بِهِ، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ "، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا عَلِيٌّ لَيْلًا وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا عَلِيٌّ."
وَكَانَ لِعَلِيٍّ وَجْهٌ مِنَ النَّاسِ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا مَاتَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ بَايَعَ تِلْكَ الْأَشْهُرَ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنِ ائْتِنَا، وَلَا يَأْتِنَا مَعَكَ أَحَدٌ كَرَاهَةَ مَحْضَرِ عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَسَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي؟ وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُمْ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضِيلَتَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ وَلَمْ نُنَفِّسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ اسْتَبْدَدْتَ بِالْأَمْرِ عَلَيْنَا وَكُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فِيهِ حَقًّا لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ؛ فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ [1] فَإِنِّي لَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الْحَقِّ، وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ، فَقَالَ: عَلِيٌّ
(1)
س، ب: الْأُمُورِ







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26-06-2025, 04:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثامن
الحلقة (487)
صـ 335 إلى صـ 344






لِأَبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ، فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقَى عَلَى الْمِنْبَرِ وَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنِ الْبَيْعَةِ، وَعُذْرَهُ الَّذِي اعْتَذَرَ بِهِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةٌ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَا إِنْكَارٌ لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فِي الْأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا بِهِ، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا؛ فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: أَصَبْتَ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِمَامَةِ لَا يَضُرُّ فِيهِ تَخَلُّفُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالطَّائِفَةِ الْقَلِيلَةِ فَإِنَّهُ لَوِ اعْتُبِرَ ذَلِكَ لَمْ يَكَدْ يَنْعَقِدُ إِجْمَاعٌ عَلَى إِمَامَةٍ؛ فَإِنَّ الْإِمَامَةَ أَمْرٌ مُعَيَّنٌ فَقَدْ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ لِهَوًى لَا يُعْلَمُ كَتَخَلُّفِ سَعْدٍ فَإِنَّهُ كَانَ قَدِ اسْتَشْرَفَ إِلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ أَمِيرًا مِنْ جِهَةِ الْأَنْصَارِ، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ، فَبَقِيَ [1] فِي نَفْسِهِ بَقِيَّةُ هَوًى.
وَمَنْ تَرَكَ الشَّيْءَ لِهَوًى، لَمْ يُؤَثِّرْ تَرْكُهُ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ كَالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ؛ فَإِنَّ هَذَا لَوْ خَالَفَ فِيهِ الْوَاحِدُ، أَوْ الِاثْنَانِ فَهَلْ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ. وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ كَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَالثَّانِي: يُعْتَدُّ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فِي الْأَحْكَامِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامَةِ أَنَّ الْحُكْمَ أَمْرٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا، فَإِنَّ الْقَائِلَ بِوُجُوبِ الشَّيْءِ يُوجِبُهُ عَلَى
(1)
ن، م، س: بَقِيَ






نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَالْقَائِلُ بِتَحْرِيمِهِ يُحَرِّمُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، فَالْمُنَازِعُ فِيهِ لَيْسَ مُتَّهَمًا؛ وَلِهَذَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ الرَّجُلِ لِلْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقِصَّةِ وَإِنْ كَانَ خَصْمًا فِيهَا؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُهَا وَيَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُحَدِّثُ الْيَوْمَ مَحْكُومًا لَهُ بِالْحَدِيثِ فَغَدًا يَكُونُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ ; لِأَنَّهُ خَصْمٌ، وَالْخَصْمُ لَا يَكُونُ شَاهِدًا.
فَالْإِجْمَاعُ عَلَى إِمَامَةِ الْمُعَيَّنِ لَيْسَ حُكْمًا عَلَى أَمْرٍ عَامٍّ كُلِّيٍّ، كَالْأَحْكَامِ عَلَى أَمْرٍ خَاصٍّ مُعَيَّنٍ.
وَأَيْضًا فَالْوَاحِدُ إِذَا خَالَفَ النَّصَّ الْمَعْلُومَ، كَانَ خِلَافُهُ شَاذًّا كَخِلَافِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا إِذَا نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ أُبِيحَتْ لِلْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، فَإِنَّ هَذَا لَمَّا جَاءَتِ السَّنَةُ الصَّحِيحَةُ بِخِلَافِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ.
وَسَعْدٌ كَانَ مُرَادُهُ أَنْ يُوَلُّوا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ الْكَثِيرَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ الْإِمَامَ مِنْ قُرَيْشٍ» فَلَوْ كَانَ الْمُخَالِفُ قُرَشِيًّا وَاسْتَقَرَّ خِلَافُهُ لَكَانَ شُبْهَةً، بَلْ عَلِيٌّ كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ تَوَاتَرَ أَنَّهُ بَايَعَ الصِّدِّيقَ طَائِعًا مُخْتَارًا.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ فَرَضَ خِلَافَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ وَبِقَدْرِهِمْ مَرَّتَيْنِ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي ثُبُوتِ الْخِلَافَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْخِلَافَةِ إِلَّا اتِّفَاقُ أَهْلِ الشَّوْكَةِ وَالْجُمْهُورِ الَّذِينَ يُقَامُ بِهِمُ الْأَمْرُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَامَ بِهِمْ مَقَاصِدُ الْإِمَامَةِ.




وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ [1] الْجَمَاعَةِ»" [2] .
وَقَالَ: "«إِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ [3] أَبْعَدُ»" [4] "."
(1)
ن، س، ب: عَلَى

(2)
لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَكِنْ جَاءَ الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/316 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابٌ فِي لُزُومِ الْجَمَاعَةِ) وَلَفْظُهُ: "يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ" قَالَ التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ" وَالْحَدِيثُ فِي "صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" 6/336 وَقَالَ السُّيُوطِيُّ إِنَّهُ فِي التِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ وَقَالَ إِنَّهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي "الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ" لِلْبَيْهَقِيِّ وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ وَفِي "السُّنَّةِ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَهُوَ فِيهَا أَيْضًا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ وَجَاءَتْ عِبَارَةُ" فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ "فِي حَدِيثِ عَرْفَجَةَ بْنِ شُرَيْحٍ الْأَشْجَعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/84 - 85 (كِتَابُ تَحْرِيمِ الدَّمِ، بَابُ قَتْلِ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَنَصُّهُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ فَقَالَ:" إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ رَأَيْتُمُوهُ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، أَوْ يُرِيدُ يُفَرِّقُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَائِنًا مَنْ كَانَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ يَرْكُضُ "وَجَاءَتْ عِبَارَةُ" وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ "أَيْضًا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/315 - 316 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابٌ فِي لُزُومِ الْجَمَاعَةِ) وَنَصُّهُ:" إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي - أَوْ قَالَ: أَمَّةَ مُحَمَّدٍ - عَلَى ضَلَالَةٍ، وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ:" هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَسَلِيمَانُ الْمَدِينِيُّ وَهُوَ عِنْدِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُفْيَانَ. وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ""

(3)
مَعَ: كَذَا فِي (م) . وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: عَلَى

(4)
هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/315 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابٌ فِي لُزُومِ الْجَمَاعَةِ) وَنَصُّهُ:. . . عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا فَقَالَ: "أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ، أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ" قَالَ التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. . ." وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي "الْمُسْنَدِ (ط الْمَعَارِفِ" 1/204 - 205 (رَقْمُ 114) ، 230 - 231 (رَقْمُ 177) وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَدِيثَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ





وَقَالَ: "«إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ، وَالذِّئْبُ إِنَّمَا يَأْخُذُ الْقَاصِيَةَ»" [1] .
وَقَالَ: "«عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ»" [2] .
الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ كَانَ أَعْظَمَ مِنِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى مُبَايَعَةِ عَلِيٍّ، فَإِنَّ ثُلُثَ الْأُمَّةِ - أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ - لَمْ يُبَايِعُوا عَلِيًّا، بَلْ قَاتَلُوهُ وَالثُّلُثَ الْآخَرَ لَمْ يُقَاتِلُوا مَعَهُ وَفِيهِمْ مَنْ لَمْ يُبَايِعْهُ أَيْضًا؛ وَالَّذِينَ [3] لَمْ يُبَايِعُوهُ مِنْهُمْ مَنْ قَاتَلَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ، فَإِنْ جَازَ الْقَدْحُ فِي الْإِمَامَةِ بِتَخَلُّفِ بَعْضِ الْأُمَّةِ عَنِ الْبَيْعَةِ كَانَ الْقَدْحُ فِي إِمَامَةِ عَلِيٍّ أَوْلَى بِكَثِيرٍ.
(1)
جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 5/232 - 233، 243 وَنَصُّهُ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ؛ فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ وَالْمَسْجِدِ" . وَضَعَّفَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي "ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" 2/53 وَذَكَرَهُ الْهَيْثَمِيُّ فِي "مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 5/219، وَقَالَ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُ أَحْمَدَ ثِقَاتٌ إِلَّا الْعَلَاءَ بْنَ زِيَادٍ، قِيلَ، إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ ""

(2)
لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَسَبَقَ قَبْلَ قَلِيلٍ كَلَامِي فِي التَّعْلِيقَاتِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَفِيهِ الْعِبَارَةُ الْأَخِيرَةُ "وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ" ؛ أَمَّا عِبَارَةُ "عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ" فَجَاءَتْ ضِمْنَ أَحَادِيثَ، انْظُرِ الْمُسْنَدَ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/278، 282 - 283

(3)
ن، م، س: فَالَّذِينَ





وَإِنْ قِيلَ: جُمْهُورُ الْأُمَّةِ لَمْ تُقَاتِلْهُ، أَوْ قِيلَ بَايَعَهُ أَهْلُ الشَّوْكَةِ وَالْجُمْهُورُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَانَ هَذَا فِي حَقٍّ أَبِي بَكْرٍ أَوْلَى وَأَحْرَى.
وَإِذَا قَالَتِ الرَّافِضَةُ: إِمَامَةٌ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِجْمَاعِ وَالْمُبَايَعَةِ.
قِيلَ: النُّصُوصُ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، لَا عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَكَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنُبَيِّنُ أَنَّ النُّصُوصَ دَلَّتْ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَلَى أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْخَلِيفَةَ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ فَخِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ لَا تَحْتَاجُ إِلَى الْإِجْمَاعِ؛ بَلِ النُّصُوصُ دَالَّةٌ عَلَى صِحَّتِهَا وَعَلَى انْتِفَاءِ مَا يُنَاقِضُهَا.
الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: الْكَلَامُ فِي إِمَامَةِ الصِّدِّيقِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي وُجُودِهَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ لَهَا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مَعْلُومٌ بِالتَّوَاتُرِ وَاتِّفَاقِ النَّاسِ بِأَنَّهُ تَوَلَّى الْأَمْرَ وَقَامَ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَلَفَهُ فِي أُمَّتِهِ وَأَقَامَ الْحُدُودَ وَاسْتَوْفَى الْحُقُوقَ وَقَاتَلَ الْكُفَّارَ وَالْمُرْتَدِّينَ وَوَلَّى الْأَعْمَالَ وَقَسَّمَ الْأَمْوَالَ وَفَعَلَ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُ [1] الْإِمَامُ، بَلْ هُوَ أَوَّلُ [2] مَنْ بَاشَرَ الْإِمَامَةَ فِي الْأُمَّةِ.
وَأَمَّا إِنْ أُرِيدَ بِإِمَامَتِهِ كَوْنُهُ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ، فَهَذَا عَلَيْهِ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ الْإِجْمَاعِ، فَلَا طَرِيقَ يَثْبُتُ بِهَا كَوْنُ عَلِيٍّ مُسْتَحِقًّا لِلْإِمَامَةِ إِلَّا وَتِلْكَ الطَّرِيقُ يَثْبُتُ بِهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ مُسْتَحِقٌّ لِلْإِمَامَةِ، وَأَنَّهُ أَحَقُّ لِلْإِمَامَةِ [3] مِنْ عَلِيٍّ
(1)
س، ب: مَا فَعَلَ

(2)
م: أَوَّلُ

(3)
س، ب: بِالْإِمَامَةِ





وَغَيْرِهِ؛ وَحِينَئِذٍ فَالْإِجْمَاعُ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْأُولَى وَلَا فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ حَاصِلًا.
[فصل قال الرافضي الإجماع ليس أصلا في الدلالة بل لا بد أن يستند المجمعون على حكم حتى يجتمعوا عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "وَأَيْضًا [2] الْإِجْمَاعُ لَيْسَ أَصْلًا فِي الدَّلَالَةِ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَنِدَ [3] الْمُجْمِعُونَ إِلَى دَلِيلٍ عَلَى الْحُكْمِ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ خَطَأً؛ وَذَلِكَ الدَّلِيلُ إِمَّا عَقْلِيٌّ، وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ دَلَالَةٌ عَلَى إِمَامَتِهِ وَإِمَّا نَقْلِيٌّ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَلَا نَصٍّ عَلَى إِمَامٍ [4] ، وَالْقُرْآنُ خَالٍ مِنْهُ فَلَوْ كَانَ الْإِجْمَاعُ مُتَحَقِّقًا كَانَ خَطَأً فَتَنْتَفِي [5] دَلَالَتُهُ" .
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: "الْإِجْمَاعُ لَيْسَ أَصْلًا فِي الدَّلَالَةِ" .
إِنْ أَرَادَ بِهِ أَمْرَ الْمُجْتَمِعِينَ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ لِكَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ فَهَذَا صَحِيحٌ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَضُرُّ؛ فَإِنَّ أَمْرَ الرَّسُولِ كَذَلِكَ لَمْ تَجِبْ طَاعَتُهُ لِذَاتِهِ، بَلْ لِأَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ
(1)
فِي (ك) ص 197 (م) - 198 (م)

(2)
ن، س، ب أَيْضًا

(3)
س: يَسْتَدِلَّ

(4)
ك (ص 198 م) : عَلَى إِمَامَتِهِ

(5)
م: فَتَبْتَغِي، س، ب فَتُنْفَى، ك: فَيَنْتَفِي





اللَّهَ؛ فَفِي الْحَقِيقَةِ لَا يُطَاعُ أَحَدٌ لِذَاتِهِ إِلَّا اللَّهُ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، وَلَهُ الْحُكْمُ وَلَيْسَ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ [1] طَاعَةُ الرَّسُولِ ; لِأَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَةُ اللَّهِ وَوَجَبَتْ طَاعَةُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُجْتَمِعِينَ، لِأَنَّ طَاعَتَهُمْ طَاعَةُ اللَّهِ وَالرَّسُولِ. وَوَجَبَ تَحْكِيمُ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ تَحْكِيمُ [2] الْأُمَّةِ، لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ اللَّهِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي»" [3] .
وَقَدْ قَامَتِ الْأَدِلَّةُ [4] الْكَثِيرَةُ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، بَلْ مَا أَمَرَتْ بِهِ الْأُمَّةُ فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ.
وَالْأُمَّةُ أَمَرَتْ بِطَاعَةِ أَبِي بَكْرٍ فِي إِمَامَتِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَمَرَا بِذَلِكَ، فَمَنْ عَصَاهُ كَانَ عَاصِيًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلْحَقِّ، وَقَدْ يَكُونُ مُخَالِفًا لَهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ، فَهَذَا قَدْحٌ فِي كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، وَدَعْوَى أَنَّ الْأُمَّةَ قَدْ تَجْتَمِعُ عَلَى الضَّلَالَةِ وَالْخَطَأِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الرَّافِضَةِ الْمُوَافِقِينَ لِلنَّظَّامِ.
وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: كَوْنُ عَلِيٍّ إِمَامًا وَمَعْصُومًا [5] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِ
(1)
ب: وَجَبَ

(2)
م: حُكْمُ

(3)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/255

(4)
ن، م: الدَّلَالَةُ

(5)
ن، س، ب: إِمَامًا مَعْصُومًا





الْإِمَامِيَّةِ [1] أَثْبَتُوهُ بِالْإِجْمَاعِ، إِذْ عُمْدَتُهُمْ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ عَلَى مَا يَذْكُرُونَهُ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ وَعَلَى الْإِجْمَاعِ، وَعَلَى مَا يَنْقُلُونَهُ؛ فَهُمْ يَقُولُونَ [2] : عُلِمَ بِالْعَقْلِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ [3] لِلنَّاسِ مِنْ إِمَامٍ مَعْصُومٍ وَإِمَامٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ؛ وَغَيْرُ عَلِيٍّ لَيْسَ مَعْصُومًا وَلَا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ * بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ الْمَعْصُومُ هُوَ عَلِيًّا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ حُجَجِهِمْ.
فَيُقَالُ لَهُمْ * [4] : إِنْ لَمْ يَكُنِ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً، فَقَدْ بَطَلَتْ تِلْكَ الْحُجَجُ فَبَطَلَ مَا بَنَوْهُ عَلَى الْإِجْمَاعِ مِنْ أُصُولِهِمْ فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ، وَإِذَا بَطَلَ ثَبَتَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ.
وَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ حَقًّا، فَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ سَوَاءٌ قَالُوا: الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ أَمْ لَمْ يَقُولُوا، وَإِذَا بَطَلَ قَوْلُهُمْ ثَبَتَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ [5] وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَإِنْ قَالُوا: نَحْنُ نَدَعُ الْإِجْمَاعَ وَلَا نَحْتَجُّ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُصُولِنَا، وَإِنَّمَا عُمْدَتُنَا الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْصُومِينَ.
قِيلَ لَهُمْ: إِذَا لَمْ تَحْتَجُّوا بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَبْقَ مَعَكُمْ حُجَّةٌ سَمْعِيَّةٌ غَيْرُ النَّقْلِ الْمَعْلُومِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّ مَا يَنْقُلُونَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ لَا يَكُونُ حُجَّةً حَتَّى نَعْلَمَ عِصْمَةَ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ.
(1)
م: مِنْ أُصُولِ الْإِمَامَةِ

(2)
م: عَلَى مَا يَنْقُلُونَهُ مِنْهُمْ وَيَقُولُونَ. . .

(3)
ن، س: إِذْ لَا بُدَّ ; ب: أَنَّهُ لَا بُدَّ.

(4)
مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م)

(5)
(4 - 4) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب)





وَعِصْمَةُ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِنَقْلٍ عَمَّنْ عُلِمَ عِصْمَتُهُ؛ وَالْمَعْلُومُ عِصْمَتُهُ هُوَ الرَّسُولُ؛ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ نَقْلٌ مَعْلُومٌ عَنِ الرَّسُولِ بِمَا يَقُولُونَهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حُجَّةٌ سَمْعِيَّةٌ [1] أَصْلًا: لَا فِي أُصُولِ الدِّينِ وَلَا فِي فُرُوعِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إِلَى دَعْوَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ بِالنَّصِّ؛ فَإِنْ أَثْبَتُّمُ النَّصَّ بِالْإِجْمَاعِ فَهُوَ بَاطِلٌ، لِنَفْيِكُمْ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، وَإِنْ لَمْ تُثْبِتُوهُ إِلَّا بِالنَّقْلِ الْخَاصِّ الَّذِي يَذْكُرُهُ بَعْضُكُمْ، فَقَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا يَنْقُلُهُ الْجُمْهُورُ وَأَكْثَرُ الشِّيعَةِ مِمَّا يُنَاقِضُ هَذَا الْقَوْلَ يُوجِبُ عِلْمًا يَقِينِيًّا بِأَنَّ هَذَا كَذِبٌ.
وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَنْ تَدَبَّرَهَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْإِمَامِيَّةَ لَا يَرْجِعُونَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَنْفَرِدُونَ بِهِ عَنِ الْجُمْهُورِ إِلَى الْحُجَّةِ أَصْلًا: لَا عَقْلِيَّةٍ وَلَا سَمْعِيَّةٍ، وَلَا نَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ؛ وَإِنَّمَا عُمْدَتُهُمْ دَعْوَى نَقْلٍ مَكْذُوبٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ، أَوْ دَعْوَى دَلَالَةِ نَصٍّ، أَوْ قِيَاسٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ.
وَهُمْ وَسَائِرُ أَهْلِ الْبِدَعِ، كَالْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ؛ وَإِنْ كَانُوا عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى حُجَّةٍ صَحِيحَةٍ: لَا عَقْلِيَّةٍ وَلَا سَمْعِيَّةٍ، وَإِنَّمَا لَهُمْ شُبُهَاتٌ؛ لَكِنَّ حُجَجَهُمْ أَقْوَى مِنْ حُجَجِ الرَّافِضَةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، أَمَّا السَّمْعِيَّاتُ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ كَمَا تَتَعَمَّدُهُ الرَّافِضَةُ وَلَهُمْ فِي النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ شُبْهَةٌ أَقْوَى مِنْ شُبَهِ الرَّافِضَةِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ سَائِرَ أَهْلِ الْبِدَعِ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ وَالْآثَارِ مِنْهُمْ، وَالرَّافِضَةُ أَجْهَلُ الطَّوَائِفِ بِالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ وَأَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛
(1)
سَمْعِيَّةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)





وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي كُتُبِهِمْ وَكَلَامِهِمْ مِنَ الْجَهْلِ وَالْكَذِبِ فِي الْمَنْقُولَاتِ مَا لَا يُوجَدُ فِي سَائِرِ الطَّوَائِفِ، وَكَذَلِكَ لَهُمْ فِي الْعَقْلِيَّاتِ مَقَايِيسُ هِيَ مَعَ ضَعْفِهَا وَفَسَادِهَا أَجْوَدُ مِنْ مَقَايِيسِ الرَّافِضَةِ.
وَأَيْضًا فَنَحْنُ نُشِيرُ إِلَى [1] مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ بِالدَّلَالَةِ الْمَبْسُوطَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ.
وَنَحْنُ لَا نَحْتَاجُ فِي تَقْرِيرِ إِمَامَةِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا غَيْرِهِ إِلَى هَذَا الْإِجْمَاعِ، وَلَا نَشْتَرِطُ فِي إِمَامَةِ أَحَدٍ هَذَا الْإِجْمَاعَ؛ لَكِنْ هُوَ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ اعْتَمَدُوا عَلَى الْإِجْمَاعِ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ، فَنُشِيرُ إِلَى بَعْضِ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ.
فَنَقُولُ أَوَّلًا: مَا مِنْ حُكْمٍ اجْتَمَعَتْ [2] الْأُمَّةُ عَلَيْهِ إِلَّا وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ، فَالْإِجْمَاعُ دَلِيلٌ عَلَى نَصٍّ مَوْجُودٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ لَيْسَ مِمَّا دَرَسَ عِلْمُهُ، وَالنَّاسُ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْإِجْمَاعِ عَنِ اجْتِهَادٍ، وَنَحْنُ نُجَوِّزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُجْمِعِينَ [3] قَالَ عَنِ اجْتِهَادٍ، لَكِنْ لَا يَكُونُ النَّصُّ خَافِيًا عَلَى جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ وَمَا مِنْ حُكْمٍ يُعْلَمُ أَنَّ فِيهِ إِجْمَاعًا إِلَّا وَفِي الْأُمَّةِ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِ نَصًّا. وَحِينَئِذٍ فَالْإِجْمَاعُ دَلِيلٌ عَلَى النَّصِّ.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 115] . فَعُلِّقَ الْوَعِيدُ
(1)
س، ب: عَلَى

(2)
م: أَجْمَعَتِ

(3)
س، ب: الْمُجْتَمِعِينَ







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26-06-2025, 04:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثامن
الحلقة (488)
صـ 345 إلى صـ 354



بِمُشَاقَّةِ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [1] مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ تُوجِبُ الْوَعِيدَ وَلَكِنْ هُمَا مُتَلَازِمَانِ؛ فَلِهَذَا [2] عَلَّقَهُ بِهِمَا، كَمَا يُعَلِّقُهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ أَيْضًا.
وَخِلَافَةُ الصِّدِّيقِ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ النُّصُوصَ الْكَثِيرَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهَا حَقٌّ وَصَوَابٌ، وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، وَاخْتَلَفُوا: هَلِ انْعَقَدَتْ بِالنَّصِّ الَّذِي هُوَ الْعَهْدُ كَخِلَافَةِ عُمَرَ، أَوْ بِالْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِيَارِ؟ .
وَأَمَّا دَلَالَةُ النُّصُوصِ عَلَى أَنَّهَا حَقٌّ وَصَوَابٌ؛ فَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا نَازَعَ فِيهِ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ؛ كُلُّهُمْ يَحْتَجُّ عَلَى صِحَّتِهَا بِالنُّصُوصِ، إِذَا كُنَّا نُبَيِّنُ أَنَّ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ فَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ كَانَ ذِكْرَ الْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى النَّصِّ لَا يُفَارِقُهُ الْبَتَّةَ.
وَمَعَ هَذَا فَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْإِجْمَاعِ مُطْلَقًا وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَنْ يَقُولُ: قَدْ لَا يَكُونُ مَعَهُ نَصٌّ.
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 110] ، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ وَيَنْهَوْنَ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ إِيجَابَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَتَحْرِيمَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ هُوَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، بَلْ هُوَ نَفْسُهُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَيَجِبُ أَنْ يُوجِبُوا كُلَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُحَرِّمُوا كُلَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ وَحِينَئِذٍ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُوجِبُوا حَرَامًا، وَيُحَرِّمُوا وَاجِبًا بِالضَّرُورَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ السُّكُوتُ عَنْ
(1)
(4 - 4) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(2)
ب: وَلِهَذَا






الْحَقِّ فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ نُجَوِّزُ السُّكُوتَ عَنِ الْحَقِّ وَالتَّكَلُّمَ بِنَقِيضِهِ مِنَ الْبَاطِلِ؟ وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَكَانُوا قَدْ أَمَرُوا بِالْمُنْكِرِ وَنَهَوْا عَنِ الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ خِلَافُ النَّصْرِ.
فَلَوْ كَانَتْ وِلَايَةُ أَبِي بَكْرٍ حَرَامًا، وَطَاعَتُهُ حَرَامًا مُنْكَرًا لَوَجَبَ أَنْ يَنْهَوْا عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ مُبَايَعَةُ عَلِيٍّ وَاجِبَةً لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَأْمُرُوا بِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مُبَايَعَةَ هَذَا إِذْ ذَاكَ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفًا وَلَا وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا، وَمُبَايِعَةَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مُنْكَرًا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 71] وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 143] وَقَوْلُهُ: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [سُورَةُ الْحَجِّ: 87] . وَمَنْ جَعَلَهُمُ الرَّبُّ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِمَا يَشْهَدُونَ بِهِ، ذَوِي عَدْلٍ فِي شَهَادَتِهِمْ، فَلَوْ كَانُوا يُحَلِّلُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَيُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ [1] اللَّهُ وَيُوجِبُونَ مَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَيُسْقِطُونَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانُوا يَجْرَحُونَ الْمَمْدُوحَ وَيَمْدَحُونَ الْمَجْرُوحَ.
(1)
ن، س، ب: مَا حَلَّ






فَإِذَا شَهِدُوا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ عَالِمِينَ بِمَا شَهِدُوا بِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا مُطِيعٌ لِلَّهِ وَهَذَا عَاصٍ لِلَّهِ وَهَذَا فَعَلَ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الثَّوَابَ وَهَذَا فَعَلَ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعِقَابَ وَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّاسِ تَتَنَاوَلُ الشَّهَادَةَ بِمَا فَعَلُوهُ مِنْ مَذْمُومٍ وَمَحْمُودٍ. وَالشَّهَادَةُ بِأَنَّ هَذَا مُطِيعٌ وَهَذَا عَاصٍ هِيَ تَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةَ بِأَفْعَالِهِمْ وَأَحْكَامَ أَفْعَالِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ: "وَجَبَتْ" وَمَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قَوْلُكَ: وَجَبَتْ؟ قَالَ: "هَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقُلْتُ وَجَبَتْ لَهَا الْجَنَّةُ، وَهَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا شَرًّا، فَقُلْتُ: وَجَبَتْ لَهَا النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ»" [1] .
وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} الْآيَةَ [سُورَةُ النِّسَاءِ: 115] فَإِنَّهُ تَوَعَّدَ عَلَى الْمُشَاقَّةِ لِلرَّسُولِ وَاتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ؛ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَذْمُومٌ؛ فَإِنَّ مُشَاقَّةَ الرَّسُولِ وَحْدَهَا مَذْمُومَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْآخَرُ
(1)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/498، وَذَكَرْتُ هُنَاكَ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَسُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، وَأَنَّ حَدِيثًا آخَرَ جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَفِي الْمُسْنَدِ، إِلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ بَعْدَ إِيرَادِهِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ"






مَذْمُومًا لَكَانَ قَدْ رَتَّبَ الْوَعِيدَ عَلَى وَصْفَيْنِ: مَذْمُومٍ وَغَيْرِ مَذْمُومٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [سُورَةُ الْفُرْقَانِ: 68، 69] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنِ الْخِصَالِ الثَّلَاثَةِ مَذْمُومٌ شَرْعًا.
وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ قَدْ أَوْجَبُوا أَشْيَاءَ وَحَرَّمُوا أَشْيَاءَ فَخَالَفَهُمْ مُخَالِفٌ، وَقَالَ: إِنَّ مَا أَوْجَبُوهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَمَا حَرَّمُوهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ فَقَدِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِسَبِيلِهِمِ اعْتِقَادَاتُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مَذْمُومًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سَبِيلُهُمْ صَوَابًا وَحَقًّا لَمْ يَكُنِ الْمُخَالِفُ لَهُمْ مَذْمُومًا.
وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 59] : فَجَعَلَ وُجُوبَ الرَّدِّ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [1] مُعَلَّقًا [2] بِالتَّنَازُعِ. وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدِمَ عِنْدَ عَدَمِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ التَّنَازُعِ لَا يَجِبُ الرَّدُّ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى حَقٍّ وَصَوَابٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ وَخَطَأٍ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ وُجُوبُ الرَّدِّ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَأَجْلِ بَاطِلِهِمْ وَخَطَئِهِمْ ; وَلِأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حَقٌّ حَالَ إِجْمَاعِهِمْ
(1)
(1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(2)
س، ب: وَرَدَ مُعَلَّقًا. .






وَنِزَاعِهِمْ فَإِذَا لَمْ يَجِبِ الرَّدُّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُوَافِقٌ لَهُ لَا مُخَالِفٌ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ الْمُسْتَدِلُّ بِالْإِجْمَاعِ مُتَّبِعًا لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى الرَّدِّ إِلَيْهِ.
وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 103] أَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ وَنَهَاهُمْ عَنْ الِافْتِرَاقِ فَلَوْ كَانَ فِي حَالِ الِاجْتِمَاعِ قَدْ يَكُونُونَ مُطِيعِينَ لِلَّهِ تَارَةً وَعَاصِينَ لَهُ أُخْرَى لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ إِلَّا إِذَا كَانَ اجْتِمَاعًا عَلَى طَاعَةٍ؛ وَاللَّهُ أَمَرَ بِهِ مُطْلَقًا ; وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ، لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ إِذَا كَانَ مَعَهُ طَاعَةٌ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ نَوْعَيْنِ نَوْعٌ يُطِيعُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَنَوْعٌ يَعْصِيهِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُطِيعِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ فُرْقَةٌ، فَلَمَّا أَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 55] فَجَعَلَ مُوَالَاتَهُمْ كَمُوَالَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَمُوَالَاةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِطَاعَةِ أَمْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ لَا تَتِمُّ مُوَالَاتُهُمْ إِلَّا بِطَاعَةِ أَمْرِهِمْ؛ وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا كَانَ أَمْرُهُمْ أَمْرًا مُتَّفَقًا؛ فَإِنْ أَمَرَ بَعْضَهُمْ بِشَيْءٍ وَأَمَرَ آخَرَ [1] بِضِدِّهِ لَمْ يَكُنْ مُوَالَاةُ هَذَا بِأَوْلَى مِنْ مُوَالَاةِ هَذَا، فَكَانَتِ الْمُوَالَاةُ فِي حَالِ النِّزَاعِ بِالرَّدِّ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ.
وَأَيْضًا فَقَدَ [2] ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ
(1)
م: الْآخَرَ

(2)
ن، س، ب: قَدْ






مُتَعَدِّدَةِ الْأَمْرِ بِالِاعْتِصَامِ بِالْجَمَاعَةِ وَالْمَدْحِ لَهَا، وَذَمِّ الشُّذُوذِ، وَأَنَّ الْخَيْرَ وَالْهُدَى وَالرَّحْمَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَأَنَّهُ لَنْ يَزَالَ فِيهَا [1] طَائِفَةٌ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَأَنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ.
وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "«لَا يَجْمَعُ اللَّهُ أُمَّتِي [2] عَلَى الضَّلَالَةِ أَبَدًا، وَيَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ» [3]" .
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(1)
فِيهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)

(2)
م: لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي

(3)
سَبَقَ أَنْ ذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 3/315 - 316 (انْظُرْ مَا سَبَقَ فِي هَذَا الْجُزْءِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: "وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ" ، وَرَوَاهُ الْهَيْثَمِيُّ "فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ" 5/218 عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِلَفْظِ: لَنْ تَجْتَمِعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ "وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ رِجَالُ أَحَدِهِمَا ثِقَاتٌ رِجَالُ الصَّحِيحِ، خَلَا مَرْزُوقٍ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ وَهُوَ ثِقَةٌ." وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي سُنَنِهِ 3/316 (كِتَابُ الْفِتَنِ، بَابُ لُزُومِ الْجَمَاعَةِ) وَنَصُّهُ: "يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ" وَسَبَقَ أَنْ أَشَرْتُ إِلَيْهِ وَإِلَى كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ عَلَيْهِ (هَذَا الْجُزْءُ. . . . . . .) وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 1/116 مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ: "فَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونٍ الْعَدَنِيُّ هَذَا قَدْ عَدَّلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ إِمَامُ أَهْلِ الْيَمَنِ وَتَعْدِيلُهُ حُجَّةٌ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ" وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: "إِبْرَاهِيمُ عَدَّلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ"






"«مَنْ خَالَفَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ»" [1] .
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "«مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ حَتَّى يُرَاجِعَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِمَامُ جَمَاعَةٍ؛ فَإِنَّ مِيتَتَهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ»" [2] .
وَعَنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«آمُرُكُمْ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِنَّ: الْجَمَاعَةُ، وَالسَّمْعُ، وَالطَّاعَةُ، وَالْهِجْرَةُ، وَالْجِهَادُ فَمَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ رَأْسِهِ [3] إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ»" [4] .
(1)
رَوَى الْحَاكِمُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 1/117 مِنْ طَرِيقَيْنِ وَقَالَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ: "خَالِدُ بْنُ وَهْبَانِ لَمْ يُجَرَّحْ فِي رِوَايَاتِهِ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ مَعْرُوفٌ إِلَّا أَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْمَتْنَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: وَخَالِدٌ لَمْ يُضَعَّفْ"

(2)
رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 1/117 وَقَالَ كَمَا ذَكَرْتُ فِي التَّعْلِيقِ السَّابِقِ أَنَّهُ رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَأَعَادَ الذَّهَبِيُّ الْحَدِيثَ وَلَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ، وَرَوَى الْحَاكِمُ الْحَدِيثَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَبْلَ هَذَا 1/77 - 78 وَلَكِنَّهُ مُطَوَّلٌ وَقَالَ: "وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَيْضًا عَنِ اللَّيْثِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَرَوَاهُ حَجَّاجُ الْأَعْوَرُ عَنِ اللَّيْثِ"

(3)
مِنْ رَأْسِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)

(4)
هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/225 - 227 (كِتَابُ الْأَمْثَالِ، بَابُ مَا جَاءَ مِثْلَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ) وَأَوَّلُهُ فِيهَا: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا. . الْحَدِيثَ" . وَفِيهِ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ. . . إِلَخْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ "، وَالْحَدِيثُ فِي" الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/1130، 202. وَصَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي "صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" 2/97 - 100 وَقَالَ إِنَّهُ فِي مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: حم (مُسْنَدُ أَحْمَدَ) تخ (الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ) ت (سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ) ن (سُنَنُ النَّسَائِيِّ) حب (صَحِيحُ ابْنِ حِبَّانَ) ك (الْمُسْتَدْرَكُ لِلْحَاكِمِ) وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ 1/117 - 118 مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ وَقَالَ الْحَاكِمُ "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا أَصَّلْنَاهُ فِي الصَّحَابَةِ، إِذَا لَمْ نَجِدْ لَهُمْ إِلَّا رَاوِيًا وَاحِدًا؛ فَإِنَّ الْحَارِثَ الْأَشْعَرِيَّ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ. سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ يَقُولُ سَمِعْتُ الدُّورِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: الْحَارِثُ الْأَشْعَرِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ لَمْ يُخَرِّجَاهُ لِأَنَّ الْحَارِثَ تَفَرَّدَ عَنْهُ أَبُو سَلَّامٍ"






وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا دَخَلَ النَّارَ»" [1] .
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "«مِنْ فَارَقَ أُمَّتَهُ [2] ، أَوْ عَادَ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ هِجْرَتِهِ، فَلَا حُجَّةَ لَهُ»" [3] .
وَعَنْ رِبْعِيٍّ قَالَ: أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ لَيَالِيَ سَارَ النَّاسُ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "«مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَاسْتَبْدَلَ [4] الْإِمَارَةَ لَقِيَ اللَّهَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ»" [5] .
(1)
رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ الْحَاكِمِ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 1/118، وَلَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ الذَّهَبِيُّ

(2)
م: إِمَامَهُ. وَفِي "الْمُسْتَدْرَكِ" وَتَلْخِيصِ الْمُسْتَدْرَكِ "أُمَّةً"

(3)
الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْمُسْتَدْرَكِ 1/118 وَلَمْ يُعَلِّقْ عَلَيْهِ الذَّهَبِيُّ

(4)
فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" وَ "مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ" وَاسْتَذَلَّ

(5)
الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْتَدْرَكِ 1/119 وَقَالَ الْحَاكِمُ "تَابَعَهُ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ كَثِيرٍ" وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: "صَحِيحٌ، وَكَثِيرٌ رَوَاهُ عَنْهُ الْقَطَّانُ" ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الثَّانِي عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فَهُوَ بِأَلْفَاظٍ مُقَارِبَةٍ فِي نَفْسِ الصَّفْحَةِ 1/119، وَقَالَ الْحَاكِمُ: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَإِنَّ كَثِيرَ بْنَ أَبِي كَثِيرٍ كُوفِيٌّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ وَلَمْ يُذْكَرْ بِجَرْحٍ" ، وَرَوَاهُ الْهَيْثَمِيُّ فِي "مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ" 5/222 وَقَالَ: "رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ"






وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "«ثَلَاثَةٌ لَا يُسْأَلُ عَنْهُمْ: رَجُلٌ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ، وَعَصَى إِمَامَهُ فَمَاتَ عَاصِيًا. . .»" فَذَكَرَ الْحَدِيثَ [1] .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ إِلَى الَّتِي بَعْدَهَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَالشَّهْرُ إِلَى الشَّهْرِ - يَعْنِي رَمَضَانَ - كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا" ، قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: "إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ" فَعَرَفْتُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرٍ حَدَثَ فَقَالَ: "إِلَّا مِنَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ، وَنَكْثِ الصَّفْقَةِ، وَتَرْكِ السُّنَّةِ، وَأَنْ تُبَايِعَ رَجُلًا بِيَمِينِكَ، ثُمَّ تُخَالِفَ تَقَاتِلَهُ بِسَيْفِكَ. وَتَرْكُ السُّنَّةِ الْخُرُوجُ مِنَ الْجَمَاعَةِ»" [2] .
وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: "«نَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَ امْرِئٍ سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَمَلَهَا [3] ، فَرُبَّ حَامِلِ فَقْهٍ"
(1)
الْحَدِيثُ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي "الْمُسْتَدْرَكِ 1/119. وَقَالَ الْحَاكِمُ:" هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَقَدِ احْتَجَّا بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً "وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ"

(2)
الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُسْتَدْرَكِ 1/119 - 120 وَفِيهِ: "إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ" فَعَرَفْتُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرٍ حَدَثَ، فَقَالَ: "إِلَّا مِنَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ وَنَكْثِ الصَّفْقَةِ وَتَرْكِ السُّنَّةِ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا نَكْثُ الصَّفْقَةِ وَتَرْكُ السُّنَّةِ؟ قَالَ: "أَمَّا نَكْثُ الصَّفْقَةِ: أَنْ تُبَايِعَ رَجُلًا بِيَمِينِكَ، ثُمَّ تُخَالِفَ إِلَيْهِ فَتُقَابِلُهُ بِسَيْفِكَ، وَأَمَّا تَرْكُ السُّنَّةِ فَالْخُرُوجُ مِنَ الْجَمَاعَةِ" . ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ؛ فَقَدِ احْتَجَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ الْأَنْصَارِيِّ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً" وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ

(3)
م: فَوَعَاهَا






غَيْرُ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلَاثٌ لَا يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبٌ مُؤْمِنٌ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ» "[1] رَوَى هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْحَاكِمُ فِي" الْمُسْتَدْرَكِ "وَذَكَرَ أَنَّهَاعَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ."
وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ اجْتِمَاعَ الْأُمَّةِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ وَهُدًى وَصَوَابٍ، وَأَنَّ أَحَقَّ الْأُمَّةِ بِذَلِكَ هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مَا فَعَلُوهُ مِنْ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ كَانَ حَقًّا وَهَدًى وَصَوَابًا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ السَّلَفَ كَانَ يَشْتَدُّ إِنْكَارُهُمْ عَلَى مَنْ يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ، وَيَعُدُّونَهُ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ شَائِعًا عِنْدَهُمْ لَمْ يُنْكِرُوهُ، وَكَانُوا يَنْكَرُونَ عَلَيْهِ إِنْكَارًا هُمْ قَاطِعُونَ بِهِ لَا يُسَوِّغُونَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ عِنْدَهُمْ كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ.
(1)
وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ - عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/322 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ فَضْلِ نَشْرِ الْعِلْمِ) . سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/141 - 142 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ مَنْ بَلَغَ عِلْمًا) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/225 وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ فَقَدْ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَالَ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ "كَمَا صَحَّحَ الْأَلْبَانِيُّ الْحَدِيثَ فِي" صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ "6/30"







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26-06-2025, 04:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثامن
الحلقة (489)
صـ 355 إلى صـ 364



وَالْعُقُولُ الْمُتَبَايِنَةُ لَا تَتَّفِقُ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ تَوَاطُؤٍ وَلَا تَشَاعُرٍ، إِلَّا لِمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ وَإِلَّا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يُوجِبُ الْقَطْعَ، بَلْ لَا يُوجِبُ الظَّنَّ لَمْ تَكُنِ الطَّوَائِفُ الْكَثِيرَةُ مَعَ تَبَايُنِ هِمَمِهِمْ وَقَرَائِحِهِمْ وَعَدَمِ تَوَاطُئِهِمْ يَقْطَعُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا قَطْعَ فِيهِ.
فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ أَدِلَّةٌ قَطْعِيَّةٌ تُوجِبُ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً يَجِبُ اتِّبَاعُهَا وَيَحْرُمُ خِلَافُهَا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ السُّنَّةَ وَالشِّيعَةَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلِيٌّ مَعَهُمْ كَانَ إِجْمَاعُهُمْ حُجَّةً. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَجْلِ عِصْمَةِ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّ عِصْمَتَهُ لَمْ تَثْبُتْ إِلَّا بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ عُمْدَتَهُمْ فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ عَلَى انْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ مِنْ غَيْرِهِ إِذْ لَيْسَ فِي النَّصِّ وَلَا الْمَعْقُولِ مَا يَنْفِي الْعِصْمَةَ عَنْ [1] غَيْرِهِ.
وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ تَنَاقُضَ الرَّافِضَةِ، فَإِنَّ أَصْلَ دِينِهِمْ بَنَوْهُ عَلَى الْإِجْمَاعِ، ثُمَّ قَدَحُوا فِيهِ وَالْقَدْحُ فِيهِ قَدْحٌ فِي عِصْمَةِ عَلِيٍّ فَلَا يَبْقَى لَهُمْ مَا يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ وَهَذَا شَأْنُهُمْ فِي عَامَّةِ أَقْوَالِهِمُ الَّتِي يَنْفَرِدُونَ بِهَا.
وَلِهَذَا قَالَ فِيهِمُ الشَّعْبِيُّ: "يَأْخُذُونَ بِأَعْجَازٍ لَا صُدُورَ لَهَا" أَيْ بِفُرُوعٍ لَا أُصُولَ لَهَا.
فَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ لَيْسَ بِحُجَّتِهِمْ [2] لَمْ تَثْبُتْ عِصْمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ حُجَّةً لَمْ يَحْتَجْ إِلَى عِصْمَتِهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ
(1)
س، ب: مِنْ

(2)
ب: لَيْسَ بِحُجَّةٍ






حُجَّةً لِأَجْلِ عَلِيٍّ، فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً، [1] وَإِلَّا لَزِمَ بُطْلَانُ قَوْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ.
[فصل قال الرافضي الإجماع إما أن يعتبر فيه قول كل الأمة ومعلوم أنه لم يحصل والرد عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ [2] : "وَأَيْضًا الْإِجْمَاعُ إِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ قَوْلُ كُلِّ الْأُمَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ، بَلْ وَلَا إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ بَعْضِهِمْ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى قَتْلِ عُثْمَانَ" .
وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ أَمَّا الْإِجْمَاعُ عَلَى الْإِمَامَةِ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْإِجْمَاعُ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِمَامَةُ، فَهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مُوَافَقَةُ أَهْلِ الشَّوْكَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ مُتَمَكِّنًا بِهِمْ مِنْ تَنْفِيذِ مَقَاصِدِ الْإِمَامَةِ حَتَّى إِذَا كَانَ رُءُوسُ الشَّوْكَةِ عَدَدًا قَلِيلًا، وَمَنْ سِوَاهُمْ مُوَافِقٌ لَهُمْ حَصَلَتِ الْإِمَامَةُ بِمُبَايَعَتِهِمْ لَهُ. هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْكَلَامِ فَقَدَّرَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ بِعَدَدٍ، وَهِيَ تَقْدِيرَاتٌ بَاطِلَةٌ.
وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ، فَهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إِمَّا الْجَمِيعُ وَإِمَّا الْجُمْهُورُ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ حَاصِلَةٌ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ.
وَأَمَّا عُثْمَانُ فَلَمْ يَتَّفِقْ عَلَى قَتْلِهِ إِلَّا طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ، لَا يَبْلُغُونَ نِصْفَ عُشْرِ عُشْرِ عُشْرِ الْأُمَّةِ؛ كَيْفَ وَأَكْثَرُ جَيْشِ عَلِيٍّ وَالَّذِينَ قَاتَلُوهُ وَالَّذِينَ قَعَدُوا عَنِ الْقِتَالِ لَمْ يَكُونُوا مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ؟ وَإِنَّمَا كَانَ قَتَلَةُ عُثْمَانَ فِرْقَةً يَسِيرَةً مِنْ عَسْكَرِ عَلِيٍّ.
(1)
(1 - 1) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) .

(2)
فِي "ك) ص 198 (م) "






وَالْأُمَّةُ كَانُوا فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ مِئِي أُلُوفٍ [1] ، وَالَّذِينَ اتَّفَقُوا عَلَى قَتْلِهِ الْأَلْفُ أَوْ نَحْوُهُمْ، وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَعِيبُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ: "خَرَجُوا عَلَيْهِ كَاللُّصُوصِ مِنْ وَرَاءِ الْقَرْيَةِ، وَقَتَلَهُمُ اللَّهُ كُلَّ قِتْلَةٍ، وَنَجَا مَنْ نَجَا مِنْهُمْ تَحْتَ بُطُونِ الْكَوَاكِبِ" .
[فصل قال الرافضي كل واحد من الأمة يجوز عليه الخطأ فأي عاصم لهم عن الكذب عند الإجماع والرد عليه]
فَصْلٌ
قَالَ الرَّافِضِيُّ [2] : "وَأَيْضًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأُمَّةِ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ، فَأَيُّ عَاصِمٍ لَهُمْ عَنِ الْكَذِبِ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ؟" .
وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ إِذَا حَصَلَ [حَصَلَ لَهُ] مِنَ الصِّفَاتِ مَا لَيْسَ لِلْآحَادِ [3] ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْعَلَ حُكْمَ الْوَاحِدِ الِاجْتِمَاعَ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُخْبِرِينَ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالْكَذِبُ، فَإِذَا انْتَهَى الْمُخْبِرُونَ إِلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ امْتَنَعَ عَلَيْهِمُ الْكَذِبُ وَالْغَلَطُ.
وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ اللُّقَمِ وَالْجُرَعِ وَالْأَقْدَاحِ لَا يُشْبِعُ وَلَا يَرْوِي وَلَا يُسْكِرُ؛ فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ ذَلِكَ عَدَدٌ كَثِيرٌ أَشْبَعَ وَأَرْوَى وَأَسْكَرَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ لَا يَقْدِرُ عَلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ فَإِذَا اجْتَمَعَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ قَدَرُوا عَلَى الْقِتَالِ؛ فَالْكَثْرَةُ [4] تُؤَثِّرُ فِي زِيَادَةِ الْقُوَّةِ وَزِيَادَةِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِمَا؛ وَلِهَذَا قَدْ يُخْطِئُ
(1)
ن، م: مِئِينَ أُلُوفٍ

(2)
فِي (ك) ص 198 (م)

(3)
إِذَا حَصَلَ مِنَ الصِّفَاتِ مَا لَيْسَ لِلْآحَادِ، م: إِذَا حَصَلَ لَهُ مَا لَيْسَ لِلْآحَادِ، س، ب إِذَا حَصَلَ مِنَ الصِّفَاتِ مَا لَيْسَ مِنْ (ب: فِي) الْآحَادِ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتَهُ

(4)
ن، س، ب: وَالْكَثْرَةُ





الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ فِي مَسَائِلِ الْحِسَابِ؛ فَإِذَا كَثُرَ الْعَدَدُ امْتَنَعَ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَكُنْ يَمْتَنِعُ فِي حَالِ الِانْفِرَادِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ عِلْمَ الِاثْنَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ عِلْمِ أَحَدِهِمَا إِذَا انْفَرَدَ وَقَوَّتُهُمَا أَكْثَرُ مِنْ قَوَّتِهِ؛ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ الْخَطَأِ حَالَ الِانْفِرَادِ وُقُوعُهُ حَالَ الْكَثْرَةِ.
قَالَ تَعَالَى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 282] .
وَالنَّاسُ فِي الْحِسَابِ قَدْ يُخْطِئُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ وَلَا تُخْطِئُ الْجَمَاعَةُ كَالْهِلَالِ فَقَدْ يَظُنُّهُ الْوَاحِدُ هِلَالًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَأَمَّا الْعَدَدُ الْكَثِيرُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمُ الْغَلَطُ.
وَنَعْلَمُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا وَكَثُرُوا يَكُونُ دَاعِيهِمْ إِلَى الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ أَقَلَّ مِنْ دَاعِيهِمْ إِذَا كَانُوا قَلِيلًا فَإِنَّهُمْ فِي حَالِ الِاجْتِمَاعِ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ؛ فَإِنَّ الِاجْتِمَاعَ وَالتَّمَدُّنَ لَا يُمْكِنُ إِلَّا مَعَ قَانُونِ عَدْلِيٍّ فَلَا يُمْكِنُ أَهْلُ مَدِينَةٍ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى إِبَاحَةِ ظُلْمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ، بَلْ نَجِدُ الْأَمِيرَ إِذَا ظَلَمَ بَعْضَ الرَّعِيَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لَا يُظْلَمُ حِينَ يَظْلِمُ الرَّعِيَّةَ، وَمَا اسْتَوَوْا كُلُّهُمْ [فِيهِ] [1] فَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمٌ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَجْمُوعَ قَدْ خَالَفَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَفْرَادِ سَوَاءٌ كَانَ اجْتِمَاعَ أَعْيَانٍ أَوْ أَعْرَاضٍ.
وَمِنَ الْأَمْثَالِ الَّتِي يَضْرِبُهَا الْمُطَاعُ لِأَصْحَابِهِ: أَنَّ السَّهْمَ الْوَاحِدَ [2]
(1)
فِيهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب)

(2)
الْوَاحِدَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)





يُمْكِنُ كَسْرُهُ، وَإِذَا اجْتَمَعَتِ السِّهَامُ لَمْ [1] يُمْكِنْ كَسْرُهَا وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَغْلِبُهُ عَدُوُّهُ وَيَهْزِمُهُ، فَإِذَا صَارُوا عَدَدًا كَثِيرًا لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ، كَمَا كَانَ يُمْكِنُهُ حَالَ الِانْفِرَادِ.
وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ الْإِجْمَاعُ قَدْ يَكُونُ خَطَأً؛ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ عَلِيًّا مَعْصُومٌ فَإِنَّهُ إِنَّمَا عُلِمَتْ عِصْمَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا مَعْصُومَ سِوَاهُ؛ فَإِذَا جَازَ كَوْنُ الْإِجْمَاعِ أَخْطَأَ [2] أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْأُمَّةِ مَعْصُومٌ غَيْرُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ الْمَعْصُومُ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَدْحَهُمْ فِي الْإِجْمَاعِ يُبْطِلُ الْأَصْلَ الَّذِي اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ فِي إِمَامَةِ الْمَعْصُومِ وَإِذَا بَطَلَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ بَطَلَ أَصْلُ مَذْهَبِ الرَّافِضَةِ؛ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ إِنْ قَدَحُوا فِي الْإِجْمَاعِ بَطَلَ أَصْلُ مَذْهَبِهِمْ وَإِنْ سَلَّمُوا أَنَّهُ حُجَّةٌ بَطَلَ مَذْهَبُهُمْ فَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ مَذْهَبِهِمْ [3] عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
[فصل قال الرافضي لو أجمعوا على خلاف النص على علي لكان خطأ عندهم والرد عليه]
فَصْلٌ.
قَالَ الرَّافِضِيُّ [4] : "وَقَدْ بَيَّنَّا ثُبُوتَ النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى إِمَامَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ لَكَانَ [5] خَطَأً، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْوَاقِعَ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ يَكُونُ عِنْدَهُمْ خَطَأً" .
(1)
ب: لَا

(2)
م: خَطَأً

(3)
ن، س، ب: حُجَّتِهِمْ

(4)
فِي (ك) ص 198 (م) .

(5)
ك: كَانَ





وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ بِبَيَانِ بُطْلَانِ كُلِّ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِمَامٌ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ.
الثَّانِي: أَنَّ النُّصُوصَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى خِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: الْإِجْمَاعُ الْمَعْلُومُ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ لَا سَمْعِيَّةٌ لَا سِيَّمَا مَعَ النُّصُوصِ الْكَثِيرَةِ الْمُوَافَقَةِ لَهُ؛ فَلَوْ قُدِّرَ وُرُودُ خَبَرٍ يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ كَانَ بَاطِلًا؛ إِمَّا لِكَوْنِ الرَّسُولِ لَمْ يَقُلْهُ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَعَارُضُ النَّصِّ الْمَعْلُومِ وَالْإِجْمَاعِ الْمَعْلُومِ [1] ، فَإِنَّ كِلَيْهِمَا حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ، وَالْقَطْعِيَّاتُ لَا يَجُوزُ تَعَارُضُهَا لِوُجُوبِ وُجُودِ مَدْلُولَاتِهَا فَلَوْ تَعَارَضَتْ لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. وَكُلُّ مَنِ ادَّعَى إِجْمَاعًا يُخَالِفُ نَصًّا فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ؛ إِمَّا بُطْلَانُ إِجْمَاعِهِ، وَإِمَّا بُطْلَانُ نَصِّهِ وَكُلُّ نَصٍّ اجْتَمَعَتْ [2] الْأُمَّةُ عَلَى خِلَافِهِ فَقَدْ عُلِمَ النَّصُّ النَّاسِخُ لَهُ.
وَأَمَّا أَنْ يَبْقَى [3] فِي الْأُمَّةِ نَصٌّ مَعْلُومٌ وَالْإِجْمَاعُ مُخَالِفٌ لَهُ؛ فَهَذَا غَيْرُ وَاقِعٍ وَقَدْ دَلَّ الْإِجْمَاعُ الْمَعْلُومُ وَالنَّصُّ الْمَعْلُومُ عَلَى خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبُطْلَانِ غَيْرِهَا. وَنَصُّ الرَّافِضَةِ مِمَّا نَحْنُ نَعْلَمُ كَذِبَهُ بِالِاضْطِرَارِ وَعَلَى كَذِبِهِ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ.
(1)
الْمَعْلُومِ سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)

(2)
م: أَجْمَعَتْ.

(3)
س: يُنْفَى، ب: يُلْفَى





[فصل قول الرافضي برد حديث اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر والرد عليه]
فَصْلٌ.
قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "الثَّانِي: مَا رَوَوْهُ [2] عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» . وَالْجَوَابُ: الْمَنْعُ مِنَ الرِّوَايَةِ وَمِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى الْإِمَامَةِ؛ فَإِنَّ [3] الِاقْتِدَاءَ بِالْفُقَهَاءِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُمْ أَئِمَّةً، وَأَيْضًا فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَدْ [4] اخْتَلَفَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ فَلَا يُمْكِنُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مُعَارِضٌ لِمَا [5] رَوَوْهُ مِنْ قَوْلِهِ:" «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهُمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى انْتِفَاءِ إِمَامَتِهِمْ» "."
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَقْوَى مِنَ النَّصِّ الَّذِي يَرْوُونَهُ فِي إِمَامَةِ عَلِيٍّ؛ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمِدَةِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ [6] .
(1)
ك: ص 198 (م)

(2)
ك: مَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ.

(3)
ك: لِأَنَّ.

(4)
قَدْ: لَيْسَتْ فِي (ك) .

(5)
ك: بِمَا

(6)
سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/489.





وَأَمَّا النَّصُّ عَلَى عَلِيٍّ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمِدَةِ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى بُطْلَانِهِ حَتَّى قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ [1] : وَمَا وَجَدْنَا قَطُّ رِوَايَةً عَنْ أَحَدٍ فِي هَذَا النَّصِّ الْمُدَّعَى إِلَّا رِوَايَةً وَاهِيَةً عَنْ مَجْهُولٍ إِلَى مَجْهُولٍ [2] يُكَنَّى أَبَا الْحَمْرَاءِ لَا نَعْرِفُ [3] مَنْ هُوَ فِي الْخَلْقِ.
فَيُمْتَنَعُ أَنْ يُقْدَحَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ تَصْحِيحِ النَّصِّ عَلَى عَلِيٍّ.
وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَالْحُجَّةُ [4] فِي قَوْلِهِ: "«بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي»" أَخْبَرَ أَنَّهُمَا مِنْ بَعْدِهِ، وَأَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا فَلَوْ كَانَا ظَالِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ [5] فِي كَوْنِهِمَا بَعْدَهُ لَمْ يَأْمُرْ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِالِاقْتِدَاءِ بِالظَّالِمِ، فَإِنَّ الظَّالِمَ لَا يَكُونُ قُدْوَةً يُؤْتَمُّ بِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 124] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الظَّالِمَ لَا يُؤْتَمُّ بِهِ. وَالِائْتِمَامُ هُوَ الِاقْتِدَاءُ؛ فَلَمَّا أَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِمَنْ بَعْدَهُ وَالِاقْتِدَاءُ هُوَ الِائْتِمَامُ مَعَ إِخْبَارِهِ أَنَّهُمَا يَكُونَانِ بَعْدَهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا إِمَامَانِ [قَدْ أُمِرَ بِالِائْتِمَامِ بِهِمَا] [6] بَعْدَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "اخْتَلَفَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ" فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ
(1)
فِي الْفِصَلِ 4/161 - 162

(2)
الْفِصَلُ: عَنْ مَجْهُولِينَ إِلَى مَجْهُولٍ.

(3)
الْفِصَلُ لَا يُعْرَفُ (وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م ) )

(4)
ن، م، س: بِالْحُجَّةِ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .

(5)
أَوْ كَافِرَيْنِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ب)

(6)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ.





لَا يَكَادُ يُعْرَفُ اخْتِلَافُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ عَنْ أَحَدِهِمَا فِيهِ رِوَايَتَانِ كَالْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ؛ فَإِنَّ عُمَرَ عَنْهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا كَقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ.
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي قِسْمَةِ الْفَيْءِ: هَلْ يُسَوَّى فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ يُفَضَّلُ؟ فَالتَّسْوِيَةُ جَائِزَةٌ بِلَا رَيْبٍ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَسِّمُ الْفَيْءَ وَالْغَنَائِمَ فَيُسَوَّى بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَمُسْتَحَقِّي الْفَيْءِ.
وَالنِّزَاعُ فِي جَوَازِ التَّفْضِيلِ، وَفِيهِ لِلْفُقَهَاءِ قَوْلَانِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ. وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ لِلْمَصْلَحَةِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُفَضِّلُ أَحْيَانًا فِي قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَالْفَيْءِ، وَكَانَ يُفَضِّلُ السَّرِيَّةَ فِي الْبَدْأَةِ: الرُّبْعُ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي الرَّجْعَةِ: الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمُسِ؛ فَمَا فَعَلَهُ الْخَلِيفَتَانِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ اخْتَارَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ التَّسْوِيَةَ وَقَالَ لَئِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَجْعَلَ النَّاسَ بَابًا [1] وَاحِدًا "."
وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ التَّفْضِيلَ وَعَنْ عَلِيٍّ التَّسْوِيَةَ؛ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُسَوَّغُ فِيهِ إِنْكَارٌ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: فَضَّلَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّفْضِيلَ كَمَا أُنْكِرَ عَلَى عُثْمَانَ فِي بَعْضِ قَسْمِهِ؛ وَأَمَّا تَفْضِيلُ عُمَرَ فَمَا بَلَغَنَا أَنَّ أَحَدًا ذَمَّهُ فِيهِ.
وَأَمَّا تَنَازُعُهُمَا فِي تَوْلِيَةِ خَالِدٍ وَعَزْلِهِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا فَعَلَ مَا كَانَ أَصْلَحَ؛ فَكَانَ الْأَصْلَحُ لِأَبِي بَكْرٍ تَوْلِيَةَ خَالِدٍ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَلْيَنُ مِنْ عُمَرَ، فَيَنْبَغِي لِنَائِبِهِ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ نَائِبِ عُمَرَ، فَكَانَتِ اسْتِنَابَةُ عُمَرَ لِأَبِي عُبَيْدَةَ [أَصْلَحَ لَهُ] [2] وَاسْتِنَابَةُ أَبِي بَكْرٍ لِخَالِدٍ أَصْلَحَ لَهُ، وَنَظَائِرُ هَذَا مُتَعَدِّدَةٌ.
(1)
ن، س، ب: بَيَانًا

(2)
أَصْلَحَ لَهُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.





وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي هِيَ شَرَائِعُ كُلِّيَّةٌ فَاخْتِلَافُهُمَا فِيهَا: إِمَّا نَادِرٌ وَإِمَّا مَعْدُومٌ، وَإِمَّا لِأَحَدِهِمَا فِيهِ قَوْلَانِ.
وَأَيْضًا فَيُقَالُ: النَّصُّ يُوجِبُ الِاقْتِدَاءَ بِهِمَا فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَفِيمَا اخْتَلَفَا فِيهِ فَتَسْوِيغُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمَصِيرُ إِلَى قَوْلِ الْآخَرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ.
وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا يُوجِبُ الِائْتِمَامَ بِهِمَا فَطَاعَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا إِذَا كَانَ إِمَامًا وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ، وَأَمَّا بَعْدُ زَوَالِ إِمَامَتِهِ فَالِاقْتِدَاءُ بِهِمَا أَنَّهُمَا إِذَا تَنَازَعَا رُدَّ مَا تَنَازَعَا فِيهِ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "«أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ فَبِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ»" ، فَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ أَهْلُ [1] الْحَدِيثِ؛ قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَيْسَ هُوَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمِدَةِ [2] .
وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ لَفْظُ (بَعْدِي) وَالْحُجَّةُ هُنَاكَ قَوْلُهُ (بَعْدِي) .
وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ الْأَمْرُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ وَهَذَا فِيهِ الْأَمْرُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ.
[فصل رد الرافضي لكثير مما ورد في فضائل أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه]
فَصْلٌ.
قَالَ الرَّافِضِيُّ [3] : "الثَّالِثُ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْفَضَائِلِ كَآيَةِ [4]"
(1)
م: أَثَمَةُ

(2)
سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا مَضَى

(3)
فِي (ك) ص 198 (م) - 202 (م) .

(4)
ن، م، س: كَلَيْلَةِ.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 26-06-2025, 04:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثامن
الحلقة (490)
صـ 365 إلى صـ 374



الْغَارِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [سُورَةُ اللَّيْلِ: 17] ، وَقَوْلُهُ: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] وَالدَّاعِي هُوَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ أَنِيسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَرِيشِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَنْفَقَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ "."
قَالَ [1] : "وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ لَهُ فِي الْغَارِ لِجَوَازِ أَنْ يَسْتَصْحِبَهُ حَذَرًا مِنْهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ أَمْرُهُ."
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ [2] لِقَوْلِهِ: {لَا تَحْزَنْ} فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى خَوَرِهِ [3] وَقِلَّةِ صَبْرِهِ [4] ، وَعَدَمِ يَقِينِهِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَعَدَمِ رِضًا بِمُسَاوَاتِهِ [5] النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ ; وَلِأَنَّ الْحُزْنَ إِنْ كَانَ طَاعَةً اسْتَحَالَ أَنْ يَنْهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً كَانَ مَا ادَّعُوهُ مِنَ الْفَضِيلَةِ رَذِيلَةً [6] .
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَيْثُ ذَكَرَ إِنْزَالَ السِّكِّينَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
(1)
بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً ص 199 (م)

(2)
ك: عَلَى نَقْصِهِ.

(3)
ن، س، ب: عَلَى خَوْفِهِ.

(4)
ك: عَلَى خَوَرِهِ وَنَقْصِهِ وَقِلَّةِ صَبْرِهِ.

(5)
ك: بِمُسَاوَاةِ.

(6)
ك: كَانَ مَا ادَّعُوهُ فَضِيلَةً رَذِيلَةً.






شَرَكَ [1] مَعَهُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَا نَقْصَ [2] أَعْظَمُ مِنْهُ.
وَأَمَّا: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} ، فَإِنَّ [3] الْمُرَادَ «أَبُو الدَّحْدَاحِ، حَيْثُ اشْتَرَى نَخْلَةَ شَخْصٍ لِأَجْلِ جَارِهِ، وَقَدْ عَرَضَ [4] النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى صَاحِبِ النَّخْلَةِ نَخْلَةً فِي الْجَنَّةِ، فَأَبَى فَسَمِعَ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَاشْتَرَاهَا بِبُسْتَانٍ لَهُ وَوَهَبَهَا الْجَارَ [5] ؛ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِوَضَهَا لَهُ بُسْتَانًا فِي الْجَنَّةِ» [6] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] [7] ، [يُرِيدُ سَنَدْعُوكُمْ إِلَى قَوْمٍ] [8] ، فَإِنَّهُ أَرَادَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَالْتَمَسَ هَؤُلَاءِ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى غَنِيمَةِ خَيْبَرَ فَمَنَعَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ:
(1)
س، ب: أَشْرَكَ.

(2)
س، ب: وَلَا نَقِيضَ

(3)
ك: وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالِي: (وَسَيُجَنِّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي) فَإِنَّ. . .

(4)
ك: عَوَّضَ.

(5)
م: الْجَارَةَ، ك: لِلْجَارِ الْفَقِيرِ

(6)
ك: فَجَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِهِ بُسْتَانًا عِوَضَهَا فِي الْجَنَّةِ.

(7)
ك: وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالِي (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَعِبَارَةُ "إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ" فِي (م) فَقَطْ، وَلَمْ تَرِدْ فِي (ن) ، (س) (ب) .

(8)
مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (س) ، (ب) فَقَطْ.





{قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 15] لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ غَنِيمَةَ خَيْبَرَ لِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، ثُمَّ قَالَ: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 16] يُرِيدُ سَنَدْعُوكُمْ [1] فِيمَا بَعْدُ إِلَى قِتَالِ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَقَدْ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى غَزَوَاتٍ كَثِيرَةٍ [2] : كَمُؤْتَةَ وَحُنَيْنٍ، وَتَبُوكَ، وَغَيْرِهِمَا؛ فَكَانَ [3] الدَّاعِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَيْضًا جَازَ أَنْ يَكُونَ [عَلِيٌّ] هُوَ الدَّاعِيَ [4] ، حَيْثُ قَاتَلَ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ؛ وَكَانَ رُجُوعُهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ [إِسْلَامًا] [5] لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «يَا عَلِيُّ حَرْبُكَ حَرْبِي» ، وَحَرْبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفْرٌ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ أَنِيسَهُ فِي الْعَرِيشِ [6] يَوْمَ بَدْرٍ فَلَا فَضْلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أُنْسُهُ بِاللَّهِ تَعَالَى مُغْنِيًا لَهُ عَنْ كُلِّ أَنِيسٍ؛ لَكِنْ لَمَّا عَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَمْرَهُ
(1)
ك: (ص 200 م) يُرِيدُ اللَّهُ تَعَالِي: أَنَّهُ سَنَدْعُوكُمْ. .

(2)
ك: وَقَدْ دَعَاهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِهِ إِلَى غَزَاةٍ كَثِيرَةٍ.

(3)
ك: وَكَانَ.

(4)
ك: وَأَيْضًا جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ن، س: وَأَيْضًا جَازَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّاعِيَ.

(5)
إِسْلَامًا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .

(6)
ك: وَأَمَّا كَوْنُهُ أَنِيسَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - فِي الْعَرِيشِ.





لِأَبِي بَكْرٍ بِالْقِتَالِ [1] يُؤَدِّي إِلَى فَسَادِ الْحَالِ حَيْثُ هَرَبَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ [2] فِي غَزَوَاتِهِ. وَأَيُّمَا [3] أَفْضَلُ: الْقَاعِدُ عَنِ الْقِتَالِ، أَوِ الْمُجَاهِدُ [4] بِنَفْسِهِ فِي [5] سَبِيلِ اللَّهِ؟ .
وَأَمَّا إِنْفَاقُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَذِبٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَا مَالٍ، فَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ فَقِيرًا فِي الْغَايَةِ، وَكَانَ يُنَادِي عَلَى مَائِدَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ بِمُدٍّ [6] كُلَّ يَوْمٍ [7] يَقْتَاتُ بِهِ؛ فَلَوْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ غَنِيًّا لَكَفَى أَبَاهُ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُعَلِّمًا لِلصِّبْيَانِ وَفِي الْإِسْلَامِ كَانَ خَيَّاطًا [8] ، وَلَمَّا وَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ مَنَعَهُ النَّاسُ عَنِ الْخِيَاطَةِ فَقَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ إِلَى [9] الْقُوتِ فَجَعَلُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ [10] ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ [11] ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى
(1)
ك: أَمْرَهُ أَبَا بَكْرٍ بِالْقِتَالِ.

(2)
ن، م، س: حَيْثُ هَرَبَ عَدُوُّهُ مَرَّاتٍ، ك: حَيْثُ هَرَبَ عِدَّةَ مَرَارَةٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) .

(3)
ن: وَأَمَّا م، س: وَإِنَّمَا.

(4)
ن، س: وَالْمُجَاهِدُ

(5)
ك: بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي. . .

(6)
س، ب: لِمُدٍّ

(7)
ك: فِي كُلِّ يَوْمٍ

(8)
ك: خَيَّاطًا، وَكُلُّ يَوْمٍ يَخِيطُ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ. .

(9)
ك: مِنِ الْخِيَاطَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي لَأَحْتَاجُ إِلَى. .

(10) ن، س، ب: فِي كُلِّ يَوْمٍ.
(11) ك: مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.




اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ غَنِيًّا بِمَالِ خَدِيجَةَ [1] ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْحَرْبِ وَتَجْهِيزِ الْجُيُوشِ. وَبَعْدَ الْهِجْرَةِ لَمْ يَكُنْ لِأَبِي بَكْرٍ الْبَتَّةَ شَيْءٌ [2] ، ثُمَّ لَوْ أَنْفَقَ لَوَجَبَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ قُرْآنٌ، كَمَا نَزَلَ فِي عَلِيٍّ: {هَلْ أَتَى} [سُورَةُ الْإِنْسَانِ: 1] .
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّبِيَّ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] أَشْرَفُ مِنَ الَّذِينَ [3] تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَالَ الَّذِي يَدَّعُونَ إِنْفَاقَهُ أَكْثَرُ [4] ، فَحَيْثُ لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قُرْآنٌ؛ دَلَّ [5] عَلَى كَذِبِ النَّقْلِ.
وَأَمَّا تَقْدِيمُهُ فِي الصَّلَاةِ [6] فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ بِلَالًا لَمَّا أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ أَمَرَتْهُ عَائِشَةُ أَنْ يُقَدِّمَ أَبَا بَكْرٍ، وَلَمَّا أَفَاقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ التَّكْبِيرَ فَقَالَ: مَنْ يُصَلِّي [7] بِالنَّاسِ؟ فَقَالُوا: أَبُو بَكْرٍ،
(1)
ك: مِنْ مَالِ خَدِيجَةَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ -.

(2)
ك (ص 201 م) : لِأَبِي بَكْرٍ شَيْءٌ الْبَتَّةَ عَلَى حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ.

(3)
ك: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِهِ كَانَ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ. . . "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" فِي (م) فَقَطْ

(4)
ك: كَانَ أَكْثَرَ. .

(5)
ك: لَمْ يَنْزِلْ شَيْءٌ دَلَّ. .

(6)
ك: بِالصَّلَاةِ.

(7)
ك: لِلصَّلَاةِ أَمَرَتْ عَائِشَةُ أَنْ يُقَدَّمَ أَبُوهَا، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِهِ فِي حَالِ الْمَرَضِ الشَّدِيدِ، وَالصَّحَابَةُ فِي الْمَسْجِدِ، وَسَمِعُوا حَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكُلُّهُمْ حُزْنٌ وَبُكَاءٌ غَرْوَ بُكَاءٍ، وَفَاتَ الصَّلَاةُ، فَلَمَّا أَفَاقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - سَمِعَ التَّكْبِيرَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَسَمِعَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَقَوْلَ حَفْصَةَ لِأَبِيهَا عُمَرَ وَتَشَوَّشَ الْأَحْوَالُ وَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ، سَأَلَ: مَنْ يُصَلِّي. . .





فَقَالَ [1] : أَخْرَجُونِي فَخَرَجَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ فَنَحَّاهُ [2] عَنِ الْقِبْلَةِ وَعَزَلَهُ عَنِ الصَّلَاةِ [3] وَتَوَلَّى هُوَ الصَّلَاةَ [4] "."
قَالَ الرَّافِضِيُّ: "فَهَذِهِ حَالٌ [5] أَدِلَّةِ الْقَوْمِ [6] ، فَلْيَنْظُرِ الْعَاقِلُ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ وَلِيَقْصِدِ اتِّبَاعَ الْحَقِّ [7] دُونَ اتِّبَاعِ الْهَوَى، وَيَتْرُكْ تَقْلِيدَ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ؛ فَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى [فِي كِتَابِهِ] [8] عَنْ ذَلِكَ وَلَا تُلْهِيهِ الدُّنْيَا عَنْ إِيصَالِ الْحَقِّ [إِلَى] [9] مُسْتَحِقِّهِ، وَلَا"
(1)
فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. .

(2)
ك: وَالْعَبَّاسِ، وَذَهَبَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَرَأَى أَبَا بَكْرٍ فِي الْمِحْرَابِ فَنَحَّاهُ.

(3)
عَنِ الصَّلَاةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ك)

(4)
م: هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ بِنَفْسِهِ.

(5)
اخْتَصَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ سُطُورًا عَدِيدَةً مِنْ (ك) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هِيَ: "الصَّلَاةُ؟ وَصَلَّى بِالنَّاسِ خَفِيفًا وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَخَطَبَ مُخْتَصَرًا لِأَنَّهُ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَرَضُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ طَلَبَ الِاسْتِحْلَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَوَدَّعَهُمْ وَنَصَحَهُمْ، وَاسْتَوْصَى لِعَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَأَوْدَعَهُمْ إِلَيْهِ، وَنَزَلَ مِنِ الْمِنْبَرِ، وَنَامَ عَلَى فِرَاشِ الْمَوْتِ، وَدَعَا عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَوَصَّى لَهُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ، وَزَقَّهُ مِنَ الْعُلُومِ، وَأَوْصَى بِالصَّبْرِ بَعْدَهُ عَلَى مَا فَعَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ أَحْوَالَ الشُّيُوخِ وَمُخَالَفَتَهُمْ، وَقَالَ: انْظُرْ حَتَّى لَمْ يَكُنْ بِالسَّيْفِ بَيْنَهُمُ اللَّهُ عَلَى إِهْرَاقِ دِمَائِهِمْ بِقَدْرِ الْمَحَجَّةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةُ فَسَادٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا يَزِيدُ الْمُقَاتَلَةُ مَعَهُمْ إِلَّا زِيَادَةَ الْخُصُومَةِ، وَانْحِطَاطُ الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ، فَكُنْ لَهُ وَلِأَوْلَادِهِ وَأَصْحَابِهِ حِصْنًا وَحِمَايَةً مِنِ الْفِتَنِ؛ وَمَا وَقَعَ مِنْهُمْ، وَلَا تَكُنْ لِإِصْلَاحِ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَيْتَامِ وَالْأَرَامِلِ وَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ - فَهَذَا حَالُ. . ." .

(6)
ك (ص 202 م) : أَدِلَّةِ هَؤُلَاءِ.

(7)
ك: الْإِنْصَافِ مَا فَعَلُوا بَعْدَهُ، وَمَا هَتَكُوا أَسْتَارَ الدِّينِ، وَيَقْصِدْ طَلَبَ الْحَقِّ، م: الْإِنْصَافِ وَلِيُفَضِّلِ اتِّبَاعَ الْحَقِّ.

(8)
فِي كِتَابِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب)

(9)
إِلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) .





يَمْنَعِ الْمُسْتَحِقَّ عَنْ حَقِّهِ [1] ، فَهَذَا آخِرُ مَا أَرَدْنَا [2] إِثْبَاتَهُ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ [3] .
وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ وَالْبُهْتِ وَالْفِرْيَةِ مَا لَا يُعْرَفُ مِثْلُهُ لِطَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الرَّافِضَةَ فِيهِمْ شَبَهٌ قَوِيٌّ مِنَ الْيَهُودِ؛ فَإِنَّهُمْ قَوْمُ بُهْتٍ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.
وَظُهُورُ فَضَائِلِ شَيْخَيِ الْإِسْلَامِ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَظْهَرُ بِكَثِيرٍ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ مِنْ فَضْلِ غَيْرِهِمَا؛ فَيُرِيدُ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ قَلْبَ الْحَقَائِقِ، وَلَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 32] ، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} [سُورَةُ يُونُسَ: 17] وَنَحْوِ هَذِهِ الْآيَاتِ.
فَإِنَّ [4] الْقَوْمَ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَقِ تَكْذِيبًا بِالْحَقِّ وَتَصْدِيقًا بِالْكَذِبِ؛ وَلَيْسَ فِي الْأُمَّةِ مَنْ يُمَاثِلُهُمْ فِي ذَلِكَ.
(1)
ك: وَلَا يَمْنَعْ عَنِ الْمُسْتَحِقِّ حَقَّهُ.

(2)
ن، م، س: أَوْرَدْنَا.

(3)
ك: فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ. وَبَعْدَ كَلِمَةِ الرِّسَالَةِ يُوجَدُ فِي (ك) الْكَلَامُ التَّالِي: "وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ الْمَحْجُوبِينَ كَالشَّمْسِ بَيْنَ الْبِحَارِ وَالْبَدْرِ مِنَ الْأَحْسَابِ."

(4)
س، ب: وَإِنَّ.





أَمَّا قَوْلُهُ: "لَا فَضِيلَةَ فِي الْغَارِ" .
فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْفَضِيلَةَ فِي الْغَارِ ظَاهِرَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] فَأَخْبَرَ الرَّسُولُ [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] [1] أَنَّ اللَّهَ مَعَهُ وَمَعَ صَاحِبِهِ كَمَا قَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [سُورَةُ طه: 46] .
وَقَدْ أَخْرَجَا [2] فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ «نَظَرْتُ إِلَى إِقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا»" [3] .
وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعَ كَوْنِهِ مِمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ مِنْهُمْ، فَهُوَ مِمَّا دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى مَعْنَاهُ يَقُولُ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40] .
وَالْمَعِيَّةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى وَجْهَيْنِ: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ؛ فَالْعَامَّةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
(1)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: زِيَادَةٌ فِي (م)

(2)
ن، س، ب: أَخْرَجَاهُ

(3)
الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 5/4 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . . بَابُ مَنَاقِبِ الْمُهَاجِرِينَ وَفَضْلِهِمْ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ. . .) ، مُسْلِمٌ 4/1854 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابٌ: مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ. . .) .





{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} الْآيَةَ [سُورَةُ الْحَدِيدِ: 4] [1] .
وَقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ: 7] .
فَهَذِهِ الْمَعِيَّةُ عَامَّةٌ لِكُلِّ مُتَنَاجِينَ [2] ، وَكَذَلِكَ الْأُولَى عَامَّةٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ.
وَلَمَّا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ فِي الْمَعِيَّةِ أَنَّهُ رَابِعُ الثَّلَاثَةِ وَسَادِسُ الْخَمْسَةِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا»" ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعَهُمَا كَانَ ثَالِثَهُمَا كَمَا دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى مَعْنَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. وَإِنْ كَانَ هَذِهِ مَعِيَّةً خَاصَّةً وَتِلْكَ عَامَّةً.
وَأَمَّا الْمَعِيَّةُ الْخَاصَّةُ فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى لَمَّا قَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [سُورَةُ طه: 46] ، فَهَذَا تَخْصِيصٌ لَهُمَا دُونَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ فَهُوَ مَعَ مُوسَى وَهَارُونَ دُونَ فِرْعَوْنَ.
وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ: " {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} " [3] كَانَ مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا دُونَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُعَادُونَهُمَا
(1)
فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَهُوَ خَطَأٌ.

(2)
م: مُتَنَاجِيَيْنِ.

(3)
هَذِهِ الْعِبَارَةُ جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَسَيُورِدُهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مُطَوَّلًا فِيمَا بَعْدُ، وَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ هُنَاكَ فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 573.





وَيَطْلُبُونَهُمَا كَالَّذِينَ كَانُوا فَوْقَ الْغَارِ وَلَوْ نَظَرَ أَحَدُهُمْ [1] إِلَى قَدَمَيْهِ لِأَبْصَرَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ: 128] ، فَهَذَا تَخْصِيصٌ لَهُمْ دُونَ الْفُجَّارِ وَالظَّالِمِينَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 153] تَخْصِيصٌ لَهُمْ [2] دُونَ الْجَازِعِينَ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي} الْآيَةَ [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 12] ، وَقَالَ: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: 12] .
وَفِي ذِكْرِهِ [3] سُبْحَانَهُ لِلْمَعِيَّةِ عَامَّةً تَارَةً وَخَاصَّةً أُخْرَى: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ [4] أَنَّهُ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، أَوْ أَنَّ وُجُودَهُ عَيْنُ وُجُودِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ مَقَالَاتِ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِالْحُلُولِ الْعَامِّ وَالِاتِّحَادِ الْعَامِّ أَوِ الْوَحْدَةِ [5] الْعَامَّةِ ; لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَخْتَصُّ بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ وَلَا مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، بَلْ هُوَ فِي الْحُشُوشِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ [وَأَجْوَافِ الْبَهَائِمِ] [6] ، كَمَا هُوَ فَوْقَ الْعَرْشِ [فَإِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ مَعَ قَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ كَانَ هَذَا مُنَاقِضًا لِهَذَا الْمَعْنَى ; لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَخْتَصُّ
(1)
م: أَحَدٌ مِنْهُمْ

(2)
(2 - 2) : فِي (ن) فَقَطْ، وَسَقَطَ مِنْ سَائِرِ النُّسَخِ.

(3)
ن، س، ب: فِي ذِكْرِهِ

(4)
م: بِتِلْكَ.

(5)
م: وَالْإِلْحَادِ الْعَامِّ وَالْوَحْدَةِ. .

(6)
وَأَجْوَافِ الْبَهَائِمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن)







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 480.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 474.36 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.22%)]