شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 66 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1059 - عددالزوار : 125741 )           »          طريقة عمل ساندوتش دجاج سبايسى.. ينفع للأطفال وللشغل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          وصفات طبيعية للتخلص من حب الشباب بخطوات بسيطة.. من العسل لخل التفاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          طريقة عمل لفائف الكوسة بالجبنة فى الفرن.. وجبة خفيفة وصحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          وصفات طبيعية لتقشير البشرة.. تخلصى من الجلد الميت بسهولة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          هل تظل بشرتك جافة حتى بعد الترطيب؟.. اعرفى السبب وطرق العلاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          استعد لدخول الحضانة.. 6 نصائح يجب تنفيذها قبل إلحاق طفلك بروضة الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          سنة أولى جواز.. 5 نصائح للتفاهم وتجنب المشاكل والخلافات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          طريقة عمل العاشوراء بخطوات بسيطة.. زى المحلات بالظبط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          طريقة عمل لفائف البطاطس المحشوة بالدجاج والجبنة.. أكلة سهلة وسريعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #651  
قديم 28-06-2025, 06:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



شرح سنن أبي داود [382]
من نذر نذراً فإنه يجب عليه الوفاء به، إلا أن يكون نذراً في معصية، أو فيما لا يملك الإنسان، أو فيما لا يطيق، فإن نذر نذراً من ذلك فعليه أن يكفر عنه كفارة يمين، ومن نذر في الجاهلية نذراً ثم أدرك الإسلام يوفي بنذره، ومن نذر أن أن يتصدق بماله كله يجزئ عنه الثلث.



ما يؤمر به من الوفاء بالنذر



شرح حديث: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله! إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر.
حدثنا مسدد حدثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة عن عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، قال: أوفي بنذرك، قالت: إني نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا -مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية- قال: لصنم؟ قالت: لا، قال: لوثن؟ قالت: لا، قال: أوفي بنذرك) ] .
قوله: [باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر] أي: أن الإنسان عندما ينذر يفي بنذره إذا لم يكن محرماً، وقد ذكرنا فيما مضى أن نذر المعصية لا يجوز تنفيذه ولكن فيه كفارة يمين.
وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنها نذرت أن تضرب على رأسه صلى الله عليه وسلم بالدف -يعني: إذا رجع سالماً من غزوة من الغزوات- فقال: أوفي بنذرك) وضرب الدفوف جاء أنه مستحب ومشروع في الأعراس، وفي غيرها لم يأت ما يدل عليه، وقد قيل: إن هذا الذي جاء في هذا الحديث كان فرحاً وسروراً وابتهاجاً بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم سالماً، فأبيح ذلك على أساس أنه ليس عبادة ولكن لما اقترن به من كونه فرحاً بمقدم الرسول صلى الله عليه وسلم وابتهاجاً وسروراً بوصوله سالماً صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فأمرها صلى الله عليه وسلم بأن تفي به، وفي ذلك إغاظة للكفار في كون المسلمين يفرحون بقدومه ويهتمون ويحرصون على قدومه، ففي ذلك مصلحة وفائدة، وفيه إغاظة للكفار، وقد جاء نظير ذلك في بعض الأمور التي جاء فيها منع ولكنه رخص فيها للمصلحة والفائدة ولإغاظة الكفار والأعداء.
ومن ذلك: ما جاء في قصة قيام المغيرة بن شعبة على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يقوم الرجال على رأس الرجل.
ومن ذلك: ما جاء أنه عليه الصلاة والسلام صلى بالناس ذات مرة جالساً لما جحش، فصلى جالساً وصلى الناس وراءه قياماً، فأشار إليهم أن اجلسو، فجلسوا، وبعد ذلك قال: (إن كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم يقومون على رءوس ملوكهم وهم جلوس) ، فهذا جاء فيه ما يدل على منعه، ولكن جاءت إباحة مثل هذا في الوقت أو المناسبة التي فيها إظهار الاحتفاء بالرسول صلى الله عليه وسلم والحرص عليه وتوقيره عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك بيان منزلته عند أصحابه أمام الأعداء.
وقالت له أيضاً: (إني نذرت أن أذبح بمكان كذا وكذا) هذا المكان أبهم، ما سمي المكان الذي حصل النذر فيه، وأتي بكلمة كذا وكذا لإبهامه وعدم تعيينه، وفسره الراوي بقوله: مكان كان يذبح فيه أهل الجاهلية، فقال صلى الله عليه وسلم: (لصنم؟ قالت: لا، قال: لوثن؟ قالت: لا، قال: فأوفي بنذرك) .
والوثن والصنم قيل في الفرق بينهما: أن الصنم ما كان على شكل هيئة الإنسان أو هيئة المخلوق، والوثن ما لم يكن كذلك، فهو أعم من أن يكون على هذا الوصف وقيل: إنه لا فرق بينهما، وإنها كلها أصنام وكلها أوثان.
وقوله: (أوفي بنذرك) يعني: ما دام أنه مكان لا يذبحون فيه للصنم ولا للوثن وإنما هو مكان يذبحون فيه ذبحاً مجرداً، فلا بأس بالذبح فيه، فإذا كان هناك مكان فيه شيء من عبادة الأصنام أو فعل شيء يفعلونه من أجل أمر محرم، فهذا لا يسوغ ولا يجوز الذبح فيه، أما إذا لم يكن من هذا القبيل فإنه لا بأس به، كمكان يذبح فيه المسلمون ويذبح فيه الكفار، وليس ذلك لصنم ولا لوثن، وإنما هو مكان ذبح، فمثل هذا لا بأس به؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يعرف هل كان من أجل أن الكفار كانوا يذبحون فيه لصنم، فلما بينت أنه ليس كذلك وإنما هو مكان يحصل فيه الذبح ولم يكن لأصنام، قال عليه الصلاة والسلام: (أوفي بنذرك) .



تراجم رجال إسناد حديث: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة] .
الحارث بن عبيد أبو قدامة صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والترمذي.
[عن عبيد الله بن الأخنس] .
عبيد الله بن الأخنس صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده] .
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن، وأبوه هو شعيب بن محمد، وهو أيضاً صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة وأصحاب السنن، وجده هو عبد الله بن عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (نذر رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا داود بن رشيد حدثنا شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو قلابة قال: حدثني ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: (نذر رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) ] .
أورد أبو داود حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: إنه نذر أن ينحر إبلاً ببوانة، وبوانة مكان، فقال صلى الله عليه وسلم: (هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟) يعني: في هذا المكان الذي نذرت أن تذبح فيه؟ قال: لا، قال: (هل كان فيه عيد من أعيادهم؟) يعني: هل كانوا يتخذون ذلك المكان لتعظيم أعيادهم والاحتفال بها وأن الإنسان إذا فعل ذلك يكون مشابهاً لهم ومشاركاً لهم؟ فقال: لا، قال (أوف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) وهذا مثل الذي قبله، فإن فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل تلك المرأة عن ذلك المكان هل كان فيه شيء محذور يتعلق بأفعال أهل الجاهلية؟ وكان جوابها أن قالت: لا، ليس هناك شيء، فقال: (أوفي بنذرك) ، ولعل ذكر المكان واختياره هو من أجل الإحسان إلى أهله، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن الإنسان إذا نذر أن ينحر إبلاً أو أن ينحر غنماً في مكان من أجل الصدقة على أهله فإنه يفي بنذره ويجعل هؤلاء الذين نذر لهم هم الذين يستفيدون من نذره.



تراجم رجال إسناد حديث: (نذر رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة)
قوله: [حدثنا داود بن رشيد] .
داود بن رشيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا شعيب بن إسحاق] .
شعيب بن إسحاق ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الأوزاعي] .
هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو، وهو ثقة فقيه محدث بلاد الشام وفقيهها أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي كثير] .
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثني أبو قلابة] .
هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثني ثابت بن الضحاك] .
ثابت بن الضحاك رضي الله عنه صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.



حكم الذبح لله عند الأضرحة
وهنا يرد
السؤال هل يجوز الذبح عند الأضرحة وإقامة الولائم عليها؟ علماً بأن الذين يذبحون ينوون أن الذبح لله خالصاً؟
و الجواب أنه لا يجوز؛ لأن هذا فيه تعظيم لأصحاب القبور، فحتى وإن لم يذبح للأضرحة وإنما ذبح لله فهو ليس شركاً، ولكنه من الأمور المبتدعة والمحرمة.



شرح حديث ميمونة بنت كردم: (خرجت مع أبي في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون حدثنا عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي من أهل الطائف قال: حدثتني سارة بنت مقسم الثقفي أنها سمعت ميمونة بنت كردم قالت: (خرجت مع أبي في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت الناس يقولون: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أبده بصري، فدنا إليه أبي وهو على ناقة له معه درة كدرة الكتَّاب، فسمعت الأعراب والناس يقولون: الطبطبية الطبطبية، فدنا إليه أبي فأخذ بقدمه، قالت: فأقر له ووقف فاستمع منه، فقال: يا رسول الله! إني نذرت إن ولد لي ولد ذكر أن أنحر على رأس بوانة في عقبة من الثنايا عدة من الغنم، قال: لا أعلم إلا أنها قالت: خمسين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بها من الأوثان شيء؟ قال: لا، قال: فأوف بما نذرت به لله.
قالت: فجمعها فجعل يذبحها فانفلتت منها شاة فطلبها وهو يقول: اللهم أوف عني نذري، فظفرها فذبحها) ] .
أورد أبو داود حديث ميمونة بنت كردم أنها ذهبت مع أبيها للحج، وأن الناس كانوا يقولون: رسول الله، أي: يشيرون إليه، فجعلت تبد بصرها إليه، أي: تجعل بصرها متجهاً إليه لا يحيد عنه ولا تنظر إلى غيره محبة للنظر إليه صلى الله عليه وسلم، فوصل إليه أبوها وصار عند ناقته وأقر له، أي: أقر له بالرسالة وآمن به، والناس يقولون: الطبطبية، قيل: إن المقصود بالطبطبية: الصوت أو العصا إذا ضرب بها على شيء، أو أنه صوت حركة الأقدام، ثم إن أباها سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نذر إن ولد له ولد ذكر أن ينحر مقداراً من الغنم في مكان يقال له: بوانة، بنية أو عقبة، فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم كما سأل الذين مر ذكرهم وقال له: (هل بها من الأوثان شيء؟ قال: لا، قال: فأوف بما نذرت به لله) فوفى بنذره وجعل يذبحها فشردت منها شاة واحدة، فجعل يتبعها ويقول: اللهم أوف عني نذري، يعني: حقق لي الوفاء بنذري، حتى يتمكن من الحصول على هذه الشاة الذي شردت حتى يفي بنذره ويذبحها ويكمل العدد الذي التزمه.



تراجم رجال إسناد حديث ميمونة بنت كردم: (خرجت مع أبي في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي] .
هو الحسن بن علي الحلواني، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا يزيد بن هارون] .
هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي] .
عبد الله بن يزيد بن مقسم الثقفي صدوق أخرج له أبو داود.
[قال: حدثتني سارة بنت مقسم الثقفي] .
سارة بنت مقسم الثقفي لا تعرف أخرج لها أبو داود.
[أنها سمعت ميمونة بنت كردم] .
ميمونة بنت كردم صحابية أخرج لها أبو داود وابن ماجة.
والحديث سبق أنه صحيح، وهذا الإسناد فيه هذه المرأة التي لا تعرف، والحديث أخرجه ابن ماجة، وله شواهد فيما يتعلق بقضية نذر الذبح ببوانة، والأحاديث التي تقدمت كلها شواهد له فيما يتعلق بالنذر.



حكم نظر المرأة إلى الرجل
هذا الحديث ليس فيه جواز نظر المرأة إلى الرجل، وإنما إذا كان النظر من مكان بعيد لا يحصل به تحديد الأشخاص وتحديد الوجوه والنظر إليهم فهذا لا بأس به مثلما كانت عائشة تنظر إلى الحبشة الذين كانوا يلعبون؛ لأنها كانت تراهم من بعد وهم يلعبون ويتحركون، لكن كون المرأة تنظر إلى وجه الرجل وتتمتع بالنظر إليه وما إلى ذلك، فذلك لا يجوز لا في حق الرجل ولا في حق المرأة؛ لأن الله تعالى يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] ويقول: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31] لكن إذا كان من بعد ولم يكن فيه تمتع بالنظر ولم يكن لشهوة وميل إلى الرجال فهذا لا بأس به، وحديث عائشة من أمثلة هذا.



معنى الدرة والكتاب
قولها: (فدنا إليه أبي وهو على ناقة له معه درة كدرة الكتَّاب) الدرة قيل: إنها الصوت، وقيل: إنها العصا، والكتَّاب: هم الذين يعلمون القراءة والكتابة، والكتَّاب أيضاً: محل تعلم الصغار.



شرح حديث ميمونة بنت كردم من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن عمرو بن شعيب عن ميمونة بنت كردم بن سفيان عن أبيها نحوه مختصر منه شيء، قال: (هل بها وثن أو عيد من أعياد الجاهلية؟ قال: لا، قلت: إن أمي هذه عليها نذر ومشي أفأقضيه عنها؟ وربما قال ابن بشار: أنقضيه عنها؟ قال: نعم) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى مختصراً شيء منه قال: (هل به وثن أو عيد من أعياد الجاهلية؟ قال: لا، قلت: إن أمي هذه عليها نذر ومشي أفأقضيه عنها؟ وربما قال ابن بشار: أنقضيه عنها؟ قال: نعم) ، ذكر فيه الزيادة التي فيها أن أمه كان عليها نذر ومشي، والمشي لعله مشي في عبادة أو ذهاب إلى عبادة وليس المقصود المشي المطلق وإنما هو مشي في عبادة وذلك حيث يكون مطاقاً.



ترجمة رجال إسناد حديث ميمونة بنت كردم من طريق أخرى
قوله: [حدثنا محمد بن بشار] .
هو محمد بن بشار الملقب بندار البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو بكر الحنفي] .
هو عبد الكبير بن عبد المجيد وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الحميد بن جعفر] .
عبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن شعيب عن ميمونة بنت كردم بن سفيان عن أبيها] .
عمرو بن شعيب وميمونة قد مر ذكرهما، وأبوها كردم بن سفيان لم يذكر الحافظ له ترجمة في التقريب، وهو صحابي.



حكم شد الرحل من أجل الوفاء بالنذر
قد يقول قائل: كونه نذر أن يذبح إبلاً ببوانة هذا يقتضي شد الرحل فهل يجوز ذلك؟
و الجواب أن كونه نذر أن يذبح غنماً توزع على الفقراء والمساكين في بلد ما ليس فيه بأس؛ لأن المحظور هو أن يشد الرحل من أجل تمييز البقعة بشيء، وأما كونه من أجل أن يفي بنذره بأن يوصل صدقة إلى من يستحقها من المحتاجين في بلد من البلدان ويريد أن يذبح عندهم لأنهم محتاجون، فمثل هذا لا بأس به.



حكم الذبح في الأماكن التي يذبح فيها أهل البدع
وهنا
السؤال إذا كان أهل البدع لهم أماكن معروفة للذبح كالذبح بمناسبة الموالد، فهل يجوز الذبح في هذه الأماكن؟
و الجواب أنه إذا كان هناك ذبح في المناسبات وأوقات المناسبات فلا يجوز؛ لأن هذا فيه مشاركة لهم أو ظن أن من يفعل ذلك مشارك لهم، وأما إذا كان الذبح ليس في وقت مناسبات والناس محتاجون إلى هذا المكان وهم لا يذبحون في هذا الوقت فلا بأس، وإذا استغنى الإنسان عن أن يذبح في هذا المكان ووجد أماكن أخرى ليست كذلك فلا شك أن هذا هو الذي ينبغي.



النذر فيما لا يملك



شرح حديث: (كانت العضباء لرجل من بني عقيل وكانت من سوابق الحاج)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النذر فيما لا يملك.
حدثنا سليمان بن حرب ومحمد بن عيسى قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: (كانت العضباء لرجل من بني عقيل وكانت من سوابق الحاج، قال: فأُسِر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في وثاق، والنبي صلى الله عليه وسلم على حمار عليه قطيفة، فقال: يا محمد! علامَ تأخذني وتأخذ سابقة الحاج؟ قال: نأخذك بجريرة حلفائك ثقيف.
قال: وكان ثقيف قد أسروا رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وقد قال فيما قال: وأنا مسلم، أو قال: وقد أسلمت، فلما مضى النبي صلى الله عليه وسلم -قال أبو داود: فهمت هذا من محمد بن عيسى - ناداه: يا محمد! يا محمد! قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً، فرجع إليه فقال: ما شأنك؟ قال: إني مسلم، قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح.
قال أبو داود: ثم رجعت إلى حديث سليمان قال: يا محمد! إني جائع فأطعمني إني ظمآن فاسقني، قال: فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هذه حاجتك أو قال: هذه حاجته، قال: ففودي الرجل بعد بالرجلين، قال: وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لرحله، قال: فأغار المشركون على سرح المدينة فذهبوا بالعضباء، قال: فلما ذهبوا بها وأسروا امرأة من المسلمين قال: فكانوا إذا كان الليل يريحون إبلهم في أفنيتهم، قال: فنوموا ليلة وقامت المرأة فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا رغا، حتى أتت على العضباء، قال: فأتت على ناقة ذلول مجرسة، قال: فركبتها ثم جعلت لله عليها إن نجاها الله لتنحرنها، قال: فلما قدمت المدينة عرفت الناقة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأرسل إليها، فجيء بها وأخبر بنذرها، فقال: بئس ما جزيتيها أو جزتها؛ إن الله أنجاها عليها لتنحرنها! لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) .
قال أبو داود: والمرأة هذه امرأة أبي ذر] .
قوله: [باب في النذر فيما لا يملك] أي: كون الإنسان ينذر أن يتصدق بمال غيره وهو ليس ملكه بأن يقول مثلاً: إن حصل كذا فناقة فلان لله أو إن حصل كذا فدار فلان لله، هذا لا يملكه الإنسان، والإنسان إنما ينذر في شيء يملكه ولا ينذر في شيء لا يملكه، فهذا هو المقصود بكون الإنسان ينذر شيئاً لا يملكه، يعني: أنه ملك غيره، والنذر إنما يكون فيما يملكه الإنسان.
وأورد أبو داود حديث عمران بن حصين، وأبوه حصين بن عبيد الخزاعي صحابي لم يصب من نفى إسلامه، أخرج له النسائي في عمل اليوم والليلة.
وحديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه فيه أنه قال: (كانت العضباء لرجل من بني عقيل وكانت من سوابق الحاج فأسر) .
العضباء: هي ناقة الرسول عليه الصلاة والسلام وراحلته، وكانت لرجل من بني عقيل، وكانت من سوابق الحاج، أي: أنهم كانوا إذا سافروا للحج فإنها تتقدم وتسبق، فأسر ذلك الرجل الذي هو من بني عقيل.
قوله: [فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وثاق] ، يعني: وهو مربوط بوثاق.
قوله: [والنبي صلى الله عليه وسلم على حمار عليه قطيفة، فقال: يا محمد علامَ تأخذني وتأخذ سابقة الحاج؟ قال: (نأخذك بجريرة حلفائك ثقيف) ] .
لأن ثقيفاً حالفوا بني عقيل الذين منهم هذا الرجل، وكان ثقيف قد أسروا رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أخذه من أجل أن يفاديه بالرجلين، يعطيهم إياه من أجل أن يتركوا صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [قال: وكان ثقيف قد أسروا رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وقال فيما قال: وأنا مسلم، أو قال: وقد أسلمت] .
يعني: أن الرجل هذا كان كافراً فقال: أنا مسلم، يعني: أنه أراد أن يخلى سبيله لأنه مسلم على ما يقول، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو قلتها وأنت تملك أمرك) يعني: قبل أن يقبض عليك وقبل أن تمسك وقبل أن يشد وثاقك وقبل أن تؤسر: (أفلحت كل الفلاح) ؛ لأنك قلت ذلك برغبة وصدق، وهنا يمكن أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك لأنه علم بوحي أن إسلامه كان تقية، أو أنه لم يكن صادقاً في إسلامه وإنما هو لأجل الأسر.
قوله: [فلما مضى النبي صلى الله عليه وسلم -قال أبو داود: فهمت هذا من محمد بن عيسى - ناداه: يا محمد! يا محمد! قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً، فرجع إليه فقال: (ما شأنك فقال: إني مسلم، قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح) قال أبو داود: ثم رجعت إلى حديث سليمان] .
يعني: أن أبا داود فهم من محمد بن عيسى -وهو أحد الشيخين اللذين هما: سليمان بن حرب ومحمد بن عيسى الطباع - هذا الكلام الذي ذكره، ثم قال: رجعت إلى حديث سليمان، يعني: إلى سياقه.
قوله: [قال: يا محمد! إني جائع فأطعمني إني ظمآن فاسقني، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذه حاجتك أو قال: هذه حاجته) ] .
يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إليه وكان رفيقاً رحيماً فقال: (هذه حاجتك) ، ويمكن أن يكون غير صادق في هذه أيضاً؛ وإنما يريد أن يأتي إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل أن يحاول معه لأن يخلصوه مما هو فيه، ويحتمل أنه صادق في ذلك فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذه حاجتك) يعني: أنها سهلة.
قال الخطابي: لم يخلّه النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك لكنه رده إلى دار الكفر، فيتأول على أنه قد كان أطلعه الله على كذبه وأعلمه أنه تكلم به على التقية دون الإخلاص، ألا تراه يقول: (هذه حاجتك) حين قال: إني جائع فأطعمني وإني ظمآن فاسقني؟ وليس هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولعل المقصود هنا بقوله: (هذه حاجتك) كأنه -والله أعلم- يريد أن يرجع إليه من أجل محاولة إطلاق سراحه؛ لأنه لو كان مقصوده هذا لقال في الحال لما كلمه الرسول: إني جائع وإني عطشان، لكنه قاله بعد أن لم يجبه الرسول إلى ما طلب ثم لما ولى عنه جعل يناديه.
فإما أن يكون المقصود الإنكار عليه وأن هذا غير صحيح، وأنه كان من أجل أنه محاولة معه، أو من أجل أن هذه الحاجة أمرها سهل، فإما هذا وإما هذا.
قوله: [ففودي الرجل بعد بالرجلين] .
وهذا هو المقصود من أسره، أي: أنه دفع فداءً بأن يكون أولئك الذين حالفوا بني عقيل يدفعون الرجلين اللذين هما من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا الرجل يدفع لهم.
قوله: [وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لرحله، قال: فأغار المشركون على سرح المدينة فذهبوا بالعضباء، قال: فلما ذهبوا بها وأسروا امرأة من المسلمين، قال: فكانوا إذا كان الليل يريحون إبلهم في أفنيتهم، قال: فنوموا ليلة وقامت المرأة فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا رغا حتى أتت على العضباء، قال: فأتت على ناقة ذلول مجرسة] .
ذكر أن المشركين أغاروا على سرح المدينة، والسرح: هي الإبل التي يذهب بها للرعي في الصباح وتأتي في المساء، وقد جاء عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يتناوبون رعاية الإبل، كما جاء في حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه في صحيح مسلم قال: (كنا نتناوب رعاية الإبل) يعني: أنهم كانوا يجمعون إبلهم وبدلاً من أن يسرح كل واحد بإبله وهي قليلة يسرح كل يوم واحد بهذه المجموعة والباقون جالسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذون عنه، فأغار المشركون على سرح المدينة وأخذوا العضباء وأخذوا امرأة، فكانوا في الليل يريحون إبلهم في أفنيتهم حولهم ومعهم تلك المرأة ومعهم العضباء، فنوموا ليلة، أي: ألقى الله عليهم النوم جميعاً إلا هذه المرأة، فجعلت المرأة تأتي إلى الإبل تلمسها، فكانت الإبل ترغو سوى هذه العضباء، أي: أنها كانت إذا لمست تلك الإبل وقربت منها رغت فتتركها، حتى جاءت إلى العضباء فلم يحصل منها هذا الشيء, وكانت ذلولاً مجرسة، يعني: أنها كانت ناقة عندها سهولة واستجابة وليست صعبة، وهذه صفات مدح لها، فلم يحصل منها أنها رغت كما رغا غيرها، فركبتها ونذرت إن نجاها الله عز وجل أن تنحرها، وهذا هو محل الشاهد من الترجمة في نذر ما لا يملك؛ لأنها نذرت أن تنحر هذه الناقة التي لا تملكها.
وهذا يدل على أن المرأة عند الضرورة لها أن تسافر بدون محرم، والضرورة مثل التخلص من الأسر، أو أن يعتدي عليها أحد أو يحاول الاعتداء عليها، فإذا هربت وشردت وحدها فإن ذلك جائز، وإنما المحظور والممنوع هو أن تسافر المرأة بدون محرم في غير الضرورة، وإلا فالضرورة تبيح أن تسافر المرأة من دون محرم وهذه القصة من أمثلة ذلك.
فنذرت أن تنحرها إن نجاها الله عز وجل من هؤلاء، وقد نجاها الله عز وجل، قال: (فركبتها ثم جعلت لله عليها إن نجاها الله لتنحرنها، قال: فلما قدمت المدينة عرفت الناقة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأرسل إليها فجيء بها، وأخبر بنذرها فقال: بئس ما جزيتيها) يعني: بئس كونها تجازيها بأن نجاها الله عز وجل عليها ثم تنحرها، والمقصود من ذلك: حصول النذر وإلا فإن التنفيذ ليس لها ذلك؛ لأنها لا تملكها، ولكن كونها تفعل ذلك وتنذر إن نجاها الله عز وجل أنها تفعل كذا هذا ليس بجميل.
قوله: [فقال: (بئس ما جزيتيها أو جزتها؛ إن الله أنجاها عليها لتنحرنها! لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) ] .
يعني: لا ينذر الإنسان في معصية الله؛ لأن الوفاء محرم والنذر محرم، فإذا وجد النذر فلا يجوز الوفاء به؛ لأن الوفاء محرم فلا يجوز الإقدام على أمر محرم، لكن تقدم أ



تراجم رجال إسناد حديث: (كانت العضباء لرجل من بني عقيل وكانت من سوابق الحاج)
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب] .
سليمان بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومحمد بن عيسى] .
هو محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[قالا: حدثنا حماد] .
هو ابن زيد، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة وإذا روى سليمان بن حرب عن حماد وهو مهمل غير منسوب فهو حماد بن زيد.
[عن أيوب] .
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة] .
أبو قلابة مر ذكره.
[عن أبي المهلب] .
هو أبو المهلب الجرمي عم أبي قلابة، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عمران بن حصين] .
عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما أبو نجيد صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #652  
قديم 28-06-2025, 06:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



من نذر أن يتصدق بماله



شرح حديث كعب بن مالك: (قلت: يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن نذر أن يتصدق بماله.
حدثنا سليمان بن داود وابن السرح قالا: حدثنا ابن وهب أخبرني يونس قال: قال ابن شهاب: فأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب وكان قائد كعب من بنيه حين عمي عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، قال: فقلت: إني أمسك سهمي الذي بخيبر) ] .
قوله: [باب فيمن نذر أن يتصدق بماله] أي: بماله كله، هل يفي بذلك أو لا يفي؟ والترجمة جاءت في النذر، والمصنف أتى بحديث كعب بن مالك في قصة توبة الله عليه، والنذر ليس فيها واضحاً، وإنما فيها أنه أراد أن يتصدق بماله وأن يجعل ماله صدقة لله عز وجل، وليس فيه إشارة إلى النذر وأنه قال: لله علي أن أفعل كذا وكذا، وإنما فيه أن من شكر الله عز وجل على النعمة أن يفعل كذا وكذا، والرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك) لا أن تخرج من مالك كله وإنما تصدق وأبقِ، فقال: (إني أمسك سهمي الذي في خيبر) .



تراجم رجال إسناد حديث كعب بن مالك: (قلت: يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود] .
هو سليمان بن داود المصري، وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
[وابن السرح] .
هو أحمد بن عمرو بن السرح، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[قالا: حدثنا ابن وهب] .
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يونس] .
يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: قال ابن شهاب] .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[فأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك] .
عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[أن عبد الله بن كعب] .
عبد الله بن كعب ثقة، وقيل: له رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن كعب بن مالك] .
كعب بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد الثلاثة الذين خلفوا وتاب الله عليهم وأنزل الله تعالى فيهم قرآناً يتلى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:118 - 119] يعني: أن الله عز وجل نجاه وتاب عليه بالصدق؛ ولهذا أمر الله المؤمنين أن يكونوا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الصدق.



حكم الصدقة بجميع المال
من نذر أن يتصدق بماله كله فإنه يتصدق به، ومن أهل العلم من قال: إنه يتصدق بالثلث فقط، هذا إذا كان قد نذر، أما إذا عرض أو وعد أو إخبار أو سؤال أو استفتاء أو ما إلى ذلك فله أن يتصرف فيه كما يريد.
وبعض أهل العلم قال: إن هذا يرجع إلى أحوال الناس؛ فمن الناس من إذا تصدق بماله كله يسهل عليه كـ أبي بكر رضي الله عنه، ومن الناس من يشق عليه ذلك، ولا يكون عنده الصبر واليقين الذي يكون عند غيره.



شرح حديث كعب بن مالك من طريق أخرى وتراجم رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين تيب عليه: (إني أنخلع من مالي) فذكر نحوه إلى: (خير لك) ] .
هذه طريق أخرى لحديث كعب بن مالك المتقدم.
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] .
هو أحمد بن صالح المصري، هو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبد الله بن كعب عن أبيه] .
هؤلاء قد مر ذكرهم.



شرح حديث: (إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثني عبيد الله بن عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أو أبو لبابة رضي الله عنه أو من شاء الله: (إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي كله صدقة قال: يجزئ عنك الثلث) ] .
أورد أبو داود هذا الحديث عن كعب بن مالك أو عن أبي لبابة أو عن غيرهما، وأنه قال: (إن من توبتي أن أهجر داري التي أصبت فيه الذنب وأن أنخلع من مالي، فقال عليه الصلاة والسلام: يجزئ عنك الثلث) هذا فيه تعيين للمقدار الذي يبقيه الإنسان فيما إذا أراد أن يتصدق أو ينذر، وهذا كأنه بمثابة الاستفتاء أو الإخبار أنه سيفعل كذا وكذا، فالرسول قال له: افعل كذا، أو يكفيك كذا وكذا.



تراجم رجال إسناد حديث: (إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب)
قوله: [حدثني عبيد الله بن عمر] .
هو عبيد الله بن عمر القواريري، وهو ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا سفيان بن عيينة] .
هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه] .
هؤلاء قد مر ذكرهم.
وقوله: [أو أبو لبابة أو من شاء الله] .
أبو لبابة هو ابن عبد المنذر، وهو صحابي أنصاري أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة.



شرح حديث: (إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المتوكل حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرني معمر عن الزهري قال: أخبرني ابن كعب بن مالك قال: كان أبو لبابة رضي الله عنه فذكر معناه، والقصة لـ أبي لبابة] .
ذكر أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أبي لبابة، وذكر أن القصة لـ أبي لبابة، والقصة هي المذكورة الحديث السابق، وكان فيه شك هل هو كعب بن مالك أو أبو لبابة أو شخص آخر؟



تراجم رجال إسناد حديث: (إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا محمد بن المتوكل] .
محمد بن المتوكل صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا عبد الرزاق] .
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: أخبرني معمر] .
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري قال: أخبرني ابن كعب بن مالك] .
الزهري وابن كعب بن مالك قد مر ذكرهما.
[قال أبو داود: رواه يونس عن ابن شهاب عن بعض بني السائب بن أبي لبابة، ورواه الزبيدي عن الزهري عن حسين بن السائب بن أبي لبابة مثله] .
ذكر أبو داود طرقاً أخرى معلقة وهي مثل التي قبلها.
وقوله: [رواه يونس عن ابن شهاب عن بعض بني السائب بن أبي لبابة، ورواه الزبيدي] .
الزبيدي هو محمد بن الوليد الزبيدي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الزهري عن حسين بن السائب بن أبي لبابة] .
حسين بن السائب هنا هو الشخص الذي أبهم من بني السائب، وهو مقبول أخرج له أبو داود.



شرح حديث كعب: (يا رسول الله! إن من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي كله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى حدثنا حسن بن الربيع حدثنا ابن إدريس قال: قال ابن إسحاق: حدثني الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه عن جده رضي الله عنه في قصته قال: قلت: (يا رسول الله! إن من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي كله إلى الله وإلى رسوله صدقة، قال: لا، قلت: فنصفه؟ قال: لا، قلت: فثلثه؟ قال: نعم، قلت: فإني سأمسك سهمي من خيبر) ] .
وهذا فيه إشارة إلى المقدار الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه ثلث المال، فقال: إنه سيمسك سهمه من خيبر.



تراجم رجال إسناد حديث كعب: (يا رسول الله! إن من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي كله)
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى] .
هو محمد بن يحيى الذهلي، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا الحسن بن الربيع] .
الحسن بن الربيع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن إدريس] .
هو عبد الله بن إدريس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: قال ابن إسحاق] .
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه عن جده] .
الزهري وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب قد مر ذكرهما.



من نذر نذراً لا يطيقه



شرح حديث: (من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين …)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من نذر نذراً لا يطيقه.
حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي عن ابن أبي فديك قال: حدثني طلحة بن يحيى الأنصاري عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً أطاقه فليف به) ] .
قوله: [باب من نذر نذراً لا يطيقه] أي: أنه يكفر عنه كفارة يمين، وقد سبق أن النذور التي لا يمكن الوفاء بها لأنها معصية، أو لأنها ملك للغير، أو لأن الإنسان لا يطيق فعلها، فإن التخلص من ذلك يكون بإخراج كفارة يمين عن ذلك النذر.
وقد أورد حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين) كأن يقول: لله علي أن أقوم بتقديم شيء لله أو بعبادة لله، دون أن يسميها فكفارته كفارة يمين.
وقوله: (ومن نذر نذراً في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً أطاقه فليف به) يعني: ما دام أنه مطاق فإنه يأتي به.



تراجم رجال إسناد حديث: (من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين)
قوله: [حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي] .
جعفر بن مسافر التنيسي صدوق ربما أخطأ أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن ابن أبي فديك] .
هو إسماعيل بن مسلم، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثني طلحة بن يحيى الأنصاري] .
طلحة بن يحيى الأنصاري صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند] .
عبد الله بن سعيد بن أبي هند صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكير بن عبد الله بن الأشج] .
هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن كريب] .
هو كريب مولى ابن عباس، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
هو عبد الله بن عباس، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود: روى هذا الحديث وكيع وغيره عن عبد الله بن سعيد بن أبي الهند أوقفوه على ابن عباس] .
يعني: أنه جاء مرفوعاً وجاء موقوفاً.
قوله: [روى هذا الحديث وكيع] .
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وغيره عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند] .
عبد الله بن سعيد بن أبي هند تقدم ذكره.



من نذر نذراً لم يسمه



شرح حديث: (كفارة النذر كفارة اليمين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من نذر نذراً لم يسمه.
حدثنا هارون بن عباد الأزدي حدثنا أبو بكر -يعني ابن عياش - عن محمد مولى المغيرة قال: حدثني كعب بن علقمة عن أبي الخير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفارة النذر كفارة اليمين) ] .
قوله: [باب من نذر نذراً لم يسمه] أي: فماذا يصنع؟
و الجواب أنه يكفر كفارة يمين، ولهذا أورد أبو داود حديث عقبة بن عامر الذي فيه (كفارة النذر كفارة اليمين) ، وهو لفظ عام، فهذا نذر فتكون كفارته كفارة يمين.



تراجم رجال إسناد حديث: (كفارة النذر كفارة اليمين)
قوله: [حدثنا هارون بن عباد الأزدي] .
هارون بن عباد الأزدي مقبول أخرج له أبو داود.
[حدثنا أبو بكر يعني ابن عياش] .
أبو بكر بن عياش ثقة أخرج له البخاري ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[عن محمد مولى المغيرة] .
محمد مولى المغيرة مجهول الحال، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[قال: حدثني كعب بن علقمة] .
كعب بن علقمة صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن أبي الخير] .
هو أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عقبة بن عامر] .
عقبة بن عامر رضي الله عنه صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث الذي هو: (كفارة النذر كفارة اليمين) أخرجه مسلم.
[قال أبو داود: ورواه عمرو بن الحارث عن كعب بن علقمة عن ابن شماسة عن عقبة] .
قوله: [ورواه عمرو بن الحارث] .
هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن كعب بن علقمة] .
كعب بن علقمة صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن ابن شماسة] .
هو عبد الرحمن بن شماسة، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.



شرح حديث: (كفارة النذر كفارة اليمين) من طريق أخرى وتراجم رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عوف أن سعيد بن الحكم حدثهم أخبرنا يحيى -يعني ابن أيوب - حدثني كعب بن علقمة أنه سمع ابن شماسة عن أبي الخير عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله] .
قوله: [حدثنا محمد بن عوف] .
هو محمد بن عوف الطائي، وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي.
[أن سعيد بن الحكم حدثهم] .
هو سعيد بن الحكم المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا يحيى يعني ابن أيوب] .
يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني كعب بن علقمة أنه سمع ابن شماسة عن أبي الخير عن عقبة بن عامر] .
هؤلاء تقدم ذكرهم.



من نذر في الجاهلية ثم أدرك الإسلام



شرح حديث عمر: (يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من نذر في الجاهلية ثم أدرك الإسلام.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبيد الله حدثني نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام ليلة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك) ] .
قوله: [باب من نذر في الجاهلية ثم أدرك الإسلام] ، أي: أنه يفي بنذره في الإسلام، وقد أورد في ذلك حديث عمر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك) فدل هذا على أن الكافر في حال كفره إذا نذر قربة وطاعة ثم دخل في الإسلام فإنه يفي بها، وكثير من أهل العلم قالوا: إنه لا ينعقد نذره، ولكن كون الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بالوفاء يدل على أن الوفاء به متعين وأنه لازم.



تراجم رجال إسناد حديث عمر: (يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الإمام المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب الإسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى] .
هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله] .
هو ابن عمر بن حفص العمري المصغر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثني نافع] .
هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #653  
قديم 28-06-2025, 06:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [383]
الحلقة (415)



شرح سنن أبي داود [383]
معرفة أحكام البيع والشراء والإجارة من أعظم المهمات، فينبغي للمسلم أن يتعلمها؛ لأن الإنسان لا يخلو من البيع والشراء، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة التي تبين شروط صحة البيع والإجارة وأحكامهما وما يباح منهما وما يحرم، إلا ما كان مشتبهاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن الوقوع في الشبهات عموماً؛ حتى وإن كان حل المشتبه أقرب من تحريمه، فالاحتياط والورع في تركه أولى.




التجارة يخالطها الحلف واللغو




شرح حديث: (يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أول كتاب البيوع.
باب في التجارة يخالطها الحلف واللغو.
حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه قال: (كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسمى السماسرة، فمر بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسمانا باسم هو أحسن منه فقال: يا معشر التجار! إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة) ] .
قوله: [كتاب البيوع والإجارات] البيوع: جمع بيع، والإجارات: جمع إجارة، وقد ذكرهما بالجمع باعتبار الأصناف والأنواع، والبيع: هو مبادلة المال، وهو: تمليك الأعيان بعوض على التأبيد، والإجارة: عقد على منفعة، فهي تمليك المنافع إلى الأجل المحدد.
والبيع من الأمور التي لابد منها للناس؛ لأن الإنسان تتعلق حاجته بما عند غيره، وغيره لا يبذله له بدون مقابل، فكان السبيل إلى الوصول إلى الذي يريده الإنسان عن طريق البيع، فيدفع الثمن ويأخذ السلعة، فيكون البائع محتاجاً إلى الثمن، والمشتري محتاجاً إلى السلعة، فيدفع هذا ما عنده لهذا، ويدفع هذا ما عنده لهذا.
والإجارة تتعلق بالمنافع لا بالأعيان؛ لأن العين باقية، ونفعها هو الذي يملك ويعقد عليه، مثل استئجار الدار، فيستأجر منفعة الدار وهي أن يسكن فيها، فإذا باع المالك العين صار بيعاً، وخرجت العين من ملكه عن طريق أخذ ثمن عليها، وإن أبقى العين في ملكه ولكنه أخرج منفعتها عن ملكه، وأخذ مقابل ذلك شيئاً، فهذه إجارة، وهي: عقد على منفعة مباحة معلومة من عين معينة أو موصوفة في الذمة مدة معلومة بثمن معلوم، فلابد من تحديد المدة، ولابد من تحديد الأجرة، وإلا حصل الجهل والغرر والاختلاف بين الناس.
والإجارة مجمع على مشروعيتها مثل البيع، ولم يخالف في ذلك إلا من شذ ممن لا يعتبر خلافه، وكما أن الناس محتاجون إلى ما عند غيرهم من الأعيان، فكذلك أيضاً في الإجارة هم محتاجون إلى ما عند غيرهم من المنافع، ولن تحصل لهم هذه المنافع بلا مقابل؛ فشرعت الإجارة ليحصل صاحب العين مبلغاً من النقود في مقابل منفعة عينه التي يخرجها من ملكه مدة معلومة، والإنسان الذي بيده نقود وهو بحاجة إلى منفعة كسكنى دار، قد لا يستطيع أن يشتري داراً، ولكنه يستطيع أن يدفع أجرة لسكنى الدار؛ فيدفع في مقابل هذه المنفعة، والناس لا يستغنون عن ذلك، والذي نقل عنه القول بعدم جواز الإجارة ابن علية وأبو بكر بن كيسان الأصم، وابن علية هذا هو إبراهيم بن إسماعيل بن علية، وأبوه إسماعيل بن علية إمام مشهور، ومحدث كبير، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وابنه إبراهيم هو الذي عنده شذوذ في بعض المسائل، ومنها مسألة الإجارة، وأبو بكر بن كيسان الأصم معتزلي، وابن علية هذا قال عنه الذهبي في الميزان: جهمي هالك، فهما من المبتدعة، هذا من الجهمية، وهذا من المعتزلة، وهما اللذان خالفا في جواز الإجارة، وهذا خلاف ما عليه الإجماع، وخلاف المعقول؛ لأن الناس لابد لهم من المنافع، وهي لا تحصل لهم بالمجان، فلابد إذاً من الإجارة.
قوله: [باب في التجارة يخالطها الحلف واللغو] وهو الكلام الذي فيه ترغيب في السلعة وترويج لها، وقد يكون منه ما هو كذب، وقد يكون منه ما هو لغو لا حاجة إليه، فكيف تحصل السلامة من مغبة هذا الذي يحصل في التجارة من اللغو والحلف؟ أورد أبو داود حديث قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه قال: (كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسمى السماسرة) يعني: كان الذين يشتغلون في البيع والشراء يقال لهم: السماسرة، وهذا لفظ أعجمي، فإن العجم هم الذين غلب عليهم التجارة والعمل، وكان يقال لهم: سماسرة، قال: (وإن النبي صلى الله عليه وسلم سمانا باسم هو أحسن منه، فقال: يا معشر التجار!) ، يعني: فسماهم تجاراً بدل السماسرة، والسمسار: يطلق على من يكون واسطة في البيع بين البائع والمشتري، ويأخذ في مقابل وساطته شيئاً، فيقال له: سمسار؛ لأنه متوسط بين البائع والمشتري.
قوله: [(إن البيع يحضره اللغو والحلف)] أي: يحصل فيه الحلف، فالإنسان يحلف من أجل البيع والشراء، فإذا كان صادقاً فهو غير آثم، وإن كان كاذباً فهو آثم، ولا يحتاج الأمر إلى أن يحلف، بل يخبر بالسلعة كما هي، ويخبر عنها بما يعلمه فيها دون أن يحلف، ولا يجعل الله وسيلة إلى أنه لا يتحدث إلا حالفاً، بل يعرض سلعته ويبين ما فيها دون أن يحلف، وإن حلف بكذب فإنه يأثم بذلك.
قوله: [(فشوبوها بالصدقة)] .
يعني: أخرجوا صدقة تكفر هذا الأمر الذي قد يخالط البيع من كون الإنسان يتكلم بكلام لا حاجة إليه، أو يحلف على السلعة، لكن إذا كان كاذباً فإنه يأثم لكذبه، وإذا تاب تاب الله عليه، والصدقة فيها سلامة من هذا اللغو الذي قد يحصل من الإنسان عند بيعه وشرائه، فتكون صدقته كالكفارة لما يحصل من حلف أو كلام لا حاجة إليه في ترويج السلعة وتنفيقها.
وقد استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أن زكاة العروض غير واجبة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن تشاب التجارة بالصدقة، ولو كان هناك شيء في التجارة واجب لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأكثر أهل العلم على القول بوجوب الزكاة في عروض التجارة؛ بل عروض التجارة هي أغلب ما يحصل منه من الفوائد، وأكثر ما تحصل الزكاة عن طريقها، وقد استدل أهل العلم على زكاة العروض بالآيات والأحاديث العامة فيما يتعلق بالزكاة، لاسيما وغالب المكاسب والأعمال تكون في التجارة، فإذا لم يكن في التجارة زكاة فمعناه أن قسماً كبيراً مما يصرف للفقراء من الأغنياء سينقطع، وقد اتفق على وجوب زكاة عروض التجارة الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، والأئمة الأربعة هم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، والفقهاء السبعة هم فقهاء المدينة السبعة الذين يأتي ذكرهم كثيراً عند ذكر الرجال، وهم فقهاء جمعوا بين الفقه والحديث، وكانوا في زمن متقارب وفي عصر واحد فقيل لهم: الفقهاء السبعة، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، والسابع منهم فيه خلاف، فقيل: هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
فهذه المسألة -وهي مسألة الزكاة في عرض التجارة- من المسائل التي اتفق عليها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، وقد اشتهر الخلاف في ذلك عن أهل الظاهر، فهم الذين قالوا: لا تجب فيها الزكاة، وكذلك وافقهم جماعة من أهل العلم قليلون جداً، وبعض أهل العلم حكى الإجماع على وجوب زكاة عروض التجارة.




تراجم رجال إسناد حديث: (يا معشر التجار! إن البيع يحضره اللغو والحلف)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو معاوية] .
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش] هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي وائل] .
هو شقيق بن سلمة، وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قيس بن أبي غرزة] .
قيس بن أبي غرزة صحابي، أخرج له أصحاب السنن.




شرح حديث: (يا معشر التجار! إن البيع يحضره اللغو) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسين بن عيسى البسطامي وحامد بن يحيى وعبد الله بن محمد الزهري قالوا: حدثنا سفيان عن جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين وعاصم عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة رضي الله عنه بمعناه، قال: (يحضره الكذب والحلف) ، وقال عبد الله الزهري: (اللغو والكذب) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الحديث السابق.




تراجم رجال إسناد حديث: (يا معشر التجار! إن البيع يحضره اللغو) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا الحسين بن عيسى البسطامي] .
الحسين بن عيسى البسطامي صدوق، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[وحامد بن يحيى] .
حامد بن يحيى ثقة، أخرج له أبو داود.
[وعبد الله بن محمد الزهري] .
عبد الله بن محمد الزهري صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا سفيان] .
هو سفيان بن عيينة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جامع بن أبي راشد] .
جامع بن أبي راشد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعبد الملك بن أعين] .
عبد الملك بن أعين صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وعاصم] .
هو عاصم بن بهدلة ابن أبي النجود، وهو صدوق له أوهام، أخرج له أصحاب الكتب الستة والبخاري ومسلم أخرجا له مقروناً.
[عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة] .
مر ذكرهما.




استخراج المعادن




شرح حديث: (أن رجلاً لزم غريماً له بعشرة دنانير)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في استخراج المعادن.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد - عن عمرو -يعني ابن أبي عمرو - عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رجلاً لزم غريماً له بعشرة دنانير، فقال: والله لا أفارقك حتى تقضيني أو تأتيني بحميل، فتحمل بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتاه بقدر ما وعده، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من أين أصبت هذا الذهب؟ قال: من معدن، قال: لا حاجة لنا فيها، وليس فيها خير، فقضاها عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ] .
قوله: [باب في استخراج المعادن] ذكر استخراج المعادن في كتاب البيوع لأن المعادن إما أن تكون ذهباً وفضة فتكون أثمان السلع، وإما أن تكون من الأشياء الأخرى فتكون من السلع التي يحتاج إليها الناس، فهي مصدر من المصادر التي يحصل بها الذهب والفضة وكل أنواع المعادن من حديد أو غير ذلك.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس (أن رجلاً لزم غريماً له بعشرة دنانير) ، أي: لم يسهل أمره، ولم يتركه حتى يأتي بحقه متى شاء، وإنما تابعه ولازمه ليحصل على حقه، وقال: إنني لا أتركك حتى تأتيني بحميل، أي: ضامن يضمن حقي، وإذا لم توفني فإنه يقوم بالوفاء بدلاً عنك، فالنبي صلى الله عليه وسلم صار حميلاً له، أي: ضمن له حقه.
قوله: [(فتحمل بها النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه بقدر ما وعده)] .
أي: بقدر ما وعده من ذهب.
قوله: [فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (من أين أصبت هذا الذهب؟ قال: من معدن، قال: لا حاجة لنا فيها، وليس فيها خير) ] ، قال بعض أهل العلم: إن المنع لم يكن من أجل أنها معدن، وإنما من أجل أمور أخرى، قيل: إنه لم يعطه ذهباً، وإنما أعطاه ذهباً مخلوطاً بترابه، ولم يكن متميزاً، ومعلوم أنه اتفق معه على دنانير، والدنانير معروفة المقدار والوزن، ولم تكن مخلوطة بالتراب، فهو لم يأت بالشيء الذي يكون مطابقاً لحقه حتى يكون موفياً له، وإنما أعطاه ذهباً مع ترابه، فهو ذهب غير معروف المقدار، وليس مساوياً لما يطالبه به، وهو عشرة دنانير، وليس المقصود من المنع كونه من معدن؛ لأن الذهب مثل غيره من المعادن أودعها الله في الأرض.
قوله: [(فقضاها عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم)] .
أي: قضى العشرة الدنانير التي كانت على ذلك الغريم، والنبي عليه الصلاة والسلام ضمن له، وأعطى لصاحب الحق حقه عندما رآه ملازماً لغريمه.




تراجم رجال إسناد حديث: (أن رجلاً لزم غريماً له بعشرة دنانير)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي] .
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد] .
عبد العزيز بن محمد الدراوردي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو يعني ابن أبي عمرو] .
عمرو بن أبي عمرو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة] .
هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




اجتناب الشبهات




شرح حديث: (إن الحلال بين وإن الحرام بين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في اجتناب الشبهات.
حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا أبو شهاب حدثنا ابن عون عن الشعبي قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما ولا أسمع أحداً بعده يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات -وأحياناً مشتبهة- وسأضرب لكم في ذلك مثلاً: إن الله حَمى حِمى، وإن حِمى الله ما حرم، وإنه من يرع حول الحِمى يوشك أن يخالطه، وإنه من يخالط الريبة يوشك أن يجسر) ] .
قوله: [باب في اجتناب الشبهات] المقصود بالشبهات: الأشياء التي لم يتبين حلها من حرمتها، فليست من الحلال البين، ولا من الحرام البين، وإنما هي مشتبهة لا يدرى هل هي حلال أو حرام، هذه هي المشتبهات.
إذاً: تنقسم الأشياء إلى ثلاثة أقسام: منها ما هو حلال بين، ومنها ما هو حرام بين، ومنها ما لم يعرف حرمته ولا حله وإنما هو مشتبه، وقد يشتبه على بعض الناس، ويتضح حكمه لبعض الناس، ولهذا قال: (لا يعلمهن كثير من الناس) ، ومعناه أن بعض الناس قد يعلم أن هذا المشتبه من الحرام البين أو من الحلال البين، ومن عرف أن هذا المشتبه من الحرام البين فإنه يجتنبه لزوماً، ومن عرف أنه من الحلال البين فله أن يفعله، والاحتياط والورع في تركه؛ لأنه قد يكون حراماً، ففي تركه السلامة المحققة، وإذا فعله مع عدم جزمه بحله، ومع احتمال الحرمة؛ فإنه يكون في نفسه منه شيء، فالطريقة المثلى التي بينها رسول الله عليه الصلاة والسلام هي أن يترك المشتبه حتى لا يعرض الإنسان نفسه لأن يكون قد فعل أمراً محرماً.
قوله: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، وأحياناً يقول: مشتبهة) يعني: أحياناً يقول: مشتبهة، وأحياناً يقول: مشتبهات.
قوله: (وسأضرب لكم في ذلك مثلاً، إن الله حَمى حِمى، وإن حِمى الله ما حرم، وإنه من يرع حول الحمى يوشك أن يخالطه، وإنه من يخالط الريبة يوشك أن يجسر) .
ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً مشاهداً معايناً لكون الشيء يكون حلالاً بيناً وحراماً بيناً ومشتبهاً لا يدرى هل هو حلال أم حرام، وهو أن هناك حِمى قد منع من الوصول إليه، فالإنسان الذي يبتعد عن الحمى يسلم، ومن حام حول الحمى فقد يدخل في الحمى لأنه قريب منه فيقع فيه، وهذا من ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمثال حتى يتضح المعقول بالمحسوس، فإن المكان إذا كان محمياً لا يسمح لأحد أن يرعى غنمه فيه، فإن كان بعيداً منه فإنه قد سلم؛ لأن الغنم ليست قريبة منه فتقع فيه، ومن رعى حوله فيمكن أن تنطلق الغنم وتصل إلى مكان المنع، فكذلك الذي يقدم على المشتبهات ويفعلها فإنه قد يكون ذلك المشتبه حراماً فيقع فيه، ولكن السلامة في تركه والاستبراء للعرض وللدين، كما جاء في بعض روايات الحديث: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) استبرأ لدينه لكونه لم يقع في أمر محرم، ولعرضه حتى لا يلام ويقال: إنه فعل كذا وفعل كذا.
قوله: (وإنه من يرع حول الحمى يوشك أن يخالطه، وإنه من يخالط الريبة يوشك أن يجسر) .
من يخالط الريبة يمكن أن يقع في المحرم، كما أن الراعي الذي يحوم حول الحمى يمكن أن تقع غنمه في الحمى، فيكون قد وقع في أمر محذور وأمر ممنوع منه.
والحديث ورد بأطول من هذا في الصحيحين، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) ، وهذا الحديث جاء في الصحيحين بألفاظ مختلفة، وأورده النووي في الأربعين النووية؛ لأنه من الأحاديث الجامعة، فهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #654  
قديم 28-06-2025, 06:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



تراجم رجال إسناد حديث: (إن الحلال بين وإن الحرام بين)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس] .
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو شهاب] .
هو عبد ربه بن نافع، وهو صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا ابن عون] .
هو عبد الله بن عون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي] .
هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت النعمان بن بشير] .
النعمان بن بشير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار الصحابة، وقد توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات، وقد جاء عنه التصريح بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الحديث، ففي الصحيحين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين) ، وكان عمره ثمان سنوات لما توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا مما يستدل به العلماء على تحمل الصغير في حال صغره وروايته في حال كبره، فتكون روايته معتبرة؛ لأن العبرة بحال الأداء، ومثله الكافر إذا تحمل في حال كفره وأدى في حال إسلامه، فإن روايته معتبرة، فهو يحكي عن شيء حصل في حال الكفر ثم يؤديه في حال الإسلام.




شرح حديث: (إن الحلال بين وإن الحرام بين) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى عن زكريا عن عامر الشعبي قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول بهذا الحديث، قال: (وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ دينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن النعمان بن بشير، وفيه التصريح بسماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس)] .
وهذا فيه أن هذا المشتبه الذي لا يدرى هل هو من الحلال البين أو من الحرام البين بعض الناس يعلمه، لكن كثير من الناس تخفى عليهم أحكامها، ولا يهتدي إليها كل أحد.
قوله: [(فمن اتقى الشبهات استبرأ عرضه ودينه)] .
يعني: من ترك الأمور المشتبهة سلم من أن يعرض دينه لشيء من النقص بأن يفعل أمراً محرماً، وصان عرضه عن أن يتكلم فيه بأن يقال: فلان فعل كذا، وفلان ما عنده ورع، هذا هو معنى (استبرأ لعرضه) ومثله حديث: (مطل الغني ظلم، يحل عرضه وعقوبته) يعني: كون الإنسان عنده حق ثم هو يماطل صاحبه فهو ظلم لصاحب الحق، وهذا المطل يحل عرضه بأن يتكلم فيه صاحب الحق فيقول: منعني حقي، عمل معي كذا وكذا، وعقوبته أي: حبسه إذا كان قادراً على السداد والوفاء ولكنه مماطل.
قوله: [(فمن اتقى الشبهات استبرأ عرضه ودينه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)] .
لأن الأمر إذا كان مشتبهاً ليس واضحاً أنه حلال، فلعله يكون حراماً، فإذا وقع فيه الإنسان فقد وقع في الأمر المحرم، فالاحتياط هو ترك الشبهات، وليس كل من وقع في الشبهات يقع في الحرام، فقد تكون الشبهة حلالاً فلا يقع فيه، لكن من استمرأ أن يأتي الأمور المشتبهة فقد يكون شيء منها حراماً.




تراجم رجال إسناد حديث: (إن الحلال بين وإن الحرام بين) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي] .
إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عيسى] .
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زكريا] .
هو زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي سمعت النعمان بن بشير] .
مر ذكرهما.




اللحوم المستوردة من المشتبهات
من المشتبهات -مثلاً:- اللحوم المستوردة إذا لم يعرف طريقة ذبحها، أما إذا عرفت طريقة ذبحها، وأنها تذبح ذبحاً شرعياً، فهي حلال، لكن إذا جاءت من بلد لا تعرف طريقتهم في الذبح، وقد يذبحون ذبحاً شرعي أو غير شرعي، فهذا الأمر مشتبه.
والأولى أن الإنسان يأخذ لحماً مذبوحاً في البلد يطمئن لذبحه، فهذا أولى من أن يأكل لحماً فيه اشتباه، وأيضاً الشراء من المنتجين في البلد أولى من الشراء من الخارج، وإن كان الشراء منهم جائزاً مثل جواز الزواج بالنصرانية وباليهودية، لكن أيهما أولى الزواج من مسلمة أو من كافرة؟ لاشك أن الزواج من المسلمة أولى، وإن كان الزواج من الكتابية جائزاً، لكن الحلال ليس كله على حد سواء، فهذا أولى من هذا، وكون الإنسان يتزوج بمسلمة أولى من أن يتزوج بكافرة من أهل الكتاب.




شرح حديث: (ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عيسى حدثنا هشيم أخبرنا عباد بن راشد قال: سمعت سعيد بن أبي خيرة يقول: حدثنا الحسن منذ أربعين سنة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، (ح) وحدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد عن داود -يعني ابن أبي هند - وهذا لفظه، عن سعيد بن أبي خيرة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من بخاره، قال ابن عيسى: أصابه من غباره) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من بخاره أو أصابه من غباره) يعني: أنه ما أحد يسلم أن يقع في شيء من الربا، لكن الحديث ضعيف؛ لأن فيه انقطاعاً بين الحسن وأبي هريرة، فهو لم يسمع منه، ولأن فيه أيضاً شخصاً مقبولاً لا يحتج به إلا عند المتابعة، لكن الانقطاع بين الحسن وأبي هريرة كافٍ في عدم ثبوته.




تراجم رجال إسناد حديث: (ليأتين على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى] .
هو محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا هشيم] .
هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عباد بن راشد] .
عباد بن راشد صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[سمعت سعيد بن أبي خيرة] .
سعيد بن أبي خيرة مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا الحسن] .
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
[(ح) وحدثنا وهب بن بقية] .
هو وهب بن بقية الواسطي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا خالد بن عبد الله] .
هو خالد بن عبد الله الواسطي الطحان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن داود يعني ابن أبي هند] .
داود بن أبي هند ثقة كان يهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، وهذا الحديث لفظ ابن أبي هند.
[عن سعيد بن أبي خيرة عن الحسن عن أبي هريرة] .
تقدم ذكرهم.




حكم أخذ الحوالات عن طريق البنوك الربوية
هذا الحديث لم يثبت، ولو ثبت فإن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم يقع، ولا يتخلف ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام، لكن الحديث غير ثابت، فلا يقال: إن الواقع أنه ما أحد يسلم من الربا، وأن له نصيباً من الربا، فالتعامل في المصارف يمكن للإنسان أن يكون مرابياً ويمكن أن يكون غير مراب؛ فكون الإنسان يأتي إليه مال عن طريق البنوك الربوية لا يقال: إنه حرام عليه، وإنه كالربا، بل للمسلم أن يعامل الكفار، ومعلوم أن الكفار يتعاملون بأمور محرمة، ونحن لا نسأل ونقول: من أين جاء هذا المال؟ وهل هو ثمن خمر أو ثمن خنزير؟ بل نأخذه ولا نسأل عنه، والأصل هو السلامة، فهذا من جنسه، بمعنى: أن كون الإنسان تأتيه حوالة عن طريق البنك الربوي، فإنه يأخذها، ولا يقال: إنه أخذ حراماً، وإنما الحرام كونه يأخذ الفائدة المحرمة مقابل الإيداع، هذا هو الربا، وأما أن تأتي لك حوالة عن طريق البنك، فلا يقال: إنك أكلت ربا أو أخذت ربا.




شرح حديث: (أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن إدريس أخبرنا عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي الحافر: أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأة، فجاء وجيء بالطعام فوضع يده، ثم وضع القوم فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلوك لقمة في فمه، ثم قال: أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها، فأرسلت المرأة قالت: يا رسول الله! إني أرسلت إلى البقيع يشترى لي شاة فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلي بها بثمنها فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها، فقال رسول الله صلى الله عليه آله وسلم: أطعميه الأسارى) ] .
أورد أبو داود حديث رجل من الأنصار مبهم، ومعلوم أن جهالة الصحابة لا تؤثر؛ لأنهم عدول ولا يحتاجون إلى تعديل من بعد ثناء الله عز وجل عليهم وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم، والجهالة في غيرهم تؤثر وتضر، وفيهم لا تضر ولا تؤثر، ولا يعني كونهم عدولاً أنهم معصومون، فإن العصمة ليست لأحد إلا للرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، ولكنهم عدول وخيار يعتمد على كلامهم، ويعول على ما جاء عنهم من الرواية، وكل راو من الرواة دون الصحابة لابد من معرفة حاله من الثقة والضعف وغير ذلك إلا الصحابة فإن المجهول فيهم في حكم المعلوم، ولهذا لا يؤثر إذا قيل: عن رجل من الأنصار، أو عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن رجل من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فإن ذلك كاف في عدالته وقبول خبره.
وقد ذكر هذا الصحابي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر يوصي الحافر الذي يحفر القبر أن أوسع من جهة رجليه، وأوسع من جهة رأسه، حتى يكون القبر واسعاً غير ضيق يضم الميت بعضه إلى بعض.
قوله: [(فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده)] .
أي: فلما رجع استقبله داعي امرأة تدعوه إلى طعام، فلما جاء ومد يده ومد الناس أيديهم تبعاً له صلى الله عليه وسلم جعل يلوك قطعة من اللحم في فمه ثم قال: (أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها) ، وهذا علمه الرسول صلى الله عليه وسلم بالوحي؛ لأنه لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله عز وجل عليه، وليس كل غيب يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي يعلم الغيب على الإطلاق هو الله سبحانه وتعالى، وقد جاء في كثير من الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب، مثل قصة العقد الذي فقدته عائشة في سفر، وجلسوا حتى الصباح في البحث عن العقد، ثم نفد الماء فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا وصلوا، ولما يئسوا من الحصول على العقد أثاروا الإبل للرحيل، وإذا العقد تحت الجمل الذي كانت تركب عليه عائشة، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب على الإطلاق لقال من أول وهلة: العقد تحت الجمل، لكنه ما عرف ذلك حتى ثار الجمل ووجد العقد تحته.
وكذلك عائشة رضي الله عنها لما رميت بالإفك ما كان يعلم عليه الصلاة والسلام بالحقيقة حتى تألم وتأثر، وأرسل عائشة إلى أهلها، وقال لها: (إن كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفريه) ، ولم يعلم براءتها إلا بعد أن نزلت آيات تتلى في سورة النور، فعند ذلك عرف أنها بريئة، وقبل ذلك مضت مدة طويلة وهو لا يعلم حقيقة الأمر، فلو كان يعلم الغيب مطلقاً لعلم براءتها من أول الأمر، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه يوم القيامة يذاد عن حوضه أناس من أصحابه، قال: (فأقول: أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) فحتى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم هو أيضاً لا يعلم بما فعل أصحابه من بعده؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قيل له: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) ، والمعنى: أن فيهم من ارتد، وهم الذين ارتدوا من أصحابه وقاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالجيوش المظفرة، حتى عاد الناس إلى ما كانوا عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحاصل: أن الله تعالى يطلع نبيه على ما شاء من غيبه، ولا يطلعه على كل الغيب، فالاطلاع على جميع الغيوب هو من خصائص الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا أمر الله نبيه أن يقول: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [الأنعام:50] ، وقال: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف:188] .
قوله: [(فأرسلت المرأة قالت: يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع يشترى لي شاة)] .
أخبرت المرأة بالذي حصل، وهو أنها أرسلت إلى البقيع -وهو المكان الذي تباع فيه الغنم- من يشتري لها شاة، فلم يجد، وكان أحد جيرانها قد اشترى شاة، فأرسلت إليه تطلب منه أن يعطيها الشاة بثمنها، فلم تجد صاحب الشاة الذي هو صاحب البيت، فطلبت من امرأته أن تعطيها إياها، فأعطتها الشاة بدون إذن زوجها، فأخذت الشاة بغير إذن صاحبها الذي هو صاحب البيت.
والشاهد من إيراد الحديث فيما يتعلق بالشبهات: هو ترك النبي صلى الله عليه وسلم لأكل هذه الشاة بعد أن علم أنها أخذت بغير إذن أهلها، فالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه تركوا الأكل منها، وقال: (أطعميه الأسارى) ولعل المقصود بذلك أسارى الكفار، فيطعم ذلك للكفار بدلاً من أن يتلف ولا يستفاد منه، وهذا يدل على أن المال الذي يكون بيد الإنسان وهو غير حلال يتخلص منه بطريقة مناسبة، ومثله ما يسمى بالفوائد الربوية، وهي في الحقيقة مضار، فمن وقع في يده شيء منها، ثم جاء يسأل: ماذا يصنع فيها؟ ف
الجواب أنه يصرف ذلك المال في أمور ممتهنة مثل تعبيد طرق أو بناء حمامات، أو ما إلى ذلك من الأشياء التي ليست في أمور شريفة، فيصرف المال في مثل ذلك للتخلص منه، كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم المرأة إلى التخلص من هذه الشاة بهذه الطريقة.




تراجم رجال إسناد حديث: (أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها)
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء] .
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن إدريس] .
هو عبد الله بن إدريس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عاصم بن كليب] .
عاصم بن كليب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
أبوه صدوق، أخرج له البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن.
[عن رجل من الأنصار] .
وهو صحابي مبهم كما تقدم.




آكل الربا وموكله




شرح حديث: (لعن رسول الله آكل الربا وموكله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في آكل الربا وموكله.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا سماك حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه قال (لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه) ] .
قوله: [باب في آكل الربا وموكله] أي: حكمه، وأنه ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد أورد المصنف هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه) آكل الربا هو الذي يأخذ الربا، وليس المقصود بذكر الأكل قصر الانتفاع على الأكل، بل الحكم واحد ولو استعمله في غير الأكل، كأن يشتري به لباساً أو سيارة أو بيتاً، ولكنه ذكر الأكل لأنه أغلب وجوه الانتفاع، وقد قال الله في القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10] ، فهو من هذا القبيل، ذكر الأكل لأنه أهم وجوه الانتفاع.
وموكله هو الذي دفعه؛ لأن المعاملة فيها آخذ ومعطي، فآكله هو الذي أخذه، وموكله هو الذي دفعه، وكاتبه هو الذي يكتب بين الآكل والموكل، والشهود هم الذين يشهدون على عقد الربا، فهؤلاء ملعونون أيضاً؛ لأن مساعدتهم والكتابة لهم والشهادة على أمر محرم من التعاون على الإثم والعدوان، وكلهم ملعونون على لسان رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.




تراجم رجال إسناد حديث: (لعن رسول الله آكل الربا وموكله)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير] .
هو زهير بن معاوية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سماك] .
هو سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود] .
عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
أبوه هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، الصحابي الجليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.





الأسئلة




حال حديث قبيصة: (إذا صليت الفجر فقل ثلاثاً: سبحان الله العظيم وبحمده تعافى من العمى والجذام والفالج)

السؤال حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا يزيد بن هارون عن الحسن عن أبي كريمة قال: حدثني رجل من أهل البصرة عن قبيصة بن المخارق رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا قبيصة! ما جاء بك؟! قلت: كبرت سني، ورق عظمي، فأتيتك لتعلمني ما ينفعني الله عز وجل به.
قال: يا قبيصة! ما مررت بحجر ولا شجر ولا مدر إلا استغفر لك، يا قبيصة! إذا صليت الفجر فقل ثلاثاً: سبحان الله العظيم وبحمده تعافى من العمى والجذام والفالج، يا قبيصة! قل: اللهم إني أسألك مما عندك، وأفض علي من فضلك، وانشر علي رحمتك، وأنزل علي من بركاتك) ما مدى صحة هذا الحديث؟

الجواب كونه يعافى من العمى والجذام والفالج بهذا الدعاء فيه نكارة، ثم الإسناد فيه رجل مبهم، فالظاهر عدم ثبوت هذا الحديث.
حال حديث: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
السؤال ما حال حديث: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) ؟

الجواب هذا من أحاديث الأربعين النووية، والذي أعلم أنه صحيح.
حكم الجمع بين الذهب والفضة في الزكاة
السؤال من ملك مقداراً من الذهب لم يبلغ النصاب، وكذلك مقداراً من الفضة لم يبلغ النصاب، فهل يضم النقدين؟
الجواب نعم، يضم بعضهما إلى بعض، وإذا كان مجموعهما نصاباً يزكي.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #655  
قديم 28-06-2025, 06:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [384]
الحلقة (416)



شرح سنن أبي داود [384]
لقد حرم الله تعالى الربا بكل أنواعه وصوره في كتابه وحرمه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، فينبغي على المؤمن تركه وعدم التعامل به، كما ينبغي عليه ترك الحلف في البيع والشراء، فإن الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة، وعليه أن يجتنب الدين ما استطاع إلا أن يكون عازماً على أدائه، فإن كان كذلك أدى الله تعالى عنه، وما كان في الجاهلية لا يبقى في الإسلام، إلا ما أقره الإسلام فإنه يبقى ثابتاً ومعتبراً.




وضع الربا




شرح حديث: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في وضع الربا.
حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا شبيب بن غرقدة عن سليمان بن عمرو عن أبيه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع يقول: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رءوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون، ألا وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع، وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب، كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل، قال: اللهم هل بلغت؟ قالوا: نعم ثلاث مرات، قال: اللهم اشهد.
ثلاث مرات) ] .
قوله: [باب في وضع الربا] أي: إبطال الربا الذي حصل في الجاهلية وأدركه الإسلام، وذلك أن ما كان موجوداً في الجاهلية من معاملات ومن أمور محرمة، فما انتهى الأمر فيها قبل أن يدخلوا في الإسلام لا يبحث عنه، ولا يرد منه شيء من هذا لهذا، فالذي مضى في الجاهلية مضى على ما هو عليه، ولكن ما أدركه الإسلام بمعنى أنه جاء الإسلام وهذا الربا موجود فإنه يبطل، ويكون للإنسان رأس ماله دون أن يأخذ الربا المحرم، وكذلك إذا كان هناك قتل في الجاهلية فإنه بمجيء الإسلام ينتهي الأمر، ولا يطالب بعد الإسلام بشيء حصل في الجاهلية، وكذلك إذا كان هناك أمور محرمة أخرى لا يبحث عنها، لكن إذا عرف أن هناك شيئاً لا يقره الإسلام مما كان موجوداً في الجاهلية، مثل نكاح أكثر من أربع، أو نكاح أختين أو ما إلى ذلك؛ فإن هذا لا يقره الإسلام، ولا يبقى في الإسلام، وما جاء الإسلام وأقره فإنه يكون ثابتاً ومعتبراً بحكم الإسلام، ومن المعاملات المباحة التي كانوا يتعاملون بها، وجاء الإسلام وأقرها: اعتبار الولي في النكاح، فإن هذا مما كان في الجاهلية وأقره الإسلام، كما جاء ذلك عن عائشة في الصحيح، ومثل المضاربة فقد كانت معمولاً بها في الجاهلية وجاء الإسلام وأقرها.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عمرو الأحوص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: (إن ربا الجاهلية موضوع) يعني: أنه ملغى ومبطل، وأن للناس رءوس أموالهم ويترك الربا، وإن كانت المعاملة الربوية انتهت في الجاهلية، وأخذ الربا في الجاهلية، فإنه لا يطلب منه أن يعيد الربا الذي أخذه في الجاهلية؛ لأن الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها، والإسلام يهدم ما كان قبله، ولكن يبطل ما أدركه الإسلام، فالإسلام يقر ما كان مشروعاً ومباحاً، ويمنع ويلغي ما كان محرماً وغير سائغ.
وكذلك القتل الذي حصل بينهم في الجاهلية لا يطالبون به في الإسلام، فلو أن رجلاً قتل آخر في الجاهلية ثم أسلم فلا يقام عليه الحد في الإسلام، فالإسلام يهدم ما كان قبله، ومن سرق أشياء في الجاهلية ثم أسلم فلا يجب عليه أن يردها.
والجاهلية هي ما كان قبل الإسلام، وقبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل أن يدخل الكفار الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام.
قال: (وأول دم أضع منها دم الحارث بن عبد المطلب) .
ثم إنه صلى الله عليه وسلم قال: (ألا هل بلغت؟) وكررها ثلاثاً وقال: (اللهم اشهد) وكررها ثلاثاً، وقد جاء ذلك أيضاً في حديث جابر رضي الله عنه في حجة الوداع.




تراجم رجال إسناد حديث: (ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو الأحوص] .
هو أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شبيب بن غرقدة] .
شبيب بن غرقدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن عمرو] .
سليمان بن عمرو مقبول، أخرج له أصحاب السنن.
[عن أبيه] .
أبوه صحابي، أخرج له أصحاب السنن.
والحديث في سنده مقبول إلا أنه جاء له شاهد صحيح، فهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.




كراهية اليمين في البيع




شرح حديث: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في كراهية اليمين في البيع.
حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب (ح) وحدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة عن يونس عن ابن شهاب قال: قال لي ابن المسيب: إن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة) ، قال ابن السرح: للكسب، وقال: عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم] .
قوله: [باب في كراهية اليمين في البيع] اليمين إذا كانت كاذبة فهي محرمة، وإذا كانت غير كاذبة فينبغي تركها، والإنسان يخبر بالشيء دون أن يحلف، ولا يجعل الله عرضة لليمين، وإنما يخبر بالشيء على ما هو عليه دون أن يحلف، ولكن إن حلف وكان صادقاً فإن ذلك لا يضره، وإن كان كاذباً في حلفه فإن ذلك يضره لكونه كذب، وإن ترتب شراء بسبب هذه اليمين الكاذبة فإن ذلك يكون سبباً في محق البركة من وراء هذا البيع أو من وراء هذا الشراء.
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة) ، وفي لفظ أحد شيخي أبي داود: (ممحقة للكسب) يعني: أن الحلف ينفق السلعة، ويروجها، ويجعل للمشتري فيها رغبة، وقد جاء في حديث السبعة الذين لا يكلمهم الله: (المنفق سلعته بالحلف الكاذب) ، أي: المروج بضاعته بالحلف الكاذب، فالحلف منفقة للسلعة، وفيه ترويج لها، وترغيب فيها، ولكنه ممحقة للبركة، فهو سبب في ذهاب البركة من هذه الأموال التي حصّلها بسبب بيع هذه السلعة التي نفقها بالحلف الكاذب.




تراجم رجال إسناد حديث: (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة)
قوله: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح] .
هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن وهب] .
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا أحمد بن صالح] .
أحمد بن صالح مصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عنبسة] .
هو عنبسة بن عبد الواحد المصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود.
[عن يونس] .
هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب] .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن المسيب] .
هو سعيد بن المسيب، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.




الرجحان في الوزن والوزن بالأجرة




شرح حديث: (زن وأرجح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجحان في الوزن والوزن بالأجر.
حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا سفيان عن سماك بن حرب حدثني سويد بن قيس رضي الله عنه قال: (جلبت أنا ومخرفة العبدي بزاً من هجر، فأتينا به مكة، فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي، فساومنا بسراويل فبعناه، وثم رجل يزن بالأجر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: زن وأرجح) ] .
قوله: [باب في الرجحان في الوزن والوزن بالأجر] ، الترجمة مشتملة على أمرين: الأول: أن الإنسان عندما يزن يرجح، بمعنى أنه إذا وضع المعيار الذي يوزن به في كفة، ووضعت السلع التي توزن في كفة؛ فلا تكون الكفتان متساويتين، بل المشروع أن يحصل الرجحان، وذلك بأن تميل الكفة التي فيها السلعة عن الكفة الثانية التي فيها المعيار الذي يوزن به، هذا هو الرجحان.
الثاني: الوزن بالأجر، فيجوز أن يكون مع الإنسان ميزان، ويزن للناس بالأجر، أو مكيال ويكيل للناس بالأجر، أو يقسم للناس بالأجر، أو ما إلى ذلك من الأشياء التي يكون فيها إفادة للناس.
وقد أورد أبو داود حديث سويد بن قيس رضي الله عنه قال: (جلبت أنا ومخرفة) -وفي بعض الألفاظ مخرمة العبدي (بزاً من هجر) ، والبز هو القماش، (فأتينا به مكة، فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، فساومنا بسراويل فبعناه) أي: فباعوه للنبي عليه الصلاة والسلام، (وثم) أي: هناك شخص (يزن بالأجر) ، أي: يوجد في السوق رجل عنده ميزان، والناس يزنون عنده ويعطونه أجرة على الوزن، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (زن وأرجح) ، أقره على أن يزن بالأجر، وأمره أن يرجح في الوزن، بمعنى أن يزيد في الكفة التي فيها السلع التي توزن بحيث تميل الكفة، وليس معنى ذلك أنها تميل ميلاً عظيماً، فهذا قد يكون فيه ظلم، لكن يميل الميزان ميلاً يسيراً من غير أن يكون هناك إضرار بصاحب السلعة، هذا هو الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فدل هذا الحديث على ما ترجم له المصنف من جهة إرجاح الميزان، وجواز أن يزن الإنسان للناس أو يكيل لهم أو يقسم لهم بالأجرة.
وهذا الرجحان للاستحباب وليس للوجوب؛ لأن الواجب هو حصول المماثلة في الميزان، لكن هذا على سبيل الاستحباب وعلى سبيل الاحتياط أيضاً، وهذا الرجحان يحصل بالميل اليسير.
وكل شخص يزن يشرع له إرجاح الوزن، سواء كان هو بائع السلعة أو كان الذي يزن عاملاً عند صاحب السلعة، أو كان شخصاً عنده ميزان يزن للناس بالأجر، فإن الجميع مأمورون بأن يرجحوا الميزان.
وأجرة الوزن تكون بحسب الاتفاق بين البائع والمشتري، إما على البائع أو على المشتري.
وذكر الوزن في هذا الحديث لا علاقة له بشراء السراويل، فإن السراويل لا توزن.




تراجم رجال إسناد حديث: (زن وأرجح)
قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ] .
هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي] .
أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان] .
هو سفيان الثوري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك بن حرب] .
سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سويد بن قيس] .
سويد بن قيس رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن.




شرح حديث: (زن وأرجح) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم المعنى قريب قالا: حدثنا شعبة عن سماك بن حرب عن أبي صفوان بن عميرة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة قبل أن يهاجر بهذا الحديث، ولم يذكر: يزن بأجر.
قال أبو داود: رواه قيس كما قال سفيان، والقول قول سفيان] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهنا قال: أبو صفوان بن عميرة، ذكره بكنيته، وهناك ذكره باسمه.
[قال أبو داود: رواه قيس كما قال سفيان، والقول قول سفيان] .
وفيه إثبات هذه الزيادة، وهي كونه يزن بالأجر.




تراجم رجال إسناد حديث: (زن وأرجح) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا حفص بن عمر] .
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[ومسلم بن إبراهيم] .
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[المعنى قريب] .
يعني: معنى رواية حفص ورواية مسلم قريب بعضها من بعض.
[حدثنا شعبة] .
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك بن حرب عن أبي صفوان بن عميرة] .
مر ذكرهما.




مخالفة سفيان لشعبة في حديث: (زن وأرجح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن أبي رزمة سمعت أبي يقول: قال رجل لـ شعبة: خالفك سفيان، قال: دمغتني، وبلغني عن يحيى بن معين قال: كل من خالف سفيان فالقول قول سفيان] .
أورد أبو داود كلاماً في الموازنة والمقارنة بين سفيان الثوري وشعبة، وكل منهما وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، والثقات الأثبات يوازن بينهما، ويقدم من هو أحفظ على من هو دونه، فمن كانت أغلاطه أقل كان هو المقدم، وهو الأثبت، وإن كانت أغلاطهما جميعاً قليلة، لكن بعضها أقل من بعض، فمن كان أقل أغلاطاً وأقل خطأً فإنهم يفضلونه على صاحبه، وإن كان كل منهما جبلاً في الحفظ، لكن عند المقارنة الدقيقة بين الاثنين فمن كانت أغلاطه أقل قدموه.
وقد ذكر أبو بكر الحازمي في كتابه: (شروط الأئمة الخمسة) الموازنة بين مالك وسفيان بن عيينة وروايتهما، وقال: مالك مقدم على سفيان في الحفظ؛ لأن سفيان عدت أغلاطه فبلغت كذا وكذا، ومالك عدت أغلاطه فكانت أقل، فهو مقدم على سفيان بن عيينة.
قوله: [قال رجل لـ شعبة: خالفك سفيان، قال: دمغتني] .
يعني: أن القول قول سفيان، فهو أحفظ مني، ويقدم قوله على قولي.
قوله: [وبلغني عن يحيى بن معين قال: كل من خالف سفيان فالقول قول سفيان] .
هذا يعني أن سفيان متمكن في الحفظ.




تراجم رجال إسناد أثر مخالفة سفيان لشعبة في حديث: (زن وأرجح)
قوله: [حدثنا ابن أبي رزمة] .
هو محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[سمعت أبي] .
أبوه هو عبد العزيز بن أبي رزمة، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي.
[وبلغني عن يحيى بن معين] .
يحيى بن معين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.




شرح قول شعبة: كان سفيان أحفظ مني
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع عن شعبة قال: كان سفيان أحفظ مني] .
ذكر المصنف هذا الأثر الذي فيه اعتراف شعبة بأن سفيان أحفظ منه، وهذا يوضح معنى قوله: دمغتني، فليس معناها إنكاراً، وإنما هو اعتراف بفضل سفيان وحفظه.
واعتراف شعبة لـ سفيان بالحفظ يدل على الإنصاف، ويدل أيضاً على فضل هذا المعترف ونبله، وأنه لا يدعي شيئاً وهو يعتقد خلافه، وقد يقول الإنسان ذلك على سبيل التواضع، ولكن قول غيره هنا يطابق هذا الذي قاله من كون سفيان مقدم على غيره؛ يعني على شعبة وغير شعبة، فهذا الذي قاله شعبة لم ينفرد به حتى يقال: لعله تواضع منه، بل هذا هو الواقع.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #656  
قديم 28-06-2025, 06:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله





تراجم رجال إسناد قول شعبة: كان سفيان أحفظ مني
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا وكيع] .
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة] .
مر ذكره.




المكيال مكيال المدينة




شرح حديث: (الوزن وزن أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (المكيال مكيال المدينة) .
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن دكين حدثنا سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة) ] .
قوله: [باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المكيال مكيال المدينة) ، المقصود من هذه الترجمة: بيان أن المكيال الذي يعول فيه على معرفة الحقوق التي لله عز وجل -مثل: الزكاة والكفارات وغيرها- هو مكيال أهل المدينة، فقد جاء أن الزكاة تكون كذا صاع، والكفارة كذا صاع، والمعتبر هو مكيال أهل المدينة.
أما بالنسبة للوزن -مثل وزن الذهب والفضة- فالمعتبر هو وزن أهل مكة؛ لأن أهل مكة أهل تجارة، وقد غلب عليهم ذكر الوزن، وأهل المدينة أهل حرث وزراعة، وقد غلب عليهم ذكر الكيل.
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المكيال مكيال أهل المدينة، والوزن وزن أهل مكة) أي: الأمور التي شرعها الله سبحانه وتعالى يرجع فيها إلى مكيال المدينة، فلو تغيرت المكاييل أو الموازين فلا بأس للناس أن يستعملوا الأشياء التي تعارفوا عليها في غير حقوق الله، ولكن فيما يتعلق بحقوق الله مثل الكفارات، وفيما يتعلق بالوزن مثل معرفة نصاب الذهب والفضة، فالمعتبر في الوزن هو ميزان أهل مكة، والمعتبر في الكيل هو مكيال أهل المدينة.
والناس إذا اعتبروا مقاييس وموازين وأحجاماً يكيلون بها ويزنون فالمعتبر في معاملاتهم هو ما تعارفوا عليه، ويرجع في ذلك إلى عرفهم، فلو كان على رجل في ذمته مائة صاع، وصاعهم أكبر من صاع المدينة، فلا يقال: يرجع إلى مكيال أهل المدينة، بل يرجع إلى الصاع الذي تعارفوا عليه، وهو الصاع الذي يتعامل به أهل ذلك البلد.




تراجم رجال إسناد حديث: (الوزن وزن أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا ابن دكين] .
هو أبو نعيم الفضل بن دكين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان عن حنظلة] .
سفيان مر ذكره، وحنظلة هو ابن أبي سفيان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن طاوس] .
هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.




اختلاف الرواة في حديث: (الوزن وزن أهل مكة)
[قال أبو داود: وكذا رواه الفريابي وأبو أحمد عن سفيان وافقهما في المتن، وقال أبو أحمد: عن ابن عباس مكان ابن عمر، ورواه الوليد بن مسلم عن حنظلة قال: (وزن المدينة، ومكيال مكة) .
قال أبو داود: واختلف في المتن في حديث مالك بن دينار عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا] .
أورد أبو داود روايات أخرى منها ما يوفق ما تقدم من جهة: (الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة) ، وأنه جاء عن ابن عمر وعن ابن عباس، وجاء المتن في بعض الطرق مقلوباً: (وزن المدينة، ومكيال مكة) ، ولاشك أن هذا من قبيل المقلوب، والصواب: (الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة) .




تراجم رجال إسناد الرواة المختلفين في حديث: (الوزن وزن أهل مكة)
قوله: [وكذا رواه الفريابي] .
هو محمد بن يوسف الفريابي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأبو أحمد] .
هو أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان] .
هو سفيان الثوري وقد مر ذكره.
[وقال أبو أحمد: عن ابن عباس مكان ابن عمر] .
يعني: جعل أبو أحمد ابن عباس مكان ابن عمر.
[ورواه الوليد بن مسلم عن حنظلة] .
الوليد بن مسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حنظلة] .
حنظلة مر ذكره.
قوله: [(وزن المدينة، ومكيال مكة)] .
يعني: جاء الحديث عن حنظلة من طريقين: الطريق الأولى: (مكيال أهل المدينة، ووزن أهل مكة) .
الطريق الثانية من طريق الوليد بن مسلم: (كيل أهل مكة، ووزن أهل المدينة) ، والمحفوظ هي الرواية الأولى.
[قال أبو داود: واختلف في المتن في حديث مالك بن دينار] .
مالك بن دينار صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا] .
يعني: أنه مرسل.




التشديد في الدين




شرح حديث: (إن صاحبكم مأسور بدينه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التشديد في الدين.
حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن الشعبي عن سمعان عن سمرة رضي الله عنه أنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (ههنا أحد من بني فلان؟ فلم يجبه أحد، ثم قال: ههنا أحد من بني فلان؟ فلم يجبه أحد، ثم قال: ههنا أحد من بني فلان؟ فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما منعك أن تجيبني في المرتين الأوليين؟! أما إني لم أنوه بكم إلا خيراً، إن صاحبكم مأسور بدينه.
فلقد رأيته أدى عنه حتى ما بقي أحد يطلبه بشيء) ] .
قوله: [باب في التشديد في الدين] أي: أن الإنسان عندما يتحمل الدين فأمره ليس بالهين وليس بالسهل، وليس للإنسان أن يقدم على الدين إلا إذا كان مضطراً إليه، وإذا اضطر إليه فليحرص على أن يوفي به.
وقد جاءت أحاديث عديدة تدل على التشديد فيه، وتبين خطورته، بل قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يغفر للشهيد كل شيء، ثم قال عليه الصلاة والسلام: إلا الدين سارني به جبريل آنفاً) .
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال: ههنا أحد من بني فلان؟ فأعادها ثلاثاً، فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله، قال: ما منعك أن تجيبني في المرتين الأوليين، أما إني لم أنوه بكم إلا خيراً) يعني: أن الرجل خشي أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام ذكرهم لشيء غير محمود.
قوله: [(إن صاحبكم مأسور بدينه)] .
يعني: رجل من قرابة هذا الشخص الذي هو من بني فلان مأسور بسبب دينه، أي: محبوس عن دخول الجنة.
قوله: [(فلقد رأيته أدى عنه حتى ما بقي أحد يطلبه بشيء)] .
أي: هذا الشخص الذي قام أدى عن هذا الشخص المأسور حتى لم يبق يطالبه أحد.
وفيه إشارة إلى أن القرابة يشرع وينبغي لهم أن يحسن بعضهم إلى بعض، وأن يواسي بعضهم بعضاً، وأن يساعد بعضهم بعضاً، وهذا من صلة الأرحام.
وهذا الحديث مثل حديث: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) ، وفي حديث أبي قتادة قال عليه الصلاة والسلام: (الآن بردت جلدته) عندما قضى دين الميت، ومعلوم أنه قبل دخول الجنة تكون المقاصة بين من يستحقون الجنة بعدما يتجاوزون النار؛ فإنهم يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعض، وهذه المقاصة تكون بالحسنات، وهم قد تجاوزوا النار فلن يدخلوها، ولكن يبقى التفاوت بينهم في درجات الجنة، فيؤخذ هذا من هذا، وهذا من هذا، والنتيجة التي تترتب على هذا الأخذ هي ارتفاع الدرجات.




تراجم رجال إسناد حديث: (إن صاحبكم مأسور بدينه)
قوله: [حدثنا سعيد بن منصور] .
سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق] .
سعيد بن مسروق والد سفيان الثوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي] .
هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سمعان] .
هو سمعان بن مهند، وهو صدوق أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن سمرة] .
هو سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وقد ذكروا أن سمعان لم يسمع من سمرة، لكن الحديث له شواهد تؤيده وتدل على ما دل عليه.
[قال أبو داود: سمعان بن مهند] .
ذكره وبين نسبته هنا.




شرح حديث: (إن أعظم الذنوب عند الله أن يموت الرجل وعليه دين لا يدع له قضاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب حدثني سعيد بن أبي أيوب أنه سمع أبا عبد الله القرشي يقول: سمعت أبا بردة بن أبي موسى الأشعري يقول عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن أعظم الذنوب عند الله أن يلقاه بها عبد بعد الكبائر التي نهى الله عنها أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاء) ] .
أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أعظم الذنوب عند الله بعد الكبائر التي نهى الله عنها أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاء) ، وهذا فيه بيان التشديد في أمر الدين، وبيان خطورة الدين، وفيه: أنه إذا ترك له وفاء فإن المحذور يزول من جهة أن صاحب الحق سيصل إليه حقه؛ لأنه ترك تركة يمكن أن يسدد بها الدين، ويقضى منها الدين.
وهذا الحديث ضعيف، ولو صح فيحمل على من كان لا يريد للوفاء، وليس عنده نية الوفاء؛ لأن هذا يأكل أموال الناس بالباطل، أما من استدان وهو يريد الوفاء -وهو مضطر إلى ذلك- فهو معذور، ويجب عليه أن يحرص على أن يسدد الدين، وإذا لم يسدد فينبغي لأقاربه أن يقوموا بتسديد الدين عنه، فإن سددوها عنه انتهى ما في ذمته، وإن لم يسددوها عنه فإن المقاصة تكون في الدار الآخرة، وقد يتجاوز الله عز وجل عن المدين إذا كان عازماً على الوفاء وكان مضطراً إلى الدين، ويعطي الدائن من فضله وكرمه فوق ما يستحقه.




تراجم رجال إسناد حديث: (إن أعظم الذنوب عند الله أن يموت الرجل وعليه دين لا يدع له قضاء)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري] .
سليمان بن داود المهري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا ابن وهب حدثني سعيد بن أبي أيوب] .
ابن وهب مر ذكره، وسعيد بن أبي أيوب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع أبا عبد الله القرشي ٍ] .
أبو عبد الله القرشي مقبول، أخرج له أبو داود.
[سمعت أبا بردة بن أبي موسى] .
أبو بردة بن أبي موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي موسى] .
هو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل مات وعليه دين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصلي على رجل مات وعليه دين، فأتي بميت فقال: أعليه دين؟ قالوا: نعم، ديناران، قال: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه: هما علي يا رسول الله! قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما فتح الله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فمن ترك ديناً فعلي قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته) ] .
أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان لا يصلي على من كان عليه دين) ، وكان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك من أجل ألا يتهاون الناس بأمر الدين، بل يستصعبونه ويستثقلونه ويحرصون على التخلص والسلامة منه؛ من أجل أن يصلي عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ماتوا، ومن أجل أن يتحمل عنهم غيرهم ويساعدهم.
قوله: [(فقال أبو قتادة: هي علي يا رسول الله)] يعني: أنا أتحملهما، وأقوم بسدادهما عنه، فصلى عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل هذا في أول الأمر، وبعد أن فتح الله تعالى الفتوح، وحصلت الغنائم والأموال؛ كان يقضي دين الميت من بيت المال.
قوله: [(أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من مات وعليه دين فعلي قضاؤه ومن ترك مالاً فلورثته)] .
يعني: إن كان للميت مال فهو للورثة، وإن كان عليه دين فالنبي صلى الله عليه وسلم يتحمله.




تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل مات وعليه دين)
قوله: [حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني] .
محمد بن المتوكل العسقلاني صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود.
[حدثنا عبد الرزاق] .
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا معمر] .
هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري] .
مر ذكره.
[عن أبي سلمة] .
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو الصحابي الجليل أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.




شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من عير تبيعاً وليس عنده ثمنه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة وقتيبة بن سعيد عن شريك عن سماك عن عكرمة رفعه قال عثمان: وحدثنا وكيع عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، قال: (اشترى من عير تبيعاً وليس عنده ثمنه، فأربح فيه فباعه، فتصدق بالربح على أرامل بني عبد المطلب وقال: لا أشتري بعدها شيئاً إلا وعندي ثمنه) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من عير تبيعاً) وفي بعض الألفاظ: بيعاً، والعير: هي القافلة التي تأتي ومعها بضاعة، كما قال الله عز وجل في قصة يوسف: {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف:82] ، ومعنى الحديث: أنه اشترى منهم شيئاً ولم يكن معه ثمنه، فباعه فأربح فيه، فتصدق بالربح على أرامل بني عبد المطلب، ثم قال: (لا أشتري بعدها شيئاً إلا وعندي ثمنه) ، والحديث في إسناده مقال، وهو يخالف ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توفي وعليه دين، وكانت درعه مرهونة بطعام اشتراه من يهودي لأهله صلى الله عليه وسلم.




تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من عير تبيعاً وليس عنده ثمنه)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة وقتيبة بن سعيد] .
قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شريك] .
هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سماك عن عكرمة] .
سماك مر ذكره، وعكرمة هو مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[رفعه] .
فيكون الحديث مرسلاً.
[قال عثمان: وحدثنا وكيع عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله] .
قد مر ذكرهم، وقوله: (مثله) أي: مثل الطريق المرسلة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #657  
قديم 28-06-2025, 06:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [385]
الحلقة (417)



شرح سنن أبي داود [385]
إذا اتفقت الأجناس الربوية كذهب بذهب أو فضة بفضة، فلا يجوز بيع بعضها ببعض إلا مثلاً بمثل يداً بيد، وإذا اختلفت كذهب بفضة فيجوز بيعها متفاضلة يداً بيد، وهذا ما يسميه العلماء بالصرف، ومسائله تقع في أيامنا بكثرة.



المطل



شرح حديث: (مطل الغني ظلم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المطل.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) ] .
قوله: [باب في المطل] المطل: هو عدم التسديد، وعدم توفية صاحب الحق حقه، فإذا طلب منه حقه لا يعطيه إياه، بل يماطله ويؤخر القضاء، وإذا كان المدين غنياً وأخر الحق فهو ظالم، وإن كان فقيراً فهو معذور، قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ، ويقول الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] .
وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مطل الغني ظلم) أي: تأخير الحق عن صاحبه مع قدرته على التسديد ظلم لصاحب الدين؛ لأنه أخر عنه حقه بغير حق، وهذا يدل على تحريم ذلك، وأنه لا يجوز للإنسان أن يفعل هذا؛ لأنه ظلم، والظلم منهي عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الظلم ظلمات يوم القيامة) .
وعلى هذا: فالمدينون منهم من هو غني واجد، ومنهم من هو فقير غير واجد، فعدم تسديد المدين مع قدرته هو ظلم منه للدائن، والفقير المعسر الذي لا يستطيع الوفاء ليس بظالم؛ لأنه ليس عنده شيء به يقضي دينه، والله تعالى يقول في حقه: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] يعني: ينظر إلى أن ييسر الله عز وجل له.
وقد جاء في بعض الروايات: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) بمعنى: أنه يحل أن يعاقب فيحبس حتى يقوم بالتسديد؛ لأنه قادر على القضاء، ويحل عرضه بأن يقول: منعني حقي، ويتكلم فيه، ويذمه؛ لأنه منعه حقه، وهذا إذا كان غنياً مماطلاً.
قوله: [(وإذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع)] أي: إذا أحال المدين الدائن على شخص آخر مليء غير معسر، فليقبل الإحالة عليه، ويذهب إلى الشخص الذي أحيل عليه، ويستوفي دينه منه، وهذا إذا كان مليئاً؛ لأنه قال: (وإذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع) أي: فليذهب إلى ذلك المحال عليه وليتبعه لأخذ حقه منه.
والأمر في قوله: (فليتبع) للاستحباب.
وإذا مطل الغني فلا يحل للدائن أن يأخذ شيئاً من متاعه، بل يرفع أمره إلى السلطان، وإذا أصلِ على مليء ثم مات أو أعسر فإنه يرجع إلى المحيل، ولا يسقط حق الدائن.



تراجم رجال إسناد حديث: (مطل الغني ظلم)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي] .
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك] .
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد] .
هو عبد الله بن ذكوان المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج] .
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.



حسن القضاء



شرح حديث: (خيار الناس أحسنهم قضاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في حسن القضاء.
حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع رضي الله عنه قال: (استسلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكراً، فجاءته إبل من الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره، فقلت: لم أجد في الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أعطه إياه، فإن خيار الناس أحسنهم قضاء) ] .
قوله: [باب في حسن القضاء] أي: إذا كان الإنسان مديناً فعندما يأتي وقت السداد يؤديه على وجه حسن، وله أن يزيده بالكمية أو الكيفية والنوع، فإذا تسلف نقوداً فله أن يزيده من النقود على حقه، وإذا استلف منه بكراً فله أن يرد رباعياً، وهو أكبر وأنفس من البكر، وهذا جائز إذا كان من غير مواطأة واتفاق، وأما إذا اتفقا عند الإقراض على أن يزيده، أو تواطأا والتواطؤ يكون بشيء غير معلن، كأن يلمح له تلميحاً أو يعرض له تعريضاً.
على الزيادة دون أن ينصا على ذلك في الوثيقة التي كتبت بينهما؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه من القرض الذي جر نفعاً، وقد أجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا، وقد ورد هذا في حديث ضعيف جداً كما قال الحافظ في بلوغ المرام، لكن معناه محل إجماع بين العلماء.
قوله: [(استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل بكراً) البكر: هو من الإبل مثل الغلام في بني الإنسان، أي: أنه في مقتبل حياته، وليس كبيراً، والرباعي هو الذي أكمل السنة السادسة ودخل في السنة السابعة.
وفي هذا الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام استسلف بكراً ورد رباعياً، وهذا فيه حسن القضاء؛ لأنه أعطاه أنفس مما أخذ منه، ثم قال: (إن خير الناس أحسنهم قضاءً) ، فدل هذا على أن للمدين أن يعطي الدائن عند السداد شيئاً أكثر مما أخذه منه، إذا لم تكن هناك مشارطة ولا تواطؤ، وإنما هو إحسان ومعاملة طيبة من المقترض حيث أعطى أكثر مما أقرض.



تراجم رجال إسناد حديث: (خيار الناس أحسنهم قضاء)
قوله: [حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم] .
زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن يسار] .
عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي رافع] .
هو أبو رافع مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث جابر: (كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين فقضاني وزادني)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن مسعر عن محارب بن دثار قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان لي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم دين فقضاني وزادني) ] .
أورد المصنف حديث جابر رضي الله عنه قال: (كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين فقضاني وزادني) محل الشاهد منه قوله: (زادني) ، ففيه حسن القضاء بالزيادة.
وإذا تعارف الناس على الزيادة في القضاء فهي من الربا.
ولا يجوز للمقترض أن يهدي للمقرض هدية بسبب القرض؛ لأنه من القرض الذي جر نفعاً.



تراجم رجال إسناد حديث جابر: (كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين فقضاني وزادني)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، الإمام الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى] .
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر] .
هو مسعر بن كدام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محارب بن دثار] .
محارب بن دثار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله] .
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو صحابي جليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



الصرف



شرح حديث: (الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الصرف.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس عن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الذهب بالورق رباً إلا هاء وهاء، والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء) ] .
قوله: [باب في الصرف] الصرف: هو بيع النقود بعضها ببعض، سواء كان ذهباً بذهب أو ذهباً بفضة، والصرف خاص بالنقود، وأما الشعير بالشعير والتمر بالتمر فليس من قبيل الصرف، ولكنه مثل الصرف من جهة أنه جنس مثل جنس الذهب، فالذهب بالذهب يباع متماثلاً ومتقابضاً فيه، والتمر بالتمر يباع متماثلاً ومتقابضاً فيه، بدون تأجيل ولا زيادة، لكن الصرف خاص بالنقود والعملة؛ ولهذا يقول بعض المصنفين في كتبهم: باب الربا والصرف، والربا أعم من الصرف؛ لأن الربا يكون في الصرف وفي غيره، لكن الصرف لا يدخل فيه المكيلات مثل التمر والشعير والبر والأرز وغير ذلك من الأشياء المكيلة.
إذاً: هذه الترجمة هي ببعض ما اشتملت عليه الأحاديث؛ لأن الأحاديث الواردة في الباب اشتملت على الصرف وغير الصرف، وهي تدل على الترجمة، ولكنها ليست مقصورة على الترجمة؛ بل تشتمل على الترجمة -وهي الصرف- وعلى الأشياء المكيلة.
فالصرف خاص بالنقود، والنقود المتماثلة لابد فيها من التساوي والتقابض، فلا يجوز فيها فضل ولا نسيئة، والفضل هو الزيادة في بعضها على بعض، والنسيئة هو: تأجيل النقدين أو تأجيل أحدهما.
والنقود التي ليست من جنس واحد يشترط فيها التقابض، ولا مانع من التفاضل، كذهب وفضة، فالفضة تكون أكثر وزناً؛ لأن الذهب أنفس وأغلى من الفضة، فلا مانع من التفاضل، لكن لابد من التقابض؛ لأنه قد جاء في الحديث: (فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) ، أي: فبيعوا كيفما شئتم متفاضلاً إذا كان يداً بيد، فيجوز بيع (2) كيلو مثلاً فضة بكيلو ذهب، أو (10) كيلو فضة بكيلو ذهب، لكن لابد من التقابض، فصاحب الذهب يعطي الذهب لصاحب الفضة، وصاحب الفضة يعطي الفضة لصاحب الذهب في المجلس، دون أن يكون هناك تأخير.
وعلى هذا فالصرف إذا كان في بيع الشيء بجنسه فلابد فيه من أمرين: التماثل، والتقابض، وإذا اختلفت الأجناس فلابد من التقابض والتفاضل لا بأس به.
وقد أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالورق رباً إلا هاء وهاء) (هاء وهاء) يعني إلا بالقبض، فيجوز بيعهما متفاضلين بشرط التقابض، وقد جاء في الحديث: (فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) فالتفاضل بين الذهب والفضة جائز، والمحذور هو النسيئة فيهما.
قوله: [(والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء)] ، لابد هنا من التقابض والتماثل أيضاً؛ لأن الذهب والورق جنسان مختلفان، فيلزم التقابض ويجوز التفاضل، وأما البر بالبر فهو جنس واحد، فلابد من التماثل والتقابض.
قوله: [(والتمر بالتمر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء)] .
(هاء وهاء) أي: خذ وخذ، كل واحد يقول للثاني: خذ، ففيه أخذ وإعطاء، هذا يقول لصاحبه: خذ ما عندي، وهذا يقول لصاحبه: خذ ما عندي.



تراجم رجال إسناد حديث: (الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب] .
ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك بن أوس] .
مالك بن أوس له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمر] .
هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (الذهب بالذهب تبرها وعينها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا بشر بن عمر حدثنا همام عن قتادة عن أبي الخليل عن مسلم المكي عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها، والبر بالبر مدي بمدي، والشعير بالشعير مدي بمدي، والتمر بالتمر مدي بمدي، والملح بالملح مدي بمدي، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يداً بيد، وأما نسيئة فلا، ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يداً بيد، وأما نسيئة فلا) ] .
أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(الذهب بالذهب تبرها وعينها)] ، أي: لابد من التماثل والتقابض؛ لأنهما جنس واحد، حتى لو كان ذلك الجنس من نوعين: نوع مضروب نقوداً، ونوع قطعة من الذهب غير مسبوكة، فلابد من التساوي بينهما والتقابض.
ولا يقال: إنها إذا كانت مضروبة فإن سعرها يكون أغلى، بل لابد من التساوي، ولو كانت المضروبة نقوداً أو سبائك يتجمل بها، وصنعتها جميلة، فلابد من التساوي في بيع الذهب بالذهب، ويعرف التساوي بالوزن، ولابد أيضاً من التقابض؛ لأن بيع الجنس بالجنس لابد فيه من التقابض مع التماثل.
قوله: [(والفضة بالفضة تبرها وعينها)] ، التبر المقصود به: الكسر والقطع، والعين هو النقد.
قوله: [(والبر بالبر مدي بمدي)] .
المدي هو مقياس، فلابد من التساوي، مدي بمدي، وليس مديان بمدي ونحو ذلك.
قوله: [(والشعير بالشعير مدي بمدي، والتمر بالتمر مدي بمدي، والملح بالملح مدي بمدي)] .
يعني: أن كل جنس يباع بجنسه لابد فيه من أمرين: التقابض، والتماثل، حتى ولو كان أحدهما جيداً والآخر رديئاً، مثل بيع ذهب مستعمل قديم بذهب جديد لماع حسن وجميل، فلابد من التساوي، ويمكن أن يتخلص من الذهب القديم ببيعه، ثم يشتري بالنقود ذهباً جديداً، أما أن يبيع ذهباً قديماً بذهب جديد مع التفاضل فهذا لا يجوز.
قوله: [(فمن زاد أو ازداد فقد أربى)] .
(من زاد) أي: من أعطى، (أو ازداد) أي: طلب الزيادة، (فقد أربى) أي: أخذ الربا.
قوله: [(ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يداً بيد)] .
يعني: إذا اختلف الجنس فلا مانع من التفاضل، فإذا باع ذهباً بفضة، والفضة أكثر، فلا بأس، لكن لابد من التقابض يداً بيد، أما إذا كان الجنس واحداً فلابد من الأمرين، وإذا كانا جنسين فالتقابض لابد منه، والتفاضل لا بأس به، فيجوز -مثلاً- بيع عشرة كيلو من الفضة بكيلو من الذهب، لكن لابد من تسليم الذهب وتسليم الفضة في مجلس الاتفاق.
قوله: [(وأما نسيئة فلا)] .
يعني: إذا اختلف الجنسان فلا تجوز النسيئة، ويجوز التفاضل، فالربا ينقسم إلى قسمين: ربا فضل، وربا نسيئة، فربا الفضل يجري في بيع جنس واحد بمثله وأحدهما زائد، فهذا لا يجوز، فهو ربا فضل، وإذا اختلف الجنسان فالتفاضل جائز، والتقابض لابد منه في جميع الأحوال.



تراجم رجال إسناد حديث: (الذهب بالذهب تبرها وعينها)
قوله: [حدثنا الحسن بن علي] .
هو الحسن بن علي الحلواني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا بشر بن عمر] .
بشر بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا همام] .
هو همام بن يحيى العوذي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة] .
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الخليل] .
هو صالح بن أبي مريم، وثقه ابن معين والنسائي، وأخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسلم المكي] .
هو مسلم بن اليسار المكي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي الأشعث الصنعاني] .
هو شراحيل بن آده، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبادة بن الصامت] .
عبادة بن الصامت رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (الذهب بالذهب عينها وتبرها) من طريق أخرى وتراجم رجال الإسناد
[قال أبو داود: روى هذا الحديث سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي عن قتادة عن مسلم بن يسار بإسناده] .
وهذا مثلما تقدم، وهنا ذكر اسم الراوي: مسلم بن يسار.
وسعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن خالد عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الخبر يزيد وينقص، وزاد قال: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) ] .
هذه كلمة عامة تشمل ما إذا كان بيع شعير ببر وأحدهما متفاضل، أو بر بتمر وأحدهما متفاضل، فيجوز ذلك بشرط التقابض.



تراجم رجال إسناد حديث: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم)
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة] .
هو عبد الله بن محمد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وهو أخو عثمان بن أبي شيبة، وعثمان يأتي كثيراً عند أبي داود، وأما أبو بكر فيأتي قليلاً بالنسبة لأخيه، ولكن مسلم لم يكثر عن أحد كما أكثر عن أبي بكر بن أبي شيبة، فهو أكثر شيخ روى عنه، وقد بلغت الأحاديث التي أخذها عن شيخه أبي بكر بن أبي شيبة في صحيحه أكثر من ألف وخمسمائة حديث.
[حدثنا وكيع] .
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان] .
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خالد] .
هو خالد بن مهران الحذاء، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي قلابة] .
هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت] .
مر ذكرهما.



حلية السيف تباع بالدراهم



شرح حديث: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في حلية السيف تباع بالدراهم.
حدثنا محمد بن عيسى وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن منيع قالوا: حدثنا ابن المبارك (ح) وحدثنا ابن العلاء أخبرنا ابن المبارك عن سعيد بن يزيد حدثني خالد بن أبي عمران عن حنش عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أنه قال: (أتي النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز، قال أبو بكر وابن منيع: فيها خرز معلقة بذهب ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو بسبعة دنانير، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا، حتى تميز بينه وبينه، فقال: إنما أردت الحجارة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا، حتى تميز بينهما، قال: فرده حتى ميز بينهما) ، وقال ابن عيسى: أردت التجارة.
قال أبو داود: وكان في كتابه: (الحجارة) ، فغيره فقال: (التجارة) ] .
قوله: [باب في حلية السيف تباع بالدراهم] أي: إذا كانت الحلية من الفضة، والسيف إذا كان محلى بفضة فلا يباع بفضة؛ لأنه سيكون بيع فضة بفضة غير متماثلين، وهذا لا يجوز، ولو كان أحدهما من جنس الآخر، ولكن إذا باعها بذهب فلا بأس بذلك، فيجوز أن يبيع السيف المحلى بفضة بذهب، ولكن المحذور أن يبيعه بشيء من جنسه.
قوله في الحديث: [(فيها خرز معلقة بذهب ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو بسبعة دنانير)] .
الدنانير من الذهب، فمعناه: أنه حصل بيع ذهب بذهب، ومعه زيادة خرز، والذهب غير متميز، ولم يعرف مقدار الذهب ومقدار الخرز، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.
قوله: [(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، حتى تميز بينه وبينه)] .
يعني: حتى تفصل الخرز عن الذهب، فإذا فصل وصار الذهب مماثلاً للذهب جاز البيع، وإن كان فيه زيادة أو نقص لم يجز، ويباع الخرز على حدة، ويباع الذهب بالذهب على حدة، لكن لو بيع بجنس آخر كالفضة فلا بأس.
قوله: [(فقال: إنما أردت الحجارة)] .
أي: إنما أردت الخرز، ولم أرد الذهب، بل الذهب جاء تبعاً.
قوله: [وقال ابن عيسى: أردت التجارة] .
هنا صحف الشيخ، فذكر التجارة بدل الحجارة، فيكون المعنى: أردت الاكتساب بهذا الذي اشتريته.



تراجم رجال إسناد حديث: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى] .
هو محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن منيع] .
أحمد بن منيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن المبارك] .
هو عبد الله بن المبارك، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا ابن العلاء] .
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن المبارك عن سعيد بن يزيد] .
سعيد بن يزيد ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا خالد بن أبي عمران] .
خالد بن أبي عمران صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن حنش] .
هو حنش الصنعاني، وهو ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[عن فضالة بن عبيد] .
فضالة بن عبيد رضي الله عنه صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.



شرح حديث فضالة: (اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر ديناراً فيها ذهب وخرز)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن أبي شجاع سعيد بن يزيد عن خالد بن أبي عمران عن حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: (اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر ديناراً فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: لا تباع حتى تفصل) ] .
هذا الحديث مثل الذي قبله، فلا تباع القلادة حتى يفصل بعضها من بعض، وبعد فصلها إذا كانت القيمة للخرز فلا بأس، وإذا كانت القيمة للذهب فلابد من التماثل والتقابض.



تراجم رجال إسناد حديث فضالة: (اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر ديناراً فيها ذهب وخرز)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] .
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث] .
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي شجاع سعيد بن يزيد عن خالد بن أبي عمران عن حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد] .
مر ذكرهم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #658  
قديم 28-06-2025, 06:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله




شرح حديث: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن أبي جعفر عن الجلاح أبي كثير حدثني حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر نبايع اليهود الأوقية من الذهب بالدينار -قال غير قتيبة: بالدينارين والثلاثة، ثم اتفقا- فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن) ] .
أورد أبو داود حديثاً آخر عن فضالة بن عبيد، وهو غير الحديث الأول.
قوله: [(كنا نبايع اليهود الأوقية من الذهب بالدينار)] .
الأوقية أربعون درهماً من الفضة.
قوله: [(قال غير قتيبة: بالدينارين والثلاثة)] .
الدينار كان صرفه اثنا عشر درهماً من الفضة.
قوله: [(لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن)] .
أي: لابد من التساوي في بيع الذهب بالذهب، وبيع الفضة بالفضة، وبيع التمر بالتمر، وبيع البر بالبر، وبيع الشعير بالشعير، فما داما جنساً واحداً فلابد فيهما من التساوي والتقابض، حتى الذهب الذي عياره (18) والذهب الذي عيراه (21) لابد في بيع أحدهما بالآخر من التساوي والتقابض.




تراجم رجال إسناد حديث: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزناً بوزن)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن أبي جعفر] .
ابن أبو جعفر هو عبيد الله بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الجلاح أبي كثير] .
الجلاح أبي كثير صدوق، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثني حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد] .
مر ذكرهما.



اقتضاء الذهب من الورق



شرح حديث ابن عمر: (كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في اقتضاء الذهب من الورق.
حدثنا موسى بن إسماعيل ومحمد بن محبوب المعنى واحد قالا: حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو في بيت حفصة فقلت: يا رسول الله! رويدك أسألك، إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء) ] .
قوله: [باب في اقتضاء الذهب من الورق] أي: أن يكون في ذمته ورق فيأخذ عند الوفاء بدله ذهباً بقيمته، فالاقتضاء هو التسديد، كما في الحديث: (خير الناس أحسنهم قضاءً) أي: أن يسدد ويعطي الدائن أفضل مما كان يلزمه، وهذا جائز كما تقدم.
والمراد من هذه الترجمة: أن من كان في ذمته ورق فيوفي بذهب، أو كان في ذمته ذهب فيوفي بورق؛ لا بأس بذلك ولا مانع منه، ومثل هذا من كان عنده عملة معينة ثم يقضي الدائن بعملة أخرى، فلا بأس بذلك بسعر يوم التسديد.
فإذا كان في ذمته مبلغ من الذهب، ومضى على ذلك وقت وأراد أن يسدد بفضة، فلا ينظر للقيمة وقت الإقراض، وإنما ينظر للقيمة عند التسديد؛ لأن الذي في ذمته عملة معينة، فلو أعطاه إياها في أي وقت من الأوقات فهذا حقه، فإذا أراد أن يدفع مقابلها عملة أخرى فلا بأس بذلك، لكن بسعر القيمة عند السداد.
قوله: [(كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم)] .
أي: أنه كان يبيع بالدنانير، ثم عند الوفاء يقول المشتري: ليس عندي دنانير، لكن عندي فضة، فيقدر قيمة الدنانير بالدراهم بدلاً من الذهب، فالدنانير من الذهب، والدراهم من الفضة.
وقوله: (بالبقيع) أي: حوله، وليس في المقبرة، وقيل: هو النقيع.
قوله: [(وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير)] .
أي: بالعكس.
قوله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، مالم تفترقا وبينكما شيء) ].
يعني: حتى لا تقع في ربا النسيئة.



تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومحمد بن محبوب] .
محمد بن محبوب ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد] .
هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سماك بن حرب] .
سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سعيد بن جبير] .
سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث ابن عمر من طريق أخرى وترجمة رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حسين بن الأسود حدثنا عبيد الله أخبرنا إسرائيل عن سماك بإسناده ومعناه، والأول أتم، لم يذكر: بسعر يومها] .
أورد الحديث من طريق أخرى.
قوله: [حدثنا حسين بن الأسود] .
هو حسين بن علي بن الأسود، وهو صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له أبو داود والترمذي.
[حدثنا عبيد الله] .
هو عبيد الله بن موسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسرائيل] .
هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك] .
مر ذكره.



الأسئلة



الفرق بين الصرف والبيع
السؤال ما هو الفرق بين الصرف والبيع؟
الجواب إذا جئت إلى صراف وعندك مائة تريدها ريالات، فقال: ليس عندي مائة ريالات، لكن خذ هذه السبعين، وتبقى لك ثلاثون ريالاً، فهذا لا يجوز؛ لأنه صرف، ولا بد من التماثل: مائة من الورق فئة ريال مقابل ورقة المائة، وكذلك لابد من التقابض، وكونك تذهب ويبقى عنده لك شيء فهذا ربا نسيئة؛ لأن هذا صرف.
أما إذا جئت إلى صاحب دكان واشتريت منه سلعة بخمسين ريالاً، فأعطيته مائة، فقال: يبقى لك عندي خمسون ريالاً، فهذا جائز، ولا يقال: إنه صرف؛ لأن هذا بيع سلعة بعملة، إلا أن المشتري ليس عنده المبلغ المقابل للسلعة، ولكن عنده مبلغ أكثر منها، والبائع أخذ المبلغ الأكثر ليطمئن على حقه.



حكم إعطاء المتزوج مالاً ثم يرده لمن أعطاه عند زواجه أو أكثر منه

السؤال عندنا عادة وهي دفع مال للمتزوج، وعندما يتزوج الدافع فإنه يعطيه المتزوج الأول أكثر من هذا المبلغ أو مثله، فهل هذا جائز؟

الجواب هذا ليس قرضاص، بل هو هبة، ثم هو أعطاه هبة أكثر مما أعطاه، فلا بأس بهذا، ولا يقال: إن هذا ربا؛ لأن هذا وهب شيئاً، وهذا وهب شيئاً، فهو من باب التبرع والمساعدة، والأولى أن الإنسان يتبرع للمتزوج ولا يريد منه أن يتبرع له في المستقبل، لكن إذا أعطاه على أنه سلف، واتفقا على أنه سلف، وأنه سيرجع إليه بأكثر مما أعطى فهذا لا يجوز.



حكم شراء الذهب بالشيك
السؤال ما حكم شراء الذهب بالشيك المصدق؟
الجواب الظاهر أن الشيك يقوم مقام النقد؛ لأن حمل الفلوس الكثيرة من الصعوبة بمكان؛ ولهذا الناس يتعاملون بالشيكات.



حكم إرجاع الذهب إلى الصائغ لإصلاحه في مجلس العقد قبل التفرق
السؤال اشتريت ذهباً ودفعت ثمنه، ثم رددت بعضه لإصلاحه في نفس المجلس، ولم نفترق، فهل هذا جائز أم يجب الافتراق قبل إرجاع بعض الذهب الذي يجب إصلاحه؟
الجواب لا يلزم الافتراق؛ لأن البيع تم بكونك أخذت حقك وهو أخذ حقه، وكونك أرجعت إليه شيئاً ليصلحه لا يؤثر في البيع.



الأوراق النقدية تقوم مقام الذهب والفضة
السؤال هل النقود الآن تقوم مقام الذهب والفضة؟
الجواب نعم، فالناس الآن ليس بأيديهم عملة من ذهب وفضة، بل يتعاملون بالأوراق النقدية التي قامت مقام الذهب والفضة، وهي في قوة الذهب والفضة، بمعنى أن الإنسان يأتي لصاحب الدكان ويأخذ منه ما يريد، ويعطيه هذه الأوراق النقدية؛ لأنها حلت محل الذهب والفضة، ولكل بلد اعتبار، فالمملكة السعودية الأوراق النقدية فيها هي مقابل الفضة لا الذهب.



حكم شراء الذهب بالنقود نسيئة
السؤال هل يجوز شراء الذهب بالنقود نسيئة، يشتري الذهب ثم يدفع الثمن بعد شهر؟
الجواب لا يجوز، فلابد من التقابض، وبيع العمل كلها بعضها ببعض لابد فيه من التقابض.



العملات أجناس مختلفة
السؤال هل العملات المختلفة: الريال والدولار والدينار جنس واحد؟
الجواب لا، كلها أجناس مختلفة، وليست جنساً واحداً.



حكم القياس على الأصناف الربوية الستة
السؤال هل الربا مقصور على الأجناس الستة الواردة في الحديث أم يعم غيرها؟
الجواب يعم كل ما كان مثلها، فالأرز مثلاً يجري فيه الربا، وهو غير مذكور في الحديث.



حكم شراء الذهب بالنقود مع بقاء بعض النقود ديناً

السؤال اشترى رجل من بائع الذهب ذهباً قيمته ألف ريال، وأعطاه سبعمائة وخمسين ريالاً على أن يعطيه الباقي في موعد لاحق، فما الحكم؟

الجواب لا يجوز، فلابد أن يدفع الثمن كله، ويدفع المثمن كله، فلا يؤخر الثمن كله ولا بعضه، بل لابد من دفع الجميع، وإذا ما توافر له المال فينتظر حتى يتوافر له جميع المبلغ الذي يريد به شراء ذلك الذهب.



حكم ترك باقي النقود عند صاحب السلعة
السؤال إذا ذهبت إلى بائع واشتريت منه بخمسين ريالاً، وأعطيته مائة ريال، ولم يكن عنده إلا خمسون ريالاً، وقال لي: الباقي أعطيك إن شاء الله غداً، فما الحكم؟
الجواب لا بأس؛ لأن هذا مجرد تسديد، فأنت اشتريت منه سلعة بخمسين ريالاً، وأعطيته مائة ريال، وليس عنده الباقي، فكونه يعطيك حقك فيما بعد لا بأس به، فهو يطمئن أن حقه وصل إليه، وأنت ترجع وتأخذ الباقي، فلا بأس؛ لأنك ما بعته نقوداً بنقود.



وجوب التقابض في الصرف
السؤال إذا صرفت من صاحب البقالة مائة ريال، فأعطاني ثمانين ريالاً، وبقي عنده عشرون ريالاً، فما الحكم؟
الجواب هذا لا يجوز، بل لابد أن تأخذ حقك، وهو يأخذ حقه؛ لأن التقابض في الصرف لابد منه، والتفاضل يجوز إذا اختلفت العملات، لكن التقابض لابد منه.



حكم تمييز الخرز من عقد الذهب عند بيعه
السؤال إذا أردت أن أشتري عقد ذهب فيه خرز، فهل يجب أن أميز الخرز من الذهب؟
الجواب إذا كنت اشتريته بفضة أو اشتريته بنقود فلا بأس، إنما المحذور إذا اشتريته بذهب، وأما إذا اختلفت الأجناس فلا بأس، لكن يكون البيع يداً بيد.



الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل في الربا
السؤال ما معنى الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل؟
الجواب معناه: لو بيع مثلاً كوم من التمر بكوم من التمر، ولم يعرف مقدار هذا ولا مقدار هذا، فالجهل بالتماثل حاصل، فهو كالعلم بالتفاضل، يعني: أن هذا البيع فيه ربا، ومن شرط بيع الشيء بجنسه أن يكونا متماثلين، وفي بيع كوم من التمر بكوم آخر من التمر جهالة، فالتماثل بينهما مجهول، فهو لا يجوز كما لو علم بالتفاضل، فلا يجوز هذا البيع حتى لو كان أحدهما رديئاً والآخر طيباً.
والمخرج من الربا أن يبيع الرديء بنقد، ثم يشتري بالنقد من النوع الطيب الذي يريد، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بع الجمع بالدراهم واشتر بالدراهم جنيباً) ، والجمع: هو التمر المجمع المختلط، والجنيب نوع جيد من التمر، فكانوا يبيعون الصاع من الجنيب بالصاعين من الجمع، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وبين لهم المخرج، وهو أن يبيع الرديء بدراهم، ثم يشتري بالدراهم التي يقبضها تمراً جيداً، أما أن يبيع جنساً بجنسه متفاضلاً فهذا لا يجوز.



حكم شراء السلع نسيئة
السؤال ما حكم شراء بضاعة من المحلات على الراتب بالدين؟
الجواب الذهب والفضة يجوز أن يشترى بهما جميع السلع من غير الذهب والفضة، وليس هذا من قبيل الصرف، فالمحذور هو الصرف، ولهذا يجوز شراء السلع بالنقد نسيئة، ويجوز كذلك السلف، وقد جاءت السنة بجوازه، فهو تعجيل الثمن وتأجيل المثمن، وعكسه تعجيل المثمن، وتأجيل الثمن، فهذا جائز أيضاً والناس لا يستغنون عنه، والقضية ليس فيها صرف ولا بيع ربوي بربوي، وهذا يختلف عن بيع شعير ببر وشعير بتمر وما إلى ذلك.



حكم تحويل الريالات إلى دولة أخرى ثم تستلم بالدولارات
السؤال بعض الناس يحول لأهله في الخارج بالريالات ويستلمونها بالدولار، فما الحكم؟
الجواب جائز؛ لأنه تم الاتفاق على السعر، ثم يوكله أن يوصله إلى المكان الذي يريده في بلد آخر مقابل أجرة على هذا التحويل.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #659  
قديم 28-06-2025, 06:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [386]
الحلقة (87)



شرح سنن أبي داود [386]
الربا من أعظم المحرمات، وهو أبواب كثيرة، وقد حذر الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام من التعامل به، وبين أهل العلم صوره وأحكامه؛ حتى يحذر المسلم من التلطخ به، فيجب على من يتعامل بالبيع والشراء أن يعلم هذه الأحكام وإلا وقع في الربا وهو لا يدري.
ومما يدخل في الربا بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وبيع الرطب بالتمر إلا أنه رخص في العرايا وذلك فيما دون خمسة أوسق.



الحيوان بالحيوان نسيئة



شرح حديث (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحيوان بالحيوان نسيئة.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) ] .
قوله: [باب في الحيوان بالحيوان نسيئة] أي: في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة؛ أن يباع حيوان، فيقبضه المشتري، وتكون القيمة في ذمته حيواناً آخر، ويعطيه إياه فيما بعد، هذا هو المقصود ببيع الحيوان بالحيوان نسيئة.
وقد أورد أبو داود حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) ، وهو واضح الدلالة على أن الحيوان لا يباع بالحيوان نسيئة، لكن يجوز بيع الحيوان بالحيوان يداً بيد.
وقد اختلف أهل العلم في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، فمنهم من قال بعدم جوازه لهذا الحديث، ومنهم من قال بجوازه؛ لحديث عبد الله بن عمرو الآتي في الباب التالي، لكن الحديث الثاني في إسناده من هو متكلم فيهم، وهذا الحديث من طريق الحسن عن سمرة، وفي رواية الحسن عن سمرة ثلاثة أقول: قيل: إنه سمع منه مطلقاً، وقيل: لم يسمع منه مطلقاً، وقيل: لم يسمع منه غير حديث العقيقة.
وحديث سمرة يصححه الألباني، ولعله للشواهد التي جاءت في معناه، وعلى هذا فيكون القول بالمنع هو الأولى، والذين قالوا بجواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة قالوا: إن هذا الحديث يحمل على ما إذا كان الحيوانان اللذان بيع أحدهما بالآخر كلاهما غائباً، كما لو باع هذا في ذمته حيواناً، وباع هذا في ذمته حيواناً، من غير تقابض، فصارت النسيئة من الجهتين، وليست من جهة واحدة، فقالوا: يحمل هذا الحديث على ما إذا كانت النسيئة من الجهتين، وليس من جهة واحدة، وأجازوا بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، واستدلوا بحديث عبد الله بن عمرو الذي سيأتي، ولكن فيه عدة أشخاص متكلم فيهم.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
موسى بن إسماعيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد] .
هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن قتادة] .
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن] .
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سمرة] .
هو سمرة بن جندب وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



الرخصة في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة



شرح حديث عبد الله بن عمرو في الرخصة في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرخصة في ذلك.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مسلم بن جبير عن أبي سفيان عن عمرو بن حريش عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يجهز جيشاً، فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة) ] .
قوله: [باب في الرخصة في ذلك] أي: في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، فالترجمة الماضية تتعلق بالنهي، وهذه تتعلق بالجواز والترخيص.
وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل) أي: لم يكن هناك إبل تكفي.
قوله: [(فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة)] .
معناه: أنه كان يشتري إبلاً ويدفع قيمتها إذا جاء وقت الصدقة، ويكون البعير الذي يأخذه الآن ببعيرين من إبل الصدقة، لكن الحديث فيه عدة رجال متكلم فيهم.



تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو في الرخصة في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة
قوله: [حدثنا حفص بن عمر] .
حفص بن عمر ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.
[حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق] .
محمد بن إسحاق صدوق يدلس، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن، وهنا روى الحديث بالعنعنة.
[عن يزيد بن أبي حبيب] .
يزيد بن أبي حبيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسلم بن جبير] .
مسلم بن جبير مجهول، أخرج له أبو داود.
[عن أبي سفيان] .
أبو سفيان مقبول، أخرج له أبو داود.
[عن عمرو بن حريش] .
عمرو بن حريش مجهول الحال، أخرج له أبو داود.
[عن عبد الله بن عمرو] .
هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث فيه راويان مدلسان، وكل منهما روى بالعنعنة، وهما: محمد بن إسحاق ويزيد بن أبي حبيب، وفيه مجهول العين وهو مسلم بن جبير، وفيه راو مقبول وهو أبو سفيان، وفيه عمرو بن حريش وهو مجهول الحال، ففيه عدة أشخاص متكلم فيهم.
وقد ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في سنن أبي داود وحسنه في الإرواء من وجوه أخرى، فإذا صح فيحمل على أن النهي يكون للكراهة، لكن الاحتياط ألا يباع الحيوان بالحيوان نسيئة.



بيع الحيوان بالحيوان يداً بيد



شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى عبداً بعبدين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في ذلك إذا كان يداً بيد.
حدثنا يزيد بن خالد الهمداني وقتيبة بن سعيد الثقفي أن الليث حدثهم عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى عبداً بعبدين) ] .
قوله: [باب في ذلك إذا كان يداً بيد] ، أي: أنه يجوز بيع الحيوان بالحيوان إذا كان يداً بيد، ولو كان هناك تفاضل.
وقد أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى عبداً بعبدين) وهذا البيع حاضر وليس نسيئةً، فيجوز بيع العبد بالعبد متماثلين أو متفاضلين كعبد بعبدين.



تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى عبداً بعبدين)
قوله: [حدثنا يزيد بن خالد الهمداني] .
يزيد بن خالد الهمداني ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[وقتيبة بن سعيد الثقفي] .
قتيبة بن سعيد الثقفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن الليث حدثهم] .
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير] .
هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
هو جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث في صحيح مسلم، وأبو الزبير مدلس وقد عنعن فيه، ولكن ما جاء في الصحيحين عن المدلسين معنعناً فهو محمول على الاتصال؛ لأن الشيخين اشترطا ألا يذكرا إلا ما كان صحيحاً عندهما، ثم إن الراوي عن أبي الزبير هنا هو الليث، وقد ميز له ما سمعه من جابر.



بيع التمر بالتمر



شرح حديث (أينقص الرطب إذا يبس؟)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الثمر بالتمر.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن يزيد أن زيداً أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن البيضاء بالسلت، فقال له سعد: أيهما أفضل؟ قال: البيضاء، فنهاه عن ذلك وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسأل عن شراء التمر بالرطب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك) ] .
قوله: [باب في الثمر بالتمر] ، الثمر هو الرطب، والتمر: هو الذي قد نشف ويبس، ومعلوم أن الرطب بعد ما يمضي عليه وقت ييبس ويكون تمراً؛ ولهذا جاء في الحديث إن الإفطار يكون على رطبات، فإن لم يجد فعلى تمرات، فالرطب شيء والتمر شيء، الرطب طري جديد، والتمر قديم قد مضى عليه وقت.
والترجمة هي: الثمر بالتمر، وليست التمر بالتمر؛ لأن الحديث الذي أورده فيه رطب بتمر، ولا يجوز أن يباع التمر بالرطب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن العلة هي عدم التماثل بقوله: (أينقص الرطب إذا جف؟) قال ذلك ليلفت أنظارهم إلى العلة، فقالوا: نعم، فنهاهم عن بيع الرطب بالتمر.
قوله: [أن زيداً أبا عياش سأل سعداً عن البيضاء بالسلت، فقال له سعد: أيهما أفضل؟ قال: البيضاء، فنهاه عن ذلك] .
فسرت البيضاء بتفسيرين: أحدهما: أن المقصود بها نوع من البر أبيض اللون وفيه رخاوة، ورطوبة، أو نداوة، وليس يابساً، والسلت نوع آخر غير البر، وهذا لا يناسب الترجمة، ولا يناسب ما جاء في الحديث؛ لأن الذي جاء في الحديث أنهما من جنس واحد إلا أن أحدهما رطب والآخر يابس، هذا جديد وهذا قديم، فيكون معنى هذا أن البيضاء بالسلت جنس واحد، ولكنهما مختلفان في الرطوبة واليبوسة.
التفسير الثاني: أن البيضاء نوع من السلت، وكلاهما من الحبوب، وهذا هو الذي يناسب ذكر الرطب بالتمر الذي استدل به سعد رضي الله عنه، وأنه ليس جنساً آخر؛ لأنه لو كان جنساً آخر لجاز التفاضل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) ، فيجوز التفاضل حينئذ، ولا يمنع إلا إذا كانا من جنس واحد، كأن يباع بر رطب قبل أن ييبس ببر يابس، فهذا لا يصح، ورطب بتمر لا يصح، وعنب بزبيب لا يصح؛ لأن الجنس واحد، ويختلف كل عن الآخر في طراوته ويبوسته، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى العلة في ذلك، وهي عدم التماثل؛ لأن الرطب إذا يبس فإنه ينقص، فلو بيع صاع من الرطب بصاع من التمر، ثم ترك الرطب حتى ييبس، فإنه يكون أقل من صاع، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى العلة بسؤالهم ليبين لهم أن العلة في عدم جواز ذلك أنه ينقص.
قوله: [فنهاه عن ذلك وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن شراء التمر بالرطب] .
نهاه عن ذلك لأن هذا مثل بيع التمر بالرطب، وهذا من جنسه، إلا أنه بيع حبوب بحبوب من جنس واحد، إلا أن هذا رطب وهذا يابس.
قوله: [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) ] .
سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم هذا هو سؤال تقرير، وليس سؤال استفهام واستعلام، فإنه كان يعرف أن الرطب ينقص إذا جف ويبس، ولكن أراد أن يوقفهم على العلة والحكمة في ذلك، فقال: (أينقص الرطب إذا جف؟ فقالوا: نعم) إذاً: فما دمتم تعرفون أنه ينقص إذا جف، فليس بينهما تماثل، ومن شرط بيع التمر بالتمر أن يكونا مثلاً بمثل يداً بيد.



تراجم رجال إسناد حديث (أينقص الرطب إذا يبس؟)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة] .
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك] .
هو مالك بن أنس المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن يزيد] .
عبد الله بن يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن زيداً أبا عياش] .
هو زيد بن عياش أبو عياش، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
فكنيته أبو عياش، وأبوه اسمه عياش، ومن أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع ألا يظن التصحيف، فالذي يعرف أنه زيد أبو عياش ولا يعرف أنه ابن عياش، يظن أن (أبو) تصحفت إلى (ابن) ، والذي يعرف أنه زيد بن عياش، ولا يعرف أن كنيته أبو عياش، يظن أن (ابن) تصحفت إلى (أبو) ، وإذا عرف أن الراوي كنيته مطابقة لاسم أبيه، فلن يكون هناك لبس، ولن يظن التصحيف، ومثله الأوزاعي واسمه عبد الرحمن بن عمرو، وكنيته أبو عمرو، ومثله هناد بن السري أبو السري، فهؤلاء وافقت كناهم أسماء آبائهم.
[عن سعد بن أبي وقاص] .
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود: رواه إسماعيل بن أمية نحو مالك] .
يعني: من طريق أخرى.
وإسماعيل بن أمية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث (نهى رسول الله عن بيع الرطب بالتمر نسيئة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة حدثنا معاوية -يعني ابن سلام - عن يحيى بن أبي كثير أخبرنا عبد الله أن أبا عياش أخبره أنه سمع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الرطب بالتمر نسيئة) ] .
أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة) وهذا مثل الذي قبله، إلا أن فيه ذكر النسيئة، وذكر النسيئة خطأ فقد؛ جاء عن سعد من عدة طرق بدون ذكر النسيئة، وهو الذي مر في الرواية السابقة أيضاً.
إذاً: ذكر النسيئة خطأ، وقد يفهم منها جواز غير النسيئة، ولكن المنع هو في النسيئة وغير النسيئة، فيمنع بيع الرطب بالتمر حالاً متفاضلاً، ومن باب أولى نسيئة، فالمحفوظ في الحديث هو بيع الرطب بالتمر بدون ذكر النسيئة، وذكر النسيئة رواية شاذة.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله عن بيع الرطب بالتمر نسيئة)
قوله: [حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة] .
هو الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي هو الذي اشتهرت عنه الكلمة التي قال فيها: إن معاوية رضي الله عنه ستر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فمن اجترأ على الستر اجترأ على ما وراءه، يعني: من سهل عليه أن يتكلم في معاوية سهل عليه أن يتكلم في غير معاوية، والسيئة تجر إلى السيئة، والزيغ يجر إلى الزيغ، والله تعالى يقول: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] .
ومن العقوبة على السيئة السيئة بعدها، كما أن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمن ثواب الحسنة أن يوفق الإنسان إلى حسنة بعدها، ومن العقوبة على السيئة أن يبتلى بسيئة بعدها.
فمن سمح لنفسه أن يتكلم في معاوية وأن يعيبه أو ينتقده فإنه يسهل عليه أن ينتقل إلى من وراء معاوية رضي الله عن الصحابة أجمعين.
[حدثنا معاوية يعني ابن سلام] .
معاوية بن سلام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي كثير] .
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عبد الله] .
هو عبد الله بن يزيد، وقد مر ذكره.
[أن أبا عياش أخبره أنه سمع سعد بن أبي وقاص] .
مر ذكرهما.
وقد تفرد يحيى بن أبي كثير اليمامي بكلمة (نسيئة) ، وغيره من الثقات رووه بدون كلمة (نسيئة) ، كالإمام مالك وإسماعيل بن أمية، والضحاك بن عثمان، فهؤلاء رووا النهي عن بيع الرطب بالتمر مطلقاً بدون أن يقيد بنسيئة.



طريق أخرى لحديث (نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة) وتراجم رجال إسنادها
[قال أبو داود: رواه عمران بن أبي أنس عن مولى لبني مخزوم عن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه] .
عمران بن أبي أنس ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن مولى لبني مخزوم عن سعد] .
سعد رضي الله عنه مر ذكره.
قال أبو الحسن الدارقطني: خالفه مالك وإسماعيل بن أمية والضحاك بن عثمان وأسامة بن زيد رووه عن عبد الله بن يزيد ولم يقولوا فيه: نسيئة، واجتماع هؤلاء الأربعة على خلاف ما رواه يحيى بن أبي كثير يدل على ضبطهم للحديث.



المزابنة



شرح حديث (نهى عن بيع الثمر بالتمر كيلاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المزابنة.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن أبي زائدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر كيلاً، وعن بيع العنب بالزبيب كيلاً، وعن بيع الزرع بالحنطة كيلاً) ] .
قوله: [باب في المزابنة] ، المزابنة هي بيع الثمر على رءوس النخل بتمر، ومثله بيع البر بالحب الذي في السنابل، وهذا غير جائز، ونهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأن فيه الجهل بالتساوي، وقد مر بنا أن بيع التمر بالرطب لا يجوز؛ لأنه ينقص إذا يبس، فهما غير متماثلين، فالتمر الذي على رءوس النخل الجهالة فيه أكثر؛ لأنه يباع بالخرص، والتمر معروف مقداره؛ لأنه يكال، فإذا كان لا يجوز بيع الرطب بالتمر كيلاً وليس على رءوس النخل، مع تحقق المماثلة من ناحية المقدار، لكون المحذور من أجل أنه ينقص إذا يبس؛ فمن باب أولى لا يجوز بيع التمر الذي على النخل بالتمر، إلا أنه سيأتي استثناء العرايا من المزابنة، وهي أن يباع ما على رءوس النخل خرصاً بتمر يدفع في مقابله حتى يستفيد الناس من الثمر، ويلقطونه شيئاً فشيئاً، ويستفيدون منه، وقد جاء الترخيص في حدود مقدار معين كما سيأتي ذكره في الأحاديث الآتية.
وعلى هذا فبيع الثمر بالتمر لا يجوز سواءً كيل وعرفت مساواته؛ لأنه ينقص إذا يبس، وسواء كان على رءوس النخل وعرف مقداره بالخرص وكيل التمر؛ كل ذلك لا يجوز، ولا يستثنى من ذلك إلا العرايا التي سيأتي لها أبواب تخصها.
قوله: [عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر كيلاً) ] .
يعني: بيع الرطب بالتمر كيلاً لا يجوز؛ لأن الثمر ينقص، لكن التمر بالتمر يجوز بشرط التماثل والتقابض.
ولو خرص الثمر بقدر التمر، بحيث لو جف الثمر صار بقدر التمر، فلا يجوز؛ لأن القاعدة المشهورة: الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.
قوله: [(وعن بيع العنب بالزبيب كيلاً)] .
لأن العنب إذا يبس ينقص مقداره، فلا يجوز بيع صاع من هذا بصاع من هذا.
قوله: [(وعن بيع الزرع بالحنطة كيلاً)] .
يعني: سواء كان على السنابل أو أخذ من السنابل ولا يزال فيه رطوبة، فهذا أيضاً منهي عنه.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع الثمر بالتمر كيلاً)
قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة] .
هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا ابن أبي زائدة] .
هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله] .
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع] .
هو نافع مولى ابن عمر وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #660  
قديم 28-06-2025, 06:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,668
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



بيع العرايا




شرح حديث (رخص في بيع العرايا بالتمر والرطب)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في بيع العرايا.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا بالتمر والرطب) ] .
قوله: [باب في بيع العرايا] .
لما ذكر المصنف المزابنة التي فيها المنع من بيع الثمر بالتمر ذكر بيع العرايا التي هي مستثناة من المزابنة، فلو أن جماعة عندهم تمر، وجاء وقت الثمر وليس عندهم نقود يشترون بها الثمر، وأرادوا أن يخرصوا نخلات معينة بمقدارها إذا يبست مقابل التمر الذي سيدفع من أجل أن يجنوا هذا الثمر شيئاً فشيئاً، ويستفيدوا من الرطب في وقت نضوجه، ويأكلوه شيئاً فشيئاً، فجاء الترخيص بقدر خمسة أوسق.
إذاً: المزابنة لا تجوز مطلقاً، ورخص منها في العرايا في مقدار معين، وليس للإنسان أن يزيد في بيع العرايا عن المقدار الذي جاء في الحديث، وهو ما دون خمسة أوسق، فالترخيص للحاجة، ولا يتوسع فيه فيشتري العرايا كيف شاء؛ لأن الاستثناء جاء فيما دون الخمسة أوسق أو الخمسة شك الراوي، ولكن جاء في حديث آخر أنه في حدود أربعة أوسق، فدل هذا على أن العرايا مستثناة من المنع، وأنه رخص لمن يريد أن يستفيد من الرطب في حينه على رءوس النخل، فيجنيه مدة الاستفادة منه كل يوم، لكن يكون بمقدار معين للحاجة.
والعرايا خاصة بالرطب والتمر، فلا يدخل فيها غيرهما.




تراجم رجال إسناد حديث (رخص في بيع العرايا بالتمر والرطب)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] .
هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب] .
هو عبد الله بن وهب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يونس] .
هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب] .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني خارجة بن زيد] .
خارجة بن زيد ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
أبوه هو زيد بن ثابت رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث (نهى عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرايا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورخص في العرايا أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطباً) ] .
أورد المصنف حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر) يعني مطلقاً، سواء كان على رءوس النخل أو في الأرض؛ لأنه ينقص إذا جف.
(ورخص في العرايا) استثناءً من هذا المنع.
قوله: [(أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطباً)] .
يعني: حينما يكون الرطب في رءوس النخل فيخرص، ويؤخذ مقابل هذا المقدار الذي خرص تمر يدفعه الذين يريدون أن يستفيدوا من الرطب في الأكل لا في التجارة.
والخرص: هو حزر وتخمين وتوقع أن ما على هذا النخل سيكون كذا، وهو غير مقطوع به.
والوزن مثل الكيل، ولكن الأصل في التمر أنه يكال، ولا فرق في الحكم إذا وزن؛ لأن التماثل في الوزن مفقود؛ لأنه سيحصل فرق إذا يبس الرطب، فلا يجوز بيع الرطب بالتمر كيلاً أو وزناً؛ لأن الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرايا)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا ابن عيينة] .
هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد] .
هو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بشير بن يسار] .
بشير بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهل بن أبي حثمة] .
سهل بن أبي حثمة صحابي رضي الله عنه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.



مقدار العرية



شرح حديث (رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق)
قال المصنف رحمه الله تعالى.
[باب في مقدار العرية.
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن داود بن الحصين عن مولى ابن أبي أحمد -قال أبو داود: وقال لنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن أبي سفيان: واسمه قزمان مولى ابن أبي أحمد - عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق) شك داود بن الحصين.
قال أبو داود: حديث جابر إلى أربعة أوسق] .
قوله: [مقدار العرية] معناه: أن الترخيص الذي حصل في الباب السابق ليس على إطلاقه، وأن من يريد أن يشتري ثمراً على رءوس النخل بتمر يقدمه لأصحاب الثمر، هو في حدود معينة؛ لأن هذا الترخيص إنما هو للاستفادة للأكل.
قوله: [(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق)] .
أي: أنه ينقص عن خمسة أوسق، وأحد الرواة شك هل هو خمسة أوسق أو أقل من خمسة أوسق، وحديث جابر فيه أربعة أوسق، فيكون المعتبر ما كان أقل من الخمسة، فما زاد عن الخمسة متفق على عدم جوازه، وما كان بقدر خمسة أوسق من العلماء من قال بجوازه، ومنهم من قال بعدم جوازه، وما دون الخمسة أوسق جائز بلا خلاف، فالأحوط أن ينقص عن الخمسة؛ لأن التحديد بالخمسة مشكوك فيه، فيصار إلى اليقين الذي هو دون الخمسة، وقد جاء حديث جابر وفيه أنه أربعة أوسق.
ولو أن رجلاً اشترى بأربعة أوسق من التمر رطباً، ثم أكلها وأهله، فلا يجوز لهم أن يشتروا مرة أخرى؛ لأن الرخصة جاءت فيما دون خمسة أوسق فقط مرة واحدة.
والوسق ستون صاعاً، فيكون مقدار الخمسة الأوسق بالصاع الموجود في زمنه صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة صاع، والآن يقدر الصاع بثلاثة كيلو، وعليه فمقدار زكاة الفطر ثلاثة كيلو.
ومعلوم أن الصاع يتفاوت من مكان إلى مكان، والصاع الذي تتعلق به الأحكام ليس أي صاع يضعه الناس، فقد يضعون صاعاً صغيراً وقد يضعون صاعاً كبيراً، فالأحكام الشرعية تتعلق بصاع رسول الله عليه الصلاة والسلام.



تراجم رجال إسناد حديث (رخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن داود بن الحصين] .
داود بن الحصين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مولى ابن أبي أحمد] .
هو أبو سفيان، قيل: اسمه وهب، وقيل: قزمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً.



تفسير العرايا



شرح أثر عبد ربه الأنصاري في تفسير العرايا
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب تفسير العرايا.
حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن عبد ربه بن سعيد الأنصاري أنه قال: العرية الرجل يعري الرجل النخلة، أو الرجل يستثني من ماله النخلة أو الاثنتين يأكلها فيبيعها بتمر] .
هذا تفسير من عبد ربه بن سعيد الأنصاري، وهو أخو يحيى بن سعيد الذي مر ذكره قريباً، قال: العرية أن يعري الرجل النخلة أو يستثني من ماله النخلة أو النخلتين يأكلها فيبيعها بتمر، يعني: أنه يبيع بستانه، ويستثني منه بعض النخلات، ثم إنه يبيعها بتمر والرطب على رءوسها، وهذا تفسير ضيق؛ لأنه قال: نخلة أو نخلتين، مع أن الأمر أوسع من هذا، فيجوز أن يباع للشخص الواحد ما دون خمسة أوسق.



تراجم رجال إسناد أثر عبد ربه الأنصاري في تفسير العرايا
قوله: [حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني] .
أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود.
[حدثنا ابن وهب] .
ابن وهب مر ذكره.
[أخبرنا عمرو بن الحارث] .
هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد ربه بن سعيد الأنصاري] .
هو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.



شرح أثر محمد بن إسحاق في تفسير العرايا
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هناد بن السري عن عبدة عن ابن إسحاق قال: العرايا أن يهب الرجل للرجل النخلات فيشق عليه أن يقوم عليها فيبيعها بمثل خرصها] .
هذا تفسير من ابن إسحاق للعرايا، قال: العرايا أن يهب الرجل للرجل النخلات، فيشق عليه أن يقوم عليها، فيبيعها بمثل خرصها، وهذا تفسير آخر يختلف عن الذي تقدم، إلا أنه يشبهه من ناحية أن الذي اشترى بالتمر هو صاحب البستان، اشترى من الشخص الذي أعراه وأعطاه، ولكن التفسير الأوضح هو الذي الذي جاء ذكره في الأحاديث السابقة.
وقال بعض العلماء: العرايا أن يتضرر صاحب البستان بدخول هذا الذي أعطاه عليه دائماً، فيريد أن يتخلص من دخوله وكثرة تردده؛ لأن في ذلك مشقة عليه، فيتخلص منه بأن يشتري ما منحه إياه خرصاً، ويعطيه ما يقابله تمراً، وهذا فيه شراء الصدقة، فيكون مستثنى من النهي عن شراء الصدقة، لكن الذي يظهر أن العرايا استثناء من بيع الثمر على رءوس النخل بتمر كما جاءت الإشارة إليه في الأحاديث السابقة.



تراجم رجال إسناد أثر محمد بن إسحاق في تفسير العرايا
قوله: [حدثنا هناد بن السري] .
هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبدة] .
هو عبدة بن سليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن إسحاق] .
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.



الأسئلة



حكم أخذ عربون في شراء الذهب
السؤال شخص رغب في شراء ذهب معين، ولم يتوافر لديه قيمة هذا الذهب، فأشار إليه البائع أن يأخذ منه عربوناً حتى يحفظ له الذهب حتى تكتمل معه القيمة، فما الحكم؟
الجواب لا يجوز هذا أبداً، لا يجوز أن يشتري ذهباً ولم يسلم القيمة كاملة، وكونه أعطاه بعض القيمة، أو كانت القيمة كلها مؤجلة فالنتيجة واحدة، فالعربون هو جزء من القيمة، وليس شيئاً خارجاً عن القيمة.



حكم شراء الذهب مع بقاء شيء من المبلغ عند صاحب الذهب
السؤال اشترى رجل ذهباً بخمسين ريالاً، وأعطى البائع مائة، وقال له: رد علي الباقي، فقال البائع: ليس عندي الآن، ولكن تعال غداً، فما الحكم؟
الجواب لا يصلح هذا، ولو كانت السلعة غير الذهب والفضة لجاز، لكن إن كانت ذهباً أو فضة فلا يجوز أن يفترقا وبينهما شيء، فلابد من التقابض.



حكم صرف عشرة ريالات ورقية بتسعة ريالات معدنية
السؤال ما حكم صرف عشرة ريالات ورقية بتسعة ريالات معدنية؟
الجواب ينبغي ألا يفعل ذلك، وإن كان بعض أهل العلم في هذا الزمان يجوزونه، لكن: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 378.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 372.25 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (1.54%)]