شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 61 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أصول الاستدلال في تفسير الأحلام (pdf) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          حقوق الزوجة على زوجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          شموع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 84 - عددالزوار : 8286 )           »          إيذاء موسى عليه السلام: قراءة تفسيرية وتحليلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حين يجمع الله ما تفرَّق بالدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          وقفات ودروس من سورة آل عمران (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 2490 )           »          من مائدة الفقه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 1951 )           »          حديث: أدركت بضعة عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يقفون المولي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          أهمية وثمرات الإيمان باليوم الآخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الفرق بين قوله تعالى في أبواب الجنة: {وفتحت}، وقوله في أبواب النار: {فتحت} بغير واو (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-06-2025, 02:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,125
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [356]
الحلقة (388)



شرح سنن أبي داود [356]
أوصى النبي عليه الصلاة والسلام أمته بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وأخبر أنه لا تكون قبلتان في هذه الجزيرة التي هي منبع الإسلام، وفيها قبلة المسلمين، وقد قام عمر رضي الله عنه بإجلاء يهود خيبر ونجران، وكان في ذلك خير عظيم للأمة.




إخراج اليهود من جزيرة العرب




شرح حديث: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إخراج اليهود من جزيرة العرب.
حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاثة فقال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم) ، قال ابن عباس: وسكت عن الثالثة أو قال: فأنسيتها، وقال الحميدي عن سفيان قال سليمان: لا أدري أذكر سعيد الثالثة فنسيتها أو سكت عنها؟] .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في إخراج اليهود من جزيرة العرب، جزيرة العرب هي الجزيرة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهر الله عز وجل هذه الرسالة المحمدية منها، وانتشر منها النور والضياء الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنحاء المعمورة، فكان مما خصها الله عز وجل به وميزها أن حرم على الكفار أن يستوطنوها، وإنما يخرجون منها سواء كانوا يهوداً أو نصارى أو غيرهم من أصناف الكفرة، وهنا ترجم المصنف لإخراج اليهود، وليس الأمر خاصاً بهم، ولكنه جاء في بعض النصوص التنصيص عليهم، وقد ذكر أيضاً غيرهم، فهذا الحكم يشملهم ويشمل غيرهم، فالكفار لا يقرون في جزيرة العرب، وإنما يخرجون منها، ولا يبقى فيها إلا دين الإسلام.
أورد أبو داود أحاديث تحت هذه الترجمة، ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاثة فقال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وكلمة المشركين تشمل اليهود والنصارى وغيرهم، لأن اليهود مشركون، والنصارى مشركون، وكذلك غيرهم مشركون، فالكل يجب إخراجهم من جزيرة العرب؛ ولهذا جاء في الحديث: (أمرت أن أخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً) فهذا يفيد أن جميع أصناف الكفرة يخرجون من جزيرة العرب، وأنه لا يبقى فيها إلا المسلمون، وجاء في مسند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يترك دينان في أرض العرب) يعني: لا يبقى فيها دينان، بل دين واحد هو دين الإسلام، أما الأديان الأخرى فتكون خارج جزيرة العرب، وأما هذه فلا يكون فيها إلا الدين الإسلامي الذي بعث الله به رسوله الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم.
والجزيرة في الأصل هي ما تحيط بها المياه من جميع الجهات، وقيل لها: جزيرة تغليباً، وإلا فهي شبه جزيرة وليست جزيرة، ولكن لما كانت المياه محيطة بأكثرها قيل لها: جزيرة؛ لأن البحور تحيط بها من جميع الجهات إلا من جهة الشمال.
قوله: [(وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزه)] .
الوفد هم الذين يفدون من الرؤساء والملوك، فإنهم يكرمون، وتحصل لهم الضيافة والإحسان، وفي ذلك فوائد تعود إلى من جاءوا منهم؛ لأنهم إذا رأوا المسلمين ومعاملتهم الطيبة لهم ثم رجعوا إلى أقوامهم بتلك الأشياء التي شاهدوها وعاينوها من الإحسان والمعاملة الطيبة؛ فإن ذلك يكون له أثر على من وراءهم ممن جاءوا منهم، ويكون ذلك سبباً لهدايتهم وهداية من يعودون إليهم.
قوله: [قال ابن عباس: وسكت عن الثالثة أو قال: فأنسيتها] .
يعني: عنده شك هل هو سكت عنها أو أنه ذكرها ولكن نسيها ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وقد قيل: هي النهي عن اتخاذ قبره عيداً، وقيل: هي تجهيز جيش أسامة.




تراجم رجال إسناد حديث: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)
قوله: [حدثنا سعيد بن منصور] .
سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان بن عيينة] .
سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان الأحول] .
سليمان الأحول اسمه سليمان بن أبي مسلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير] .
سعيد بن جبير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[وقال الحميدي: عن سفيان] .
الحميدي هو عبد الله بن الزبير المكي الحميدي، أحد شيوخ البخاري، وهو أول شيخ روى عنه في صحيحه، فقد روى عنه حديث: [(إنما الأعمال بالنيات)] وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم في المقدمة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.
وسفيان هو ابن عيينة، وقد تقدم ذكره.




شرح حديث: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو عاصم وعبد الرزاق قالا: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: أخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلماً) ] .
أورد أبو داود حديث عمر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أترك فيها إلا مسلماً) ، فذكر أولاً اليهود والنصارى، ثم أتى بلفظ يشمل غيرهم من أنواع الكفرة بقوله: (حتى لا أترك فيها إلا مسلماً) يعني: لا يبقى فيها إلا مسلم، فهذا دليل على أن الحكم ليس خاصاً باليهود والنصارى، وإنما هو عام لجميع أصناف الكفرة.




تراجم رجال إسناد حديث: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي] .
الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا أبو عاصم] .
هو الضحاك بن مخلد النبيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعبد الرزاق] .
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن جريج] .
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني أبو الزبير] .
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي ابن صحابي، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[عن عمر بن الخطاب] .
هو أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكبيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




شرح حديث: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب) من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعناه، والأول أتم] .
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى عن جابر عن عمر وقال: بمعناه يعني: بمعنى الطريق السابقة عن عمر، قال: والطريق الأولى أتم يعني: الطريق الأولى أتم من الطريق التي لم يذكر المتن فيها.




تراجم رجال إسناد حديث: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب) من طريق ثانية
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله] .
محمد بن عبد الله الزبيري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو يخطئ في حديث الثوري، وهذا لا يؤثر في هذا الحديث، فقد تقدم الحديث من طريق آخر.
[حدثنا سفيان] .
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير عن جابر عن عمر] .
مر ذكرهم.




شرح حديث: (لا تكون قبلتان في بلد واحد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تكون قبلتان في بلد واحد) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس: (لا تكون قبلتان في بلد واحد) قيل: معنى ذلك أن المسلم لا يستوطن بلاد الكفار، فهو يصلي إلى قبلة المسلمين، وأولئك الكفار يصلون إلى قبلتهم، فيكون بلد واحد فيه قبلتان، قبلة المسلمين وقبلة الكافرين، وقيل: المقصود من ذلك أن الكفار لا يكونون مع المسلمين في بلد واحد، ولا يقرون بأن يكونوا مع المسلمين.
والحديث غير صحيح، ولكن قضية السكنى مع الكفار جاء حديث يدل على تحريمها، إلا إذا كان هناك أمر يقتضي ذلك لمصلحة ولفائدة، مثل السكن في بلادهم من أجل الدعوة إلى الله عز وجل، ودعوتهم إلى الدخول في الدين الحنيف، ويكون المسلم قائماً بأمور دينه، ولا يحصل منه شيء من التساهل، ولا يحال بينه وبين إظهار شعائر دينه.
وهذا الحديث: (لا تكون قبلتان في بلد واحد) لفظ عام، وقيل: إن المقصود من ذلك جزيرة العرب يعني: لا يكون فيها دينان، ولكن لفظ: (بلد واحد) عام، والحديث ضعيف، فيه قابوس بن أبي ظبيان وفي حديثه لين.




تراجم رجال إسناد حديث: (لا تكون قبلتان في بلد واحد)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود العتكي] .
سليمان بن داود العتكي ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا جرير] .
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قابوس بن أبي ظبيان] .
قابوس بن أبي ظبيان في حديثه لين، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبيه] .
أبو ظبيان وهو حصين بن جندب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
مر ذكره.




أثر سعيد بن عبد العزيز في حد جزيرة العرب
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد حدثنا عمر -يعني ابن عبد الواحد - قال سعيد -يعني ابن عبد العزيز: جزيرة العرب ما بين الوادي إلى أقصى اليمن إلى تخوم العراق إلى البحر] .
ذكر المصنف هذا الأثر عن سعيد بن عبد العزيز الدمشقي في حد جزيرة العرب، وأنه إلى أقصى اليمن وإلى البحر وإلى تخوم العراق وإلى الوادي، قيل: المراد بالوادي وادي القرى، ولكن وادي القرى قريب من المدينة، وهو إلى جهة الشمال، والرسول صلى الله عليه وسلم سلكه في ذهابه إلى تبوك، فهو من جزيرة العرب.




تراجم رجال إسناد أثر سعيد بن عبد العزيز في حد جزيرة العرب
قوله: [حدثنا محمود بن خالد] .
محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا عمر يعني ابن عبد الواحد] .
عمر بن عبد الواحد الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن سعيد بن عبد العزيز] .
وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.




أثر عمر في إجلاء يهود نجران
[قال أبو داود: قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد: أخبرك أشهب بن عبد العزيز قال: قال مالك: عمر رضي الله عنه أجلى أهل نجران، ولم يجلوا من تيماء؛ لأنها ليست من بلاد العرب، فأما الوادي فإني أرى إنما لم يجل من فيها من اليهود، أنهم لم يروها من أرض العرب] .
ذكر المصنف هذا الأثر عن مالك بن أنس قال: عمر أجلى أهل نجران، وعمر مبتدأ، والخبر أجلى أهل نجران.
والراجح أن حد الجزيرة من الشمال حدود الشام والعراق.
وهذا الأثر أضافه مالك إلى عمر، فهو منقطع.




تراجم رجال إسناد أثر عمر في إجلاء يهود نجران
قوله: [قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد] .
الحارث بن مسكين ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرك أشهب بن عبد العزيز] .
أشهب بن عبد العزيز ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن مالك] .
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.




أثر عمر في إجلاء يهود نجران وفدك
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب قال: قال مالك: وقد أجلى عمر رضي الله عنه يهود نجران وفدك] .
فدك قريبة من خيبر.




تراجم رجال إسناد أثر عمر في إجلاء يهود نجران وفدك
قوله: [حدثنا ابن السرح] .
أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن وهب] .
عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك] .
مالك بن أنس مر ذكره.




وجود أهل الكتاب في الجزيرة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام
نصارى نجران كانوا موجودين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل الكتاب كانوا موجودين في اليمن وفي خيبر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً) .




حكم دخول الكفار جزيرة العرب للعمل
لا يجوز دخولهم الجزيرة للعمل الذي لا ضرورة فيه، وأما العمل الذي فيه ضرورة، وهناك أمر يقتضيه، وحاجة تدعو إليه؛ فلا بأس بذلك، ولكن الناس توسعوا في هذا حتى أدخلوا الكفار لأمور تافهة وأمور سهلة يمكن أن يقوم بها المسلمون، فالواجب الإتيان بالمسلمين وعدم الإتيان بالكفار إلا للضرورة.
ولا يجوز بناء الكنائس في جزيرة العرب.




إيقاف أرض السواد وأرض العنوة




شرح حديث: (منعت العراق قفيزها ودرهمها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إيقاف أرض السواد وأرض العنوة.
حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، ثم عدتم من حيث بدأتم -قالها زهير ثلاث مرات- شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه) ] .
أرض السواد المقصود بها سواد العراق؛ لأن عمر رضي الله عنه وأرضاه لما فتحها المسلمون أوقفها على المسلمين، ولم يقسمها على الغانمين، وإنما أبقاها ليستفيد منها المجاهدون وغير المجاهدين، فكانت تأتي الغلة والثمرة للمسلمين بصفة مستمرة، ولو وزعت على الناس لكان كل من ملك أرضاً يستحق ثمرتها، وإذا مات يرثه أقرباؤه، وبقاؤها على هذا الوجه يضيق على المسلمين، فرأى عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن المصلحة في وقفها، وجعل ثمرتها مستمرة للمسلمين، والإمام له أن يقسم ما يقسم، وله أن يبقي ما يبقي كما حصل في أرض خيبر، فإنها فتحت عنوة، ومنها ما بقي للنبي صلى الله عليه وسلم لحاجاته ونوائبه، ومنها ما قسم، ومن العلماء من قال: إن هذا إنما يكون بالنسبة للأرض التي يمكن أن تستثمر وتستمر بخلاف الأشياء المتحركة والمنقولة فإن هذه تقسم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قسم بعض أرض خيبر وأبقى بعضها؛ فدل على أن هذا سائغ، وإبقاء الأرض كما فعل عمر رضي الله عنه فيه بقاء الفوائد واستمرارها للمسلمين، بخلاف ما لو ما قسمت فإن ثمرتها تكون لكل من أعطي شيئاً منها، وإذا مات صارت لورثته فقط.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه: (منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، ثم عدتم من حيث بدأتم) .
قالها زهير ثلاث مرات: يعني عدتم من حيث بدأتم، عدتم من حيث بدأتم، عدتم من حيث بدأتم.
قوله: شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه، يعني: أنه متحقق من هذا ومستوثق منه، وأنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه متمكن منه غاية التمكن، وحافظ له ومتقن له.
وهذا إخبار عن أمر سيقع، وهو أن المسلمين سيفتحونها، وأنها ستكون في أيديهم ثم بعد ذلك تعود إلى الكفار، ويمنعون الأشياء التي كانت تأتي المسلمين منها، ويكون ذلك من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، حيث أخبر عن أمر في المستقبل ويقع طبقاً لما أخبر به عليه الصلاة والسلام.
وأيضاً يمكن أن يكون المقصود به منعت قبل الفتح ثم حصل الفتح، ثم يعود الأمر كما كان، وأنه لا يصل إلى المسلمين شيئاً من ذلك.
قوله: [(منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها)] .
قفيزها مكيال، والدرهم عملة نقود، ومنعت الشام مديها وهو مكيال شامي، والدينار عملة، ومنعت مصر إردبها وهو مكيال، ودينارها وهو عملة، يعني: منعوا الشيء الذي يكال، ومنعوا الأثمان التي هي الدراهم من الفضة، والدنانير من الذهب، والمقصود من ذلك أنهم يمنعون الخراج ويمنعون أيضاً الجزية التي ضربت عليهم.
قوله: [(ثم عدتم من حيث بدأتم)] .
قال في عون المعبود: أي: رجعتم إلى الكفر بعد الإسلام، وقال في مجمع البحار: وحديث: (عدتم من حيث بدأتم) هو في معنى حديث: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ) ، وقال الخطابي: معنى الحديث -والله أعلم- أن ذلك كائن، وأن هذه البلاد تفتح للمسلمين، ويوضع عليها الخراج شيئاً مقدراً بالمكاييل والأوزان، وأنها ستمنع في آخر الزمان، وخرج الأمر في ذلك على ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبيان ذلك ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أرض السواد، ويوجد اختلاف في مقدار ما وضعه عليها، وفيها مستدل لمن ذهب إلى أن وجوب الخراج لا ينفي وجوب العشر.
وأرض العنوة يجوز إيقافها أو تقسيمها على الغانمين أو إيقاف بعضها وتقسيم بعضها.




تراجم رجال إسناد حديث: (منعت العراق قفيزها ودرهمها)
قوله: [حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس] .
أحمد بن عبد الله بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير] .
هو ابن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سهيل بن أبي صالح] .
سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة ورواية البخاري عنه تعليقاً ومقروناً.
[عن أبيه] .
هو أبو صالح السمان واسمه ذكوان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27-06-2025, 03:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,125
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله





شرح حديث: (أيما قرية أتيتموها وأقمتم فيها فسهمكم فيها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أيما قرية أتيتموها وأقمتم فيها فسهمكم فيها، وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله وللرسول ثم هي لكم) ] .
قوله: [(أيما قرية أتيتموها وأقمتم فيها فسهمكم فيها)] .
قيل: هذا إشارة إلى الأرض التي تكون فيئاً، والتي تكون لمصالح المسلمين.
قوله: [(وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله وللرسول ثم هي لكم) أي: ثم ما بقي فهو لكم؛ لأنها تكون غنيمة إذا كان فتحها بقتال، والأول إذا كان فتحها من غير قتال ومن غير إيجاف خيل، فتكون في مصالح المسلمين.




تراجم رجال إسناد حديث: (أيما قرية أتيتموها وأقمتم فيها فسهمكم فيها)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر] .
معمر بن راشد الأزدي ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن همام بن منبه] .
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
هذا الحديث من صحيفة همام بن منبه المشهورة المشتملة على مائة وأربعين حديثاً تقريباً، وكلها في مسند الإمام أحمد في مسند أبي هريرة منه، وهي بإسناد واحد، وبين كل حديث وحديث وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فأول حديث منها فيه إسناد الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، وهو حديث: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة) ثم يأتي بعده وقال رسول الله كذا، والصحيفة كلها صحيحة، فهي بإسناد واحد، والبخاري وأبو داود وكثير من الأئمة عندما يروون من الصحيفة حديثاً يأتون بالإسناد الذي في أولها ثم يأتون بالحديث الذي يريدون من الصحيفة بعد نهاية الحديث، وأما الإمام مسلم رحمه الله فله طريقة خاصة، وهي أنه يسوق الإسناد، وإذا وصل إلى قوله: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر هذا ثم يقول: فذكر أحاديث، يعني أبو هريرة ثم قال: وقال رسول الله، ويأتي بالحديث الذي يريد، وهذه اللفظة تشعر بأن هناك أحاديث قبل الحديث الذي أورده.
والبخاري ومسلم رحمة الله عليهما لم يوردا كل حديث صحيح، بل ولم يلتزما ذلك حتى يستدرك عليهما، وأوضح دليل على ذلك هذه الصحيفة؛ لأنها كلها بإسناد واحد، وقد انتقيا منها أحاديث، فاتفقا على أحاديث من الصحيفة، وانفرد مسلم بأحاديث، وانفرد البخاري بأحاديث، وتركا منها أحاديث، فلو كانا التزما إخراج كل حديث صحيح لأوردا كل ما في الصحيفة، لكن كونهما تركا منها أحاديث، مع أنها بإسناد واحد، وأخذ كل منهما ما أراد أن يستدل به؛ فهذا من أوضح الأدلة على أنهما لم يلتزما إيراد كل حديث صحيح.




أخذ الجزية



شرح حديث بعث خالد إلى أكيدر دومة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أخذ الجزية.
حدثنا العباس بن عبد العظيم حدثنا سهل بن محمد حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وعن عثمان بن أبي سليمان: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى أكيدر دومة، فأخذ فأتوه به، فحقن له دمه، وصالحه على الجزية) ] .
أورد أبو داود باب أخذ الجزية، وهي ما يؤخذ من الكفار إذا أقرهم المسلمون على البقاء في أرضهم، على أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ومن العلماء من قال: إنها تؤخذ من جميع الكفار سواء كانوا من العرب أو غير العرب، وبعض أهل العلم يقول: إنها لا تؤخذ إلا من اليهود والنصارى، وقد جاء في الأحاديث ما يدل على أخذها من عموم الكفار إذا بقوا تحت ولاية المسلمين، فيدفعون الجزية، ويشاهدون أحكام الإسلام وأعمال المسلمين، ويكون ذلك من أسباب دخولهم في الإسلام.
وقد أورد أبو داود عدة أحاديث، منها هذا الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة، فأخذه فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فصالحه على أن يدفع الجزية) يعني: يدفع الجزية ويبقى، وقيل: إنه من العرب، فهذا دليل على أخذ الجزية من العرب، وقد جاء في حديث بريدة بن الحصيب الذي في صحيح مسلم قال: (كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أمر أميراً على جيش أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً، وقال: اغزوا باسم الله) ، وفي آخره ذكر أنه يخيرهم بين أن يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزيرة عن يد وهم صاغرون.
وقوله هنا: فحقن له دمه يعني: أعطاه الأمان وصالحه على أن يدفع الجزية.



تراجم رجال إسناد حديث بعث خالد إلى أكيدر دومة
قوله: [حدثنا العباس بن عبد العظيم] .
العباس بن عبد العظيم العنبري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[حدثنا سهل بن محمد] سهل بن محمد وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن يحيى بن أبي زائدة] .
يحيى بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إسحاق] .
محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عاصم بن عمر] .
عاصم بن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك] .
أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[وعن عثمان بن أبي سليمان] .
وهذا تابعي، فيكون حديثه مرسلاً، فيكون الحديث جاء من طريقين: طريق متصلة، وطريق مرسلة.
وعثمان هذا ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.



شرح حديث: (أمر معاذاً أن يأخذ من كل حالم ديناراً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم -يعني محتلماً- ديناراً أو عدله من المعافري: ثياب تكون باليمن] .
أورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم ديناراً يعني: جزية، والحالم هو المحتلم الذي بلغ الحلم، ومعنى هذا أن الصغير والمرأة لا يؤخذ منهما شيء، وإنما يؤخذ على الرجال البالغين.
قوله: أو عدله من المعافري، يعني: ما يعادل ذلك من الثياب المعافرية التي تنسب إلى قبيلة في اليمن.
والجزية تقدر على حسب الغنى والفقر، وبعضهم قدرها على الغني بثمان وأربعين درهماً، وعلى المتوسط بأربع وعشرين درهماً، وعلى الفقير باثني عشر درهماً، لكن حديث معاذ رضي الله عنه نص من نصوص الرسول صلى الله عليه وسلم في المقدار.
ومصارف الجزية مثل مصارف الفيء.



تراجم رجال إسناد حديث: (أمر معاذاً أن يأخذ من كل حالم ديناراً)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] .
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو معاوية] .
هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش] سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي وائل] هو شقيق بن سلمة وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معاذ] .
معاذ بن جبل رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (أمر معاذاً أن يأخذ من كل حالم ديناراً) من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا النفيلي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن مسروق عن معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله] .
أورد المصنف حديث معاذ من طريق أخرى، وقال في آخره مثله: أي مثل الطريق السابقة، وكلمة مثله إذا جاءت تعني المماثلة بين الذي ذكر والذي لم يذكر، وكلمة نحوه أو بمعناه تعني التقارب في المعنى مع الاختلاف في الألفاظ.
قوله: [حدثنا النفيلي حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن إبراهيم] .
إبراهيم هو ابن يزيد بن قيس النخعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسروق] .
مسروق بن الأجدع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معاذ] .
مر ذكره.



شرح أثر علي: (لئن بقيت لنصارى بني تغلب لأقتلن المقاتلة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا العباس بن عبد العظيم حدثنا عبد الرحمن بن هانئ أبو نعيم النخعي أخبرنا شريك عن إبراهيم المهاجر عن زياد بن حدير قال: قال علي رضي الله عنه: (لئن بقيت لنصارى بني تغلب، لأقتلن المقاتلة، ولأسبين الذرية، فإني كتبت الكتاب بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ألا يُنصَّروا أبناءهم) .
قال أبو داود: هذا حديث منكر، بلغني عن أحمد أنه كان ينكر هذا الحديث إنكاراً شديداً.
قال أبو علي: ولم يقرأه أبو داود في العرضة الثانية] .
هذا الحديث ظاهر النكارة لقوله فيه: ألا ينصروا أبناءهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) فكونه ينشأ بينهم، ولا يعرف إلا ما يسمع منهم وما يشاهد منهم، فلابد أن يكون مثلهم.
وهذا الحديث أنكره أبو داود وقال: بلغني عن الإمام أحمد أنه كان ينكره إنكاراً شديداً، وقال: أبو علي اللؤلؤي راوي سنن أبي داود: لم يقرأه أبو داود في العرضة الأخيرة، يعني أنه أعرض عنه وتركه لأنه منكر عنده، ولأنه نقل عن الإمام أحمد أنه أنكره إنكاراً شديداً، فهو غير صحيح، وفي إسناده كلام.



تراجم رجال إسناد أثر علي: (لئن بقيت لنصارى بني تغلب لأقتلن المقاتلة)
قوله: [حدثنا العباس بن عبد العظيم] .
مر ذكره.
[حدثنا عبد الرحمن بن هانئ أبو نعيم النخعي] .
عبد الرحمن بن هانئ أبو نعيم النخعي صدوق له أغلاط، وقد نقل عن ابن معين أنه قال عنه: كذاب، وقال الإمام أحمد: ليس بشيء، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[أخبرنا شريك] .
شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق ساء حفظه لما ولي القضاء، ويخطئ كثيراً، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن إبراهيم بن مهاجر] .
إبراهيم بن مهاجر وهو صدوق لين الحفظ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن زياد بن حدير] .
زياد بن حدير ثقة، أخرج له أبو داود.
[عن علي] .
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو الحسنين صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (صالح رسول الله أهل نجران على ألفي حلة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مصرف بن عمرو اليامي حدثنا يونس -يعني ابن بكير - حدثنا أسباط بن نصر الهمداني عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران على ألفي حلة، النصف في صفر والبقية في رجب، يؤدونها إلى المسلمين، وعارية ثلاثين درعاً، وثلاثين فرساً، وثلاثين بعيراً، وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها، والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيد أو غدرة، على ألا تهدم لهم بيعة، ولا يخرج لهم قس، ولا يفتنوا عن دينهم ما لم يحدثوا حدثاً أو يأكلوا الربا.
قال إسماعيل: فقد أكلوا الربا.
قال أبو داود: إذا نقضوا بعض ما اشترط عليهم فقد أحدثوا] .
هذا الحديث غير صحيح، وفيه أخذ الجزية على أهل نجران مقسمة في أثناء السنة، وليست كلها دفعة واحدة، ومنها عارية يعيرون المسلمين من الأنواع المذكورة، والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم.
قوله: [على ألا تهدم لهم بيعة، ولا يخرج لهم قس، ولا يفتنوا عن دينهم] .
يعني: أنهم يبقون ويقرون على ما هم عليه، فلا تهدم لهم بيعة وهي مكان التعبد للنصارى أو لليهود، ولا يخرج لهم قس، وهو عالمهم، ولا يفتنوا عن دينهم، يعني: لا يلزمون بترك دينهم، وإنما يقروا على ما هم عليه مع دفع الجزية.
قوله: [ما لم يحدثوا حدثاً أو يأكلوا الربا] .
قال الراوي: فقد أكلوا الربا، وقال أبو داود: إذا تركوا شيئاً مما اشترط عليهم فقد أحدثوا حدثاً.



تراجم رجال إسناد حديث: (صالح رسول الله أهل نجران على ألفي حلة)
قوله: [حدثنا مصرف بن عمرو اليامي] .
مصرف بن عمرو اليامي ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا يونس بن بكير] .
يونس بن بكير صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[حدثنا أسباط بن نصر الهمداني] .
أسباط بن نصر الهمداني وهو صدوق كثير الخطأ يغرب، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي] .
إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي وهو السدي، صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن عباس] .
مر ذكره، قيل: إن السدي لم يسمع من ابن عباس فيكون منقطعاً، وأيضاً فيه أسباط وهو صدوق كثير الخطأ يغرب، فالحديث ضعيف، والله أعلم.



الأسئلة



معنى قول أبي داود (إذا نقضوا بعض ما اشترط عليهم فقد أحدثوا)
السؤال ما معنى قول أبي داود: (إذا نقضوا بعض ما اشترط عليهم فقد أحدثوا) ؟
الجواب هو أراد أن يفسر الحدث، وأن كونهم ينقضون بعض ما اشترط عليهم فقد أحدثوا.



دولة البحرين ليست من جزيرة العرب
السؤال هل دولة البحرين الحالية من جزيرة العرب رغم أنها منفصلة عن الجزيرة؟
الجواب ليست من جزيرة العرب؛ لأن جزيرة العرب حدودها البحر، ولكن كونها الآن صار فيها جسر إلى الجزيرة قد يجعلها من جزيرة العرب.



معنى حديث: (وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم)

السؤال ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم) ؟

الجواب الوفد الذين يأتون قادمين على الولاية المسلمة يكرمون ويضيفون ويعاملون معاملة طيبة.



أرض السواد
السؤال ماذا تعني كلمة أرض السواد؟
الجواب أرض السواد المقصود بها أرض العراق.



أخذ الجزية كل سنة
السؤال هل يؤخذ الدرهم أو الدينار في الجزية كل سنة أو كل شهر؟
الجواب في السنة.



الفرق بين الفيء والغنيمة في القسمة
السؤال ما الفرق بين تقسيم الفيء والغنيمة؟
الجواب الفيء يكون كله في مصالح المسلمين على نظر الإمام، وأما الغنيمة فإنها يؤخذ خمسها ويصرف في المصارف التي ذكر الله عز وجل في سورة الأنفال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}[الأنفال:41] ، والباقي وهو الأربعة الأخماس يقسم على الغانمين، للرجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم، سهم له، وسهمان لفرسه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27-06-2025, 03:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,125
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [357]
الحلقة (389)



شرح سنن أبي داود [357]
أمر الله بقتال الكفرة من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزيرة عن يد وهم صاغرون، وكذلك تؤخذ الجزية من المجوس، واختلف أهل العلم في أخذها من مشركي العرب ونحوهم، وللجزية أحكام فصلها أهل العلم رحمهم الله تعالى.




أخذ الجزية من المجوس




شرح أثر: (كتب إبليس المجوسية لأهل فارس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في أخذ الجزية من المجوس.
حدثنا أحمد بن سنان الواسطي حدثنا محمد بن بلال عن عمران القطان عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن أهل فارس لما مات نبيهم كتب لهم إبليس المجوسية] .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب أخذ الجزية من المجوس، المجوس هم الذين يعبدون النار، وأورد أبو داود رحمه الله أحاديث تتعلق بأخذ الجزية منهم، وأورد أولاً هذا الأثر عن ابن عباس قال: إن أهل فارس لما مات نبيهم كتب لهم إبليس المجوسية يعني: أنه جعلهم يتركون ما كان عليه نبيهم، وانتقلوا إلى المجوسية التي هي عبادة النار، وهذا أثر موقوف على ابن عباس، ويحتمل أن يكون أخذه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعاً، ويحتمل أن يكون مأخوذاً من كتب أهل الكتاب ومن أخبار بني إسرائيل، ومن أهل العلم من قال: المجوس كانوا على دين نبي ثم تحولوا من ذلك الدين إلى المجوسية، ومن أهل العلم من قال: أخذ الجزية من المجوس إنما هو أخذ من الكفار، والجزية تؤخذ من أهل الكتاب ومن غير أهل الكتاب.




تراجم رجال إسناد أثر: (كتب إبليس المجوسية لأهل فارس)
قوله: [حدثنا أحمد بن سنان الواسطي] .
أحمد بن سنان الواسطي ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي في مسند مالك وابن ماجة.
[حدثنا محمد بن بلال] .
محمد بن بلال وهو صدوق يغرب، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن ماجة.
[عن عمران القطان] .
هو عمران بن داور القطان وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن أبي جمرة] .
هو نصر بن عمران الضبعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو جمرة هذا مشهور بكنيته، وهو الذي كان ابن عباس رضي الله عنه اتخذه من أجل أن يبلغ عنه الحديث، وقال: هل أجعل لك شيئاً من مالي على أن تبلغ عني الناس، وقالوا: هذا حجة في اتخاذ المحدث للمستملي الذي يبلغ كلامه للناس.
وفي الرواة الذين يروون عن ابن عباس أبو حمزة القصاب، وهو راوي حديث ابن عباس في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يدعو معاوية، فذهب إليه فوجده يأكل، فتأخر فقال: (لا أشبع الله بطنه) وأبو حمزة القصاب لفظه قريب من لفظ أبي جمرة؛ ولهذا يكون بينهما الاشتباه والالتباس والتصحيف، فـ أبو جمرة هو نصر بن عمران، وهو كثير الرواية عن ابن عباس، وأبو حمزة القصاب هو من الرواة عن ابن عباس.




شرح حديث: (أخذ الجزية من مجوس هجر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد بن مسرهد عن سفيان عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة يحدث عمرو بن أوس وأبا الشعثاء قال: كنت كاتباً لـ جزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس إذ جاءنا كتاب عمر رضي الله عنه قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر، وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزمزمة، فقتلنا في يوم ثلاثة سواحر، وفرقنا بين كل رجل من المجوس وحريمه في كتاب الله، وصنع طعاماً كثيراً فدعاهم فعرض السيف على فخذه فأكلوا ولم يزمزموا، وألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذها من مجوس هجر) ] .
أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، وهذا هو الشاهد للترجمة من جهة أخذ الجزية من المجوس، وأن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من مجوس هجر، وهذا يدلنا على مشروعية أخذ الجزية من المجوس، ومن أهل العلم من قال: إنهم ألحقوا بأهل الكتاب لأنه كان لهم دين وكتاب، ومنهم من يقول: إنهم كفار يعبدون النار، والرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية منهم، فدل على أن الجزية تؤخذ من غير أهل الكتاب، فتؤخذ من العرب والعجم، ويدل عليه حديث بريدة بن الحصيب الطويل الذي في صحيح مسلم وفي أوله: (كان إذا أمر أميراً أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً، وقال: اغزوا باسم الله) إلى آخر الحديث، وفيه: (وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الإسلام فإن أبوا فاطلب منهم الجزية فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم) وهذا يدل على مشروعية أخذ الجزية من عموم الكفار، وأن الأمر ليس مقصوراً على أهل الكتاب.
قوله: (اقتلوا كل ساحر) هذا فيه بيان أن الساحر حده أن يقتل.
وقوله: (وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس) يعني: إذا كان المجوسي متزوجاً بقريبته كبنته أو أخته أو عمته أو خالته أو ما إلى ذلك مما هو موجود عند المجوس؛ فإنه يفرق بينهم، ولا يقر هذا الزواج.
قوله: (وانهوهم عن الزمزمة) قالوا: إن الزمزمة هي كلام بينهم وبين أنفسهم عندما يجلسون للأكل، فكان المجوسي يكلم نفسه عند الأكل فنهاهم عن ذلك.
قوله: [فقتلنا في يوم ثلاثة سواحر، وفرقنا بين كل رجل من المجوس وحريمه في كتاب الله] .
يعني: أنهم نفذوا ما جاء في كتاب عمر، وأنهم في يوم واحد قتلوا ثلاثة من السحرة، وفرقوا بين كل رجل من المجوس وبين حريمه في كتاب الله، يعني: على ما هو محرم في كتاب الله من المحارم، فإذا كان المجوسي تزوج بأخته أو ابنته أو عمته أو خالته أو من هي محرم من محارمه فإنهم فرقوا بين هذا الرجل وبين من هو محرم لها.
قوله: [وصنع طعاماً كثيراً فدعاهم فعرض السيف على فخذه] .
يعني: جعل السيف على فخذه مهدداً لهم، حتى لا تحصل منهم الزمزمة، فأكلوا ولم يزمزموا خوفاً من السيف.
قوله: [وألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق] .
الوقر: هو الحمل الذي يكون على البغل أو الحمار، ويكون طرفاه على جانب الحمار أو البغل.
قال في الشرح: يريد أخلة من الورق يأكلون بها يعني: يستعملونها في الأكل، فإما أن تكون أخلة أو وسيلة يؤكل بها كالملاعق أو ما إلى ذلك، والأخلة جمع خلال، والخلال هو الذي تخلل به الأسنان، ولعلها كانت مصنوعة من الورق.
وقال في النهاية: الوقر بكسر الواو: الحمل، وأكثر ما يستعمل في حمل البغل والحمار يريد حمل بغل أو بغلين أخلة -جمع خلال- ما تخلل به الأسنان من الفضة، كانوا يأكلون بها الطعام فأعطوها ليمكنوا بها من عادتهم في الزمزمة.
وآنية الذهب والفضة لا يجوز استعمالهما في الأكل، لكن لعل المقصود أنه خلال مثل الشوك الذي يغمز به الطعام الذي يراد أكله.
قوله: [ولم يكن عمر رضي الله عنه أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذها من مجوس هجر) ] .
هذا الحديث فيه أخذ الجزية من المجوس، وأن عمر رضي الله عنه وأرضاه لم يكن يأخذها حتى بلغه هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، وهجر من أعمال البحرين.




تراجم رجال إسناد حديث: (أخذ الجزية من مجوس هجر)
قوله: [حدثنا مسدد بن مسرهد] .
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن سفيان] .
سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن دينار] .
عمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بجالة] .
بجالة بن عبدة وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن عمر عن عبد الرحمن بن عوف] .
فيه الأخذ بالكتابة، وفيه أن عمر أخذ بما جاء عن عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس، وعمر رضي الله عنه هو أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




شرح حديث: (جاء رجل من الأسبذيين إلى رسول الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن مسكين اليمامي حدثنا يحيى بن حسان حدثنا هشيم أخبرنا داود بن أبي هند عن قشير بن عمرو عن بجالة بن عبدة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (جاء رجل من الأسبذيِّين من أهل البحرين -وهم مجوس أهل هجر- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكث عنده، ثم خرج فسألته ما قضى الله ورسوله فيكم؟ قال: شر، قلت: مه؟ قال: الإسلام أو القتل، قال: وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: قبل منهم الجزية، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فأخذ الناس بقول عبد الرحمن بن عوف وتركوا ما سمعت أنا من الأسبذي) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه: أنه جاء رجل من الأسبذيين -وهم من مجوس البحرين- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكث عنده، ثم خرج فسألته: ما قضى الله ورسوله فيكم؟ أي: سأل الأسبذي المجوسي، فقال: شر، إما الإسلام وإما القتل، يعني: لا توجد جزية، إما الإسلام أو القتل، وقال عبد الرحمن بن عوف: (قبل منهم الجزية) يعني: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل منهم الجزية، قال: فأخذ الناس بما جاء عن عبد الرحمن وتركوا ما سمعته من الأسبذي، ومعنى هذا أنها تأخذ منهم الجزية، وأن ما جاء عن الأسبذي المجوسي لا يعول عليه، بل المعول على ما أخبر به عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم الجزية.
وهذا الحديث فيه رجل ضعيف، وهو قشير، ولكن ما يتعلق بأخذ الجزية عنهم ثابت.




تراجم رجال إسناد حديث: (جاء رجل من الأسبذيين إلى رسول الله)
قوله: [حدثنا محمد بن مسكين اليمامي] .
محمد بن مسكين اليمامي هو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا يحيى بن حسان] .
يحيى بن حسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا هشيم] .
هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا داود بن أبي هند] .
داود بن أبي هند وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن قشير بن عمرو] .
قشير بن عمرو وهو مستور، أي: مجهول الحال، أخرج له أبو داود.
[عن بجالة بن عبدة عن ابن عباس] .
مر ذكرهما.




من تؤخذ منهم الجزية؟
الجزية تؤخذ من جميع الكفار سواء كان عندهم كتاب أو ليس عندهم كتاب، لحديث بريدة بن الحصيب الذي في صحيح مسلم، فإنه عام، ولفظه: (كان إذا أمر أميراً على جيش أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً وقال: اغزوا باسم الله، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الإسلام، فإن أبوا فخذ منهم الجزية وإلا فاستعن بالله وقاتلهم) ، ولا يفرق بين العربي والعجمي كذلك، وأما قول الخطابي: وبامتناع عمر من أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر، دليل على أن رأي الصحابة أنه لا تقبل الجزية من كل مشرك كما ذهب إليه الأوزاعي، وإنما تقبل من أهل الكتاب؛ فنقول: لعل هذا كان في أول الأمر قبل أن يعرفوا الأحاديث الدالة على ذلك.




التشديد في جباية الزكاة




شرح حديث: (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التشديد في جباية الجزية.
حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهما وجد رجلاً وهو على حمص يشمس أناساً من القبط في أداء الجزية، فقال: ما هذا؟! سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة باب: التشديد في جباية الجزية، أي: التشديد في أخذها، والإيذاء عند أخذها، هذا هو المقصود من التشديد؛ لأنه كما في الحديث كان يعذبهم من أجل أن يصل إلى الجزية، وقد أورد أبو داود حديث هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه وجد رجلاً بحمص كان يشمس ناساً من القبط في الجزية، فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا) وهذا من تعذيب الناس في الدنيا أي: كونه يوقفهم في الشمس من أجل أن تحرقهم ويوقفهم في رمضاء فيه تعذيب لهم، فروى هشام بن حكيم رضي الله تعالى عنهما هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مستدلاً به على تحريم مثل هذا التعذيب، وأن الله عز وجل يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا، فإن الجزاء من جنس العمل، فكما أنه عذب غيره فإنه يعذب في الآخرة.
وقوله: يشمس ناساً من القبط، القبط هم من النصارى الذين في مصر، والظاهر أن هذا تصحيف، وصوابه: الأنباط، فهم الذين كانوا في الشام، وقد قال النووي: الأنباط هم فلاحوا العجم.




تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري] .
سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا ابن وهب] .
عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يونس بن يزيد] .
يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب] .
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة بن الزبير] .
عروة بن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن حكيم] .
هشام بن حكيم رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.




تعشير أهل الذمة




شرح حديث: (إنما العشور على اليهود والنصارى)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا في التجارات.
حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله عن جده أبي أمه عن أبيه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما العشور على اليهود والنصارى، وليس على المسلمين عشور) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة باب: تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا في التجارات يعني: إذا جاءوا إلى بلاد المسلمين فإنه تؤخذ منهم عشور أموالهم التي اختلفوا فيها إلى بلاد المسلمين، يعني: عشر بضاعاتهم.
وأورد أبو داود هنا عدة أحاديث كلها ضعيفة، وقد اختلف العلماء في حكم أخذ العشور من الكفار، فمنهم من أجازه، ومنهم من حرمه، لكن إذا أخذوا من تجار المسلمين في بلادهم، فإنهم يقابلون بمثل ما حصل منهم، فإذا كانوا يأخذون من تجار المسلمين إذا مروا ببلادهم، فكذلك المسلمون يأخذون منهم إذا مروا ببلادهم.
قوله: [(إنما العشور على اليهود والنصارى، وليس على المسلمين عشور)] .
أي: أنها تؤخذ من اليهود والنصارى، ولا تؤخذ من المسلمين إذا جاءوا بالتجارة.




تراجم رجال إسناد حديث: (إنما العشور على اليهود والنصارى)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص] .
مسدد مر ذكره، وأبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عطاء بن السائب] .
عطاء بن السائب وهو صدوق اختلط، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[عن حرب بن عبيد الله] .
حرب بن عبيد الله وهو لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود.
[عن جده أبي أمه عن أبيه] .
هو مجهول، وأبو جد أمه صحابي لم يسم.
والحديث ضعيف، ففي إسناده حرب بن عبيد الله وهو لين الحديث، فهو غير حجة.




طريق ثانية لحديث: (إنما العشور على اليهود والنصارى) وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبيد المحاربي حدثنا وكيع عن سفيان عن عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه قال: (خراج) مكان (العشور) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه: (الخراج) بدل (العشور) يعني بدل قوله: (ليس على المسلمين عشور، إنما العشور على اليهود والنصارى) قال: (ليس على المسلمين خراج، إنما الخراج على اليهود والنصارى) والخراج بمعنى العشور.
قوله: [حدثنا محمد بن عبيد المحاربي] .
محمد بن عبيد المحاربي صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا وكيع] .
وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان] .
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله] .
عطاء بن السائب وحرب بن عبيد الله مر ذكرهما.




طريق ثالثة لحديث: (إنما العشور على اليهود والنصارى) وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن عطاء عن رجل من بكر بن وائل عن خاله قال: قلت: (يا رسول الله! أعشر قومي؟ قال: إنما العشور على اليهود والنصارى) ] .
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وفيه أن رجلاً قال: (أعشر قومي يا رسول الله؟ قال: إنما العشور على اليهود والنصارى) وهو مثلما تقدم.
قوله: [حدثنا محمد بن بشار] .
محمد بن بشار الملقب بندار البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن] .
عبد الرحمن بن مهدي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان عن عطاء عن رجل من بكر بن وائل عن خاله] .
سفيان وعطاء مر ذكرهما، ورجل من بكر بن وائل عن خاله مبهمان.




طريق رابعة لحديث (إنما العشور على اليهود والنصارى) وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن إبراهيم البزاز حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد السلام عن عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله بن عمير الثقفي عن جده رضي الله عنه -رجل من بني تغلب- قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسلمت وعلمني الإسلام، وعلمني كيف آخذ الصدقة من قومي ممن أسلم، ثم رجعت إليه فقلت: يا رسول الله! كل ما علمتني قد حفظته إلا الصدقة أفأعشرهم؟ قال: لا، إنما العشور على النصارى واليهود) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثلما تقدم.
وقوله: كلما علمتني قد حفظته إلا الصدقة يعني: لم يتقن فهمها.
قوله: [حدثنا محمد بن إبراهيم البزاز] .
محمد بن إبراهيم البزاز ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا أبو نعيم] .
أبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد السلام] .
عبد السلام بن حرب وهو ثقة له مناكير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله بن عمير الثقفي] .
مر ذكرهما.
[عن جده] .
هو عمير الثقفي صحابي، له حديث، أخرج له أبو داود.




شرح حديث: (إن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى حدثنا أشعث بن شعبة حدثنا أرطأة بن المنذر قال: سمعت حكيم بن عمير أبا الأحوص يحدث عن العرباض بن سارية السلمي رضي الله عنه أنه قال: (نزلنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيبر ومعه من معه من أصحابه، وكان صاحب خيبر رجلاً مارداً منكراً، فأقبل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد! ألكم أن تذبحوا حمرنا، وتأكلوا ثمرنا، وتضربوا نساءنا؟ فغضب -يعني: النبي صلى الله عليه وآله وسلم- وقال: يا ابن عوف! اركب فرسك ثم ناد ألا إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن، وأن اجتمعوا للصلاة، قال: فاجتمعوا ثم صلى بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قام فقال: أيحسب أحدكم متكئاً على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئاً إلا ما في هذا القرآن؟! ألا وإني والله قد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر، وإن الله عز وجل لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ولا ضرب نسائهم، ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم) ] .
أورد أبو داود هذا الحديث عن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال: [(نزلنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيبر ومعه من معه من أصحابه، وكان صاحب خيبر رجلاً مارداً منكراً، فأقبل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد! ألكم أن تذبحوا حمرنا، وتأكلوا ثمرنا، وتضربوا نساءنا؟)] .
معناه: أنه يشتكي أو ينكر على من مع الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يأكلون الحمر، ويضربون النساء، ويأكلون الثمر، فالرسول صلى الله عليه وسلم جمعهم فوعظهم وقال: (أيحسب أحدكم متكئاً على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئاً إلا ما في هذا القرآن؟!) ومعنى ذلك أن السنة مثل القرآن، وأنه قد حرم أن يؤذى أهل الكتاب، وأن يدخلوا بيوتهم إلا بإذنهم، وأن يأخذوا إلا الشيء الواجب عليهم، وأنه لا يجوز ظلمهم، وكل هذا جاء في السنة، والسنة هي مثل القرآن، وهي شقيقة القرآن، ويعمل به كما يعمل بالقرآن، بل إن السنة داخلة في قول الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] ، فكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من السنة فهو مأمور به في القرآن، لقول الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] ، ولا يقتصر على القرآن دون السنة، ولا تتضح الأمور التي يتعبد الناس بها إلا بالسنة، فمثلاً الله عز وجل أجمل الزكاة، وأمر بإعطاء الزكاة، لكن تفصيلها ومقاديرها وشروط أخذ الزكاة ومقدارها إنما جاء بيان ذلك في السنة، وكذلك الصلوات أوقاتها وأعداد ركعاتها وما إلى ذلك كل ذلك إنما جاء في السنة، فالذي لا يأخذ إلا بالقرآن هو كافر بالكتاب والسنة، ولا يستغنى عن السنة بالقرآن، بل الواجب الأخذ بهما جميعاً، والعمل بما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث ضعيف، في إسناده رجل فيه ضعف.




تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى] .
محمد بن عيسى الطباع ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا أشعث بن شعبة] .
أشعث بن شعبة وهو مقبول، أخرج له أبو داود.
[حدثنا أرطأة بن المنذر] .
أرطأة بن المنذر وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن حكيم بن عمير] .
حكيم بن عمير وهو صدوق يهم، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن العرباض بن سارية] .
العرباض بن سارية رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.




شرح حديث: (لعلكم تقاتلون قوماً فتظهرون عليهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد وسعيد بن منصور قالا: حدثنا أبو عوانة عن منصور عن هلال عن رجل من ثقيف عن رجل من جهينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لعلكم تقاتلون قوماً فتظهرون عليهم فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم) قال سعيد في حديث: (فيصالحونكم على صلح) ثم اتفقا: (فلا تصيبوا منهم شيئاً فوق ذلك فإنه لا يصلح لكم) ] .
أورد أبو داود حديث رجل مجهول من الصحابة من جهينة، ومعلوم أن الجهالة في الصحابة لا تؤثر، والمجهول فيهم في حكم المعلوم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعلكم تقاتلون قوماً فتظهرون عليهم) أي: تغلبونهم، فالظهور عليهم بمعنى غلبتهم والتفوق عليهم كما قال الله: {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [الصف:14] يعني غالبين لهم.
قوله: [(فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم)] .
يعني: يدفعون لكم المال ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم.
قوله: [(فيصالحونكم على صلح)] .
يعني: يعطونكم شيئاً تتفقون معهم على أخذه.
قوله: [(فلا تصيبوا منهم شيئاً فوق ذلك فإنه لا يصلح لكم)] .
أي: الذي اتفقتم معهم عليه.
والحديث فيه رجل مجهول غير الصحابي، وهو رجل من ثقيف.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27-06-2025, 03:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,125
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



تراجم رجال إسناد حديث: (لعلكم تقاتلون قوماً فتظهرون عليهم)
قوله: [حدثنا مسدد وسعيد بن منصور] .
مسدد مر ذكره، وسعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو عوانة] .
هو الوضاح بن عبد الله اليشكري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور] .
منصور بن المعتمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هلال] .
هلال بن يساف وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن رجل من ثقيف عن رجل من جهينة] .
هما مجهولان.




شرح حديث: (ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب حدثني أبو صخر المديني أن صفوان بن سليم أخبره عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن آبائهم دنية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة) ] .
قوله: [(أو انتقصه)] يعني: انتقص حقه أو تنقصه أو عابه بشيء يسيء إليه ويلحقه بسببه أذى.
وقوله: [(أو كلفه فوق طاقته)] .
يعني: كلفه ما لا يطيق من العمل.
قوله: [(أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس)] يعني: ونفسه غير طيبة في الشيء الذي أخذ منه مكرهاً.
قوله: [(كنت حجيجه يوم القيامة)] يعني: خصمه يوم القيامة.




تراجم رجال إسناد حديث: (ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب حدثني أبو صخر المديني] .
أبو صخر المديني هو حميد بن زياد صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في مسند علي وابن ماجة.
[عن صفوان بن سليم] .
صفوان بن سليم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله] .
يحتمل أن يكونوا صحابة أو أن يكونوا تابعين وآباؤهم أيضاً تابعيون.



حال حديث: (ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه)
الحديث صححه الألباني، ولا أدري هل تبين له أحداً من هؤلاء الأبناء، ومعناه صحيح، وقد جاءت أحاديث تدل عليه في منع الظلم، وتكليف من يكون تحت ولاية الإنسان ما لا يطيق.
والمناسبة من إيراده في ترجمة باب تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا في التجارات أنه من أخذ منهم شيئاً من العشور أو غيرها فوق ما ينبغي فهو عرضة لهذا الوعيد.
وأحاديث هذا الباب كلها فيها ضعف، ولا تصل إلى درجة الحسن لغيره؛ لأنها كلها ضعفها شديد.



الذمي يسلم في بعض السنة



شرح حديث: (ليس على المسلم جزية)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الذمي يسلم في بعض السنة هل عليه جزية حدثنا عبد الله بن الجراح عن جرير عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس على المسلم جزية) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة باب: في الذمي يسلم في بعض السنة هل عليه جزية؟ يعني: هل يؤخذ منه القسط الذي كان عليه قبل أن يسلم، وكذلك أيضاً لو أن السنة مضت كلها ثم أسلم هل تؤخذ منه الجزية أو لا تؤخذ؟ الذي يظهر أنه لا يؤخذ منه شيء مادام أنه دخل في الإسلام، وفي ذلك ترغيب له في الإسلام.
قال المصنف رحمه الله: [حدثنا محمد بن كثير قال: سئل سفيان عن تفسير هذا: فقال: إذا أسلم فلا جزية عليه] .
يعني: سواء كان ذلك عن بعض السنة أو كمالها.
قوله: (ليس على مسلم جزية) يعني: الجزية إنما هي على الكافر، ومن كان مسلماً فإنه لا يؤخذ منه جزية سواء كان إسلامه قديماً أو حديثاً، ومن دخل في الإسلام يقال له: مسلم، فلا تؤخذ منه الجزية؛ لأنها إنما تجب على من كان كافراً، فيدفع الجزية من أجل أن يبقى تحت حكم المسلمين، ويكون خاضعاً لهم، ولكنه إذا دخل في الإسلام خرج عن أن يكون من أهل الجزية فلا تؤخذ منه، ومن أهل العلم من قال: تؤخذ منه بقسطها، ولكن الأظهر -والله أعلم- أنها لا تؤخذ منه مطلقاً، ويكون في ذلك ترغيب له في الإسلام.
وهذا الحديث غير صحيح؛ لأن في إسناده قابوس بن أبي ظبيان وهو لين الحديث.



تراجم رجال إسناد حديث: (ليس على المسلم جزية)
قوله: [حدثنا عبد الله بن الجراح] .
عبد الله بن الجراح صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند مالك وابن ماجة.
[عن جرير] .
جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قابوس] .
قابوس بن أبي ظبيان وهو لين الحديث، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبيه] .
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
مر ذكره.
قوله: [حدثنا محمد بن كثير] .
محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: سئل سفيان] .
هو سفيان بن سعيد الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



حكم هدايا المشركين



شرح حديث بلال في نفقة رسول الله وقبول هدايا المشركين
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الإمام يقبل هدايا المشركين.
حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا معاوية -يعني ابن سلام - عن زيد أنه سمع أبا سلام قال: حدثني عبد الله الهوزني قال: لقيت بلالاً رضي الله عنه مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحلب فقلت: يا بلال! حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: (ما كان له شيء، كنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلماً فرآه عارياً يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه حتى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال! إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني ففعلت، فلما أن كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار فلما أن رآني قال: يا حبشي! قلت: يا لباه، فتجهمني وقال لي قولاً غليظاً وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ قال: قلت: قريب قال: إنما بينك وبينه أربع، فآخذك بالذي عليك فأردك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك، فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس حتى إذا صليت العتمة رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهله فاستأذنت عليه فأذن لي فقلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي إن المشرك الذي كنت أتدين منه قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عني ولا عندي، وهو فاضحي، فأذن لي أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ما يقضي عني، فخرجت حتى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجني عند رأسي حتى إذا انشق عمود الصبح الأول أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال! أجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فانطلقت حتى أتيته، فإذا أربع ركائب مناخات عليهن أحمالهن فاستأذنت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر فقد جاءك الله تعالى بقضائك، ثم قال: ألم تر الركائب المناخات الأربع؟ فقلت: بلى، فقال: إن لك رقابهن وما عليهن، فإن عليهن كسوة وطعاماً أهداهن إلي عظيم فدك فاقبضهن واقض دينك ففعلت.
فذكر الحديث ثم انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعد في المسجد، فسلمت عليه، فقال: ما فعل ما قبلك؟ قلت: قضى الله كل شيء كان على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يبق شيء قال: أفضل شيء؟ قلت: نعم، قال: انظر أن تريحني منه فإني لست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منه، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العتمة دعاني فقال: ما فعل الذي قبلك؟ قال: قلت: هو معي لم يأتنا أحد فبات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد وقص الحديث: حتى إذا صلى العتمة يعني من الغد دعاني قال: ما فعل الذي قبلك؟ قال: قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله فكبر وحمد الله شفقاً من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثم اتبعته حتى إذا جاء أزواجه فسلم على امرأة امرأة حتى أتى مبيته، فهذا الذي سألتني عنه) ] .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: (باب في قبول الإمام هدايا المشركين) أي: حكم ذلك، والحكم في هذا أنه يجوز إذا كان في قبول الهدية من المشرك مصلحة كترغيبه في الإسلام وتألفه على الإسلام، وإذا لم يكن هناك مصلحة فالأولى عدم قبولها.
وقد أورد أبو داود حديث بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله عبد الله الهوزني بحلب في الشام عن نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه هو الذي كان يتولاها منذ بعثه الله عز وجل إلى أن توفاه الله، وذكر أنه لم يكن عنده شيء مدخر، وقد عرفنا فيما مضى أنه كان يدخر لأهله من خيبر قوت السنة، ولكنه كان ينفد في وقت قريب؛ لكرمه صلى الله عليه وسلم وجوده وإحسانه، وكونه يبذل فينتهي ذلك الذي جعله لأهله في وقت قريب صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ لأنه كان أجود الناس كما جاء في حديث ابن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس) .
وأخبر بلال بأنه كان إذا جاءه أحد من المسلمين عارياً يعني: ليس عليه ثياب كافية، فإنه يأمره أن يستدين ويشتري له لباساً ويطعمه، ثم إن رجلاً من المشركين قال لـ بلال: إن عندي سعة فلا تقترض إلا مني، فكان يقترض منه، وفي يوم من الأيام قبل نهاية الشهر بأربعة أيام قال له: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ فقال: قريب، فقال: أربعة أيام، ولقيه ووجهه مكفهر يظهر عليه الغضب، وقال له: إذا جاء الوقت ولم تقضني فستعود على ما كنت عليه، آخذك بالذي عليك فترجع ترعى الغنم كما كنت من قبل ذلك، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره هذا الخبر، وقال: إنك ليس عندك ما أقضي به وليس عندي، فأذن لي أن أذهب إلى بعض الأحياء فأبقى عندهم حتى يأتي شيء يحصل به السداد، وعزم على الذهاب، فهيأ عند نومه نعليه وسيفه وجرابه والأشياء التي سيذهب بها، وكان يريد أن يطلع الفجر الأول الذي هو الكاذب ثم يذهب في جنح الليل وفي الظلام حتى يخفي نفسه عن ذلك المشرك الذي تهدده بهذا التهديد، ثم جاء رجل ينادي: يا بلال! أجب الرسول صلى الله عليه وسلم، فذهب إليه وإذا ركائب أربع من الإبل مناخة وعليها أحمال، فأخبره أن هذه الركائب وأحمالها من كسوة وطعام ليقضي بها الدين، وأخبره أنه أهداها إليه عظيم فدك، وهذا هو محل الشاهد من الترجمة، ففيه قبول الإمام هدايا المشركين.
ثم بعد ذلك قضى ذلك الدين الذي عليه وبقيت بقية، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفق البقية، وأخبره أنه لن يدخل على أهله حتى ينتهي من توزيعه، وبات رسول الله عليه الصلاة والسلام في المسجد ولم يدخل على أهله، وفي الليلة الآتية أتاه وأخبره أنه قد وزع الشيء الذي بحوزته، وأخبر أنه كان يخشى أن يموت وعنده شيء من ذلك المال الذي بقي دون أن يصل إلى من يستحقه من المسلمين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ثم بعد ذلك دخل إلى نسائه وسلم على كل واحدة منهن حتى وصل إلى التي لها النوبة في المبيت عندها، وبات عندها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وعندما أكمل بلال رضي الله عنه القصة قال لـ عبد الله الهوزني: فهذا الذي سألتني عنه.
والحاصل: أن الحديث فيه دلالة على قبول الهدية من أهل الكتاب، قال بعض أهل العلم: هذا يدل على قبول الهدايا من أهل الكتاب دون غيرهم، وسيأتي حديث فيه امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن قبول هدية رجل مشرك، والراجح أن الأمر يرجع إلى المصلحة والفائدة من وراء قبول الهدية، فإن كان سيترتب على قبولها مصلحة وفائدة من التألف على الإسلام، فإن الهدية ينبغي قبولها، أو كان في قبولها فائدة للمسلمين فإنه لا بأس بذلك، وإذا لم يكن هناك شيء من هذا فإنها لا تقبل الهدية، وعلى هذا يكون التوفيق بين ما جاء من قبول الهدية وما جاء من الامتناع من قبول الهدية، فتقبل في حال ولا تقبل في حال.
قوله: [عن عبد الله الهوزني قال: لقيت بلالاً مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحلب فقلت: يا بلال! حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] .
هذا كان بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، وبلال ما ذهب إلى الشام إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(ما كان له شيء، كنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفي)] .
يعني: أنه ينبئه عن نفقته عن خبرة ومعرفة بهذا الشيء الذي سأل عنه.
قوله: [(وكان إذا أتاه الإنسان مسلماً فرآه عارياً يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه)] .
البردة نوع من اللباس.
قوله: [(حتى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال! إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني ففعلت)] .
هذا يدل على جواز التعامل مع الكافر والاقتراض منه.
قوله: [(فلما أن كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأؤذن بالصلاة فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التجار)] .
أي: جماعة من التجار من جنسه.
[(فلما أن رآني قال: يا حبشي قلت: يا لباه)] .
يا لباه كلمة يجاب بها مثل: يا لبيك أو يا لباك، وهو جواب حسن يجيب به من دعاه.
قوله: [(فتجهمني وقال لي قولاً غليظاً)] .
يعني: ظهر في وجهه الاستياء والشدة والغلظة والقسوة والكراهية.
قوله: [(وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ قال: قلت: قريب، قال: إنما بينك وبينه أربع فآخذك بالذي عليك فأردك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك)] .
هذا تهديد له بأن يجعله عبداً يرعى الغنم كما كان قبل ذلك.
قوله: [(فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس، حتى إذا صليت العتمة رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهله فاستأذنت عليه)] .
قوله: حتى صلوا العتمة أي: صلاة العشاء.
قوله: [(فاستأذنت عليه فأذن لي فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي)] .
يعني: أنت مفدي بأبي وأمي، وليس هذا قسماً، وإنما هو افتداء.
قوله: [(إن المشرك الذي كنت أتدين منه قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عني ولا عندي وهو فاضحي، فأذن لي أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ما يقضي عني)] .
يعني: يريد أن يختفي من وجه هذا المشرك حتى يأتي شيء يكون به السداد.
قوله: [(فخرجت حتى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجني عند رأسي)] .
الجراب: هو الوعاء من جلد، يكون فيه المتاع، والقراب هو قراب السيف، والمجن هو الترس الذي يتقى به السلاح في الحرب، وهو مأخوذ من الجنة وهي السترة والوقاية.
قوله: [(حتى إذا انشق عمود الصبح الأول أردت أن أنطلق فإ



تراجم رجال إسناد حديث بلال في نفقة رسول الله وقبول هدايا المشركين
قوله: [حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع] .
أبو توبة الربيع بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا معاوية بن سلام] .
معاوية بن سلام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد] .
زيد بن سلام هو أخو معاوية، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي سلام] .
أبو سلام هو جدهما، وهو ممطور الحبشي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني عبد الله الهوزني] .
عبد الله الهوزني وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن بلال] .
بلال بن رباح صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤذنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



طريق أخرى لحديث بلال في نفقة رسول الله وقبول هدايا المشركين وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد حدثنا مروان بن محمد حدثنا معاوية بمعنى إسناد أبي توبة وحديثه قالا عند قوله: (ما يقضي عني، فسكت عني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاغتمزتها) ] .
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله، وفيه زيادة: (فسكت عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتمزتها) يعني: أنني تأثرت لكونه سكت ولم يجبني بشيء.
قوله: [حدثنا محمود بن خالد] .
محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا مروان بن محمد] .
وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا معاوية] .
هو معاوية بن سلام مر ذكره.
[بمعنى إسناد أبي توبة وحديثه] .
أي: بمعنى الحديث الذي تقدم ذكر إسناده ومتنه.



شرح حديث: (إني نهيت عن زبد المشركين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو داود حدثنا عمران عن قتادة عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عياض بن حمار رضي الله عنه أنه قال: (أهديت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ناقة فقال: أسلمت؟ فقلت: لا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إني نهيت عن زبد المشركين) ] .
أورد أبو داود حديث عياض بن حمار رضي الله عنه: (أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة فقال له: أسلمت؟ قال: لا، قال: إن نهيت عن زبد المشركين) ، ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك ليؤثر فيه، ويكون سبباً في إسلامه، ولهذا قال له: (أسلمت؟ قال: لا، فقال: إني نهيت عن زبد المشركين) ، فلعل الامتناع بسبب ما يرجوه ويؤمله من إسلامه.



تراجم رجال إسناد حديث: (إني نهيت عن زبد المشركين)
قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله] .
هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا أبو داود] .
هو سليمان بن داود الطيالسي ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عمران] .
عمران بن داور القطان، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن قتادة] .
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن عبد الله بن الشخير] .
يزيد بن عبد الله بن الشخير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أخو مطرف بن عبد الله بن الشخير.
[عن عياض بن حمار] .
عياض بن حمار رضي الله عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.



تابع شرح حديث: (إني نهيت عن زبد المشركين)
قوله: زبد المشركين يعني: عطاءهم وهديتهم.
والهدية تقبل أو ترد حسب المصلحة حتى من المشركين غير أهل الكتاب، ولا تخصص بأهل الكتاب، وبعض العلماء يخصصها بأهل الكتاب قياساً على أنها تحل ذبائحهم وتحل نساءهم بخلاف المشركين فإنها لا تحل ذبائحهم ولا نساؤهم، ولكن الظاهر أن هناك فرقاً بين هذه وهذه.
وهذا الحديث فيه دليل على جواز تحمل الكافر الحديث وأداؤه له بعد الإسلام؛ لأن الصحابي تحمل هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في حال كفره، وأداه في حال إسلامه، وهذا من جنس ما جاء في قصة أبي سفيان مع هرقل، فإنه تحمل ذلك في حال كفره، وأداه بعد إسلامه، ومثل ذلك حال الصغر، فالصغير قد يتحمل في حال صغره ويؤديه في حال كبره، والكافر قد يتحمل في حال كفره ويؤديه في حال إسلامه، وهذا الحديث من أمثلة التحمل في حال الكفر والأداء في حال الإسلام، أما التحمل في حال الصغر والأداء في حال الكبر فمثل صغار الصحابة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم صغار، وتلقوا بعض الأحاديث في حال صغرهم وأدوها في حال كبرهم، ومن ذلك حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحلال بين والحرام بين) وهو متفق عليه، والنعمان بن بشير توفي رسول الله عليه السلام وعمره ثمان سنوات، أي: أنه تحمل الحديث وهو صغير وأداه وهو كبير.



الأسئلة



وصية النبي الثالثة التي نساها الصحابي
السؤال في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاث وسكت عن الثالثة أو نساها الراوي، جاء في مسند أحمد: (أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ألا يكون آخر هذا الحديث هو الوصية الثالثة؟
الجواب سبق أن ذكرت أن بعض العلماء قال: هو يتعلق باتخاذ قبره مسجداً وهذا من جنسه، وقيل: هو إنفاذ جيش أسامة.



حكم تخصيص يوم للجلوس في المسجد بعد الفجر إلى طلوع الشمس
السؤال في مسجد حينا يقوم بعض الشباب بحث المصلين في بداية أول جمعة من كل شهر عربي على الجلوس في المسجد بعد صلاة الفجر لذكر الله وقراءة القرآن وأذكار الصباح حتى تطلع الشمس ثم صلاة ركعتي الضحى لتحصيل أجر حديث: (من جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس) إلخ الحديث، فما رأيكم؟
الجواب تخصيص ذلك بيوم معين ودعوة الناس إلى أن يقوموا بهذا، لا أصل له، ولا وجه له، ولكنهم يحثون على ذلك في جميع الأوقات، وفي جميع الأيام، ولا يخصص يوم جمعة أو يوم معين.



الكفار مخاطبون بأحكام الشريعة
السؤال ( قوله: فرقنا بين كل رجل من المجوس وحريمه في كتاب الله) هل هذا يفيد أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟
الجواب نعم هم مخاطبون بفروع الشريعة -على القول الصحيح- كما أنهم مخاطبون بأصولها، لكن لا يثابون على الإتيان بالفروع إلا إذا أتوا بالأصول؛ لأنهم لو أتوا بالفروع ولم يأتوا بالأصول فإن أعمالهم مردودة ولا يثابون عليها كما قال الله عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23] ، وفائدة خطابهم بالفروع تبعاً للأصول أن في ذلك زيادة عذاب لهم إذا تركوا الأصول والفروع، ولهذا فإن الكافر الذي هو شديد الإيذاء للناس أعظم من الكافر الذي لا يؤذي الناس، والكفر دركات كما أن الإيمان درجات، والكفار في النار في دركات كما أن أهل الجنة في درجات؛ ولهذا الله عز وجل يقول: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ} [النحل:88] فالذي يكفر ويصد عن سبيل الله أسوأ وأشد عذاباً من الذي يكفر ولا يصد عن سبيل الله، والفرق بينهم في الدركات في النار، فهؤلاء يعذبون أشد مما يعذب به أولئك، وإن كان خفيف العذاب منهم يتصور أنه لا أحد أشد منه عذاباً والعياذ بالله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في حق أبي طالب: (هو في ضحضاح من نار عليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه) ، فنعلاه في رجليه وهي في أسفل شيء منه، وحرهما يغلي منه دماغه الذي هو أعلى شيء فيه والعياذ بالله!





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27-06-2025, 03:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,125
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [358]
الحلقة (390)



شرح سنن أبي داود [358]
لولي أمر المسلمين أن يقطع أرضاً لبعض المسلمين ليحييها بزراعتها أو البناء عليها أو نحو ذلك، ويشترط أن تكون تلك الأرض ليست ملكاً لأحد، ولا يرتفق بها أهل البلد، وقد أقطع النبي عليه الصلاة والسلام جماعة من الصحابة بعض الأراضي.




إقطاع الأرضين




شرح حديث: (أقطع وائل بن حجر أرضاً بحضرموت)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إقطاع الأرضين.
حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن سماك عن علقمة بن وائل عن أبيه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضاً بحضرموت) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة (باب في إقطاع الأرضين) يعني: إعطاء الإمام بعض رعيته قطعة من الأرض يقطعها إياه، وهذا يسمى إقطاع الأرض، وهو خاص بالأرضين، ولا يكون في الأشياء المنقولة، وقد جاء في ذلك أحاديث تدل على وقوعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود حديث وائل بن حجر قال: (أقطعني رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضاً بحضرموت) أي: أعطاه أرضاً بحضرموت، وهو يدل على ما ترجم له المصنف من ثبوت الإقطاع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه هذه الأرض من أرض اليمن في حضرموت.




تراجم رجال إسناد حديث: (أقطع وائل بن حجر أرضاً بحضرموت)
قوله: [حدثنا عمرو بن مرزوق] .
عمرو بن مرزوق ثقة له أوهام، أخرج له البخاري وأبو داود.
[أخبرنا شعبة] .
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك] .
سماك بن حرب وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن علقمة بن وائل] .
علقمة بن وائل بن حجر وهو صدوق، أخرج له البخاري في رفع اليدين ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
وعلقمة سمع من أبيه بخلاف أخيه عبد الجبار فإنه لم يسمع من أبيه، والحافظ ذكر في التقريب أن علقمة لم يسمع من أبيه، ولكن الصحيح أنه قد سمع منه، فقد روى عنه مسلم في صحيحه حديثاً أو حديثين، ومسلم يشترط الصحة في الأسانيد، وقد صرح البخاري في تاريخه أنه سمع من أبيه، وفي سنن الترمذي تصريحه بالسماع من أبيه.




طريق أخرى لحديث إقطاع وائل أرضاً بحضرموت وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا جامع بن مطر عن علقمة بن وائل بإسناده مثله] .
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وقال: إسناده مثله يعني: مثل الطريق الأولى.
قوله: [حدثنا حفص بن عمر] .
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا جامع بن مطر] .
جامع بن مطر وهو صدوق، أخرج له البخاري في رفع اليدين وأبو داود والنسائي.
[عن علقمة بن وائل بإسناده مثله] .
يعني: علقمة بن وائل عن أبيه.
وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي عند أبي داود أعلى الأسانيد.




شرح حديث: (خط لي رسول الله داراً بالمدينة بقوس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن فطر قال: حدثني أبي عن عمرو بن حريث رضي الله عنه أنه قال: (خط لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم داراً بالمدينة بقوس وقال: أزيدك أزيدك) ] .
أورد أبو داود حديث عمرو بن حريث رضي الله عنه أنه خط له داراً في المدينة بقوس، يعني: قطعة من الأرض خطها له بقوس، والقوس من آلات الخط التي يخط بها، لبيان المقدار الذي أعطاه إياه، والمقصود بالدار قطعة من الأرض، وليست داراً مبنية، وإنما هي قطعة أرض يبني عليها داراً في المدينة.




تراجم رجال إسناد حديث: (خط لي رسول الله داراً بالمدينة بقوس)
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عبد الله بن داود] .
عبد الله بن داود الخريبي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن فطر] .
فطر بن خليفة وهو صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
وهو لين الحديث، أخرج له أبو داود.
[عن عمرو بن حريث] .
عمرو بن حريث رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث ضعيف، في إسناده رجل لين الحديث.




شرح حديث: (أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية) وهي من ناحية الفرع، فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم] .
أورد أبو داود هذا الحديث المرسل عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية، وهذا اسم مكان، وهي من ناحية الفرع بين مكة والمدينة.
قوله: [فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلا اليوم] .
إعطاؤه معادن القبلية جاء في عدة أحاديث، وهذا المقدار من الحديث صحيح، ولكن كونه لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم ما جاء إلا من هذا الطريق المرسلة، وعلى هذا فإنها يؤخذ منها الخمس وهو ما يخرج من الزكاة والمعادن، وأما الزكاة فمقدارها ربع العشر.




تراجم رجال إسناد حديث: (أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة] .
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك] .
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن] .
ربيعة بن أبي عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن غير واحد] .
هؤلاء مجهولون.




شرح حديث: (أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية) من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا العباس بن محمد بن حاتم وغيره -قال العباس:- حدثنا الحسين بن محمد أخبرنا أبو أويس قال حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية جلسيها وغوريها، وقال غيره: جلسها وغورها، وحيث يصلح الزرع من قدس، ولم يعطه حق مسلم، وكتب له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله بلال بن الحارث المزني؛ أعطاه معادن القبلية جلسيها وغوريها، وقال غيره: جلسها وغورها، وحيث يصلح الزرع من قدس، ولم يعطه حق مسلم) ] .
أورد أبو داود حديث عمرو بن عوف المزني: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية جلسها وغورها) ، والمراد بالجلس المكان المرتفع، والغور المكان المنخفض، يعني: أقطعه الربى والوهاد يعني: الأماكن المرتفعة والأماكن المنخفضة في ذلك المكان.
قوله: [وحيث يصلح الزرع من قدس] .
هو اسم جبل، فالمعنى: المكان الذي يصلح فيه الزراعة على ظهره وأعلاه.
قوله: [ولم يعطه حق مسلم] .
يعني: الذي أعطاه شيئاً ليس مملوكاً لمسلم؛ لأن ما كان مملوكاً لمسلم فهو له، ولا يتصرف فيه الإمام ولا غير الإمام.




تراجم رجال إسناد الطريق الثانية لحديث: (أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية)
قوله: [حدثنا عباس بن محمد بن حاتم] .
العباس بن محمد بن حاتم الدوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن.
[وغيره] .
لم يسمهم.
[حدثنا الحسين بن محمد] .
الحسين بن محمد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا أبو أويس] .
هو عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثني كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني] .
كثير بن عبد الله بن عمرو ضعيف، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبيه] .
عبد الله بن عمرو، وهو مقبول، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن جده] .
عمرو بن عوف المزني، وهو صحابي، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي وابن ماجة.




طريق ثالثة لحديث: (أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية) وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو أويس: وحدثني ثور بن زيد مولى بني الديل بن بكر بن كنانة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله] .
الطريق الأولى فيها كثير وأبوه، كثير: ضعيف، وأبوه: مقبول، وهذه الطريق الأخرى يصح بها الحديث، وهي من حديث ابن عباس.
وقوله: قال: أبو أويس: وحدثني ثور بن زيد يعني: أن أبا أويس رواه من الطريق التي فيها كثير وأبوه، ومن طريق أخرى صالحة ومستقيمة.
وثور بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وعكرمة هو مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وابن عباس رضي الله تعالى عنهما هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




طريق رابعة لحديث (أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية) وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن النضر قال: سمعت الحنيني قال: قرأته غير مرة -يعني: كتاب قطيعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم- قال أبو داود: وحدثنا غير واحد عن حسين بن محمد قال: أخبرنا أبو أويس قال: حدثني كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية جلسيَّها وغوريَّها، قال ابن النضر: وجرسها، وذات النصب، ثم اتفقا: وحيث يصلح الزرع من قدس، ولم يعط بلال بن الحارث حق مسلم، وكتب له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هذا ما أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلال بن الحارث المزني، أعطاه معادن القبلية جلسها وغورها، وحيث يصلح الزرع من قدس، ولم يعطه حق مسلم) ] .
قوله: [وجرسها وذات النصب] هذه أسماء لأماكن.
قوله: [حدثنا محمد بن النضر] .
هو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[سمعت الحنيني] .
هو إسحاق بن إبراهيم ضعيف، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[قال: قرأته غير مرة -يعني: كتاب قطيعة النبي صلى الله عليه وسلم-] .
يعني أنه رأى الكتاب، وقرأه غير مرة.
ثم أتى المصنف بالطريقة الثانية التي فيها غير واحد، قال أبو داود: [وحدثنا غير واحد عن حسين بن محمد قال: أخبرنا أبو أويس قال: حدثني كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده] .
وقد مر ذكرهم.
[قال أبو أويس: وحدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
زاد ابن النضر: وكتب أبي بن كعب رضي الله عنه] .
هذا الطريق فيه زيادة بيان أن الذي تولى الكتابة هو أبي بن كعب.




شرح حديث أبيض بن حمال في استقطاعه الملح
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي ومحمد بن المتوكل العسقلاني -المعنى واحد- أن محمد بن يحيى بن قيس المأربي حدثهم قال: أخبرني أبي عن ثمامة بن شراحيل عن سمي بن قيس عن شمير قال ابن المتوكل: ابن عبد المدان عن أبيض بن حمال رضي الله عنه: (أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستقطعه الملح، قال ابن المتوكل: الذي بمأرب، فقطعه له، فلما أن ولى قال رجل من المجلس: أتدري ما قطعت له؟! إنما قطعت له الماء العد، قال: فانتزع منه، قال: وسأله عما يحمى من الأراك، قال: ما لم تنله خفاف.
وقال ابن المتوكل: أخفاف الإبل) ] .
أورد أبو داود حديث أبيض بن حمال رضي الله تعالى عنه -وكان من أهل مأرب- أنه استقطع النبي عليه الصلاة والسلام ملحاً في ذلك المكان، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم إياه، ثم قيل له: إن هذا الذي أعطيته إياه الماء العد، معناه أنه سهل وقريب التناول، وأن الاستفادة منه كالاستفادة من الماء، لا يحتاج إلى تعب ولا مشقة، يعني: ليس هو في جوف الأرض يحتاج إلى تعب، وإنما هو بارز، وكل إنسان يستفيد منه، والشيء الذي يكون لا تعب فيه ولا مشقة، ويكون في متناول الناس؛ لا يقطع، وإنما يترك ليستفيد منه من يستفيد، أما إذا كان يحتاج إلى جهد، ويحتاج إلى عمل، ويحتاج إلى حفر الأرض والاستخراج منها، فيجوز حينئذٍ الإقطاع؛ لأنه إذا لم يوجد من يقوم بإخراجه يبقى في جوف الأرض، وأما إذا كان على ظهرها والناس يستفيدون منه، فإنه لا يقطع، ولهذا لما أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم وقيل له: إنه الماء العد، يعني: كالماء العد، سهل التناول، ويستفيد منه العامة، فلا يختص به واحد دون آخر؛ أخذه منه، لأن إقطاعه إياه كان على أساس أن فيه تعباً ومشقة، ولما تبين له أنه سهل التناول، وأن الناس يأخذون منه كالماء العد، أخذه منه، فإنه لا يصلح أن يقطع مثل ذلك، بل يبقى لعموم الناس كالماء الذي يستفيد الناس منه ويشربون منه جميعاً، فذلك الملح يبقى يأخذون منه حاجاتهم بدون تعب وبدون مشقة.
قوله: [وسأله عما يحمى من الأراك] .
الأراك هو الشجر الذي يتخذ منه السواك، فقال: (ما لم تنله خفاف) أي: أخفاف الإبل، ومعنى ذلك أنه يحمى ما يكون في مكان بعيد، وأما ما يكون قريباً من العمران، والإبل تحتاج إلى أن تذهب إليه وترعى، فإنه لا يحمى ولا يقطع، ولا يختص به أحد، بل يكون للجميع، وإنما الذي يمكن الاختصاص به الأماكن البعيدة، أما الذي تناله أخفاف الإبل إذا سرحت، فإن هذا لا يحمى، ولا تمنع منه أي ماشية، لأن البلد يكون لها حمى حولها، ولا يختص به أحد، بل يكون عاماً لسائر المواشي في ذلك البلد، وهذا معنى قوله: (ما لم تنله أخفاف الإبل) .




تراجم رجال إسناد حديث أبيض بن حمال في استقطاعه الملح
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي] .
قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومحمد بن المتوكل العسقلاني] .
محمد بن المتوكل العسقلاني صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود.
[أن محمد بن يحيى بن قيس المأربي] .
محمد بن يحيى بن قيس المأربي وهو لين الحديث، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[أخبرني أبي] .
وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن ثمامة بن شراحيل] .
ثمامة بن شراحيل وهو مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن سمي بن قيس] .
سمي بن قيس وهو مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن شمير] .
وهو مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أبيض بن حمال] .
أبيض بن حمال رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.




أثر في تفسير قوله: (ما لم تنله أخفاف الإبل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن عبد الله قال: قال محمد بن الحسن المخزومي: ما لم تنله أخفاف الإبل، يعني أن الإبل تأكل منتهى رءوسها، ويحمى ما فوقه] .
هذا أثر مقطوع، وهو تفسير لما لم تنله أخفاف الإبل.




تراجم رجال إسناد أثر تفسير قوله: (ما لم تنله أخفاف الإبل)
قوله: [حدثنا هارون بن عبد الله] .
هارون بن عبد الله الحمال ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[قال محمد بن الحسن المخزومي] .
هو ابن زبالة، وقد كذبوه، أخرج له أبو داود.




شرح حديث: (لا حمى في الأراك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن أحمد القرشي حدثنا عبد الله بن الزبير حدثنا فرج بن سعيد حدثني عمي ثابت بن سعيد عن أبيه عن جده عن أبيض بن حمال رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حمى الأراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا حمى في الأراك) ، فقال: أراكةً في حظاري؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا حمى في الأراك) ، قال فرج: يعني بحظاري: الأرض التي فيها الزرع المحاط عليها] .
يعني: أنه لا يحمى الأراك؛ لأنه يحتاج إليه الناس، فلا يختص به أحد دون أحد، فقال: أراكةً في حظاري؟ يعني: هل أحمي شجرة من شجر الأراك الذي في حظاري؟ يعني: في المكان الذي عملت حظيرة عليه، وحائطاً على المكان الذي أعطيته، ولهذا فسره فرج بعد ذلك بقوله: الأرض التي أحيطت مثل الحظيرة، كما قال الله: {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} [القمر:31] ، فالذي يبنى عليه سور أو بناء من الخشب أو غيره يعتبر حظيرة مثل حظيرة الغنم، والمقصود بالحظار السور والحائط الذي جعله محيطاً بالأرض.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 27-06-2025, 03:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,125
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا حمى في الأراك) يعني: وإن كانت موجودة فيها، فإن الأراك لا يحمى.
تراجم رجال إسناد حديث: (لا حمى في الأراك)
قوله: [حدثنا محمد بن أحمد القرشي] .
محمد بن أحمد القرشي سبق أن مر أنه يحتمل ثلاثة أشخاص، وكل منهم صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي.
[حدثنا عبد الله بن الزبير] .
عبد الله بن الزبير هو الحميدي المكي ثقة، أخرج له البخاري ومسلم في المقدمة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.
[حدثنا فرج بن سعيد] .
فرج بن سعيد وهو صدوق، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[حدثني عمي ثابت بن سعيد] .
ثابت بن سعيد وهو مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبيه] .
هو سعيد بن أبيض بن حمال مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن جده عن أبيض] .
(عن) هذه مقحمة، والصواب: عن جده أبيض، وقد مر ذكره.




شرح حديث: (إن القوم إذا أسلموا أحرزوا دماءهم وأموالهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمر بن الخطاب أبو حفص حدثنا الفريابي حدثنا أبان -قال عمر: وهو ابن عبد الله بن أبي حازم - قال: حدثني عثمان بن أبي حازم عن أبيه عن جده صخر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غزا ثقيفاً، فلما أن سمع ذلك صخر ركب في خيل يمد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فوجد نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قد انصرف ولم يفتح، فجعل صخر يومئذٍ عهد الله وذمته ألا يفارق هذا القصر حتى ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يفارقهم حتى نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكتب إليه صخر أما بعد: فإن ثقيفاً قد نزلت على حكمك يا رسول الله! وأنا مقبل وهم في خيل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة جامعة، فدعا لأحمس عشر دعوات: اللهم بارك لأحمس في خيلها ورجالها، وأتاه القوم، فتكلم المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فقال: يا نبي الله! إن صخراً أخذ عمتي ودخلت فيما دخلت فيه المسلمون، فدعاه فقال: يا صخر! إن القوم إذا أسلموا أحرزوا دماءهم وأموالهم؛ فادفع إلى المغيرة عمته، فدفعها إليه، وسأل نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ماءً لبني سليم قد هربوا عن الإسلام وتركوا ذلك الماء، فقال: يا نبي الله! أنزلنيه أنا وقومي؟ قال: نعم، فأنزله، وأسلم -يعني السلميين- فأتوا صخراً فسألوه أن يدفع إليهم الماء، فأبى، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا نبي الله! أسلمنا وأتينا صخراً ليدفع إلينا ماءنا فأبى علينا، فأتاه فقال: يا صخر! إن القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودماءهم فادفع إلى القوم ماءهم، قال: نعم يا نبي الله! فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتغير عند ذلك حمرة حياءً من أخذه الجارية وأخذه الماء) ] .
شرحنا عدداً من الأحاديث فيما يتعلق بهذه الترجمة، وهي: إقطاع الأرضين، وبقي بعض الأحاديث، ومنها حديث صخر رضي الله تعالى عنه الطويل، الذي فيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم غزا ثقيفاً وحاصرهم، ثم رجع دون أن تفتح عليه، وأن صخراً هذا -وهو من الأحمسيين- عاهد الله عز وجل أن يحاصرهم حتى ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب صخر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بهذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا لقومه -أي: للأحمسيين- لخيلهم ورجالهم، أي: الفرسان والراجلين.
وجاء المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وهو من ثقيف وقال: إن عمته أخذها صخر، فالنبي صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يعيد عمته إليه.
وفيه أن جماعة من بني سليم هربوا عن ماء لهم، فطلب صخر من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليه، فمكنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ولما أسلمت بنو سليم جاءوا إلى صخر وطلبوا منه أن يسلم لهم ماءهم فأبى، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام له: (إن القوم إذا أسلموا أحرزوا دماءهم وأموالهم) ، وطلب منه أن يعطيهم ذلك الماء، وقال: إنه رأى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير حمرة حياءً من كونه رد هذا الماء إلى أهله، وأخذه من صخر، وكذلك رد الجارية التي هي عمة المغيرة بن شعبة، وأعطاها للمغيرة بن شعبة.
هذا الحديث الطويل حديث ضعيف لم يثبت؛ لأن في سنده من لا يحتج بحديثه، أو لا يعول على حديثه، ومحل الشاهد منه ذكر هذا الماء الذي لبني سليم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه لـ صخر هذا، والأصل أن الكفار إذا هربوا وغنم المسلمون ديارهم وأموالهم، فإنها تكون فيئاً، والفيء لو أسلم صاحبه لا يلزم إرجاعه إليه، ولكنه إن أرجع إليه من أجل ترغيبه في الإسلام، فإنه لا بأس بذلك، ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا مع هؤلاء القوم من بني سليم من أجل ترغيبهم في الإسلام، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم استطاب نفس صخر هذا، وأن نفسه طابت بذلك، كما حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبي هوازن لما قسمهم، فقد جاء وفدهم مسلمين، وطلبوا رد السبي، والنبي صلى الله عليه وسلم أبلغ أصحابه بأنه يريد أن يرد عليهم سبيهم، وأن من طابت نفسه أن يتنازل عن حقه فذاك، ومن لم تطب نفسه فإن النبي صلى الله عليه وسلم سيعوضه من أول شيء يفيئه الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فلو كان هذا الحديث ثابتاً فهو محمول على ذلك، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم استطاب نفس صخر، وأعاد الماء إليهم من أجل ترغيبهم في الإسلام، وكذلك فيما يتعلق برد الجارية إلى المغيرة بن شعبة، فلعله استطاب نفس صخر، وأن يكون هذا من جنس ما حصل في قصة سبي هوازن أو يكون الأمر يرجع إلى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم نزلوا على حكمه كما جاء في الحديث، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن ترد هذه الجارية على من طلبها، وهو المغيرة بن شعبة.
والحاصل أن الحديث الطويل أورد من أجل قصة الماء، وكونه أعطاه لـ صخر، وهذا هو المناسب لباب الإقطاع، ولكن الحديث كما عرفنا في إسناده ضعف.




تراجم رجال إسناد حديث: (إن القوم إذا أسلموا أحرزوا دماءهم وأموالهم)
قوله: [حدثنا عمر بن الخطاب أبو حفص] .
عمر بن الخطاب أبو حفص صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثنا الفريابي] .
هو محمد بن يوسف الفريابي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبان قال عمر: هو ابن عبد الله بن أبي حازم] .
أبان بن عبد الله بن أبي حازم وهو صدوق في حفظه لين، أخرج له أصحاب السنن.
[حدثني عثمان بن أبي حازم] .
عثمان بن أبي حازم وهو مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن أبيه] .
هو أبو حازم، وهو مستور، أخرج له أبو داود، ومستور بمعنى: مجهول الحال.
[عن جده صخر] .
صخر رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود.
الحديث ضعيف ففيه مجهول الحال وهو أبو حازم، وأيضاً فيه عثمان بن أبي حازم مقبول.




شرح حديث: (نزل في موضع المسجد تحت دومة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب حدثني سبرة بن عبد العزيز بن الربيع الجهني عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل في موضع المسجد تحت دومة، فأقام ثلاثاً ثم خرج إلى تبوك، وإن جهينة لحقوه بالرحبة، فقال لهم: من أهل ذي المروة؟ فقالوا: بنو رفاعة من جهينة، فقال: قد أقطعتها لبني رفاعة، فاقتسموها، فمنهم من باع، ومنهم من أمسك فعمل) ، ثم سألت أباه عبد العزيز عن هذا الحديث فحدثني ببعضه ولم يحدثني به كله] .
راوي هذا الحديث هو الربيع بن سبرة، جد سبرة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة، فالذي يظهر من الإسناد أن الجد هو الربيع، والربيع تابعي من الطبقة الثالثة، وعلى هذا فيكون الحديث مرسلاً، ولكن الحديث هو عن سبرة بن معبد الذي هو أبو الربيع، والربيع يروي عن أبيه، فيكون الحديث -كما في تحفة الأشراف- عن سبرة بن معبد الجهني، وعلى هذا فإن سبرة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة يروي عن أبيه عن جده، وجده يروي عن أبيه، أي: جده الربيع يروي عن أبيه سبرة، فهو متصل على هذا، وهو من مسند سبرة بن معبد الجهني.
قوله: [أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل في موضع المسجد تحت دومة] يعني: نزل تحت شجرة، ولعل المقصود بالمسجد المكان الذي صلوا فيه، وأنه كان تحت شجرة، وليس المراد دومة الجندل، فإنها لم تكن في طريقهم إلى تبوك.
قوله: [فأقام ثلاثاً ثم خرج إلى تبوك، وإن جهينة لحقوه بالرحبة، فقال لهم: من أهل ذي المروة؟] أي: أقام ثلاثاً ثم إنه ذهب إلى تبوك، ولحقه جماعة من جهينة، وهم بنو رفاعة، فكانوا في مكان يقال له: المروة، فقال من أهل ذي المروة؟ فقالوا: رفاعة، فأقطعهم إياها، فمنهم من أمسك، ومنهم من باع، وهذا هو محل الشاهد من الترجمة، وهو كونه أقطعهم تلك القرية التي كانوا فيها، ومنهم من باع، ومنهم من أمسك أي: منهم من باعها، ومنهم من أمسكها وعملها، أي: بناها وسكنها، فهو يدل على ما ترجم به المصنف من الإقطاع، وفي التقريب في ترجمة سبرة بن معبد قال: وكان يسكن في ذي المروة، يعني: في هذا المكان الذي جاء ذكره في هذا الحديث، وهو المكان الذي أقطعهم إياهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ثم سألت أباه عبد العزيز عن هذا الحديث فحدثني ببعضه ولم يحدثني به] .
يعني: أن ابن وهب الذي روى عن سبرة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة؛ لقي أباه عبد العزيز، فسأله عن الحديث فحدثه ببعضه، فحصل له علو، لأنه حصله نازلاً وكان كاملاً، ثم لقي عبد العزيز والد سبرة، فصار إسناده الثاني عالياً، لأنه سقط منه رجل، وهو سبرة بن عبد العزيز، إلا أن الطريق النازلة أكمل وأتم، والطريق العالية أقل؛ لأن عبد العزيز بن الربيع حدثه ببعض ما حدثه به سبرة بن عبد العزيز.




تراجم رجال إسناد حديث: (نزل في موضع المسجد تحت دومة)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري] .
سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا ابن وهب] .
عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني سبرة بن عبد العزيز بن الربيع] .
سبرة بن عبد العزيز بن الربيع صدوق ليس به بأس، وكلمة ليس به بأس بمعنى صدوق، أخرج له أبو داود.
[عن أبيه] .
هو عبد العزيز بن الربيع بن سبرة وهو صدوق ربما غلط؛ أخرج له أبو داود.
[عن جده] .
جده هو الربيع بن سبرة، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن سبرة بن معبد] .
وهو صحابي، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.




شرح حديث: (أقطع الزبير نخلاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حسين بن علي حدثنا يحيى -يعني ابن آدم - قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقطع الزبير رضي الله عنه نخلاً] .
أورد أبو داود هذا الحديث عن أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير نخلاً، قالوا: والنخل من الأشياء الظاهرة التي منفعتها حاصلة، وهو من جنس الملح أو المعادن الظاهرة التي لا تقطع، وإنما تكون منفعتها عامة، قيل: ولعله أعطاه إياه من سهم الخمس.




تراجم رجال إسناد حديث: (أقطع الزبير نخلاً)
قوله: [حدثنا حسين بن علي] .
حسين بن علي الجعفي العجلي وهو صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له أبو داود والترمذي.
[حدثنا يحيى] .
يحيى بن آدم الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو بكر بن عياش] .
أبو بكر بن عياش وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن هشام بن عروة] .
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أسماء] .
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.




شرح حديث: (اكتب له بالدهناء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر وموسى بن إسماعيل المعنى واحد قالا: حدثنا عبد الله بن حسان العنبري قال: حدثتني جدتاي صفية ودحيبة ابنتا عليبة، وكانتا ربيبتي قيلة بنت مخرمة رضي الله عنها، وكانت جدة أبيهما، أنها أخبرتهما قالت: (قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت: تقدم صاحبي -تعني حريث بن حسان وافد بكر بن وائل- فبايعه على الإسلام عليه وعلى قومه، ثم قال: يا رسول الله! اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء ألا يجاوزها إلينا منهم أحد إلا مسافر أو مجاور -وفي بعض النسخ: مجاوز، وهي أقرب، يعني عابر سبيل- فقال: اكتب له يا غلام بالدهناء، فلما رأيته قد أمر له بها شخص بي وهي وطني وداري، فقلت: يا رسول الله! إنه لم يسألك السوية من الأرض إذ سألك، إنما هذه الدهناء عندك مقيد الجمل، ومرعى الغنم، ونساء بني تميم وأبناؤها وراء ذلك، فقال: أمسك يا غلام! صدقت المسكينة، المسلم أخو المسلم يسعهم الماء والشجر، ويتعاونان على الفتان) ] .
أورد أبو داود حديث قيلة بنت مخرمة رضي الله عنها أنها قالت: تقدم صاحبها حريث بن حسان، فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام عليه وعلى قومه ثم قال: يا رسول الله! اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء ألا يجاوزها إلينا منهم أحد إلا مسافر أو مجاوز فتكلمت قيلة وقالت: إنه ما سألك الأرض السوية، يعني: ما سألك أرضاً عادية تحتاج إلى أن يستفاد منها بالحرث أو بالإحياء، وإنما سألك أرضاً يشترك فيها الناس، وهي مرعى لبني تميم، وهم يستفيدون منها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر الغلام بالإمساك عن الكتابة؛ لأنها أرض مشتركة بين الناس، ويستفيد منها عموم الناس، وهو سأله أرضاً فأمر أن يكتب له، ولما عرف أنها مشاعة بين الناس من ناحية أن الجمال ترعى فيها، وتكون فيها كأنها مقيدة لا تعدوها ولا تتجاوزها؛ لأنها تأخذ حاجتها منها؛ أمر بالإمساك عن ذلك الإقطاع.
وقول قيلة: فلما رأيته قد أمر له بها شخص بي أي: فزعت وهالني الأمر؛ لأن هذه الأرض مرعى قومها، ويستفيد منها بنو تميم وغير بني تميم، ثم تعطى لشخص واحد من الناس يختص بها! قالت: [(وهي وطني وداري، فقلت: يا رسول الله! إنه لم يسألك السوية من الأرض إذ سألك)] يعني: ما سألك أرضاً تصلح أن تعطى؛ لأنها يمكن أن تحيا وأن يستفاد منها؛ لكونها من الأراضي العادية التي ليست مراعي، وليست محل اشتراك بين الناس.
قالت: [(إنما هذه الدهناء عندك مقيد الجمل)] .
يعني: الجمل فيها يكون كأنه مقيد، لا يتحرك منها ولا يتعداها؛ لأن بغيته موجودة فيها، والجمل المقيد لا يعدو ولا يبرح المكان، والمعنى: أن بغيته موجودة فيها، يأكل من المرعى، ولا يحتاج إلى أن يقطع مسافة من أجل أن يحصل رعياً.
قالت: [(ومرعى الغنم ونساء بني تميم وأبناؤها وراء ذلك)] يعني: أنهم يستفيدون منها وينتفعون منها كما ينتفع غيرهم.
قوله: [(فقال: أمسك يا غلام! صدقت المسكينة)] أمسك يا غلام! يعني: عن الكتابة.
قوله: [(المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر)] .
يعني: الماء والشجر يشترك فيه المسلمون، والشجر هو الرعي.
قوله: [(ويتعاونان على الفتان)] .
ويتعاونان على الفتان وهو إما أن يكون الشيطان أو الفتان جمع فاتن ككاهن وكهان، وهم من يحصل منهم ضرر، أي: يتعاونون عليهم.




تراجم رجال إسناد حديث: (اكتب له بالدهناء)
قوله: [حدثنا حفص بن عمر] .
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[وموسى بن إسماعيل] .
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله بن حسان العنبري] .
عبد الله بن حسان العنبري وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي.
[حدثتني جدتاي صفية ودحيبة] .
صفية ودحيبة كل منهما مقبولة، وأخرج لهما البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي.
[عن قيلة] .
وهي صحابية، أخرج لها البخاري في الأدب المفرد والبخاري والترمذي.
هذا الحديث غير صحيح؛ ففيه مقبول ومقبولتان.




شرح حديث: (من سبق إلى ماء لم يسبقه إليه مسلم فهو له)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار قال: حدثني عبد الحميد بن عبد الواحد قال: حدثتني أم جنوب بنت نميلة عن أمها سويدة بنت جابر عن أمها عقيلة بنت أسمر بنت مظرف عن أبيها أسمر بن مظرف رضي الله عنه أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبايعته فقال: من سبق إلى ماء لم يسبقه إليه مسلم فهو له) قال: فخرج الناس يتعادون ويتخاطون] .
الذي يظهر أن (ما) موصولة وليست ماء، يعني: من سبق إلى شيء لم يسبقه غيره، يعني فتكون موصولة، هذا هو الأظهر من حيث أنهم صاروا يتعادون ويتخاطون الأرض؛ لأنه لو كان ماء فليس فيه خط، فالخط إنما يكون في الأرض، فهم صاروا يتعادون إلى الأرض، يعني: كل يسبق إليها ليحمي له قطعة، فيخط برجله أو بآلة، ويحدد قطعة يحوزها ويتميز بها.
ويمكن أن يكون المقصود بالحديث -كما ذكر في عون المعبود- أنه إذا سبق إلى ماء وحمل منه أو إلى حطب وحمل منه أو إلى نبات وحمل منه؛ فإنه يحوز ذلك الذي أخذه، والباقي يبقى مشاعاً بين الناس.
وهذا الحديث ليس فيه من الثقات إلا الصحابي وشيخ أبي داود محمد بن بشار، والباقون كلهم متكلم فيهم.
وإذا كان المقصود أنه يسبق إلى شيء مباح مثل نبات أو ماء أو حطب فحازه، فإنه يملكه بحوزه إياه؛ لأن الإنسان إذا احتطب حطباً صار ملكاً له، وقبل أن يحتطب فالحطب مشاع، والماء مشاع، وإذا أخذ ماءً بقربته أو بسيارته فإنه يملكه ويتصرف فيه، وكذلك النبات إذا أخذه من الأرض فإنه يملكه، فإذا كان هذا هو المقصود فهو معنى صحيح ومستقيم، وليس فيه إشكال، وأما إذا كان المعنى أن يبسط على الأرض، ويملك الأرض بهذا الخط، وكل إنسان يخط برجله؛ فهذا غير مستقيم؛ لأن التملك لا يحصل بالخط بالرجل، ولا بد من إحيائه كما سيأتي في إحياء الموات.




تراجم رجال إسناد حديث: (من سبق إلى ماء لم يسبقه إليه مسلم فهو له)
قوله: [حدثنا محمد بن بشار] .
محمد بن بشار هو الملقب بـ بندار البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عبد الحميد بن عبد الواحد] .
عبد الحميد بن عبد الواحد مقبول، أخرج له أبو داود.
[حدثتني أم جنوب بنت نميلة] .
أم جنوب بنت نميلة لا يعرف حالها، أخرج لها أبو داود.
[عن أمها سويدة بنت جابر] .
سويدة بنت جابر لا يعرف حالها، أخرج لها أبو داود.
[عن أمها عقيلة بنت أسمر] .
عقيلة بنت أسمر لا يعرف حالها، أخرج لها أبو داود.
[عن أبيها أسمر] .
أسمر، وهو صحابي، أخرج له أبو داود.
وكل هؤلاء الرواة أخرج لهم أبو داود ما عدا محمد بن بشار، وكل من بين شيخ أبي داود وبين الصحابي متكلم فيهم.




شرح حديث: (أقطع الزبير حضر فرسه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا حماد بن خالد عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقطع الزبير رضي الله عنه حضر فرسه، فأجرى فرسه حتى قام، ثم رمى بسوطه فقال: أعطوه من حيث بلغ السوط) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الزبير حضر فرسه، يعني: المقدار الذي يعدو فيه الفرس حتى يقف، ثم إنه بعدما وقف رمى بالسوط، فقال: (أعطوه من حيث بلغ السوط) يعني: هذه المسافة وزيادة رمية السوط على هذا العدو الذي حصل من الفرس حيث وقف وانتهى، وهذا من باب الإقطاع، ولكن الحديث غير صحيح؛ لأن فيه عبد الله بن عمر بن حفص العمري المكبر، وهو ضعيف.




تراجم رجال إسناد حديث: (أقطع الزبير حضر فرسه)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
أحمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحيث أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن خالد] .
حماد بن خالد وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الله بن عمر] .
عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المكبر، وهو ضعيف، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن نافع] .
نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




جواز طلب أرض من السلطان
يستفاد من أحاديث الباب جواز طلب منح الأراضي من السلطان، لاسيما إذا كان الإنسان صاحب حاجة، وأما إذا كان ليس صاحب حاجة فالأولى له ألا يطلب، وإن أعطي أخذ، وإن لم يعط ترك.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27-06-2025, 03:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,125
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [359]
الحلقة (391)



شرح سنن أبي داود [359]
جاءت الشريعة بما فيه صلاح العباد والبلاد، ورغبت في إحياء الأرض وعمارتها لتكون وسيلة لعبادة الله التي خلق الخلق من أجلها، ومن أبواب الفقه الإسلامي: إحياء الموات، وهي الأرض الميتة التي ليست مملوكة لأحد، وقد بين العلماء صفة الإحياء وشروطه وأحكامه.



إحياء الموات



شرح حديث: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في إحياء الموات.
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب حدثنا أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق) ] .
أورد أبو داود (باب إحياء الموات) والموات هي: الأرض الميتة التي ليست مملوكة لأحد، فيحييها إنسان بأن يحفر فيها بئراً أو يزرع زرعاً أو يبني فيها بيتاً أو ما إلى ذلك، فإن هذا يكون به الإحياء ويملكها الإنسان بذلك.
وقد أورد أبو داود حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه -صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق) ، وهذا فيه إثبات ما ترجم له المصنف من أن الملك يكون بالإحياء، والإحياء يكون بالزرع، أو بالبنيان، أو بحفر بئر، أو غرس الشجر والنخل وما إلى ذلك.
قال: (وليس لعرق ظالم حق) يعني: لو أن إنساناً غرس شيئاً في أرض لا يملكها، فإن ذلك ظلم، وليس له حق، فإما أن يقطع الغرس، ويتخلص منه وتبقى الأرض بيضاء، أو يتفق مع صاحبها على أن تبقى ويعوضه على ما حصل له من تعب، بحسب ما يتفقان عليه.



تراجم رجال إسناد حديث: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له)
قوله: [حدثنا محمد بن المثنى] .
محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بـ الزمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الوهاب] .
عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أيوب] .
أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة عن أبيه] .
مر ذكرهما.
[عن سعيد بن زيد] .
سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



حكم إحياء الأرض بدون إذن السلطان
قال الخطابي: وقال أبو حنيفة: لا يملكها بالإحياء حتى يأذن له السلطان في ذلك، وخالفه صاحباه فقالا بقول عامة العلماء، أي: أن الإنسان إذا حصل منه الإحياء لأرض لا يملكها أحد من الناس، فإنها تكون ملكاً له بذلك، لكن السلطان إذا رأى من المصلحة ألا يمكن الناس من التسابق إلى الأراضي وتملكها والافتتان بها، بسبب حصول المشاكل الكثيرة، وشغل المحاكم فيها، لجشع الناس؛ فله أن يعمل ما فيه المصلحة في ذلك، ولكن إذا تم الإحياء، فإن المحيي يستحق ذلك، ولكن إذا كان السلطان قد منع من الإقدام على الأراضي وتملكها، وحصل الافتتان بين الناس في ذلك؛ فله أن يفعل ما فيه المصلحة للناس.



حكم من غرس في أرض غيره بغير إذنه
من غرس في غير أرضه، بغير إذن صاحب الأرض، يؤمر بالقلع أو يتفق مع صاحب الأرض على أن يعوضه، فإذا وافق صاحب الأرض على كونه يعطيه شيئاً مقابل تعبه فلا بأس؛ لأن الإنسان له أن يعطي من حقه ما يشاء، فالمالك إذا أراد أن يعطيه شيئاً مقابل تعبه فلا بأس بهذا، وإذا ما وافق فيجب أن يقلع غرسه ويزال.



شرح حديث: (أمر صاحب النخل أن يخرج نخله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد بن السري حدثنا عبدة عن محمد -يعني ابن إسحاق - عن يحيى بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له) وذكر مثله.
قال: فلقد خبرني الذي حدثني هذا الحديث: (أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غرس أحدهما نخلاً في أرض الآخر، فقضى لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها، قال: فلقد رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالفئوس، وإنها لنخل عم، حتى أخرجت منها) ] .
هذا الحديث متصل، والصحابي الذي حدث بهذا الحديث مبهم، وفيه أن رجلين اختصما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه قال: (ليس لعرق ظالم حق) ، وأنهم صاروا يقطعون تلك النخل، وإنها لعم، يعني: طويلة.



تراجم رجال إسناد حديث: (أمر صاحب النخل أن يخرج نخله)
قوله: [حدثنا هناد بن السري] .
هناد بن السري أبو السري ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عبدة] .
عبدة بن سليمان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إسحاق] .
محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن يحيى بن عروة] .
يحيى بن عروة وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود.
[عن أبيه] .
هو عروة، وقد مر ذكره.



شرح حديث: (أمر صاحب النخل أن يخرج نخله) من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي حدثنا وهب عن أبيه عن ابن إسحاق بإسناده ومعناه إلا أنه قال عند قوله: مكان الذي حدثني هذا: فقال (رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر ظني أنه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: فأنا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل) ] .
أورد المصنف هنا ما يبين الصحابي الذي حدث بالحديث السابق، قال: وأكثر ظني أنه أبو سعيد الخدري، يعني ذلك الصحابي المبهم، وسواء كان أبا سعيد أو غير أبي سعيد فهو صحابي، والجهالة لا تؤثر فيهم، والمجهول فيهم في حكم المعلوم؛ لأنهم كلهم عدول بتعديل الله لهم وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم.



تراجم رجال إسناد حديث: (أمر صاحب النخل أن يخرج نخله) من طريق ثانية
قوله: [حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي] .
أحمد بن سعيد الدارمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا وهب] .
وهب بن جرير بن حازم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
جرير بن حازم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن إسحاق بإسناده ومعناه] .
وقد تقدم هذا.
[وأكثر ظني أنه أبو سعيد الخدري] .
أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان رضي الله تعالى عنه، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث: (من أحيا مواتاً فهو أحق به)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عبدة الآملي حدثنا عبد الله بن عثمان حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة عن عروة أنه قال: (أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن الأرض أرض الله، والعباد عباد الله، ومن أحيا مواتاً فهو أحق به) جاءنا بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين جاءوا بالصلوات عنه] .
أورد أبو داود هذا الحديث عن عروة أنه قال: [(أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الأرض أرض الله، والعباد عباد الله، وأن من أحيا مواتاً فهو أحق به)، ثم قال: جاءنا بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين جاءوا بالصلوات عنه، يعني: الذين حدثونا عن أحكام الصلوات، ونقلوا إلينا أحكام الصلوات وما يتعلق بالصلاة؛ هم الذين نقلوا إلينا المعاملات، وهنا أبهم الصحابة، ولكنه قال: إن الذين حدثونا بهذه الأحاديث المتعلقة بالمعاملات، هم الذين حدثونا عن العبادات، وقال: (أشهد) ، فهو يجزم أن هذا الخبر جاء عن الصحابة الذين بلغوا عن النبي صلى الله عليه وسلم أحكام العبادات والمعاملات.



تراجم رجال إسناد حديث: (من أحيا مواتاً فهو أحق به)
قوله: [حدثنا أحمد بن عبدة الآملي] .
أحمد بن عبدة الآملي، صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي.
[حدثنا عبد الله بن عثمان] .
عبد الله بن عثمان المروزي، الملقب عبدان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا عبد الله بن المبارك] .
عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا نافع بن عمر] .
نافع بن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي مليكة] .
ابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة] .
مر ذكره.



شرح حديث: (من أحاط حائطاً على أرض فهي له)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن بشر حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من أحاط حائطاً على أرض فهي له) ] .
أورد أبو داود هذا الحديث عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحاط حائطاً على أرض فهي له) ، وهذا يدل على أن تحجير الأرض وبناء سور عليها يكون به التملك، ولكن الحديث من رواية الحسن عن سمرة، وهو لم يسمع منه إلا حديث العقيقة، وما سوى ذلك فإنه لا يثبت، وهذا منه.
قوله: [(من أحاط حائطاً على أرض فهي له)] .
يعني: أنه يملكها بذلك، ولا أدري عن صحة التملك بوجود إحاطة؛ لأن الإحاطة قد تختلف، يمكن للإنسان أن يحجرها بحجارة أو يضع عليها شبك حديد خفيف أو يعمل لها سوراً قصيراً جداً، أما إذا بنى فيها مسكناً؛ فهذا الأمر واضح أن فيه إحياء.



تراجم رجال إسناد حديث: (من أحاط حائطاً على أرض فهي له)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن بشر] .
أحمد بن حنبل مر ذكره، ومحمد بن بشر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد عن قتادة] .
سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن] .
الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سمرة بن جندب] .
هو صحابي رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح أثر تفسير العرق الظالم
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك قال: هشام: العرق الظالم أن يغرس الرجل في أرض غيره فيستحقها بذلك، قال مالك: والعرق الظالم كل ما أخذ واحتفر وغرس بغير حق] .
أورد المصنف هذين الأثرين في تفسير العرق الظالم الذي جاء في الحديث السابق: (ليس لعرق ظالم حق) فقال هشام: العرق الظالم أن يغرس الرجل في أرض غيره فيستحقها بذلك، يعني: ليستحق الأرض بذلك، فهذا ظلم، والواجب إزالته، إلا إذا اتفق مع صاحب الأرض أن يبقيه.
وقال مالك: العرق الظالم كل ما احتفر وغرس بغير حق، يعني: كونه يغرس في أرض لشخص من الناس غرساً فإن هذا يقال له: عرق ظالم.



تراجم رجال إسناد أثر تفسير العرق الظالم
قوله: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح] .
ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك] .
ابن وهب مر ذكره، ومالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام] .
هشام بن عروة مر ذكره.



شرح حديث خرص رسول الله لحديقة امرأة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سهل بن بكار حدثنا وهيب بن خالد عن عمرو بن يحيى عن العباس الساعدي -يعني ابن سهل بن سعد - عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنه قال: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبوك، فلما أتى وادي القرى إذ امرأة في حديقة لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: اخرصوا، فخرص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشرة أوسق، فقال للمرأة: أحصي ما يخرج منها، فأتينا تبوك، فأهدى ملك أيلة إلى رسول الله صلى عليه وعلى آله وسلم بغلة بيضاء، وكساه بردة، وكتب له -يعني ببحره- قال: فلما أتينا وادي القرى قال للمرأة: كم كان في حديقتك؟ قالت: عشرة أوسق، خرص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني متعجل إلى المدينة، فمن أراد منكم أن يتعجل معي فليتعجل) ] .
أورد المصنف رحمه الله حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، وذكر في هذه الغزوة أنهم مروا بامرأة لها حديقة، وهم ذاهبون إلى تبوك، وذلك في وادي القرى، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (اخرصوا، وخرص عليه الصلاة والسلام عشرة أوسق، وقال عليه الصلاة والسلام لها: أحصي ما يخرج منها، فلما رجعوا من تبوك، سألوها وأخبرت أنها بلغت عشرة أوسق، وهو المقدار الذي خرصه رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
والترجمة في إحياء الموات، ومطابقة الحديث للترجمة يتعلق بالحديقة، ولعل ذلك لكونها أحيتها، وأن إحيائها يكون بالغرس وبالزرع، فهذا هو مناسبة الحديث للترجمة.
والحديث يدل على أمور: منها: الخرص، وقد سبق أن مر في الزكاة، وأن الإمام يرسل العمال ليخرصوا الزرع والثمر، ثم إذا صار حباً وصار براً وكذلك صار التمر تمراً؛ فإنها تخرج الزكاة منه، وفائدة الخرص هو أن صاحب البستان وصاحب الزرع والثمر يستفيد ويتصرف في ثمرته وفي زرعه، بأن يأكل ويعطي ويمنح ويهب، ويكون مقدار الزكاة معروفاً على حسب الخرص الذي سبق، وبذلك يتمكن أصحاب الأموال من الاستفادة من أموالهم، ومقدار الزكاة يكون في الذمة على حسب الخرص الذي خرص، ففي الحديث دلالة على الخرص، وهو التقدير والحزر، فيقول: هذا الشيء يبلغ كذا وكذا، وهذا الحديث من أوضح الأدلة على جوازه، وعلى أنه سائغ.
والحديث يدل أيضاً على قبول الهدايا من أهل الكتاب؛ لأن صاحب أيلة أهدى للرسول صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء، وأيلة مدينة في جهة الشام على ساحل البحر، فالحديث يدل على قبول الهدايا من الكفار، وسبق أن مر بنا ترجمة في ذلك، وعرفنا أن هذا إنما يكون على حسب المصلحة.
قوله: (وكساه بردة) قيل: إن الذي كسا هو الرسول صلى الله عليه وسلم، ولعل ذلك مقابلة على الهدية.
قوله: (وكتب له ببحره) يعني: أرضه وبلده، بأن يبقى تحت ولايته على ما هو عليه؛ لأنه دفع الجزية، ويقال للبلاد والمدن والقرى: بحار، ويقال للمدينة: بحر، وللقرية: بحر، وقد سبق أن مر بنا الحديث الذي فيه ذكر الأعرابي الذي جاء وقال: إنه مهاجر، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (إن شأن الهجرة عظيم، ولكن اعبد الله من وراء البحار) يعني: من وراء القرى، والمراد بأن يبقى في البادية.
وهذا الحديث أورده البخاري في صحيحه بهذا الإسناد، وفيه زيادة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للناس: (ستهب الليلة ريح شديدة، فلا يقم أحد منكم، ومن كان له بعير فليعقله) ، ففعل الناس ذلك إلا رجلاً فحملته الريح وألقته في جبل طي يعني: من تبوك إلى حائل! فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عن شيء فوقع طبقاً لما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فهو من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام.
قوله: [(فلما أتينا وادي القرى قال للمرأة: كم كان في حديقتك؟ قالت: عشرة أوسق، خرص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)] .
معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرص عشرة أوسق، ولما رجعوا من تبوك سألوا المرأة عن المقدار الذي حصل من حديقتها بعد أن تم كيله؛ فكان مطابقاً لخرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق.
قوله: [(فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني متعجل إلى المدينة، فمن أراد منكم أن يتعجل معي فليتعجل)] .
أي: أنه سيتقدم، ومن أراد أن يتعجل معه فليفعل، ومن أراد أن يكون على مهله ويتأخر فله ذلك.



تراجم رجال إسناد حديث خرص رسول الله لحديقة امرأة
قوله: [حدثنا سهل بن بكار] .
سهل بن بكار ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا وهيب بن خالد] .
وهيب بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن يحيى] .
عمرو بن يحيى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن العباس الساعدي] .
العباس بن سهل الساعدي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي، والعباس هو الذي كان يكنى به سهل بن سعد، ويقال: الصحابة الذين كنوا بأبي العباس اثنان: سهل بن سعد الساعدي وعبد الله بن عباس، هذان اللذان عرفا بكنية أبي العباس.
[عن أبي حميد] .
أبو حميد الساعدي هو المنذر صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (أمر أن تورث دور المهاجرين النساء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الواحد بن غياث حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأعمش عن جامع بن شداد عن كلثوم عن زينب رضي الله عنها: (أنها كانت تفلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده امرأة عثمان بن عفان ونساء من المهاجرات، وهن يشتكين منازلهن: أنها تضيق عليهن ويخرجن منها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تورث دور المهاجرين النساء، فمات عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فورثته امرأته داراً بالمدينة) ] .
أورد أبو داود حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها كانت تفلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني تبحث عن القمل في رأسه، فتخرجه، وكان عنده نساء من المهاجرات، ومنهن امرأة عثمان بن عفان، وكن يشتكين أنهن في دور ضيقة، وأنهن يخرجن منها بعد موت أزواجهن، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن تورث دور المهاجرين لنسائهم، وكان لـ ابن مسعود دار فورثتها امرأته، وابن مسعود هو من المهاجرين وهو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه.
ومناسبة إيراد هذا الحديث في باب إحياء الموات قيل: يحتمل أن يكون المقصود أن المهاجرين أعطوا أراضي، وأنهم بنوها وسكنوا فيها، فصارت ملكاً لهم، وكان إحياؤها ببناء الدور عليها؛ لأنهم منحوا أرضاً بيضاء، فبنوا عليها؛ فصارت ملكاً لهم، وعلى هذا فإن مثل هذا شأنه شأن الميراث، ولا تختص به الزوجات، وإنما يكون لسائر الورثة، وقيل: يحمل ما جاء في هذا الحديث على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن تكون الدور في جملة ميراث النساء، يعني: إذا كان عند الميت دار وأموال أخرى، فعندما يقسم الميراث يكون من نصيب النساء الدور؛ حتى تبقى فيها؛ لضعفها ولحاجتها للسكن، وغيرها من الورثة يعطون من سائر المال، وليس معنى ذلك أن المرأة تستقل بالميراث، والورثة الآخرون لا يصير لهم نصيب؛ لأن الميراث للجميع، سواء كان دوراً أو غير دور، ويحتمل أن هذه الدور كانت مبنية، وأنهم منحوا إياها اختصاصاً أو استفادة من غير أن يكونوا ملكوها، فتكون زوجاتهم تبقى فيها؛ لأنها ليست من جملة الميراث الذي يقسم على الورثة، وإنما شيئاً مكن منه المهاجرون ليستفيدوا منه مع بقاء ملك المانح والمعير له، فتبقى زوجته بعد موته في هذه الدار، وتكون أولى من غيرها.



تراجم رجال إسناد حديث: (أمر أن تورث دور المهاجرين النساء)
قوله: [حدثنا عبد الواحد بن غياث] .
عبد الواحد بن غياث صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثنا عبد الواحد بن زياد] .
عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش] .
سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جامع بن شداد] .
جامع بن شداد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن كلثوم] .
كلثوم بن علقمة، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن زينب] .
زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.



تابع شرح حديث: (أمر أن تورث دور المهاجرين النساء)
قوله: [(وعنده امرأة عثمان بن عفان)] .
هي غير رقية؛ لأنها ماتت في غزوة بدر، وأم كلثوم ماتت أيضاً في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كانت إحدى بناته لقالت: عنده بنته فلانة، وما قالت: زوجة فلان، والمقصود أن زوجته من المهاجرين، وأنها ممن جاء يشتكي، فهي ليست بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، ورقية ولدت لـ عثمان، وأما أم كلثوم فلم تلد له، وأولاده من غيرهما، فليس له من رقية إلا ولد قيل: اسمه عبد الله، قيل: عمرو، قيل: نقره الديك في عينه فمات بسبب ذلك، وولده أبان بن عثمان عاش مدة طويلة، وهو ليس من بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عثمان يكنى بـ أبي عمرو وبـ أبي عبد الله، وعبد الله هو ابن بنت الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويوجد كتاب مفيد لمعرفة الزوجات وأولاد الزوجات، وهو كتاب الرياض المستطابة فيمن له رواية في الصحيحين من الصحابة للعامري اليمني فإنه يعتني بذكر الأولاد وذكر أمهات الأولاد، وإذا كان رجل عنده عدة زوجات فإنه يذكر أولاده من كل زوجة، فيقول: فلان وفلان من فلانة، وفلان وفلان من فلانة، ومما ذكره من فوائد أن عبد الله بن جعفر تزوج زينب بنت علي، ولما مات علي تزوج عبد الله إحدى نسائه، فجمع بين زينب بنت علي وزوجة أبيها، وهذا جائز.
قوله: [وهن يشتكين منازلهن أنها تضيق عليهن] .
يعني: أنهن يخرجن منها بعد وفاة المورث بسبب ضيقها.
قوله: [فمات عبد الله بن مسعود فورثته امرأته داراً بالمدينة] .
ابن مسعود رضي الله عنه توفي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بمدة، والمراد حصول التنفيذ لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من جملة الأمثلة لتطبيق الصحابة لما أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن مسعود من المهاجرين، وممن تقدم إسلامه، وهو الذي قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.



الأسئلة



حكم الصحابي الذي لا يعرف إلا في إسناد ضعيف
السؤال ما حكم الصحابي الذي ليس له إلا حديث واحد، ولم يصح الإسناد إليه، ولم يذكر في كتب الصحابة؟
الجواب لا يثبت الحديث عنه إذا ما جاء إلا من طريق ضعيف، ولكن يترضى عنه، فقد يكون صحابياً، والصحبة يترتب عليها الترضي عنهم، والترحم عليهم، والدعاء لهم، واعتقاد أنهم من خير الناس، هذا الذي يترتب عليها، وأما إثبات الصحبة فيحتاج إلى صحة الإسناد.



حكم الدراسة عند أهل البدع
السؤال إني شاب من خارج هذه البلاد، وقد درست العقيدة على أهلها، وتربيت منذ الصغر على العقيدة السلفية ولله الحمد، ومجتمعي يسوده جهل، فهل لي أن آخذ الفقه فقط على رجل اتهم بالبدعة في عقيدته، مع أنني لم أطلع على تلك البدعة، وما رأيتها فيه، والرجل ظاهره الورع وتقوى الله، وله اعتناء بالفقه، ولا يتكلم في أمور العقيدة، وإن صح أنه مبتدع فهو غير داعٍ لبدعته؟
الجواب إذا أنت ستكون سبباً في هدايته، فهذا شيء طيب، وإذا كان هذا لا يحصل فالأولى لك أن تبحث عمن هو سليم، وتستفيد منه، وتسلم من مجالسة صاحب البدعة.



حكم اقتناء كاميرا التصوير
السؤال أنا شاب اشتريت كاميرا تصوير، وأخفيتها عن والدي، فوجدها وأخذها وقال: الصور حرام، فما رأيكم؟
الجواب تصوير الآدميين والحيوانات وما له روح لا يجوز، وأما تصوير أشياء لا روح لها كالشجر والبنيان وما إلى ذلك، فهذا لا بأس به، فإذا كان التصوير لشيء محرم فلا يجوز اقتناء الكاميرا، وإذا كان التصوير لشيء مباح تصويره فلا بأس من اقتنائها.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 27-06-2025, 03:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,125
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [360]
الحلقة (392)



شرح سنن أبي داود [360]
أرض الخراج هي الأرض التي اصطلح المسلمون مع الكفار على أن تبقى أراضيهم بأيديهم، ويعطون عليها خراجاً للمسلمين، فلو اشتراها المسلم من الكافر لزمه الخراج كما يلزم الكافر.
ومن الأحكام الشرعية ما يتعلق بزكاة الركاز المستخرج من الأرض، وهو الخمس.



الدخول في أرض الخراج



شرح أثر معاذ (من عقد الجزية في عنقه فقد برئ مما عليه رسول الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الدخول في أرض الخراج.
حدثنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال أخبرنا محمد بن عيسى -يعني ابن سميع - حدثنا زيد بن واقد قال: حدثني أبو عبد الله عن معاذ رضي الله عنه أنه قال: (من عقد الجزية في عنقه فقد برئ مما عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة (باب ما جاء في الدخول في أرض الخراج) وأرض الخراج هي: الأرض التي اصطلح المسلمون مع الكفار على أن تبقى بأيديهم وفي ملكهم، على أن يعطوا عليها خراجاً للمسلمين، وهي من قبيل الجزية، إلا أنها تكون على الأراضي، والجزية تكون على الرءوس والأشخاص كما مر في الحديث: (عن كل حالم دينار) ، أو أن المسلمين يستولون على الأرض ويبقونها بأيديهم كما حصل في أرض خيبر، فكان نصف ثمرها للمسلمين، ونصفه لليهود مقابل عملهم، فهذا النصف الذي حصل للمسلمين يقال له أيضاً: خراج.
والخراج والجزية من قبيل الفيء تصرف في المصالح العامة التي يراها الإمام.
وهناك مؤلفات في الخراج خاصة لثلاثة من العلماء وهي: كتاب الخراج لـ أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، وكتاب الخراج لـ يحيى بن آدم الذي يأتي ذكره في الأسانيد، وهو من طبقة شيوخ شيوخ أبي داود، وكتاب الاستخراج في أحكام الخراج لـ ابن رجب الحنبلي، وهذه الثلاثة طبعت في مجلد واحد فصارت كالموسوعة في الخراج؛ لأنها عدة مؤلفات لأشخاص متعددين، وفي أزمانٍ مختلفة، وهناك كتب أخرى تتحدث عن ذلك مثل كتاب الأموال لـ أبي عبيد القاسم بن سلام.
أورد أبو داود هذا الحديث عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (من عقد الجزية في عنقه فقد برء مما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
قيل: المقصود المسلم، فإنه ليس عليه جزية، ولكن إذا كانت الأرض خراجية، واتفق المسلمون مع صاحبها الكافر على أن يدفع عنها خراجاً كل سنة، ثم اشتراها مسلمٌ منه، فإن الحق يبقى متعلقاً بهذه الأرض، فالمسلم يدفع خراج تلك الأرض، وهو لازمٌ لها أبداً، فإذا اشتراها المسلم فإنه سيدفع هذا الخراج الذي هو مثل الجزية، فيصير كأنه يدفع الجزية، والجزية إنما تكون من الكفار، فهذا الأثر فيه تنبيه أنه لا يشتري المسلم الأرض التي تترتب عليها هذه الآثار، وإذا بيعت الأرض على كافر فهذا لا إشكال فيه؛ لأن كلاً منهما سبيله واحد، ويؤخذ منه الجزية، فإذا أخذ الخراج من هذا أو من هذا فلا إشكال، لكن الإشكال في أخذه من المسلم، فلو اشتراها مسلم للزم ذلك الحق الذي فيها، ويكون قد عرّض نفسه لأن يكون محل الكافر، ويدفع الشيء الذي يدفعه الكافر.
وهذا أثر في حكم المرفوع لأنه قال: برئ مما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والألباني ضعف هذا الأثر وقال: ضعيف الإسناد، ولكن ظاهر الإسناد مستقيم، وفيه زيد بن واقد قيل في ترجمته: يقال: إنه لم يسمع من أبي عبد الله الأشعري، وهذا يعني أن روايته مرسلة، لكنه صرح هنا بالتحديث فقال: حدثني أبو عبد الله، وفي كل النسخ المطبوعة من عون المعبود والسنن: حدثني أبو عبد الله، وهذا يفيد الاتصال، وأنه لا إرسال ولا انقطاع، اللهم إلا أن يكون ذِكر (حدثني) هنا خطأ مطبعي، وهذا يتوقف على معرفة النسخ الخطية، فلا أدري علام بنى الشيخ الألباني التضعيف، هل هو من أجل ما ذكر في ترجمة زيد بن واقد أو من أجل شيء آخر، ولكن الإسناد ظاهره مستقيم، ورجاله لا بأس بهم.



تراجم رجال إسناد أثر معاذ (من عقد الجزية في عنقه فقد برئ مما عليه رسول الله)
قوله: [حدثنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال] .
صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا محمد بن عيسى يعني ابن سميع] .
صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا زيد بن واقد] .
زيد بن واقد وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثني أبو عبد الله الأشعري] .
أبو عبد الله الأشعري ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن معاذ] .
معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث (من أخذ أرضاً بجزيتها فقد استقال هجرته)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي حدثنا بقية حدثنا عمارة بن أبي الشعثاء حدثني سنان بن قيس حدثني شبيب بن نعيم حدثني يزيد بن خمير حدثني أبو الدرداء رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أخذ أرضاً بجزيتها فقد استقال هجرته، ومن نزع صغار كافر من عنقه فجعله في عنقه فقد ولى الإسلام ظهره) .
فسمع مني خالد بن معدان هذا الحديث فقال لي: أشبيب حدثك؟ قلت: نعم، قال: فإذا قدمت فسله فليكتب إليَّ بالحديث، قال: فكتبه له، فلما قدمت سألني خالد بن معدان القرطاس فأعطيته، فلما قرأه ترك ما في يده من الأرضين حين سمع ذلك.
قال أبو داود: هذا يزيد بن خمير اليزني ليس هو صاحب شعبة] .
أورد أبو داود هذا الحديث عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ أرضاً بجزيتها فقد استقال هجرته) قال في الشرح: يعني: قرب أن يستقيل هجرته؛ لأنه أخذ شيئاً يلزم الكافر، حيث أخذ الأرض بجزيتها أي: بخراجها، ومعناه: أنه اشترى أرضاً خراجية من كافر فبقي الخراج لازماً له، بالإضافة إلى الزكاة، فيكون كأنه قارب أو قرب أن يستقيل هجرته؛ لأنه اشترى أرضاً يلزم الكفار فيها الخراج.
وقوله: (ومن نزع صغار كافر من عنقه فجعله في عنقه) هذا يوضح المعنى، فإن الجزية تؤخذ من الكافر، ويعطيها عن يدٍ وهو صاغر، وهذا نزع الصغار الذي على هذا الكافر وجعله على عنقه.
وقوله: (فقد ولى الإسلام ظهره) يعني: أنه حصل منه شيء لا يليق إلا بالكفار، ولا يناسب إلا الكفار، وهو دفع الجزية ودفع الخراج.
والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده رجلاً مجهولاً.
وفيه: أن خالد بن معدان لما سمع هذا الحديث من سنان بن قيس أراد أن يتحقق منه قال: أحدثك شبيب بهذا الحديث؟ فقال: نعم، فقال: إذا لقيته فليكتب إليَّ بالحديث، فلقيه فكتب له، ولما جاء وأخذ منه الكتاب الذي فيه كتاب شبيب تحقق من ذلك، فترك ما في يده من الأرض التي فيها خراج.
[قال أبو داود: هذا يزيد بن خمير اليزني، وليس صاحب شعبة] .
يعني: هذا الذي جاء في الإسناد هو يزيد بن خمير اليزني، وليس صاحب شعبة؛ لأن هذا متقدم، وذاك متأخر، فهناك شخصان بهذا الاسم، والذي جاء في الإسناد هو المتقدم وليس صاحب شعبة المتأخر؛ لأن هذا يروي عن الصحابة مثل أبي الدرداء، وصاحب شعبة متأخر، واسمه أيضاً يزيد بن خمير، وهذا من المتفق والمفترق، وهو نوع من أنواع علوم الحديث، وهو أن تتفق أسماء الرواة وأسماء آبائهم وتختلف أشخاصهم.



تراجم رجال إسناد حديث (من أخذ أرضاً بجزيتها فقد استقال هجرته)
قوله: [حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي] .
حيوة بن شريح الحضرمي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[حدثنا بقية] .
بقية بن الوليد وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا عمارة بن أبي الشعثاء] .
عمارة بن أبي الشعثاء وهو مجهول، أخرج له أبو داود.
[حدثني سنان بن قيس] .
سنان بن قيس وهو مقبول، أخرج له أبو داود.
[حدثني شبيب بن نعيم] .
شبيب بن نعيم وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثني يزيد بن خمير] .
يزيد بن خمير وهو ثقة، أخرج له أبو داود.
[حدثني أبو الدرداء] .
أبو الدرداء عويمر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



الأرض يحميها الإمام أو الرجل



شرح حديث (لا حمى إلا لله ولرسوله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الأرض يحميها الإمام أو الرجل.
حدثنا ابن السرح أخبرني ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا حِمى إلا لله ولرسوله) ] .
أورد أبو داود باباً في الأرض يحميها الإمام أو الرجل، والمقصود كون الأرض تكون ذات مكان خصب، وفيها عُشب؛ فتحمى بحيث لا يأتي الناس إليها بأغنامهم وإبلهم.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحمي لإبل الصدقة وغيرها من الأشياء العامة، أما سائر الناس فليس لهم أن يحموا شيئاً يعم شأنه، فلا يحمي أحد إلا الإمام أو من يقوم مقام الإمام؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لا حمى إلا لله ورسوله) والرسول عليه الصلاة والسلام إنما يحمي للمصلحة العامة مثل إبل الصدقة وخيل الجهاد في سبيل الله وغير ذلك.



تراجم رجال إسناد حديث (لا حمى إلا لله ولرسوله)
قوله: [حدثنا ابن السرح] .
أحمد بن عمرو بن السرح وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[أخبرني ابن وهب] .
عبد الله بن وهب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يونس] .
يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب] .
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن عبد الله] .
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[عن الصعب بن جثامة] .
الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال ابن الشهاب: وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمى النقيع] .
هذا حديث مرسل، وهي أرض يقال لها: النقيع، فيها عشب ومرعى.



طريق أخرى لحديث (لا حمى إلا لله ولرسوله) وتراجم رجال إسنادها
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عبد الرحمن بن الحارث عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمى النقيع وقال: (لا حمى إلا لله عز وجل) ] .
تقدم عن الزهري أنه قال: بلغني أنه حمى النقيع، وهنا ذكر الإسناد الذي يبين اتصاله.
قوله: [حدثنا سعيد بن منصور] .
سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد العزيز بن محمد] .
عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن الحارث] .
عبد الرحمن بن الحارث وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة] .
مر ذكرهم.



الأسئلة



حال حديث (اللهم أجرني من النار سبع مرات)
السؤال هل ثبت في السنة أن يقال بعد صلاة المغرب: اللهم أجرني من النار سبع مرات؟
الجواب هو حديث فيه ضعف.



حكم بيع البستان قبل بدو صلاح الثمر
السؤال هل يجوز بيع البستان قبل أن يبدو صلاح الثمر؟
الجواب إذا كان المقصود بيع الأرض وما فيها، فيجوز، وإذا كان المقصود بيع الثمرة، فالثمرة لا تباع إلا إذا بدا صلاحها.



حكم مس الحائض لورق المصحف
السؤال ما حكم لمس الحائض لورق المصحف؟
الجواب لا تمس القرآن، ولكن لمس الغلاف وأطراف الورق لا بأس به، والذي لا يجوز للحائض مسه هو القرآن، وهذا الحكم يعم المحدث حدثاً أصغر، فلا يمس القرآن إلا وهو طاهر، ولكن إذا مسه من وراء حائل فلا بأس.



وفاة زينب بنت جحش
السؤال في آخر حديث زينب بنت جحش: أن زوجة عبد الله بن مسعود ورثته داراً بالمدينة، فهل هذا كلام زينب؟
الجواب ليس من كلام زينب، بل كلام غيرها؛ لأن زينب هي أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم وفاةً بعده، وهي التي جاء فيها الحديث الذي فيه: (أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يداً) فظنن أن المراد طول اليد الحقيقية، ولما ماتت زينب عرفن أن المقصود من ذلك الإحسان وكثرة العطاء والبذل.



حكم أخذ الخراج من الكفار إذا أسلموا
السؤال إذا أسلم الكفار الذين يؤخذ الخراج من أرضهم، فهل يستمر أخذ الخراج منهم أو يسقط؟
الجواب يسقط عنهم الخراج، وتبقى عليهم الزكاة فقط، أما المسلم إذا اشتراها من كافر، فعليه أن يجمع بين الزكاة والخراج.



حال حديث رد الشمس لعلي رضي الله عنه
السؤال هل صح أن الشمس ردت لـ علي حتى يصلي العصر؟
الجواب لم يصح.



حكم بيع كتاب (في ظلال القرآن) لسيد قطب
السؤال صاحب مكتبة عنده كتاب (في ظلال القرآن) لـ سيد قطب وكتب أخرى، هل يجوز له أن يبيع هذا الكتاب؟
الجواب هذا الكتاب فيه خلط، وفيه خير وفيه شر؛ ولهذا الإنسان الذي يحتاط لنفسه ويحتاط لدينه عليه ألا يبيع مثل هذه الكتب، وإن كان فيه كلام جميل، ولكن فيه خلط، فلا ينبغي للإنسان أن يطلع عليه، ولا أن يشتغل به، ولا يهتم به، والأولى له ألا يبيعه؛ لأن فيه أشياء سيئة في حق بعض الرسل مثل موسى عليه الصلاة والسلام، والإنسان الذي يقرؤه يتعجب منه، ومؤلفه من الكتَّاب وليس من العلماء، والكاتب يكتب وينشئ ويحرك قلمه، ويأتي بكل ما هب ودب.




ما جاء في الركاز وما فيه



شرح حديث (في الركاز الخمس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الركاز وما فيه.
حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة سمع أنهما سمعا أبا هريرة رضي الله عنه يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في الركاز الخمس) ] .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: (باب في الركاز وما فيه) ، الركاز الذي يوجد مدفوناً في الأرض مما ترك في الجاهلية، ويكون فيه الخمس كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يتعب عليه، ولم يتكلف في إخراجه وفي الحصول عليه، وإنما عثر عليه، وكان مدفوناً من وقت الجاهلية، وإذا لم يكن من وقت الجاهلية فإنه يعتبر من اللقطة إذا كان في أرض المسلمين؛ فيعرَّف لمدة سنة ثم بعد ذلك يملكه من وجده، وليس شأنه شأن الركاز.
والركاز هو من دفن الجاهلية، ويكون فيه الخمس؛ لقلة مئونته، ويكون مصرف الخمس مصرف الفيء يعني: يوضع في بيت المال، ويصرف فيما يصرف فيه بيت المال في مصالح المسلمين.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في الركاز الخمس) ، وهذا دليل على أن الركاز فيه الخمس، وذلك للحصول عليه بغير تعب وبغير مشقة، فيكون لواجده، ويخرج منه الخمس لبيت المال.



تراجم رجال إسناد حديث (في الركاز الخمس)
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا سفيان] .
سفيان بن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري] .
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن المسيب] .
سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[وأبي سلمة] .
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
فالإسناد فيه اثنان من الفقهاء السبعة، أحدهما متفق على عده في الفقهاء السبعة، وهو سعيد بن المسيب، والثاني مختلف في عده، وفيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه أبو سلمة هذا، والثاني: أبو بكر بن عبد الرحمن بن عوف، والثالث: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
[عن أبي هريرة] .
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً رضي الله تعالى عنه وأرضاه.



تفسير الحسن للركاز وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا عباد بن العوام عن هشام عن الحسن أنه قال: الركاز الكنز العادي] .
أورد المصنف هذا الأثر عن الحسن بن أبي الحسن البصري قال: الركاز هو الكنز العادي، يعني: القديم، وقوله: عادي نسبة إلى عاد، والعادي يعبر به عن الشيء القديم الذي كان في الجاهلية.
قوله: [حدثنا يحيى بن أيوب] .
ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأبو داود والنسائي، ولكن ذكر المزي أنه يحيى بن معين كما في تحفة الأشراف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عباد بن العوام] .
عباد بن العوام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام] .
هشام بن حسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن] .
الحسن بن أبي الحسن البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث قصة المقداد مع الجرذ
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا ابن أبي فديك حدثنا الزمعي عن عمته قريبة بنت عبد الله بن وهب عن أمها كريمة بنت المقداد عن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بن هاشم أنها أخبرتها رضي الله عنها قالت: (ذهب المقداد لحاجته ببقيع الخبخبة، فإذا جرد يخرج من جحر ديناراً، ثم لم يزل يخرج ديناراً ديناراً حتى أخرج سبعة عشر ديناراً، ثم أخرج خرقة حمراء -يعني: فيها دينار- فكانت ثمانية عشر ديناراً، فذهب بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره وقال له: خذ صدقتها، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل هويت إلى الجحر؟ قال: لا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بارك الله لك فيها) ] .
أورد أبو داود حديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنها: أن المقداد ذهب إلى بقيع الخبخبة فإذا جُرد وهو فأر كبير خرج من الجحر ومعه دينار، فلم يزل يخرج ديناراً ديناراً حتى بلغت سبعة عشر، ثم أخرج خرقة حمراء وفيها دينار، فصارت ثمانية عشر، فجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (هل أهويت إلى الجحر؟ -يعني: هل استخرجتها منه؟ - فقال: لا، قال: بارك الله لك فيها) .
قوله: (هل أهويت؟) قيل: معناه كأنه استخرجه من الأرض فيكون شبيهاً بالركاز، لكن هو في الحقيقة ليس من الركاز في شيء، بل هو من قبيل اللقطة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (بارك الله لك فيها) لا يعني أنه ملكها في الحال، وإنما يعرفها، لا سيما ومعها خرقة حمراء، فهذا يدل على حداثة عهدها وأنها ليست قديمة؛ لأنها لو كانت قديمة لتلفت هذه الخرقة وأكلتها الأرض، فهي من قبيل اللقطة، فعليه أن يعرِّفها، وإذا مضى حول ولم تعرف فإنه يتملكها.
والحديث في إسناده ضعف، فهو غير ثابت، وإذا صح فهو محمول على اللقطة، وليس من قبيل الركاز.



تراجم رجال إسناد حديث قصة المقداد مع الجرذ
قوله: [حدثنا جعفر بن مسافر] .
جعفر بن مسافر صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن أبي فديك] .
هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الزمعي] .
الزمعي هو موسى بن يعقوب صدوق سيئ الحفظ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن عمته قريبة بنت عبد الله بن وهب] .
وهي مقبولة، أخرج حديثها أبو داود وابن ماجة.
[عن أمها كريمة بنت المقداد] .
وهي ثقة، أخرج لها أبو داود وابن ماجة.
[عن ضباعة بنت الزبير] .
وهي صحابية رضي الله عنها، وحديثها أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
والحديث في إسناده صدوق سيئ الحفظ، وفيه أيضاً من هي مقبولة، ولو صح فإنه محمول على اللقطة، ولا علاقة له بالركاز.



نبش القبور العادية يكون فيها المال



شرح حديث (هذا قبر أبي رغال)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب نبش القبور العادية ليكون فيها المال.
حدثنا يحيى بن معين حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن إسماعيل بن أمية عن بجير بن أبي بجير قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر، فقال رسول الله صلى الله وآله وسلم: (هذا قبر أبي رغال، وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه، فابتدره الناس فاستخرجوا الغصن) ] .
أورد أبو داود باب نبش القبور العادية ليكون فيها المال يعني: من أجل استخراج المال الذي فيها.
وقوله: العادية المقصود بذلك: القديمة، التي تنسب إلى عاد، إشارة إلى قدمها، والنبش هو لاستخراج المال الذي فيها.
وهذا الحديث يدل على أن القبر يجوز نبشه إذا كان هناك مصلحة من نبشه، ولكن الحديث ضعيف لا يثبت؛ لأن فيه من هو ضعف، ولكن النبش للمصلحة سائغ، بل قبر المسلم لو سقط فيه مال يجوز نبشه لاستخراج المال الذي سقط فيه؛ لأن إضاعة المال لا تجوز، والاستفادة منه مطلوبة، فلا يترك من أجل أنه ضاع في القبر، بل يجوز نبشه واستخراج هذا المال.



تراجم رجال إسناد حديث (هذا قبر أبي رغال)
قوله: [حدثنا يحيى بن معين] .
يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا وهب بن جرير] .
وهب بن جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي] .
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت محمد بن إسحاق] .
محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن إسماعيل بن أمية] .
إسماعيل بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بجير بن أبي بجير] .
وهو مجهول، أخرج له أبو داود.
[عن عبد الله بن عمرو] .
عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
هذا الحديث فيه هذا الرجل المجهول الذي هو بجير بن أبي بجير، فهو سبب ضعف الحديث.



زكاة المعدن
سبق أن قلت في درس مضى: إن المعدن مثل الركاز، والذي يظهر أنه ليس مثله، لأن الركاز ليس فيه تعب ولا مشقة، وأما المعادن ففيها تعب ومشقة، فلا يخرج منها الخمس كما يخرج من الركاز، وإنما يكون حكمها حكم الزرع، فالذي لا يتعب عليه يخرج منه العشر، والذي يتعب عليه يخرج منه نصف العشر، لكن زكاة الذهب والفضة ربع العشر، وليست نصف العشر ولا العشر، فتكون زكاة المعدن مثل زكاة النقدين ربع العشر.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27-06-2025, 03:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,125
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [361]
الحلقة (393)



شرح سنن أبي داود [361]
لقد حثنا ديننا على الألفة والمحبة والاجتماع، فإذا مرض المسلم استحب للمسلمين أن يزوروه، وأن يتفقدوه، وأن يدعوا له بالشفاء والصحة، وإذا قدِّر عليه الموت ندب للمسلمين أن يغسلوه، وأن يكفنوه، وأن يتبعوا جنازته، وأن يصلوا عليه، وأن يدعوا له بالمغفرة والرحمة والرضوان.
فما أعظمه من دين! يحث على التعاون والمحبة حتى بعد موت المسلم.



الأمراض المكفرة للذنوب



شرح حديث: (إن المؤمن إذا أصابه السقم ثم أعفاه الله منه كان كفارة لما مضى من ذنوبه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الجنائز: باب الأمراض المكفرة للذنوب.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني رجل من أهل الشام يقال له: أبو منظور، عن عمه أنه قال: حدثني عمي عن عامر الرامي أخي الخضر، رضي الله عنه -قال أبو داود: قال النفيلي: هو الخضر ولكن كذا قال- قال: (إني لببلادنا إذ رُفعت لنا رايات وألوية، فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذا لواء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتيته وهو تحت شجرة قد بُسط له كساء وهو جالس عليه، وقد اجتمع إليه أصحابه، فجلست إليهم، فذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأسقام فقال: إن المؤمن إذا أصابه السقم ثم أعفاه الله منه كان كفارة لما مضى من ذنوبه، وموعظة له فيما يستقبل، وإن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه، فلم يدر لم عقلوه ولم يدر لم أرسلوه، فقال رجل ممن حوله: يا رسول الله! وما الأسقام؟ والله! ما مرضت قط! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قم عنا فلست منا، فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل عليه كساء، وفي يده شيء قد التفّ عليه، فقال: يا رسول الله! إني لما رأيتك أقبلتُ إليك، فمررت بغيضة شجر فسمعت فيها أصوات فراخ طائر، فأخذتهن فوضعتهن في كسائي، فجاءت أمهن فاستدارت على رأسي، فكشفت لها عنهن فوقعت عليهن معهن، فلففتهن بكسائي، فهن أولاء معي، قال: ضعهن عنك، فوضعتهن وأبت أمهن إلا لزومهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: أتعجبون لِرُحم أم الأفراخ فراخها؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: فوالذي بعثني بالحق! لله أرحم بعباده من أم الأفراخ بفراخها، ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن وأمهن معهن، فرجع بهن) ] .
ثم ذكر أبو داود كتاب الجنائز، والمشهور عند العلماء أنهم يضعونه في آخر كتاب الصلاة؛ لاشتماله على صلاة الجنازة، فغلبوا جانب الصلاة على الأمور الأخرى في الجنائز من التكفين والدفن والتغسيل، فيضعون كتاب الجنائز بجميع أحكامه من صلاة وغيرها في آخر كتاب الصلاة، وأما أبو داود رحمه الله فقد وضعه هنا بعد كتب كثيرة من كتب المعاملات، فلا أدري وجه تأخيره ووضعه في هذا المكان، وهو خلاف المشهور عند العلماء.
والجنائز: جمع جنازة، والمقصود به الميت، سواءً كان ذكراً أو أنثى.
ثم أورد أبو داود باب: الأمراض المكفرة للذنوب، ومعلومٌ أن الأمراض والأسقام والبلاء التي تصيب الإنسان إذا صبر عليها واحتسب فإنها من أسباب تكفير الذنوب كما جاء في أحاديث كثيرة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها: (عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، إن إصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن) ، وهناك أحاديث كثيرة وردت في هذا تدل على أن الأمراض والأسقام يكفر الله تعالى بها الذنوب والخطايا، ولكن لا يكون هذا إلا مع الصبر والاحتساب.
ثم أورد أبو داود هنا حديثاً ضعيفاً عن عامر الرامي رضي الله تعالى عنه ذكر فيه قصة وهي: أنه كان ببلده فرأى ألوية ورايات، فسأل عنها فأخبر بأنها رايات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخبر أن رجلاً مر بغيضة وفيها أفراخ طائر فحمل هذه الأفراخ، وأن أم هذه الأفراخ لحقته فكشف لها عن أولادها فنزلت معهن، ثم حدث بالحديث الذي فيه ذكر الأمراض.
قوله: (إذ رفعت لنا رايات وألوية) الرايات والألوية قيل: هما بمعنى واحد، وقيل: إن أحدهما أظهر وأعم من الآخر.
قوله: (إن المؤمن إذا أصابه السقم ثم أعفاه الله) يعني: شفاه الله منه، (كان كفارة لما مضى من ذنوبه، وموعظة له فيما يستقبل) أي: من الزمان، ومعنى ذلك أنه يستفيد من ذلك في المستقبل، ويستفيد من ذلك في الماضي، فيستفيد في الماضي بأنه يكفر ما مضى من ذنوبه، ويستفيد مستقبلاً بأن يعتبر ويتعظ، ويكون ذلك حافزاً له إلى أن يعمل صالحاً، وأن يبتعد عن المحرمات.
[(وإن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه، فلم يدر لم عقلوه، ولم يدر لم أرسلوه)] .
أي: أن المنافق على خلاف المؤمن، فإذا أصابه المرض ثم شفي منه فإنه لا يحرك فيه ساكناً، ولا يلتفت إليه، ولا يعتبر ولا يتعظ به، ويكون كالبعير الذي عقله أهله ثم أطلقوه، فلا يدر لماذا عقلوه، ولا لماذا أطلقوه، أي: أنه لا يستفيد من ذلك في تكفير الذنوب، ولا يتعظ ويعتبر في المستقبل، فهو باقٍ في غيه وضلاله ونفاقه.
قوله: [فقال رجل ممن حوله: يا رسول الله! وما الأسقام والله ما مرضت قط؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (قم عنا فلست منا) أي: لست من أهل طريقتنا الذين تحصل لهم تلك الأسقام، فإن فيها التكفير والعبرة والموعظة.
والحديث -كما عرفنا- غير صحيح.
قوله: [فبينما نحن عنده إذا أقبل رجل عليه كساء، وفي يده شيء قد التفَّ عليه، فقال: يا رسول الله! إني لما رأيتك أقبلت عليك، فمررت بغيضة شجر] ، الغيضة: هي الشجر الملتف.



تراجم رجال إسناد حديث: (إن المؤمن إذا أصابه السقم ثم أعفاه الله منه كان كفارة لما مضى من ذنوبه)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] .
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا محمد بن سلمة] .
هو محمد بن سلمة الباهلي الحراني، وهو ثقة أخرج له البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن.
[عن محمد بن إسحاق حدثني رجل من أهل الشام يقال له: أبو منظور] .
محمد بن إسحاق مر ذكره، والرجل من الشام الذي يقال له: أبو منظور مجهول، أخرج له أبو داود.
[حدثني عمي] .
إذن ففي الحديث واسطتان مبهمتان فهو غير صحيح.
[عن عامر الرام] .
وهو صحابي أخرج له أبو داود، وليس له إلا هذا الحديث.
وبعض فقرات هذا الحديث لها شواهد تشهد لها، فمسألة أن الأمراض والأسقام تكفر الذنوب لها شواهد كثيرة، منها: حديث صهيب: (عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، إن إصابته ضراء صبر فكان خيراً له) أي: الأسقام وغيرها من الضرر.
وقوله في آخره: (لله أرحم) ثابت، فكون الله أرحم بعباده من المخلوق هذا شيء ثابت في الحديث الصحيح في قصة المرأة التي أخذت طفلها فألصقته بصدرها ترضعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أترون هذه طارحة ولدها في النار؟! قالوا: لا، قال: لله أشد رحمة من هذه بولدها) .



شرح حديث: (إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وإبراهيم بن مهدي المصيصي المعنى، قالا: حدثنا أبو المليح عن محمد بن خالد، قال أبو داود: قال إبراهيم بن مهدي: السلمي عن أبيه عن جده، وكانت له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده) ، قال أبو داود: زاد ابن نفيل: (ثم صبّره على ذلك) ثم اتفقا: (حتى يبلغه المنزلة التي سبقت من الله تعالى) ] .
ثم أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له اللجلاج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا كانت له منزلة عند الله عز وجل لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده، ثم صبّره على ذلك حتى يبلغ هذه المنزلة) يعني: أن من أسباب رفعة درجته، وعلو منزلته: أن يُبتلى فيصبر، وهذا من علامات السعادة: أن يشكر عند السراء، وأن يصبر عند الضراء، وهو مثل الذي تقدم في كونه يبتلى فيصبر، وهناك أحاديث كثيرة في كون الإنسان ترفع درجته بسبب الأمراض والأسقام وتكفر ذنوبه إذا صبر على ذلك فيرفعه الله تعالى بذلك درجات، ويحط عنه الخطايا والسيئات.
وهذا الحديث صححه الألباني، وفيه بعض المجاهيل كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر فلعل له شواهد.



تراجم رجال إسناد حديث: (إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وإبراهيم بن مهدي المصيصي] .
إبراهيم بن مهدي المصيصي مقبول أخرج له أبو داود.
[حدثنا أبي المليح] .
هو أبو المليح الحسن بن عمر الرقي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن محمد بن خالد] .
محمد بن خالد مجهول، أخرج له أبو داود.
[قال أبو داود: قال إبراهيم المهدي: السلمي عن أبيه] .
يعني أبو داود: أن إبراهيم المهدي -وهو الشيخ الثاني لـ أبي داود - نسب محمد بن خالد، فقال: السلمي، وأما الشيخ الأول وهو عبد الله النفيلي فإنه قال: محمد بن خالد فقط، ولم يقل: السلمي.
[عن أبيه] .
أبوه مجهول، أخرج له أبو داود.
[عن جده] .
جده لم يسم، ويقال: إنه اللجلاج، وهو صحابي أخرج له أبو داود.
ولعل وجه إيراد هذا الباب في أول كتاب الجنائز: أن الأمراض هي مقدمة الموت، فهي سبب من أسبابه، وتكون سابقة عليه.



إذا كان الرجل يعمل عملاً صالحاً فشغله عنه مرض أو سفر



شرح حديث: (إذا كان العبد يعمل عملاً صالحاً فشغله عنه مرض أو سفر كتب له)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إذا كان الرجل يعمل عملاً صالحاً فشغله عنه مرض أو سفر.
حدثنا محمد بن عيسى ومسدد المعنى، قالا: حدثنا هشيم عن العوام بن حوشب عن إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير مرة ولا مرتين يقول: (إذا كان العبد يعمل عملاً صالحاً فشغله عنه مرض أو سفر كُتب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم) ] .
ثم أورد أبو داود هذه الترجمة: إذا كان الرجل يعمل عملاً صالحاً فشغله عنه مرض أو سفر، أي: أنه يؤجر على ذلك العمل؛ لأنه إنما تركه من أجل السفر أو المرض، فيكتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم.
وأورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير مره ولا مرتين، أي: أنه سمعه منه مراراً.
وهذا الحديث أورده البخاري في كتاب الجهاد، في باب: إذا مرض العبد أو سافر كُتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم، وهذا من فضل الله عز وجل وكرمه وإحسانه، فالإنسان إذا كان ملازماً للعبادة، ثم حال بينه وبينها مرض فلم يأت بها، فإن الله تعالى يثيبه في حال مرضه مثلما كان يثيبه في حال صحته، وكذلك إذا انشغل عنها بسفر فإن الله تعالى يثيبه في حال سفره مثلما كان يثيبه في حال إقامته.
وقد جاء في سياق البخاري: أن أبا بردة حدث به بسببٍ، فقال أبو بردة: اصطحبت أنا ويزيد بن أبي كبشة، فكان يزيد يصوم في السفر، فقلت له: أفطر، فإني سمعت أبا موسى يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم) .



تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان العبد يعمل عملاً صالحاً فشغله عنه مرض أو سفر كتب له)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى] .
هو محمد بن عيسى الطباع وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في (الشمائل) والنسائي وابن ماجة.
[ومسدد حدثنا هشيم] .
مسدد مر ذكره، وهشيم هو ابن بشير الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن العوام بن حوشب] .
العوام بن حوشب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي] .
وهو صدوق ضعيف الحفظ، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[عن أبي بردة] .
هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
وهو أبو موسى: عبد الله بن قيس الأشعري، صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.



عيادة النساء



شرح حديث: (إن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب عيادة النساء.
حدثنا سهل بن بكار عن أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير عن أم العلاء رضي الله عنها أنها قالت: (عادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا مريضة، فقال: أبشري يا أم العلاء! فإن مرض المسلم يُذهب الله به خطاياه كما تُذهب النار خبَث الذهب والفضة) ] .
ثم أود أبو داود باب: عيادة النساء، أي: أن هذا من عيادة المريض، وعيادة المريض مستحبة ومشروعة سواء كان المريض من الرجال أو من النساء، فالنساء تزور النساء والرجال يزورون الرجال، وإذا كان هناك محرمية فلا بأس أن تزور النساءُ الرجالَ، وأن يعود الرجال المريضات من النساء ويدعون لهن إذا كان هناك، وإنما المحذور إذا ترتب عليه فتنة وكان هناك خلوة.
وأخرج أبو داود حديث أم العلاء قالت: (عادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا مريضة، فقال: أبشري يا أم العلاء! فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة) ، وهذا فيه أن الأمراض مكفرات للذنوب وذلك مع الصبر والاحتساب، وأما إذا لم يكن هناك صبر ولا احتساب، بل ربما وجد التسخط والتلوم وغير ذلك فإن هذا فيه زيادة الضرر والبلاء والشر على الإنسان، والعياذ بالله.



تراجم رجال إسناد حديث: (إن قرض المسلم يُذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة)
قوله: [حدثنا سهل بن بكار] .
سهل بن بكار ثقة ربما وهم، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[عن أبي عوانة] .
هو أبو عوانة وضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الملك بن عمير] .
عبد الملك بن عمير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أم العلاء] .
أم العلاء صحابية أخرج لها أبو داود.



شرح حديث: (أما علمتي يا عائشة! أن المؤمن تصيبه النكبة أو الشوكة فيكفأ بأسوأ عمله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى ح وحدثنا محمد بن بشار حدثنا عثمان بن عمر -قال أبو داود: وهذا لفظ ابن بشار - عن أبي عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (قلت: يا رسول الله! إني لأعلم أشد آية في القرآن، قال: أية آية يا عائشة؟! قالت قول الله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء:123] ، قال: أما علمتي يا عائشة أن المؤمن تصيبه النكبة أو الشوكة فيكفأ بأسوأ عمله، ومن حوسب عُذب، قالت: أليس الله يقول: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:8] ؟ قال: ذاكم العرض يا عائشة! من نوقش الحساب عُذب) .
قال أبو داود: وهذا لفظ ابن بشار قال: حدثنا ابن أبي مليكة].
ثم أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (قلت: يا رسول الله! إني لأعلم أشد أية في القرآن؟ قال: أية آية يا عائشة؟ قالت: قول الله تعالى {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء:123] ) أي: أن هذه شديدة، وأن الإنسان إذا عمل سوءاً فإنه يؤاخذ به ويعاقب عليه.
قوله: (فقال: أما علمتي يا عائشة! أن المؤمن تصيبه النكبة أو الشوكة فيكفأ بأسوأ عمله) أي: أن ذلك يكون كفاءً وكفارة عن أسوء عمله، والمراد: أن النكبات والأسقام والمصائب والأمراض يكفر الله تعالى بها السيئات.
قوله: (إنما ذلكم العرض) يعني: العرض على الله عز وجل، وأما العذاب فإنما يكون عند المناقشة، فإذا نوقش الإنسان على كل شيء ولم يتجاوز له عن شيء فإنه يستحق العذاب ولابد إلا أن يعفو الله عز وجل عنه ويصفح، فحينئذٍ يسلم من العذاب بفضل الله عز وجل ومغفرته.
وآخر هذا الحديث قوله: (إنما ذلك العرض، ومن نوقش الحساب عذب) متفق عليه.
ولا أدري ما وجه إدخال حديث عائشة هذا في باب عيادة المريض.



تراجم رجال إسناد حديث: (أما علمتي يا عائشة! أن المؤمن تصيبه النكبة أو الشوكة فيكفأ بأسوأ عمله)
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى] .
مسدد ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، ويحيى هو ابن سعيد القطان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا محمد بن بشار] .
محمد بن بشار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عثمان بن عمر] .
عثمان بن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود: وهذا لفظ ابن بشار] .
قوله: وهذا لفظ ابن بشار، يعني: الشيخ الثاني.
[عن أبي عامر الخزاز] .
هو أبو عامر الخزاز صالح بن رستم، وهو صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن أبي مليكة] .
هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عائشة] .
عائشة هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود وهذا لفظ ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي مليكة] .
يعني: أنه ساقه على لفظ مسدد، وفيه: عن ابن أبي مليكة، وأما لفظ ابن بشار ففيه قال: حدثنا ابن أبي مليكة.



ما جاء في العيادة



شرح حديث زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أُبي بن سلول قبل موته
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في العيادة.
حدثنا عبد العزيز بن يحيى حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعود عبد الله بن أُبي في مرضه الذي مات فيه، فلما دخل عليه عرف فيه الموت، قال: قد كنت أنهاك عن حب يهود، قال: فقد أبغضهم سعد بن زرارة فمه؟ فلما مات أتاه ابنه فقال: يا رسول الله! إن عبد الله بن أبي قد مات فأعطني قميصك أكفنه فيه، فنزع رسول صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم قميصه فأعطاه إياه) ] .
أورد أبو داود باب: العيادة، أي: عيادة المريض، وأورد حديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعود عبد الله بن أُبي في مرضه الذي مات فيه) ، وعبد الله بن أبي هو رأس المنافقين، وكان ابنه من خيار المسلمين.
قوله: (فلما دخل عليه -أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم- عرف فيه الموت، فقال: قد كنت أنهاك عن حب يهود) أي: عن حب اليهود.
قوله: (فقال: قد أبغضهم سعد بن زرارة فمه؟) يعني: فماذا؟ وهذا زيادة في الخبث.
قوله: (فلما مات أتاه ابنه، فقال: يا رسول الله! إن عبد الله بن أُبي قد مات فأعطني قميصك أكفنه فيه) ، وكان هذا قبل أن ينزل النهي عن الصلاة على المنافقين، وشهود جنائزهم، والوقوف على قبورهم.



تراجم رجال إسناد حديث زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أُبي بن سلول قبل موته
قوله: [حدثنا عبد العزيز بن يحيى] .
عبد العزيز بن يحيى صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري] .
محمد بن سلمة وابن إسحاق مر ذكرهما، والزهري هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة] .
هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أسامة بن زيد] .
أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما صحابي بن صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



عيادة الذمي



شرح حديث زيارة النبي صلى الله عليه وسلم للغلام اليهودي في مرض موته
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في عيادة الذمي.
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد -يعني: ابن زيد - عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أن غلاماً من اليهود كان مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده فقعد عند رأسه، فقال له: (أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه، فقال له أبوه: أطع أبا القاسم، فأسلم، فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) ] .
أورد أبو داود باب عيادة الذمي، أي: الكافر الذي له ذمة وعهد، وعيادة الذمي أو الكافر إذا كانت فيها مصلحة وفائدة كأن يدعى إلى الإسلام ويرغَّب فيه، فإن ذلك أمرٌ مطلوب، وأما إذا لم يترتب عليها مصلحة، ولا يكون من ورائها فائدة؛ فلا يعاد.
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه (أن غلاماً من اليهود مرض، فأتاه الرسول صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رأسه وقال له: أسلم) يعني: دعاه إلى الإسلام، وهذا يدل على أن الزيارة إذا كانت من أجل دعوته إلى الإسلام، وأنه يرجى من ورائها المصلحة والفائدة، فإن ذلك سائغ، ويشبه هذا مجيئه صلى الله عليه وسلم إلى عمه أبي طالب في مرض موته، فقال له: (يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله) ، وكان عنده رجلان على ملة عبد المطلب، فذكّراه بدين عبد المطلب، وأن يبقى على ما كان عليه آباؤه، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، ولم يقل: لا إله إلا الله كما طلب منه ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالحاصل أن زيارة الكافر إذا كانت من أجل دعوته إلى الإسلام، ورُجيَ في ذلك المصلحة فلا بأس بها، وأما إذا كانت لغير ذلك، أو لم يظنّ من ورائها مصلحة فلا يُزار.
وقوله: (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) يعني: أن الله تعالى أنقذه من دخول النار والخلود بسبب إسلامه.
وهذا الحديث يدل على أن الإسلام يعرض على الصغير، فقد يسلم ويحسن إسلامه ولو كان صغيراً، وأن ذلك ليس مقصوراً على الكبار.



تراجم رجال إسناد حديث زيارة النبي صلى الله عليه وسلم للغلام اليهودي في مرض موته
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب] .
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد] .
هو حماد بن زيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثابت] .
هو ثابت بن أسلم البناني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك] .
أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإسناد من الرباعيات، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود، والله تعالى أعلم.



الأسئلة



شراء الأثاث والبضائع من الجمارك
السؤال هل يجوز شراء الأثاث والبضائع من الجمارك وبيعها في المحلات، علماً أن هذه البضاعة ليست ملكهم، وإنما هي لبعض التجار الذين لم يدفعوا للجمارك المبلغ المقرر عليهم، فيُعْطَون مدة زمنية مقدارها خمسة عشر يوماً حتى يسددوا فيها، فإن لم يأتوا بالمبلغ في هذه الفترة فإن هذه الأشياء تباع لغيرهم؟
الجواب ينبغي للإنسان ألا يدخل في مثل هذا، وأن ينزه نفسه عن مثل ذلك؛ لأن فيها شبهة.



حكم المال الملقوط الذي لا يدرى هل هو من أموال الجاهلية أو من أموال الإسلام
السؤال إذا وجد إنسان مالاً في الأرض ولم يعلم هل هو من أموال الجاهلية أو من أموال المسلمين التي تعتبر لقطة، فما العمل؟
الجواب إذا كان على هذا المال علامة إسلامية فهو من أموال المسلمين، وإذا كان هذا المال قديماً جداً فهو ركاز، وإذا كان في بلاد المسلمين وليس فيه شيء يدل على قدمه فإنه يعتبر من قبيل اللقطة.



حراسة الجن للركاز
السؤال هل صحيح أن الركاز يكون محروساً من الجن كما يزعم بعض الناس، فمن أراد أن يقرب منه ربما يؤذى إلا إذا قرأ القرآن؟
الجواب لا نعلم لهذا أصلاً.



حكم نبش قبور اليهود والنصارى لاستخراج الأموال منها
السؤال في بلادنا كثير من قبور اليهود والنصارى، وهذه القبور فيها الكثير من الذهب، فهل يجوز أن ننبشها ونأخذ ما فيها من الذهب؟
الجواب ما الذي يدريك أن فيها كثيراً من الذهب؟ وإذا تؤكد أن فيها ذهباً وأمكن نبشها والحصول عليه فلا بأس بذلك، لكن من الخطأ أن يذهب الإنسان وينبش القبور كلها بحثاً عن الذهب ظناً وتوهماً.
وأما الأموال الآن فقد صارت أوراقاً، وإذا دفنت هذه الأوراق فإن الأرض ستأكلها.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 27-06-2025, 03:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,125
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله





حكم نبش القبور لغير مصلحة كطلب رؤية النعيم والعذاب
السؤال هل يجوز نبش القبور لغير مصلحة دينية كنبشها ليُرى العذاب أو النعيم؟
الجواب لا، لا تنبش القبور لغير مصلحة، وأما نبشها لرؤية العذاب فهذا غير صحيح، فإنه وإن فعل ذلك فلن يجد عذاباً كما هو مألوف ومعروف في هذه الحياة الدنيا، وربما إن لم يجد ذلك أدى به الأمر إلى إنكار عذاب القبر، ومع أنه وإن لم يره فالمعذب معذب والمنعم منعم وإن لم تر نعيماً ولا عذاباً، لأن أمور البرزخ أمور غيبية وليست كأمور الدنيا وأحوالها، فعلى الإنسان أن يؤمن ويصدق بالغيب، وليعلم أن كل من يستحق العذاب فهو معذب، وأن كل من يستحق النعيم فهو منعم.




الصلاة على قبر الميت بعد حين
السؤال مات أبي قبل ثلاثة أسابيع، وبعد شهر ونصف سأرجع إلى بلدي إن شاء الله، فهل يجوز لي أن أصلي على قبره؟
الجواب إذا تطاول العهد فلا تصل عليه، ولكن ادعوا له ويكفي.



وصف المرض بالخبث
السؤال هل يجوز أن يقال للمرض: هذا المرض الخبيث؟
الجواب لا ينبغي أن يوصف بهذا الوصف.



كتابة عمل المرأة الحائض حال حيضها
السؤال هل يكتب للمرأة ما كانت تعمله من الأعمال الصالحة إذا حاضت؟
الجواب الذي يبدوا أنه ليس لها ذلك؛ لأنه جاء في الحديث أنها: (ناقصة عقل ودين، وأن من نقصان دينها أنها لا تصلي) ،فهذا يدل على أن النقص حاصل لها، ولم يأتِ شيء يدل على أنه يكتب لها أجر عملها في حال حيضها، فهذا نقص يحصل لها دون الرجال.



تعارض مصلحة العلم مع طاعة الوالد
السؤال أنا شاب في الثانوية وعلى وشك التخرج منها إن شاء الله، وأرغب في الدراسة في الجامعة الإسلامية، ولكن والدي يقول: لابد أن تسجل في كلية عسكرية، وأنا لا أرغب في ذلك، فهل أدرس في الشريعة أم أنه يجب عليّ أن أطيع أبي؟
الجواب ينبغي أن تحرص على الدراسة في الشريعة، وأن تسعى لإقناع أبيك وإرضائه، وتجمع بين مصلحتيك.



كتاب الشيخ الألباني رحمه الله تعالى (الرد المفحم)
السؤال ما رأيكم في كتاب (الرد المفحم على الذين أوجبوا تغطية الوجه والكفين للمرأة) وهو للشيخ الألباني رحمه الله؟
الجواب لم أطلع عليه، ولكني أعرف أن رأي الألباني رحمه الله تعالى هو القول بكشف الوجه والكفين، وهو مخطئ في ذلك، والله يغفر له ويتجاوز عنا وعنه، والحق هو وجوب تغطية المرأة وجهها وكفيها، ومعلوم أن الوجه هو محل زينة المرأة، والشريعة جاءت بإرخاء الثياب حتى تُغطي القدمين، بل وتجر مقدار شبر على الأرض فمن باب أولى أن تأمر بتغطية الوجه؛ لأنه محل الفتنة، ففيه المحاسن والجمال، فالشيخ الألباني رحمة الله عليه نعتقد أنه قد أخطأ في هذا، وأن الصواب مع غيره، وكنت أقول: إن هذا الذي كان الشيخ الألباني رحمه الله يعتني به ويحرص عليه لو كان حقاً فإنه يكون من الحق الذي ينبغي إخفائه، ولو كان يرى أن تغطية الوجه والكقين ليست بواجبة فإنه ينبغي له أن يسكت، ويترك الناس على ما هم عليه من الحرص على السلامة، والبعد عن التكشف، والوقوع في أمور لا تنبعي، فنسأل الله تعالى يغفر له، وأن يتجاوز عنا وعنه.




المشي في العيادة



شرح حديث جابر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ليس براكب بغلة ولا برذون)
قال المصنف يرحمه الله تعالى: [باب المشي في العيادة.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعودني ليس براكب بغل ولا بِرْذَوْن) .
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في المشي في العيادة، أي: أن يعود المريض ماشياً، والعيادة جاءت السنة بها مشياً وركوباً، وهذا الحديث الذي أورده أبو داود رحمه الله عن جابر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوده ليس براكب بغلاً ولا برذون) يدل على العيادة مشياً، وجاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن عبادة راكباً على حمار، فدل هذا على أن عيادة المريض تكون بالذهاب ركوباً أو مشياً، وكل ذلك جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (ليس براكب بغلاً ولا برذون) البغل: هو الحيوان الذي يتولد بين الحمار والفرس، وأما البرذون فهو نوع من أنواع الخيل، وليس من الخيل العربي الأصيل، وإنما هو من غير ذلك، فيقال: إنه من خيل التُرك، أي: أنه ليس من خيل العرب، وهو أقل جودة من الخيل العربي.
وقوله: (كان يعودني) تدل (كان) في الأصل على التكرار، ومعنى ذلك أنها تكررت عيادته، وقد تأتي (كان) لغير التكرار، كما في قول عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) ، فإن قولها: (ولحله قبل أن يطوف بالبيت) لم يحصل إلا مرة واحدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحج إلا مرة واحدة، ومع ذلك جاء التعبير (بكان) ، إذاً فهي في الغالب تدل على التكرار، وقد تأتي لغير التكرار.



تراجم رجال إسناد حديث جابر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعودني ليس براكب بغلة ولا برذون)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن بن مهدي] .
عبد الرحمن بن مهدي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان] .
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن المنكدر] .
محمد بن المنكدر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو صحابي ابن صحابي، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



فضل العيادة على وضوء



شرح حديث: (من توضأ فأحسن الوضوء وعاد أخاه المسلم محتسباً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في فضل العيادة على وضوء.
حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا الربيع بن روح بن خليد حدثنا محمد بن خالد حدثنا الفضل بن دلهم الواسطي عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء، وعاد أخاه المسلم محتسباً بُوعِد من جهنم مسيرة سبعين خريفاً) ، قلت: يا أبا حمزة! وما الخريف؟ قال: العام.
قال أبو داود: والذي تفرد به البصريون منه: العيادة وهو متوضئ] .
ثم أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في فضل العيادة على وضوء، أي: أن الإنسان يعود المريض وهو متوضئ، ولعل ذلك أن الزائر إذا دعا للمريض فإنه يدعو له على طهارة، فيكون ذلك أكمل، وقيل: لأن العيادة قربة وعبادة، فإذا فُعلت على طهارة فإنها تكون أكمل وأتم.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء، وعاد أخاه المسلم محتسباً بُوْعِد من جهنم مسيرة سبعين خريفاً) .
قوله: (من توضأ فأحسن الوضوء، وزار أخاه محتسباً) أي: محتسباً الأجر من الله عز وجل، (بوعد بينه وبين جهنم سبعين خريفاً، قيل: وما الخريف؟ قال: العام) أي: سبعين سنة، وهذه مسافة طويلة.
وهذا الحديث يدل على فضل العيادة على وضوء إذا كان ذلك احتساباً للأجر من الله تعالى، فعلى الزائر أن يكون محتسباً يرجو الثواب من الله عز وجل، وليس المقصود من ذلك المجاملة أو رد جميل سابق بدون أن تكون هناك نية، فإن الأعمال لابد فيها من النيات، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل أمرٍ ما نوى) .
وحديث أنس بن مالك هذا في إسناده رجل لين الحديث، فهو إذن ضعيف، إلا أن فضل العيادة والزيارة ثابت في أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما، وأما ذكر الوضوء في العيادة فلا يثبت، فإنه لم يأت إلا في هذا الحديث، وقد ذكرنا أن هذا الحديث ضعيف؛ لأن في سنده الفضل بن دلهم، وهو لين الحديث.



تراجم رجال إسناد حديث: (من توضأ فأحسن الوضوء وعاد أخاه المسلم محتسباً)
قوله: [حدثنا محمد بن عوف الطائي] .
محمد بن عوف الطائي ثقة أخرج له أبو داود والنسائي في (مسند علي) .
[حدثنا الربيع بن الروح بن خليد] .
الربيع بن الروح بن خليد ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا محمد بن خالد] .
محمد بن خالد الوهبي وهو صدوق أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا الفضل بن دلهم الواسطي] .
الفضل بن دلهم الواسطي البصري لين الحديث، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن ثابت البناني] .
هو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك] .
أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: والذي تفرد به البصريون منه: العيادة وهو متوضأ] أي: أن يعود مريضاً وهو على وضوء، فهذا تفرد به البصريون، والبصريون هم أنس وثابت والفضل بن دلهم، ومعلوم أن ثابت بن أسلم البناني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو حجة، ولكن الآفة فيه من الفضل بن دلهم الواسطي البصري، فهو علّة هذا الحديث.



شرح حديث: (ما من رجل يعود مريضاً ممسياً إلا خرج معه سبعون ألف ملك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن الحكم عن عبد الله بن نافع عن علي رضي الله عنه أنه قال: (ما من رجل يعود مريضاً ممسياً إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة، ومن أتاه مصبحاً خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي، وكان له خريفٌ في الجنة) ] .
وقال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه، لم يذكر الخريف.
قال أبو داود: رواه منصور عن الحكم كما رواه شعبة] .
ثم أورد أبو داود حديثين عن علي رضي الله عنه، أحدهما موقوف والآخر مرفوع وكل منهما صحيح، والموقوف له حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي، فيكون حكمه حكم الرفع، إذن فقد جاء مرفوعاً صراحة ومرفوعاً حكماً.
قوله: (ما من رجل يعود مريضاً ممسياً إلا وخرج مع سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح) يعني: أن هؤلاء يستغفرون له بالليل كله حتى يصبح، وذلك من حين يخرج ممسياً إلى أن يصبح؛ لقيامه بهذا العمل العظيم، وهو: عيادة المريض، وهذا يدل على فضل عيادة المريض، وعلى الترغيب فيها.
قوله: (وكان له خريفٌ في الجنة) الخريف: هو البستان، أي: يكون له بستان في الجنة.
قوله: (ومن عاد مريضاً مصبحاً خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي، وكان له خريفٌ في الجنة) أي: أنه إن عاده في الليل خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى الصباح، وله خريف في الجنة، وإن عاده في الصباح فإنه يخرج معه سبعون ألفاً من الملائكة يستغفرون له حتى يمسي، وكان له خريفٌ في الجنة.



تراجم رجال إسناد حديث: (ما من رجل يعود مريضاً ممسياً إلا خرج معه سبعون ألف ملك)
[حدثنا محمد بن كثير] .
هو محمد بن كثير العبدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا شعبة] .
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم] .
هو الحكم بن عتيبة الكندي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن نافع] .
عبد الله بن نافع صدوق أخرج له أبو داود والنسائي في (مسند علي) .
[عن علي] .
علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
وقوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة، ثقة أخرج له أصحاب الكتب إلا الترمذي والنسائي، فإنما أخرج له في (عمل اليوم والليلة) .
[حدثنا أبو معاوية] .
هو أبو معاوية محمد بن الخازم الضرير وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش] .
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى] .
الحكم مر ذكره.
وعبد الرحمن بن أبي ليلى ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه] .
أي: بمعنى الحديث المتقدم.
[لم يذكر الخريف] .
أي: أنّ الخريف إنما جاء في الموقوف، ولم يأت في المرفوع.
[قال أبو داود: رواه منصور عن الحكم كما رواه شعبة] أي: موقوفاً، وعلى كلٍ فالحديث -كما عرفنا- ليس للرأي فيه مجال، فهو في حكم المرفوع.



شرح أثر عيادة أبي موسى للحسن بن علي
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن الحكم عن أبي جعفر عبد الله بن نافع أنه قال: وكان نافع غلام الحسن بن علي، قال جاء أبو موسى إلى الحسن بن علي يعوده.
قال أبو داود: وساق معنى حديث شعبة] .
ثم ذكر الحديث من طريق أخرى، وفيها: أن أبا موسى جاء الحسن بن علي بن أبي طالب يعوده، ثم ذكر بمعنى حديث شعبة الأول الذي جاء موقوفاً عن علي.



تراجم رجال إسناد أثر عيادة أبي موسى الأشعري للحسن بن علي
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة مر ذكره.
[حدثنا جرير] .
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور] .
هو منصور بن معتمر الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم عن أبي جعفر عبد الله بن نافع] .
الحكم وأبو جعفر عبد الله بن نافع مر ذكرهما.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واسمه عبد الله بن قيس، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود: وساق معنى حديث شعبة] أي: الطريق الأولى التي جاءت عن علي.
[قال أبو داود: أُسند هذا عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير وجه صحيح] يعني: من وجوه أخرى متعددة وكلها صحيحة، وقد ذكر هنا واحداً منها، وهي طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر هنا أنه جاء من طرق أخرى مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مع تعددها صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث ليس فيه شيء يدل على مطابقة الترجمة فيما يتعلق بفضل الوضوء، فالتنصيص على ذكر الوضوء لم يأتِ إلا في حديث أنس الذي سبق، وهو لا يصح، وبقاء الإنسان دائماً على طهارة شيء طيب.
وهذا الحديث من مسند الحسن بن علي كما هو المتبادر؛ لأن المزور هو الذي يذكر فضل الزيارة وليس الزائر.
وقد ذكر هذا الحديث من مسند الحسن بن علي الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في (الصحيحة) برقم (1367) .



العيادة مراراً



شرح حديث ضرْب النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد لسعد بن معاذ كي يعوده من قريب
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في العيادة مراراً.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لما أصيب سعد بن معاذ رضي الله عنه يوم الخندق رماه رجل في الأكحل، فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيمة في المسجد؛ ليعوده من قريب] .
ثم أورد أبو داود باباً في العيادة مراراً، أي: أن العيادة تتكرر، وأورد فيه حديث عائشة: (أن سعد بن معاذ -وهو سيد الأوس رضي الله عنه- لما أصيب عام الخندق في أكحله -وهو عرق في الذراع- ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمةً في المسجد؛ ليبقى فيها حتى يزوره) أي: أن يكون قريباً منه حتى تكرر زيارته، وسبق أن مر بنا حديث يشير إلى تكرار الزيارة، وهو حديث جابر: (كان يعودني ماشياً) ، وقلنا هناك: إنّ (كان) تفيد في الأصل التكرار، إذن فهو يدل على تكرار الزيارة، وهذا الحديث أيضاً يدل على تكررها، وقد عقد أبو داود الترجمة لهذا.
وهذا الحديث يدلنا أيضاً على أنه يجوز اتخاذ المسجد سكناً للحاجة في فترة من الزمان كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سعد بن معاذ رضي الله عنه.
قوله: [لما أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق رما رجل في الأكحل] ، يوم الخندق هو يوم الأحزاب، وقد كان ذلك في السنة الخامسة، والأكحل: هو عرق في الذراع.



تراجم رجال إسناد حديث ضرْب النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد لسعد بن معاذ كي يعوده من قريب
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن النمير] .
عبد الله بن النمير ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة] .
هشام بن عروة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
أبوه هو عروة بن الزبير ثقة فقيه، وهو من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] .
عائشة هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



العيادة من الرمد



شرح حديث: (عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في العيادة من الرمد.
حدثنا عبد الله بن محمد بن النفيلي حدثنا حجاج بن محمد عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال: (عادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجع كان بعيني) ] .
ثم أورد أبو داود هذه الترجمة: باب العيادة من الرمد، وهو: وجع العين، وهذا يدل على أن العيادة تكون من أي مرض وليس بلازم أن يكون مخوفاً، أو أن يكون مرضاً خطيراً، فالإنسان قد يبقى في بيته مع أن المرض ليس مخوفاً، فتشرع عيادته وزيارته، فليس الأمر خاصاً بالمرض الشديد، أو بالمرض الخطير، أو بالمرض المخوف، وإنما يكون ذلك في مختلف الأمراض ولو كانت سهلة، وهذا هو الذي ترجم له المصنف، وأورد الحديث فيه.
وأورد أبو داود حديث زيد بن أرقم قال: (عادني رسول الله عليه وسلم من وجع كان بعيني) ، وهو دال على ما ترجم له، ودال على أن مختلف الأمراض يعاد المريض فيها، وقال بعض أهل العلم: إن عيادة العيادة من الرمد ليست كغيرها، وعللوا ذلك: بأن الرجل الذي فيه رمد إذا زاره الناس فإنهم ينظرون في بيته وهو لا يراهم.
قال ابن القيم رحمه الله: وهذا غير صحيح؛ لأن الأعمى يزار إذا مرض مع أنه لا يرى، وكذلك زار الرسول صلى الله عليه وسلم جابراً وهو مغمىً عليه وليس له شعور ولا إحساس، فالحديث والسنة ثبتت في ذلك، فلا يصار إلى هذه التعاليل والاحتمالات بعد ثبوت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.



تراجم رجال إسناد حديث (عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] .
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا حجاج بن محمد] .
هو عن حجاج بن محمد المصيصي الأعور، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس بن أبي إسحاق] .
يونس بن أبي إسحاق صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبي إسحاق] .
هو أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن أرقم] .
زيد بن أرقم رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرج له أصحاب الكتب الستة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 57 ( الأعضاء 0 والزوار 57)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 541.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 535.38 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.09%)]