الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال - الصفحة 5 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         عون المعبود شرح سنن أبي داود- الشيخ/ سعيد السواح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 619 - عددالزوار : 89684 )           »          طريقة عمل حلويات العجل فى العيد.. من الفشة للكبدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          عيد الأضحى 2025.. أفضل طرق الحفاظ على اللحوم من التعفن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          4 خلطات عطرية هتخلى ريحة بيتك منعشة.. بعد الشوى وتنظيف اللحمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          وصفات طبيعية للتخلص من الهالات السوداء فى العيد.. حافظى على جمالك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          حاسة الدنيا مكركبة ومسئولياتك كترت فى العيد.. روشته بسيطة للتعامل مع الضغوطات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          6 نصائح للحفاظ على رشاقتك خلال عيد الأضحى.. لو هتقدرى تبعدى عن الفتة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          خطوات عمل فتة بالبستاشيو على طريقة شات جى بى تى.. فاجئيهم بالجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          قواعد إتيكيت العيد.. كيفية تقديم حلويات الأضحية فى العزومات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تفسير سورة البلد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #41  
قديم 07-04-2024, 03:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (41) قصة إحياء الطيور (3)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
قول الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ‌أَرِنِي ‌كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260).
قال ابن جرير -رحمه الله- في تفسيره:
"وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية: ما صحَّ به الخبرُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (نَحْنُ أحَقُّ بالشَّكِّ مِن إبْراهِيمَ، إذْ قالَ: (رَبِّ ‌أَرِنِي ‌كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ...)"، وأن تكون مسألته ربَّه ما سأله أن يُريه من إحياء الموتى لعارضٍ مِن الشيطان عرضَ في قلبه، كالذي ذكرنا عن ابن زيد آنفًا: مِن أن إبراهيم لما رأى الحوت الذي بعضه في البر وبعضه في البحر، قد تعاوره دواب البر ودواب البحر وطير الهواء، ألقى الشيطان في نفسه فقال: متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء؟! فسأل حينئذٍ ربَّه أن يريه كيف يحيي الموتى؛ ليعاين ذلك عيانًا، فلا يقدر بعد ذلك الشيطان أن يلقي في قلبه مثل الذي ألقى فيه عند رؤيته ما رأى من ذلك. فقال له ربه: أوَلم تؤمن؟ يقول: أوَلم تصدق يا إبراهيم بأني على ذلك قادر؟ قال: بلى يا رب! لكن سألتك أن تريني ذلك ليطمئن قلبي، فلا يقدر الشيطان أن يلقي في قلبي مثل الذي فعل عند رُؤيتي هذا الحوت.
ومعنى قوله: (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) ليسكن ويهدأ باليقين الذي يستيقنه.
وهذا التأويل الذي قلناه في ذلك هو تأويل الذين وجَّهوا معنى قوله: (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) إلى أنه: ليزداد إيمانًا، أو إلى أنه: ليُوَفَّق.
عن سعيد بن جبير: (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) قال: ليُوَفَّق.
عن سعيد بن جبير: (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) قال: ليزداد يقيني.
عن الضحاك: (وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) يقول: ليزداد يقينًا.
عن قتادة: (وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) قال: أراد نبي الله إبراهيم ليزداد يقينًا إلى يقينه.
عن معمر وقال قتادة: ليزداد يقينًا.
عن الربيع: (وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) قال: أراد إبراهيم أن يزداد يقينًا.
عن سعيد بن جبير: (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) قال: ليزداد يقيني.
عن مجاهد وإبراهيم في قوله: (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) قال: لأزداد إيمانًا مع إيماني.
قال: وقد ذكرنا فيما مضى قولَ مَن قال: معنى قوله: (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) بأني خليلك.
وقال آخرون: معنى قوله: (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) لأعلم أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك.
عن ابن عباس قوله: (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) قال: أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك.
(قلتُ: وما رجَّحه ابن جرير مِن أن المقصود بذلك هو الخواطر، وأن المطلوب من إبراهيم هو ازدياد الإيمان بقدرة الله -عز وجل-، وازدياد اليقين دون شك؛ هو الصحيح الذي بيَّنا صحته).
قال ابن جرير: وأما تأويل قوله: (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) فإنه: أَوَلم تُصدق؟
عن سعيد بن جبير: (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) قال: أولم توقن بأني خليلك؟
قال ابن زيد في قوله: (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) قال: أولم توقن".
(قلتُ: وقول سعيد بن جبير قد سبق بيان ضعفه).
ثم قال ابن جرير -رحمه الله-: "القول في تأويل قوله: (قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ) قال: يعني -تعالى ذكره- بذلك: قال الله له: (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ)، فذكر أن بعض أهل العلم يقول: إن أهل الكتاب الأول يذكرون أنه أخذ طاووسًا، وديكًا، وغرابًا، وحمامًا".
(قلتُ: تعيين هذه الطيور الأربعة من أصنافها المختلفة مما لم يرد به القرآن، ولم ترد به السُّنَّة الصحيحة، ولا حاجة إلى معرفة ذلك، وإنما هي اهتمامات أهل الكتاب دائمًا بتفاصيل القصة دون المعاني المستفادة منها، فلا ينبغي أن ننشغل بها، ولا أن نذكر الاختلافات فيها، والله المستعان).
قال ابن جرير -رحمه الله-: "القول في تأويل قوله: (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) -ثم ذكر الخلاف في القراءات- (فَصُرْهُنَّ): بضم الصاد، و"صِرْهُنَّ" بكسرها، ورجَّح قول مَن قال: إنهما لغتان بمعنى واحد؛ لاتفاق المفسرين من السلف على أن المعنى: فقطعهن.
عن ابن عباس قال: هي نبطية، فشققهن.
عن ابن عباس قال في الآية: (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) قال: إنما هو مثل قال: قطعهن، ثم اجعلهن في أرباع الدنيا، ربعًا ها هنا، وربعًا ها هنا، ثم ادعوهن يأتينك سعيًا.
عن ابن عباس: "فَصُرْهُنَّ" قال: قطعهن.
عن أبي مالك: "فَصُرْهُنَّ" يقول: فقطعهن.
وعن سعيد قال: (فَصُرْهُنَّ) جناح ذِه عند رأس ذِه، ورأس ذِه عند جناح ذِه، وذكر عن عكرمة ومجاهد: قطعهن.
وعن مجاهد: انتفهن بريشهن ولحومهن تمزيقًا، ثم اخلط لحومهن بريشهن.
عن قتادة: أُمِرَ نبي الله -عليه السلام- أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن، ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن.
وعن قتادة، قال: "فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ" قال: فمزقهن، قال: أُمر أن يخلط الدماء بالدماء والريش بالريش، ثم اجعل على كل جبل منهم جزءًا.
وعن الربيع والضحاك وابن إسحاق، نحو ذلك.
قال ابن جرير: ففيما ذكرنا من أقوال مَن رُوينا في تأويل قوله: (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) أنه بمعنى قطعهن دلالة واضحة على صحة ما قلنا في ذلك" (قلتُ: أي: من أن صُرهن وصِرهن قراءتان بمعنى واحد، وأنهما لغتان).
قال: "فسواءٌ قرأ القارئ بضم الصاد أو كسرها؛ إذ كانت لغتين معروفتين بمعنى واحد، ثم هو اختار ضم الصاد".
ثم قال في قوله -تعالى-: (ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا): "قال: قال بعض أهل التأويل: يعني بذلك على كل ربع من أربع الدنيا جزءًا منهن.
عن ابن عباس قال: اجعلهن في أرباع الدنيا ربعًا هاهنا، وربعًا هاهنا، وربعًا هاهنا، وربعًا هاهنا، ثم ادعهن يأتينك سعيًا".
(قلتُ: كأنه قصد المشرق والمغرب، والشمال والجنوب، وليس أنه يطوف الدنيا كلها ليضع هذه الأجزاء في أنحاء الدنيا البعيدة، وإنما هو في جهاتها المختلفة، والله أعلم).
ثم قال ابن جرير -رحمه الله-: "حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: أُمر نبي الله أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن ثم يخلط بين لحموهن وريشهن ودمائهن ثم يجزئهن على أربعة أجبل، فذُكر لنا أنه شكل على أجنحتهن وأمسك برؤوسهن بيده، فجعل العظم يذهب إلى العظم، والريشة إلى الريشة والبُضْعة إلى البُضْعة، وذلك بعين خليل الله إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-، ثم دعاهن فأتيناه سعيًا على أرجلهن، ويلقى كل طير برأسه، وهذا مَثَل أتاه الله إبراهيم، يقول: كما بعث هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة، كذلك يبعث الله الناس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها".
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #42  
قديم 07-04-2024, 03:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (42) قصة إحياء الطيور الأربعة (2)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -عز وجل-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ‌أَرِنِي ‌كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260).
قال الطبري -رحمه الله- في تفسير هذه الآية:
"عن الربيع، قال: ذبحهن ثم قطعهن ثم خلط بين لحومهن وريشهن، ثم قسَّمهن على أربعة أجزاء، فجعل على كل جبل منهن جزءًا، فجعل العظم يذهب إلى العظم، والريشة إلى الريشة، والبضعة إلى البضعة، وذلك بعين خليل الله إبراهيم، ثم دعاهن فأتينه سعيًا، يقول: شَدًّا (أي: جريًا) على أرجلهن. وهذا مَثَل أراه الله إبراهيم، يقول: كما بعثت هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة، كذلك يبعث الله الناس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها.
وقال ابن إسحاق عن بعض أهل العلم: إن أهل الكتاب يذكرون أنه أخذ الأطيار الأربعة، ثم قطع كل طير بأربعة أجزاء، ثم عمد إلى أربعة أجبال، فجعل على كل جبل ربعًا من كل طائر، فكان على كل جبل ربع من الطاووس، وربع من الديك، وربع من الغراب وربع من الحمام. ثم دعاهن فقال: تعالين بإذن الله كما كنتم! فوثب كل ربع منها إلى صاحبه حتى اجتمعن، فكان كل طائر كما كان قبل أن يقطعه، ثم أقبلن إليه سعيًا، كما قال الله.
وقيل: يا إبراهيم هكذا يجمع الله العباد، ويحيي الموتى للبعث من مشارق الأرض ومغاربها، وشامها ويمنها. فأراه الله إحياء الموتى بقدرته؛ حتى عرف ذلك بغير ما قال نمرود من الكذب والباطل.
قال ابن زيد: (ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا) قال: فأخذ طاووسًا، وحمامة، وغرابًا، وديكًا، ثم قال: فرقهن، اجعل رأس كل واحد وَجُؤْشُوشَ -أي: الصدر- الآخر وجناحي الآخر ورجلي الآخر معه! فقطعهن وفرقهن أرباعًا على الجبال، ثم دعاهن فجئنه جميعًا، فقال الله: كما ناديتَهن فجئنك، فكما أحييتُ هؤلاء وجمعتهن بعد هذا، فكذلك أجمع هؤلاء أيضًا؛ يعني: الموتى. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم اجعل على كل جبل من الأجبال التي كانت الأطيار والسباع التي كانت تأكل من لحم الدابة التي رآها إبراهيم ميتة، فسأل إبراهيم عند رؤيته إياها أن يُريه كيف يحييها وسائر الأموات غيرها. وقالوا: كانت سبعة أجبال.
عن ابن جريج قال: لما قال إبراهيم ما قال عند رؤيته الدابة التي تفرقت الطير والسباع عنها حين دنا منها، وسأل ربه ما سأل، (قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ)، قال ابن جريج: فذبحها، ثم اخْلِط بين دمائهن وريشهن ولحومهن، (ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا) حيث رأيت الطير ذهبت والسباع! قال: فجعلهن سبعة أجزاء، وأمسك رؤوسهن عنده، ثم دعاهن بإذن الله، فنظر إلى كل قطرة من دم تطير إلى القطرة الأخرى، وكل ريشة تطير إلى الريشة الأخرى، وكل بضعة وكل عظم يطير بعضه إلى بعض من رؤوس الجبال، حتى لقيت كل جثة بعضها بعضًا في السماء، ثم أقبلن يسعين حتى وصلت رأسها.
عن السدي قال: فخذ أربعة من الطير فصُرْهُن إليك، ثم اجعل على سبعة أجبال، فاجعل على كل جبلٍ منهن جزءًا، ثم ادعهن يأتينك سعيًا! فأخذ إبراهيم أربعة من الطير، فقطعهن أعضاء، لم يجعل عضوًا من طير مع صاحبه، ثم جعل رأس هذا مع رجل هذا، وصدر هذا مع جناح هذا، وقسمهن على سبعة أجبال، ثم دعاهن فطار كل عضو إلى صاحبه، ثم أقبلن إليه جميعًا.
وقال آخرون: بل أمره الله أن يجعل ذلك على كل جبلٍ.
عن مجاهد: (ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا) قال: ثم بددهن على كل جبلٍ يأتينك سعيًا، وكذلك يحيي الله الموتى.
عن الضحاك قال: أمره الله أن يخالف بين قوائمهن ورؤوسهن وأجنحتهن، ثم يجعل على كل جبل منهن جزءًا.
عن الضحاك قال: فخالف إبراهيم بين قوائمهن وأجنحتهن.
قال ابن جرير-رحمه الله-: وأولى التأويلات بالآية ما قاله مجاهد، وهو أن الله -تعالى ذكره- أمر إبراهيم بتفريق أعضاء الأطيار الأربعة بعد تقطيعه إياهن على جميع الأجبال التي كان يصل إبراهيم في وقت تكليف الله إياه تفريق ذلك، وتبديدها عليه أجزاء؛ لأن الله -تعالى ذكره- قال له: (ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا)، والكل: حرف يدل على الإحاطة بما أضيف إليه، لفظه واحد ومعناه الجمع. (قلتُ: يعني: كلمة "كل" تدل على الجمع لكلِّ الأفراد التي تدخل تحته).
فإذا كان ذلك كذلك، فلن يجوز أن تكون الجبال التي أمر الله إبراهيم بتفريق أجزاء الأطيار الأربعة عليها خارجة من أحد معنيين: إما أن تكون بعضًا أو جميعًا؛ فإن كانت بعضًا فغير جائز أن يكون ذلك البعض إلا ما كان لإبراهيم السبيل إلى تفريق أعضاء الأطيار الأربعة عليه، أو يكون جميعًا، فيكون أيضًا كذلك.
وقد أخبر الله -تعالى ذكره- أنه أمره بأن يجعل ذلك على كل جبل؛ وذلك إما كل جبل وقد عرفهن إبراهيم بأعيانهن، وإما ما في الأرض من الجبال.
(قلتُ: ولا شك أنه معلوم أن إبراهيم لا يقدر أن يصل إلى جبال الأرض جميعًا، فيما يعتاد الناس فيه من القدرة، فالظاهر -والله أعلى وأعلم- أن البحث في عدد الجبال وفي تعيينها ليس مما له فائدة؛ ولكن كل جبل يصل إليه إبراهيم).
فأما قول مَن قال: إن ذلك أربعة أجبل، وقول مَن قال: هن سبعة، فلا دلالة عندنا على صحة شيء من ذلك فنستجيز القول به. وإنما أمر الله إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- أن يجعل الأطيار الأربعة أجزاء متفرقة على كل جبل؛ ليُري إبراهيم قدرته على جمع أجزائهن، وهن متفرقات متبددات في أماكن مختلفة شتى حتى يؤلف بعضهن إلى بعض، فيعدن كهيئتهن قبل تقطيعهن وتمزيقهن، وقبل تفريق أجزائهن على الجبال، أطيارًا أحياء يطرن، فيطمئن قلب إبراهيم، ويعلم أن كذلك يجمع الله أوصال الموتى لبعث القيامة وتأليفه أجزاءهم بعد البلى، ورد كل عضو من أعضائهم إلى موضعه كالذي كان قبل الردى.
والجزء من الكل شيء هو البعض منه، كان منقسمًا جميعه عليه على صحة أو غير منقسم.
قال ابن جرير في تأويل قوله -تعالى-: (وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) يعني -تعالى ذكره- بذلك: واعلم يا إبراهيم أن الذي أحيا هذه الأطيار بعد تمزيقك إياهن، وتفريقك أجزاءهن على الجبال، فجمعهن ورد إليهن الروح، حتى أعادهن كهيئتهن قبل تفريقهن = عزيزٌ في بطشه إذا بطش بمن بطش من الجبابرة والمتكبرة الذين خالفوا أمره، وعصوا رسله، وعبدوا غيره، وفي نقمته حتى ينتقم منهم، حكيمٌ في أمره.
قال ابن إسحاق: (وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) قال: عزيز في بطشه، حكيم في أمره. وقال الربيع: عزيز في نقمته حكيم في أمره" (انتهى من تفسير الطبري باختصارٍ يسيرٍ).
والفوائد مطروحة المرة القادمة -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #43  
قديم 08-04-2024, 06:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (43) قصة إحياء الطيور الأربعة (5)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -عز وجل-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ‌أَرِنِي ‌كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260).
في هذه الآية فوائد:
الأولى: أن التصديق واليقين يزيد وينقص، وهذا قول عامة أهل السُّنة، وأنه ليس كل نقص يكون شكًّا، وهذه الآية تتضمن أوضح الرد على المرجئة القائلين بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأنهم جعلوا -وغلاتهم الجهمية- الإيمان هو المعرفة والتصديق، ووافقهم الأشاعرة حيث جعلوا الإيمان هو المعرفة والتصديق الباطن فقط دون نطق اللسان، ثم قالوا: إنَّ أي نقص يكون شكًّا، والشك كفر؛ فالإيمان لا يزيد ولا ينقص!
وهذه الآية الكريمة -وغيرها من آيات القرآن- وأدلة السنة، وإجماع أهل السنة: تدل على أن الإيمان يزيد وينقص، واليقين -الذي هو أحد أركان الإيمان- يتفاوت بين أهل الإيمان بعضهم وبعض، وبين أحوال الواحد منهم؛ فهو في وقتٍ يكون أكمل إيمانًا من وقتٍ آخر، ولا يلزم أن يكون ذلك شكًّا.
فإبراهيم -صلى الله عليه وسلم- بعد رؤيته إحياء الله الطيور الأربعة -بعد أن قطعها وجعلها على الأجبل الأربعة- صار أكثر اطمئنانًا ويقينًا -كما أراد- أكثر منه قبل أن يعاين ذلك، وليس المُخبَر كالمُعايِن، وقد كان مؤمنًا قبل ذلك، ولم يكن شاكًّا.
واعلم أن زيادة اليقين والتصديق تكون بالكمية والكيفية، وقصة إبراهيم في زيادة الكيفية؛ وذلك يكون بتظاهر الأدلة حتى يصل الإنسان إلى أعلى درجاتها، وهي المعاينة كما دلت عليه هذه الآية.
فزيادة اليقين تعني: زيادة نوعية التصديق نفسها، ونوعية التصديق مختلفة ومتفاوتة في كلِّ أصلٍ مِن أصول الإيمان الستة؛ فقد يزول التصديق بالكلية، وذلك يعني زوال الإيمان بحدوث شيء من أمرين: الشك أو التكذيب.
والشك: هو الشك المستوي الطرفين؛ فصاحبه متردد: هل حقًا لا إله إلا الله أم يُعبَد غيره معه؟ أو أنه يشك هل خلق الله العالم أو لم يخلقه؟ أم أن العالم قديم أزلي كما يقول الملحدون وأدعياء الطبيعة؟ وكذلك الشك في أن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكون عند الشاك احتمال الصدق واحتمال الكذب؛ فهو يشك في ذلك وليس عنده يقين بأحد القولين، وهو متردد: هل القرآن حق أم أنه كتاب مختلق؟ ومتردد: هل يُبعث الناس يوم القيامة أم ليست هناك قيامة ولا بعث ولا نشور؟ وكذلك يشك: هل توجد الملائكة أم هي شخصيات توهَّمَها المؤمنون والمسلمون؟ وكذلك في الرسل يشك: هل هم من أذكياء العالم الذين عندهم قوة التخيُّل وقوة التخييل وقوة التعبير، فهيَّؤوا للناس أنهم رسل وليسوا كذلك، أم أن الأمر كما قالوا بأنهم رسل من عند الله وأتتهم الملائكة بهذه الرسالة؟
فأصول الإيمان كلها يحصل عند البعض شك فيها، وغالبًا ما يكون متلازمًا؛ فالشاك في الربوبية والألوهية والرسالة والكتب المنزلة والملائكة واليوم الآخر، وكذا الشاك في القضاء والقدر، زال من قلبه التصديق بسبب هذا الشك؛ قال -عز وجل- عن المنافقين: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (البقرة:10)، فهؤلاء أناس نطقوا الشهادتين، وصلوا وصاموا، لكنهم منافقون؛ لأنهم في ريبٍ كما قال -تعالى-: (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (التوبة:45).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة -رضي الله عنه-: (اذهبْ بنعليَّ هاتَينِ فمَنْ لقِيتَ مِنْ وراءِ هذا الحائطِ يَشهدُ أن لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بها قلبُهُ فَبَشِّرْهُ بالجِنَّةِ) (رواه مسلم)، فلكي ينجو العبد يوم القيامة لا بد أن يكون مستيقنًا، ولكي يكون مؤمنًا عند الله وعنده أصل الإيمان لا بد أن يكون عنده يقين، فلو كان عنده شك أو ريب؛ فليس عنده أصل الإيمان.
وأفظع من الشك والريب: التكذيبُ؛ فالشك هو استواء الطرفين، أما التكذيب فهو أن يعتقد في باطنه خلاف الحق، ولو شبَّهنا الإيمان ببناء، فالذي عنده شك أرضه مستوية لا شيء فوقها من البناء، ولا شيء نازل عنها، أما المكذِّب فمثله كمثل حفرة تحت الأرض؛ كالذي يعتقد أن الله ثالث ثلاثة! أو يعتقد أن المسيح إله! أو ينفي نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويكذبه! فهذا لا يتردد في هل الله واحد أم ثلاثة، بل يجزم أنه ثلاثة، فهذا عنده تكذيب، وهذا لا يتردد هل المسيح عبدٌ رسولٌ أم إله، بل يجزم أنه إله! فهو معتقد للكفر بخلاف الذي يشك، فإنه شك بين الإيمان والكفر، وزوال الإيمان بالشك مثل زواله بالتكذيب في حصول الكفر، وإن كان التكذيب أشد.
والذي يعتقد أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رجل كذاب شر من الذي يشك: هل هو رسول أم لا! صادق أم لا! فهو وإن لم يكن مكذبًا له؛ إلا أنه غير معتقد صدقه، فالتكذيب أشد من الشك، وكلا الأمرين ينتفي معهما أصل الإيمان.
وكل هذا التفصيل إنما قصدنا منه بيان أن نوعية التصديق نفسها تختلف، وأن أول درجة من درجات التصديق الباطن هي زوال الشك، وبالتالي: زوال التكذيب بالأَوْلى، فبداية الإيمان هي لا إله إلا الله، وذلك إن لم تبلغه الأدلة القطعية بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وبعض المنافقين عنده شك، وبعضهم عنده تكذيب وهم أشد درجات المنافقين، والكفار منهم مكذبون ومنهم شاكون، ومنهم مَن لا يُكذِّب في الحقيقة؛ إنما عندهم استكبار؛ فزال عمل القلب من قلوبهم.
وقد ينضم إلى ذلك تكذيب اللسان؛ فهم يكذبون بلسانهم وإن كانوا يعلمون أنهم كاذبون فيما يقولون، كما قال -تعالى- عن مشركي قريش: (فَإِنَّهُمْ ‌لَا ‌يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام:33)، فالجحود والنفي كان بلسانهم بخلاف ما في صدورهم.
وبعض علماء اليهود كانوا يصرِّحون للنبي -صلى الله عليه وسلم- بنبوته، قائلين: نشهد أنك نبي، ومع ذلك ظلوا على كفرهم؛ لأنه ليس عندهم الانقياد الباطن لما جاء به -صلى الله عليه وسلم-، أي: قد زال عمل القلب.
والمنافقون كانوا نوعين: منهم مَن كان عنده شك، ومنهم مَن عنده تكذيب، وإن كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.
وبعضهم عنده تصديق باطن، لكن عنده كراهية لما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وكراهية للدين، مع علمه بحقيقته؛ لذا نقول: إن أولى درجات الإيمان هي تصديق القلب، وهو زوال الشك؛ أي: لا يكون عنده شك في أنه لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فهذه أولى درجات الإيمان، ولكن قد يكون مَن لا يشك الآن في ذلك، لكن لو أن أحدًا شككه وفتنه؛ فإنه يشك ويُفتن؛ فهذا قَبْل أن يُفتَن عنده أصل الإيمان، وليس معه الإيمان الواجب، فإذا فُتِن زال ذلك الأصل، قال الله -عز وجل-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ ‌كَعَذَابِ ‌اللَّهِ) (العنكبوت:10)، أي: في الفرار منه، فإنه يفر من عذاب الناس كما يفر المؤمنون من عذاب الله بطاعة الله -عز وجل-، فهو يطيع الكفار الذين فتنوه!
وقال -عز وجل-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ ‌عَلَى ‌حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ . يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ . يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) (الحج:11-13).
كان بعض الأعراب يدخل في هذا الدين، فإن ولدت امرأته ذكورًا وأنتجت إبله، وأمطرت السماء في تلك السنة؛ قال: هذا دين خير، فيظل مسلمًا، وإن أنجبت امرأته إناثًا، ولم تنتج إبله، وأمسكت السماء، قال: هذا دين سوء، ويتشاءم به! (روى البغوي في تفسيره نحوه).
وروى البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ ‌عَلَى ‌حَرْفٍ) قالَ: "كانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ المَدِينَةَ، فإنْ ولَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلامًا، ونُتِجَتْ خَيْلُهُ، قالَ: هذا دِينٌ صالِحٌ، وإنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ، ولَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ، قالَ: هذا دِينُ سُوءٍ!"، فهذا الرجل حاله -بعد أن ينقلب- معروفٌ أنه خسر الدنيا والآخرة، كما قال الله -عز وجل-: (يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ)؛ فحال هذا قبل أن يفتن وينقلب أن عنده أصل الإيمان؛ لأن الله أثبت أنه يَعبد اللهَ على حرف؛ فإيمانه ناقص، وتصديقه ناقص، ولم يكن لديه شك ولا تكذيب؛ بخلاف الذي ليس عنده أصل الإيمان، ولم يدخل في الدين بعد، لكن إيمان هذا الذي يعبد الله على حرف ليس هو الإيمان الواجب، والقدر الواجب من الإيمان هو الذي يُدخل صاحبه الجنة لأول وهلة، فلو مات هذا الذي ليس عنده الإيمان الواجب على تلك الحال قبل أن ينقلب ويُفتن لمات وعنده أصل الإيمان، فلا يخلد في النار، ولكن لا يلزم أن يدخل الجنة لأول وهلة؛ بل يمكن أن يعذب في النار، ولكنه لا يخلد فيها.
ونشبه ذلك بالبناء: فشخص إيمانه ضعيف أقل مِن القدر الواجب، مثله كمثل جدار حديث البناء لم تجف مواده، فلو دفعه أحدٌ أو اتكأ عليه؛ لَخَرَّ فورًا، فكذلك هذا الشخص لو شككه أحدٌ لشك، ولو فتنه لافْتُتِنَ، كما قال الله -عز وجل- في بعض المنافقين: (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا) (الأحزاب:14)، أي: لَأَعْطَوها، وهؤلاء لم يكونوا كفارًا في الأصل أو منافقين في الأصل؛ وإلا لفرحوا عند دخول المشركين المدينة، وإنما هم سيترددون يسيرًا ثم يشركون.
فمِن الناس مَن يكون إيمانه ناقصًا، فتأتيه فتنةٌ فيرجع عن الإيمان، فذلك الذي يُفتن؛ لذلك قلنا: إن أولى درجات الإيمان هي زوال الشك، ولكن لا يشترط أن يكون ثابتًا عند الفتن بحصول أصله، بل بحصول كماله الواجب.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #44  
قديم 08-04-2024, 06:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال(44) قصة إحياء الطيور الأربعة (6)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -عز وجل-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ‌أَرِنِي ‌كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260).
الفائدة الثانية من فوائد الآية الكريمة:
مَثَل مَن استكمل الإيمان الواجب الذي يستحق صاحبه أن يدخل الجنة لأول وهلة بالنسبة إلى تفاضل الإيمان بالكيفية؛ أي: بدرجة التصديق واليقين، كمثل مَن اشتد بناؤه وجفت مواده وتماسكت؛ فإذا دفعوه لم يخر، ليس كالذي كان بناؤه ضعيفًا لم تجف مواده فلو دفعه أحد أو اتكأ عليه؛ لَخَرَّ وسقط.
أما الأول فإنه لا يُفتن ولا يتزلزل عند الفتن، وإذا شُكِّكَ لم يشك، ولكن الشيطان لم ييأس منه، ولا يزال يأمل في هدم بنائه، فما زال يوسوس له وسوسة الصدر؛ فيأتي الشيطان إليه فيوسوس له في الوحدانية، أو في النبوة أو في القرآن أو في القَدَر أو في بعض الشرائع أو في غير ذلك، وهو يكره ذلك ويضيق به ذرعًا، وليس عنده شك -الذي هو استواء الطرفين-، وإلا لَمَا ضاق به ولَمَا كره تلك الوسوسة، وكونه يقاوم هذه الوسوسة، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويسأل أهل العلم ليزيلوا عنه شبهات الوساوس التي يضيق به؛ فهذا دليل على أنه لا يشك، وأن عنده الإيمان الواجب.
وبعض الناس يجهل الفرق بين الشك والوسوسة، وربما أوقعه الشيطان بذلك في ظن أنه يشك وأنه قد كفر؛ فلربما قَبِل بعضهم ذلك ووقع في الفتنة، وأما مَن حقق الإيمان الواجب فإنه يظل كارهًا ولا يقع في الفتنة، ويفرق بين الشك والوسوسة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن سأله من الصحابة وشكوا إليه، قالوا: "إنّا نَجِدُ في أنْفُسِنا ما يَتَعاظَمُ أحَدُنا أنْ يَتَكَلَّمَ به، قالَ: (وقدْ وجَدْتُمُوهُ؟) قالوا: نَعَمْ، قالَ: (ذاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ) (رواه مسلم).
وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الذي تأتيه الوسوسة فيردها هو مؤمن، عنده الإيمان الواجب، لكن هناك مَن هو أعلى منه في الإيمان، وهو الذي لا تأتيه الوساوس مطلقًا، وهم في منزلة الصديقية، كما كان أبو بكر -رضي الله عنه- في هذه المرتبة في صلح الحديبية، في حين كان عمر -رضي الله عنه- قد جاءته وساوس احتمال خطأ النبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى قال: "والله ما شككت منذ أسلمتُ إلا يومئذٍ" (رواه ابن حبان)، فلم يشك في حياته قط أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أخطأ إلا يومئذٍ، وهو بالقطع لم يشك في رسالته، فهو موقن بذلك دائمًا، يقول: "ألَسْنا على الحَقِّ وهُمْ على الباطِلِ؟ أليسَ قَتْلانا في الجَنَّةِ، وقَتْلاهُمْ في النّارِ؟ قالَ: (بَلى)، قالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنا" (متفق عليه)، وإنما الشك والوسوسة جاءته باحتمال أن يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أخطأ في الاجتهاد في هذه المسألة؛ أي: قبول الصلح على تلك الشروط المجحفة، وكانت هذه حقًا وسوسة من الشيطان.
ولكنَّ أبا بكر الصديق لم تأته وسوسة في عدم خطأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، ولم يوسوس له الشيطان مِن يوم أن آمن؛ ولذلك درجة الصديقين أعلى مقامًا من درجة عامة المؤمنين الذين قد تأتي لهم الوساوس ويردونها، فمقام الصديقية مقام لا تأتيه وسوسة أصلًا؛ سواء في أصول الإيمان، من الإيمان بالله، والملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، أو في فروع الدين، فكم من المؤمنين تأتيه الوساوس في القدر، وتنازعه نفسه وتجعله يتردد، والآخر تأتيه وساوس فيما دون ذلك من المسائل العملية التي يوسوس بها الشيطان.
فدرجة الصديقية درجة إيمان مستحبة، ودرجة تصديق أعلى، وهي التي كان إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- عليها، ولكن فوقها درجة المعاينة، وقد كان إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- مؤمنًا ومصدقًا، وليس عنده شك قط، ولكنه كان يريد أن يرى بعينيه؛ لأن عين اليقين أكمل من علم اليقين، فكان يريد أن يرى بعينه ليطمئن قلبه، قال -تعالى-: (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)، أي: في قضية إحياء الموتى.
ونبي الله موسى -عليه السلام- رَجَع إلى قومه غضبان أسفًا، وكان يعلم -بإخبار الله له- أن قومه قد فُتِنوا، وأنهم قد عبدوا العجل، وقد رجع إليهم حزينًا غاضبًا من أجل ذلك، وهو دليل على انتفاء الوسوسة عنه، ودليل على أنه مصدِّق تمام التصديق لخبر الله -عز وجل-، وعنده يقين من حيث نوعية التصديق، لكنه عندما رآهم بعينيه يعبدون العجل ألقى الألواح من شدة الغضب، مع أنه كان عائدًا حاملًا للألواح عارفًا في نفسه بما يفعلون، لكنه عندما رآهم ألقى الألواح غيظًا وازداد غضبًا، مع أنه كان مؤمنًا بخبر الله، لكن نوعية التصديق تختلف.
ومن الأمثلة على ذلك في الأمور المحسوسة: اختلاف درجة التصديق، فإذا أخبر الناسَ ثقةٌ أن في المكان الفلاني حريقًا، فصدقوه؛ لأنه ثقة عندهم، ثم أتى آخر فأخبرهم أنه ليس هناك حريق إنما هو بعض الدخان، فقد يتزحزح التصديق عند بعضهم، لكنهم يصدقون الثقة الذي أخبرهم بالحريق، وخبر الواحد قد يتزحزح العلم الذي ينشأ عنه، فإذا أخبرهم مِن الثقات اثنان أو ثلاثة أو عشرة لم يتزحزح اليقين؛ وذلك لأن الخبر قد استفاض إليهم بذلك، وإذا أخبرهم مائة مثلًا، ثم رأوه بأعينهم؛ فلا شك أن هذه المعاينة أكمل حتى من المتواتر.
ولهذا قال الله -عز وجل- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى) (النجم:53)، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- رأى بعينيه -في المعراج- الجنة والنار، ورأى جبريل -عليه السلام-، ورأى سدرة المنتهى في آياتٍ أراه الله -عز وجل- إيَّاها، قال -تعالى-: (‌مَا ‌زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى . لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (النجم: 17-18)؛ رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها، ورأى نور الحجاب، حيث قال لأبي ذر -رضي الله عنه- حين سأله: "هلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فقالَ: (رَأَيْتُ نُورًا)، وفي الرواية الأخرى: (نُورٌ أنّى أَراه) (رواهما مسلم)، أي: نور الحجاب حجبني؛ فكيف أراه؟!
رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- كل ذلك بعينيه، وهذه أكمل درجات الإيمان والتصديق.
وقد أعطاه الله -عز وجل- أكثر من مسألة، وإبراهيم -عليه السلام- قد سأل مسألة واحدة فأعطاه الله إياها، وهي كيف يحيي الموتى، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أعطاه الله آيات كبرى، وذلك من غير سؤال، فكان في ذلك أكمل منزلة -صلى الله عليه وسلم-؛ ولذا قال إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّما كنتُ خَليلًا مِن وَراءَ وَراءَ) (رواه مسلم)؛ لأن الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- أكمل خُلَّةً، وأعظم منزلة، وأعطاه الله ما لم يعطِ أحدًا من العالمين.
وكذلك في مسألة الإيمان بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يره، ووجد مَن ينازعه ويؤذيه في اتِّباع النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن كثرة الفتن في آخر الزمان له أجر خمسين من الصحابة، ولكن ذلك ليس في كلِّ الأعمال؛ لأن الذين شهدوا النبي -صلى الله عليه وسلم- أكمل إيمانًا في هذه الجزئية من غيرهم، وإن كان إيمان غيرهم بالغيب إيمانًا عظيمًا، لكن فطرة الله التي فطر الناس عليها أن المعاينة أكمل من علم اليقين؛ ولذلك ألذ نعيم عند أهل الجنة أن يروا ربهم -سبحانه وتعالى- بأبصارهم، رزقنا الله -سبحانه وتعالى- لذة النظر إلى وجهه.
ولنا حديث آخر -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #45  
قديم 08-04-2024, 06:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (45) قصة إحياء الطيور الأربعة (7)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -عز وجل-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ‌أَرِنِي ‌كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260).
الفائدة الثالثة:
من وجوه زيادة الإيمان في القلب: زيادة قول القلب بالكمية -وقد ذكرنا فيما مضى زيادته بالكيفية-، وأما زيادته بالكمية: فهي زيادته بما يعلمه الإنسان مِن حقائق الإيمان وأصوله الستة، وما يتفرع منها، فقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سأله جبريل عن الإيمان، قال: (أَنْ تُؤْمِنَ باللهِ، وملائكتِهِ، وكتبِهِ، ورسلِهِ، واليومِ الآخِرِ، وتؤمنَ بالقَدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ) (متفق عليه)، فكل أصل من هذه الأصول يتفاوت الناس فيه ويتفاضلون، كما يتفاوت الشخص في نفسه بين وقتٍ وآخر حسب علمه بتفاصيل الإيمان بأسماء الله -عز وجل- وصفاته، وكذلك تعبُّده بكلِّ اسم منها، ومعرفة معاني الربوبية والألوهية تفصيلًا، وأنواع العبادات، فكل ذلك مما يتفاوت فيه الناس، والشخص في نفسه بين العلم وعدم العلم، وهذا كله مِن وجوه الزيادة والنقصان.
ولذا فالناس بعضهم أكمل إيمانًا من بعض، وبعضهم أقل من بعض، وهذا بين أهل الإيمان؛ لأنه لا يُتصور الزيادة والنقصان في معدوم الإيمان؛ إلا أن بعضهم أكفر مِن بعض، وبعضهم يكون في الدرك الأسفل من النار؛ لتكذيبه أو شكه في كلِّ مسائل الدين والإيمان، كمَن يشك في وجود الله أو يجحد وجود الله -وهم الملاحدة في زماننا-، فهم أيضًا يتفاوتون نقصانًا ولا زيادة فيهم؛ لأنهم دون حدِّ التصديق الأدنى، وهو: زوال الشك.
وكذلك فإن تكذيب الإنسان بكل ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- أشد ممَّن كذب بعضه وأقر ببعضه؛ ولذا افترق حكم أهل الكتاب في إباحة الزواج من نسائهم وأكل ذبائحهم دون غيرهم من أهل الشرك؛ وإن كان الجميع مشركًا وكافرًا بإجماع المسلمين.
فزيادة الكمية في تصديق القلب: أنه كلما عَلِم الإنسان شيئًا من الشرع لم يكن يعلمه، وبالتالي لا يصدق به فصدقه؛ ازداد بذلك إيمانًا: كإنسانٍ لم يكن يعلم بعض أسماء الله -عز وجل-، أو يعلمها لكنه لا يفهم معناها؛ فإذا علمها وآمن بها وصدَّق بعد أن كان جاهلًا وفهم معناها؛ ازداد بذلك إيمانًا، وهذه الزيادة من باب المعرفة والتصديق الباطن، فإنسان لم يكن يعلم أن من أسماء الله -تعالى- المقيت، فسمع قول الله -تعالى-: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا) (النساء:85)، فصدَّق وآمن أن مِن أسماء الله -عز وجل- المقيت، وهو لا يدري معنى المقيت، فهو أكمل إيمانًا ممَّن لم يعلم هذا الاسم، ولا هذه الآية، ثم بعد ذلك عَلِم معناها، وأن معنى المقيت: الشهيد والرقيب؛ فقد ازداد بذلك إيمانًا.
وكل المسلمين تقريبًا يعلمون أن الله -عز وجل- هو الصمد -نعني عامتهم-، وأكثرهم لا يعلم معنى الصمد، فإذا آمن الإنسان بأن الله هو الصمد؛ فهو أكمل ممَّن لم يعلم ذلك، ثم إذا علم معناه: أنَّ الصمد هو الذي يُصمَد إليه، ويُقصَد في الحوائج، وأنه هو السيد الكامل في سؤدده، العظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه؛ فهو الذي له كل صفات الكمال، وأيضًا إذا عَلِم أن مِن معنى الصمد أنه لا جوف له، وأنه لا يأكل ولا يشرب، وأنه أيضًا الباقي بعد خلقه، وأنه الذي لم يلد ولم يولد؛ فكل هذا يزداد به علمًا ويزداد به تصديقًا، وهو قبل ذلك لم يكن كافرًا، بل كان جاهلًا بدرجات الجهل المختلفة.
وأصل الإيمان في هذا الباب هو الإيمان بلا إله إلا الله ابتداءً، بما يثبت به أصل الإيمان والدين، قال الله -عز وجل-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) (محمد:19)، قال البخاري: "فبدأ بالعلم قبل العمل".
وقد يكون عنده أصل الإيمان بلا إله إلا الله، وليس عنده من العلم بتفاصيل الإلهية التي تتضمن في الحقيقة كل مظاهر وأنواع العبودية تفصيلًا، وبهذا تشمل الدِّين كله؛ ولهذا يثبت أصل الدين بتصديق القلب بها، ثم بنطق اللسان، وإن كان مَن صدَّق بها بقلبه وعاجَلَتْه المنية فمات قبل أن ينطق بها، أو منعه مانعٌ؛ كخرس وعجز عن الإشارة وقتها، وإن لم يُحكَم بإسلامه ظاهرًا؛ إلا أنه عند الله مؤمنٌ وناجٍ غير معذب بحسب علمه وتقصيره في طلب العلم، فإن لم يقصر فهو ناجٍ لأول وهلة، وإن قصر في طلب العلم أثم، وإن لم يزُل إيمانه بذلك.
وكذلك الإيمان بالملائكة، قد لا يعلم الإنسان أسماء الملائكة؛ بل قد لا يعلم وجودهم أصلًا، إلى أن يتعلم ما ورد في الكتاب والسنة من إثبات الإيمان بالملائكة، وقد يتعلم بعد ذلك أسماء الملائكة الذين وردت أسماؤهم في القرآن والسنة، وما أعمالهم كذلك، وقد لا نعلم عمل بعض الملائكة بالتفصيل، وقد نعلم أعمالهم ولا نعلم أسماءهم، فالذين هم حول العرش الكروبيون لا نعلم أسماءهم جميعًا، ونعلم أسماء بعض مَن يحمل العرش إن صحَّ حديث: "صَدَّقَ أُمَيَّةَ بنَ أبي الصَّلْتِ في شيءٍ مِنْ شِعْرِه" (رواه أحمد)، فمنهم: رجل، وثور، ونسر، وليث، وإن كان بعض أهل العلم يضعِّف الحديث.
ونعلم أن هناك ملكًا للموت، هو ملك الموت، ولم يثبت في اسمه صراحةً اسم: "عزرائيل"؛ الذي يعتقده كثيرٌ مِن الناس ويقولونه، وكذلك ثبت اسم منكر ونكير في ملكي القبر، وبالقطع وبالإجماع ثبت اسم جبريل وميكائيل في القرآن، واسم إسرافيل في سنة الرسول -عليه الصلاة والسلام- الصحيحة الثابتة.
وكذلك في باب الإيمان بالكتب والرسل: فمَن يعلم أسماء الخمسة والعشرين رسولًا الذين وردت أسماؤهم في القرآن، ويصدق بهم واحدًا واحدًا، ويعلم أن هناك رسلًا آخرين لم يقصصهم الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم- في القرآن، كما قال -عز وجل-: (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) (الأنعام:164)، ويعلم أن هناك رسلًا آخرين أخبر بهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-: كيوشع بن نون، وإن لم يُذكر في القرآن، والخضر -على قول مَن يثبت نبوته، والراجح في ذلك الوقف-، وقد توقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تُبَّع؛ فكل هذا كلما علم الإنسان ما فيه مِن تفصيلٍ ثبت في الكتاب والسنة فيؤمن به إجمالًا يزيد إيمانه بالأنبياء أكثر من شخص آخر لا يعلم إلا أن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يعلم الرسل الآخرين، أو يؤمن بهم إجمالًا كما ذكرنا، ولا يعرف أسماءهم، ولا حتى أسماء مَن وردت أسماؤهم في القرآن.
فهناك تفاوت بين الناس وبين الإنسان نفسه في أحواله المختلفة؛ فحاله حين لم يكن يعلم يختلف عن حاله حين يعلم، فأصل الإيمان في باب قول القلب وتصديقه هو التصديق بلا إله إلا الله، أما ما سوى ذلك فيصير شرطًا في أصل الإيمان إذا بلغ الإنسانَ علمُه، أو على الأصح في الاصطلاح يكون ركنًا في أصل الإيمان. وهذه مسألة مهمة، وهي أن أصل الإيمان في ذلك هو ما قاله الله -تعالى-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ).
فلو أن إنسانًا لا يعلم بلا إله إلا الله، فلا يكون مؤمنًا أصلًا ويكون كافرًا، وأما كونه معذبًا أم لا؛ فهذا حسب بلوغ الحجة الرسالية لأي رسول من الرسل، فأما إذا كان لم يأته خبر رسول لم يكن معذبًا، بل كان ممتحنًا يوم القيامة ولو مات كافرًا مشركًا.
أما إذا علم أنه لا إله إلا الله، ولم يعلم أن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يعلم أن جبريلَ ملك من ملائكة الله مُوكَّل بالوحي أتى محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، ولم يعلم أن موسى -صلى الله عليه وسلم- رسول من عند الله، ولم يعلم أن التوراة من الكتب التي أنزلها الله، ولم يعلم بأن القرآن أنزله الله ولم يبلغه ذلك بعد؛ فهذا ليس بكافر، بل هو مؤمن بإيمانه بلا إله إلا الله.
وللحديث تفصيل آخر مهم -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #46  
قديم 09-04-2024, 02:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (46) قصة إحياء الطيور الأربعة (8)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -عز وجل-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ‌أَرِنِي ‌كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260).
الفائدة الرابعة:
ذكرنا في الفائدة الثالثة: أن أصلَ الإيمان هو ما قال الله -عز وجل-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) (محمد:19)، فإذا لم يعلم الإنسان أن لا إله إلا الله فليس بمؤمن، بل هو كافر حتى ولو لم يكن معذبًا؛ لأنه معذور بعدم بلوغ دعوة رسول مِن الرسل، وأما إذا علم أن لا إله إلا الله فإن أصل الإيمان عنده إذا نطق مع ذلك الشهادتين، حتى ولو لم يعلم أن محمدًا رسول الله، ولم يعلم أن جبريل مَلَك من ملائكة الله، ولم يعلم أن القرآن أنزله الله؛ فهذا ليس بكافر، بل هو مؤمن بإيمانه بلا إله إلا الله.
فأما إذا بلغه بعد ذلك أن محمدًا رسول الله فأبى، أو بلغه أن موسى رسول الله فأبى، أو بلغه أن جبريل مَلَك من الملائكة فكذب بذلك، وأن جبريل ينزل بالوحي فكذب بذلك، أو بلغه القرآن أو آية منه فكذب به = فهو كافر، ونقض بذلك لا إله الله، لكن كل ذلك لم يصبح شرطًا أو -بالأصح- ركنًا من أركان الإيمان إلا عندما بلغه هذا الأمر، فليس شرطًا ابتداءً، بل لا يكون شرطًا إلا بعد بلوغه الإنسان، بخلاف شهادة أن لا إله إلا الله التي بُعِث بها كلُّ الرُّسُل ودعوا إليها، فإذا لم تبلغ الإنسان لم يكن مؤمنًا، وإذا لم توجد في قلبه: "لا إله إلا الله"؛ لم يكن مؤمنًا، حتى إن كان غير معذَّبٍ.
ومَن بلغته وآمن بها، وإن لم يبلغه شيء آخر مِن الدِّين، ولا آمن بشيء آخر؛ لأنه لا يعرف غير لا إله إلا الله = فهو مؤمن ناجٍ عند الله، غير مكلَّف بما لم يبلغه، كما في حديث صِلَة عن حذيفة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يَدْرُسُ الإسلامُ كما يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوبِ حتّى لا يُدْرَى ما صيامٌ، ولا صلاةٌ، ولا نسُكٌ، ولا صدَقةٌ، وَلَيُسْرَى على كتابِ اللَّهِ -عزَّ وجلَّ- في ليلَةٍ، فلا يَبْقى في الأرضِ منهُ آيةٌ، وتبقى طوائفُ منَ النّاسِ الشَّيخُ الكبيرُ والعجوزُ، يقولونَ: أدرَكْنا آباءَنا على هذِهِ الكلمةِ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فنحنُ نقولُها)، فقالَ لَهُ صِلةُ: ما تُغني عنهم: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وَهُم لا يَدرونَ ما صلاةٌ، ولا صِيَامٌ، ولا نُسُكٌ، ولا صدقةٌ؟ فأعرضَ عنهُ حُذَيْفةُ، ثمَّ ردَّها علَيهِ ثلاثًا، كلَّ ذلِكَ يعرضُ عنهُ حُذَيْفةُ، ثمَّ أقبلَ علَيهِ في الثّالثةِ، فقالَ: "يا صِلةُ، تُنجيهِم منَ النّار ثلاثًا" (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).
وهذا الحديث أصل في هذا الباب العظيم المهم، وهو أن أصل الإيمان المنجي من النار -إذا ثبت للإنسان- هو: "لا إله إلا الله"؛ خلافًا لأهل البدع الذين يشترطون تفاصيل معينة في هذا الأمر، مثل: اشتراط ما سمَّوه: حدَّ الإسلام، وأركان الإيمان، وأجزاء الركن مِن الحكم والولاية والنسك، كما يقوله أتباع "عبد المجيد الشاذلي"، المشهورون بالتوقف والتَّبَيُّن، كما ذكره في كتابه: "حَدُّ الإسلام وحقيقة الإيمان": مِن أن مَن لم يعلم شيئًا من الحكم والولاية والنسك فهو كافر، جاهلًا كان أو غير جاهل، وإذا شكَّ في مدلولٍ من كلمةٍ عنده على أركان الحد -وهي: الحكم والولاية والنسك- فإنه يُتوقف فيه لموضع اللوث، وهذا كله مِن البدع المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وللذلك نقول: هذا أصل مهم؛ لأن البعض يشترط في أصل الإيمان تفاصيل معينة في كلمة التوحيد، وفي الانقياد، ونحو ذلك.
فالبعض مِن أهل البدع يقولون: الإنسان لا يكون مؤمنًا إلا إذا عَلِم تفاصيل هذه الكلمة، ولا تكفي المعرفة الإجمالية بها، بل لا بد أن يعرف أنواع الشرك ويتبرأ منها ويتركها! ولازم كلامهم أن يدرس التوحيد من أوله إلى آخره لنحكم له بأصل الإسلام وحقيقة الإيمان، وحقيقة كلامهم لزوم معرفة أنواع الشرك المختلفة؛ شرك النسك، وشرك الحكم، وشرك الولاية على حدِّ قولهم!
ويا ليتهم اكتفوا بذلك، بل جعلوا تفاصيل النُّسُك -لأن النسك مقصود به العبادة-، مثل: الاستعانة، والاستغاثة، والاستعاذة، والحَلِف، والنذر، والدعاء، والركوع والسجود، والخوف والرجاء، والإخلاص، والتوكل والإنابة؛ فكلُّ هذه داخلة في النُّسُك، وغيرها مِن أعمال الظاهر والباطن؛ فمَن جهل شيئًا مِن ذلك؛ فهو كافر عندهم!
ولم يكتفوا أيضًا بأن الولاء لله، بل لا بد أن يعرف التفصيل: فالمحبة، والنصرة، والطاعة، والمتابعة، والتشبه، والقيام بالأمر، والنصح، وغير ذلك مِن أمور الموالاة كلها شروط، أو أركان لا يصح الإيمان إلا بمعرفتها، وكذا تفاصيل أمر الحكم وأنواع الشرك فيه، لا يكون الإنسان مؤمنًا ولا مسلمًا، ظاهرًا ولا باطنًا، حتى توجد في قلبه، وينطق بها لسانه، إن توقفوا في معرفة ذلك مِن قلبه؛ توقفوا عن حكم الإسلام له.
ونرد عليهم قائلين: ولماذا اشترطتم هذه الأنواع الثلاثة فقط؟! بل يلزم على كلامكم اشتراط المعرفة بالشرك في الربوبية، والشرك في الأسماء والصفات؛ فلماذا لَمْ تشترطوا ذلك في أصول الإيمان؟! والمراد بها: أصل ما لا يثبت الإيمان ابتداءً إلا به، وأن مَن لم يعرفها فهو كافر جاهل، وهذا لا شك مِن أخطر الأمور، فإن كلَّ اسمٍ مِن أسماء الله الحسنى تتعلَّق به عبادة من العبادات، فلو جهله إنسان لَزِم -على قولهم- أنه كافر جاهل، وإذا وقع في شرك لا يدري أنه شرك، كان غير معذور عندهم؛ لأنه لا عذر بالجهل، ولا عذر بالتأويل! نعوذ بالله من هذه البدع المضلة.
والحق في ذلك: أن الأصل في الإيمان -كما قلنا- أن يعلم أنه لا إله إلا الله كما قال الله -عز وجل-، ثم يزداد ذلك -أي: أصل الإيمان- فيما بعد بما يبلغه عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- من العقائد الواجبة، ومن تفاصيل الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل، واليوم الآخر، والقدر؛ بحيث يصبح ما بلغه مِن ذلك شرطًا في أصل الإيمان أو -على الأصح- ركنًا مِن أركانه، لو أنه كذَّب به لكفر، وهذا هو الوجه من وجوه زيادة الإيمان بالكمية. والله أعلى وأعلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #47  
قديم 09-04-2024, 02:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (47) قصة إحياء الطيور الأربعة (9)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -عز وجل-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ‌أَرِنِي ‌كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260).
الفائدة الخامسة:
دلّتْ الآيةُ الكريمة على أن الإيمان أصلٌ وله كمالٌ، وقد ذكرنا في الفوائد الأربعة السابقة تفاوت أقوال القلب وأعماله بالكمّية والكيفية، وأما زيادة الإيمان وكماله بالنظر إلى زيادة أعمال اللسان والجوارح، فأصل أعمال اللسان هو النطق بالشهادتين، وهو ركن من أركان الإيمان، وهو المقصود بقول مَن يقول: الإيمان قول وعمل، فيجعلون القول -الذي هو نطق الشهادتين- ركنًا مستقلًا؛ لأن حكم الشهادتين مستقل عن حكم أعمال اللسان الأخرى، وهي في الحقيقة أقوال، لكن سُمّيت أعمالًا؛ لأن نطق الشهادتين به يثبت أصل الإسلام ظاهرًا وباطنًا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يخرجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَلَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ)، وقال: (مَن ماتَ وهو يَعْلَمُ أنَّ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، دَخَلَ الجَنَّةَ) (رواه مسلم)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ويُقِيمُوا الصَّلَاةَ، ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ، وحِسَابُهُمْ علَى اللَّهِ) (متفق عليه).
ويُلحظ في هذا الحديث: أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هي في استمرار العصمة لا في أصلها، فإن الإجماع المعلوم من الدِّين بالضرورة -كما نقله ابن رجب الحنبلي- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبلُ الإسلامَ ممَّن نطق الشهادتين، ويجعله بذلك مسلمًا، ثم بعد ذلك يُؤمر بالصلاة والزكاة.
فأصل العصمة يَثبتُ بالنطق بالشهادتين، واستمرارها بالمحافظة على الصلاة والزكاة؛ فإنَّ مَن امتنع عن ذلك حلَّتْ عقوبتُه، فالصلاة والزكاة مِن حق لا إله إلا الله، أما باقي أعمال اللسان أو أقوال اللسان فهي التي تقع في الصلاة، وفي الحج، وفي التسبيح، والتكبير والتهليل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وسائر أقوال اللسان التي يحبها الله، وكذا أعمال الجوارح؛ فهذه كُلها يزيد الإيمانُ وينقصُ بها؛ ولذلك زيادة الإيمان ونقصانه بِناءً على تفاوتِ أعمالِ الجوارح مع أقوالِ اللسان، مَردُّ ذلك إلى أن أعمال الجوارح من الإيمان، وقد دلَّ على ذلك قولُ الله -تعالى-: (وما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)، أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، فبوّبَ عليه البخاريُّ باب: "صيام رمضان من الإيمان"، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، وبوّبَ عليه البخاريُّ باب: "قيام رمضان من الإيمان".
وكذا أداء الزكاة وأداء خُمس الغنيمة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لوفد عبد القيس: (آمُرُكُم بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ‏، أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وأَن تُقيمُوا الصَّلاةَ وتُؤتُوا الزَّكَاةَ، وأَن تُؤدّوا خُمُسَ ما غَنِمْتُمْ) (متفق عليه).
وهذه الأحاديث صريحة في أن أعمال الجوارح داخل مسمَّى الإيمان، وهذه المسألة موضع نزاع كبير بين أهل السنة والمُرجِئة؛ فالمُرجئة -وهم الذين غَلوا في جانب الرجاء- سُمُّوا مرجئة من التأخير؛ لأنهم أخَّروا العمل، فهم يقولون: "الإيمان هو التصديق فقط بالقول واللسان".
والغلاة منهم -وهم الجهمية-: يغالون في الإرجاء، يقولون: "الإيمان هو المعرفة، ولو لم ينطق الشهادتين"، وهذا هو الضلال المبين؛ لأن إبليس يَلزم أن يكون مؤمنًا عندهم؛ لأن عنده معرفةً بالله، وضلَّ بعد كفره وإبائه واستكباره، يقول: (خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)، ويقول: (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)، فهو يؤمن بالربوبية؛ يُؤمن أن الله خلقه، ويؤمن أن الله -سبحانه وتعالى- هو الذي يُنظِر من يشاء، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ومع ذلك كله لم يكن مؤمنًا؛ لأن الإيمان ليس هو المعرفة فقط، بل لا بد معه من انقياد القلب وعمله ومحبته، وتعظيم لله -عز وجل-، وسائر أعمال القلوب، ولا بد كذلك من نطق اللسان.
ويلزمهم -يلزم المرجئة-: أن يكون فرعون مؤمنًا كذلك؛ لقول الله -عز وجل-: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)، ومَن قال بإيمان إبليس وفرعون خرج مِن مِلَّة الإسلام -والعياذ بالله-.
وقد دخل الإرجاء على كثيرٍ مِن الناس في عصرنا، كمَن يقول: "إن اليهود والنصارى مؤمنون؛ لأنهم يعلمون أن لا إله إلا الله، ويعلمون أن الله خلقهم"، وهذا القول في تجويز تكذيب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكذا عدم النطق بالشهادتين مُنَاقِض لأصل الإسلام -والعياذ بالله-.
ومن أهم مسائل الخلاف بين أهل السنة والمُرجِئة: أنهم لا يُدخِلون عملَ القلب في الإيمان عند أكثرهم، وإن كان منهم مَن يُدخِل أعمالَ القلب في الإيمان مِن المتقدمين، وأما عمل الجوارح فهم متفقون -حتى مرجئة الفقهاء- على أنه عندهم ليس من الإيمان، وعندهم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأشدّ خلاف بين أهل السنة وبين مَن أخرج أعمال القلوب مِن الإيمان هو في عمل القلب، وذلك بأنهم يُجوّزون ترك حب الله -عز وجل- والخوف منه، والإخلاص له، وأعمال القلوب بلا نزاع -وبالنص كما سبق- ركن في الإيمان لا يحصلُ الإيمانُ إلا بها، فلو أن إنسانًا ليس عنده أصل حب الله، فضلُا على أن يكون مُبغضًا لله، أو ليس عنده حب للرسول -صلى الله عليه وسلم-، فضلًا على أن يكون مُبغضًا للرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فهذا لا يكون مؤمنًا أصلًا، بل هو كافر، حتى ولو نطق الشهادتين فإنه يكون منافقًا النفاق الأكبر.
ولو أن إنسانًا عنده حب الله وحب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لكنَّ هذا الحب ضعيف، فإذا ما جاءته شهوة قدَّم حب تلك الشهوة على حب الله ورسوله؛ فهذا عنده أصل الإيمان، وإيمانه ناقص يستحق به العقوبة في الدنيا والآخرة، وأما كامل الإيمان الواجب: فهو الذي يُقدِّم حبَّ الله وحبَّ رسوله -صلى الله عليه وسلم- على ما تحبه نفسه من الشهوات المحرمة؛ فالله ورسوله أحب إليه مما سواهما، فهذا هو المؤمن الإيمان الكامل الواجب الذي كَمَّلَ القدر الواجب مِن إيمانه؛ فالذي عنده أصل الإيمان مستحق للعذاب، ولكنه لا يُخَلَّد في النار، ومَن عنده الإيمان الواجب مستحق للنجاة من أول وهلة، ودخول الجنة من أول وهلة، وأما لو زال أي عمل من أعمال القلوب بالكُلية لزال الإيمان بالكلية، وإن كنا لا نستطيع أن نعرف ذلك في الدنيا إلا بأن يصرِّح صاحبه بالقول، كمَن قال بلسانه: إنه لا يحب الله، أو لا يحب رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو لا يحب القرآن، أو أن يعمل عملًا يدل دلالة ظاهرة على زوال عمل القلب: كمَن يرمي المصحف في القاذورات فهذا كفر ناقل عن الملة، ونحن لم نعرف كفر هؤلاء مِن قلوبهم، إنما علمناه مِن لسانه أو عمله للكفر بجوارحه.
فأما إذا كان لا يحب القرآن باطنًا ولم يصرِّح بذلك، فهو ليس مؤمنًا عند الله -عز وجل-، بل هو كافر في الباطن، وإن عاملناه مسلمًا لو نطق الشهادتين، وكمَن يقول: إنه لا يخاف الله، أو قال: إنه لا يخاف النار، أو قال إنه لا يخاف القيامة، ولو أنه منذ أسلم وهو ولا يخاف الله ولو ذرة، فهو لم يكن مؤمنًا ابتداءً، كان منافقًا، والذي يقول: إنه لا يخاف الله كفر بهذه الكلمة؛ لأن الله -عز وجل- يقول: (وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، فمَن لم يخف الله ليس مؤمنًا، وقال الله -تعالى-: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)، فأصل التوكل ركن في أصل الإيمان، وكذا أصل الرجاء، فاليأس مِن رحمة الله ناقل عن ملة الإسلام، كما قال الطحاوي -رحمه الله-.
موضع الخلاف مع هؤلاء المرجئة في قضية عمل القلب؛ إذ إن أصلَ عمل القلب ركن في أصل الإيمان، وهم يقولون: لا يلزم إلا التصديق والمعرفة، عامتهم يشترطون نطق الشهادتين، والجهمية منهم لا يشترطون ذلك، وكلها ضلالات، وأما أعمال الجوارح؛ فهذه مسألة عظيمة أيضًا يختلف فيها أهل السنة مع المُرجئة، فأهل السنة: يقولون إن عمل القلب واللسان والجوارح جزءٌ من الإيمان -كما سبقَ بيانُه-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبعُونَ أَوْ بِضعٌ وسِتُونَ شُعْبَةً: فَأفْضَلُهَا قَولُ: لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ، والحَياءُ شُعبَةٌ مِنَ الإيمان) (متفق عليه، وهذا لفظ مسلم).
وإن كان العلماءُ مِن أهل السنة يختلفون: هل من أعمال الجوارح ما يكون تركه كفرًا ناقلًا عن الملة أم لا؟ وهذا النزاع بينهم لا يزيد على الأركان الأربعة؛ فلا نزاع بين أهل السنة فيما زاد على الأركان من الأعمال الواجبة أنَّ تركه لا يكون كفرًا، بل معصية، وكذا فعل الكبائر معصية وليست كفرًا؛ خلافًا للخوارج القائلين: إن الكبائر يكفر الإنسان، والمعتزلة الذين يقولون: إن الكبائر تُضيِّع أصل الإيمان وتخلّد صاحبها في النار، وهو في منزلة بين المنزلتين.
وأما الأركان الأربعة: فهي مسألة خلافية بين أهل السنة، وجماهيرهم على أن الأركان الأربعة إذا تركها تكاسلًا لم يَخْرُج من الملة؛ لأحاديث الشفاعة المستفيضة المتواترة في خروج عُصَاة الموحِّدين الذين يشهدون: "أن لا إله إلا الله" مِن النار.
وللحديث بقية -إن شاء الله تعالى-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #48  
قديم 09-04-2024, 02:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (48) قصة إحياء الطيور الأربعة (10)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -عز وجل-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ‌أَرِنِي ‌كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260).
الفائدة السادسة:
قاعدة "الإيمان له أصل وكمال" هي من خصائص أهل السنة والجماعة، لم يشاركهم فيها غيرهم من أهل البدع في الإيمان، المرجئة من جانب، والوعيدية من الخوارج والمعتزلة من الجانب الآخر، وذلك بناءً على اعتقاد أهل السنة من أن الإيمان يزيد وينقص، ويتبعض ويتشعب، كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو ما خالفهم فيه أهل البدع بسائر طوائفهم، فقد نفوا اجتماعَ الكفر والإيمان، والطاعة والمعصية في الشخص الواحد.
والمقصود باجتماع الكفر والإيمان في قلب العبد: اجتماع أصل الإيمان مع الكفر الأصغر، أو النفاق الأصغر، أو الفسق الأصغر، والظلم الأصغر، أو أن يوجد في القلب شيء من الإيمان يُحبِطه الكفر الأكبر، ولا يزال موجودًا في القلب؛ كإبليس ظلّ يعرف ربَّه بعد أن أبى واستكبر، وكان من الكافرين، قال: (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى ‌يَوْمِ ‌يُبْعَثُونَ) (الحجر:36)، فقد أيقن أن الله ربه وأنه هو الذي يحيي ويميت ويُنظِر، وأنه يُقر بيوم يبعثون، وأن هناك بعثًا بعد الموت، ويقر بالقيامة، ومع ذلك كله فهو كافر؛ وذلك لأن الشرك محبط للعمل، كما قال -عز وجل-: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ) (سورة الزمر: 65 - 66).
الشرك الأكبر، والنفاق الأكبر، والظلم الأكبر، والفسق الأكبر المخرج من الملة، قد يوجد في القلب معه شيءٌ من التصديق والمعرفة، بل وربما شيءٌ من أعمال القلوب، لكن زال من القلب بعضُها الآخر، وزال نُطق اللسانِ بالشهادتين، وحصل في القلب الإباء والاستكبار، فخَوُفُ إبليس من ربه -عز وجل- حين قال -سبحانه وتعالى-: (وَإِذْ ‌زَيَّنَ ‌لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال: 48)، ذلك مع استمرار الإباء والاستكبار في قلبه؛ أحبط أثر ذلك الخوف، كما أحبطَ أثر التصديق بوجود الله وربوبيته، وخلقه لعباده، وبَعثه لهم، والإقرار باليوم الآخر.
كما أن أهل الكتاب يقرون بالله -عز وجل- خالقًا رازقًا، بل يُقرون به معبودًا، وكذلك أقروا برسل الله في الجملة، وآمنوا برسلهم، وبالكتب المنزلة عليهم، لكنهم لمّا ادَّعوا لله -عز وجل- الولدَ؛ حبطتْ أعمالُهم بذلك، وحبطَ إيمانُهم، وكذلك لما كذّبوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكذّبوا كلام الله -عز وجل- المُنزّل عليه القرآن العظيم، فقد كذبوا الله؛ فقد كفروا بالله وأشركوا بالله، فحبط تصديقُهم؛ ولذا سماهم الله لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، في قوله -عز وجل-: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ‌وَلَا ‌يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة:29)، فهذا في اجتماع شيء من التصديق -بل وبعض أعمال القلوب- مع وجود الكفر الأكبر في قلب الإنسان، فيحبطه، ولا يظهر أثره المعتبر شرعًا، بل الكفر هو الذي يبقى أثرُه حتى يُخلّد صاحبه في النار.
وأما المسألة الأولى في اجتماع الكفر والإيمان في القلب -أَعني اجتماع أصل الإيمان مع الكفر الأصغر والظلم الأصغر- فقد دلَّت عليها دلائل كثيرة، مثل: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّما عَبْدٍ أَبَقَ مِن مَوَالِيهِ فقَدْ كَفَرَ) (رواه مسلم)، وقال: (ليسَ مِن رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أبِيهِ وهو يَعْلَمُهُ إلَّا كَفَرَ) (رواه مسلم)، وقال للنساء: (يَكْفُرْنَ) قيلَ: أيَكْفُرْنَ باللَّهِ؟ قالَ: (يَكْفُرْنَ العَشِيرَ) (رواه البخاري)، وغير ذلك من الأدلة الدَّالَّة على اجتماع أصل الإيمان والكفر الأصغر، وهذا كله فرع على قاعدة الإيمان له أصل وكمال، وقد دلَّت عليه آية إحياء الطيور الأربعة في سورة البقرة، التي نحن في صدد فوائدها.
والمقصود بأصل الإيمان: هو الحد الذي مَن نقص عنه إيمانُه صار كافرًا، ومَن لم يبلغه لم يدخل في الإسلام، قال محمد بن نصر المروزي: "إِنَّ الْإِيمَانَ أَصْلٌ مَنْ نَقَصَ مِنْهُ مِثَقالَ ذَرَّةٍ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْإِيمَانِ، وَمَنْ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْإِيمَانِ، وَلَكِنَّهُ يَزْدَادُ بَعْدَهُ إِيمَانًا إِلَى إِيمَانِهِ، فَإِنْ نَقَصَتِ الزِّيَادَةُ الَّتِي بَعْدَ الْأَصْلِ لَمْ يَنْقُصِ الْأَصْلُ" (تعظيم قدر الصلاة، 2/700)، وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وَهُوَ مُرَكَّبٌ -أي الإيمان- مِنْ أَصْلٍ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ وَمِنْ وَاجِبٍ يَنْقُصُ بِفَوَاتِهِ" (كتاب الإيمان الأوسط، 1/99)، وقال: "ومَن ترك فروع الإيمان لا يكون كافرًا حتى يترك أصل الإيمان"، وقال أيضًا: "وهو -أي: الإيمان- في الكتاب بمعنيين: أصل وفرع".
ومما اتفق أهلُ العلم على أمور هي أصل في الإيمان، فمَن تركها فقد كفر، هي أصول أربعة متفق عليها، وقد اختلفوا فيما سواها؛ فالأصول المتفق عليها:
أولًا: قول القلب وهو ما لم يحدث فيه نزاع بين أهل القبلة، فضلًا عن أهل السُّنة؛ إلا ما كان من خلاف للكرّامية وغلاة الجهمية عند مَن فرَّق منهم بين الإقرار والتصديق.
والمقصود بقول القلب: التصديق بشهادة أن لا إله إلا الله، ومَن بَلَغه خبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالخبر أي رسول، لزمه التصديق به، وكذا الإيمان بالملائكة والكتب والرسل، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وأما مَن لم تبلغه دعوة رسول قط بلا إله إلا الله فهو كافر، وإن كان معذورًا، لا يُعذّب حتى تبلغه الحجة الرسالية، أو يمتحن يوم القيامة.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "قال أهل السنة: إن مَن ترك فروع الإيمان لا يكون كافرًا حتى يترك أصل الإيمان وهو الاعتقاد".
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي -في فتح الباري شرح صحيح البخاري-: "الإيمان قسمان: أحدهما إيمانٌ بالله، وهو: الإقرار والتصديق، والثاني: إيمان بالله وهو الطاعة والانقياد، فنقيض الأول كفر، ونقيض الثاني فسق، وقد يُسمى كفرًا، ولكن لا ينقل عن الملة"، وقال: "والإيمان القلبي وهو التصديق لا تقتسمه الغرماء من مظالمهم، بل يبقى على صاحبه؛ لأن الغرماء لو اقتسموا ذلك لخُلد بعض أهل التوحيد في النار".
الأصل الثاني المتفق عليه: قول اللسان، وهو نطق الشهادتين، وهذا محل اتفاق بين أهل القبلة، إلا الجهمية ومَن وافقهم، حيث جعلوا الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، ومنهم متأخرو الأشاعرة، قال الحافظ ابن رجب: "ومعلوم أن الجنة يستحق دخولها بالتصديق بالقلب مع شهادة اللسان".
الثالث من الأمور المتفق عليها: عمل القلب، والمقصود هو أصل عمل القلب، ونعني به: أن كل عمل واجب من أعمال القلوب فأصله أصل في الإيمان، وفي هذا الأصل يبدأ التمايز بين المرجئة وأهل السنة، حيث إن المرجئة يجعلون الإيمان هو الاعتقاد والقول فقط دون أعمال الجوارح، وبعضهم أدخل بعض أنواع عمل القلب في الإيمان مثل: الصالحية، والشمارية، والتومانية، ولكن أكثرهم لا يجعلون عمل القلب داخلًا في الإيمان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فأصل الإيمان في القلب وهو قول القلب وعمله، وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد).
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "والدين القائم بالقلب من الإيمان علمًا وحالًا هو الأصل"، وقد فسر معنى الحال في موضع آخر، فقال: "يدخل في ذلك ما يُسمَّى مقالًا وحالًا، مثل: الصبر والشكر، والخوف والرجاء، والتوكل والرضا، والخشية والإنابة"، وقال: "مَن ترك الأعمال شاكرًا بقلبه ولسانه؛ فقد أتى ببعض الشكر وأصله، والكفر إنما يثبت إذا عُدمَ الشكر".
وقال أيضًا: "ولا بد أن يكون مع التصديق شيء من حب الله وخشيته؛ وإلا فالتصديق الذي لا يكون معه شيء من ذلك ليس إيمانًا البتة" (انتهى من مجموع الفتاوى).
الأصل الرابع الذي هو من الأصول المتفق عليها: تركُ النواقض: القولية والعملية والاعتقادية، واعلم أن ترك كل ما نهى الشرعُ عنه من الإيمان، وترك ما هو كفر أكبر من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة داخل في أصل الإيمان بلا خلاف عند أهل السنة.
قال ابن منده -رحمه الله-: "قال أهل الجماعة: الإيمان أصله المعرفة بالله، والتصديق له وبه، وبما جاء من عنده بالقلب واللسان، مع ترك التكبر والاستنكاف والمعاندة، ومع الخوف والحب والخضوع له والتعظيم، فمَن أتى هذا الأصل فقد دخل في الإيمان، ولَزمه اسمه أحكامه، ولا يكون مستكملًا له حتى يأتي بفرعه".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وسادسها: أنه يلزمهم -أي: المرجئة- أن مَن سجد للصليب والأوثان طوعًا، وألقى المصحف في الحش عمدًا، وقَتَل النفس بغير حق، وقتل كلَّ مَن رآه يصلي، وسفك دم مَن يراه يحج البيت، وفعل ما فعلته القرامطة بالمسلمين؛ يلزمهم أنه مؤمن" إلى أن قال: "فمَن لم يتركها دلَّ ذلك على فساد إيمانه الباطن".
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #49  
قديم 12-04-2024, 04:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (49) قصة إحياء الطيور الأربعة (11)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -عز وجل-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ‌أَرِنِي ‌كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260).
الفائدة السابعة:
ذكرنا في قاعدة: "الإيمانِ له أصلٌ وكمالٌ" الأصولَ الأربعةَ المتفق عليها في كونها أركانًا في أصل الإيمان، أما الأصول المختلف فيها، فهي: المباني الأربعة المذكورة في حديث جبريل -عليه السلام-؛ أي: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وبعض أهل العلم ألحقها كلها بالأصول، وأكثرهم لم يُلحق منها شيئًا، وبعضهم ألحق بعضها؛ بمعنى أنه يكفِّر مَن ترك شيئًا منها.
وهذه الأقوال كالتالي:
فمِن أهل العلم مَن يكفِّر تارك الصلاة تكاسلًا، وهذه أشهر المسائل التي فيها الخلاف، وهم يكفرونه بترك ثلاث صلوات -على قول-، أو صلاتين مجموعتين -على قول-، أو صلاة واحدة -على قول ثالث-.
وهؤلاء -الذين يكفرون بترك الصلاة- عامتهم إنما يكفرون تارك الصلاة تكاسلًا، إذا دعاه الإمام إلى الصلاة، وعرضه على السيف فأبى، فعند ذلك يكفِّرونه، ويوجبون قتله ردةً، وقالوا: إنه لا يُتصور أن يكون مُصدقًا بوجوب الصلاة ومُوقنًا بأن الله يعذبه على تركها، وفي قلبه تعظيم أمر الله والانقياد لأمره، ثم يفضِّل القتل على أن يصلي، فإذا صبر على القتل فلا يمكن إلا أن يكون كافرًا زنديقًا.
وبعضهم يكفر بترك الصلاة والزكاة، وبعضهم يكفر بترك الصلاة أو الزكاة إذا قاتل على منعها، وبعضهم يكفر بترك أي مِن الأركان الأربعة، وهذه الأقوال كلها في مذهب أحمد -رحمه الله تعالى-.
وإن كان مَن يكفرون بترك الصلاة بعضهم يكفر بالترك المجرد، وهو أضعف الأقوال عند الحنابلة، وإنما قال به الآجري وطائفة وافقته، ولكن عامة مَن يكفرون إنما يكفرونه إذا عُرض على السيف.
وجماهير العلماء لا يكفرون بترك شيء من الأركان الأربعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "مباني الإسلام الأربعة المأمور بها إن كان ضرر تركها لا يتعدى صاحبها؛ فإنه يُقاتَل بتركها عند جماهير العلماء (يقصد: إذا كانوا طائفة امتنعت عن الصلاة، وامتنعت عن أن تسلم تارك الصلاة للإمام؛ لكي يعاقبه على تركها) ويكفر أيضًا عند كثير منهم أو أكثرهم أو أكثر السلف (إنما قال ذلك؛ لأن جماهير المتأخرين من أهل العلم لا يكفرون تارك الصلاة، ونسبة التكفير إلى جمهور السلف فيه نظر).
وأما فعل المنهي عنه -الذي لا يتعدى ضرره صاحبه- فإنه لا يُقتَل به عند أحد من الأئمة، ولا يكفر به؛ إلا إذا ناقض الإيمان بفوات الإيمان، وكونه مرتدًا أو زنديقًا (قلتُ: بعض المنهي عنه قد ورد الشرع فيه بقتل صاحبه؛ مثل: رجم الزاني المحصن).
وذلك أن من الأئمة مَن يقتله ويكفره بترك كل واحدة من الخمس؛ لأن الإسلام بُني عليها، وهو قول طائفة من السلف، ورواية عن أحمد، اختارها بعض أصحابه.
ومنهم من لم يقتله ولا يكفره إلا بترك الصلاة والزكاة، وهي رواية أخرى عن أحمد، ومنهم من يقتله بهما ويكفره بالصلاة والزكاة إذا قاتل الإمامَ عليها، كرواية الإمام أحمد، ومنهم من يقتله بهما ولا يكفره إلا بالصلاة، كرواية عن أحمد، ومنهم من يقتله بهما ولا يكفره، كرواية عن أحمد، ومنهم من لا يقتله إلا بالصلاة ولا يكفره، كالمشهور من مذهب الشافعي" (انتهى من مجموع الفتاوى، 20/ 97).
ويُلاحَظ هنا: أن هذه الأحكام هي الترك المجرد عن الجحود والاستكبار، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "مردود النزاع هو فيمن أقرَّ بوجوبها والتزم فعلها ولم يفعلها، وأما مَن لم يقر بوجوبها فهو كافر باتفاقهم" (انتهى من مجموع الفتاوى، 20/ 97).
بناءً على ذلك، فالخلاف فيمَن ترك المباني الأربعة -وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج- متكاسلًا لا جاحدًا ولا آبيًا ولا مستكبرًا؛ وذلك بأن يقر أنه مخطئ، وأن الصلاة فرض، وأنها تلزمه = فالخلاف فيه سائغ.
بخلاف الجاحد الذي يقول: صوم رمضان ليس فرضًا! والآبي الذي يقول: لا يلزمني أن أصوم! فالمتكاسل هو الذي يُفطر في رمضان مع إقراره بفرضيته، بحجة أنه متعب أو جائع، أو لا يخرج الزكاة بخلًا بها، بزعم قلة المال وكثرة الحقوق وخوف الفقر، أو رجل لا يحج مع الإقرار بوجوبه، بحجة ارتفاع حرارة الجو ومشقة السفر إلى الحج وكثرة الزحام الذي لا يحتمله في ظنه؛ فهذا تارك لهذه الأركان تكاسلًا لا جحودًا.
وهذا المتكاسل هو الذي وقع فيه الخلاف بين العلماء؛ منهم مَن يكفره كفرًا أكبر، ومنهم مَن لا يكفره كفرًا أكبر؛ بل أصغر، والقول الثاني هو قول جمهور العلماء.
وأما منزلة الخلاف في هذه المسألة، فهي مِن مسائل الخلاف السائغ؛ فليس هناك خلاف أنه لو أبق عبد من سيده أنه ليس بكافر؛ مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أيُّما عَبدٍ أبَقَ مِن مَواليهِ، فقد كفَرَ) (رواه مسلم)، فنعني أنه ليس كافرًا كفرًا أكبر بالإجماع، فهذا الكفر -باتفاق أهل السنة وإجماعهم- محمول على أنه كفر دون كفر.
والمرأة التي لا تطيع زوجها ليس هناك خلاف في أنها ليست كافرة كفرًا ناقلًا عن الملة، مع أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سمَّى عدم طاعة الزوج كفرًا، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للنساء: (يا مَعْشَرَ النِّساءِ، تَصَدَّقْنَ وأَكْثِرْنَ الاسْتِغْفارَ، فإنِّي رَأَيْتُكُنَّ أكْثَرَ أهْلِ النّارِ، فَقالتِ امْرَأَةٌ منهنَّ جَزْلَةٌ: وما لنا يا رَسولَ اللهِ أكْثَرُ أهْلِ النّارِ؟ قالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وتَكْفُرْنَ العَشِيرَ) (متفق عليه)، وليس هناك خلاف بأنه كفر دون كفر، وكذا مَن ترك برَّ والديه.
فمَن كفَّر العبد الآبق مِن مولاه؛ فهو ضال مبتدع، ومَن كفَّر المرأة التي تعصي زوجها فهو ضال مبتدع، ومَن كفَّر آكل الربا -مِن غير استحلال- فهو ضال مبتدع، ويكون أسوأ من آكل الربا نفسه، بخلاف الصلاة والزكاة والصيام والحج، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (العَهدُ الذي بَينَنا وبَينَهُم الصلاةُ، فمن تَرَكَها فَقَد كَفَرَ) (رواه الترمذي والنسائي وأحمد، وصححه الألباني).
وهناك تفسيران: الأول: كَفَر كفرًا أكبر، والثاني: كَفَر كفرًا أصغر، وكلاهما محتمل عند أهل السنة، لا يخرج الإنسان بترجيح أحدهما إلى الابتداع، فهذه مسألة اجتهادية كما مضى، فلا يُبدع فيها المخالف ولا يُفسق، سواء مَن كفَّره لا يقول عمَّن لم يكفره: مرجئ، ومَن لم يكفِّره لا يقول عمَّن كفَّره: إنه خوارج أو تكفير.
فأما مسألة تكفير مرتكب الكبيرة؛ فلا نزاع فيها عند أهل السنة، ومَن قال بها مِن الخوارج أو مَن قال بخلوده في النار مِن المعتزلة؛ فهو ضال مبتدع.
وأما الراجح في هذه المسألة فهو قولُ جماهير أهل السنة: أنه لا يُكفَّر؛ لما رواه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (فيَقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: شَفَعَتِ المَلائِكَةُ، وشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وشَفَعَ المُؤْمِنُونَ، ولَمْ يَبْقَ إلَّا أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فيُخْرِجُ مِنْها قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ... )، وفي آخر الحديث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (هَؤُلاءِ عُتَقاءُ اللهِ الَّذِينَ أدْخَلَهُمُ اللَّهُ الجَنَّةَ بغيرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، ولا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ) (رواه مسلم).
وهو مِن أصرح الأدلة على ذلك، ولا يصح حمله على مَن يكون في آخر الزمان ممَّن لم يبلغه فرض الصلاة وغيرها، فإن هؤلاء إذ لم يبلغهم وجوب هذه الأشياء لا يستحقون عذابًا؛ إذ مِن شروط التكليف: العلم أو التمكن منه، وهؤلاء عاجزون؛ لاندثار الشرائع كلها، والأحاديث الواردة هي في خروج عصاة الموحدين من النار.
وكذلك لا يصح تقييدها بالأحاديث الواردة في وجوب الأعمال وكفر تارك الصلاة؛ لأن مقتضى ذلك التقييد أن يكون مَن يحافظ على الصلوات الخمس في مواقتيها يُقَال عنه: لم يعمل خيرًا قط! وهذا باطل ظاهر البطلان.
ويؤيد ذلك: قول أبي بكر -رضي الله عنه-: "واللهِ لَأُقاتِلَنَّ مَن فَرَّق بين الصلاةِ والزكاةِ" (متفق عليه)، فهو دليل واضح على عدم الفرق بينهما عند الصحابة، مع ما قد ورد في مانعي الزكاة أنه يُعذَّب يوم القيامة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يُرَى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولو كان كافرًا كفرًا أكبر لما احتمل أن يكون سبيله إلى الجنة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِن صَاحِبِ كَنزٍ لا يُؤدِّي زَكاتَه، إلّا أُحْمي عليه في نارِ جَهَنَّمَ، فيُجْعَلُ صَفائِحَ، فيُكْوى بها جَنْبَاهُ وجَبينُه، حتى يَحكُمَ اللهُ بيْنَ عِبادِهِ في يَومٍ كان مِقْدارُهُ خَمْسينَ أَلْفَ سَنَةٍ، ثم يَرى سَبيلَه إمّا إلى الجَنَّةِ، وإمّا إلى النّارِ) (متفق عليه، وهذا لفظ مسلم).
وفي هذه الرواية الصريحة ردٌّ على القائلين: بأن مَن لم يكفِّر تارك المباني فهو مرجئ ومبتدع! ويحملون الحديث على بعض رواياته: "لا يُؤدِّي حقَّها"، ويحملون الحق على ما سوى الزكاة؛ فهذه الرواية نص صريح في الزكاة لا يجوز أن تهمل.
وكذا المفطر في رمضان، فقد أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقضاء والكفارة، مع أنه مفطر عمدًا؛ فدلَّ ذلك على أن الأركان الأربعة تركها تكاسلًا أو شهوة، لا يُخرج مِن الملة، ولكن نسمي مَن ترك الصلاة كافرًا، ونسمي ترك الصلاة كفرًا؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سمَّاه كذلك؛ لكن نقول: هو كفر دون كفر، والخطر الأعظم على تارك الصلاة أن يموت على غير التوحيد، ويُفتن عند الموت؛ لأن الشيطان يسهل عليه التسلط عليه عند موته، وأبواب الكفر مفتوحة عليه، وسوء الخاتمة أقرب إليه، نعوذ بالله من ذلك.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #50  
قديم 12-04-2024, 04:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (50) قصة إحياء الطيور الأربعة (12)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال الله -عز وجل-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ‌أَرِنِي ‌كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260).
الفائدة الثامنة:
في قاعدة "الإيمان أصل وله كمال"، كما دلّتْ عليه الآيةُ الكريمةُ.
ذكرنا الأصولَ الأربعةَ المتفقَ عليها التي هي أركانُ الإيمان، وهي: اعتقادُ القلب، وعملُ القلب، ونطقُ اللسان، وتَركُ النواقض والمكفِّرات، وذكرنا المختلفَ فيه من أركان الإسلام، وهل تركُها تكاسلًا يُكفِّر أم لا؟ الصلاة والزكاة والصوم والحج، ورجَّحنا أن الترك تكاسلًا بلا إباء ولا استكبار ولا استحلال، لا يُكفَّر التاركُ له كفرًا أكبر ناقلًا عن الملة، وإن كان كافرًا كفرًا دون كفر، وأشهر ذلك الصلاة.
فهل هناك أعمال ظاهرة يُكفَّر المرءُ بتركها غير المباني الأربعة؟
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله- عن هذا السؤال -بعد أن ذكر الخلاف في تكفير تارك الصلاة والمباني-: "أما بقية خصال الإسلام والإيمان -غير المباني الأربعة- فلا يَخرجُ العبدُ بتركها من الإسلام عند أهل السنة والجماعة، وإنما خالفَ في ذلك الخوارجُ، ونحوهُم مِن أهل البدعِ، فسائر خصال الإسلام الزائدة على أركانه الخمسة ودعائمه، إذا زال منها شيءٌ نقص البنيان، ولم ينهدم أصلُ البنيان بذلك النقص" (فتح الباري لابن رجب (1/ 62- 72) باختصارٍ).
أما مسألة تارك جنس العمل: فهي مسألة حادثة بهذا الاعتبار -أَعني: تكفير مَن ترك جنس العمل- فلم يكنْ أحدٌ من أئمةِ العلمِ يتكلمُ في هذا الاصطلاحِ بالتكفير، وبدايةُ هذه المسألة كانت عند جماعة "التوقف والتبيُّن"، فهم يقولون: إن تارك جنس العمل الواجب -بمعنى أنه يعزمُ ألّا يفعل حتى يموت- فهو كافر كفرًا ناقلًا عن الملة، ناقضًا لأصل الإيمان عندهم، وقد كان ذلك في رسالة اسمها: "التوقف والتبين ... بدعة أم سنة؟"، لكنها -فيما أعلم- غير موجودة الآن، طالعتُها قديمًا، عندما كانوا ينتسبون إلى هذا الاسم، ولا يتبرؤون منه كحالهم الآن.
وهذا القول بدعةٌ ضلالةٌ مُنكرةٌ، وهو موجود لدى مَن تأثَّر بالفكر القطبي، منبع هذه البدعة الجديدة المُستحدثة، كما أنه موجود عند بعض المنتسبين للدعوة الوهابية، أما أن ذلك موجود في كتب المتقدمين وكلامهم ممَّن تكلَّم في الإيمان، وأنه قول وعمل ويزيد وينقص؛ فلم أطَّلِع على أحدٍ قط قد قال بتكفير تارك جنس العمل بهذا الاعتبار.
وقد اختلفوا في معنى تكفير تارك جنس العمل؛ مَن الذي يكفَّر؟ وما مقصودهم بهذه العبارة؟
فنقول: لعدم وضوح هذا المصطلح فقد اختلفوا في فَهمِه والتعبير عنه، فمنهم مَن قال: إنه يُقصَد به تارك العمل بالكُلية، فيترك كل الأعمال، بما في ذلك أركان الإسلام الخمسة -ما عدا الشهادتين، فإنهم لا يقصدونهما-، وهذا القول ينطبق على عمومه: تارك الصلوات الخمس، وتارك الصيام، وتارك الزكاة، وتارك الحج، وهو عازم على فعلها أو غير عازم على أن لا يفعلها، وهذا التكفير فيه خلاف سائغ بين أهل السنة، ولا يصحُ التعبير بأن هذا جنس العمل؛ لأن هذا من الخلاف السائغ بين فريقين؛ الفريق الأول يقول بتكفير تارك أي واحد من المباني الأربعة، ولو أدَّى هذا التارك كل المباني الأخرى، كان عنده كافرًا؛ فلا يصحُ أن يقال: إن هذا تاركٌ لجنس العمل؛ لأنه لم يترك كل الأعمال، ومع ذلك كُفَّر بترك واحدٍ من المباني الأربعة، بل لا ينطبق على مَن صلى في عمره صلاةً واحدةً، أنه تارك لجنس العمل؛ لأنه قد صلَّى صلاةً، وهذا لا يقوله أحدٌ؛ لا الفريق الذي يُكفِّر بترك المباني الأربعة، أو ببعضها -كما سبق بيانه-، ولا الذي لا يُكفِّره، فإن مَن يُكفر تارك الصلاة يكفِّره بترك صلاة واحدة أو صلاتين أو ثلاث، ولم يقل أحدٌ مِن هذا الفريق المُكفِّر أنَّ مَن صلى صلاةً واحدةً في عُمره لا يُكفَّر، ولو ترك بعدها الصلوات كلها.
وقد سبق أن بيَّنا: أن تكفير تارك الصلاة عند القائلين به عند جمهورهم، إنما يكون إذا أصرَّ على تركها وقد عُرض على السيف، فأبى أن يصلي، وأما إذا لم يدعه الإمامُ ويعرضه على العقوبة، فإنهم لا يكفرونه، إلا قولًا ضعيفًا عندهم بأن الترك المجرد يُخرِج مِن الملة، وكذا في تارك المباني الثلاثة الأخرى، والخلاف فيها أضعف؛ للنصوص الواضحة في عدم التكفير.
وأما الفريق الثاني الذي لا يُكفر تاركَ الصلاة، فهو يقول: لو تركَ كلَّ الصلوات ما لم يكن مستحلًا، ولا آبيًا ولا مستكبرًا، فهو ما زال عندهم على أصل الإسلام، عنده لا إله إلا الله، ولم يعمل خيرًا قط، ينجو بها عند الله من الخلود في النار.
أما أن يُقَال: لو صلَّى صلاة في حياته فهذا لا نُكفِّره، وأما إذا لم يصلِ صلاة واحدة فنحن نُكفره! فلا يوجد مَن يقول ذلك مِن أهل العلم؛ فلا يصحُ أن نقول على شخص إنه تارك لجنس العمل، ويكون قد صامَ يومًا، أو صلى صلاة؛ فهو في الحقيقة بذلك ليس بتارك لجنس العمل، ومَن يُكفر تاركَ المباني يُكفر من أفطر بعد أن صام يومًا واحدًا، أو من ترك الصلاة بعد أن صلى صلاة واحدة، فهذا قولٌ مستحدثٌ ثالث، ليس من كلام أهل العلم.
وقد سبقَ أن بيَّنا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أنه يقول: إن مَن عزم أن يصلي في المستقبل فعنده عمل فلا يُكفَّر، وهو يقصد بذلك عمل القلب؛ فهذا القول بتكفير تارك جنس العمل مع حَمل العمل على مجموع الأعمال كلها، فلو أتى أي عمل ولو تسبيحة، ولو ردَّ سلام ونحو ذلك، لما كُفِّر، هو قولٌ محدثٌ لم يقل به لا مَن كفّر، ولا مِن لم يكفِّر بترك الصلاة أو باقي المباني الأربعة.
الاحتمال الثاني في قصدهم بتكفير تارك جنس العمل هو: أن يترك أيَّ عمل واجب بالكُلية، ويعزم على ألا يفعله حياته كلها، ومَن يُصرُّ على المعصية إلى أن يموت ويعزمُ أن يظل يفعلها، فهذا عندهم تارك لجنس العمل، ويصبح عندهم كافرًا، وهذه البدعة الضلالة أصلها مِن فكر الخوارج.
والاحتمال الثالث أنهم يقصدون بذلك: أنَّ مَن ترك جنس العمل الذي يختص به أهل الإسلام، فيقولون: إن مِن ترك هذا فهو الكافر، لا بد أن يفعل منه شيئًا، فنقول: رجلٌ سبَّحَ تسبيحةً، أو ردّ السلامَ بصيغة أهل الإسلام، فهذا قد فعلَ واجبًا، فهل لا تكفِّرونه إذا ترك المباني، وتكفرونه إذا ترك ردّ السلام أو التسبيحة؟! فهذا قول عجيب محدث، ما قاله أحدٌ من أهل العلم، وهو بدعة ضلالة أيضًا.
فأصبحت كل الاحتمالات في تفسير تارك جنس العمل، لم يقل بها أحدٌ مِن أهل العلم، ولذا قلنا: إن هذا الاصطلاح "تكفير تارك جنس العمل" اصطلاح حادث وبدعة منكرة، وأما إذا حملوا ذلك على المباني الأربعة فقط دون غيرها؛ فالخلاف سائغ، وأما إذا قبلوا بأن يحملوا معنى تارك جنس العمل على ترك النواقض -نواقض التوحيد-، فالخلاف معهم خلاف سائغ، ولا يصبح خلافًا حقيقيًا، لكن -فيما أعلم- لا يوجد مَن يقبل ذلك، أو يفسِّره ممَّن يقول بتارك جنس العمل.
والله المستعان.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 179.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 174.04 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (3.25%)]