|
|||||||
| ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
|
الكبائر (43) النمص والوصل والوشم (موعظة الأسبوع) كتبه/ سعيد محمود الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ المقدمة: - الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة التي ضمن الله لمن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31). - والنمص والوشم والوصل والتفليج، من الكبائر التي ورد في حقها تهديد ولعن؛ لما فيها من الغش والتدليس، والاعتراض على القدر بالتغيير للخلق: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ والمُوتَشِمَاتِ، والمُتَنَمِّصَاتِ، والمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. فَبَلَغَ ذلكَ امْرَأَةً مِن بَنِي أسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقالَتْ: إنَّه بَلَغَنِي عَنْكَ أنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وكَيْتَ، فَقالَ: وما لي لا ألْعَنُ مَن لَعَنَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، ومَن هو في كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقالَتْ: لقَدْ قَرَأْتُ ما بيْنَ اللَّوْحَيْنِ، فَما وجَدْتُ فيه ما تَقُولُ، قالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لقَدْ وجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: 7)؟ قالَتْ: بَلَى، قالَ: فإنَّه قدْ نَهَى عنْه، قالَتْ: فإنِّي أرَى أهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ، قالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي، فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ، فَلَمْ تَرَ مِن حَاجَتِهَا شيئًا، فَقالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعَتْنَا" (متفق عليه)، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "لُعِنَتِ الْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ" (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، قال القرطبي -رحمه الله-: "وهذه الأمور كلها قد شهدت الأحاديث بلعن فاعلها، وأنها من الكبائر" (تفسير القرطبي). - الإشارة إلى انتشار هذه المنهيات في زماننا، وتهاون النساء بشأنها، بل انتقلت إلى الذكور المتخنثين، والمشاهير من الفنانين، ولاعبي الكرة، ونحوهم. (1) المقصود بالنمص والوصل والوشم والتفليج: - النمص هو: ترقيق الحواجب وتدقيقها طلباً لتحسينها، والنامصة التي تصنع ذلك بالمرأة، والمتنمصة التي تأمر من يفعل ذلك بها، والمنماص المنقاش. - الوصل: الْوَاصِلَةِ: الَّتِي تَصِلُ الشَّعْرَ بِشَعْرِ النِّسَاءِ، وَالْمُسْتَوْصِلَةُ: الْمَعْمُولُ بِهَا. - الوشم: وَهِي أَن تغرز الواشمة إبرة وَنَحْوهَا فِي شَيْء من بدن الْمَرْأَة حَتَّى يسيل الدَّم، ثمَّ تحشو ذَلِك الْموضع بكحل فيخضر، والمستوشمة هِيَ الَّتِي تطلب فعل ذَلِك بهَا، ومن الناس من ينقش على صدره امرأةً عاريةً، أو صليبًا، أو معبودَ كفار، أو عبارةً شركية، أو اسمَ محبوبته، ونحو ذلك. - التفليج: وهو بَردُ الأسنان بالمِبْرد للتفريق بينها للحُسْن. (2) حكم النمص والوصل والوشم والتفليج: - دل حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- على تحريمها جميعًا؛ لما اقتضته من جلب اللعن لفاعلها، وإليك بعض كلام العلماء في ذلك: أولًا: حكم النمص: قال الطبري: "لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها، بزيادة أو نقص، التماس الحسن؛ لا للزوج ولا لغيره؛ كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما، توهم البلج، وعكسه" (نقله الحافظ في الفتح)، أما إن كان لها شارب ولحية على غير المعهود فإنهم يقولون: لا بأس أن تزيل ذلك، بل بعضهم يقول: يستحب؛ كالنووي رحمه الله. (انظر: شرح النووي على مسلم 14/ 106). - فأين الرجال الذين يزيلون شعور وجوههم من ذلك؟ بل منهم مَن يتنمص كالنساء! فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَال:" لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ" (رواه البخاري)(1). ثانيًا: حكم الوشم: - قال النووي: "هوَ حَرَامٌ عَلَى الْفَاعِلَةِ وَالْمَفْعُولِ بِهَا بِاخْتِيَارِهَا وَالطَّالِبَةِ لَهُ وَقَدْ يُفْعَلُ بِالْبِنْتِ وَهِيَ طِفْلَةٌ، فَتَأْثَمُ الفاعلة ولا تأثم الْبِنْتُ؛ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهَا حِينَئِذٍ" (شرح النووي على مسلم). - ماذا يفعل إذا تاب إلى الله من ذلك؟ قال العلماء: تجب إزالته إن أمكنه؛ إلا إن خاف منه تلفًا أو فواتَ منفعةَ عضو، فيجوزُ تركه، وتكفي التوبةُ في سقوط الإثم، ويستوي في هذا الرجل والمرأة، ويستره عن الناس ما أمكنه. ثالثًا: حكم الوصل: - الوصل (الباروكة ونحوها) لا تجوز للعروس المقبلة على الزواج؛ فغيرها أولى: عن أَسْمَاءَ -رضى الله عنها- قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ ابْنَتي أصابَتْها الحَصْبَةُ، فامَّرَقَ شَعَرُها، وإنِّي زَوَّجْتُها؛ أفَأَصِلُ فِيهِ؟ فقالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الواصِلَةَ والمَوْصُولَةَ) (متفق عليه)؛ فكيف برجال يفعلون ذلك متشبهين كذلك بالنساء؟! - وأين هؤلاء من أهل الورع؟! جاء رجل إلى ابن سيرين فسأله فقال: "إن أمي كانت تمشط النساء، أترى لي أن آكل من مالها وأرثه عنها؟ فقال: إن كانت لا تصل؛ فلا بأس" (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر). رابعًا: حكم التفليج: - قال النووي -رحمه الله-: "وأما قوله: (المُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ) فمعناه: يفعلن ذلك طلبًا للحسن. وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن، أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس. والله أعلم" (شرح صحيح مسلم). - وأما عمليات تقويم الأسنان فغاية ما فيها إعادة الأسنان إلى وضعها الطبيعي، وإزالة ضرر يمنع من نطق بعض الحروف، أو استواء نطقها، أو تسبب بوضعها الحالي تحشي الأوساخ وبقايا الطعام في الأسنان، وتسبب أذى نفسياًّ للبعض من هجوم الفك إلى الإمام، ونحوه. (3) حكمة تحريم النمص والوشم والوصل والتفليج: - بداية.. المسلم مستسلم لأمر ربه ونهيه؛ سواء ظهرت له الحكمة أو لم تظهر: قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (النور: 51). - قال القرطبي: "اختلف في المعنى الذي نهي لأجلها؛ فقيل: لأنها من باب التدليس. وقيل: من باب تغيير خلق الله -تعالى-، كما قال ابن مسعود، وهو أصح، وهو يتضمن المعنى الأول. ثم قيل: هذا المنهي عنه إنما هو فيما يكون باقيًا؛ لأنه من باب تغيير خلق الله -تعالى-، فأما ما لا يكون باقيًا: كالكحل، وما تتزين به النساء؛ فقد أجاز العلماء ذلك" (تفسير القرطبي). (4) عقوبة فاعل هذه المنهيات؟ - هو مذموم، مخالف لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-: قال الله -عز وجل-: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: 7). - هو ملعون من الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ يمشي في الدنيا تطارده لعنة الله وغضبه عليه، ثم يكون عقاب لازم اللعن في الآخرة أشد؛ فكيف إذا جمع الفاعل بين أكثر من منهي من هذه المنهيات؟ بل إذا الفاعل رجلًا؟! قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ والمُوتَشِمَاتِ، والمُتَنَمِّصَاتِ، والمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ". (5) ملخص كلام العلماء في حكم عمليات التجميل: - عمليات التجميل التي تعمل لإزالة عيب أو تشوه ما؛ الأصل فيها الجواز والإباحة، وذلك من يسر الشريعة وتخفيفها على الناس(2): فعن عرفجة بن أسعد -رضي الله عنه- قال: "أُصيبَ أنفي يومَ الكِلابِ في الجاهليَّةِ، فاتَّخَذتُ أنفًا من ورِقٍ فأنتنَ عليَّ، فأمرَني رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أن أتَّخِذَ أنفًا من ذَهَبٍ" (رواه الترمذي، وحسنه الألباني). - وأما التجميل الزائد، وهو ليس من أجل إزالة العيب، بل لزيادة الحسن، فهو محرم لا يجوز(3)؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لعن النامصة والمتنمصة والواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة"؛ " ولما في ذلك من إحداث التجميل الكمالي، وليس لإزالة العيب" (انظر كلام الشيخ ابن عثيمين - فتاوى علماء البلد الحرام). خاتمة: - أباح الإسلام للمرأة أن تتزين لزوجها بكل ما تستطيعه من أنواع الزينة المباحة التي لم يرد نص بمنعها وتحريمها؛ روى الإمام أحمد في المسند عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: كَانَتْ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ تَخْتَضِبُ وَتَطَّيَّبُ، فَتَرَكَتْهُ، فَدَخَلَتْ عَلَيَّ، فَقُلْتُ لَهَا: أَمُشْهِدٌ أَمْ مُغِيْبٌ؟ فَقَالَتْ: مُشْهِدٌ كَمُغِيْبٍ، قُلْتُ لَهَا: مَا لَكِ؟ قَالَتْ: عُثْمَانُ لَا يُرِيدُ الدُّنْيَا وَلَا يُرِيدُ النِّسَاءَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَلَقِيَ عُثْمَانَ فَقَالَ: (يَا عُثْمَانُ، أَتُؤْمِنُ بِمَا نُؤْمِنُ بِهِ؟)، قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: (فَأُسْوَةٌ مَا لَكَ بِنَا) (رواه أحمد، وقال محققو المسند: صحيح لغيره). - فليتق الله كل مسلم ومسلمة، ولا يعرض نفسه للعن الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وغضب الله وعقابه، وعنده الحلال المباح، الموافق للفطرة السليمة: قال الله -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31)، وقال -تعالى-: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأعراف: 32). فاللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه. ـــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هل يجوز النمص تزينًا للزوج؟ - ذهب بعض الشافعية إلى جواز النمص بقصد التزين للزوج؛ وذلك لكمال الإحصان، واحتجوا بأثر عن امرأة أبي إسحاق أنها دخلت على عائشة -رضي الله عنها-، وكانت شابة يعجبها الجمال، فقالت: المرأة تحف جبينها لزوجها؟ فقالت: "أميطي عنك الأذى ما استطعت" (ضعيف جدًّا؛ أخرجه عبد الرزاق في المصنف، وقال الدارقطني عن العالية -امرأة أبي إسحاق-: مجهولة، لا يُحتَجُّ بها). والصحيح مذهب جماهير العلماء من تحريمه على الإطلاق؛ لحديث ابن مسعود المرفوع المتقدم، وقد أطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه التحريم ولم يقيده بالزوج، ولا غيره، وحديث عائشة -رضي الله عنها- لو صح؛ فهو محمول على شعر الجبين والخدين إذا ظهر للمرأة. (2) كإزالةُ آثار الحروق والتشوهاتِ الناتجةِ عن الحوادث، وتتميمِ الأذن الناقصة، وإزالةِ البُقع المشوهةِ في الوجه، وكذا آثار البرص؛ فهذا كلُه لا بأس به؛ لأنه ليس تغييرًا للخلقة الطبيعية التي يريد صاحبها من خلالها التجملَ والتحسين، وإنما يريد إزالةَ ضرر وعيب قد يمنعه من النكاح، وقد يمنعها من الخطاب، ومن الرحمة في الشريعة بالبشرية: أنه لا ضرر فيها، بل إنها تحث على ما فيه منفعة للإنسان في دنياه وآخرته. (3) كتصغير ثدي أو تكبيره أو رفع للأنف أو شد للوجنتين أو تضخيم للشفتين، ونحو ذلك! ويلحق بهذه الأشياء من الحرمة ما استحدث من رموش صناعية، وأنواع الطلاء التي صنعت لمثل ذلك، ومنها شد جلد الوجه بإجراء عملية جراحية أو بمواد كيميائية تؤدي إلى ظهور المرأة بأنها أصغر سنًّا وأكثر شبابًا، وهذا أيضًا نوع من التزوير والخداع والغش، وعدم الرضا بما خلق الله الخلق عليه وفطره عليه.
__________________
|
|
#2
|
||||
|
||||
|
الكبائر (44) اليمين الغموس (موعظة الأسبوع) كتبه/ سعيد محمود الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ المقدمة: - الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضمن الله لمن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال الله -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31). - ومن الكبائر المهلكة لصاحبها في الدنيا والآخرة "اليمين الغموس": روى البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: (الْإِشْرَاكُ بِاللهِ). قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ). قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (الْيَمِينُ الْغَمُوسُ)، قُلْتُ: وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ: (الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ). - الإشارة إلى تساهل كثير من الناس بأيمانهم: فأصبح البعض يحلف بالله في كثير من أحاديثه وأقواله، وفي بيعه وشرائه، وفي كل أمر يعِدُ به غيره؛ لحاجة أو لغير حاجة! حتى وقع كثير منهم في اليمين الكاذبة (اليمين الغموس) -والعياذ بالله-؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: "ولهذا إذا كانت اليمين غموسًا، كانت من الكبائر الموجبة للنار، كما قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (آل عمران: 77)، وذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في عدِّ الكبائر، وذلك أنه إذا تعمد أن يعقد بالله ما ليس منعقدًا به فقد نقص الصلة التي بينه وبين ربه، بمنزلة مَن أخبر عن الله بما هو منزَّه عنه أو تبرأ من الله. أنواع اليمين: - اليمين ثلاثة أقسام: يمين لغو، ويمين منعقدة، ويمين غموس. - فأما يمين اللغو: فهي الحلف من غير قصد اليمين، كقول الرجل حينما يسأل عن حاله: أنا والله بخير؛ فهو لا يقصد الحلف؛ ولذلك لا يؤاخذ عليه، ولا كفارة فيه: قال -تعالى-: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (البقرة: 225). - وأما اليمين المنعقدة: فهي اليمين التي يقصدها الحالف، وتكون على أمر مستقبل أن يُفعل أو يُترك، ويؤكد ويصر عليها؛ فهي يمين متعمدة مقصودة وليست لغوًا يجري على اللسان: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ) (المائدة: 89). - وهذه اليمين فيها الكفارة إذا حنث: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا؛ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْر) (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني)، وقال -تعالى-: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (المائدة: 89). - وأما اليمين الغموس: فهي تلك اليمين التي يحلفها الرجل، وهو يعلم أنه كاذب فيها، وإثمها يشتد وجرمها يعظم إذا اقترنت بأخذ مال امرئ مسلم بغير حق. قال المنذري: "سميت غموسًا؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم في الدنيا وفي النار في الآخرة"، وهذه اليمين الغموس لا كفارة فيها عند جمهور الفقهاء. الترهيب من اليمين الكاذبة: - لقد عظم الإسلام شأن اليمين، وحذر من التساهل بها؛ لأنها عهد وميثاق يجب أن يُعطى حقه: قال الله -تعالى-: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) (المائدة: 89). قال القرطبي: "المعنى: أقلوا الأيمان؛ لما فيه من البر والتقوى؛ فإن الإكثار يكون معه الحنث، وقلة رعي لحق الله -تعالى-". - صاحب الأيمان الكاذبة قدوته في ذلك إبليس: فهو أول من سن اليمين الكاذبة يوم أن حلف لآدم وحواء أنه لهما لمن الناصحين؛ قال -تعالى-: (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (الأعراف: 21). - الأيمان الكاذبة شعار أهل النفاق: قال -تعالى-: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ) (التوبة: 74)، وقال عنهم: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (المجادلة: 14). - وقد أنزل الله في أصحاب اليمين الغموس قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة يبيِّن عقوبتهم في الآخرة: فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ عَلَيْهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ)، فأنزل الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (آل عمران: 77). فَجَاءَ الْأَشْعَثُ فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فِيَّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي، فَقَالَ لِي: شُهُودَكَ، قُلْتُ: مَا لِي شُهُودٌ، قَالَ: فَيَمِينُهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذًا يَحْلِفَ، فَذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْحَدِيثَ، فَأَنْزَلَ اللهُ ذَلِكَ تَصْدِيقًا لَهُ. (متفق عليه). - قصة من واقع الحياة: أحدهم كان بينه وبين من يدعي عليه بمبلغ مالي كبير مجلس قضائي، وقد أنكر المدعى عليه المبلغ كليًّا، فطلب منه القاضي اليمين في تلك اللحظة لعدم توفر البينة لدى المدعي، فقام المدعى عليه وردد اليمين كاذبًا خلف القاضي، وخرج مزهوًّا بنفسه وبنصره، والآخر يدعو عليه. وما هي إلا لحظات ويصاب بعدها حالف اليمين بحادث مروري مروع، أصيب فيه بعدة إصابات خطيرة أدخل على إثرها للعناية المركزة؛ فسارع وهو في العناية المركزة وطلب من أقاربه إعادة المبلغ لصاحبه حيث اعترف أنه حلف يمينًا كاذبة. - هناك مِن الناس مَن يتورع عن الأمور الكبيرة والأموال الطائلة، لكنه قد يقع في أمور يظن أنها من المحقرات، ولا يدري المسكين خطورة ذلك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَان شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللِه؟ قَالَ: (وإنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ) (رواه مسلم). - ومن أكثر ما يكون من صور ذلك خطورة: تلك الأيمان الكاذبة في البيع والشراء؛ فعن أبي ذرٍّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مِرَارٍ. قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ) (رواه مسلم). - ما يلزم مَن حلف اليمين الغموس؟ قال العلماء: تلزمه التوبة الصحيحة بشروطها، مع رد الحقوق لأصحابها، واختلفوا في لزوم الكفارة عليه؛ فجماهير السلف والخلف على عدم الكفارة؛ لأن ذنبه أعظم من ذلك؛ قال ابن مسعود: "كُنَّا نَعُدُّ الذَّنْبَ الَّذِي لَا كَفَّارَةَ لَهُ الْيَمِين الْغَمُوس". وعن سعيد بن المسيب قال: "هي من الكبائر وهي أعظم من أن تكفر" (نقله ابن قدامة في المغني). - تنبيهات مهمة: قد يتحايل بعض الناس على اليمين الغموس، فيحلف فيكذب إذا استحلف، يظنه من التعريض الجائز، ولا يدري أن اليمين على نية المُسْتَحْلِفِ وليس على نية الحالف، ولا يجوز التورية فيه؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ) (رواه مسلم). وفي رواية: (يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ) (رواه مسلم). قال النووي: "إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَحَلَفَ وَوَرَّى فَنَوَى غَيْرَ مَا نَوَى الْقَاضِي؛ اِنْعَقَدَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا نَوَاهُ الْقَاضِي وَلَا تَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ". - ولا يجوز الحلف بغير الله -عز وجل-، وهو من الشرك: (والأمانة، وشرفي، والذمة، والنعمة، ورأس أبي، وحق هذا الطعام، ونحو ذلك): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني). وقال عبد الله بن مسعود: "لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا". قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى- معلقًا على كلام ابن مسعود: "لأن حسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك". خاتمة: إن شأن اليمين عند الله عظيم، والتساهل بها أمر جسيم؛ فليست اليمين مجرد كلمة تمر على اللسان، ولكنها عهد وميثاق سيسأل عنه العبد يوم القيامة، فينبغي للمؤمن أن يعظم اليمين، خاصة في باب الأموال والحقوق، ولو كانت يسيرة، ويوقر الله، ويكون صادقًا، ولا يحلف إلا على حق ثابت كالشمس. وقد كان كثير من أهل الورع يتوقون الحلف في الخصومة عند الحاكم، ولو أفضى ذلك بهم إلى التنازل عن حقهم؛ خشية الوقوع في الوعيد. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
__________________
|
|
#3
|
||||
|
||||
|
الكبائر (45) إشاعة الفاحشة (موعظة الأسبوع) كتبه/ سعيد محمود الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ المقدمة: - الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضمن الله لمن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31). - إشاعة الفاحشة من الكبائر المهلكة لصاحبها في الدنيا والآخرة؛ وذلك لما لها من أثر كبير في إفساد مجتمعات المسلمين: قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النور: 19). - الإشارة إلى بعض الصور التي تساعد على إشاعة الفاحشة: (دعوات التحرر النسوية بألوانها وإثارة الشبهات حول الزواج والطلاق، والسفر الميراث، وغير ذلك - أعمال فنية تصور المجتمع كله في صورة الراقصة، أو الزوجة الخائنة، أو مدمني المخدرات، أو... - حفلات ومهرجانات الرقص والعري بزعم الترفيه - قنوات لنشر ألوان العرى والرذيلة - قوانين في الجامعات تقيد الحجاب والتدين، وتطلق العنان للتبرج والعرى - مسابقات رياضية للنساء شبه عاريات - نشر الصور والمقاطع الخليعة - نشر الأغاني والموسيقى - نشر القصص الجنسية - نشر فضائح المشاهير - وأشر من كل ما سبق: الإنترنت الحر بكل ما يحمل من شر). - ومما يدمي القلب، أن نشر ودعم الفاحشة يبلغ أَوجَهُ وقوته في مواسم العبادات (شهر رمضان المبارك، والأعياد) التي يمنُّ الله الرحيم بها علينا لنكفر عن السيئات، ونزداد في الحسنات، ونعيش في نعيم نسائم الرحمات: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)(النساء:27)(1). (1) أثر إشاعة الفاحشة في مجتمعات المسلمين: - بداية قد حرَّم الله الفواحش بأنواعها وألوانها في كل زمان ومكان: قال -تعالى-: (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) (الأنعام: 151)، وقال -تعالى-: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (الأعراف: 33). - انتشار الفاحشة سبب لنزول العقاب والبلايا والنقم والأمراض والغلاء والهلاك وتسلط الأعداء: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَيلٌ للعربِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ) وَحَلَّقَ بِأُصْبَعَيْهِ: الإِبْهَامَ وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنُهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: (نَعَمْ إِذا كثُرَ الخَبَثُ) (متفق عليه). وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني). وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني). - وفي الجملة فإن شيوع الفاحشة سبب في فساد كل شيء (الاقتصاد والصناعة والزراعة، والماء والهواء و... ): قال -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41). (2) عاقبة الذين يشيعون الفاحشة في الدنيا والآخرة: - لقد توعدهم الحق -تبارك وتعالى- بالعقوبة الأليمة في الدنيا وفي الآخرة: قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النور: 19). - (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ): محبة اشاعة الفاحشة دون فعلها، أو تحريض عليها توجب العذاب الأليم في الدنيا والآخرة؛ فكيف يكون عذاب الذين يفعلونها أو يحرضون عليها؟! - (لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا): أن يعاقبوا في الدنيا بما يزجرهم ويمنعهم ويمنع أمثالهم، إما بالتعزير، وإما بالعقوبة. ومن ذلك: الحد الذي هو الجلد ثمانين جلدة، ورد الشهادة والحكم بفسقهم. - وقد يكون من العذاب في الدنيا أن يفضحهم الله، وأن يظهر عليهم الذل وسواد الوجوه، وإن ملكوا المال والشهرة، وقاموا بعمليات التجميل: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي) (رواه أحمد، وصححه الألباني). وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "إِنَّهُمْ وَإِنْ طَقْطَقَتْ بِهِمُ الْبِغَالُ وَهَمْلَجَتْ بِهِمُ الْبَرَاذِينُ، إِنَّ ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ لا يُفَارِقُ قُلُوبَهُمْ، أَبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ". - وقد يعاقبهم الله -تعالى- بعقوبات ظاهرة في الدنيا، كمرض فتاك أو شلل أو فقر أو ما أشبه ذلك: (انتحار الممثل الفلاني أو الفلانية - موت الراقصة الفلانية أو المغني الفلاني بعد صراع مع المرض والفقر حيث لم يجد ثمن العلاج - وغيره..). - (لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ): فأما في الآخرة فسنة الله ماضية في كلِّ من خالف أمر الله، وفتن الناس في دينهم، بالمحاسبة والمعاقبة: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (البقرة: 281)، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) (آل عمران: 30)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ) (متفق عليه)؛ فكيف بهؤلاء الذين ملئوا الدنيا بالفواحش، وأفسدوا على الناس دينهم؟! - بل إنهم لا يحاسبون على سيئاتهم فحسب؛ بل سيحاسبون على سيئاتهم، وسيئات كل من أفسدوه وفتنوه عن الهداية إلى يوم القيامة: قال الله -تبارك وتعالى-: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) (النحل: 25). وقال -تعالى-: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) (رواه مسلم). - وعند ذلك لا ينفع الندم: قال -تعالى-: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) (الفرقان: 27)، وقال: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك: 10)، وقال: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) (السجدة: 12). (3) هل لهم من توبة في الدنيا؟ - تقبل توبتهم إذا صدقوا: قال -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا على أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53)، وقال: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) (طه: 82)، وقال: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى: 25)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني). - ويكثر بعد التوبة من الاستغفار والعمل الصالح من صلاة وصيام وصدقة ويدعو الله بالثبات وينشغل بتهذيب نفسه وتربيتها، ويرفض كل الإغراءات التي تدعوه إلى الرجوع للمعصية، ويقطع كل الوسائل التي تربطه بذلك الفعل، وكذا يبتعد عن الانتصاب للتعليم والتوجيه وهو في حال الجهل كما يفعله كثير من المشاهير إذا اعتزلوا الضلال؛ قال العالم للتائب: (انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ) (متفق عليه)، وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: 69). - وأما المال الحرام الذى حصل من عمل الفاحشة، أو إشاعتها: فإن كان غنيًّا وقادرًا على التخلص من هذا المال، وتطيب نفسه بذلك، فليتصدق به على الفقراء، كما هو مذهب جمهور العلماء، وهو أبرأ للذمة وأحوط للدين، وإن كانت نفسه لا تطاوعه بذلك، أو ربما صده ذلك عن التوبة أو وقف عائقاً أمامها، أو كان فقيرًا محتاجًا للمال: فلينتفع به؛ قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "فطريق التخلص منه وتمام التوبة: بالصدقة به، فإن كان محتاجًا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته، ويتصدق بالباقي، فهذا حكم كل كسب خبيث لخبث عوضه، عينًا كان أو منفعة" (زاد المعاد). فاللهم تب علينا، إنك أنت التواب الرحيم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ (1) تقول الأستاذة عابدة المؤيد العظم في مقال بعنوان: "إنهم يشيعون الفاحشة": "أصبحت المسلسلات تعرِضُ "الأدواء" بطريقة يسمُّونها "جرأة"، والواقع أنها طريقة "فجة" و"وقِحة"، وأسلوبها ليس فيه خجلٌ ولا حياء، ولا مراعاةٌ للمُشاهِدِ الذي قد يكون: "عذراء في خِدرها تمتلئ حياءً، أو يكون المشاهد شابًّا لا يجد نكاحًا يُعِفُّه، أو طفلًا لم يبلُغ الحُلُم ولا يفقه شيئًا، أو عانسًا تتُوق للزواج وهي بغنًى عمن يزيدها شوقًا إليه..."، وكل هؤلاء يتابع المسلسل والبرنامج مع الوالدين؛ فكيف سيكون الموقفُ حين ذاك؟! وكيف ستشرح الأم لصغيرها ما غمض عليه وصعُب فهمه؟! وكيف سيتفهم الشاب الصبرَ؟! وكيف ستلجم العانس مشاعرَها؟ لقد كانت الفتنةُ نائمةً غافية، وكلٌّ من (الذَّكَر والأنثى) لاهٍ عن أهوائه بالدراسة والتصبر، ومكابدة الحياة، فأبَوْا على الشباب سكينتهم، وها هم يوقظون الغرائز عن عمد، وبإصرار كبير، ثم وبعد أن يتحمسَ الشباب ويلتهبوا، يتركونهم بلا "مصرف شرعي" ينفِّسون فيه حاجاتِهم الطبيعية الضرورية، فماذا ستكون النتيجة؟ وماذا سيفعل هؤلاء الشباب وهم ممتلئون بالطاقة ولا يجدون لها مصرفًا؟! سيعاكسون البنات، ويتبعون قول الشاعر: "نظرةٌ فسلام فكلام فموعد فلقاء..."، إنها النتيجة الواقعية والحتمية لمثل هذا السلوك، ونتساءل بعدها: "لِمَ كثُرَ الاغتصابُ في مجتمعاتنا؟!"، "لماذا كثُر الزواج العرفي؟"، "لماذا زاد الانحراف والفساد؟"، "لماذا يتزوَّجُ أبناؤنا بمن لا نرتضي سلوكَهن ولا دِينهن؟".
__________________
|
|
#4
|
||||
|
||||
|
الكبائر (34) قذف المحصنات (موعظة الأسبوع) كتبه/ سعيد محمود الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ المقدمة: - الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى- : (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31). - قَذْفُ المُحْصَنَاتِ من أكبر الكبائر، وأعظم الجرائم؛ لما له من أثر سيئ على مجتمعات المسلمين: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ)، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وما هُنَّ؟ قالَ: (الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ) (متفق عليه). - المقصود بقذف المحصنات الغافلات: القذف الرمي البعيد، استعير للشتم والعيب والبهتان كما استعير للرمي، والمحصنات جمع محصنة، بفتح الصاد، اسم مفعول، أي: التي أحصنها الله -تعالى- وحفظها من الزنا، وبكسرها، اسم فاعل أي: التي حفظت فرجها من الزنا. والغافلات: كناية عن البريئات؛ لأن البريء غافل عما بهت به من الزنا. (عمدة القاري). وقال الذهبي -رحمه الله-: "والقذف أن يقول لامرأة أجنبية حرة عفيفة مسلمة: يا زانية، أو يا باغية. أو يقول لزوجها: يا زوج الزانية... وما إلى ذلك من عبارات" (الكبائر للذهبي). - الإشارة إلى استهانة كثير من الناس بالقذف بكل أشكاله وألوانه وتنوع ألفاظه، مما امتلأت به حياة الناس عند التعاملات والاختلافات، بل عند التمازح، بل في وسائل الإعلام وسائل الاتصالات الحديثة، وغير ذلك. (1) خطورة قذف المحصنات: - قَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ يتسبب في فساد المجتمع وشيوع الفاحشة: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ? وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النور: 19). - قَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ يوجب الطرد من رحمة الله: قال الله -تعالى- : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (النور: 23-25). - قَذْفُ الْمُحْصَنَةِ أَقْبَحُ مِنَ الرِّبَا وَمِنَ الزِّنَا: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (الرِّبَا ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا، أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ، *وَإِنَّ *أَرْبَى *الرِّبَا *عِرْضُ *الرَّجُلِ *الْمُسْلِمِ) (رواه ابن ماجه والحاكم واللفظ له، وصححه الألباني). - قَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ يصل في بعض الأحيان إلى الكفر بالله -تعالى-: الشيعة الرافضة -المنتسبين إلى الإسلام زورًا وبهتانًا-، يحملهم الحقد وعداوة هذا الدِّين على رمي أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بالفاحشة، وهذا كفر؛ لأنه تكذيب لصريح القرآن: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور: 23). وقال ابن كثير -رحمه الله-: "فَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ أَوْلَى بِالدُّخُولِ فِي هَذَا مِنْ كُلِّ مُحَصَّنَةٍ، وَلَا سِيَّمَا الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ النُّزُولِ، وَهِيَ عَائِشَةُ بِنْتُ الصَّدِّيقِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ، قَاطِبَةً عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّها بَعْدَ هَذَا وَرَمَاهَا بِمَا رَمَاهَا بِهِ بَعْدَ هذا الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ مُعَانِدٌ لِلْقُرْآنِ" (تفسير ابن كثير)، وسيأتي حديث رمي المنافقين للصِّدِّيقة -رضي الله عنها-. - ترتب العقوبة الشرعية على القاذف في الدنيا؛ إذا لم يأتِ بأربعة شهداء فإنه يجلد ثمانين جلدة، وترد شهادته أبدًا، ويصبح فاسقًا عند الله وعند الناس: قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَ?ئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور: 4). (2) وقفة مهمة حول ضوابط ثبوت الزنا: - صعوبة تحقق ذلك في الواقع (إحضار أربع شهود متفقين من غير اختلاف)، لا تبيح للقاذف القذف لغيره: فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ)، قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الأَنْصَارِ: أَهَكَذَا أُنْزِلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ؟) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ رَجُلٌ غَيُورٌ، وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً قَطُّ إِلا بِكْرًا، وَمَا طَلَّقَ امْرَأَةً قَطُّ، فَاجْتَرَأَ رَجُلٌ مِنَّا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْ شِدَّةِ غَيْرَتِهِ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّهَا حَقٌّ، وَأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَكِنْ قَدْ تَعَجَّبْتُ أَنْ لَوْ وَجَدْتُ لَكَاعًا قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أُهِيجَهُ وَلا أُحَرِّكَهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ! فَوَاللَّهِ إِنِّي لا آتِي بِهِمْ حَتَّى يَقْضِي حَاجَتَهُ! فَمَا لَبِثُوا إِلا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ هِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنْ أَرْضِهِ عَشِيَّةً، فَوَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ رَجُلًا، فَرَأَى بِعَيْنِهِ، وَسَمِعَ بِأُذُنِهِ، فَلَمْ يُهِجْهُ حَتَّى أَصْبَحَ، فَغَدا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي جِئْتُ أَهْلِي عَشِيًّا فَوَجَدْتُ عِنْدَهَا رَجُلًا فَرَأَيْتُ بِعَيْنِي، وَسَمِعْتُ بِأُذُنِي؟ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا جَاءَ بِهِ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: الآنَ يَضْرِبُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَيُبْطِلُ شَهَادَتَهُ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ هِلالٌ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِي مِنْهَا مَخْرَجًا، فَقَالَ هِلالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي قَدْ أَرَى مَا قَدِ اشْتَدَّ عَلَيْكَ مِمَّا جِئْتُكَ بِهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقٌ، فَوَاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُرِيدُ أَنْ يَأْمُرَ بِضَرْبِهِ إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ عَرَفُوا ذَلِكَ فِي تَرَبُّدِ جِلْدِهِ، فَأَمْسَكُوا عَنْهُ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْوَحْيِ، فَنَزَلَتْ: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ . وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ . وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (النور: 6-9)، فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: (أَبْشِرْ يَا هِلالُ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا)، فَقَالَ هِلالٌ: قَدْ كُنْتُ أَرْجُو ذَاكَ مِنْ رَبِّي، ثم أمرا بأن يتلاعنا، فذكَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- هلال بن أمية بالله والنار والعذاب، فلما أصر على قوله أمره أن يشهد بالله أربع مرات إنه لمن الصادقين، وفي الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ذكَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- زوجته بالله وبالنار والعذاب، فتلكأت قليلًا، ثم أصرت على تكذيبها لزوجها، فأمرها النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تشهد بالله أربع مرات إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن تقول أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، فلما فرغا من اللعان فرَّق النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهما، فلا تحل له أبدًا. (رواه أحمد بسندٍ حسنٍ). (3) أعظم جريمة قذف في التاريخ: - رمى المنافقين الصديقة بنت الصديق بالفاحشة: عن عَائِشَةَ قَالَتْ: كانَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إذَا أرَادَ أنْ يَخْرُجَ أقْرَعَ بيْنَ أزْوَاجِهِ، فأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بهَا رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- معهُ، قالَتْ عَائِشَةُ: فأقْرَعَ بيْنَنَا في غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مع رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ ما نَزَلَ الحِجَابُ، فأنَا أُحْمَلُ في هَوْدَجِي، وأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حتَّى إذَا فَرَغَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِن غَزْوَتِهِ تِلكَ وقَفَلَ، ودَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بالرَّحِيلِ فَمَشيتُ حتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أقْبَلْتُ إلى رَحْلِي، فَإِذَا عِقْدٌ لي مِن جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي وحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ علَى بَعِيرِي الذي كُنْتُ رَكِبْتُ، وهُمْ يَحْسِبُونَ أنِّي فِيهِ، وكانَ النِّسَاءُ إذْ ذَاكَ خِفَافًا، لَمْ يُثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ، إنَّما تَأْكُلُ العُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ خِفَّةَ الهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ، وكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الجَمَلَ وسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ ما اسْتَمَرَّ الجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وليسَ بهَا دَاعٍ، ولَا مُجِيبٌ فأمَمْتُ مَنْزِلِي الذي كُنْتُ به، وظَنَنْتُ أنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إلَيَّ. فَبيْنَا أنَا جَالِسَةٌ في مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وكانَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِن ورَاءِ الجَيْشِ، فأدْلَجَ فأصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إنْسَانٍ نَائِمٍ، فأتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وكانَ رَآنِي قَبْلَ الحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ باسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وجْهِي بجِلْبَابِي، ووَاللَّهِ ما كَلَّمَنِي كَلِمَةً ولَا سَمِعْتُ منه كَلِمَةً غيرَ اسْتِرْجَاعِهِ، حتَّى أنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ علَى يَدَيْهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بي الرَّاحِلَةَ، حتَّى أتَيْنَا الجَيْشَ بَعْدَما نَزَلُوا مُوغِرِينَ في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَن هَلَكَ، وكانَ الذي تَوَلَّى الإفْكَ عَبْدَ اللَّهِ بنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا، والنَّاسُ يُفِيضُونَ في قَوْلِ أصْحَابِ الإفْكِ، لا أشْعُرُ بشيءٍ مِن ذلكَ وهو يَرِيبُنِي في وجَعِي، أنِّي لا أعْرِفُ مِن رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اللَّطَفَ الذي كُنْتُ أرَى منه حِينَ أشْتَكِي، إنَّما يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فيُسَلِّمُ ثُمَّ يقولُ: (كيفَ تِيكُمْ؟) ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَاكَ الذي يَرِيبُنِي، ولَا أشْعُرُ بالشَّرِّ حتَّى خَرَجْتُ بَعْدَ ما نَقَهْتُ، فَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ وهو مُتَبَرَّزُنَا، وكُنَّا لا نَخْرُجُ إلَّا لَيْلًا إلى لَيْلٍ، وذلكَ قَبْلَ أنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قَرِيبًا مِن بُيُوتِنَا، وأَمْرُنَا أمْرُ العَرَبِ الأُوَلِ في التَّبَرُّزِ قِبَلَ الغَائِطِ، فَكُنَّا نَتَأَذَّى بالكُنُفِ أنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ أنَا وأُمُّ مِسْطَحٍ وهي ابْنَةُ أبِي رُهْمِ بنِ عبدِ مَنَافٍ، وأُمُّهَا بنْتُ صَخْرِ بنِ عَامِرٍ خَالَةُ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وابنُهَا مِسْطَحُ بنُ أُثَاثَةَ، فأقْبَلْتُ أنَا وأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي، وقدْ فَرَغْنَا مِن شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ في مِرْطِهَا، فَقالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلتُ لَهَا: بئْسَ ما قُلْتِ، أتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ قالَتْ: أيْ هَنْتَاهْ أوَلَمْ تَسْمَعِي ما قالَ؟ قالَتْ: قُلتُ: وما قالَ؟ فأخْبَرَتْنِي بقَوْلِ أهْلِ الإفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا علَى مَرَضِي. فَلَمَّا رَجَعْتُ إلى بَيْتِي، ودَخَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَعْنِي سَلَّمَ، ثُمَّ قالَ: (كيفَ تِيكُمْ؟)، فَقُلتُ: أتَأْذَنُ لي أنْ آتِيَ أبَوَيَّ، قالَتْ: وأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أنْ أسْتَيْقِنَ الخَبَرَ مِن قِبَلِهِمَا، قالَتْ: فأذِنَ لي رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ، فَجِئْتُ أبَوَيَّ فَقُلتُ لِأُمِّي: يا أُمَّتَاهْ ما يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قالَتْ: يا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّما كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، ولَهَا ضَرَائِرُ إلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا، قالَتْ: فَقُلتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أوَلقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بهذا؟! قالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلكَ اللَّيْلَةَ حتَّى أصْبَحْتُ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ، ولَا أكْتَحِلُ بنَوْمٍ، حتَّى أصْبَحْتُ أبْكِي، فَدَعَا رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلِيَّ بنَ أبِي طَالِبٍ وأُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنْهما- حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ، يَسْتَأْمِرُهُم ا في فِرَاقِ أهْلِهِ، قالَتْ: فأمَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ فأشَارَ علَى رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بالَّذِي يَعْلَمُ مِن بَرَاءَةِ أهْلِهِ، وبِالَّذِي يَعْلَمُ لهمْ في نَفْسِهِ مِنَ الوُدِّ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أهْلَكَ ولَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا، وأَمَّا عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، والنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وإنْ تَسْأَلِ الجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. قالَتْ: فَدَعَا رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَرِيرَةَ، فَقالَ: (أيْ بَرِيرَةُ، هلْ رَأَيْتِ مِن شيءٍ يَرِيبُكِ؟) قالَتْ بَرِيرَةُ: لا والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ، إنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أمْرًا أغْمِصُهُ عَلَيْهَا، أكْثَرَ مِن أنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عن عَجِينِ أهْلِهَا، فَتَأْتي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، فَقَامَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ، فَاسْتَعْذَرَ يَومَئذٍ مِن عبدِ اللَّهِ بنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، قالَتْ: فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وهو علَى المِنْبَرِ: (يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ مَن يَعْذِرُنِي مِن رَجُلٍ قدْ بَلَغَنِي أذَاهُ في أهْلِ بَيْتِي، فَوَاللَّهِ ما عَلِمْتُ علَى أهْلِي إلَّا خَيْرًا، ولقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا ما عَلِمْتُ عليه إلَّا خَيْرًا، وما كانَ يَدْخُلُ علَى أهْلِي إلَّا مَعِي) فَقَامَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ الأنْصَارِيُّ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ أنَا أعْذِرُكَ منه، إنْ كانَ مِنَ الأوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وإنْ كانَ مِن إخْوَانِنَا مِنَ الخَزْرَجِ أمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أمْرَكَ، قالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ وهو سَيِّدُ الخَزْرَجِ، وكانَ قَبْلَ ذلكَ رَجُلًا صَالِحًا، ولَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ، فَقالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لا تَقْتُلُهُ، ولَا تَقْدِرُ علَى قَتْلِهِ، فَقَامَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ وهو ابنُ عَمِّ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ، فَقالَ لِسَعْدِ بنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ ، فإنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ المُنَافِقِينَ. فَتَثَاوَرَ الحَيَّانِ الأوْسُ والخَزْرَجُ حتَّى هَمُّوا أنْ يَقْتَتِلُوا، ورَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَائِمٌ علَى المِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُخَفِّضُهُمْ حتَّى سَكَتُوا، وسَكَتَ، قالَتْ: فَبَكَيْتُ يَومِي ذلكَ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ ولَا أكْتَحِلُ بنَوْمٍ، قالَتْ: فأصْبَحَ أبَوَايَ عِندِي وقدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ ويَوْمًا لا أكْتَحِلُ بنَوْمٍ، ولَا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ، يَظُنَّانِ أنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، قالَتْ: فَبيْنَما هُما جَالِسَانِ عِندِي، وأَنَا أبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ، فأذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، قالَتْ: فَبيْنَا نَحْنُ علَى ذلكَ، دَخَلَ عَلَيْنَا رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قالَتْ: ولَمْ يَجْلِسْ عِندِي مُنْذُ قيلَ ما قيلَ قَبْلَهَا، وقدْ لَبِثَ شَهْرًا لا يُوحَى إلَيْهِ في شَأْنِي، قالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ جَلَسَ، ثُمَّ قالَ: (أمَّا بَعْدُ يا عَائِشَةُ، فإنَّه قدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وكَذَا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وتُوبِي إلَيْهِ، فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللَّهِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ). قالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَقالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حتَّى ما أُحِسُّ منه قَطْرَةً، فَقُلتُ لأبِي: أجِبْ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيما قالَ، قالَ: واللَّهِ ما أدْرِي ما أقُولُ لِرَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقُلتُ لِأُمِّي: أجِيبِي رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قالَتْ: ما أدْرِي ما أقُولُ لِرَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قالَتْ: فَقُلتُ وأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لا أقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ القُرْآنِ: إنِّي واللَّهِ لقَدْ عَلِمْتُ، لقَدْ سَمِعْتُمْ هذا الحَدِيثَ حتَّى اسْتَقَرَّ في أنْفُسِكُمْ وصَدَّقْتُمْ به؛ فَلَئِنْ، قُلتُ لَكُمْ: إنِّي بَرِيئَةٌ، واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ لا تُصَدِّقُونِي بذلكَ، ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأَمْرٍ واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي منه بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي ، واللَّهِ ما أجِدُ لَكُمْ مَثَلًا إلَّا قَوْلَ أبِي يُوسُفَ، قالَ: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واللَّهُ المُسْتَعَانُ علَى ما تَصِفُونَ) (يوسف: 18). قالَتْ: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ علَى فِرَاشِي، قالَتْ: وأَنَا حِينَئِذٍ أعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ، وأنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي ببَرَاءَتِي، ولَكِنْ واللَّهِ ما كُنْتُ أظُنُّ أنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ في شَأْنِي وحْيًا يُتْلَى، ولَشَأْنِي في نَفْسِي كانَ أحْقَرَ مِن أنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بأَمْرٍ يُتْلَى، ولَكِنْ كُنْتُ أرْجُو أنْ يَرَى رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- في النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بهَا، قالَتْ: فَوَاللَّهِ ما رَامَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، ولَا خَرَجَ أحَدٌ مِن أهْلِ البَيْتِ حتَّى أُنْزِلَ عليه، فأخَذَهُ ما كانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ، حتَّى إنَّه لَيَتَحَدَّرُ منه مِثْلُ الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ، وهو في يَومٍ شَاتٍ، مِن ثِقَلِ القَوْلِ الذي يُنْزَلُ عليه، قالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عن رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سُرِّيَ عنْه وهو يَضْحَكُ، فَكَانَتْ أوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بهَا: (يا عَائِشَةُ، أمَّا اللَّهُ -عزَّ وجلَّ- فقَدْ بَرَّأَكِ) فَقالَتْ أُمِّي: قُومِي إلَيْهِ، قالَتْ: فَقُلتُ: لا واللَّهِ لا أقُومُ إلَيْهِ، ولَا أحْمَدُ إلَّا اللَّهَ -عزَّ وجلَّ-، فأنْزَلَ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ-: (*إِنَّ *الَّذِينَ *جَاءُوا *بِالْإِفْكِ *عُصْبَةٌ *مِنْكُمْ *لَا *تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور: 11) الآيَاتِ. (متفق عليه). خاتمة: - قذف المحصنات مسألة خطيرة جدًّا قد يتعرَّض لها أحدٌ مِن المسلمين فيهلك بسببها، وقد يتكلم بها عند أحد من الناس أو في جمع من الخلق أو عند أهله، أو يكتبها في الإنترنت، أو في قناة من القنوات الإعلامية، وهو يعلم أو لا يعلم ما يترتب على قوله من الهلاك -والعياذ بالله-؛ فالحذر الحذر، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اجْتَنِبُوا *السَّبْعَ *الْمُوبِقَاتِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ) (متفق عليه). فاللهم استر عوراتنا، وآمِن روعاتنا، واحفظ أعراض المسلمين أجمعين.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 07-06-2024 الساعة 12:17 PM. |
|
#5
|
||||
|
||||
|
الكبائر (42) تكفير المسلمين بغير حق (موعظة الأسبوع) كتبه/ سعيد محمود الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛المقدمة: - الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة التي ضمن الله لمن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31). - تكفير المسلمين بغير حق من أكبر الكبائر، وأشر الجرائم، لما يترتب على ذلك من مفاسد عقدية واجتماعية، وتفريق لجماعة المسلمين، وانتهاك للحرمات من سفك الدماء والاعتداء على الأموال والأعراض: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّما رَجُلٍ قالَ لأخِيهِ: يا كافِرُ، فقَدْ باءَ بها أحَدُهُما) (متفق عليه)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ولَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، ومَن رَمَى مُؤْمِنًا بكُفْرٍ فَهو كَقَتْلِهِ) (رواه البخاري). - الإشارة إلى بداية ظهور أتباع هذا الفكر المنحرف الذين بدؤوا بالصحابة فكفروهم، وأنهم لا يزالون يطلون على الأمة بين الفينة والأخرى، لا سيما إذا توافرت لهم الأسباب المعينة على وجودهم، كما سيأتي في الكلام عن أسباب انتشاره. 1- خطر تكفير المسلم بغير حق: - لا يجوز لأحد أن ينسب إلى مسلم شيئًا لم يفعله أو يعتقده: قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) (الأحزاب: 58). - وأخطر ذلك أن ينسب مسلمًا إلى الكفر بغير حق: قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء: 94)، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لَقِيَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلاً فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا تِلْكَ الْغُنَيْمَةَ"، فَنَزَلَتْ: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا) وَقَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: "السَّلامَ" (متفق عليه). - حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- وزجر عن ذلك، وأخبر عن عاقبته السيئة على المعتدي: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ) (متفق عليه)، وعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ومَنْ دَعَا رجلًا بِالكُفرِ، أو قال عدُوَّ اللهِ وليسَ كذلِكَ، إلَّا حارَ عليْهِ) (متفق عليه). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وإذا كان تكفير المعين على سبيل الشتم كقتله؛ فكيف يكون تكفيره على سبيل الاعتقاد؟ فإن ذلك أعظم من قتله" (الاستقامة لابن تيمية). 2- الآثار المترتبة على تكفير المسلم: - تمهيد: هذا النهي والزجر من الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- عن تكفير المسلمين بغير حق إنما هو لما يترتب على ذلك مِن آثار خطيرة؛ حيث يتغير وصف "المسلم" إلى "المرتد"، وهذا له أحكام تترتب عليه، فالردة مروق وخروج مِن ملة الإسلام بعد ثبوته، فيترتب على ذلك أحكام في الدنيا بعد الحكم عليه بالخلود في النار إن مات على ذلك، ومن هذه الأحكام ما يأتي: أ- إباحة دمه: - المرتد قد جاء بما يدل على بغضه للإسلام وعداوته لأهله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ، إلَّا بإحْدَى ثَلاثٍ: النَّفْسُ بالنَّفْسِ، والثَّيِّبُ الزَّانِي، والمارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَماعَةِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) (رواه البخاري). ب- لا يُقبل منه عمل: - المرتد لا تنفعه صلاة، ولا زكاة، ولا صيام، ولا حج، ولا شيء، ولا يقبل منه عمل سابق ولا لاحق: قال الله -تعالى-: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:217)، وقال -تعالى-: (وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (المائدة:5). ت- لا يعامل كموتى المسلمين إذا مات: - المرتد لا يغسل ولا يكفن، ولا يصلَّى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يجوز الترحم عليه ولا الاستغفار والدعاء له: قال الله -تعالى-: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) (التوبة: 84)، قال الله -تعالى-: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة:113). ث- يفسخ نكاحه: - المرتد لا تحل له زوجته المسلمة وتبين منه مع ثبوت الردة، ولا يجوز أن يكون وليًّا لامرأة مسلمة في عقد نكاح: قال الله -تعالى-: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) (الممتحنة: 10)، وقال الله -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة: 71). ج- ماله يصير فيئًا للمسلمين، ولا يرث ولا يورث: - المرتد إذا مات لا يورث ولا يرث قرابته المسلمين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلَا الكَافِرُ المُسْلِمَ) (متفق عليه). ح- لا تؤكل ذبيحته: - المرتد لا تصلح ذبيحته للأكل ولا للبيع: قال الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ) (المائدة: 5)، (قبح حال المرتد حيث تؤكل ذبيحة اليهود والنصارى، ولا تؤكل ذبيحته). خ- الخلود في النار: - إذا مات على الردة لا يُغفر له، وهو من أهل النار خالدًا فيها أبدًا: قال -تعالى-: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة: 217). 3- أسباب انتشار ظاهرة التكفير: أ- الجهل بالأحكام الشرعية واتباع المتشابه: - تكفير الصحابة يوم صفين كان بسبب الجهل بمقاصد الشرع واتباع المتشابه: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (آل عمران: 7)، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ) (متفق عليه). ب- التحاكم إلى القوانين الوضعية البشرية: - الإشارة إلى آثار الاستعمار الغربي وغزوه الفكري لبلاد المسلمين، والتي من أعظمها تنحية الشريعة الإسلامية من حياتهم، وإحداث المحاكم الوضعية ثم إلغاء المحاكم الشرعية بعد أن تركوا جيلًا من أتباعهم "علمانيين وغيرهم" يحمون أفكارهم ويدافعون عنها. - ومن هنا يقع كثير من الناس في شراك التكفير بغير حق حيث يكفرون الحكام، وهي مسألة فيها تفصيل، ثم يكفرون المجتمع تبعًا لذلك! ثم يستبيحون دماءهم وأموالهم! وربما جاءوا بالأدلة مِن غير فهم كقول الله -تعالى-: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة: 44). ت- انتشار الفساد الأخلاقي: - الإشارة إلى دور الغرب وأتباعهم "كالعلمانيين ونحوهم" في إفساد أخلاق المسلمين (نشر العرى والفجور من خلال الوسائل المختلفة): قال الله -تعالى-: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) (التوبة: 67). - إطلاق العنان لأهل الفساد، والتسلط على المتدينين بالسخرية والاستهزاء والتضييق. - ومن هنا يقع كثير من الناس في شراك التكفير بغير حق؛ حيث العاطفة والغيرة على انتهاك الحرمات، ولكن بدون تحقيق وتفريق بين المعصية الكبيرة وبين الكفر المخرج من الدين ليكون شأنهم شأن العابد في قصة قاتل المائة نفس لما استعظم الذنب، فقال له: (هلْ مِن تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لَا) (متفق عليه). ث- انتشار الظلم: - أجواء النزاع بين المسلمين وشيوع الفتن تساعد على ظهور تيارات التكفير حيث يسلكون طريقًا ثالثًا، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الخوارج: (يَخْرُجُونَ علَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ) (متفق عليه). - وتزداد فتنة التكفير إذا كان أحد الطرفين يتسلط على الدعاة والعلماء والمتدينين، فيكون الطرف الثالث هو مَن يتبنى تكفير المتسلط؛ متأولًا لقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) (البروج: 10)، وقوله -تعالى-: (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: 254). - وتزداد الفتنة بازدياد الظلم والقهر للشباب المتدين: قال "شكري مصطفى" أمير جماعة التكفير والهجرة بعد تعذيبه في ليمان طرة: "إن كل المجتمعات القائمة جاهلة وكافرة قطعًا". وهنا تأتي التساؤلات عند كثير من الشباب: الإسلام ينهى عن الظلم وتعذيب حتى الحيوانات؛ فكيف بحكام جعلوا أعوانهم يعذبون الناس؟ وهل المجتمع الذي يسكت على هؤلاء يكون مسلمًا؟ فتكون الإجابة التي غذى الشيطان نار فتنتها مع قلة العلم وعدم مطالعة التاريخ هي الحكم بالتكفير للكل الحكام والمحكومين والأعوان! خاتمة: - الإشارة إلى أن هذا المنهج الفاسد صارت له بعد ذلك أصول وعقائد، وصارت له روافد تدمر كيان الأمة. - التنبيه على أن وصف التكفير غير ممتنع، ولكنه لا يكون إلا بالدليل؛ قال الله -تعالى-: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ? إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) (النحل: 116)(1). - التكفير له ضوابط (شروط وموانع) يجب مراعاتها عند تكفير شخص معين؛ وإلا فقد يكون هذا الشخص جاهلًا أو متأولًا، أو مكرهًا، ونحوه... قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللهَ تعالى وضع عن أُمَّتي الخطأَ، والنسيانَ، وما اسْتُكرِهوا عليه) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وقال -تعالى-: (مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل: 106). - الإشارة إلى أهمية دور العلماء وتلاميذهم في نشر المنهج الصحيح؛ قال الله -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) (آل عمران: 187). - الإشارة إلى أهمية دور الحكام والحكومات في العمل على إزالة أسباب انتشار هذا الفكر المنحرف؛ قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج: 41). اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا رب العالمين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وليس لأحدٍ أن ُيكفِّر أحدًا من المسلمين وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة وتُبَيَّنَ له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة".
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 24-08-2024 الساعة 11:08 AM. |
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |