شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 53 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4509 - عددالزوار : 1299778 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 774 - عددالزوار : 117930 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 3638 )           »          قسمة غنائم حنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الوجه المشرق والجانب المضيء لطرد المسلمين من الأندلس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          القرآن يذكر غزوة حنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          مشاهد من معركة حنين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          غزوة هوازن "حنين" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الإمام الأوزاعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          ليلة هي من أقسى ليالي الدنيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-05-2025, 06:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا بعث أميراً على سرية أو جيش أوصاه بتقوى الله...)

قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري ، صدوق أخرج له أبو داود . [ حدثنا وكيع ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة بن مرثد ]. علقمة بن مرثد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن بريدة ]. سليمان بن بريدة ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال سفيان بن عيينة ]. سفيان بن عيينة ، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال علقمة : فذكرت هذا الحديث لمقاتل بن حيان ]. مقاتل بن حيان ، صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ فقال: حدثني مسلم -قال أبو داود : هو ابن هيصم - ]. مسلم بن هيصم ، وهو مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن النعمان بن مقرن ]. النعمان بن مقرن رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (اغزوا باسم الله وفي سبيل الله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو صالح الأنطاكي محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، وقاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا، ولا تغُّلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً) ]. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب ، وفيه وصية الرسول صلى الله عليه وسلم للجيوش التي كان يرسلها قال: (اغزوا باسم الله) يعني: مستعينين بالله معتمدين على الله. فقوله: [ (وفي سبيل الله) ]. أي: حتى يكون الغزو في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى. قوله: [ (وقاتلوا من كفر الله اغزوا ولا تغدروا) ]. الغدر: هو الغدر بالعهد، وهو كونهم يعاهدون ثم يغدرون في عهدهم، فلابد أن يوفوا بالعهود لغيرهم إذا عاهدوهم. [ (ولا تغلوا) ]. الغلول: الأخذ من الغنيمة بدون حق، وهذه خيانة. قوله: [ (ولا تمثلوا) ]. يعني: إذا قتلتم أحداً فلا تمثلوا به فتقطعوا أنفه أو تقطعوا شيئاً منه فيكون مشوهاً، لكن اقتلوه بدون تمثيل. قوله: [ (ولا تقتلوا وليداً) ]. يعني: الصغير الذي لا يقاتل، ولكنه إذا كان من أهل القتال فإنه يقتل لمقاتلته.

تراجم رجال إسناد حديث (اغزوا باسم الله وفي سبيل الله...)


قوله: [ حدثنا أبو صالح الأنطاكي محبوب بن موسى ]. أبو صالح الأنطاكي محبوب بن موسى ، هو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا أبو إسحاق الفزاري ]. وهو: إبراهيم بن محمد بن الحارث ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه ]. وقد مر ذكرهم جميعاً في الإسناد السابق.

شرح حديث (انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن آدم و عبيد الله بن موسى عن حسن بن صالح عن خالد بن الفزر قال: حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً، ولا صغيراً، ولا امرأةً، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. قوله: [ (انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله) ]. يعني: الذين يخرجون للجهاد في سبيل الله فقوله: (انطلقوا باسم الله وبالله) يعني: معتمدين على الله متوكلين عليه مستعينين به، (وعلى ملة رسول الله) يعني: على سنته وطريقته ومنهجه ودينه. قوله: [ (ولا تقتلوا شيخاً فانياً) ]. يعني: ليس من أهل القتال، إلا إن كان ذا رأي وخبرة في الحرب بحيث يستفيدون منه فيقتل وإن كان كبيراً للتخلص من شره. قوله: [ (ولا طفلاً ولا صغيراً) ]. في بعض الروايات: (طفلاً صغيراً) ويمكن أن يكون الطفل صغيراً جداً كالرضيع والذي حوله، والصغير: هو الذي لم يبلغ الحلم، ولكن الحكم كما مر أن الوليد الذي لا يقتل هو الذي لا يقاتل، أما من يكون من المقاتلة ولو لم يبلغ فهو يقتل لقتاله. قوله: [ (ولا امرأة) ]. المرأة كذلك لا تقتل إلا أن تكون من المقاتلة فإنها تقتل. قوله: [ (ولا تغلوا، وضموا غنائمكم) ]. يعني: اجمعوها وضموا بعضها إلى بعض، حتى لا يؤخذ منها من غير حق. قوله: [ (وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) ]. وهذه الجملة الأخيرة آية، وهذا يسمونه في علم البلاغة: الاقتباس، وهو أن يأتي بالكلام ثم يتبعه بآية أو جزء منها أو بحديث دون أن يقول فيه: قال الله أو قال رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا اسمه في علم البلاغة الاقتباس، فيأتي بشيء من كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم متصلاً بالكلام دون إضافته إلى الله وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم. والحديث ضعيف، فيه خالد بن الفزر ، ولكن له شواهد في أحاديث أخرى مثل النهي عن الغلول وغيره.

تراجم رجال إسناد حديث (انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله...)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا الترمذي و النسائي فقد أخرج له في أعمال اليوم والليلة. [ حدثنا يحيى بن آدم ]. يحيى بن آدم الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عبيد الله بن موسى ]. عبيد الله بن موسى ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حسن بن صالح ]. حسن بن صالح بن حي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن خالد بن الفزر ]. خالد بن الفزر ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما جاء في الحرق في بلاد العدو


شرح حديث (أن رسول الله حرق نخل بني النضير ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحرق في بلاد العدو. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة؛ فأنزل الله عز وجل: (( مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا))[الحشر:5]). يقول أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في الحرق في بلاد العدو. المقصود من ذلك التحريق في بلاد العدو إذا كان في ذلك مصلحة كأن يكون فيه إضعاف لقوتهم، ويشبه هذا ما سبق أن مر في قضية جعفر بن أبي طالب الذي عقر جواده حتى لا يستفيد منه العدو. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقطع وهي البويرة، والبويرة: مكان النخل، فأنزل الله عز وجل: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ [الحشر:5] وهذا يدل على ما ترجم له المصنف من التحريق، لكن حيث تكون المصلحة في ذلك. وقوله تعالى: ((مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ)) يعني: نخلة ((أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا)) يعني: من غير قطع ((فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ)). فهذا فيه إقرار، أي: أن الذي حصل إنما هو بإذن الله، وكما هو معلوم أن قوله: (بإذن الله) إذا أريد به الإذن الشرعي فيكون الإذن موجوداً من قبل. وإن كان المراد الإذن الكوني فمعناه أنه مقدر، وكل ما يحصل ويحدث هو بقضاء الله وقدره.

تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله حرق نخل بني النضير...)


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأنه رباعي، بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص: قتيبة و الليث و نافع و ابن عمر .
شرح حديث (أغر على (أبنى) صباحاً وحرق...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد بن السري عن ابن المبارك عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري قال عروة : فحدثني أسامة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إليه فقال: أغر على (أبنى) صباحاً وحرق) ]. أورد أبو داود حديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أغر على أبنى صباحاً وحرق) وأبنى: موضع في فلسطين يقال له (أُبنى) ويقال له (يُبنى) أطلق عليه فيما بعد: (يبنان) فهو قيل له: أُبنى بالهمزة، ثم قيل له: يُبنى بياء بدل الهمزة، وهذا فيه قضية التحريق، وفيه أن الإغارة تكون في الصباح.

تراجم رجال إسناد حديث (أغر على (أُبنى) صباحاً وحرق...)


قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هناد بن السري أبو السري ، ثقة أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن المبارك ]. عبد الله بن المبارك المروزي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صالح بن أبي الأخضر ]. صالح بن أبي الأخضر ، وهو ضعيف يعتبر به، أخرج له أصحاب السنن. [ عن الزهري ]. وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال عروة ]. عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ فحدثني أسامة ]. أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحبه وابن حبه رضي الله تعالى عنهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعفه الألباني ، ولعله من أجل صالح بن أبي الأخضر .

شرح أثر أبي مسهر في معنى (أبنى) وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن عمرو الغزي قال: سمعت أبا مسهر قيل له: أُبْنَى قال: نحن أعلم، هي يُبْنى فلسطين ]. ذكر أبو داود هذا الأثر عن أبي مسهر ، وهو: عبد الأعلى بن مسهر قال: أنا أعلم بهذا الخبر، هي يبنى فلسطين، يعني: بدل الهمزة ياء، ولعل ذلك أنها كانت يطلق عليها: أُبنى ثم أطلق عليها: يبنى، أي: أبدل حرف بحرف. وهذا يقال له مقطوع؛ لأن المتن الذي ينتهي إلى من دون الصحابي سواء كان تابعياً أو تابع تابعي أو من دونه فإنه يقال له مقطوع. قوله: [ حدثنا عبد الله بن عمرو الغزي ]. عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي، نسبه إلى جده، وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ قال: سمعت أبا مسهر ]. وهو عبد الأعلى بن مسهر أبو مسهر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وقوله: (نحن أعلم) أي: أنه يمكن أنه أعلم بالاسم، لأن الخلاف هو في قضية الاسم هل هو بالياء أو بالهمزة؟ وعلى كل: هي كلها بلاد شامية، فبلاد الشام هي: فلسطين والأردن وسوريا ولبنان، فهذه الدول كانت كلها منطقة واحدة يقال لها: بلاد الشام.
ما جاء في بث العيون


شرح حديث (بعث بسيسة عيناً ينظر ما صنعت عير أبي سفيان)


قال المصنف رحمه الله تعالى [ باب في بعث العيون. حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا سليمان -يعني: ابن المغيرة - عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: (بعث -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- بسيسة عيناً ينظر ما صنعت عير أبي سفيان) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في بعث العيون، والمقصود بالعيون الجواسيس الذين يذهبون ليأخذوا الخبر عن الأعداء، فالجاسوس يطلق عليه عين لأنه يذهب ويرى الأشياء بعينه، فيخبر عن الشيء الذي رآه وشاهده. فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث من يأتي بالخبر، ومن يتعرف على أخبار العدو حتى يكون على علم باستعدادهم، وعلى ما عندهم من عدد، فالمقصود من الترجمة أن العيون تبعث من أجل الإتيان بالأخبار؛ حتى يبنى على الخبر الذي تأتي به العين استعداد أكثر أو عمل احتياطات لازمة من جهة إقدام أو إحجام.. أو ما إلى ذلك. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بسيسة عيناً ينظر ماذا صنعت عير أبي سفيان ، يعني: يأتي بخبر هذه العير التي كان عليها أبو سفيان ، فهذا يدل على بعث العيون والجواسيس للإتيان بأخبار الأعداء، والتعرف على ما عند الأعداء من قوة واستعداد. ثم هذا من الأشياء التي استدلوا بها على سفر الواحد للحاجة، وقد جاء في أحاديث ما يدل على منع الإنسان أن يسافر وحده، وقد مر بنا الحديث الذي فيه: (الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب) ولكنه إذا حصل أمر يقتضيه فيمكن أن يسافر الشخص وحده، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل العيون ويرسل الشخص الواحد للقيام بهذه المهمة.

تراجم رجال إسناد حديث (بعث بسيسة عيناً ينظر ما صنعت عير أبي سفيان)


قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا هاشم بن القاسم ]. هاشم بن القاسم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان يعني: ابن المغيرة ]. سليمان بن المغيرة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت ]. ثابت بن أسلم البناني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-05-2025, 01:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [312]
الحلقة (344)





شرح سنن أبي داود [312]

شرع الجهاد في الإسلام لتكون كلمة الله هي العليا، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وليس لمصالح دنيوية، ولهذا فإذا أسلم الكفار صاروا إخوة للمسلمين، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، ولا يكرهوا على الدين، ولكن يخيروا بين الإسلام أو الجزية أو القتال.

ما جاء في لزوم الساقة


شرح حديث: (كان رسول الله يتخلف في المسير فيزجي الضعيف ويردف...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في لزوم الساقة. حدثنا الحسن بن شوكر حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا الحجاج بن أبي عثمان عن أبي الزبير أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما حدثهم قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في المسير فيزجي الضعيف، ويردف، ويدعو لهم) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في لزوم الساقة. يعني: مؤخر الجيش والمراد: أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم وراء الجيش لينظر من ضعف مركوبه أو ضعف هو لكونه يمشي وليس عنده مركوب، وكذلك إذا رأى انهزاماً أو فراراً، فعندما يجد هذا المنهزم القائد أو الإمام في المؤخرة يكون ذلك دافعاً له أو مانعاً له من أن يحصل الانفلات والفرار وغير ذلك من الأسباب التي تترتب على لزوم الإمام للساقة. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخلف في المسير) يعني: يكون في آخر الركب وفي آخر الجيش. (يزجي الضعيف) يعني: المركوب الذي يكون ضعيفاً يسوقه. (ويردف الضعيف) أي: إذا كان هناك شخص يمشي يحمله ويجعله يركب وراءه، أو يقول: اركب وراء هذا، فيكون من فوائد ذلك أنه يسوق المركوب الذي قد ضعف، ويردف من كان ضعيفاً يمشي، ويدعو للجيش عموماً، ويدعو لهؤلاء الضعفة خصوصاً.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله يتخلف في المسير فيزجي الضعيف ويردف...)

قوله: [ حدثنا الحسن بن شوكر ]. الحسن بن شوكر صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا الحجاج بن أبي عثمان ]. ابن علية مر ذكره، والحجاج بن أبي عثمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر رضي الله عنه قد مر ذكره.
على ما يقاتل المشركون


شرح حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب على ما يقاتل المشركون. حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله تعالى) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب على ما يقاتل المشركون، يعني: على أي شيء يقاتلون؟ يقاتلون لكونهم كفاراً إلا إذا حصل منهم الدخول في هذا الدين، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاتان الشهادتان متلازمتان لا بد منهما: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. والنبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: (أمرت)، أو (نُهيت) فالآمر له هو الله سبحانه وتعالى، وأما الصحابة إذا قالوا: أمرنا أو نهينا فالآمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)، (إذا قالوها) يعني: دخلوا في الإسلام فعصموا أموالهم وأنفسهم بذلك، عصموا أنفسهم من القتل وأموالهم من الأخذ والغنيمة. وقوله: (إلا بحقها) أي: بحق هذه الكلمة التي هي لا إله إلا الله وهو مقتضاها. قوله: (إلا بحقها). يمكن أن يرجع إلى الشهادة وأن مقتضاها الأخذ بما تتطلبه من الصلاة والصيام.. وما إلى ذلك، ويمكن أن يكون المقصود حق الأنفس والأموال في أن القتل إنما يكون إذا أسلم، فلا يقتل بسبب الكفر؛ لأنه سلم من الكفر بإسلامه وبإظهار الشهادة، ولكنه يقتل بكونه مستحقاً للقتل بعد أن يسلم إذا كان قصاصاً أو غير ذلك مما يكون مستحقاً به القتل، وكذلك المال يكون فيه معصوماً إلا إذا امتنع من الحق الذي عليه في ماله فإنه يؤخذ منه. (وحسابهم على الله) يعني: نحن لنا الظاهر والبواطن علمها عند الله عز وجل، فلم نؤمر أن نشقق ما في القلوب ونعرف ما فيها؛ لأن ذلك من علم الله عز وجل، ولكن لنا الظاهر، وهو: أن من أظهر الإسلام قبلنا منه، والله تعالى هو الذي يتولى حسابهم سواء اتفق الظاهر والباطن أو أن الظاهر يكون على خلاف الباطن، والناس ليس لهم إلا الظاهر، والباطن علمه إلى الله سبحانه وتعالى، والله تعالى يقول: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:25-26] فإذا دخل في الإسلام، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإنه يعصم نفسه بذلك، وإذا كان قال ذلك نفاقاً فأظهر الإسلام وأبطن الكفر فالله تعالى هو الذي يتولاه، والمنافق النفاق الاعتقادي في الدرك الأسفل من النار كما جاء ذلك في القرآن الكريم. وحديث أبي هريرة أخرجه البخاري و مسلم و النسائي و الترمذي و ابن ماجة ، فهو في الكتب كلها. كذلك جاء الحديث عن ابن عمر ولم يذكره أبو داود هنا، وإنما هو في الصحيحين: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) بمعنى حديث أبي هريرة ، والحافظ ابن حجر في فتح الباري قال: إن هذا الحديث من غرائب الصحيح، يعني: كونه جاء من طريق واحد، يعني حديث ابن عمر قال: وقد خلا منه مسند الإمام أحمد على سعته، ومعلوم أن الحديث عند العلماء باعتبار الصحابي يكون متفقاً عليه، وعندما ينفرد به مسلم إنما هو باعتبار الصحابي، وليس معناه أن المتن يكون موجوداً عن صحابي وصحابي، وقد يكون مسلم رواه من طريق صحابي غير الصحابي الذي رواه البخاري من طريقه، والمتفق عليه أن يكون البخاري و مسلم روياه من طريق صحابي واحد مثل حديث جبريل المشهور اتفق البخاري و مسلم على إخراجه من حديث أبي هريرة ، وانفرد مسلم بإخراجه من حديث عمر ، فهو من أفراد مسلم عن عمر ، وهو من المتفق عليه عن أبي هريرة ، وهنا يقول الحافظ ابن حجر : إن حديث ابن عمر - (أمرت أن أقاتل الناس) - المتفق على صحته من غرائب الصحيح، وقد خلا منه مسند الإمام أحمد على سعته، مع أن حديث أبي هريرة الذي بمعناه موجود فيه. وكما عرفنا أن الرواية تكون باعتبار الصحابي، فإن مسند الإمام أحمد موجود فيه حديث أبي هريرة هذا، لكن الذي لا يوجد في مسند الإمام أحمد حديث ابن عمر فالحديث يعتبر متفقاً عليه، ويعتبر فرداً من حيث الصحابي.

تراجم رجال إسناد حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله...)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو معاوية ]. محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي صالح ]. وهو: ذكوان ولقبه: السمان المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن يستقبلوا قبلتنا...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني حدثنا عبد الله بن المبارك عن حميد عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا، وأن يأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو موافق لحديث أبي هريرة المتقدم، ويختلف عنه في بعض الأمور. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله). يعني أن يأتوا بالشهادتين: الشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وهاتان الشهادتان متلازمتان لا بد منهما، فلا تكفي شهادة أن لا إله إلا الله عن شهادة أن محمداً رسول الله، ومن أتى بالشهادة لله بالوحدانية ولم يأت بالشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة فإن ذلك لا ينفعه؛ لأن دين الإسلام مبني على هاتين الشهادتين، ومقتضاها الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالإخلاص هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، والمتابعة هي مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (وأن يستقبلوا قبلتنا). يعني أن يتجهوا إلى القبلة التي نصلي إليها وهي الكعبة، أي على من دخلوا ديننا أن يستقبلوا قبلتنا، ولا يستقبلوا القبلة التي كانوا يستقبلونها قبل إسلامهم، مثل اليهود و النصارى وغيرهم. قوله: (وأن يصلوا صلاتنا). أي: يصلون الصلاة التي فرضها الله على المسلمين، وليست الصلاة التي كانت عندهم في كفرهم قبل إسلامهم، وإنما يستقبلون قبلة المسلمين ويصلون صلاة المسلمين. قال: [ (فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها) ]. قوله: (إلا بحقها) أي: بحق دمائهم وأموالهم، بحيث يكونون مستحقين لأن يقتلوا إذا فعلوا ما يوجب قتلهم، وكذلك يؤخذ منهم زكاة أموالهم. قوله: [ (لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين) ]. أي: لهم ما للمسلمين من الحقوق، وعليهم ما على المسلمين من الواجبات.

تراجم رجال إسناد حديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن يستقبلوا قبلتنا..)


قوله: [ حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني ]. سعيد بن يعقوب الطالقاني أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الله بن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره. وهذا الإسناد من أعالي الأسانيد عند أبي داود التي هي الرباعيات.
شرح حديث: (أمرت أن أقاتل المشركين) وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل المشركين) بمعناه ]. أورد المصنف حديث أنس من طريق أخرى، وفي الحديث السابق: (أمرت أن أقاتل الناس) وهنا قال: (المشركين). وقوله: بمعناه أي: بمعنى الحديث المتقدم عن أنس رضي الله عنه. قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. هو سليمان بن داود المهري المصري ، ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يحيى بن أيوب ]. هو يحيى بن أيوب المصري ، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد الطويل عن أنس ]. حميد بن أبي حميد الطويل و أنس قد مر ذكرهما.

شرح حديث أسامة في قتله من قال: (لا إله إلا الله)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي و عثمان بن أبي شيبة المعنى قالا: حدثنا يعلى بن عبيد عن الأعمش عن أبي ظبيان حدثنا أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية إلى الحرقات، فنذروا بنا فهربوا، فأدركنا رجلاً، فلما غشيناه قال: (لا إله إلا الله) فضربناه حتى قتلناه، فذكرته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟! فقلت: يا رسول الله! إنما قالها مخافة السلاح! قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلك قالها أم لا؟! من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟! فما زال يقولها حتى وددت أني لم أسلم إلا يومئذ) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم في سرية إلى الحرقات -وهم من جهينة- فنذروا بهم -أي: أخبروا بغزوهم- فهربوا، فأدركوا رجلاً منهم، فلما لحقوه قال: (لا إله إلا الله) فقتلوه، وكانوا يرون أنه إنما قال ذلك خوفاً من السلاح بعد أن رفعوه عليه، ولما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم، وقال لأسامة : (من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟!) أي: بأي شيء تدفع هذا الإيراد وهذا الكلام في كونك تقتل مسلماً يقول: لا إله إلا الله؟! فقال: إنما قالها خوفاً من السيف. يعني: خوفاً من القتل، فقال عليه الصلاة والسلام: ألا شققت عن قلبه لتعرف هل قالها خوفاً من السلاح أو لا؟! فقال أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه: وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ. وهذا الحديث يدل على أن الناس لهم الظاهر، وأن من أظهر الإسلام فإنه يقبل منه، والبواطن علمها عند الله عز وجل، وعلمها موكول إلى الله سبحانه وتعالى، لكن من قال: (لا إله إلا الله) فإنه يكف عنه؛ لأن هذا هو الشيء الظاهر الذي يعرف به أن الإنسان المقاتل يكون مسلماً. قوله: [ بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية إلى الحرقات ]. السرية قطعة من الجيش تذهب وتعود إلى الجيش. والحرقات من جهينة. قوله: [ فنذروا بنا فهربوا ]. يعني: أُنِذرُوا وأخبروا ووصلهم العلم بأنهم مغزوون فهربوا. قوله: [ فأدركنا رجلاً فلما غشيناه قال: (لا إله إلا الله) فضربناه حتى قتلناه ]. يعني أنهم لما رفعوا عليه السيف قال: (لا إله إلا الله) ففهموا أنه قال ذلك خوفاً من السيف فقتلوه وقد قال: (لا إله إلا الله). والمقصود من الترجمة أن الكفار يقاتلون على التوحيد، وأنهم إذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يكف عنهم، والناس ليس لهم إلا الظاهر، يكتفون بالظاهر وعلم البواطن موكول إلى الله سبحانه وتعالى الذي يعلم السر والعلانية ويعلم الغيب والشهادة سبحانه وتعالى. قوله: [ فذكرته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟!) ]. أي: لما ذكر أسامة بن زيد رضي الله عنه ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟!) يعني: بأي شيء تجيب عن كونك قتلت مسلماً يقول: (لا إله إلا الله) وقد أظهر الإسلام ثم بعد ذلك تقتله وهو لا يستحق القتل، وليس لك حق قتله؛ لأن القتال إنما هو على التوحيد وقد وجد منه التوحيد؟! وهذا كما هو معلوم إنما هو بحسب الظاهر، وأما البواطن فإنها موكولة إلى الله سبحانه وتعالى. قوله: [ فقلت: يا رسول الله! إنما قالها مخافة السلاح! ]. هذا هو الذي بنى عليه أسامة رضي الله عنه ومن معه هذا الفعل الذي فعلوه، وهو أنه إنما قالها مخافة السلاح. قوله: قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلك قالها أم لا؟! هنا وبخه وبين له أن مثل ذلك أمور غيبية، والغيب لا يطلع إليه إلا الله ولا يعلمه إلا الله، وما في القلوب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فقال: ألا شققت عن قلبه لتعرف هل قالها مخافة السلاح أم قالها مؤمناً مسلماً يريد وجه الله عز وجل ولم يكن خائفاً؟! قوله: [ (من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟!) فما زال يقولها حتى وددت أني لم أسلم إلا يومئذ ]. أي: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرر هذه الكلمة حتى قال أسامة بن زيد : وددت أني لم أكن أسلمت إلا ذلك اليوم. وذلك لأن الإسلام يجب ما قبله، ويكون هذا الذي حصل منه يجبه الإسلام ويخلص منه بالدخول في الإسلام، والإسلام يجب ما قبله ويهدم ما كان قبله، كما جاء في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه في صحيح مسلم الذي فيه أنه لما جاء وأراد أن يسلم ومد يده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه ويعلن إسلامه، قبض عمرو يده بعد أن مد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال له: (لماذا يا عمرو ؟ قال: أردت أشترط. قال: وماذا تشترط؟ قال: أن يغفر لي. قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله) فأسامة رضي الله عنه يقول: وددت أني لم أكن أسلمت إلا ذلك اليوم. يعني: حتى يكون هذا الصنيع الذي أنكره علي النبي صلى الله عليه وسلم ممحوّاً بدخولي في الإسلام.

تراجم رجال إسناد حديث أسامة في قتله من قال: (لا إله إلا الله)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ و عثمان بن أبي شيبة ]. هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي ، فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا يعلى بن عبيد ]. يعلى بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي ظبيان ]. هو حصين بن جندب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أسامة بن زيد ]. هو أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

سبب درء القصاص عن أسامة وقد قتل مسلماً عمداً

فإن قيل: لِمَ لَمْ يقتل النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد قصاصاً؟ فالجواب: لعل الرسول صلى الله عليه وسلم عذره لأنه فهم أن من قال ذلك يكون مستحقاً القتل لأنه إنما قال ذلك خوفاً من القتل ولم يقله رغبة وقصداً في الدخول في الإسلام، وإنما قاله تعوذاً. وقد قال بعض أهل العلم: لعل ذلك حصل في وقت لا ينفع معه الإيمان. يعني مثل ما حصل لفرعون حين أعلن الإسلام عند حضور الأجل ومعاينته الموت، ومع ذلك ما نفعه إسلامه، فقالوا: إن هذا الذي حصل منه الدخول في الإسلام إنما قال ذلك لما أشرف على الهلاك ورأى أنه هالك، فقالوا: إنه لا ينفعه. ولكن القول الأول أولى، فهم قتلوه ظناً منهم أنه قال ذلك لما غشوه بالسلاح تعوذاً وخوفاً من القتل، وأنهم محقون في قتلهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم عذرهم في ذلك فلم يوجب عليهم القصاص. وقد أشار الخطابي إلى معنىً آخر، وهو أنه يشبه أن يكون المعنى فيه أن الأصل في دماء الكفار الإباحة، وهذا الذي أشار إليه الخطابي يصح اعتباره في الحرب، فالأصل أن دماءهم في الحرب على الإباحة، وأما إذا كانوا أهل ذمة أعطوا الجزية وكانوا تحت حكم الإسلام أو كانوا مستأمنين فليس الأصل حينئذٍ هو الإباحة.

شرح حديث النهي عن قتل الكافر بعد قوله أسلمت لله


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد عن الليث عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه أنه أخبره أنه قال: يا رسول الله! أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله. أفأقتله -يا رسول الله- بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقتله. فقلت: يا رسول الله! إنه قطع يدي! قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال) ]. أورد أبو داود حديث المقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت يا رسول الله إن لقيت رجلاً من المشركين وقطع يدي فلحقته فلاذ مني بشجرة، ثم قال: أسلمت لله -يعني أنه دخل في الإسلام ودخل في هذا الدين الحنيف- أفأقتله؟ قال: (لا تقتله)، قال: إنه قطع يدي! قال: [ (لا تقتله؛ فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله) ]. يعني: أنت معصوم الدم، وكذلك هو بمنزلتك معصوم الدم بعد أن قال: (لا إله إلا الله) فأنت معصوم الدم لأنك مسلم، وهذا -أيضاً- بعد أن قال: (لا إله إلا الله) صار معصوم الدم، فصار بمنزلتك. وقوله: [ (وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال) ]. يعني: أنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته، بمعنى أنك تستحق القتل، إلا أن قتله كان من أجل الكفر وأنت قتلك من أجل القصاص. وقوله: [ لاذ مني بشجرة ] أي: هرب مني واستتر بشجرة.

تراجم رجال إسناد حديث النهي عن قتل الكافر بعد قوله أسلمت لله


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يزيد الليثي ]. عطاء بن يزيد الليثي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ]. عبيد الله بن عدي بن الخيار ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: هو من ثقاة التابعين، وحديثه أخرجه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن المقداد بن الأسود ]. المقداد بن الأسود هو المقداد بن عمرو رضي الله عنه، ويقال له: المقداد بن الأسود ؛ لأن الأسود تبنَّاه فاشتهر بذلك، فكان يقال له: المقداد بن الأسود ، وهو المقداد بن عمرو ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
النهي عن قتل من اعتصم بالسجود


شرح حديث قصة سرية خثعم في قتلهم من اعتصم بالسجود

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود. حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل عن قيس عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود فأسرع فيهم القتل. قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمر لهم بنصف العقل، وقال: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. قالوا: يا رسول الله! لم؟ قال: لا تراءى ناراهما) ]. أورد أبو داود باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود، يعني أنه سجد وأظهر ما يدل على إسلامه، ويعني بالترجمة النهي عن قتله وقد وجد منه شيء يدل على إسلامه. وأورد أبو داود حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه أنه قال: [ بعث رسول الله سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود ] يعني: لجئوا إلى السجود وسجدوا. قوله: [ فأسرع فيهم القتل ]. أي: قتلوهم وهم ساجدون. قوله: [ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل ]. أي: أمر لهم بنصف الدية. قيل: إنهم كانوا مسلمين، ولكنهم بين الكفار، فقتلوا كما قتل الكفار، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر لهم بنصف العقل، أي: بنصف الدية، ولم يأمر بها كاملة لأنهم بمقامهم مع الكفار صاروا شركاء في حصول الجناية عليهم، فصاروا مثل الذي قتل بفعله وفعل غيره، فالشيء الذي من فعله يسقط لأنه شارك في قتل نفسه، وأما من شارك في قتله فيكون عليه نصف الدية، فلا يتضمن القتل في هذه الحالة. قوله: [ قال: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) ]. يعني هؤلاء قتلوا بسبب وجودهم بين المشركين، وظن المسلمون أنهم منهم. وقيل: إن اعتصامهم بالسجود ليس دليلاً واضحاً على إسلامهم؛ لأنه يوجد منهم السجود لكبرائهم وكذلك السجود لغير الله عز وجل، فمجرد السجود من الكفار لا يكفي، وإنما الذي يعول عليه هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لكن لما كانوا مسلمين وكانوا بين الكفار وصار لهم مشاركة في أنهم قتلوا بتسبب أنفسهم وبفعل غيرهم صار على الذي حصل منه القتل نصف العقل وليس كله. وقوله: [ (لا تراءى ناراهما) ] معناه الإشارة إلى التباعد بين المسلمين والكفار، وأن المسلم لا يكون مع الكفار، بل يكون بعيداً منهم بحيث لا ترى نارُه نارَهم ولا نارُهم نارَه، بمعنى أنهم إذا أوقدوا ناراً وهو أوقد ناراً فإن كلاً لا يرى نار الآخر، وذلك إشارة وكناية عن التباعد بين المسلمين والكفار. وهذا يدل على البعد عن المشركين وعدم البقاء بين أظهرهم، لكن إذا كان البقاء بين المشركين فيه مصلحة للدعوة إلى الله عز وجل ودعوتهم للإسلام فيكون سائغاً من هذه الناحية، أما إذا كان ليس كذلك، لا سيما إذا كان الإنسان يقيم بين المشركين ولا يتمكن من إظهار شعائر دينه فبقاؤه ضرر كبير عليه، وهو مستحق للوعيد الشديد، لكن إذا كان البقاء من أجل مصلحة تفوق هذه المفسدة، وهي كون بقائه فيه مصلحة للدعوة إلى الله عز وجل وهداية من يهدي الله عز وجل من الكفار على يديه وبسببه فإن هذا لا بأس به.

تراجم رجال إسناد حديث قصة سرية خثعم في قتلهم من اعتصم بالسجود


قوله: [ حدثنا هناد بن السري ]. هو هناد بن السري أبو السري ، ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل ]. هو إسماعيل بن أبي خالد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قيس ]. هو قيس بن أبي حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جرير بن عبد الله ]. هو جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

اختلاف الرواة في رفع حديث قصة سرية خثعم وتراجم رجال الإسناد


[ قال أبو داود : رواه هشيم و معمر و خالد الواسطي وجماعة لم يذكروا جريراً ]. معنى قوله: [ لم يذكروا جريراً ] أنه مرسل من قيس بن أبي حازم يضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون من قبيل المرسل. قوله: [ هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ثقة مدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و خالد الواسطي ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي الطحان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث صححه الألباني إلا فيما يتعلق بالعقل."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-05-2025, 06:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب السفر
شرح سنن أبي داود [310]
الحلقة (342)





شرح سنن أبي داود [310]

رخص الشرع لابن السبيل إذا كان محتاجاً أن يحلب من الماشية التي يلقاها في طريقه فيشرب من لبنها، لكن لا يحمل معه شيئاً، وكذلك للمحتاج أن يأكل من ثمر البستان دون أن يدخر، وفي الأحاديث ذكر ضوابط ذلك وآدابه.

ما جاء في ابن السبيل يأكل من التمر ويشرب من اللبن إذا مر به



شرح حديث (إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ابن السبيل يأكل من التمر ويشرب من اللبن إذا مر به. حدثنا عياش بن الوليد الرقام حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم على ماشية: فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه، فإن أذن له فليحتلب وليشرب، فإن لم يكن فيها فليصوت ثلاثاً، فإن أجابه فليستأذنه وإلا فليحتلب وليشرب ولا يحمل) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في ابن السبيل يأكل من التمر ويشرب من اللبن إذا مر به. يعني: إذا مر بالتمر وبالمواشي التي فيها لبن، وذكره المصنف هنا في كتاب الجهاد مثلما ذكر الأحاديث والأبواب التي سبق أن تقدمت في آداب المسافر مثل: ماذا يقول عند الركوب. وابن السبيل هو المسافر الذي تنتهي نفقته، ولا يكون معه نفقة، ويكون بحاجة إلى أن يأكل أو يشرب، فأورد أبو داود هذا الباب في كتاب الجهاد لكون المجاهد من جملة المسافرين الذين قد يمرون بماشية فيحتاجون إلى شرب شيء من لبنها أو يحتاجون لشيء من الثمر. والمأذون في ذلك أنه يستأذن صاحب المحل إذا وجده، فإن لم يجده فإنه يأكل دون أن يحمل، يعني: لا يتزود شيئاً يحمله معه، وإنما يقضي حاجته بأكله فقط، أما كونه يجذ ويأخذ شيئاً يقتاته في سفره فهذا لا يجوز، والمقصود الأكل عند الحاجة. أورد أبو داود حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه..). يعني: يطلب منه أن يسقيه من ألبان هذه الماشية، وإن لم يكن موجوداً فليناد ثلاثاً، فإن أجابه استأذنه، وإلا شرب ولم يحمل شيئاً، وإنما يصوت ثلاثاً لأنه قد يكون هذا الشخص في مكان مختف لا يراه، إما وراء شجرة أو بين بعض الغنم إذا كانت الغنم متفرقة أو مجتمعاً بعضها مع بعض، فقد يكون مضطجعاً بين بعضها، فيصوت وينادي ثلاث مرات حتى يعرف صاحبها إذا كان موجوداً معها فيستأذنه، وإن لم يجد أحداً وهو بحاجة فإنه يشرب ولكن لا يحمل معه شيئاً، بمعنى أنه لا يحلب في سقاء ويحمل في هذا السقاء، فليس له أن يأخذ شيئاً في السقاء، ولكنه يشرب ويقضي حاجته من الشرب دون أن يتزود بشيء، وهذا خاص بالمسافر. وكذلك لو جاء إلى بستان ووجد صاحبه فيه استأذنه، فإذا لم يجده فيه دخل وأكل وخرج، فقد ورد ما يدل على جواز ذلك عند الحاجة ولو كان في الحضر، أي: في أطراف البلد.
تراجم رجال إسناد حديث (إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه...)

قوله: [ حدثنا عياش بن الوليد الرقام ]. عياش بن الوليد الرقام ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الأعلى ]. عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سعيد ]. هو سعيد بن أبي عروبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. وهو ابن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سمرة بن جندب ]. رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث من رواية الحسن عن سمرة ، ومعروف الكلام الذي في رواية الحسن عن سمرة ، فمن العلماء من قال: إنها تقبل مطلقاً، ومنهم من قال: لا تقبل مطلقاً، ومنهم من قال: يقبل حديثه في العقيقة ولا يقبل في غيره، ولكن غيره إذا جاءت له شواهد فإنه يعتبر به ويقبل لشواهده، و الألباني صحح هذا الحديث، ولعل ذلك لوجود الشواهد.

الفرق بين الاضطرار والحاجة


وليس الأمر متعلقاً بالمضطر الذي لا يجد طعاماً ويخاف على نفسه التلف، بل الذي يبدو أن الأمر أوسع من هذا، فالمضطر كما هو معلوم له أن يأكل الميتة، ولكن الكلام هنا عن الذي هو بحاجة ولو لم يكن مضطراً، فهذا أوسع من الاضطرار. فالمضطر كما هو معلوم لا يكون له إلا الموت أمامه، وأما صاحب الحاجة فهو من إن أمكنه أن يشتري منه فذاك أو يطلب منه فذاك وإلا تجاوزه وبحث عن غيره، أما المضطر فله أن يأكل، ولكنه إذا كان عنده شيء فيدفع له القيمة، أو يجعله في ذمته إذا لم يسمح له. على كل: إن كان الشخص قد سرقت نفقته، أو كانت قيمة النفقة غير موجودة معه، ويعلم أن المسافة طويلة بينه وبين المكان المقصود، فهو إن أخذه بقيمته فيعتبره شيئاً واجباً في ذمته لهذا الشخص صاحب هذا البستان.

شرح حديث (... ما علمت إذ كان جاهلاً ولا أطعمت إذ كان جائعاً...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي قال: حدثنا شعبة عن أبي بشر عن عباد بن شرحبيل رضي الله عنه قال: (أصابتني سنة فدخلت حائطاً من حيطان المدينة ففركت سنبلاً، فأكلت وحملت في ثوبي، فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ما علَّمت إذ كان جاهلاً، ولا أطعمت إذ كان جائعاً -أو قال: ساغباً- وأمره فرد علي ثوبي وأعطاني وسقاً أو نصف وسق من طعام) ]. أورد أبو داود حديث عباد بن شرحبيل رضي الله عنه قال: أصابتني سنة، يعني: فاقة، أي: سنة فيها جدب وقحط. قوله: [ (فدخلت حائطاً من حيطان المدينة ففركت سنبلاً) ]. السنبل: الرزع، وفركه: أخرج الحب من قشره وأكله. قوله: [ (فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي) ]. يعني: جاء صاحب الزرع فضربه وأخذ ثوبه الذي كان فيه هذا الحب عقاباً له، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما علمت إذ كان جاهلاً) يعني: بدلاً من أن تعاقبه بهذه العقوبة تنبهه وتعذره لجهله، أو تطالبه بالشيء الذي لا توافق له عليه. (ولا أطعمت إذ كان جائعاً أو قال: ساغباً). والساغب بمعنى الجائع؛ لأن المسغبة هي الجوع، ومعناه: أنك تحسن إليه وتعلمه لجهله، ثم إنه أمره برد ثوبه الذي أخذه منه. قوله: [ (وأعطاني وسقاً أو نصف وسق من طعام) ]. يعني: أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم لحاجته وسقاً أو نصف وسق من طعام، يعني: إما هذا وإما هذا -شك الراوي- وهذا لا يدل على أن الإنسان يتخذ شيئاً، لكن ينبغي أن يعذر الإنسان الجاهل، وإذا كان الإنسان لم يسمح بهذا الذي أخذه وحمله معه فيطالبه بقيمته أو يسترجعه، ولكن لا يأخذ زيادة على حقه كالثوب.

تراجم رجال إسناد حديث (... ما علمت إذ كان جاهلاً ولا أطعمت إذ كان جائعاً..)


قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ]. عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. معاذ بن معاذ ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بشر ]. وهو جعفر بن إياس المشهور بابن أبي وحشية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عباد بن شرحبيل ]. عباد بن شرحبيل رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .

إسناد حديث (ما علمت إذ كان جاهلاً ولا أطعمت إذ كان جائعاً) من طريق أخرى وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثني محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي بشر قال: سمعت عباد بن شرحبيل رضي الله عنه رجلاً منا من بني غبر، بمعناه ]. أورد الحديث من طريق أخرى، وهو بمعنى الحديث الأول. قوله: [ حدثني محمد بن بشار ]. محمد بن بشار هو الملقب: بندار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر الملقب غندر البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. وقد مر ذكره. [ عن أبي بشر عن عباد ]. أبو بشر و عباد قد مر ذكرهم. قوله: [ رجلاً منا من بني غبر ]. هذه زيادة تعريف له.
من قال إنه يأكل مما سقط


شرح حديث (فلا ترم النخل وكل مما يسقط في أسفلها...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال إنه يأكل مما سقط. حدثنا عثمان و أبو بكر بن أبي شيبة -وهذا لفظ أبي بكر - عن معتمر بن سليمان قال: سمعت ابن أبي حكم الغفاري يقول: حدثتني جدتي عن عم أبي رافع بن عمرو الغفاري رضي الله عنه قال: (كنت غلاماً أرمي نخل الأنصار، فأتي بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا غلام! لم ترم النخل؟ قال: آكل قال: فلا ترم النخل وكل مما يسقط في أسفلها، ثم مسح رأسه فقال: اللهم أشبع بطنه) ]. أورد أبو داود حديث أبي رافع بن عمرو الغفاري رضي الله عنه أنه كان يرمي تمراً على رءوس النخل بالحجارة، حتى إذا ضرب الحجر القنو تساقط منه التمر بسبب الضربة التي حصلت برمي الحجارة عليها، فيأكل من ذلك. قوله: [ (كنت غلاماً أرمي نخل الأنصار فأتي بي النبي صلى الله عليه وسلم) ]. أي: شكوه إليه وأتوا به إليه؛ لأنه عمل هذا العمل. قوله: [ (فقال: يا غلام! لم ترم النخل؟ قال: آكل، قال: فلا ترم النخل وكل مما يسقط في أسفلها) ]. يعني: آكل مما يسقط بسبب الرمي بالحجارة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ترم النخل، وكل مما يتساقط بسبب الريح أو أي سبب من الأسباب، المهم ألا يرميه الشخص بالحجارة حتى يتساقط، وإنما يمشي تحت النخل فيأخذ من الشيء الذي تساقط بسبب الريح، ولا يفعل هذا الفعل الذي هو الرمي بالحجارة؛ لأن الرمي بالحجارة قد يفسد التمر بمعنى أنه يتمزق. وكونه يسقط بالريح أو بغير ذلك من الأشياء التي لا تمزقه فإنه يستفيد منه بهذه الطريقة. والترجمة هي: (من قال إنه يأكل مما سقط) يعني: ولا يأخذ شيئاً من النخل، فلا يصعد ويأخذ شيئاً من النخل، وإنما يأخذ من المتساقط. وهذا الحديث ضعيف، ولكن يجوز للمرء إذا كان في حاجة أن يصعد النخلة ويأكل منها، ولكن لا يحمل معه شيئاً.

تراجم رجال إسناد حديث (فلا ترم النخل وكل مما يسقط في أسفلها..)

قوله: [ حدثنا عثمان و أبو بكر بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة. و أبو بكر أخوه وهو: عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ وهذا لفظ أبي بكر ]. أي: هذا لفظ الشيخ الثاني. [ عن معتمر بن سليمان ]. معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت ابن أبي حكم الغفاري ]. ابن أبي الحكم الغفاري ، قيل: اسمه حسن وقيل: عبد الكبير ، وهو مستور، يعني: مجهول الحال، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثتني جدتي ]. لا توجد لها ترجمة. [ عن عم أبي رافع بن عمرو الغفاري ]. أبو رافع بن عمرو ، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . ففي الحديث: هذا المستور، وفيه هذه الجدة التي لا ندري ما حالها، ولو عرفت على أنها ثقة فسبطها هذا الذي هو ابن أبي الحكم يعل به الحديث وحده لو لم تضف إليه علة أخرى.
ما جاء فيمن قال لا يحلب


شرح حديث (لا يحلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن قال: لا يحلب. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته، فتكسر خزانته، فينتثل طعامه، فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم، فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه). أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب فيمن قال لا يحلب. يعني: أن ابن السبيل أو الذي يمر بالغنم لا يحلب منها شيئاً إلا بإذن صاحبها وإذا لم يكن صاحبها، موجوداً ليأذن له فإنه لا يحلب. وقد أورد حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه). نعم إذا كان موجوداً فإنه يستأذنه كما سبق أن مر في الحديث، وإذا لم يكن موجوداً ولم يره فإنه ينادي ثلاثاً حتى يتبين له مكانه، فإن لم يجده وكان محتاجاً فإنه يشرب ولا يحمل، فيحمل ما جاء في هذا الحديث على غير الحاجة، أما إذا كان محتاجاً فقد رخص له كما جاء في الحديث السابق، وعلى هذا يوفق بين هذا الحديث وبين ذاك الحديث السابق. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته؟). والمشربة: هي الغرفة المرتفعة يكون فيها الشيء الذي يخزن، (فتكسر خزانته فينتثل طعامه) يعني: يفرق أو يؤخذ منه شيء، وضروع مواشيهم هي مثل هذه الخزانة، وكما أن الإنسان لا يجب أن يؤتى إلى مشربته وتنتثل الخزانة فكذلك لا يأتي للضروع ويستخرج ما فيها، ولكن هذا كما هو معلوم محمول على غير الحاجة، وأما مع الحاجة فقد مر في الحديث السابق ما يدل على الرخصة.

تراجم رجال إسناد حديث (لا يحلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه...)


قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . و مالك بن أنس الفقيه المحدث الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. نافع و ابن عمر قد مر ذكرهما، وهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأنه رباعي."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03-05-2025, 06:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [311]
الحلقة (343)



شرح سنن أبي داود [311]

من أحكام الجهاد المهمة التي شدد فيها النبي صلى الله عليه وسلم: طاعة القائد والأمير في الحرب، وأن من خالف في ذلك فقد أثم، وكراهية تمني لقاء العدو، وأن يسأل الإنسان ربه العافية، ودعوة المشركين قبل القتال إذا لم يكونوا قد بلغتهم الدعوة، وأما إذا بلغتهم الدعوة وسمعوا بالمسلمين وبالذي يقاتلون من أجله فإنه لا تجب دعوتهم وإنما تستحب استحباباً، واستحباب استخدام الخدعة في الحرب لأن فيها نصراً للمسلمين، ومباغتة للأعداء قبل استعدادهم.

ما جاء في الطاعة


شرح حديث سبب نزول قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله...)


قال المصنف رحمه الله تعالى [ باب في الطاعة. حدثنا زهير بن حرب حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ... [النساء:59] في عبد الله بن قيس بن عدي (بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية) أخبرنيه يعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في الطاعة. يعني: السمع والطاعة للأمير الذي هو أمير الجيش، يعني: إذا كانوا غزاة فإنهم يسمعون ويطيعون للأمير. والسمع والطاعة للولاة جاءت بها الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسمع للوالي ولأمراء الوالي الذين ولاهم على الأقاليم والمدن والقرى، وكذلك في الأمراء على الجيوش فإنه يسمع للأمير والإمام الأعظم، ولنوابه وأمرائه الذين أسند إليهم المهمة في بلد أو غزوة أو سفر أو غير ذلك، ولكن في حدود المعروف، أي: في حدود ما هو طاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، أما إذا كان الأمر فيه معصية لله ورسوله عليه الصلاة والسلام فلا يسمع ولا يطاع، بل تقدم طاعة الله وطاعة رسوله، وتترك طاعة الأمير التي هي معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في ذلك أحاديث. وقد أورد أبو داود أثر ابن عباس أن هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم في سرية، وأراد أن يختبر طاعة الجند الذين معه له، فأجج ناراً وطلب منهم أن يقعوا فيها، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: نحن إنما آمنا بالرسول صلى الله عليه وسلم فراراً من النار فكيف نقع في النار؟! فهذه القصة هي سبب نزول هذه الآية، ففي الأثر أن هذه الآية نزلت وجاء فيها الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة ولاة الأمور، ولكن أعيد فيها فعل الأمر (أطيعوا) مع ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ )) ولم يقل: أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم، ولم يقل: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر منكم، فلم يأت لفظ الطاعة مكرراً في المواضع الثلاثة ولم يأت مع لفظ الجلالة فقط، وإنما كرر عند الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله، وحذف مع ولاة الأمور، فجاء مضافاً إلى الله ثم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يضف إلى ولاة الأمور، قالوا: والسبب في هذا أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي من طاعة الله عز وجل، فهو لا يأمر إلا بما هو حق، وهو معصوم عليه الصلاة والسلام فلا يأمر بباطل، أما ولاة الأمور فيأمرون بحق ويأمرون بباطل؛ لأنهم غير معصومين، فلم يأت الفعل (أطيعوا) معهم كما جاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لبيان أن طاعتهم ليست طاعة مطلقة كطاعة النبي صلى الله عليه وسلم، بل طاعة مقيدة في حدود ما هو طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. يعني أن الطاعة لا تكون مطلقة في كل ما يأمرون به مطلقاً حتى ولو كان معصية، بل المعصية لا يجوز لهم أن يأمروا بها ولا يطاع لهم فيها، وإنما يطاع لهم في المعروف؛ قالوا: هذا هو السر الذي من أجله حذف فعل الأمر ولم يؤت به مع ولاة الأمور، وأعيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر من الله، قال الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]. فالسنة هي وحي من الله، كما أن القرآن وحي من الله، والرسول عليه الصلاة والسلام مبلغ ما يوحى به إليه، وليست السنة من عند الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هي من عند الله، والله تعالى يوحي إلى نبيه بالكتاب وبالسنة، ولهذا جاء في أحاديث عديدة ما يبين ذلك، ومنها الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يغفر للشهيد كل شيء) ثم إنه قال بعد ذلك: (إلا الدين فإنه سارني به جبريل آنفاً) يعني: استثنى الدين في كونه لا يغفر للشهيد؛ لأن الدين من حقوق الناس، وأصحاب الدين إذا لم يحصلوا حقهم في الدنيا فإنهم سيحصلونه في الآخرة عن طريق الاقتصاص بالحسنات، فيؤخذ من المدين حسنات فتعطى للدائنين. قوله: [ قال ابن جريج : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ )) في عبد الله بن قيس بن عدي ]. يعني: نزلت فيه، فهو سبب نزولها، ثم أتى بالإسناد: أخبره فلان عن فلان عن ابن عباس أنه قال: نزلت في عبد الله بن قيس بن حذافة .

تراجم رجال إسناد حديث سبب نزول قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله...)


قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. زهير بن حرب ، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا حجاج ]. وهو: ابن محمد الأعور المصيصي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال ابن جريج ]. وهو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنيه يعلى ]. يعلى بن مسلم المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد الملطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن زبيد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً وأمر عليهم رجلاً، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأجج ناراً وأمرهم أن يقتحموا فيها، فأبى قوم أن يدخلوها وقالوا: إنما فررنا من النار، وأراد قوم أن يدخلوها، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو دخلوها أو دخلوا فيها، لم يزالوا فيها وقال: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) ]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية وأمر عليهم أميراً، وهذا الأمير هو عبد الله بن حذافة الذي مر في الإسناد السابق فأجج ناراً -وكان يريد أن يختبر مدى طاعتهم له- وأمرهم بأن يقتحموها، فقال بعضهم لبعض: فنحن ما آمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا لنسلم من عذاب النار، فكيف نقع في النار ونعذب أنفسنا بالنار؟! فلم يدخلوها، ولما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو دخلوها أو دخلوا فيها لم يزالوا فيها) معناه أنهم يعذبون بالنار بسبب قتلهم أنفسهم بدخولهم النار. ثم بين عليه الصلاة والسلام أن الطاعة لولاة الأمور ليست مطلقة في كل ما يؤمرون به، بل في حدود ما هو معروف، وفي حدود ما هو طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وأما كون الإنسان يقتل نفسه، أو يؤمر بأن يقتل غيره، وذلك الذي أمر بقتله معصوم لا يستحق القتل، فليس له أن يسمع ويطيع، بل يمتنع من قتل نفسه، ويمتنع من قتل غيره إذا أمر بذلك. (لا طاعة في معصية الله) يعني: لا طاعة للولاة في معصية الله. (إنما الطاعة في المعروف) هذا تأكيد لما تقدم، والمعروف ما كان طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. قال ابن القيم : جاء في بعض الروايات أن هذا الرجل كان معروفاً بكثرة المزاح، والمعروف أنهم أغضبوه حتى فعل ذلك. لكن لا أدري عن صحة هذا الكلام، وإنما الذي ذكر أنه كان يختبرهم، وكونه يفعل ذلك بعد أن أغضبوه لعله وجد عدم استجابة في بعض الأحوال، وأراد أن يختبرهم، لكن كلام ابن القيم أن هذا الفعل بسبب أنهم أغضبوه غير واضح، فكونهم يغضبونه ويفعل ذلك هذا أمر غريب، ولكن كونه يريد أن يختبر مدى طاعتهم هو المعقول. قال الخطابي : وقد يفسر قوله: (لا طاعة في معصية الله) تفسيراً آخر، وهو: أن الطاعة لا تسلم لصاحبها ولا تخلص إذا كانت مشوبة بالمعصية، وإنما تصح الطاعات مع اجتناب المعاصي. على كل: المعنى الأول هو الواضح؛ لأن المقصود السمع والطاعة فيما هو طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام الخطابي فيه بعد.

تراجم رجال إسناد حديث (لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف)


قوله: [ حدثنا عمرو بن مرزوق ]. عمرو بن مرزوق ، ثقة له أوهام، أخرج له البخاري و أبو داود . [ عن شعبة عن زبيد ]. شعبة مر ذكره. وزبيد هو اليامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن عبيدة ]. سعد بن عبيدة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عبد الرحمن السلمي ]. هو عبد الله بن حبيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي ]. علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، الصحابي الجليل، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: حدثني نافع عن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره) يعني: فيما يحبه وفيما يكرهه ما دام ليس فيه معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولو كان يكره ذلك الشيء الذي أمر به، يعني: أنه يسمع ويطيع ولو كان يكره هذا الذي أمر به، إلا في شيء واحد، وهو أن يكون المأمور به فيه معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فعند ذلك لا سمع ولا طاعة. فهو مثل الأحاديث المتقدمة الدالة على أن السمع والطاعة لولاة الأمور مقيدة بأن يكون المأمور به معروفاً، ولا يكون معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية...)

قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. وهو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. وقد مر ذكرهما.

شرح حديث (أعجزتم إذ بعثت رجلاً منكم فلم يمض لأمري أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن معين حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال عن بشر بن عاصم عن عقبة بن مالك من رهطه رضي الله عنه قال: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فسلَّحت رجلاً منهم سيفاً، فلما رجع قال: لو رأيت ما لامنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعجزتم إذ بعثت رجلاً منكم فلم يمض لأمري أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري) ]. أورد أبو داود حديث عقبة بن مالك رضي الله عنه عن رجل من الصحابة؛ لأن في الحديث شيئاً عن عقبة ، وفيه شيء عن الذي سلحه وأعطاه السيف، وهو الذي أسنده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن رجعوا، ففيه أنه بعث جيشاً، وأعطى رجلاً من هذا الجيش سيفاً يكون سلاحاً له، فهو إما أعطاه إياه هبة أو إعارة أو أعطاه إياه بأي صفة من الصفات التي يستفيد منها ذلك الذي سلح وأعطي السيف، فلما رجع ذلك الرجل الذي أعطاه عقبة السيف قال: لو رأيت ما لامنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: (أعجزتم إذ بعثت رجلاً منكم فلم يمض لأمري أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري). يعني: أن من يحصل منه معصية يستبدل بمن يسمع ويطيع ويمضي لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث دخل في هذا الباب من جهة أن الشخص عليه أن يسمع ويطيع فيما هو طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأما إذا لم يحصل منه استجابة وطاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يستبدل بغيره. يقول في عون المعبود: فلما رجع ذلك الرجل بعدما قتل رجلاً أظهر إيمانه كما سيأتي.. ثم قال: وأورد ابن الأثير في أسد الغابة و ابن ججر في الإصابة من رواية النسائي و البغوي و ابن حبان وغيرهم من طريق سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: أتينا بشر بن عاصم فقال: حدثنا عقبة بن مالك وكان من رهطه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأغارت على قوم، فشذ من القوم رجل فأتبعه من السرية رجل معه سيف شاهر فقال له الشاذ: إني مسلم، فلم ينظر إلى ما قال، فضربه فقتله، فنمى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولاً شديداً، فبلغ القاتل، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ قال القاتل: والله ما كان الذي قال إلا تعوذاً من القتل، فأعرض عنه، فعل ذلك ثلاثاً، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه تعرف المساءة في وجهه فقال: إن الله عز وجل أبى علي فيمن قتل مؤمناً ثلاث مرات) انتهى. فإذا كان بهذا الإسناد الذي هو ثابت فمعناه أن فيه بياناً لسبب المخالفة التي عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم عليها، ويكون ذلك مثل قصة أسامة الذي فيه: (قتلته بعدما قال لا إله إلا الله).

تراجم رجال إسناد حديث (أعجزتم إذ بعثت رجلاً منكم فلم يمض لأمري أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري)


قوله: [ حدثنا يحيى بن معين ]. يحيى بن معين ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ]. عبد الصمد بن عبد الوارث ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال ]. سليمان بن المغيرة مر ذكره. وحميد بن هلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بشر بن عاصم ]. بشر بن عاصم ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن عقبة بن مالك ]. وهو صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي .

ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته



شرح الأحاديث الواردة في باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته. حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي و يزيد بن قبيس من أهل جبلة ساحل حمص، وهذا لفظ يزيد قالا: حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء أنه سمع مسلم بن مشكم أبا عبيد الله يقول: حدثنا أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: (كان الناس إذا نزلوا منزلاً، قال عمرو : كان الناس إذا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان، فلم ينزل بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال: لو بسط عليهم ثوب لعمهم). حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن عياش عن أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي عن فروة بن مجاهد اللخمي عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه رضي الله عنه قال: (غزوت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم غزوة كذا وكذا، فضيق الناس المنازل، وقطعوا الطريق، فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي في الناس: أن من ضيق منزلاً أو قطع طريقاً فلا جهاد له). حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية عن الأوزاعي عن أسيد بن عبد الرحمن عن فروة بن مجاهد عن سهل بن معاذ عن أبيه قال: (غزونا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم بمعناه) ]. يقول أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته. انضمام العسكر: أن يجتمع بعضهم إلى بعض، لكن هذا الاجتماع لا يكون فيه تضييق، بحيث إن جماعة يأخذون أكثر من حاجتهم فيضيقون على إخوانهم، أو يضيقون الطريق الذي تمشي فيه فرق الجيش والمعسكر، ولا يكون التفرق بحيث يبتعد بعضهم عن بعض، فلا يكون تباعد ولا يكون تضييق مع الانضمام، وإنما يكون انضمام بدون تضييق ولا تباعد معه، ولا تضيق الطرق التي يسلكون منها، بحيث إذا أراد بعضهم أن يخرج أو يدخل فإنه يكون هناك طرق في المعسكر يدخل منها ويخرج. فالحكم هو: أنه لا يصير الانتشار واسعاً بحيث تكون كل جماعة بعيدة عن الأخرى، ولا ينضم بعضهم إلى بعض بحيث يضايق بعضهم بعضاً بأن يأخذ أكثر من حاجته، أو يضيق الطرق التي تكون بين العسكر. أورد أبو داود حديث أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه قال: (كان الناس إذا نزلوا منزلاً. وقال عمرو : كان الناس إذا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية)، يعني: عندما ينزلون منزلاً يتفرقون في الشعاب والأودية، وتكون بينهم مسافات، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما ذلكم من الشيطان)، يعني: هذا التفرق إنما هو من الشيطان، فكانوا بعد ذلك ينضم بعضهم إلى بعض حتى لو وضع عليهم ثوب لوسعهم من شدة تقاربهم، لكن هذا التقارب كما هو معلوم لا يكون فيه تضييق بعضهم على بعض، وهذا فيه مبالغة في ترك ما كانوا عليه من التفرق إلى أن يكونوا مجتمعين غير متفرقين. وأورد حديث معاذ بن أنس عن أبيه قال: (غزوت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم غزوة كذا وكذا فضيق الناس المنازل وقطعوا الطريق؛ فبعث نبي الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي في الناس: أن من ضيق منزلاً أو قطع طريقاً فلا جهاد له). فهذا فيه مقابل ما تقدم في الحديث السابق، حيث ورد فيه أنهم تفرقوا في الشعاب، وبعد ذلك كان يجتمعون، والاجتماع الذي يكون فيه مضرة مذموم، والتفرق الذي ليس فيه مصلحة مذموم، والحق وسط بين الإفراط والتفريط، وبين التفرق الذي فيه تباعد، والانضمام الذي يكون فيه تضييق لبعضهم على بعض وتضييق للطريق. وقوله: (لا جهاد له)، يعني: أنه جاهد من أجل أن يحصل خيراً، ولكنه عمل شيئاً أضعف من أجره بحيث أنه آذى غيره بذلك.

تراجم رجال إسناد الأحاديث الواردة في باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته

قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. عمرو بن عثمان الحمصي ، صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة . [ و يزيد بن قبيس ]. يزيد بن قبيس ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ قالا: حدثنا الوليد بن مسلم ]. الوليد بن مسلم الدمشقي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن العلاء ]. عبد الله بن العلاء ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ أنه سمع مسلم بن مشكم أبا عبيد الله ]. وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي ثعلبة الخشني ]. أبو ثعلبة الخشني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن عياش ]. إسماعيل بن عياش ، وهو صدوق في روايته عن الشاميين، مخلط في روايته عن غيرهم، وحديثه أخرجه البخاري في جزء رفع اليدين وأصحاب السنن. [ عن أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي ]. أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن فروة بن مجاهد اللخمي ]. فروة بن مجاهد اللخمي ، مختلف في صحبته، أخرج له أبو داود . [ عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني ]. سهل بن معاذ بن أنس الجهني ، لا بأس به، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. وهو: معاذ بن أنس رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية ]. عمرو بن عثمان مر ذكره. وبقية بن الوليد ، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الأوزاعي ]. عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أسيد بن عبد الرحمن عن فروة بن مجاهد عن سهل بن معاذ عن أبيه رضي الله عنه ]. وقد مر ذكرهم جميعاً.

ما جاء في كراهية تمني لقاء العدو



شرح حديث (لا تتمنوا لقاء العدو...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية تمني لقاء العدو. حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله -يعني: ابن معمر - وكان كاتباً له قال: كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه حين خرج إلى الحرورية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو قال: (يا أيها الناس! لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله تعالى العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قال: اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم) ]. أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة، وهي: باب في كراهية تمني لقاء العدو. والمقصود من هذه الترجمة أن المسلم في حال جهاده للأعداء لا يتمنى لقاء العدو؛ لأنه قد تكون حاله عند تمني لقاء العدو غير طيبة، وذلك بأن يحصل منه ما لا ينبغي إما من عدم الصبر، أو من الفرار.. أو ما إلى ذلك. فالمقصود من الترجمة أن الإنسان لا يتمنى لقاء العدو، فقد يكون هذا التمني فيه إعجاب بالنفس؛ فيترتب على ذلك الخذلان وعدم التوفيق من الله سبحانه وتعالى. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية)، وهذا هو المقصود والشاهد للترجمة. قوله: [ (فإذا لقيتموهم فاصبروا) ]. أي: إذا حصل اللقاء فعليكم بالصبر، وعليكم بالثبات. قوله: [ (واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) ]، أي: أنهم عندما يلاقون العدو يصبرون ويثبتون، ويعرفون أنهم إذا قتلوا فإنهم شهداء، وأن مآلهم إلى الجنة. قوله: [ (وأن الجنة تحت ظلال السيوف) ]. أي: أن المسلم إذا التقى بالكافر، ثم رفع الكافر سيفه عليه وصار تحته ظلال سيفه، فإذا وقع عليه ومات فإنه يكون شهيداً، والجنة تكون مأواه ومصيره، والمعنى: أنه إذا وقع القتل على أحد منكم من الكفار ومات بذلك فإنه يكون من أهل الجنة. ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم)، وهذا دعاء يكون عند اللقاء جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه توسل إلى الله عز وجل بأفعاله، وأن الله تعالى ينصرهم ويؤيدهم ويهزم أعداءهم. قوله: [ (اللهم منزل الكتاب) ]. المراد بالكتاب إما أن يكون الجنس، فيكون المراد به الكتب التي أنزلها الله على رسله الكرام، أو أن المراد به كتاب معين وهو القرآن، و(أل) في الحالتين إما للاستغراق وإما للعهد الذهني. والاستغراق: هو أن اللفظ المفرد الذي يأتي محلى بالألف واللام يراد به العموم، أي: استغراق جنس الكتاب، ويأتي كثيراً في القرآن ذكر الكتاب باللفظ المفرد ويراد به الكتب، كما قال الله عز وجل: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177] الكتاب المقصود به الكتب، وليس المقصود به كتاباً واحداً. وكذلك قول الله عز وجل: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ [الحديد:25] أي: الكتب، الله ما أنزل على رسله كتاباً واحداً، وإنما أنزل عليهم كتبه. وكذلك قوله سبحانه وتعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقَِّ [المائدة:48] المقصود به القرآن مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ [المائدة:48] أي: من الكتب، فهنا جاء لفظ الكتاب ويراد به القرآن في الموضع الأول، ويراد به الكتب الذي هو جنس في الموضوع الثاني. وكذلك قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ [النساء:136] قوله (الكتاب الذي نزل على رسوله) هو القرآن (والكتاب الذي أنزل من قبل) أي: الكتب. فهنا قوله: (منزل الكتاب) محتمل لأن يكون المراد به الكتب أي: الكتب المنزلة على المرسلين، أو أن المقصود به القرآن الذي هو منزل على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. و(أل) تكون للعهد الذهني أي: الكتاب المعهود في الذهن، وهو القرآن، مثل قوله في أول سورة البقرة الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2] أي: الكتاب المعهود في الذهن الذي هو القرآن. (ومجري السحاب) أي: يجريه في السماء ويسوقه حيث يشاء، فينزله في الموضع الذي أراد الله تعالى أن ينزل فيه، فيوجده بين السماء والأرض، ويسخره بين السماء والأرض، ويسوقه إلى حيث شاء الله تعالى أن ينزل فيه الماء، ويستفيد فيه من ينزل عليه. (وهازم الأحزاب)، والأحزاب: المراد بهم الكفار على مختلف العصور والدهور، من لدن نوح، فكل ما حصل لهم من هزيمة فهي من الله عز وجل. فتوسل إلى الله عز وجل بأفعاله، ثم النتيجة (اهزمهم وانصرنا عليهم)، فهذا فيه التوسل بين يدي الدعاء، والتوسل إلى لله عز وجل يكون بأفعاله أو بصفاته أو بأسمائه أو بربوبيته فكل ذلك سائغ، ومن التوسل بربوبيته لبعض المخلوقات التي لها شأن قوله: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل)، فإنه توسل إلى الله عز وجل بربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-05-2025, 06:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث (لا تتمنوا لقاء العدو...)

قوله: [ حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى ]. أبو صالح محبوب بن موسى ، صدوق أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا أبو إسحاق الفزاري ]. وهو: إبراهيم بن محمد بن الحارث ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن موسى بن عقبة ]. موسى بن عقبة المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم أبي النضر ]. سالم أبو النضر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي أوفى ]. وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والذي كتب هو عبد الله بن أبي أوفى إلى عمر بن عبيد الله ، فكتب: من عبد الله بن أبي أوفى إلى عمر بن عبيد الله ، وسالم أبو النضر يروي عن عبد الله بن أبي أوفى مكاتبة وكتابة، والكتابة والمكاتبة هي من طرق الأداء والتحمل عند العلماء، وهي موجودة على مختلف الطبقات يعني: في طبقة الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى المؤلفين، فأحياناً يقول المؤلف: كتب إلي فلان، يعني: بدلاً من أن يقول: حدثني فلان وفلان وفلان يقول: كتب إلي فلان، مثلما فعل البخاري في صحيحه حيث قال: كتب إلي محمد بن بشار ثم ساقه بإسناده، أي: أن الرواية جاءت عن طريق الكتابة، كما أنها تأتي عن طريق السماع، وعن طريق القراءة على الشيخ الذي يسمى العرض، وهنا الرواية جاءت عن طريق المكاتبة. وكان عمر بن عبيد الله هو الذي ذهب إلى الحرورية لغزوهم، و عبد الله بن أبي أوفى كتب إليه بالحديث يذكره به وينبهه على أن لا يتمنوا لقاء العدو، ولكنهم يسألون الله العافية، وإذا حصل اللقاء فليصبروا ويثبتوا ويعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف. وقوله: (الجنة تحت ظلال السيوف)، هذا ليس مجازاً وإنما هو حقيقة، بمعنى أن الإنسان إذا مات وصل إلى الجنة، ومعلوم أن الإنسان عندما يموت إن كان من أهل الجنة فقد حصل له ما يحصل من الجنة، وإن كان بخلاف ذلك فإنه يحصل له ما يحصل من النار، وحديث البراء بن عازب يدل على ذلك، وأوله: (إذا كان العبد في إدبار من الدنيا وإقبال على الآخرة ..) فما بين المؤمن وبين الاستفادة من الجنة ومن نعيمها إلا الموت؛ لأن من مات قامت قيامته، وصار إما في نعيم من نعيم الجنة، أو في عذاب من عذاب النار، والقبر حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة.
ما يدعى عند اللقاء


شرح حديث (كان رسول الله إذا غزا قال اللهم أنت عضدي ونصيري...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يدعى عند اللقاء. حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبي حدثنا المثنى بن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة فقال: باب ما يدعى عند اللقاء. أي: ما يدعى به عند اللقاء، والحديث الذي مر فيه ما يندرج تحت هذه الترجمة، في قوله: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم) لأن هذا مما يدعى به عند اللقاء، ولكن أبا داود أورده من أجل كراهية تمني الموت الذي جاء في أوله، وهذا الحديث الذي أورده تحت هذه الترجمة المراد به أن هذا من جملة الأدعية التي يدعى بها عند اللقاء. فأورد أبو داود حديث أنس بن مالك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا غزا قال: (اللهم أنت عضدي ونصيري بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل). قوله: [ (اللهم أنت عضدي) ]. يعني: معتمدي ومستندي. قوله: [ (ونصيري) ]. يعني: ناصري ومؤيدي. قوله: [ (بك أحول) ]. يعني: أعمل كل ما يمكن أن يمكنني من حيل للوصول إلى معرفة الحق، وكذلك (وبك أصول) يعني: أفعل وأقدم وأتقدم، (وبك أقاتل) يعني: يقاتل لله ومن أجل الله سبحانه وتعالى.

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا غزا قال اللهم أنت عضدي ونصيري...)

قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبي ]. وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا المثنى بن سعيد ]. المثنى بن سعيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما جاء في دعاء المشركين


شرح حديث (وقد أغار نبي الله على بني المصطلق وهم غارون...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في دعاء المشركين. حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا ابن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن دعاء المشركين عند القتال، فكتب إلي: (أن ذلك كان في أول الإسلام، وقد أغار نبي الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى سبيهم، وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث رضي الله عنها) حدثني بذلك عبد الله وكان في ذلك الجيش ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في دعاء المشركين. وقد سبق نظير هذه الترجمة فيما مضى، وتلك الترجمة أورد فيها أنهم يدعون إلى الإسلام، وأورد في حديث بريدة بن الحصيب الذي فيه: (إذا لقيت عدوك المشركين فادعهم إلى ثلاثة خصال أو خلال وادعهم إلى الإسلام.. ثم إلى الجزية.. ثم قاتلهم) وهنا أورد نفس الترجمة، إلا أن تلك الترجمة في كونهم يدعون قبل القتال، وفي هذه الترجمة أنهم لا يدعون، وإنما يقاتلون بدون دعوة لهم، وذلك أن الدعوة في حق من لم تبلغهم متعينة، وأما من بلغتهم فإنها تكون مستحبة ولا تكون واجبة، لأن عندهم علم سابق بالشيء الذي يقاتل الناس عليه، والشيء الذي يغزون من أجله. فعلى هذا يكون معنى الترجمتين وإن كانتا بلفظ واحد: أن الترجمة الأولى في كونهم يدعون، وذلك في حال الوجوب حيث لم تصل إليهم الدعوة ولم تبلغهم، فيدعون إلى الشيء الذي يقاتلون عليه، وأما إذا بلغتهم الدعوة، وعرفوا أن المسلمين يغزون الكفار من أجل أن يدخلوا في دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فهنا لا تكون الدعوة واجبة ولكنها مستحبة، إن أتي بها فحسن وهو تأكيد، وإن لم يؤت بها فإن الأصل موجود من قبل. فالترجمة السابقة فيها حصول الدعوة، وأنه لا قتال قبل الدعوة، والترجمة اللاحقة فيها أن القتال يكون بدون دعوة؛ لأنه قد سبق أن حصلت الدعوة، فكان قتالهم ليس خالياً من الدعوة أصلاً، ولكن الدعوة موجودة من قبل فاكتفي بها، وإن أتي بها فهي مستحبة، أي: كونهم يدعون مرة أخرى. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عون أنه كتب إلى نافع مولى ابن عمر يسأله عن دعاء المشركين عند القتال يعني: هل يدعون أو لا يدعون، فكتب إليه أن هذا -أي: الدعاء- كان في أول الإسلام حيث كان الناس لا يعرفون البعثة والرسالة، فكان يقاتلهم صلى الله عليه وسلم ويغزوهم في بلادهم ويدعوهم، أما بعد ذلك فإنه حصل من النبي صلى الله عليه وسلم أنه أغار على بعض الجهات التي غزاها صلى الله عليه وسلم دون أن يدعوهم، وذلك لسبق الدعوة، ولوجود الشيء الذي يقاتلون من أجله عندهم من قبل، وهو الدخول في الدين الحنيف، وعدم دخولهم يسوغ قتالهم. قوله: [ (وقد أغار نبي الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون) ]. يعني: على غرة وغفلة، وما أرسل إليهم أحداً يدعوهم لأن الدعوة موجودة من قبل، والعلم موجود عندهم من قبل، ولم يكونوا ممن لم تبلغهم الدعوة، بل بلغتهم الدعوة من قبل. قوله: (وهم غارون)، أي: في غفلة وغرة ونعمهم تسقى على الآبار. قوله: [ (فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم) ]. أي: قتل الذين يقاتلون، وسبى السبي الذين هم النساء والصبيان والذرية الذين ليسوا من أهل القتال. قوله: [ (وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث) ]. أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، إحدى زوجاته صلى الله عليه وسلم. قوله: [ حدثني بذلك عبد الله وكان في ذلك الجيش ]. لما كتب له بذلك يخبره بالحديث أسنده بعد ذلك فقال: حدثني بذلك عبد الله بن عمر وكان في ذلك الجيش الذي هو في غزوة بني المصطلق. [ قال أبو داود : هذا حديث نبيل، رواه ابن عون عن نافع ، ولم يشركه فيه أحد ]. (هذا حديث نبيل) أي: جيد، من النبل وهو الجودة، رواه ابن عون عن نافع ، ولم يشركه فيه أحد، وكما هو معلوم أن الراوي لا يؤثر انفراده فإنه يكون حجة وعمدة، ومعلوم أن هناك أحاديث كثيرة في الصحيحين وفي غيرهما جاءت من طريق واحد، وهي معتبرة، ومنها أول حديث في صحيح البخاري ، وآخر حديث في صحيح البخاري ، ففي فاتحة البخاري وخاتمته حديثان غريبان جاءا من طريق واحد، فالذي جاء في أول الصحيح حديث: (إنما الأعمال بالنيات) رواه عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه عن عمر : علقمة بن وقاص الليثي ، وهو من كبار التابعين، ورواه عن علقمة : محمد بن إبراهيم التيمي ، وهو من أوساط التابعين، ورواه عن محمد بن إبراهيم التيمي : يحيى بن سعيد الأنصاري وهو من صغار التابعين، ثم بعد ذلك كثر الرواة بعد يحيى بن سعيد ، وهو من فوق يحيى بن سعيد كان غريباً، ما جاء إلا من طريق واحد. وآخر حديث في صحيح البخاري : (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)، جاء من طريق أبي هريرة ، ورواه عن أبي هريرة أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، ورواه أيضاً عنه آخر، ثم اتسع بعد ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث (وقد أغار نبي الله على بني المصطلق وهم غارون...)


قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ]. إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور: بابن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن عون ]. وهو: عبد الله بن عون ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ كتبت إلى نافع ]. نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (أن النبي كان يغير عند صلاة الصبح...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغير عند صلاة الصبح، وكان يتسمع، فإذا سمع أذاناً أمسك وإلا أغار) ]. أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغير عند صلاة الصبح أي: في أول النهار، وقد سبق أن مر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوصي بأن يكون القتال في أول النهار. فأورد هنا حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتسمع فإذا سمع أذاناً فإنه يمسك)، أي: عن القتال؛ لأن هذا شعار الإسلام، ودليل على أن أهل البلد مسلمون فلا يغزوهم. والترجمة مناسبة للحديث في كونه لا توجد دعوة، وإنما استدل على إسلامهم أو عدم إسلامهم بالأذان، لأنه إذا رفع فيهم الأذان فمعناه أنهم قد أسلموا، وإذا لم يرفع الأذان فإنه يغير بدون دعوة، لكن كما هو معلوم أن الدعوة موجودة من قبل، وهو مثل حديث قصة بني المصطلق ومن جنسه، لأنه هنا قال: (وإلا أغار) أي: حيث لا يجد شعار الإسلام، وذاك ذكر أنه أغار عليهم وهم غارون.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان يغير عند صلاة الصبح...)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. وهو: ابن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا ثابت ]. ثابت بن أسلم البناني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه، وقد مر ذكره. وهذا الإسناد من أعالي الأسانيد عند أبي داود ؛ لأنه رباعي.


شرح حديث (إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم مؤذناً فلا تقتلوا أحداً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن ابن عصام المزني عن أبيه رضي الله عنه قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فقال: إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم مؤذناً فلا تقتلوا أحداً) ]. أورد أبو داود حديث عصام المزني رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم في سرية فقال: إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم مؤذناً فلا تقتلوا أحداً)، وهو مثل الذي قبله من جهة أنه إذا وجد شعار الإسلام وسمع الأذان، فإن ذلك يدل على إسلام القوم فلا يغار عليهم، وإن لم يكن كذلك فإنه يغار عليهم؛ لأنه ما وجد الشعار، ومعلوم أن هذا إنما كان بعد أن عرفت الدعوة وانتشرت وحصلت، فتكون الدعوة سابقة.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم مؤذناً فلا تقتلوا أحداً)


قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان ]. سعيد بن منصور مر ذكره. و سفيان هو: ابن عيينة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق ]. عبد الملك بن نوفل بن مساحق ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن ابن عصام المزني ]. ابن عصام المزني وهو لا يعرف فهو مجهول الحال، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيه ]. عصام ، وهو صحابي، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي. والحديث ضعفه الألباني ، لكنه بمعنى الحديث المتقدم مع زيادة ذكر المسجد.
ما جاء في المكر في الحرب


شرح حديث (الحرب خدعة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المكر في الحرب. حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو أنه سمع جابراً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الحرب خدعة) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب المكر في الحرب. يعني: كون المسلمين يمكرون بالكفار، بمعنى أنهم يأتون بالحيل التي تجعلهم لا يعرفون شيئاً عن أحوالهم وعتادهم وقوتهم، وهذا هو المقصود بالمكر. وأورد أبو داود حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحرب خدعة) والخدعة: المقصود بها المكر، يعني: كونهم يمكرون بهم حتى ينخدعوا بما يشاهدونه ويعاينونه؛ فيترتب على ذلك ضعفهم وهزيمتهم، أي: الكفار. ومن الأشياء التي هي خدعة في الحرب التورية التي كان يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي أوردها أبو داود تحت هذه الترجمة وفي قصة غزوة تبوك، وأنه إذا كان يريد غزوة يوري بغيرها، حيث يخفي الأمر على الكفار، فلا يتهيئون ولا يستعدون للقاء الرسول صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (الحرب خدعة)

قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو ]. سعيد بن منصور و سفيان مر ذكرهما. وعمرو هو ابن دينار المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث من الأسانيد العالية عند أبي داود لأنه رباعي.

شرح حديث (أن النبي كان إذا أراد غزوة ورى غيرها)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزوة ورى غيرها وكان يقول: الحرب خدعة) ]. أورد أبو داود حديث كعب بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزوة ورى غيرها..) ] وكان ذلك في غزوة تبوك. و كعب بن مالك رضي الله عنه معروف حديثه الطويل في غزوة تبوك، وفي ذكر التورية، وأنه كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد غزوة ورى بغيرها، فإذا كان سيغزو إلى جهة الجنوب يسأل عن جهة الشمال، ويسأل عن الطرق والمياه في جهة الشمال، فالاستعداد موجود، فهم يستعدون للحرب، ولكن لا يعرفون الجهة، فهو يريد الجنوب فيسأل عن الطريق من جهة الشمال والمياه في جهة الشمال وغيرها، فالذي يسمع هذه الأسئلة يظن أنه سيذهب إلى جهة الشمال، فهذه من التورية والخدعة والمكر الذي يكون في الحرب. (كان إذا أراد غزوة ورى غيرها)، وفي غزوة تبوك لم يور النبي صلى الله عليه وسلم، بل أعلن بأنه سيغزو الروم، واستنفر الناس ولما أراد صلى الله عليه وسلم أن يذهب إلى مكة عام الفتح أخفى ذلك، ولما حصل إرسال حاطب بن أبي بلتعة المرأة التي معها الكتاب أطلع الله نبيه على ذلك، وألحق بها من أتى بالكتاب، لأنه كان لا يريد أن يعلم أهل مكة أنه سيذهب إليهم، لكن في غزوة تبوك أعلن بأنه سيغزو، وأن الناس يستعدون لذلك، وذلك لأن المسافة بعيدة، والعدو كبير، والحر شديد، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يكون الاستعداد والتهيؤ الكامل لهذه الأسباب التي هي: بعد المسافة، وكثرة العدو، وقلة الظهر، وشدة الحر. والنبي لم يقل: إنني سأذهب إلى جهة الشمال، وهو يريد الجنوب، وإنما يسأل مجرد أسئلة، يريد أن يصرف الأنظار عن الجهة التي سيذهب إليها، فكان من يسمع الأسئلة يظنه سيذهب إلى الجهة التي يسأل عنها وهو سيذهب إلى جهة أخرى غيرها، فهذه هي التورية، وكان يقول: (الحرب خدعة)، أو خُدعة يعني: وهذه التورية من الخدعة.

تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي كان إذا أراد غزوة ورى غيرها...)


قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد يحتمل أن يكون ابن حساب ويحتمل أن يكون المحاربي لأن أبا داود روى عنهما جميعاً، وشيخهما محمد بن ثور رويا عنه جميعاً. أما محمد بن عبيد بن حساب الغبري فهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي. و محمد بن عبيد المحاربي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وعلى كل: الأمر دائر بينهما؛ لأن كلاً منهما تلميذ لابن ثور ، وكل منهما روى عنه أبو داود ، وهو محتمل هذا وهذا، محمد بن عبيد المحاربي كوفي، و محمد بن عبيد بن حساب الغبري بصري. و محمد بن ثور صنعاني، من صنعاء دمشق أو صنعاء اليمن، وصنعاء دمشق هي قرية قريبة من دمشق يقال لها صنعاء، ولهذا يميزونها أحياناً بأن يقولوا: صنعاء دمشق، ولكن عند الإطلاق يراد صنعاء اليمن. [ حدثنا ابن ثور ]. محمد بن ثور ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. وهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ]. عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا، وتاب الله عليهم في قول الله عز وجل وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا [التوبة:118] وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

بيان انفراد معمر بلفظ (الحرب خدعة) عن كعب


[ قال أبو داود : لم يجئ به إلا معمر يريد قوله: (الحرب خدعة)، بهذا الإسناد، إنما يروى من حديث عمرو بن دينار عن جابر ، ومن حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه ]. ثم قال أبو داود : لم يأت به، يعني قوله: (الحرب خدعة)، أما قضية التورية فهي معروفة في حديث جابر . فقوله: [ وكان يقول: (الحرب خدعة) ] لم يأت به إلا معمر بهذا الإسناد، وقد جاء لفظ: (الحرب خدعة) من حديث جابر الذي تقدم، ومن حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وهو ثابت، ولكن روايته في هذا الحديث فيها شيء؛ لأنها لم تأت إلا من هذا الطريق الذي هو طريق معمر ، والذين رووا حديث كعب بن مالك ما ذكروا: (الحرب خدعة)، فيحتمل أن تكون من كلام كعب يبين أن هذه التورية التي جاءت مضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أبي هريرة وحديث جابر فهذا الذي جاء في حديث كعب هو من أمثلة الخدعة، أي: أنه يوري. قوله: [ إنما يروى من حديث عمرو بن دينار عن جابر ]. أي: الذي مر. قوله: [ ومن حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه ]. معمر مر ذكره، وهمام بن منبه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

التورية ليست من الكذب

والتورية ليست من الكذب، وإنما هي صدق، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يذهب إلى جهة الجنوب يسأل عن أماكن في جهة الشمال، فأي كذب في هذا؟! ليس هناك كذب، وإنما فيه قطع الطريق أمام العدو بحيث إنه تصل إليه الأخبار معكوسة؛ لأنه قد يكون له جواسيس، فإذا علم بأن الأسئلة إلى جهة أخرى يأمن ولا يستعد، بسبب هذه التورية. وكونه يسأل عن جهة الشمال وهو يريد الجنوب ليس كذباً؛ لأنه يسأل عن الموارد والمسالك والطرق في الجهة المقابلة، وهذه تورية وهي صدق. وأحياناً تكون التورية بأن الإنسان يريد شيئاً وغيره يفهم شيئاً آخر، فالمتكلم صادق فيما يقول؛لكن غيره فهم شيئاً آخر، مثل تورية أم سليم لأبي طلحة لما جاء وقد مات ابنه، ولكنها ما أرادات أن تزعجه فسأل عنه فقالت: إنه قد سكنت نفسه واستراح، ففهم أنه قد خف مرضه، وهي تريد أنه انتهى نفسه، وخرجت روحه، فكلامها صحيح، فهي تريد شيئاً وهو فهم شيئاً آخر، وكذلك لفظ: (استراح) يفهم منه أنه حصلت له راحة وهدوء، وخف المرض عنه، وهي تريد أنه فاضت روحه، فالتورية يكون القائل فيها صادقاً في قوله، والذي يسمعه يفهم شيئاً آخر. كذلك ما يذكر عن بعض العلماء في فتنة خلق القرآن، فمنهم من امتنع من القول بخلق القرآن كالإمام أحمد ، ومنهم من ورى، ومن الذين وروا قال: أشهد أن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور هؤلاء كلهن مخلوقات. ويشير بأصابعه، يعني: الأربع هؤلاء مخلوقات، فهذه تورية، لأنه أراد الأصابع، وذاك يفهم أنه يريد الكتب السماوية، فالتورية ليست كذباً، فالإنسان صادق في قوله، ولكنه في بعض المواضع قد يفهم خلاف ما يريده الإنسان، فهو يريد شيئاً وغيره يفهم شيئاً آخر، وتوجد أمثلة كثيرة للتورية جاءت في الأحاديث. ومن ذلك قصة غزوة بدر لما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رجل فقال: من أين أنتم؟ قال: (نحن من ماء) فالكلام صحيح أنه من ماء. وأما الإكثار منها فإنه لا يصلح، فالإتيان بها لا يكون إلا عند الحاجة، أما كون الإنسان يأتي بها من غير حاجة فلا يصلح، أما إذا كان من حاجة كالإكراه أو ككون الإنسان يريد أن يتخلص من إنسان ابتلي به، فلا بأس أن يأتي بشيء يوري فيه، كالذي حصل من أم سليم مع أبي طلحة رضي الله تعالى عنهما، أما كون الإنسان تكون عادته التورية من غير حاجة فهذا لا ينبغي.
ما جاء في البيات


شرح حديث (أمر علينا رسول الله أبا بكر فغزونا ناساً من المشركين فبيتناهم نقتلهم...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في البيات. حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الصمد و أبو عامر عن عكرمة بن عمار حدثنا إياس بن سلمة عن أبيه رضي الله عنه قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا أبا بكر رضي الله عنه فغزونا ناساً من المشركين فبيتناهم نقتلهم، وكان شعارنا تلك الليلة: أمت أمت، قال سلمة : فقتلت بيدي تلك الليلة سبعة أهل أبيات من المشركين) ]. أورد أبو داود حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليهم أبا بكر رضي الله عنه في غزوة من الغزوات. قوله: [ (فغزونا ناساً من المشركين فبيتناهم نقتلهم) ]. يعني: أنهم هاجموهم بالليل وهم بائتون وفي قصة بني المصطلق قال: (وهم غارون) وهنا قال: (وهم بائتون) يعني: هجموا عليهم في البيات، ومعلوم أن هذا بعد بلوغ الدعوة، وليس لمن لم تبلغهم الدعوة كما عرفنا. قوله: (وكان شعارنا تلك الليلة: أمت أمت). يعني: هذا الشعار الذي بينهم ليعرف به بعضهم بعضاً، فهي كلمة يتواطئون عليها بحيث إن كل واحد يعرف صاحبه إذا كان في ظلام أو في اختلاط بأن يقول الكلمة فيعرف أنه من أصحابه حتى لا يقتل، فكان الواحد إذا لقي أحداً يقول: أمت أمت، وهذا قد سبق في باب الشعار، والشعار: علامة يتواطئون عليها، وقد مرت جملة أحاديث منها هذا الحديث الذي هو: (أمت أمت). قوله: [ قال سلمة : فقتلت بيدي تلك الليلة سبعة أهل أبيات من المشركين ]. يعني: سبع أسر.

تراجم رجال إسناد حديث (أمر علينا رسول الله أبا بكر فغزونا ناساً من المشركين فبيتناهم نقتلهم...)


قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الصمد ]. عبد الصمد بن عبد الواحد ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو عامر ]. أبو عامر العقدي وهو عبد الملك بن عمرو ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة بن عمار ]. عكرمة بن عمار ، وهو صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا إياس بن سلمة ]. إياس بن سلمة بن الأكوع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-05-2025, 01:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [313]
الحلقة (345)





شرح سنن أبي داود [313]

من أحكام الجهاد تحريم الفرار من الزحف، فهو من أكبر الكبائر، لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة، ولكن يجوز الفرار في حالات بينها أهل العلم. ومن أحكام الجهاد جواز قتل الجاسوس، وقد ذكر العلماء أدلة كل كذلك.

حرمة التولي يوم الزحف


شرح أثر تفسير ابن عباس لقوله تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرون...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التولي يوم الزحف. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا ابن المبارك عن جرير بن حازم عن الزبير بن خريت عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: نزلت إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الأنفال:65] فشق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم ألا يفر واحد من عشرة، ثم إنه جاء تخفيف فقال: الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ [الأنفال:66] قرأ أبو توبة إلى قوله: (( يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ )) قال: فلما خفف الله تعالى عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم ]. أورد أبو داود باباً في التولي يوم الزحف يعني التولي عند التقاء جيوش المسلمين وجيوش الكفار وبدء المعركة. والفرار والتولي يوم الزحف من الكبائر؛ لأن هذا يسبب الوهن والضعف، ومن أسباب الهزيمة للمسلمين كونه يوجد فيهم من يفر وينهزم، فيكون ذلك سبباً في هزيمة المسلمين، وهذا من الكبائر، وهو من السبع الموبقات التي جاءت في الحديث المتفق على صحته. وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في المصابرة؛ وهو أنه كان في أول الأمر يجب على كل مسلم أن يصابر عشرة من المشركين، فيقف للعشرة ولا ينهزم أمامهم، بل عليه أن يثبت ويصبر، ثم إن الله عز وجل خفف عنهم، وجعل المصابرة من الواحد للاثنين. فابن عباس رضي الله تعالى عنه ذكر الناسخ والمنسوخ، وقال: إنه لما نقص العدد في المصابرة نقص من الصبر بقدره، بمعنى أنه قبل كان يصابر الواحد عشرة، فصار يصابر اثنين، فنقص العدد ونقصت المصابرة بقدره.

تراجم رجال إسناد أثر تفسير ابن عباس لقوله تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرون...)

قوله: [ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ]. هو أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جرير بن حازم ]. جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزبير بن خريت ]. الزبير بن خريت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (بل أنتم العكارون)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا يزيد بن أبي زياد أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثه أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حدثه (أنه كان في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: فحاص الناس حيصة فكنت فيمن حاص. قال: فلما برزنا قلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ فقلنا: ندخل المدينة فنتثبت فيها ونذهب ولا يرانا أحد. قال: فدخلنا فقلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن كانت لنا توبة أقمنا، وإن كان غير ذلك ذهبنا. قال: فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل صلاة الفجر، فلما خرج قمنا إليه فقلنا: نحن الفرارون. فأقبل إلينا فقال: لا، بل أنتم العكارون. قال: فدنونا فقبلنا يده فقال: أنا فئة المسلمين) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان في سرية، وأنهم حاصوا حيصة، أي: مالوا ميلة وانحرفوا وانهزموا وفروا، ولما برزوا وابتعدوا عن الكفار وعن المعركة ندموا على ما حصل منهم، وقالوا: إننا تولينا من الزحف. فرأوا أن يدخلوا المدينة خفية، ثم إنهم بدا لهم أن يعرضوا أمرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لهم توبة وإلا فإنهم يعودون، فلما جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر أخبروه بالذي قد حصل وقالوا: نحن الفرارون. فقال: [ (لا، بل أنتم العكارون) ]. أي: العائدون الذين هم معذورون. وقوله: [ فدنونا فقبلنا يده ] فيه تقبيل اليد، وتقبيل اليد جاء فيه أحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سائغ لمن يستحق أن تقبل يده، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك ديدناً، ولا يصح حين يترتب على ذلك اغترار من الذي تقبل يده أو فتنة، أو غلو من الذي يحصل منه التقبيل، وإلا فإنه في الأصل جائز وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال صلى الله عليه وسلم: [ (أنا فئة المسلمين) ]. وهذا إشارة إلى الاستثناء في قوله تعالى: (( إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ )) فهذا ليس ممن توعد إذا كان متحرفاً لقتال، والمتحرف للقتال هو الذي يحصل منه شيء من أجل أن يوهم العدو أنه منهزم ثم يكر عليهم، أو يطمع العدو في نفسه حتى يرجع إليهم ويقتلهم، أو ينحرف من جهة إلى جهة في المعسكر، فيذهب من جهة إلى جهة. والتحيز إلى فئة هو أن يكون هناك جماعة أخرى تقاتل في مكان آخر في مقابل العدو فيذهب إليهم، فيكون فاعلو هذين الأمرين غير مؤاخذين وغير متوعدين بالوعيد. وإنما المحذور هو الذي يفر لا لهذا ولا لهذا، لا متحرفاً لقتال ولا متحيزاً إلى فئة. فقوله صلى الله عليه وسلم: [ (أنا فئة المسلمين) ] يعني أنهم برجوعهم إلى المدينة داخلون في قوله تعالى: (( أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ )) فيكونون بذلك معذورين. والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف.
تراجم رجال إسناد حديث: (بل أنتم العكارون)

قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يزيد بن أبي زياد ]. يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثه ]. عبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن عبد الله بن عمر حدثه ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: نزلت في يوم بدر: (ومن يولهم يومئذٍ دبره)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن هشام المصري حدثنا بشر بن المفضل حدثنا داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: نزلت في يوم بدر (( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ )) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الذي فيه بيان نزول الآية: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ [الأنفال:16]،فهذه الآية نزلت في غزوة بدر، وأن التولي مذموم ومحرم إلا في حق هذين الصنفين من الناس: المتحرف لقتال والمتحيز إلى فئة.

تراجم رجال إسناد حديث: نزلت في يوم بدر: (ومن يولهم يومئذٍ دبره)


قوله: [ حدثنا محمد بن هشام المصري ]. محمد بن هشام المصري ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا بشر بن المفضل ]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا داود ]. هو داود بن أبي هند ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي نضرة ]. هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد ]. هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الأسير يكره على الكفر


شرح حديث خباب: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فشكونا إليه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الأسير يكره على الكفر. حدثنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم و خالد عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم عن خباب رضي الله عنه أنه قال: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فشكونا إليه فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ فجلس محمراً وجهه فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يؤتى بالمنشار فيجعل على رأسه فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت ما يخاف إلا الله تعالى والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون) ]. أورد أبو داود باب في الأسير يكره على الكفر يعني كونه مأسوراً ويكره على أن يكون كافراً فيرجع عن الإسلام إلى الكفر، والعياذ بالله. فكون الأسير يثبت على الإسلام ولو قتل هذا هو الذي يدل عليه حديث خباب بن الأرت ، ولو أن إنساناً أكره على الكفر ثم أظهر الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان فإن ذلك ينفعه، ولا يكون كافراً بذلك كما جاء في القرآن الكريم، ولكن كونه يصبر ويثبت على دينه حتى لو قتل فإن هذا يكون أولى؛ حيث يدل على عزة المسلم وعظم شأن إسلامه، وأنه يثبت على الدين ولو قتل في سبيل دينه، ولكنه إن لم يصبر وأراد أن يتخلص من القتل بأن يظهر الكفر مع اطمئنان قلبه بالإيمان ومع كونه إنما يقول ذلك بلسانه دون قلبه فإنه معذور، ولا بأس بذلك. وأورد أبو داود حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه أنهم جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فقالوا له وقت إيذاء المشركين لهم: [ يا رسول الله! ألا تستنصر لنا؟ ] أي: تطلب النصر لنا من الله عز وجل فيظهرنا على أعدائنا. فجلس صلى الله عليه وسلم محمراً وجهه من الغضب، فأخبرهم بأن الله عز وجل سيظهر دينه، ولكن الله عز وجل يبتلي المؤمنين بالكفار والكفار بالمؤمنين، والله عز وجل قادر على أن ينصر نبيه بدون قتال وبدون جهاد، ولكنه شاء أن يكون القتال والصراع بين الحق والباطل والمؤمنين والكفار، كما قال الله عز وجل: وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد:4]. فالله عز وجل قادر، ولو شاء أن ينصر المسلمين على الكفار بدون قتال لحصل ذلك، ولكنه شاء أن يبتلى المؤمنون بالكفار ليصلوا إلى ما يصلون إليه بأعمال صالحة وبهمم عالية، فقوله تعالى: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ [محمد:4] يعني: الكفار (( وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ )) يعني: أن الوصول إلى هذه الغاية يكون بتعب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) فالطريق الموصل إلى الجنة فيه تعب ونصب، ويحتاج الإنسان فيه إلى صبر، ولا بد من الصبر على طاعة الله، ولا بد من الصبر عن معاصي الله، ولا بد من الصبر على أقدار الله؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، كما قال ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (قد كان من قبلكم) ]. يعني في الأمم السابقة كان يؤتى بالرجل فيحفر له حفرة ثم يدفن فيها حتى لا يهرب وحتى لا يفر؛ لأن جسمه قد دفن في الأرض وما بقي إلا رأسه ظاهراً، فيؤتى بالمنشار ويطلب منه أن يرجع عن دينه ويترك دينه، فيأبى ويبقى على دينه فيفلق فلقتين، وكان يؤتى بأمشاط الحديد ثم تحرك على رأس الإنسان فتقطع كل ما تمر به دون العظم من عصب ولحم، كل ذلك من أجل أن يرجع عن دينه فلا يرجع، وهذا أذىً شديد وعذاب عظيم، ومع ذلك كانوا يصبرون، فأنتم مطلوب منكم أن تقاتلوا المشركين وأن تصبروا، والله عز وجل قادر على نصرة أوليائه، ولكنه شاء أن يبتليهم. قوله: [ (والله ليتمن الله هذا الأمر) ]. يعني أن الغاية التي تريدونها والأمر الذي تريدونه سيحصل، وهذا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، وهو أنه يخبر بالأمور المستقبلة والأمور المغيبة فتقع كما أخبر، وكان الصحابة يصدقون بحصولها ووقوعها حينما يبلغهم الخبر بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيصدقون ويؤمنون بأن ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام لا بد أن يوجد. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر الذي يريدونه أنه سيحصل، ولكن الله شاء أن يكون الطريق الموصل إليه فيه تعب وفيه نصب، ولا يحصل بسهولة ويسر بدون أن يتعبوا وبدون أن ينصبوا وبدون أن يتميز من يصبر ممن لا يصبر، ومن يثبت ممن لا يثبت، فقال صلى الله عليه سولم: [ (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه) ] يعني: لا يخاف إلا الله عز وجل الذي هو النافع الضار والذي لا يحصل نفع إلا بقضائه وقدره، ولا يحصل ضرر إلا بقضائه وقدره، كما قال عليه الصلاة والسلام في وصيته لابن عباس (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بحصول الأمن وأن الراكب سيسافر وحده، بل جاء في بعض الأحاديث أن الضعينة ستسافر وحدها لا تخشى أحداً. وكذلك لا يخاف إلا الذئب على غنمه، وهذا من الأسباب العادية التي جعلها الله عز وجل من أسباب إلحاق الضرر بالشخص، وهي بقضاء الله وقدره، وفي ذلك بيان أن الأسباب تخشى، ولكن لا تكون خشيتها على اعتبار أن الأمر حاصل منها ومتعلق بها، بل ذلك بقضاء الله وقدره؛ لأنه لا يكون شيء من الأسباب ضاراً إلا وقد جعله الله ضاراً، ولا يكون سبب نافعاً إلا وقد جعله الله نافعاً، وقد يوجد السبب ولا يوجد المسبب، فقد يوجد الذئب، ولكن الله تعالى يعصم ويحفظ الغنم من أن يصل إليها الذئب، وقد يقدر الله عز وجل أن الذئب يصيبها. قوله: [ (ولكنكم تعجلون) ] أي: تستعجلون فتريدون أن تحصل الأمور بدون تعب، وتريدون أن يحصل لكم شيء بدون مقابل وبدون نصب، والأمر هو كما قال عليه الصلاة والسلام: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات).

تراجم رجال إسناد حديث خباب: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فشكونا إليه)


قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا هشيم و خالد ]. هشيم مر ذكره، وخالد هو خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ، وكل منهما ثقة، أخرج حديثهما أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم ]. إسماعيل و قيس بن أبي حازم قد مر ذكرهما. [ عن خباب ]. هو خباب بن الأرت رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حكم الجاسوس إذا كان مسلماً


شرح حديث قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه في بعثه الكتاب إلى قريش


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلماً. حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عمرو حدثه حسن بن محمد بن علي أخبره عبيد الله بن أبي رافع -وكان كاتباً لعلي بن أبي طالب - قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا و الزبير و المقداد رضي الله عنهما فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ضعينة معها كتاب فخذوه منها. فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالضعينة، فقلنا: هلمي الكتاب. فقالت: ما عندي من كتاب. فقلت: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. فأخرجته من عقاصها، فأتينا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإذا هو من حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه إلى ناس من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ما هذا يا حاطب ؟! فقال: يا رسول الله! لا تعجل علي؛ فإني كنت امرأً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها، وإن قريشاً لهم بها قرابات يحمون بها أهليهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ فيهم يداً يحمون قرابتي بها، والله -يا رسول الله- ما كان بي من كفر ولا ارتداد. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: صدقكم. فقال عمر رضي الله عنه: دعني أضرب عنق هذا المنافق! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم!) ]. أورد أبو داود [ باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلماً ] يعني: ماذا يفعل به؟ هل يقتل أو لا يقتل؟ والذي يظهر أن حكمه يرجع إلى الإمام، وأنه يرى ما فيه المصلحة، فإن قتله فله قتله، وإن أبقاه فله إبقاؤه، وقد أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قصة حاطب . وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يغزو مكة عام الفتح أخفى الخبر عن الناس حتى لا يحصل اطلاع ومعرفة من الكفار بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم فيستعدون. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورى بغيرها إلا في غزوة تبوك فإنه أعلن أنه سيغزو الروم، وأمر الناس بالاستعداد وأمرهم بالنفير، وفي غيرها كان يوري حتى يخفى الخبر على الكفار الذين يريد أن يغزوهم صلى الله عليه وسلم. وحصل من حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه أنه كتب كتاباً إلى الكفار بمكة يخبرهم بشيء من خبر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يريد أن يأتي إليهم وأنه يتهيأ لغزوهم، وأرسل بذلك مع ضعينة -امرأة- فذهبت بهذا الكتاب. فالله تعالى أطلع نبيه على ذلك، فأرسل علياً ومعه الزبير و المقداد بن الأسود ليأتوا بذلك الكتاب الذي مع هذه المرأة، وقال: [ (اذهبوا إلى روضة خاخ) ] وهي مكان بين مكة والمدينة، وأخبرهم بأنهم سيجدون امرأة معها الكتاب فليأتوا به، فذهبوا وأدركوها في المكان الذي أخبرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الغيب الذي أطلع الله نبيه عليه الصلاة والسلام عليه، والله تعالى يطلع من شاء من خلقه على ما شاء من غيبه، وقد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على كثير من الغيوب، ولكنه لم يطلعه على كل غيب، فعلم الغيب على الإطلاق من خصائص الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ [النمل:65] فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم متى تقوم الساعة، وقد جاء في حديث جبريل (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) وجاءت أحاديث كثيرة تدل على حصول أمور مغيبة لم يعلمها رسول الله عليه الصلاة والسلام، مثل العقد الذي كان لعائشة فقد مكثوا يبحثون عنه وكان تحت الجمل الذي تركب عليه عائشة ، وكذلك في قصة الإفك ما كان صلى الله عليه وسلم يعلم الحقيقة، بل قال لعائشة : (إذا كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفريه) ومكث خمسين يوماً وهو حزين متألم، وبعد ذلك أنزل الله براءتها في آيات تتلى من سورة النور، فعلم عليه الصلاة والسلام أنها بريئة، وقبل ذلك ما كان يعلم أنها بريئة، بل كان يقول لها: (يا عائشة ! إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفريه) وهجرها وذهبت إلى أهلها وحصل ما حصل، ولم يكن يعلم بذلك الغيب حتى أنزل الله عليه ما أنزل من القرآن الذي فيه براءتها رضي الله تعالى عنها وأرضاها. فلما لحق الثلاثة بالمرأة قالوا: أخرجي الكتاب. قالت: ما معي من كتاب. فقالوا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. أي: نفتشك ونخرجه منك. لأن الرسول أخبر بأنه معها، والرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يقول، فإذاً الكتاب موجود، وقد أمروا بأن يذهبوا للإتيان به، فهددوها وأخبروها، بل ورد في بعض الروايات أنهم هددوها بالقتل، فأخرجته من عقاصها، قيل: إنه كان في رأسها. وجاء في بعض الروايات أنه كان في حقوها، وجمع بينهما بأن قالوا: لعله كان في حقوها وربطته في طرف عقيصتها. فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا بموضوعه من حاطب بن أبي بلتعة إلى كفار قريش يخبرهم ببعض خبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [ (ما هذا يا حاطب ؟!) ] فقال: لا تعجل علي يا رسول الله، والله ما بي -يا رسول الله- من كفر ولا ارتداد. يعني: ما كنت باقياً على الكفر وأظهرت الإسلام نفاقاً مع أنني أبطن الكفر، ولا ارتددت بعد أن دخلت في الإسلام، فما خرجت منه إلى الكفر، فلست باقياً على الكفر وأظهرت الإسلام نفاقاً مع إبطان الكفر، وما دخلت في الإسلام ثم خرجت منه ورجعت إلى الكفر بالردة. فقوله: [ ما كان بي من كفر ولا ارتداد ] معناه أنه ليس باقياً على الكفر مظهراً للإسلام نفاقاً كما هو شأن المنافقين الذين لما قوي الإسلام وظهر الإسلام أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، فهم كفار، وذلك لأن قلوبهم معقودة على الكفر وباقية على الكفر، ولكنهم أظهروا الإسلام خوفاً من المسلمين، كما قال الله تعالى عنهم: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14] وقوله: [ ولا ارتداد ] يعني: ما دخلت في الإسلام ثم خرجت منه بالردة ورجعت إلى الكفر والعياذ بالله. ثم بين سبب فعله بأن الموجودين في المدينة من المهاجرين لهم أقارب في مكة يحمون أهليهم وذويهم عندما يحصل الغزو، وقال: وأنا لست من أنفسهم، وإنما كنت ملصقاً بهم. يعني: أنا حليف من حلفائهم ولست من أنفسهم، فأراد إذ فاته أن يكون منهم من يحمون من يكون قريباً له أن تكون له هذه اليد عندهم حتى يحموا قرابته. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: [ (صدقكم) ] فأخبر بأنه قد صدق، فقال عمر رضي الله عنه: [ دعني أضرب عنق هذا المنافق ] مع أن حاطباً قال: [ ما كان بي من كفر ] ومعناه: إني لست منافقاً باقياً على النفاق. فعمر رضي الله عنه وأرضاه رأى أن هذا الفعل هو فعل من يظهر الإيمان ويبطن الكفر، فقال: [ دعني أضرب عنق هذا المنافق ]. فقال صلى الله عليه وسلم: [ إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم! ] فكونه من أهل بدر وكونه من الذين حصلت لهم تلك الفضيلة وتلك المنقبة، فنهايتهم طيبة، وما يحصل منهم فإنه مغفور لهم، ويكونون في الآخرة من أهل الجنة، فهذا يجعل حاطباً رضي الله عنه لا يؤاخذ بما فعل. قوله: [ فأخرجته من عقاصها ]. العقاص هو ضفائر شعر رأسها. قوله: [ فقال: يا رسول الله! لا تعجل علي؛ فإني كنت امرأً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها، وإن قريشاً لهم بها قرابات يحمون بها أهليهم بمكة ]. المقصود بقوله: [ وإن قريشاً ] المهاجرون الذين في المدينة، فقد كان لهم قرابات يحمون قراباتهم، وأما أنا فليس لي قرابات، فلست مثل بقية المهاجرين، فأردت أن تكون هذه اليد التي أقدمها لهم تقوم مقام القرابة التي حصلت للناس الآخرين فيحمون قرابتي وأهلي هناك. وقول عمر رضي الله عنه: [ دعني أضرب عنق هذا المنافق ] وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شهد بدراً فيه إشارة إلى جواز قتل الجاسوس؛ لأنه ما ذكر شيئاً يمنع منه إلا كونه شهد بدراً، ففهم منه أنه لو لم يكن عنده هذه المنقبة لكان أهلاً لأن يقتل، ولكن الذي حصل لهذا الرجل رضي الله عنه أنه شهد بدراً، وأهل بدر قد قال الله تعالى فيهم ما قال، وهذا يدل على أن أهل بدر نهاياتهم حسنة، وأن مآلهم إلى الجنة، وهم من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم مغفور لهم في الآخرة، لكن هذا لا يعني أن من وجب عليه منهم شيء في الدنيا لا يؤاخذ به ويسقط عنه. بل لو فعل أمراً يستحق عليه حداً أو نحو ذلك فإنه يؤاخذ به، وإنما الكلام فيما يتعلق بالآخرة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 04-05-2025, 01:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


تراجم رجال إسناد حديث قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه في بعثه الكتاب إلى قريش

قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو ]. هو عمرو بن دينار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثه حسن بن محمد بن علي ]. حسن بن محمد بن علي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبره عبيد الله بن أبي رافع ]. عبيد الله بن أبي رافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت علياً ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
إسناد آخر لحديث قصة حاطب وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن حصين عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه بهذه القصة، قال: (انطلق حاطب فكتب إلى أهل مكة أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد سار إليكم وقال فيه: قالت: ما معي كتاب. فانتحيناها فما وجدنا معها كتاباً، فقال علي : والذي يحلف به لأقتلنك أو لتخرجن الكتاب) وساق الحديث ]. هذا الإسناد الثاني الذي أورده المصنف عن علي رضي الله تعالى عنه هو قريب من الأول. قوله: [ فانتحيناها ]. أي: قصدناها فحاولوا أخذ الكتاب فما وجدوه معها. وقوله: [ والذي يحلف به ]. الذي يحلف به هو الله تعالى، فالحلف لا يكون إلا بالله تعالى. قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. هو وهب بن بقية الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن خالد ]. هو خالد بن عبد الله الواسطي الطحان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حصين ]. هو حصين بن عبد الرحمن السلمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد بن عبيدة ]. سعد بن عبيدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عبد الرحمن السلمي ]. هو عبد الله بن حبيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وصهره زوج ابنته فاطمة ، وأبو الحسنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
الجاسوس الذمي


شرح حديث أمره صلى الله عليه وسلم بقتل فرات بن حيان حين كان عيناً لأبي سفيان


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجاسوس الذمي. حدثنا محمد بن بشار حدثني محمد بن محبب أبو همام الدلال حدثنا سفيان بن سعيد عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن فرات بن حيان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتله، وكان عيناً لأبي سفيان رضي الله عنه، وكان حليفاً لرجل من الأنصار، فمر بحلقة من الأنصار فقال: إني مسلم. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! إنه يقول: إنني مسلم! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن منكم رجالاً نكلهم إلى إيمانهم، منهم فرات بن حيان) ]. أورد أبو داود [ باب في الجاسوس الذمي ] يعني: ماذا يصنع به وماذا يعمل به. والذمي هو الذي له ذمة وله عهد، فإذا صار جاسوساً فإنه يكون ناقضاً لعهده وللإمام أن يقتله. فالذمي هو الكافر الذي له عهد وذمة، فإذا غزا المسلمون بلاداً فدخل أهلها في ولايتهم وصاروا يدفعون الجزية لبقائهم على كفرهم صاروا أهل ذمة، و ابن القيم له كتاب واسع في أحكام أهل الذمة من أحسن ما كتب في بيان أحكام أهل الذمة وما يتعلق بهم من مسائل وأحكام مختلفة، وهو كتاب واسع في عدة مجلدات، فهو من أحسن ما يرجع إليه فيما يتعلق بأحكام الكفار والتعامل معهم، سواء أكان في التهنئة أم في التعزئة أم في السلام أم في غير ذلك مما يتعلق بأحكام الكفار أهل الذمة وغير أهل ذمة. وقد أورد أبو داود حديث فرات بن حيان رضي الله عنه أنه كان جاسوساً لأبي سفيان ، وقد جاء في بعض الروايات أنه كان ذمياً وكان جاسوساً، ففي مسند الإمام أحمد أنه كان ذمياً، وهذا هو الذي فيه مطابقة للترجمة من جهة كونه ذمياً، وأنه كان عيناً -أي: جاسوساً- لأبي سفيان في حال كفره، وذلك قبل أن يسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقتله، وهذا يدل على أن الجاسوس الكافر إذا كان ذمياً فإنه يكون قد نقض عهده بذلك ويحل قتله، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى قتله، فجاء إلى مجلس جماعة من الأنصار فقال: [ إني مسلم ]. أي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله، ولكن فراتاً أخبرهم بأنه مسلم، أي: دخل في الإسلام، وكان جاسوساً قبل أن يسلم. فقال رجل من الأنصار: [ يا رسول الله! إنه يقول: إنه مسلم ]. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (إن منكم رجالاً نكلهم إلى إيمانهم) ]. يعني ما يقولونه بألسنتهم من أنهم مؤمنون وأنهم مسلمون، أي: الحكم بالظاهر؛ لأن الكافر إذا قال: إنه مسلم. أو قال: آمنت بالله. أو قال: أشهد أن لا إله إلا الله فإن الحكم أنه يكون مسلماً بذلك، ولا يبحث عما سوى ذلك؛ لأن الظاهر للناس والباطن علمه إلى الله سبحانه وتعالى، وقد مر في بعض الأحاديث: (أفلا شققت عن قلبه) يعني الذي قتل بعد أن قال: (لا إله إلا الله). قال صلى الله عليه وسلم: [ (إن منكم رجالاً نكلهم إلى إيمانهم منهم فرات بن حيان) ]. أي: أن فرات بن حيان من هؤلاء الذين نكلهم إلى إيمانهم. ومحل الشاهد من هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقتله من أجل تجسسه، ولكن الإسلام هو الذي منع من ذلك وحال بينه وبين أن يقتل. وقد كان جاسوساً لأبي سفيان ، ولا ندري هل كان -أيضاً- من أهل الذمة أم لم يكن له عهد، ويمكن أن يكون عاش تحت ولاية الإسلام ولكنه استخدم للتجسس.
تراجم رجال إسناد حديث أمره صلى الله عليه وسلم بقتل فرات بن حيان حين كان عيناً لأبي سفيان

قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. هو محمد بن بشار الملقب ببندار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثني محمد بن محبب أبو همام الدلال ]. محمد بن محبب أبو همام الدلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان بن سعيد ]. هو سفيان بن سعيد الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حارثة بن مضرب ]. حارثة بن مضرب ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن فرات بن حيان ]. هو فرات بن حيان رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود وحده.
الجاسوس المستأمن


شرح حديث: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجاسوس المستأمن. حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو نعيم حدثنا أبو عميس عن ابن سلمة بن الأكوع عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عين من المشركين وهو في سفر، فجلس عند أصحابه ثم انسل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اطلبوه واقتلوه. قال: فسبقتهم إليه فقتلته وأخذت سلبه فنفلني إياه) ]. أورد أبو داود [ باب في الجاسوس المستأمن ]. المستأمن هو الذي له أمان، وهو الذي يدخل إلى بلاد المسلمين ويعطى أماناً على نفسه وماله مدة بقائه في بلاد المسلمين. وأورد أبو داود رحمه الله حديث سلمة بن الأكوع ، وفيه ذكر قصة الرجل الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في سفر، وأنه جاء وأناخ بعيره ودخل معهم، وبعد ذلك انسل بسرعة وركب بعيره وهرب، فعلموا أنه جاسوس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم باللحاق به وبقتله، فلحقوه، وكان الذي أدركه سلمة بن الأكوع ، وكان عدَّاءً -أي: سباقاً على رجليه- فسبق الذين على الإبل حتى تقدم عليهم وأمسك خطام جمل الجاسوس وقتله، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سلبه. والحديث ليس فيه دليل واضح على الاستئمان، ولكن كونه جاء وجلس معهم ورأى حالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق بسرعة معناه أن له حكم المستأمن الذي أعطي أماناً. ولكن البخاري بوب لهذا بقوله: (باب الجاسوس بغير أمان) يعني: وليس له أمان؛ لأن هذا جاء ولم يكن له أمان، فلعل أبا داود أراد من وراء ذلك أن يبين أن حكم المستأمن يكون كذلك، وأنه إذا حصل منه تجسس فإنه ينقض أمانه ويستحق القتل. وهذا الجاسوس الذي جاء وجلس مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى حالهم ثم انسل فعرفوا أنه جاسوس ما كان ابن سبيل أو عابر سبيل، وما جاء ليشاركهم في أكلهم أو ليكون ضيفاً عندهم، وإنما جاء ليتجسس ثم انصرف بسرعة وهرب، فعند ذلك عرفوا أنه جاسوس فلحقوه، وقتله سلمة بن الأكوع، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سلبه. قوله: [ أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه ثم انسل ]. أي: جلس عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى ضعف حالهم وضعف ركابهم وما فيهم من ضعف. [ فانسل ] يعني: خرج منسلاً إلى بعيره، وكان قد قيده، ففك قيده وركب عليه ثم هرب. قوله: [ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلبوه فاقتلوه. قال: فسبقتهم إليه فقتلته وأخذت سلبه فنفلني إياه ]. هذا اختصار للقصة، وستأتي بكمالها في الحديث الآتي. فسلمة بن الأكوع رضي الله عنه لحقه يعدو على رجليه، وكان ممن لحقه صاحب ناقة ورقاء كانت من أحسن الركاب، ولكنه سبق الناقة وسبق الجمل حتى تقدم وأمسك بخطامه وأناخه، ولما أناخه اخترط سيفه وضرب عنقه فسقط رأسه ومات.

تراجم رجال إسناد حديث (أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا أبو نعيم ]. هو الفضل بن دكين الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عميس ]. هو عتبة بن عبد الله المسعودي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن سلمة بن الأكوع ]. هو إياس بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه في قتله جاسوساً للمشركين


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله أن هاشم بن القاسم و هشاماً حدثاهم قالا: حدثنا عكرمة قال: حدثني إياس بن سلمة حدثني أبي سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هوازن. قال: فبينما نحن نتضحى وعامتنا مشاة وفينا ضعفة إذ جاء رجل على جمل أحمر، فانتزع طلقاً من حقو البعير فقيد به جمله، ثم جاء يتغدى مع القوم، فلما رأى ضعفتهم ورقة ظهرهم خرج يعدو إلى جمله فأطلقه ثم أناخه فقعد عليه، ثم خرج يركضه، واتبعه رجل من أسلم على ناقة ورقاء هي أمثل ظهر القوم، قال: فخرجت أعدو فأدركته ورأس الناقة عند ورك الجمل وكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته بالأرض اخترطت سيفي فأضرب رأسه فندر، فجئت براحلته وما عليها أقودها، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الناس مقبلاً فقال: من قتل الرجل؟ فقالوا: سلمة بن الأكوع . قال: له سلبه أجمع) قال هارون هذا لفظ هاشم ]. أورد أبو داود حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، وهو أكثر تفصيلاً لهذه القصة من الرواية السابقة، وقد أخبر سلمة بن الأكوع رضي الله عنه بأنهم كانوا في غزوة هوازن، وأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا قد نزلوا يأكلون طعاماً في الضحى، قال: نتضحى مثلما يقال: نتغدى ونتعشى. أي: طعام الغداة وطعام العشاء. فجلسوا يأكلون في وقت الضحى فجاء هذا الرجل وشاركهم في الأكل وهو جاسوس، فلما رأى رقة حالهم وضعفهم انسل وركب، وكان حين وصل إليهم قد انتزع طلقاً من حقو جمله -والطلق هو عقال من جلد- فقيده به، أي: وضعه على يديه بحيث لا يمشي مع استطاعته أن يتحرك ليرعى. فلما رأى حالتهم انسل وأطلق عقال جمله وأناخه وركب عليه، ثم جعل يركضه، أي: يستحثه على الجري والعدو، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم باللحاق به وقتله، فلحقه رجل من أسلم من جماعة سلمة بن الأكوع على ناقة ورقاء هي أمثل الإبل التي معهم، فكان رأسها عند ورك الجمل، فلحق بهما سلمة حتى صار عند ورك الناقة، ثم تقدم حتى صار عند ورك الجمل، ثم تقدم حتى صار أمامه وأمسك بخطامه وأناخه، ولما أناخه وصارت ركبة البعير في الأرض اخترط سيفه فضرب رأسه فندر، أي: سقط رأسه، فجاء بالبعير يقوده وما عليه، فاستقبله الرسول صلى الله عليه وسلم هو والناس، أي: قاموا من أماكنهم يستقبلون اللذين ذهبا لقتل هذا الجاسوس فلما وصلا قال صلى الله عليه وسلم: [ (من الذي قتله؟) ] قالوا: سلمة بن الأكوع فقال: [ (له سلبه أجمع) ] يعني: كل سلبه يكون لسلمة ، والسلب هو مال القتيل الكافر ثيابه وسلاحه يعطاه قاتله. والحديث فيه دليل على القيام لاستقبال من يأتي واستقبال القادم والداخل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة استقبلوا من لحق ذلك الجاسوس.

تراجم رجال إسناد حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه في قتله جاسوساً للمشركين


قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال ، وهو البغدادي ، ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ أن هاشم بن القاسم ]. هاشم بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن هشاماً ] يحتمل أن يكون المراد به هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي ، ويحتمل أن يكون المراد به هشام بن سعيد الطالقاني ، وفي تهذيب الكمال في ترجمة هارون بن عبد الله الحمال لم يذكر من مشايخه من يسمى هشاماً إلا هشام بن سعيد الطالقاني . وإن كان هشام هنا هو هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي فمعنى ذلك أن أبا داود روى عنه بواسطة وبغير واسطة. وعلى كل حال فإن كان المراد هشام بن سعيد الطالقاني فهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي ، وإن كان المراد هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي فهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عكرمة ]. هو عكرمة بن عمار العجلي ، صدوق يغلط، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني إياس بن سلمة حدثني أبي سلمة بن الأكوع ]. قد مر ذكرهما. وقوله: [ قال هارون : هذا لفظ هاشم ] معناه أن الحديث لفظ هاشم بن القاسم وليس لفظ هشام ."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 04-05-2025, 01:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [314]
الحلقة (346)





شرح سنن أبي داود [314]

الجهاد في سبيل الله تعالى شرف عظيم، وله أحكام وآداب شرعية تخصه، فمن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ القتال أول النهار أو يؤخره إلى ما بعد الزوال، وكذلك مشروعية التزام الصمت حال القتال إلا من ذكر الله عز وجل، وكذلك استحباب فعل ما يظهر قوة المسلمين أمام أعدائهم؛ ولذا جاز الاختيال بين الصفوف.

وقت استحباب لقاء الكفار في الجهاد


شرح حديث قتاله صلى الله عليه وسلم أول النهار أو بعد زوال الشمس

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في أي وقت يستحب اللقاء. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا أبو عمران الجوني عن علقمة بن عبد الله المزني عن معقل بن يسار أن النعمان -يعني ابن مقرن - رضي الله عنهما قال: (شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا لم يقاتل من أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر) ]. أورد أبو داود [ باب في أي وقت يستحب اللقاء ] يعني لقاء الكفار. وقد أورد أبو داود حديث النعمان بن المقرن رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يقاتل أول النهار أخر حتى تزول الشمس وتهب الرياح، وذلك وقت صلاة الظهر وصلاة العصر جمعاً، فيكون وقت قبول الدعاء. وهذا فيه دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هديه القتال في أول النهار أو بعد منتصف النهار ودخول وقت صلاة الظهر، فإذا لم يقاتل أول النهار في الصباح يقاتل بعد الزوال وبعد دخول وقت الصلاة صلاة الظهر والعصر في الحال الجمع. فهذا هو الوقت الذي يستحب فيه اللقاء، في الصباح أو بعد الزوال.

تراجم رجال إسناد حديث قتاله صلى الله عليه وسلم أول النهار أو بعد زوال الشمس


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا أبو عمران الجوني ]. هو عبد الملك بن حبيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة بن عبد الله المزني ]. علقمة بن عبد الله المزني ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن معقل بن يسار ]. هو معقل بن يسار رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أن النعمان بن مقرن ]. هو النعمان بن مقرن رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

ما يؤمر به من الصمت عند اللقاء



شرح حديث: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند اللقاء)


قال المصنف رحمه الله تعالى:[ باب فيما يؤمر به من الصمت عند اللقاء. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام . ح وحدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا هشام حدثنا قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد أنه قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكرهون الصوت عند اللقاء عند القتال ]. أورد أبو داود : [ باب فيما يؤمر به من الصمت عند اللقاء ] يعني السكوت وعدم الصخب والكلام، وإنما يكون الجهاد سكوتاً إلا في ذكر الله سبحانه وتعالى فلا بأس بذلك، وأما أن يكون هناك صراخ أو صياح أو كلام في غير ذلك فلا يصلح. وقد أورد أبو داود هذا الأثر عن قيس بن عباد عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا عند اللقاء أو عند القتال يكرهون الصوت. أي: يكرهون التكلم إلا في ذكر الله عز وجل والتكبير، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا [الأنفال:45] ومن الذكر التكبير. وهذا الأثر موقوف على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ينتهي إسناده إلى أصحاب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم. وهو حجة، لكون الصحابة كان هذا شأنهم وهذه طريقتهم، وهم أسبق الناس إلى كل خير وأحرص الناس على كل خير رضي الله عنهم وأرضاهم.

تراجم رجال إسناد حديث كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند اللقاء)


قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا عبيد الله بن عمر ]. هو عبيد الله بن عمر القواريري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام حدثنا قتادة ]. هشام قد مر ذكره، و قتادة هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قيس بن عباد ]. قيس بن عباد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

إسناد آخر لحديث كراهية الصوت عند اللقاء وتراجم رجاله


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا عبد الرحمن عن همام حدثني مطر عن قتادة عن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمثل ذلك ]. أورد أبو داود الحديث هنا ولكنه مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله: [ بمثل ذلك ] يعني أنه لا يؤتى بالصوت عند اللقاء، وإنما يكون السكوت والصمت وعدم الكلام إلا في ذكر الله عز وجل. قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن عن همام ]. همام هو همام بن يحيى العوذي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني مطر ]. هو مطر الوراق ، وهو صدوق كثير الخطأ والنسيان، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قتادة عن أبي بردة ]. قتادة قد مر ذكره، و أبو بردة هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد الله بن قيس ، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعفه الألباني ، ولعل ذلك من أجل مطر الوراق ، لكن كون أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلون ذلك يدل على أنهم أخذوه من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيما وإسناده إلى جميعهم وإلى عمومهم وليس إلى فرد واحد منهم.
الترجل عند اللقاء


شرح حديث ترجل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته يوم حنين


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يترجل عند اللقاء. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه أنه قال: (لما لقي النبي صلى الله عليه وسلم المشركين يوم حنين فانكشفوا نزل عن بغلته فترجل) ]. أورد أبو داود باب الترجل عند اللقاء. والترجل هو المشي على الرجل، وهذا يدل على الشجاعة وعلى القوة وعلى عدم الاكتئاب وعدم الخوف، ولهذا لما انكشفوا نزل صلى الله عليه وسلم عن بغلته وكان يقول: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)، فثبت ثم رجع أصحابه وصار النصر للمسلمين على أعدائهم. فالترجل هنا غير الترجل فيما يتعلق بالزينة وهو تسريح الشعر ودهنه، بل هو المشي على الرجل، وهو يدل على الثبات وعلى قوة الجأش وعدم الخوف والذعر.

تراجم رجال إسناد حديث ترجل النبي صلى الله عليه وسلم عن بغلته يوم حنين

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و إلا النسائي ، ولم يخرج له النسائي إلا في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسرائيل ]. إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. قد مر ذكره. [ عن البراء ] هو البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
الخيلاء في الحرب


شرح حديث ما يحبه الله تعالى من الغيرة والخيلاء وما يبغضه منهما


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الخيلاء في الحرب. حدثنا مسلم بن إبراهيم و موسى بن إسماعيل -المعنى واحد- قالا: حدثنا أبان حدثنا يحيى عن محمد بن إبراهيم عن ابن جابر بن عتيك عن جابر بن عتيك رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: (من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة، وإن من الخيلاء ما يبغض الله ومنها ما يحب الله، فأما الخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل نفسه عند القتال واختياله عند الصدقة، وأما التي يبغض الله فاختياله في البغي) قال موسى : والفخر ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب الخيلاء في الحرب ] أي أنها سائغة، والخيلاء في الأصل غير سائغة، فكون الإنسان يكون مختالاً ويكون فخوراً لا يجوز، والله تعالى قد ذم المختال الفخور، ولكن ذلك في حال الحرب سائغ وجائز؛ لأنه يدل على ثبات الجأش وعلى القوة وعلى عدم ضعف النفس، ويدل على عزة النفس، وعلى ثبوت الرجل وعدم خوفه وضعفه وخوره، فأبيح في هذه الحالة التي هي حالة الحرب. وأورد أبو داود حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة) ] يعني كون الإنسان يغار على أهله في ريبة وفي أمر محرم حتى لا يحصل، وهذا مما يحبه الله عز وجل، والغيور هو ضد الديوث الذي يقر الخبث في أهله ولا يبالي ولا يهتم. فالغيرة في الريبة وفيما هو ريبة مما يحبه الله، والغيرة في غير ذلك يبغضها الله، قالوا: ومن أمثلة ذلك كون الإنسان يغار على نكاح قرائبه وزواج قرائبه ويكره ذلك، فإن هذا في أمر مباح وأمر مشروع، فالغيرة فيه وكراهية ذلك أمر مبغوض عند الله عز وجل، وكون الإنسان كذلك يغار على أمه في زواجها ويكره زواجها بعد أبيه فهذا مما يكرهه الله ومما هو مبغوض، و هذه غيرة في غير ريبة، فتكون الريبة هنا مما يبغضه الله عز وجل، فالغيرة في الريبة محمودة والغيرة في غيرها -أي: فيما هو مباح ومشروع- مذمومة. قوله: [ (وإن من الخيلاء ما يبغض الله ومنها ما يحب الله فأما الخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل نفسه عند القتال) ]. اختيال الرجل نفسه عند القتال هو أن يحصل عنده اختيال يدل على قوة جأشه وعلى عدم انهزام نفسه وعلى عدم الخور عنده. قوله: [ (واختياله عند الصدقة) ]. يعني كونه يجود بالصدقة ويبذلها، ويترتب على ذلك اقتداء به ومتابعة له، فإن ذلك سائغ. قوله: [ (وأما التي يبغض الله فاختياله في البغي) ]. أي: كونه يختال على أحد باغياً عليه ومعتدياً عليه، ويتعاظم عند ما يقتل إنساناً معصوماً، أو عندما يأخذ مالاً لغيره، فإن هذا مما يبغضه الله عز وجل. قوله: [ قال موسى : والفخر ]. أي: البغي والفخر، وهذه الزيادة هي من أحد شيخي أبي داود ، وهو موسى بن إسماعيل، فكلمة (الفخر) جاءت عند موسى بن إسماعيل وحده وليست عند الشيخ الأول مسلم بن إبراهيم .

تراجم رجال إسناد حديث ما يحبه الله تعالى من الغيرة والخيلاء وما يبغضه منهما

قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وقد مر ذكره. [ و موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره. [ حدثنا أبان ]. هو أبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا يجيى ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم ]. هو محمد بن إبراهيم التيمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جابر بن عتيك ]. قيل: هو عبد الرحمن . وقيل: آخر، وكل منهما مجهول، فهذا مجهول وذاك غير معروف، والنتيجة واحدة، سواء أكان هو المسمى الذي هو عبد الرحمن أم الآخر الذي لم يسم، وقيل: إنه أبو سفيان ، وكل منهما مجهول، ولكن الحديث له شاهد عن عقبة بن عامر ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في إرواء الغليل. [ عن جابر بن عتيك ]. جابر بن عتيك رضي الله عنه، صحابي، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي .
الرجل المسلم يستأسر


شرح حديث قصة أصحاب الرجيع العشرة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يستأسر. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم -يعني ابن سعد - أخبرنا ابن شهاب أخبرني عمرو بن جارية الثقفي حليف بني زهرة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشرة عيناً وأمر عليهم عاصم بن ثابت رضي الله عنه، فنفروا لهم هذيل بقريب من مائة رجل رام، فلما أحس بهم عاصم لجئوا إلى قردد، فقالوا لهم: انزلوا فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ألا نقتل منكم أحداً. فقال عاصم : أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصماً في سبعة نفر، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، منهم خبيب و زيد بن الدثنة ورجل آخر رضي الله عنهم، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء لأسوة، فجروه فأبى أن يصحبهم فقتلوه، فلبث خبيب أسيراً حتى أجمعوا قتله، فاستعار موسى يستحد بها، فلما خرجوا به ليقتلوه قال لهم خبيب : دعوني أركع ركعتين، ثم قال: والله لولا أن تحسبوا ما بي جزعاً لزدت) ]. أورد أبو داود [ باب في الرجل يستأسر ]. يعني: يأسره الكفار. وأورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عشرةً عيناً، أي: جواسيس يأتون بأخبار العدو، وهذا يدل على أن الجاسوس قد يكون واحداً وقد يكونون أكثر من واحد، كما ذكر هنا أنهم عشرة، وسبق أن مر فيما يتعلق بكون الإنسان يسافر وحده أنه يمكن أن يرسل وحده من أجل التجسس على الكفار، ويكون مسافراً وحده، ويكون مستثنىً مما جاء من كراهية أن يسافر الإنسان وحده. قوله: [ وأمر عليهم عاصم بن ثابت ] أي: جعله أميراً على العشرة يرجعون إليه ويكون مرجعاً لهم. وقد سبق أن مر أن الثلاثة عندما يسافرون يؤمرون واحداً منهم حتى يرجعوا إليه، وهنا النبي صلى الله عليه وسلم أمر على هؤلاء العشرة عاصم بن ثابت رضي الله تعالى عنه، فجاءهم جماعة خرجوا لهم من هذيل، فأحاطوا بهم؛ فصعدوا فوق مكان مرتفع يقال له: قردد، فصار هؤلاء الكفار تحت وهؤلاء فوق، فصاروا ينادونهم ويقولون: انزلوا وسلموا أنفسكم ولكم الأمان والعهد أنه لا يحصل لكم شيء. فقال عاصم الذي هو أميرهم: لا أنزل على ذمة كافر. فرموهم حتى قتلوا منهم سبعة فيهم عاصم الذي هو أميرهم، وبقي ثلاثة، فنزل هؤلاء الثلاثة، وهم خبيب و زيد بن الدثنة ورجل آخر، فلما نزلوا أطلقوا أوتار قسيهم - جمع قوس- فربطوهم بها، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر. وهو كونهم قالوا: انزلوا ولكم العهد أنه لا يحصل لكم شيء. ثم بعد ذلك ربطوهم، فقال: لي بأصحابي أسوة ولن أصحبكم. فجعلوا يجرونه وهو يأبى أن يصحبهم، فقتلوه فصار الذين قتلوا ثمانية، فبقي الاثنان خبيب و زيد بن الدثنة ، ثم إنهم بعد ذلك أجمعوا على قتل خبيب ، فقال: دعوني أصلي ركعتين. وطلب منهم موسى ليستحد بها. أي: يحلق بها عانته؛ لأن الاستحداد هو حلق العانة بالحديدة، فقيل له: استحداد؛ لأنه إزالة للشعر بالحديدة التي هي الموسى. فأذنوا له فصلى ركعتين، ثم إنه لما صلى ركعتين قال: والله لولا أن تظنوا أن بي جزعاً لزدت على ذلك. يعني: زدت ركعتين. ثم إنهم قتلوه رضي الله تعالى عنه وأرضاه. والحاصل أن هؤلاء الثلاثة سلموا أنفسهم وأسرهم أولئك وعاملوهم بهذه المعاملة. وقوله: [ (فنفروا لهم هذيل) ] فيه الجمع بين الاسم الظاهر والضمير، وهي اللغة التي يسمونها لغة (أكلوني البراغيث) وهي الجمع بين الاسم الظاهر والضمير، وقد جاء بها القرآن والسنة، أما القرآن ففي قول الله عز وجل: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنبياء:3] وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل). والترجمة[ الرجل يستأسر ] دالة على أن الرجل له أن يسلم نفسه للأسر عند الحاجة؛ لأنه قال: [ يستأسر ] يعني: يطلب منه، فالاستئسار هو الطلب؛ لأن السين والتاء تدلان على الطلب، أي: يطلب منه أن يسلم نفسه للأسر، فهؤلاء الثلاثة سلموا أنفسهم، وأحدهم لما رأى الغدر من أول وهلة لم يشأ أن يصحبهم، فسحبوه، ولما لم يستجب لهم قتلوه رضي الله عنه، ففيه جواز الامتناع عن الأسر ولو أدى ذلك إلى قتل الممتنع.

تراجم رجال إسناد حديث قصة أصحاب الرجيع العشرة


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره، و إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو بن جارية الثقفي ]. هو عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي ، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً على الاطلاق رضي الله عنه وأرضاه.


إسناد آخر لحديث قصة أصحاب الرجيع وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن عوف حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي -وهو حليف لبني زهرة، وكان من أصحاب أبي هريرة رضي الله عنه- فذكر الحديث ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة ، وهو مثل ما تقدم. قوله: [ حدثنا ابن عوف ]. هو محمد بن عوف ، ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي . [ حدثنا أبو اليمان ]. هو الحكم بن نافع ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعيب ]. هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية ]. قد مر ذكرهما، وهنا قال: عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية، ففي الإسناد الأول نسبه إلى جده، وفي هذه الطريق الثانية ذكر نسبه كاملاً.
الأسئلة



حكم صلاة ركعتين قبل القتل

السؤال: هل الركعتان سنة عند القتل بدلالة فعل خبيب رضي الله تعالى عنه؟



الجواب: ما أعلم سنيتهما، لكنهما جائزتان.

استشكال في الإعلام بخبر أصحاب الرجيع لكونهم قتلوا جميعاً

السؤال: إذا كان العشرة من الصحابة قد قتلهم الهذليون فمن الذي أخبر بخبرهم؟


الجواب: قد يكون الذي أخبر خبرهم هو زيد بن الدثنة ؛ لأنه لم يعرف أمره بعد ذلك في القتل، وقد يكون أحد الهذليين أسلم بعد ذلك ثم أخبر بالخبر، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك عن طريق الوحي، ففي صحيح البخاري أن خبيباً قال: (اللهم! أخبر عنا نبيك).

قيام طالب العلم من مجلسه في الحلقة للداخل

السؤال: إذا كنت في مجلس أو حلقة علم ودخل علينا أحد فهل القيام له سنَّة؟



الجواب: من كانوا في حلقة علم فالذي ينبغي لهم أن يكونوا كلهم مشتغلين بالعلم، وإذا انتهوا من الاشتغال بالعلم يقوم من يريد أن يقوم لهذا الجالس. لكن إذا كانوا في مجلس من المجالس فقاموا أو قام بعضهم لاستقبال القادم والداخل فهذا لا بأس به وهو مشروع ومستحب إذا كان فيه إيناس وإدخال للسرور، فلا بأس بذلك، وأما فيما يتعلق بحلقة العلم والاشتغال بالعلم فالذي ينبغي هو المواصلة، وإذا جاء أحد فإنه يجلس ويستمع ثم يقام له، وقد يكون سائغاً، مثل ما حصل لكعب بن مالك رضي الله عنه حين نزلت توبته، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه، فلما دخل كعب بن مالك قام طلحة واستقبله يهنئه بتوبة الله عز وجل عليه.

معنى الصمت عند لقاء العدو وحكم الأناشيد وقت اللقاء


السؤال: هل معنى الصمت عند لقاء العدو عدم التكبير والتهليل إلا بصوت منخفض؟ وإذا كانت هناك أناشيد تدعو للحماس فهل يجوز التغني بها لرفع الهمم؟


الجواب: التكبير هو الذي ترفع به الهمم، وأما التغني بالأناشيد فإنه لا يرفع الهمم بل يثبطها.

حكم قتل المستأمنين من الكفار مقابل قتل دولهم رعايا المسلمين

السؤال: ما حكم قتل الكفار الذين يعيشون في بلاد المسلمين للعمل أو للسياحة، حيث إن حكوماتهم تقتل المسلمين وتعين على قتلهم؟



الجواب: لا يجوز قتل من دخل وأعطي الأمان ليعمل أو ليتجول في بلد من البلدان وقد أذن له بذلك، وإن حصل أن الكفار اعتدوا على المسلمين فهم لا ذمة لهم ولا عهد لهم، فالمسلمون عليهم أن يفوا بالعهود. ثم كون الكفار يغدرون بواحد من المسلمين لا يبيح للمسلمين أن يغدروا بأحد ما حصل منه غدر وما حصل منه خيانة وما حصل منه شيء ينقض عهده."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 04-05-2025, 01:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [315]
الحلقة (347)



شرح سنن أبي داود [315]

الحرب خدعة، فعلى قائد المسلمين أن ينصب الكمائن التي تفتك بالعدو، وينظم جيشه ويصفهم بما يناسب الحال، وإن دعا أحد من المشركين إلى المبارزة فليبعث له من فيه قوة وشجاعة ليقتله، ويكسر قلوب الكافرين بقتله.

نصب الكمائن في القتال


شرح حديث وضع النبي صلى الله عليه وسلم الرماة على الجبل يوم أحد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الكمناء. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق سمعت البراء رضي الله عنه يحدث قال: (جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الرماة يوم أحد -وكانوا خمسين رجلاً- عبد الله بن جبير رضي الله عنه، وقال: إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا من مكانكم هذا حتى أرسل لكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم. قال: فهزمهم الله، قال: فأنا -والله- رأيت النساء يسندن على الجبل، فقال أصحاب عبد الله بن جبير : الغنيمة -أي قوم- الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟! فقال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! فقالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فأتوهم فصرفت وجوههم وأقبلوا منهزمين) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في الكمناء ]. والكمناء: جمع كمين. وهو القسم الذي يجعل من الجيش في مكان يختفي فيه ليقوم بمهمة في النكاية بالأعداء، هذا هو المقصود بالكمين أو الكمناء. وأورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما، وذلك في غزوة أحد، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل خمسين من الرماة في مكان، وجعل عليهم أميراً عبد الله بن جبير ، وقال: امكثوا في هذا المكان ولا تبرحوه حتى يأتيكم مني شيء، فإن رأيتمونا تخطفنا الطير -أي: هزمنا- فلا تبرحوا من مكانكم حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا ظفرنا وانتصرنا فلا تبرحوا مكانكم حتى أرسل إليكم، فلما حصلت الوقعة وانهزم المشركون في أول الأمر ورأى هؤلاء الذين هم كمناء ما حصل قال بعضهم لبعضهم: الغنيمة! أي: انتصر المسلمون. فذكرهم أميرهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم لا يبرحون، سواء انهزم الجيش أم انتصر حتى يأتيهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم من يبلغهم بالشيء الذي يفعلونه. فلما قال لهم أميرهم ما قال رأى بعضهم ألا يأخذوا بقول الأمير المستند إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فخرجوا ولحقوا بالقوم، ثم إنه حصل لهم بعد ذلك الهزيمة، وهؤلاء الذين أسندت إليهم المهمة وهم الكمناء ما قاموا بالالتزام بالشيء الذي أرشدهم إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فحصل ما حصل. والمقصود من الحديث ذكر الكمين، وأنه يمكن للوالي أو للأمير أن يجعل بعض القوم كمناء بحيث يكونون ظهراً للمسلمين. قوله: [ (جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الرماة يوم أحد -وكانوا خمسين رجلاً- عبد الله بن جبير) ]. يعني جعله أميراً عليهم. قوله: [ وقال: (إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا من مكانكم هذا حتى أرسل لكم) ]. هذا جانب الهزيمة، فقوله: [ (تخطفنا الطير) ] يعني: انهزمنا أمام الأعداء. فإن رأيتمونا كذلك فلا تبرحوا حتى أبعث إليكم. قوله: [ (وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل لكم إليكم) ]. يعني: تغلبنا عليهم واستولينا عليهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم. ففي كلا الحالتين هم ملزمون أن يبقوا حتى يأتيهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم توجيه يوجههم به. قوله: [ (فهزمهم الله) ]. يعني: حصلت النتيجة أن هزم الله المشركين. قوله: [ (فأنا -والله- رأيت النساء يسندن على الجبل) ]. الذي يظهر أنهن نساء المشركين، يعني: بعدما انهزموا صارت النساء تسند على الجبل. قوله: (فقال أصحاب عبد الله بن جبير : الغنيمة -أي قوم- الغنيمة) ]. يعني: قال بعض أصحاب عبد الله بن جبير الذين معه والذين هو أميرهم: الغنيمة الغنيمة. أي: انطلقوا حتى تأخذوا الغنيمة أو تشاركوا في أخذ الغنيمة. فذكرهم أميرهم عبد الله بن جبير بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم يبرحون ولا يتجاوزون المكان إلا بعد أن يأتيهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول يبلغهم بالشيء الذي يريده النبي صلى الله عليه وسلم منهم، فلم يأخذوا بما ذكرهم به عبد الله بن جبير رضي الله عنه. قال: [ (فقال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! فقالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة) ]. قوله: [ (فأتوهم فصرفت وجوههم وأقبلوا منهزمين) ]. يعني هؤلاء الذين أسندت إليهم المهمة ما قاموا بها، ولم يلتزموا بما أرشدهم له النبي صلى الله عليه وسلم. [ (وصرفت وجوههم) ] يعني: رجعوا دون أن يحصلوا طائلا. ولا شك أن الذنوب والمعاصي أسباب كل شر وأسباب كل بلاء، فمن أسباب الهزيمة ومن أسباب انتصار الأعداء على المسلمين الوقوع في المعاصي، قال الله عز وجل: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].

تراجم رجال إسناد حديث وضع النبي صلى الله عليه وسلم الرماة على الجبل يوم أحد


قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو إسحاق ]. هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعت البراء ]. هو البراء بن عازب رضي الله عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود التي هي الرباعيات.
صف الجيش عند القتال


شرح حديث أمره صلى الله عليه وسلم أصحاب بدر وقت اصطفافهم برمي العدو بالنبل حال قربهم منهم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الصفوف. حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل عن حمزة بن أبي أسيد عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين اصطففنا يوم بدر: (إذا أكثبوكم -يعني إذا غشوكم- فارموهم بالنبل، واستبقوا نبلكم) ]. أورد أبو داود [ باب في الصفوف ] يعني أن الجيش يصف، وأنهم يكونون صفوفاً ولا يكونون بدون تنظيم وبدون اصطفاف، بل يكونون صفوفاً. وأورد حديث أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اصطففنا يوم بدر ]. ومحل الشاهد قوله: [ اصطففنا ] ومعناه أن الجيش يصطف، وقد جاء في اصطففاهم يوم بدر الحديث المشهور الذي فيه أنهم لما صفوا وكان عبد الرحمن بن عوف في الصف كان عن يمينه شاب من الأنصار وعن يساره شاب من الأنصار، فغمزه الذي عن يمينه وقال: يا عم! أتعرف أبا جهل ؟ قال: وماذا تريد منه؟! قال: إنه يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فلئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. ومحل الشاهد منه أنهم صفوا وكان على يمين عبد الرحمن شاب من الأنصار والآخر عن يساره، وكذلك غمزه الآخر وقال مثلما قال، فأراهما إياه فانطلقا إليه وقتلاه. فمن الأمور المهمة في الجيوش التنظيم في الصفوف، وكان عليه السلام يصف أصحابه، وحصل ذلك في بدر كما جاء في قصة عبد الرحمن بن عوف ، وكما جاء في الحديث الذي معنا، وهو أنهم لما اصطفوا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: [ (إذا أكثبوكم -يعني: إذا غشوكم- فارموهم بالنبل) ]. أي: إذا قربوا منكم فأرسلوا النبل إليهم؛ لأن النبل لا يذهب مكاناً بعيداً، فإذا قربوا منهم فإنه ينفع إرسال النبل، وإذا كانوا في مكان بعيد ذهب النبل ولم يصب العدو، فلم يحصلوا من الرمي على طائل. فقوله: [ (إذا أكثبوكم) ] ليس معناه أنهم وصلوا إليهم بحيث التحموا بهم؛ لأنه إذا حصل الالتحام فالسيوف هي التي تنفع، وأما إذا كان بينهم مسافة بحيث تصل السهام فإنها ترسل السهام إليهم، وإذا كانوا بعيدين لا ترسل السهام، بل يستبقون نبلهم، فقوله: [ (أكثبوكم) ] معناه صاروا قريبين منكم، ولهذا كثيراً ما يأتي التعبير بالوقوف عن كثب، ومعناه: عن قرب. قوله: [ (فارموهم بالنبل واستبقوا نبلكم) ]. معنى قوله: [ (فارموهم بالنبل) ] أي: إذا قربوا وصاروا قريبين منكم [ (واستبقوا نبلكم) ] يعني لا ترسلوه إذا كانوا بعيدين؛ لأنكم لو أرسلتموه فإنه يضيع ولا تصيبون الأعداء.

تراجم رجال إسناد حديث أمره صلى الله عليه وسلم أصحاب بدر وقت اصطفافهم برمي العدو بالنبل حال قربهم منهم


قوله: [ حدثنا أحمد بن سنان ]. أحمد بن سنان ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي في مسند مالك و ابن ماجة . [ حدثنا أبو أحمد الزبيري ]. هو محمد بن عبد الله الزبيري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل ]. عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل ، صدوق فيه لين، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و ابن ماجة . [ عن حمزة بن أبي أسيد ]. حمزة بن أبي أسيد ، صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. هو أبو أسيد الساعدي ، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
سل السيوف عند اللقاء


شرح حديث: (إذا أكثبوكم فارموهم بالنبل ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في سل السيوف عند اللقاء. حدثنا محمد بن عيسى حدثنا إسحاق بن نجيح -وليس بالملطي - عن مالك بن حمزة بن أبي أسيد الساعدي عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر: (إذا أكثبوكم فارموهم بالنبل ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم) ]. أورد المصنف [ باب في سل السيوف عند اللقاء ] يعني عند لقاء العدو، بحيث إذا غشوهم وقربوا منهم واختلطوا بهم فإن السيوف تمضي فيهم، فعند ذلك تسل وتستخدم السيوف، وأما إذا كانوا ليسوا قريبين منهم أو كان بينهم مسافة فيرسل النبل إليهم إذا كانت المسافة قريبة كما مر في الحديث السابق، بحيث تؤثر السهام فيهم، ولا ترمى إذا كانوا بعيدين بحيث لا تصل إليهم السهام، فإذا كان بينهم وبينهم مسافة قريبة ترسل السهام، وإذا غشوهم والتصقوا بهم واختلطوا بهم فعند ذلك تعمل السيوف فيهم. فقوله: [ (إذا أكثبوكم) ] أي: دنوا منكم وقربوا بحيث يصل النبل إليهم ويصيبهم. قوله: [ (ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم) ] يعني: لا تسلوها حتى يصلوا إليكم وتصلوا إليهم. فالالتحام إذا حصل تعمل السيوف عند ذلك، وإذا كان هناك مسافة قريبة وكان هناك حد فاصل بين المسلمين والكفار فإنه يرسل النبل؛ لأن النبل حينها ينفع، وإذا ضربوا بالسيوف فإنهم يضربون في الهواء، فليس عندهم أحد يضرب بالسيوف، لكن إذا وصلوا إليهم بحيث تصل السيوف إليهم تستعمل السيوف ولا يستعمل النبل ما دام قد حصل الالتحام.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أكثبوكم فارموهم بالنبل ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم)


قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى ]. هو محمد بن عيسى الطباع ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ عن إسحاق بن نجيح ]. إسحاق بن نجيح مجهول، أخرج له أبو داود . وقوله: [ ليس بالملطي ]. يقصد بذلك أن هناك شخصاً يقال له: إسحاق بن نجيح الملطي وبعض العلماء كذبوه، وليس له رواية في الكتب الستة، فأبو داود قال: [ وليس بالملطي ] حتى يبين أنه هو الثاني الذي هو إسحاق بن نجيح الحضرمي ، ليبين أنه ليس الكذاب الذي اسمه إسحاق بن نجيح ، وإنما هو الثاني الذي هو مجهول، أخرج له أبو داود . [ عن مالك بن حمزة بن أبي أسيد الساعدي ]. مالك بن حمزة بن أبي أسيد مقبول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبيه عن جده ] أبوه وجده تقدم ذكرهما. والحديث ضعفه الشيخ الألباني ، ولعله من أجل المجهول والمقبول، ولكن معناه صحيح من جهة أن النبل يرسل حيث لا يكون الالتحام، وأنه إذا حصل الالتحام تنفع السيوف.

المبارزة


شرح حديث طلب عتبة بن ربيعة المبارزة يوم بدر


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المبارزة. حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي رضي الله عنه أنه قال: (تقدم -يعني عتبة بن ربيعة - وتبعه ابنه وأخوه فنادى: من يبارز؟ فانتدب له شباب من الأنصار، فقال: من أنتم؟ فأخبروه، فقال: لا حاجة لنا فيكم، إنما أردنا بني عمنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قم يا حمزة ، قم يا علي ، قم يا عبيدة بن الحارث . فأقبل حمزة إلى عتبة وأقبلت إلى شيبة واختلف بين عبيدة و الوليد ضربتان، فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم ملنا على الوليد فقتلناه واحتملنا عبيدة) ]. أورد أبو داود [ باب في المبارزة ]. والمبارزة هي بروز فرد أو أفراد من جيش المسلمين مع جيش الكفار فيحصل الاقتتال فيما بينهم خاصة، هذه هي المبارزة، وفيها إظهار القوة والنشاط وعدم الضعف، وأن الكفار إذا تطاولوا وأظهروا أن فيهم قوة فالمسلمون يقابلونهم بقوة أعظم من قوتهم. فهؤلاء الثلاثة من الكفار، وهم عتبة وابنه الوليد وأخوه شيبة طلبوا المبارزة، فانتدب لهم شباب من الأنصار، أي: قالوا: نحن نبارزكم. فقالوا: من أنتم؟ فأخبروهم، فقالوا: لا نريدكم وإنما نريد بني عمنا. أي: قرابتنا الذين هم من قريش من المهاجرين وليسوا من الأنصار. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لقرابته: قم يا حمزة ، وقم يا علي ، وقم يا عبيدة بن الحارث . و عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ابن عمه، فكل الثلاثة من أقاربه، عمه وابنا عمه، فبرز الثلاثة إلى الثلاثة، فبرز حمزة لعتبة ، و علي لشيبة ، و عبيدة للوليد ، فحمزة و علي كل منهما قتل قرنه وقتل الشخص الذي بارزه، وأما الوليد و عبيدة بن الحارث فكل واحد منهما ضرب الآخر وأثخنه وأثر فيه، ولكن ما قتل أحدهما الآخر، فلما قتل علي صاحبه و حمزة قتل صاحبه مالا على الوليد فقتلاه واحتملا عبيدة بن الحارث الذي أثخن. قالوا: فهذا فيه دليل على المبارزة وعلى جوازها وعلى مشروعيتها. ومن العلماء من قال: إنها تكون بإذن الإمام ولا تكون بغير إذنه. ومنهم من قال: إنها تكون بغير إذنه؛ لأن الأنصار الثلاثة الذين انتدبوا ما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: تقدموا. وإنما أبرزوا أنفسهم، ولكن أولئك رفضوا وقالوا: ما نريدكم أنتم، بل نريد بني عمنا. يقصدون المهاجرين. ولكن كون الأمر يرجع فيه إلى الإمام، وكون الجيش يتصرف بتوجيه الإمام هذا هو الذي ينبغي. وبدء المعركة بالمبارزة معناه إظهار القوة لاسيما أن أولئك الذين بدءوا كان عندهم تطاول واستعلاء، ومع ذلك فالله سبحانه وتعالى خذلهم، فلا شك أن هذا فيه إظهار قوة المسلمين فيما إذا حصل تغلبهم على من يبارزهم. وفعل حمزة و علي رضي الله عنهما حين ساعدا عبيدة كأنه كان سائغاً عند العرب.


تراجم رجال إسناد حديث طلب عتبة بن ربيعة المبارزة يوم بدر


قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. و هارون بن عبد الله الحمال يروي عن هشام بن عبد الملك أبي الوليد الطيالسي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد عرفنا فيما مضى أن أبا داود يروي عنه مباشرة بدون واسطة ويروي عنه بواسطة. [ حدثنا عثمان بن عمر ]. عثمان بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. هو جده عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ، مر ذكره. [ عن حارثة بن مضرب ]. حارثة بن مضرب ثقة، أخرج له مسلم و البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 04-05-2025, 01:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,138
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الجهاد
شرح سنن أبي داود [316]
الحلقة (348)





شرح سنن أبي داود [316]

شرع الجهاد في الإسلام لرحمة الخلق، ولإخراجهم من الظلمات إلى النور؛ ولذا ففيه الرحمة والإحسان حتى حال القتال، فلا يجوز التمثيل بالقتلى، ولا يجوز قتل النساء والصبيان، ولا يجوز التحريق بالنار، وفي هذه المسأل استثناءات بينها أهل العلم.

النهي عن المثلة


شرح حديث: (أعف الناس قتلة أهل الإيمان)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في النهي عن المثلة. حدثنا محمد بن عيسى و زياد بن أيوب قالا: حدثنا هشيم أخبرنا مغيرة عن شباك عن إبراهيم عن هني بن نويرة عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أعف الناس قتلة أهل الإيمان) ]. أورد أبو داود هنا (باب النهي عن المثلة)، والمثلة: هي التمثيل بالقتيل، سواء قبل قتله أو بعد قتله، والتمثيل به بأن تقطع أعضاؤه، فيجدع أنفه وتقطع أذناه وتفقع عينه، أو تقطع يده أو رجله، هذا هو التمثيل بالإنسان، وسواء أكان ذلك قبل أن يقتل أم بعد أن يقتل، وقد جاءت السنة بالنهي عن ذلك، وقد سبق أن مر بنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان عندما يؤمر أميراً على جيش يوصيه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم يقول: (اغزوا باسم الله) ويوصيه بوصايا في الحرب فيقول فيها: (لا تغدروا ولا تمثلوا)، فالتمثيل جاء النهي عنه، ولكن إذا كان المقتول أو الذي يراد قتله قد مثل فإنه يمثل به ويعاقب بمثل ما عمل. ويدل على ذلك قصة العرنيين الذين مثلوا بالراعي فمثل بهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك إذا كان القتل حصل عن طريق التمثيل، فيكون القصاص عن طريق التمثيل أيضاً، فنفس العقوبة التي فعلها تفعل به، إلا أن تكون بأمر محرم فلا يجوز المقابلة به، أما إذا كان قد فعل ذلك فإنه يفعل به مثلما فعل، قال تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النحل:126]. ولما أخذ يهودي حلي جارية ثم رض رأسها بين حجرين فعل الرسول صلى الله عليه وسلم به مثلما فعل بالمقتولة، فرض رأسه بين حجرين. فالتمثيل ابتداء لا يجوز، ولكن إذا كان على سبيل المقابلة، بأن كان الذين قتلوا وتمكن منهم حصل منهم التمثيل فإنهم يمثل بهم جزاء وفاقاً. أورد أبو داود هنا حديث عبد الله بن مسعود : [ (أعف الناس قتلة أهل الإيمان) ]. يعني أنهم عندما يقتلون يحسنون القتل، وذلك لأنهم ملتزمون بأحكام الإيمان، وأنهم مؤمنون يمتثلون أحكام الإسلام، فهم يحسنون القتل، وقد جاء في الحديث: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته). فقوله: [ (أعف الناس قتلة أهل الإيمان) ] يعني أنهم يحسنون القتل، ولا يحصل منهم التمثيل بمن يقتلونه فيعذبونه عند قتله، وإنما يريحونه بالقتل، فيقتلونه ويستريح بالقتل دون أن يمثلوا به قبل القتل أو بعده، إلا إذا كان على سبيل المجازاة والمقابلة.

تراجم رجال إسناد حديث: (أعف الناس قتلة أهل الإيمان)


قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى و زياد بن أيوب ]. محمد بن عيسى مر ذكره، و زياد بن أيوب ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا مغيرة ]. هو مغيرة بن مقسم الضبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شباك ]. هو شباك الضبي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجة [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي ، ثقة، أخرج له أصحاب ا لكتب الستة. [ عن هني بن نويرة ]. هني بن نويرة مقبول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن علقمة ] هو علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه الهذلي، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والحديث ضعفه الألباني ولعله من أجل ذلك المقبول ولكن حديث: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)، يدل على ما دل عليه.

شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدق وينهانا عن المثلة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن الهياج بن عمران أن عمران أبق له غلام، فجعل لله عليه لئن قدر عليه ليقطعن يده، فأرسلني لأسأل له، فأتيت سمرة بن جندب رضي الله عنه فسألته فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة) فأتيت عمران بن حصين فسألته فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن عمران بن حصين وعن سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحث على الصدقة وينهى عن المثلة. والمقصود هنا النهي عن المثلة، والمثلة قد عرفناها فيما مضى. قوله: [ (أن عمران أبق له غلام فجعل الله عليه لئن قدر عليه ليقطعن يده) ] قوله: [ (أبق له غلام) ] يعني: هرب، فأقسم أنه إذا ظفر به فسيقطع يده؛ عقوبة له على هذا الإباق وهذا الشرود، فأرسل من يسأل فأخبر بأن النبي نهى عن المثلة، ومعنى ذلك: لا تقطع يده. لأن ذلك تمثيل، والتمثيل نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم. وليس فيه حجة على أن إقامة الحدود تمثيل، فإقامة الحدود ليست تمثيلاً، ولكن لو حصل أن إنساناً مثَّل وأقيم عليه الحد بمثل ما فعل فهذه مجازاة له على فعله، وأما إقامة الحدود بكونه يقطع رأسه أو تقطع اليد من أجل السرقة أو تقطع الرجل من أجل السرقة فهذا ليس من التمثيل؛ لأن الذي منع التمثيل هو الذي شرع هذه العقوبة. وفي هذا الحديث لما سئل الصحابيان عن مسألة قطع يد العبد أخبرا بالشيء الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مشتمل على المطلوب وزيادة، فالمطلوب هو النهي عن التمثيل والثاني الذي ليس بمطلوب في هذه المناسبة هو الحث على الصدقة.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة)


قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. محمد بن المثنى هو أبو موسى العنزي الملقلب بالزمن ، وهو ثقة، وهو أحد شيوخ رجال الكتب الستة، وكلهم روى عنه بدون واسطة. [ حدثنا معاذ بن هشام ]. هو معاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو صدوق ربما وهم، وحديثه أخرجه رجال الكتب الستة. [ حدثني أبي ] أبوه هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ] هو قتادة بن دعامة السدوسي ، وهو ثقة مدلس، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ] هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الهياج بن عمران ] هو هياج بن عمران بن الفضيل البرجمي مقبول، روى له من رجال الكتب الستة أبو داود فقط. قوله: [ فأتيت سمرة بن جندب ] هو سمرة بن جندب بن هلال الفزاري ، صحابي روى له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ فأتيت عمران بن الحصين ] هو عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي ، صحابي روى له أصحاب الكتب الستة.
قتل النساء في الحرب


شرح حديث إنكاره صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان في المغازي


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قتل النساء. حدثنا يزيد بن خالد بن موهب و قتيبة يعني ابن سعيد قالا: حدثنا الليث عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه: (أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتل النساء والصبيان) ]. أورد أبو داود هنا [ باب في قتل النساء ] يعني: في الحرب. والنساء لا يقتلن في الحرب إلا أن يقاتلن، فيقتلن لقتالهن، وأما إذا لم يقاتلن فإنهن لا يقتلن ويكن سبياً. عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما [ (أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان)]. فالنهي عن قتل النساء هو إذا لم يقاتلن، والصبيان إذا كانوا صغاراً لم يدركوا لا يقتلون، أما من بلغ منهم وحمل السلاح وقاتل فإنه يقتل لمقاتلته، وإلا فإنه لا يجوز قتل النساء ولا قتل الصبيان إذا لم يحصل القتال منهم. والمراد بالنهي عن قتلهم كونهم يقصدون ويخصون بالقتل، أما إذا حصل أن السهام أرسلت إلى الكفار وكان معهم نساء فقتلن تبعاً فإنه لا بأس بذلك، أو إذا تترس الكفار بالنساء فإنه لا بأس بالقتل، وإنما المقصود تخصيصهن بالقتل.

تراجم رجال إسناد حديث إنكاره صلى الله عليه وسلم قتل النساء في المغازي


قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن موهب ]. يزيد بن خالد بن موهب ، ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة ]. [ و قتيبة -يعني ابن سعيد - ]. كلمة [ يعني ] قالها من دون أبا داود ؛ لأن أبو داود قال: [ قتيبة ] ولكن من دون أبي داود هو الذي قال: [ يعني ] يريد أن يوضح قتيبة، مع أن قتيبة لا يحتاج إلى توضيح؛ لأنه ليس في رجال الكتب الستة من يقال له: قتيبة سوى قتيبة بن سعيد . [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي من رباعيات أبي داود رحمه الله، وأما ذكر الشيخين: قتيبة و يزيد بن خالد بن موهب فإنها في طبقة واحدة؛ لأنهما شيخان لأبي داود يرويان عن الليث ولا يروي أحدهما من الآخر.

شرح حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل المرأة والعسيف


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا عمر بن المرقع بن صيفي بن رباح حدثني أبي عن جده رباح بن ربيع رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلاً فقال: انظر علام اجتمع هؤلاء؟ فجاء فقال: على امرأة قتيل. فقال: ما كانت هذه لتقاتل! قال: وعلى المقدمة خالد بن الوليد رضي الله عنه، فبعث رجلاً فقال: قل لخالد: لا يقتلن امرأة ولا عسيفاً) ]. أورد أبو داود حديث رباح بن ربيع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض غزواته فرأى الناس مجتمعين على شيء، فأرسل من يأتي بالخبر، وإذا هم قد اجتمعوا على امرأة مقتولة، وكأن هذا شيء يتعجب منه؛ لكونهم اجتمعوا عليها، ومعناه أنه شيء غريب، فقيل: إنهم اجتمعوا على امرأة قتيل. و(قتيل) يستوي فيه المذكر والمؤنث، فيقال: امرأة قتيل ورجل قتيل. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: [ (ما كانت هذه لتقاتل) ]. وقوله صلى الله عليه وسلم: [ (ما كانت هذه لتقاتل) ] فيه إشارة إلى أنها إذا قاتلت تقتل؛ لأنه قال: [ (ما كانت هذه لتقاتل) ] فمعناه أن النهي عن قتل النساء لعدم قتالهن، لكن إن وجد منهن القتال فإنهن يقتلن. ثم أرسل إلى خالد : [ (لا تقتلن امرأة ولا عسيفاًَ) ] والعسيف هو الأجير، قيل: ولعل المقصود الأجير الذي ليس معه سلاح، وإنما هو خادم، فلا يقتل ما دام أنه غير مقاتل، فيصير مثل المرأة، فالمرأة لا تقاتل والعسيف الذي ليس معه سلاح وإنما يأتي للخدمة لا يقتل، ولكنه إذا صار معه سلاح ولو كان أجيراً فإنه يقتل، بل المرأة نفسها إذا كان معها سلاح وقاتلت فإنها تقتل.

تراجم رجال إسناد حديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل المرأة والعسيف

قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. أبو الوليد الطيالسي مر ذكره. [ عن عمر بن المرقع بن صيفي بن رباح ]. عمر بن المرقع بن صيفي بن رباح ، صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثني أبي ]. المرقع بن صيفي وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جده رباح بن ربيع ]. رباح بن ربيع ، صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .

شرح حديث: (اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا حجاج حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم) ]. أورد أبو داود حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم) ]. قوله: [ (اقتلوا شيوخ المشركين) ] يعني المسنين الذين هم أهل الحرب، وليس المقصود الشيوخ الهلكى أو الزمنى أو الفانين الذين بلغوا من الكبر عتياً، ليس المقصود هؤلاء، نعم إذا كانوا من أهل الرأي وأهل الفكر وأهل الخبرة وكان قتلهم من أجل التخلص من رأيهم ومن خبرتهم فهذا لا بأس به. قوله: [ (واستبقوا شرخهم) ] يعني الشباب الذين لم يدركوا سن القتال وليسوا من أهل القتال، وأما إذا كانوا مقاتلين فإنهم يقاتلون بقتالهم كما سبق أن عرفنا ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث: (اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم)


قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشيم حدثنا الحجاج ] هشيم مر ذكره، وهو يروي عن ثلاثة يقال لكل منهم: الحجاج، والذي روى عن قتادة منهم هو حجاج بن أرطأة ، والآخران ما جاء ذكرهم في الرواية عن قتادة . و حجاج بن أرطأة صدوق كثير الخطأ والتدليس، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قتادة ]. مر ذكره. [ عن الحسن ]. هو الحسن البصري ، وقد مر ذكره. [ عن سمرة ]. سمرة مر ذكره. والحديث ضعفه الألباني ، وهو من رواية الحسن عن سمرة ، ومعروف أن رواية الحسن عن سمرة في غير حديث العقيقة غير صحيحة، وفيها ثلاثة أقوال: منهم من قال: هي معتبرة بإطلاق، ومنهم من قال: غير معتبرة بإطلاق، ومنهم من قال: معتبرة في حديث العقيقة دون غيره من الأحاديث، وهذا الحديث هنا غير حديث العقيقة.

شرح حديث عائشة في قتل المرأة القرظية مع رجال قومها


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لم يقتل من نسائهم -تعني بني قريظة- إلا امرأة، إنها لعندي تحدث تضحك ظهراً وبطناً ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقتل رجالهم بالسيوف إذ هتف هاتف باسمها: أين فلانة؟ قالت: أنا. قلت: وما شأنك؟ قالت: حدث أحدثته. قالت: فانطلق بها فضربت عنقها، فما أنسى عجباً منها أنها تضحك ظهراً وبطناً وقد علمت أنها تقتل!]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه لما كان قتل بني قريظة لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة. قالت عائشة : [ إنها لعندي تحدث تضحك ظهراً وبطناً ]. قولها: [ ظهراً وبطناً ] معناه أنها في غاية الارتياح والسرور، ولعله كناية عن شدة ارتياحها وطمأنينتها وعدم حصول الألم والضجر منها، ولعل قولها: [ ظهراً ] معناه أنها من شدة الضحك قد تسقط على ظهرها كما يقال عن الشخص الذي استغرق في الضحك: إنه قد يذهب على قفاه من شدة ضحكه. قولها: [ إذ هتف هاتف ] أي: نادى مناد باسمها [ أين فلانة؟ قالت: أنا. قلت: وما شأنك؟ قالت: حدث أحدثته ] قيل: إن الحدث الذي أحدثته أنها كانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم. فخرجت فقتلت، وكفى الله المسلمين لسانها، وذلك لأنها كانت تسب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قولها: [ فما أنسى عجباً منها أنها تضحك ظهراً وبطناً وقد علمت أنها تقتل! ]. معناه أنها في غاية الارتياح والطمأنينة مع كون القتل موجوداً في رجالها، أما علمها بأنها ستقتل فقد تكون فهمت ذلك من كونها أتت بشيء يؤدي بها إلى الهلاك ويكون سبباً في هلاكها، وهو الحدث الذي أحدثته، وهو كونها كانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم. وقولها: [ إنها لعندي تحدث تضحك ] معناه أنها تتكلم وتضحك مع حديثها.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في قتل المرأة القرظية مع رجال قومها


قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة ]. عبد الله بن محمد النفيلي مر ذكره، و محمد بن سلمة هو الحراني ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ]. محمد بن جعفر بن الزبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ]. عروة بن الزبير ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 49 ( الأعضاء 0 والزوار 49)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 455.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 449.19 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.29%)]