كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله - الصفحة 9 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 817 - عددالزوار : 203805 )           »          وقفات مع قول الله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 101 - عددالزوار : 93980 )           »          اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ الفلسطيني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          غُول الرِّبا وفكّه المفترس وسمومه الفتّاكة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كيف ارتمت الشعوب في غـرام العربية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          العفة في التراث الأدبي العربي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          معركة بين أدوات مشروع واحد! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حدود وخلفيات الإلحاح الأوروبي على الدولة الفلسطينية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          مراتب صيام عاشوراء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #81  
قديم 11-12-2021, 02:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,904
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (81)
صــــــــــ 156 الى صـــــــــــ160

باب ميقات العمرة مع الحج

( قال الشافعي ) رحمه الله :
وميقات العمرة والحج واحد ومن قرن أجزأت عنه حجة الإسلام وعمرته وعليه دم القران ومن أهل بعمرة ثم بدا له أن يدخل عليها حجة فذلك له ما بينه وبين أن يفتتح الطواف بالبيت فإذا افتتح الطواف بالبيت فقد دخل في العمل الذي يخرجه من الإحرام ، فلا يجوز له أن يدخل في إحرام ولم يستكمل الخروج من إحرام قبله ، فلا يدخل إحراما على إحرام ليس مقيما عليه ، وهذا قول عطاء وغيره من أهل العلم ، فإذا أخذ في الطواف فأدخل عليه الحج لم يكن به محرما ولم يكن عليه قضاؤه ولا فدية لتركه ، فإن قال قائل : وكيف كان له أن يكون مفردا بالعمرة ثم يدخل عليها حجا ؟ قيل : لأنه لم يخرج من إحرامها ، وهذا لا يجوز في صلاة ولا صوم وقيل له إن شاء الله : { أهلت عائشة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون القضاء ، فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم القضاء فأمر من لم يكن معه هدي أن يجعل إحرامه عمرة ، فكانت معتمرة بأن لم يكن معها هدي فلما حال المحيض بينها وبين الإحلال من عمرتها ورهقها الحج أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدخل عليها الحج ففعلت فكانت قارنة } ، فبهذا قلنا يدخل الحج على العمرة ما لم يفتتح الطواف [ ص: 156 ] وذكرت له قران الحج والعمرة فإذا قال جائز قيل أفيجوز هذا في صلاتين أن تقرنا أو في صومين ؟ فإن قال : لا ، قيل فلا يجوز أن تجمع بين ما تفرق أنت بينه ( قال الشافعي ) ولو أهل بالحج ثم أراد أن يدخل عليه عمرة فإن أكثر من لقيت وحفظت عنه يقول : ليس ذلك له ، وإذا لم يكن ذلك له فلا شيء عليه في ترك العمرة من قضاء ولا فدية .

( قال الشافعي ) فإن قال قائل فكيف إذا كانت السنة أنهما نسكان يدخل أحدهما في الآخر ويفترقان في أنه إذا أدخل الحج على العمرة فإنما زاد إحراما أكثر من إحرام العمرة ، فإذا أدخل العمرة على الحج زاد إحراما أقل من إحرام الحج وهذا وإن كان كما وصفت فليس بفرق يمنع أحدهما أن يكون قياسا على الآخر لأنه يقاس ما هو أبعد منه ، ولا أعلم حجة في الفرق بين هذا إلا ما وصفت من أنه الذي أحفظ عمن سمعت عنه ممن لقيت ، وقد يروى عن بعض التابعين ، ولا أدري هل يثبت عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيء أم لا فإنه قد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وليس يثبت ، ومن رأى أن لا يكون معتمرا فلا يجزي عنه من عمرة الإسلام ولا هدي عليه ولا شيء لتركها ومن رأى له أن يدخل العمرة على الحج رأى أن يجزي عنه من حجة الإسلام وعمرته وإذا أهل الرجل بعمرة ثم أقام بمكة إلى الحج أنشأ الحج من مكة وإذا أهل بالحج ثم أراد العمرة أنشأ العمرة من أي موضع شاء إذا خرج من الحرم وقد أجدهما إذا أقام عامهما بمكة أهل كإهلال أهل الآفاق أن يرجعوا إلى مواقيتهم ، فإن قال قائل . ما الحجة فيما وصفت ؟ قيل أهل عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه بعمرة ثم أمرهم يهلون بالحج إذا توجهوا إلى منى من مكة فكانت العمرة إذا حج قبلها قياسا على هذا ولم أعلم في هذا خلافا من أحد حفظت عنه ممن لقيته ، فإن قال قائل : قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر يعمر عائشة من التنعيم فعائشة كان إحرامها عمرة فأهلت بالحج من مكة وعمرتها من التنعيم نافلة ، فليست في هذا حجة عندنا لما وصفنا .
ومن أهل بعمرة من خارج الحرم فذلك مجزئ عنه ، فإن لم يكن دخل قبلها بحج أو عمرة ثم أقام بمكة فكانت عمرته الواجبة رجع إلى ميقاته وهو محرم في رجوعه ذلك ولا شيء عليه إذا جاء ميقاته محرما وإن لم يفعل أهراق دما فكانت عمرته الواجبة عليه مجزئة عنه .
ومن أهل بعمرة من مكة ففيها قولان ، أحدهما أنه إذا لم يخرج إلى الحل حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة لم يكن حلالا وكان عليه أن يخرج فيلبي بتلك العمرة خارجا من الحرم ثم يطوف بعدها ويسعى ويحلق أو يقصر ولا شيء عليه ، إن لم يكن حلق ، وإن كان حلق أهراق دما ، وإن كان أصاب النساء فهو مفسد لعمرته وعليه أن يلبي خارجا من الحرم ثم يطوف ويسعى ويقصر أو يحلق وينحر بدنة ثم يقضي هذه العمرة إذا أفسدها بعمرة مستأنفة وإنما خروجه من الحرم لهذه العمرة المفسدة ، والقول الآخر أن هذه عمرة ويهريق دما لها ، والقول الأول أشبه بها والله أعلم ولكنه لو أهل بحج من مكة ولم يكن دخل مكة محرما ولم يرجع إلى ميقاته أهراق دما لتركه الميقات وأجزأت عنه من حجة الإسلام الحج من مكة لأن عماد الحج في غير الحرم وذلك عرفة وجميع عمل العمرة سوى الوقت في الحرم فلا يصلح أن يبتدئ من موضع منتهى عملها وعماده ، وأكره للرجل أن يهل بحج أو عمرة من ميقاته ثم يرجع إلى بلده أو يقيم بموضعه وإن فعل فلا فدية عليه ولكن أحب له أن يمضي [ ص: 157 ] لوجهه فيقصد قصد نسكه ( قال ) وكذلك أكره له أن يسلك غير طريقة مما هو أبعد منها لغير أمر ينوبه أو رفق به ، فإن نابه أمر أو كانت طريق أرفق من طريق فلا أكره ذلك له ولا فدية في أن يعرج وإن كان لغير عذر ومن أهل بعمرة في سنة فأقام بمكة أو في بلده أو في طريق سنة أو سنتين كان على إحرامه حتى يطوف بالبيت وكانت هذه العمرة مجزئة عنه لأن وقت العمرة في جميع السنة وليست كالحج الذي إذا فات في عامه ذلك لم يكن له المقام على إحرامه وخرج منه وقضاه وأكره هذا له للتعزير بإحرامه ولو أهل بعمرة مفيقا ثم ذهب عقله ثم طاف مفيقا أجزأت عنه وعماد العمرة الإهلال والطواف ولا يضر المعتمر ما بينهما من ذهاب عقله .

( قال الشافعي ) فقال قائل :
لم جعلت على من جاوز الميقات غير محرم أن يرجع إليه إن لم يخف فوت الحج ؟ قلت له لما أمر في حجه بأن يكون محرما من ميقاته وكان في ذلك دلالة على أنه يكون فيما بين ميقاته والبيت محرما ولا يكون عليه في ابتدائه الإحرام من أهله إلى الميقات محرما قلت له ارجع حتى تكون مهلا في الموضع الذي أمرت أن تكون مهلا به على الابتداء وإنما قلناه مع قول ابن عباس لما يشبه من دلالة السنة فإن قال قائل : فلم قلت إن لم يرجع إليه لخوف فوت ولا غير عذر بذلك ولا غيره أهراق دما عليه ؟ قلت له لما جاوز ما وقت له رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك أن يأتي بكمال ما عليه أمرناه أن يأتي بالبدل مما ترك فإن قال فكيف جعلت البدل من ترك شيء يلزمه في عمل يجاوزه ومجاوزته الشيء ليس له ثم جعلت البدل منه دما يهريقه وأنت إنما تجعل البدل في غير الحج شيئا عليه فتجعل الصوم بالصوم والصلاة بالصلاة ؟ قلت إن الصوم والصلاة مخالفان الحج مختلفان في أنفسهما قال فأنى اختلافهما ؟ قلت يفسد الحج فيمضي فيه ويأتي ببدنة والبدل وتفسد الصلاة فيأتي بالبدل ولا يكون عليه كفارة ويفوته يوم عرفة وهو محرم فيخرج من الحج بطواف وسعي ويحرم بالصلاة في وقت فيخرج الوقت فلا يخرج منها ويفوته الحج فلا يقضيه إلا في مثل يومه من سنته وتفوته الصلاة فيقضيها إذا ذكرها من ساعته ويفوته الصوم فيقضيه من غد ويفسده عندنا عندك بقيء وغيره فلا يكون عليه كفارة ويعود له ويفسده بجماع فيجب عليه عتق رقبة إن وجده وبدل مع اختلافهما فيما سوى ما سمينا فكيف تجمع بين المختلف حيث يختلف ؟ .

( قال الشافعي ) وقلت له الحجة في هذا أنا لم نعلم مخالفا في أن للرجل أن يهل قبل أن يأتي ميقاته ولا في أنه إن ترك الإهلال من ميقاته ولم يرجع إليه أجزأه حجه وقال أكثر أهل العلم يهريق دما وقال أقلهم لا شيء عليه وحجه مجزئ عنه ومن قول أكثرهم فيه أن قالوا في التارك البيتوتة بمنى وتارك مزدلفة يهريق دما ، وقلنا في الجمار يدعها يهريق دما فجعلنا وجعلوا الإبدال في أشياء من عمل الحج دما ( قال ) وإذا جاوز المكي ميقاتا أتى عليه يريد حجا أو عمرة ثم أهل دونه فمثل غيره يرجع أو يهريق دما ، فإن قال قائل : وكيف قلت هذا في المكي وأنت لا تجعل عليه دم المتعة ؟ قيل لأن الله عز وجل قال { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام }
باب الغسل للإهلال

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الدراوردي وحاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه قال حدثنا { جابر بن عبد الله الأنصاري وهو يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال فلما كنا بذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل والإحرام } .

( قال الشافعي ) فأستحب الغسل عند الإهلال للرجل والصبي والمرأة والحائض والنفساء وكل من أراد الإهلال اتباعا للسنة ومعقول أنه يجب إذا دخل المرء في نسك لم يكن فيه أن يدخله إلا بأكمل الطهارة وأن يتنظف له لامتناعه من إحداث الطيب في الإحرام وإذا اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة وهي نفساء لا يطهرها الغسل للصلاة فاختار لها الغسل كان من يطهره الغسل للصلاة أولى أن يختار له أو في مثل معناه أو أكثر منه وإذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء أن تغتسل وتهل وهي في الحال التي أمرها أن تهل فيها ممن لا تحل له الصلاة فلو أحرم من لم يغتسل من جنب أو غير متوضئ أو حائض أو نفساء أجزأ عنه الإحرام لأنه إذا كان يدخل في الإحرام والداخل فيه ممن لا تحل له الصلاة لأنه غير طاهر جاز أن يدخل فيه كل من لا تحل له الصلاة من المسلمين في وقته الذي دخل فيه ولا يكون عليه فيه فدية وإن كنت أكره ذلك له ، وأختار له الغسل وما تركت الغسل للإهلال ولقد كنت أغتسل له مريضا في السفر وإني أخاف ضرر الماء وما صحبت أحدا أقتدي به فرأيته تركه ولا رأيت منهم أحدا عدا به أن رآه اختيارا
( قال الشافعي ) وإذا كانت النفساء والحائض من أهل أفق فخرجتا طاهرتين فحدث لهما نفاس أو حيض أو كانتا نفساوين أو حائضين بمصرهما فجاء وقت حجهما فلا بأس أن تخرجا محرمتين بتلك الحال وإن قدرتا إذا جاءتا ميقاتهما أن تغتسلا فعلتا ، وإن لم تقدرا ولا الرجل على ماء أحببت لهم أن يتيمموا معا ثم يهلوا بالحج أو العمرة ، ولا أحب للنفساء والحائض أن تقدما إحرامهما قبل ميقاتهما وكذلك إن كان بلدهما قريبا آمنا وعليهما من الزمان ما يمكن فيه طهورهما وإدراكهما الحج بلا مفاوتة ولا علة أحببت استئخارهما لتطهرها فتهلا طاهرتين ، وكذلك إن كانتا من دون المواقيت أو من أهل المواقيت وكذلك إن كانتا مقيمتين بمكة لم تدخلاها محرمتين فأمرتهما بالخروج إلى ميقاتهما بحج أحببت إذا كان عليهما وقت أن لا تخرجا إلا طاهرتين أو قرب تطهرهما لتهلا من الميقات طاهرتين ، ولو أقامتا بالميقات حتى تطهرا كان أحب إلي وكذلك إن أمرتهما بالخروج لعمرة قبل الحج وعليهما ما لا يفوتهما معه الحج أو من أهلها أحببت لهما أن تهلا طاهرتين وإن أهلتا في هذه الأحوال كلها مبتدئتي وغير مبتدئتي سفر غير طاهرتين أجزأ عنهما ولا فدية على واحدة منهما وكل ما عملته الحائض من عمل الحج عمله الرجل جنبا وعلى غير وضوء والاختيار له أن لا يعمله كله إلا طاهرا وكل عمل الحج تعمله الحائض وغير الطاهر من الرجال إلا الطواف بالبيت والصلاة فقط .
باب الغسل بعد الإحرام

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن [ ص: 159 ] إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه أن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء فقال عبد الله بن عباس : يغسل المحرم رأسه ، وقال المسور لا يغسل المحرم رأسه ، فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري أسأله فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يستتر بثوب قال فسلمت فقال : من هذا ؟ فقلت أنا عبد الله أرسلني إليك ابن عباس أسألك { كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم ؟ قال فوضع أبو أيوب يديه على الثوب فطأطأ حتى بدا لي رأسه ثم قال لإنسان يصب عليه اصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيده فأقبل بهما وأدبر ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل } أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني عطاء أن صفوان بن يعلى أخبره عن أبيه يعلى بن أمية أنه قال : بينما عمر بن الخطاب يغتسل إلى بعير وأنا أستر عليه بثوب إذ قال عمر يا يعلى اصبب على رأسي ؟ فقلت : أمير المؤمنين أعلم ، فقال عمر بن الخطاب : والله لا يزيد الماء الشعر إلا شعثا فسمى الله ثم أفاض على رأسه أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه بلغه أن ناسا تماقلوا بين يدي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو بساحل من السواحل وعمر ينظر إليهم فلم ينكره عليهم ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال : ربما قال لي عمر بن الخطاب تعال أباقيك في الماء أينا أطول نفسا ونحن محرمون ؟ أخبرنا سعيد بن سالم قال أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال الجنب المحرم وغير المحرم إذا اغتسل دلك جلده إن شاء ولم يدلك رأسه قال ابن جريج فقلت له لم يدلك جلده إن شاء ولا يدلك رأسه ؟ قال من أجل أنه يبدو له من جلده ما لا يبدو له من رأسه أخبرنا ابن عيينة عن أيوب عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال : تماقل عاصم بن عمر وعبد الرحمن بن زيد وهما محرمان وعمر ينظر .

( قال الشافعي ) وبهذا كله نأخذ فيغتسل المحرم من غير جنابة ولا ضرورة ويغسل رأسه ويدلك جسده بالماء وما تغير من جميع جسده لينقيه ويذهب تغيره بالماء وإذا غسل رأسه أفرغ عليه الماء إفراغا ، وأحب إلي هويه إن لم يغسله من جنابة أن لا يحركه بيديه فإن فعل رجوت أن لا يكون في ذلك ضيق وإذا غسله من جنابة أحببت أن يغسله ببطون أنامله ويديه ويزايل شعره مزايلة رفيقة ويشرب الماء أصول شعره ولا يحكه بأظفاره ويتوقى أن يقطع منه شيئا فإن حركه تحريكا خفيفا أو شديدا ، فخرج في يديه من الشعر شيء فالاحتياط أن يفديه ولا يجب عليه أن يفديه يستيقن أنه قطعه أو نتفه بفعله وكذلك ذلك في لحيته لأن الشعر قد ينتتف ويتعلق بين الشعر فإذا مس أو حرك خرج المنتتف منه ولا يغسل رأسه بسدر ولا خطمي لأن ذلك يرجله فإن فعل أحببت لو افتدى ولا أعلم ذلك واجبا ولا يغطس المحرم رأسه في الماء إذا كان قد لبده مرارا ليلين عليه ويدلك المحرم جسده دلكا شديدا إن شاء لأنه ليس في بدنه من الشعر ما يتوقى كما يتوفاه في رأسه ولحيته وإن قطع من الشعر شيئا من دلكه إياه فداه .
باب دخول المحرم الحمام

أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) ولا أكره دخول الحمام للمحرم لأنه غسل ، والغسل مباح لمعنيين [ ص: 160 ] للطهارة والتنظيف ، وكذلك هو في الحمام والله أعلم ، ويدلك الوسخ عنه في حمام كان أو غيره ، وليس في الوسخ نسك ولا أمر نهي عنه ولا أكره للمحرم أن يدخل رأسه في ماء سخن ولا بارد جار ولا نافع .
باب الموضع الذي يستحب فيه الغسل

( قال الشافعي ) أستحب الغسل للدخول في الإهلال ولدخول مكة وللوقوف عشية عرفة وللوقوف بمزدلفة ولرمي الجمار سوى يوم النحر وأستحب الغسل بين هذا عند تغير البدن بالعرق وغيره تنظيفا للبدن ، وكذلك أحبه للحائض ، وليس من هذا واحد واجب ، وروى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عثمان بن عروة عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات بذي طوى حتى صلى الصبح ثم اغتسل بها ودخل مكة } وروى عن أم هانئ بنت أبي طالب وروى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يغتسل بمنزله بمكة حين يقدم قبل أن يدخل المسجد ، وروى عن صالح بن محمد بن زائدة عن أم ذرة ، أن عائشة رضي الله عنها كانت تغتسل بذي طوى حين تقدم مكة .

( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا خرج حاجا أو معتمرا لم يدخل مكة حتى يغتسل ويأمر من معه فيغتسلوا .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #82  
قديم 11-12-2021, 02:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,904
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (82)
صــــــــــ 161 الى صـــــــــــ165

باب ما يلبس المحرم من الثياب

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة أنه سمع عمرو بن دينار يقول سمعت أبا الشعثاء جابر بن زيد يقول سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول { إذا لم يجد المحرم نعلين لبس خفين وإذا لم يجد إزارا لبس سراويل } أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا الخفين إلا لمن لا يجد نعلين ، فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين } أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فيلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين } أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بزعفران أو ورس ، وقال من لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين } .

( قال الشافعي ) استثنى النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يجد نعلين أن يلبس خفين ويقطعهما أسفل من الكعبين .

( قال الشافعي ) ومن لم يجد إزارا لبس سراويل فهما سواء ، غير أنه لا يقطع من السراويل شيئا ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقطعه ، وأيهما لبس ثم وجد بعد ذلك نعلين ، لبس النعلين وألقى الخفين ، وإن وجد بعد أن لبس السراويل إزارا لبس الإزار وألقى السراويل ، فإن لم يفعل افتدى ، أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تلبس [ ص: 161 ] المعصفرات المشبعات وهي محرمة ليس فيها زعفران ، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن علي قال : أبصر عمر بن الخطاب على عبد الله بن جعفر ثوبين مضرجين وهو محرم فقال : ما هذه الثياب ؟ فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ما أخال أحدا يعلمنا السنة ، فسكت عمر .
باب ما تلبس المرأة من الثياب

أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سمعه يقول : لا تلبس المرأة ثياب الطيب وتلبس الثياب المعصفرة ، ولا أرى المعصفر طيبا ، أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان يفتي النساء إذا أحرمن أن يقطعن الخفين حتى أخبرته صفية عن عائشة أنها كانت تفتي النساء أن لا يقطعن ، فانتهى عنه .

( قال الشافعي ) لا تقطع المرأة الخفين ، والمرأة تلبس السراويل والخفين والخمار والدرع من غير ضرورة كضرورة الرجل ، وليست في هذا كالرجل ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال : في كتاب علي رضي الله عنه من لم يجد نعلين ووجد خفين فليلبسهما قلت : أتتيقن بأنه كتاب علي ؟ قال : ما أشك أنه كتابه ؟ قال : وليس فيه فليقطعهما ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : من لم يكن له إزار وله تبان أو سراويل فليلبسهما ، قال سعيد بن سالم : لا يقطع الخفان .

( قال الشافعي ) أرى أن يقطعا ، لأن ذلك في حديث ابن عمر ، وإن لم يكن في حديث ابن عباس ، وكلاهما صادق حافظ ، وليس زيادة أحدهما على الآخر شيئا لم يؤده الآخر ، إما عزب عنه وإما شك فيه فلم يؤده ، وإما سكت عنه وإما أداه فلم يؤد عنه لبعض هذه المعاني اختلافا ، وبهذا كله نقول إلا ما بينا أنا ندعه ، والسنة ، ثم أقاويل أكثر من حفظت عنه من أهل العلم تدل على أن الرجل والمرأة المحرمين يجتمعان في اللبس ويفترقان . فأما ما يجتمعان فيه فلا يلبس واحد منهما ثوبا مصبوغا بزعفران ولا ورس ، وإذا لم يلبس ثوبا مصبوغا بزعفران ولا ورس لأنهما طيب ، فصبغ الثوب بماء الورد أو المسك أو العنبر أو غير ذلك من الطيب الذي هو أطيب من الورس أو مثله ، أو ما يعد طيبا كان أولى أن لا يلبسانه ، كان ذلك مما له لون في الثوب أو لم يكن له ، إذا كانت له رائحة طيبة توجد والثوب جاف أو رطب ، ولو أخذ ماء ورد فصبغ به ثوبا فكان رائحته توجد منه والثوب جاف أو مبلول لأنه أثر طيب في الثوب لم يلبسه المحرمان وكذلك لو صعد له زعفران حتى يبيض لم يلبسه المحرمان وكذلك لو غمس في نضوح أو ضياع أو غير ذلك وكذلك لو عصر له الريحان العربي أو الفارسي أو شيئا من الرياحين التي كره للمحرم شمها فغمس في مائه لم يلبسه المحرمان ، وجماع هذا أن ينظر إلى كل ما كان طيبا لا يشمه المحرم فإذا استخرج ماؤه بأي وجه استخرج نيئا كان أو مطبوخا ثم غمس فيه الثوب فلا يجوز للمحرم ولا [ ص: 162 ] للمحرمة لبسه وما كان مما يجوز للمحرم والمحرمة شمه من نبات الأرض الذي لا يعد طيبا ولا ريحانا مثل الإذخر والضرو والشيح والقيصوم والبشام وما أشبهه ، أو ما كان من النبات المأكول الطيب الريح مثل الأترج والسفرجل والتفاح فعصر ماؤه خالصا فغمس فيه الثوب فلو توقاه المحرمان كان أحب إلي وإن لبساه فلا فدية عليهما ويجتمعان في أن لا يتبرقعان ولا يلبسان القفازين ويلبسان معا الثوب المصبوغ بالعصفر مشبعا كان أو غير مشبع ، وفي هذا دلالة على أن لم يمنع لبس المصبوغ بالورس والزعفران للونه وأن اللون إذا لم يكن طيبا لم يصنع شيئا ولكن إنما نهى عما كان طيبا والعصفر ليس بطيب ، والذي أحب لهما معا أن يلبسا البياض وأكره لهما كل شهرة من عصفر وسواد وغيره ، ولا فدية عليهما إن لبسا غير المطيب ويلبسان الممشق وكل صباغ بغير طيب ولو تركا ذلك ولبسا البياض كان أحب إلي الذي يقتدى به ولا يقتدى به ، أما الذي يقتدى به فلما قال عمر بن الخطاب " يراه الجاهل فيذهب إلى أن الصبغ واحد فيلبس المصبوغ بالطيب " وأما الذي لا يقتدى به فأخاف أن يساء الظن به حين يترك مستحقا بإحرامه ، وهذا وإن كان كما وصفت فالمقتدى به وغير المقتدى به يجتمعان ، فيترك العالم عند من جهل العلم مستحقا بإحرامه ، وإذا رأى الجاهل فلم ينكر عليه العالم رأى من يجهل أنه لم يقر الجاهل إلا وهذا جائز عند العالم فيقول الجاهل : قد رأيت فلانا العالم رأى من لبس ثوبا مصبوغا وصحبه فلم ينكر عليه ذلك ، ثم تفارق المرأة الرجل فيكون لها لبس الخفين ولا تقطعهما وتلبسهما وهي تجد نعلين من قبل أن لها لبس الدرع والخمار والسراويل ، وليس الخفان بأكثر من واحد من هذا ولا أحب لها أن تلبس نعلين وتفارق المرأة الرجل فيكون إحرامها في وجهها وإحرام الرجل في رأسه فيكون للرجل تغطية وجهه كله من غير ضرورة ولا يكون ذلك للمرأة ويكون للمرأة إذا كانت بارزة تريد الستر من الناس أن ترخي جلبابها أو بعض خمارها أو غير ذلك من ثيابها من فوق رأسها وتجافيه عن وجهها حتى تغطي وجهها متجافيا كالستر على وجهها ولا يكون لها أن تنتقب أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال تدلي عليها من جلبابها ولا تضرب به ، قلت وما لا تضرب به ؟ فأشار إلي كما تجلبب المرأة ، ثم أشار إلى ما على خدها من الجلباب فقال لا تغطيه فتضرب به على وجهها فذلك الذي يبقى عليها ولكن تسدله على وجهها كما هو مسدولا ، ولا تقلبه ولا تضرب به ولا تعطفه ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال ، لتدل المرأة المحرمة ثوبها على وجهها ولا تنتقب .

( قال الشافعي ) ولا ترفع الثوب من أسفل إلى فوق ولا تغطي جبهتها ولا شيئا من وجهها إلا ما لا يستمسك الخمار إلا عليه مما يلي قصاص شعرها من وجهها مما يثبت الخمار ويستر الشعر لأن الخمار لو وضع على قصاص الشعر فقط انكشف الشعر ويكون لها الاختمار ولا يكون للرجل التعمم ولا يكون له لبس الخفين إلا أن لا يجد نعلين فيلبسهما ويقطعهما أسفل من الكعبين ولا يكون له لبس السراويل إلا أن لا يجد إزارا فيلبسه ولا يقطع منه شيئا ويكون ذلك لها ويلبسان رقيق الوشي والعصب ودقيق القطن وغليظه والمصبوغ كله بالمدر لأن المدر ليس بطيب والمصبوغ بالسدر وكل صبغ عدا الطيب .
وإذا أصاب الثوب طيب فبقي ريحه فيه لم يلبساه وكان كالصبغ ولو صبغ ثوب بزعفران أو ورس فذهب ريح الزعفران أو الورس من الثوب لطول لبس أو غيره وكان إذا أصاب واحدا منهما [ ص: 163 ] الماء حرك ريحه شيئا وإن قل لم يلبسه المحرم وإن كان الماء إذا أصابهما لم يحرك واحدا منهما فلو غسلا كان أحب إلي وأحسن وأحرى أن لا يبقى في النفس منهما شيء وإن لم يغسلا رجوت أن يسع لبسهما إذا كانا هكذا لأن الصباغ ليس بنجس وإنما أردنا بالغسل ذهاب الريح فإن ذهب الريح بغير غسل رجوت أن يجزئ ولو كان أمره أن لا يلبس من الثياب شيئا مسه الزعفران أو الورس بحال كان إن مسه ثم ذهب لم يجز لبسه بعد غسلات ولكنه إنما أمر أن لا يلبسه إذا كان الزعفران والورس موجودا في ذلك الحين فيه والله أعلم وما قلت موجود من ذلك في الخبر والله أعلم
( قال ) وكذلك لو صبغ ثوب بعد الزعفران والورس بسدر أو سواد فكانا إذا مسهما الماء لم يظهر للزعفران والورس ريح كان له لبسهما ولو كان الزعفران والورس إذا مسهما الماء يظهر لهما شيء من ريح الزعفران أو الورس لم يلبسهما ولو مس زعفران أو ورس بعض الثوب لم يكن للمحرم لبسه حتى يغسل ويعقد المحرم عليه إزاره لأنه من صلاح الإزار ، والإزار ما كان معقودا ولا يأتزر ذيلين ثم يعقد الذيلين من ورائه ولا يعقد رداءه عليه ولكن يغرز طرفي ردائه إن شاء في إزاره أو في سراويله إذا كان الرداء منشورا فإن لبس شيئا مما قلت ليس له لبسه ذاكرا عالما أنه لا يجوز له لبسه ، افتدى وقليل لبسه له وكثيره سواء . فإن قنع المحرم رأسه طرفة عين ذاكرا عالما أو انتقبت المرأة أو لبست ما ليس لها أن تلبسه فعليهما الفدية ولا يعصب المحرم رأسه من علة ولا غيرها فإن فعل افتدى وإن لم يكن ذلك لباسا . أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في المحرم يلوي الثوب على بطنه من ضرورة أو من برد قال : إذا لواه من ضرورة فلا فدية ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن هشام بن حجير عن طاوس قال رأيت ابن عمر يسعى بالبيت وقد حزم على بطنه بثوب ، أخبرنا سعيد بن سالم عن إسماعيل بن أمية أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر لم يكن عقد الثوب عليه إنما غرز طرفيه على إزاره أخبرنا سعيد بن سالم عن مسلم بن جندب قال : جاء رجل يسأل ابن عمر وأنا معه قال " أخالف بين طرفي ثوبي من ورائي ثم أعقده وأنا محرم " فقال عبد الله " لا تعقد شيئا " أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كره للمحرم أن يتوشح بالثوب ثم يعقد طرفيه من ورائه إلا من ضرورة ، فإن فعل من ضرورة لم يفتد ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا محتزما بحبل أبرق فقال انزع الحبل مرتين } ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء في المحرم : يجعل المكتل على رأسه ؟ فقال : نعم لا بأس بذلك وسألته عن العصابة يعصب بها المحرم رأسه ؟ فقال : لا العصابة تكفت شعرا كثيرا
( قال الشافعي ) لا بأس أن يرتدي المحرم ويطرح عليه القميص والسراويل والفرو وغير ذلك ما لم يلبسه لباسا وهو كالرداء ، ولا بأس أن يغسل المحرم ثيابه وثياب غيره ويلبس غير ما أحرم فيه من الثياب ما لم يكن من الثياب المنهي عن لبسها ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال " وليلبس المحرم من الثياب ما لم يهل فيه " أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بالممشق للمحرم بأسا أن يلبسه وقال : إنما هو مدرة ، أخبرنا سعيد بن سالم قال الربيع أظنه عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بأسا أن يلبس المحرم ساجا ما لم يزره عليه فإن زره عليه عمدا افتدى كما يفتدي إذا تقمص عمدا ( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ
( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى [ ص: 164 ] بلبس العصفر والزعفران للمحرم بأسا ما لم يجد ريحه .

( قال الشافعي ) أما العصفر فلا بأس به وأما الزعفران فإذا كان إذا مسه الماء ظهرت رائحته فلا يلبسه المحرم وإن لبسه افتدى ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة أنها قالت كنا عند عائشة إذ جاءتها امرأة من نساء بني عبد الدار يقال لها تملك فقالت يا أم المؤمنين إن ابنتي فلانة حلفت أنها لا تلبس حليها في الموسم فقالت عائشة " قولي لها إن أم المؤمنين تقسم عليك إلا لبست حليك كله " أخبرنا سعيد عن موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة وعبد الله بن دينار قالا : من السنة أن تمسح المرأة يديها عند الإحرام بشيء من الحناء ولا تحرم وهي عفا ( قال الشافعي ) وكذلك أحب لها
( قال ) إن اختضبت المحرمة ولفت على يديها رأيت أن تفتدي وأما لو مسحت يديها بالحناء فإني لا أرى عليها فدية وأكرهه ، لأنه ابتداء زينة ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن ناسا سألوه عن الكحل الإثمد للمرأة المحرمة الذي ليس فيه طيب قال أكرهه لأنه زينة وإنما هي أيام تخشع وعبادة .

( قال الشافعي ) والكحل في المرأة أشد منه في الرجل فإن فعلا فلا أعلم على واحد منهما فدية ولكن إن كان فيه طيب فأيهما اكتحل به افتدى ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر أنه إذا رمد وهو محرم أقطر في عينيه الصبر إقطارا ، وأنه قال : يكتحل المحرم بأي كحل إذا رمد ، ما لم يكتحل بطيب ، ومن غير رمد ، ابن عمر القائل .
باب لبس المنطقة والسيف للمحرم

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى :
يلبس المحرم المنطقة ولو جعل في طرفها سيورا فعقد بعضها على بعض لم يضره ويتقلد المحرم السيف من خوف ولا فدية عليه ويتنكب المصحف .
باب الطيب للإحرام

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله قال قال عمر بن الخطاب " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم ما حرم عليكم إلا النساء والطيب " أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم قال { قالت عائشة أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سالم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع } ، أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن { عائشة قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت } أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال سمعت { عائشة وبسطت يديها تقول أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين لإحرامه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت } أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن { عائشة قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 165 ] بيدي هاتين لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت } أخبرنا سفيان بن عيينة عن عثمان بن عروة قال سمعت أبي يقول سمعت { عائشة تقول طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه ولحله فقلت لها بأي الطيب ؟ فقالت بأطيب الطيب } .

وقال عثمان ما روى هشام هذا الحديث إلا عني أخبرنا سفيان بن عيينة عن عطاء بن السائب عن إبراهيم عن الأسود عن { عائشة قالت رأيت وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث } أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع القاسم بن محمد وعروة يخبران عن { عائشة أنها قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي في حجة الوداع للحل والإحرام } أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان أنه سمع عائشة بنت سعد تقول طيبت أبي عند إحرامه بالسك والذريرة أخبرنا سعيد بن سالم عن حسن بن زيد عن أبيه أنه قال رأيت ابن عباس محرما وأن على رأسه لمثل الرب من الغالية .

( قال الشافعي ) وبهذا كله نأخذ فنقول :
لا بأس أن يتطيب الرجل قبل إحرامه بأطيب ما يجد من الطيب غالية ومجمر وغيرهما إلا ما نهي عنه الرجل من التزعفر ولا بأس على المرأة في التطيب بما شاءت من الطيب قبل الإحرام وكذلك لا بأس عليهما أن يفعلا بعد ما يرميان جمرة العقبة ، ويحلق الرجل وتقصر المرأة قبل الطواف بالبيت ، والحجة فيه ما وصفنا من تطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحالين ، وكذلك لا بأس بالمجمر وغيره من الطيب لأنه أحرم وابتدأ الطيب حلالا وهو مباح له ، وبقاؤه عليه ليس بابتداء منه له ، وكذلك إن كان الطيب دهنا أو غيره ولكنه إذا أحرم فمس من الطيب شيئا قل أو كثر بيده أو أمسه جسده وهو ذاكر لحرمته غير جاهل بأنه لا ينبغي له ، افتدى .

وكل ما سمى الناس طيبا في هذه الحال من الأفاويه وغيرها وكل ما كان مأكولا إنما يتخذ ليؤكل أو يشرب لدواء أو غيره ، وإن كان طيب الريح ويصلح في الطيب فلا بأس بأكله ، وشمه وذلك مثل المصطكى والزنجبيل والدارصيني وما أشبه هذا ، وكذلك كل معلوف أو حطب من نبات الأرض مثل الشيح والقيصوم والإذخر وما أشبه هذا ، فإن شمه أو أكله أو دقه فلطخ به جسده فلا فدية عليه ، لأنه ليس بطيب ولا دهن ، والريحان عندي طيب ، وما طيب من الأدهان بالرياحين فبقي طيبا كان طيبا وما ربب بها عندي طيب إذا بقي طيبا مثل الزنبق والخيري والكاذي والبان المنشوش وليس البنفسج بطيب إنما يربب للمنفعة لا للطيب ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سئل : أيشم المحرم الريحان والدهن والطيب ؟ فقال : لا ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال ما أرى الورد والياسمين إلا طيبا

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #83  
قديم 11-12-2021, 02:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,904
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (83)
صــــــــــ 166 الى صـــــــــــ170

( قال الشافعي ) وما مس المحرم من رطب الطيب بشيء من بدنه افتدى وإن مس بيده منه شيئا يابسا لا يبقى له أثر في يده ولا له ريح كرهته له ولم أر عليه الفدية وإنما يفدي من الشم خاصة بما أثر من الطيب من الشم ، لأن غاية الطيب للتطيب وإن جلس إلى عطار فأطال ، أو مر به فوجد ريح الطيب أو وجد ريح الكعبة مطيبة أو مجمرة لم يكن عليه فدية وإن مس خلوق الكعبة جافا كان كما وصفت لا فدية عليه فيه لأنه لا يؤثر ولا يبقى ريحه في بدنه وكذلك الركن وإن مس الخلوق رطبا افتدى وإن انتضح عليه أو [ ص: 166 ] تلطخ به غير عامد له غسله ولا فدية عليه وكذلك لو أصاب ثوبه ولو عقد طيبا فحمله في خرقة أو غيرها وريحه يظهر منها لم يكن عليه فدية وكرهته له لأنه لم يمس الطيب نفسه ولو أكل طيبا أو استعط به أو احتقن به افتدى وإذا كان طعام قد خالطه زعفران أصابته نار أو لم تصبه فانظر ، فإن كان ريحه يوجد أو كان طعم الطيب يظهر فيه فأكله المحرم افتدى وإن كان لا يظهر فيه ريح ولا يوجد له طعم وإن ظهر لونه فأكله المحرم لم يفتد لأنه قد يكثر الطيب في المأكول ويمس النار فيظهر فيه ريحه وطعمه ويقل ولا تمسه نار فلا يظهر فيه طعمه ولا لونه وإنما الفدية وتركها من قبل الريح والطعم وليس للون معنى لأن اللون ليس بطيب وإن حشا المحرم في جرح له طيبا افتدى والأدهان دهنان ، دهن طيب فذلك يفتدي صاحبه إذا دهن به من جسده شيئا قل أو كثر وذلك مثل البان المنشوش بالطيب والزنبق وماء الورد وغيره ( قال ) ودهن ليس بطيب مثل سليخة البان غير المنشوش والشبرق والزيت والسمن والزبد ، فذلك إن دهن به أي جسده شاء غير رأسه ولحيته أو أكله أو شربه فلا فدية عليه فيه ، وإن دهن به رأسه أو لحيته افتدى ، لأنهما في موضع الدهن وهما يرجلان ويذهب شعثهما بالدهن فأي دهن أذهب شعثهما ورجلهما ، بقى فيهما طيبا أو لم يبق ، فعلى المدهن به فدية ، ولو دهن رأسه بعسل أو لبن لم يفتد لأنه لا طيب ولا دهن إنما هو يقذر لا يرجل ولا يهنئ الرأس ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال يدهن المحرم قدميه إذا تشققت بالودك ما لم يكن طيبا ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء ، أنه سأله عن المحرم يتشقق رأسه أيدهن الشقاق منه بسمن ؟ قال : لا ، ولا بودك غير السمن ، إلا أن يفتدي ، فقلت له : إنه ليس بطيب ، قال : ولكنه يرجل رأسه ، قال : فقلت له : فإنه يدهن قدمه إذا تشققت بالودك ما لم يكن طيبا فقال : إن القدم ليست كالشعر إن الشعر يرجل قال عطاء : واللحية في ذلك مثل الرأس .
باب لبس المحرم وطيبه جاهلا

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال { : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فأتاه رجل وعليه مقطعة يعني جبة وهو متضمخ بالخلوق فقال يا رسول الله : إني أحرمت بالعمرة وهذه علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنت تصنع في حجك ؟ قال كنت أنزع هذه المقطعة وأغسل هذا الخلوق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك } أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول : من أحرم في قميص أو جبة فلينزعها نزعا ولا يشقها ( قال الشافعي ) والسنة كما قال عطاء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صاحب الجبة أن ينزعها ولم يأمره بشقها ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء : أرأيت لو أن رجلا أهل من ميقاته وعليه جبة ثم سار أميالا ثم ذكرها فنزعها أعليه أن يعود إلى ميقاته فيحدث إحراما ؟ قال : لا ، حسبه الإحرام الأول .

( قال الشافعي ) وهذا كما قال عطاء إن شاء الله تعالى ، وقد أهل من ميقاته والجبة لا تمنعه أن يكون مهلا ، وبهذا كله نأخذ .

( قال الشافعي ) أحسب من نهى المحرم عن التطيب قبل الإحرام والإفاضة بلغه هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر الأعرابي بغسل الخلوق عنه ونزع الجبة وهو محرم فذهب إلى أن النهي عن الطيب لأن الخلوق كان عنده طيبا وخفي عليهم ما [ ص: 167 ] روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو علموه فرأوه مختلفا فأخذوا بالنهي عن الطيب ، وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي بغسل الخلوق عنه والله أعلم لأنه نهى أن يتزعفر الرجل ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني إسماعيل الذي يعرف بابن علية قال أخبرني عبد العزيز بن صهيب عن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل } ، فإن قال قائل : إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صاحب الجبة بغسل الخلوق يحتمل ما وصفت ويحتمل أن يكون إنما أمره بغسله لأنه طيب وليس للمحرم أن يبقي عليه الطيب ، وإن كان قبل الإحرام قيل له إن شاء الله تعالى فلو كان كما قلت كان منسوخا فإن قال وما نسخه ؟ قلنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الأعرابي بالجعرانة والجعرانة في سنة ثمان وحديث عائشة أنها طيبت النبي صلى الله عليه وسلم لحله وحرمه في حجة الإسلام وهي سنة عشر .

فإن قال فقد نهى عنه عمر قلنا لعله نهى عنه على المعنى الذي وصفت إن شاء الله تعالى فإن قال أفلا تخاف غلط من روى عن عائشة ؟ قيل : هم أولى أن لا يغلطوا ممن روى عن ابن عمر عن عمر لأنه إنما روى هذا عن ابن عمر عن عمر رجل أو اثنان وروى هذا عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ستة أو سبعة ، والعدد الكثير أولى أن لا يغلطوا من العدد القليل ، وكل عندنا لم يغلط إن شاء الله تعالى ولو جاز إذا خالف ما روي عن عمر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطيب أن يخاف غلط من روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز أن يخاف غلط من روى هذا عن عمر ، وإذا كان ، علمنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب وأن عمر كره علما واحدا من جهة الخبر فلا يجوز لأحد أن يزعم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم يترك بحال إلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا لقول غيره وقد خالف عمر سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عباس وغيرهما وقد يترك من يكره الطيب للإحرام والإحلال لقول عمر أقاويل لعمر لقول الواحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأقاويل لعمر لا يخالفه فيها أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخالف عمر لرأي نفسه .

فإذا كان يصنع هذا في بعض قول عمر فكيف جاز أن يدع السنة التي فرض الله تعالى على الخلق اتباعها لقول من يفعل في قوله مثل هذا لعمري لئن جاز له أن يأخذ به فيدع السنة بخلافه فما لا سنة عليه فيه أضيق وأحرى أن لا يخرج من خلافه وهو يكثر خلافه فيما لا سنة فيه ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم السائل بأن ينزع الجبة عنه ويغسل الصفرة ولم يأمره بالكفارة قلنا : من لبس ما ليس له لبسه قبل الإحرام جاهلا بما عليه في لبسه أو ناسيا لحرمه ثم يثبت عليه أي مدة ما ثبت عليه بعد الإحرام أو ابتدأ لبسه بعد الإحرام جاهلا بما عليه في لبسه أو ناسيا لحرمه أو مخطئا به وذلك أن يريد غيره فيلبسه نزع الجبة والقميص نزعا ولم يشقه ولا فدية عليه في لبسه وكذلك الطيب قياسا عليه إن كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بغسله لما وصفنا من الصفرة وإن كان للطيب فهو أكثر أو مثله والصفر جامعة لأنها طيب وصفرة ، فإن قال قائل : كيف قلت هذا في الناسي والجاهل في اللبس والطيب ولم تقله فيمن جز شعره أو قتل صيدا ؟ قيل له إن شاء الله تعالى [ ص: 168 ] قلته خبرا وقياسا وأن في اللبس والطيب مخالفة حاله في جز الشعر وقتل الصيد ، فإن قال : فما فرق بين الطيب واللبس وقتل الصيد وجز الشعر وهو جاهل في ذلك كله ؟ قيل له الطيب واللبس شيء إذا أزاله عنه زال فكان إذا أزاله كحاله قبل أن يلبس ويتطيب لم يتلف شيئا حرم عليه أن يتلفه ولم يزل شيئا حرم عليه إزالته إنما أزال ما أمر بإزالته مما ليس له أن يثبت عليه وقاتل الصيد أتلف ما حرم عليه في وقته ذلك إتلافه وجاز الشعر والظفر أزال بقطعه ما هو ممنوع من إزالته في ذلك الوقت والإزالة لما ليس له إزالته إتلاف وفي الإتلاف لما نهي عن إتلافه عوض خطأ كان أو عمدا ، لما جعل الله في إتلاف النفس خطأ من الدية وليس ذلك غيره في الإتلاف كهو في الإتلاف ولكنه إذا فعله عالما بأنه لا يجوز له وذاكرا لإحرامه وغير مخطئ فعليه الفدية في قليل اللبس والطيب وكثيره على ما وصفت في الباب قبل هذا ولو فعله ناسيا أو جاهلا ثم علمه فتركه عليه ساعة وقد أمكنه إزالته عنه بنزع ثوب أو غسل طيب افتدى لأنه أثبت الثوب والطيب عليه بعد ذهاب العذر وإن لم يمكنه نزع الثوب لعلة مرض أو عطب في بدنه وانتظر من ينزعه فلم يقدر عليه فهذا عذر ومتى أمكنه نزعه نزعه وإلا افتدى إذا تركه بعد الإمكان ولا يفتدي إذا نزعه بعد الإمكان ولو لم يمكنه غسل الطيب وكان في جسده رأيت أن يمسحه بخرقة فإن لم يجد خرقة فبتراب إن أذهبه فإن لم يذهبه فبشجر أو حشيش ، فإن لم يقدر عليه أو قدر فلم يذهبه .

فهذا عذر ، ومتى أمكنه الماء غسله ولو وجد ماء قليلا إن غسله به لم يكفه لوضوئه غسله به وتيمم لأنه مأمور بغسله ولا رخصة له في تركه إذا قدر على غسله وهذا مرخص له في التيمم إذا لم يجد ماء ولو غسل الطيب غيره كان أحب إلي ، وإن غسله هو بيده لم يفتد من قبل أن عليه غسله وإن ماسه فإنما ماسه ليذهبه عنه لم يماسه ليتطيب به ولا يثبته ، وهكذا ما وجب عليه الخروج منه خرج منه كما يستطيع ، ولو دخل دار رجل بغير إذن لم يكن جائزا له وكان عليه الخروج منها ، ولم أزعم أنه يخرج بالخروج منها ، وإن كان يمشي فيما لم يؤذن له فيه لأن مشيه للخروج من الذنب لا للزيادة ، فيه فهكذا هذا الباب كله وقياسه .
باب الوقت الذي يجوز فيه الحج والعمرة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث } إلى قوله { في الحج } أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الرجل يهل بالحج قبل أشهر الحج ؟ فقال : لا ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قلت لنافع أسمعت عن عبد الله بن عمر يسمي شهور الحج ؟ فقال : نعم ، كان يسمي شوالا وذا القعدة وذا الحجة قلت لنافع : فإن أهل إنسان بالحج قبلهن ؟ قال : لم أسمع منه في ذلك شيئا ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قال طاوس هي شوال وذو القعدة وذو الحجة ، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج أنه قال لعطاء : أرأيت لو أن رجلا جاء مهلا بالحج في شهر رمضان كيف كنت قائلا له ؟ قال [ ص: 169 ] أقول له : اجعلها عمرة ، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال أخبرنا عمر بن عطاء عن عكرمة أنه قال : لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج من أجل قول الله عز وجل { الحج أشهر معلومات } ولا ينبغي لأحد أن يلبي بحج ثم يقيم
باب هل يسمي الحج أو العمرة عند الإهلال أو تكفي النية منهما ؟

أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فيما حكينا من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أن نية الملبي كافية له من أن يظهر ما يحرم به كما تكون نية المصلي مكتوبة أو نافلة أو نذرا كافية له من إظهار ما ينوي منها بأي إحرام نوى ، ونية الصائم كذلك ، وكذلك لو حج أو اعتمر عن غيره كفته نيته من أن يسمي أن حجه هذا عن غيره ( قال الشافعي ) أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سعيد بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله قال { ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلبيته حجا قط ولا عمرة } .

( قال الشافعي ) ولو سمى المحرم ذلك لم أكرهه إلا أنه لو كان سنة سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من بعده ، ولو لبى المحرم فقال : لبيك بحجة وعمرة وهو يريد حجة كان مفردا ولو أراد عمرة كان معتمرا ولو سمى عمرة وهو يريد حجا كان حجا ولو سمى عمرة وهو يريد قرانا كان قرانا إنما يصير أمره إلى النية إذا أظهر التلبية معها ولا يلزمه إذا لم يكن له نية أن يكون عليه أكثر من لفظه ، وذلك أن هذا عمل لله خالصا لا شيء لأحد من الآدميين غيره فيه فيؤخذ فيه بما ظهر من قوله دون نيته ، ولو لبى رجل لا يريد حجا ولا عمرة لم يكن حاجا ولا معتمرا كما لو كبر لا يريد صلاة لم يكن داخلا في الصلاة ولو أكل سحرا لا يريد صوما لم يكن داخلا في الصوم وكذلك لو لم يأكل يوما كاملا ولا ينوي صوما لم يكن صائما ، وروي أن عبد الله بن مسعود لقي ركبا بالساحل محرمين فلبوا فلبى ابن مسعود وهو داخل إلى الكوفة والتلبية ذكر من ذكر الله عز وجل ، لا يضيق على أحد أن يقول ، ولا يوجب على أحد أن يدخل في إحرام إذا لم ينوه .
باب كيف التلبية ؟

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك } قال نافع كان عبد الله بن عمر يزيد فيها لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل .

( قال الشافعي ) أخبرنا بعض أهل العلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك } وذكر الماجشون عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال { كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحق لبيك } ( قال الشافعي ) كما روى جابر وابن عمر { كانت أكثر تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي التي أحب أن تكون تلبية المحرم لا يقصر عنها ولا يجاوزها } ، إلا أن يدخل ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مثلها في المعنى لأنها تلبية والتلبية إجابة . فأبان أنه أجاب إله الحق بلبيك أولا وآخرا . أخبرنا [ ص: 170 ] سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني حميد الأعرج عن مجاهد أنه قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهر من التلبية لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال حتى إذا كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد فيها لبيك إن العيش عيش الآخرة قال ابن جريج وحسبت أن ذلك يوم عرفة } .

( قال الشافعي ) وهذه تلبية كتلبيته التي رويت عنه وأخبر أن العيش عيش الآخرة لا عيش الدنيا ولا ما فيها ولا يضيق على أحد في مثل ما قال ابن عمر ولا غيره من تعظيم الله تعالى ودعائه مع التلبية ، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من التلبية ولا يصل بها شيئا إلا ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ويعظم الله تعالى ويدعوه بعد قطع التلبية ، أخبرنا سعيد عن القاسم بن معن عن محمد بن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة أنه قال سمع سعد بعض بني أخيه وهو يلبي يا ذا المعارج فقال : سعد المعارج ؟ إنه لذو المعارج ، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
باب رفع الصوت بالتلبية

( قال الشافعي ) أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال } يريد أحدهما .

( قال الشافعي ) وبما أمر به جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر الرجال المحرمين وفيه دلالة على أن أصحابه هم الرجال دون النساء فأمرهم أن يرفعوا جهدهم ما لم يبلغ ذلك أن يقطع أصواتهم فكأنا نكره قطع أصواتهم وإذا كان الحديث يدل على أن المأمورين برفع الأصوات بالتلبية الرجال فكان النساء مأمورات بالستر فإن لا يسمع صوت المرأة أحد أولى بها وأستر لها ، فلا ترفع المرأة صوتها بالتلبية وتسمع نفسها .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #84  
قديم 11-12-2021, 03:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,904
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (84)
صــــــــــ 171 الى صـــــــــــ175


باب أين يستحب لزوم التلبية ؟


( قال الشافعي ) أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سابط قال كان سلفنا لا يدعون التلبية عند أربع ، عند اضطمام الرفاق حتى تنضم وعند إشرافهم على الشيء وهبوطهم من بطون الأودية وعند هبوطهم من الشيء الذي يشرفون منه وعند الصلاة إذا فرغوا منها .

( قال الشافعي ) وما روى ابن سابط عن السلف هو موافق ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن جبريل عليه السلام أمره بأن يأمرهم برفع الصوت بالتلبية وإذا كانت التلبية برا أمر الملبون برفع الصوت به فأولى المواضع أن يرفع الصوت به مجتمع الناس حيث كانوا من مساجد الجماعات والأسواق واضطمام الرفاق ، وأين كان اجتماعهم بما يجمع من ذلك [ ص: 171 ] من طاعتهم برفع الصوت ، وأن معنى رفع الصوت به كمعنى رفعه بالأذان الذي لا يسمعه شيء إلا شهد له به ، وإن في ذلك تنبيها للسامع له ، يحدث له الرغبة في العمل لله بنفسه ولسانه أو بعضها ، ويؤجر له المنبه له إليه .
باب الخلاف في رفع الصوت بالتلبية في المساجد

( قال الشافعي ) فإن قال قائل :
لا يرفع الملبي صوته بالتلبية في مساجد الجماعات إلا في مسجد مكة ومنى فهذا قول يخالف الحديث ثم لا يكون له معنى يجوز أن يذهب إليه أحد ، إذ حكي { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل أمره أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية } ، فمتى كانت التلبية من الرجل فينبغي له أن يرفع صوته بها ولو جاز لأحد أن يقول يرفعها في حال دون حال جاز عليه أن يقول يرفعها حيث زعمت أنه يخفضها ويخفضها حيث زعمت أنه يرفعها ، وهذا لا يجوز عندنا لأحد ، وفي حديث ابن سابط عن السلف أنهم كانوا لا يدعون التلبية عند اضطمام الرفاق دليل على أنهم واظبوا عليها عند اجتماع الناس ، وإذا تحروا اجتماع الناس على الطريق كانت المساجد أولى أن يجهروا بذلك فيها أو في مثل معناها ؟ أرأيت الأذان أيترك رفع الصوت به في مسجد الجماعات ؟ فإن قيل : لا ، لأنه قد أمر برفع الصوت قيل وكذلك التلبية به أرأيت لو لم يعلم أحد من هؤلاء شيئا أكانت التلبية تعدو أن يرفع الصوت بها مع الجماعات فكل جماعة في ذلك سواء أو ينهى عنها في الجماعات لأن ذلك يشغل المصلي عن صلاته فهي في المسجد الحرام ومسجد منى أولى أن لا يرفع عليهم الصوت أو مثل غيرهم وإن كان ذلك كراهية رفع الصوت في المساجد أدبا وإعظاما لها ، فأولى المساجد أن يعظم ، المسجد الحرام ومسجد منى لأنه في الحرم .
باب التلبية في كل حال

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سعيد بن سالم عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن المنكدر { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من التلبية } أخبرنا سعيد بن سالم عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان يلبي راكبا ونازلا ومضطجعا .

( قال الشافعي ) وبلغني عن محمد بن الحنفية أنه سئل أيلبي المحرم وهو جنب ؟ فقال : نعم .

( قال الشافعي ) والتلبية ذكر من ذكر الله عز وجل فيلبي المرء طاهرا وجنبا وغير متوضئ ، والمرأة حائضا وجنبا وطاهرا وفي كل حال ، وقد { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة وعركت افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت } والتلبية مما يفعل الحاج .
باب ما يستحب من القول في أثر التلبية

( قال الشافعي ) استحب إذا سلم المصلي أن يلبي ثلاثا واستحب إذا فرغ من التلبية أن يتبعها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل الله جل ثناؤه رضاه والجنة والتعوذ من النار اتباعا ومعقولا أن الملبي وافد الله تعالى وأن منطقه بالتلبية منطقه بإجابة داعي الله وأن تمام الدعاء ورجاء إجابته الصلاة على [ ص: 172 ] النبي صلى الله عليه وسلم وأن يسأل الله تعالى في إثر كمال ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ويتعوذ من النار فإن ذلك أعظم ما يسأل ويسأل بعدها ما أحب ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن صالح بن محمد بن زائدة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله تعالى رضوانه والجنة واستعفاه برحمته من النار } ، أخبرنا إبراهيم بن محمد أن القاسم بن محمد كان يأمر إذا فرغ من التلبية أن يصلي على محمد النبي صلى الله عليه وسلم .
باب الاستثناء في الحج

( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بضباعة بنت الزبير فقال أما تريدين الحج ؟ فقالت إني شاكية فقال لها حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني } أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه قال قالت لي عائشة هل تستثني إذا حججت ؟ فقلت لها ماذا أقول ؟ فقالت : قل " اللهم الحج أردت وله عمدت فإن يسرت فهو الحج وإن حبستني بحابس فهي عمرة " .

( قال الشافعي ) ولو ثبت حديث عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستثناء لم أعده إلى غيره لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الحجة فيه أن يكون المستثنى مخالفا غير المستثنى من محصر بعدو أو مرض أو ذهاب مال أو خطأ عدد أو توان وكان إذا اشترط فحبس بعدو أو مرض أو ذهاب مال أو ضعف عن البلوغ حل في الموضع الذي حبس فيه بلا هدي ولا كفارة غيره وانصرف إلى بلاده ولا قضاء عليه إلا أن يكون لم يحج حجة الإسلام فيحجها وكانت الحجة فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بشرط إلا أن يكون على ما يأمر به وكان حديث عروة عن عائشة يوافقه في معنى أنها أمرت بالشرط وكان وجه أمرها بالشرط إن حبس عن الحج فهي عمرة أن يقول إن حبسني حابس عن الحج ووجدت سبيلا إلى الوصول إلى البيت فهي عمرة وكان موجودا في قولها أنه لا قضاء ولا كفارة عليه والله أعلم .

ومن لم يثبت حديث عروة لانقطاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم احتمل أن يحتج في حديث عائشة لأنها تقول : إن كان حج وإلا فهي عمرة ، وقال أستدل بأنها لم تره يحل إلا بالوصول إلى البيت ولو كانت إذا ابتدأت أن تأمره بشرط رأت له أن يحل بغير وصول إلى البيت أمرته به وذهب إلى أن الاشتراط وغيره سواء وذهب إلى أن على الحاج القضاء إذا حل بعمل عمرة كما روي عن عمر بن الخطاب ، والظاهر أنه يحتمل فيمن قال هذا أن يدخل عليه خلاف عائشة إذ أمره بالقضاء والجمع بين من اشترط ولم يشترط فلا يكون للشرط معنى وهذا مما أستخير الله تعالى فيه ، ولو جرد أحد خلاف عائشة ذهب إلى قول عمر فيمن فاته الحج يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ويهدي ، وبعض أصحابنا يذهب إلى إبطال الشرط وليس يذهب في إبطاله إلى شيء عال أحفظه ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سأله عن الاستثناء في الحج فأنكره ، ومن أبطل الاستثناء فعمل رجل به فحل من حج أو عمرة فأصاب النساء والطيب والصيد جعله [ ص: 173 ] مفسدا وجعل عليه الكفارة فيما أصاب وأن يعود حراما حتى يطوف بالبيت ثم يقضي حجا ، إن كان أحرم بحج أو عمرة ، إن كان أحرم بعمرة .
باب الإحصار بالعدو

( قال الشافعي ) رحمه الله قال الله عز وجل { وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } الآية .

( قال الشافعي ) فلم أسمع ممن حفظت عنه من أهل العلم بالتفسير مخالفا في أن هذه الآية نزلت بالحديبية حين أحصر النبي صلى الله عليه وسلم فحال المشركون بينه وبين البيت وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بالحديبية وحلق ورجع حلالا ولم يصل إلى البيت ولا أصحابه إلا عثمان بن عفان وحده وسنذكر قصته وظاهر الآية أن أمر الله عز وجل إياهم أن لا يحلقوا حتى يبلغ الهدي محله وأمره ومن كان به أذى من رأسه بفدية سماها وقال عز وجل { فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } الآية وما بعدها يشبه والله أعلم أن لا يكون على المحصر بعدو قضاء لأن الله تعالى لم يذكر عليه قضاء وذكر فرائض في الإحرام بعد ذكر أمره ( قال ) والذي أعقل في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت من ظاهر الآية وذلك أنا قد علمنا في متواطئ أحاديثهم أن قد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية رجال يعرفون بأسمائهم ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضية وتخلف بعضهم بالحديبية من غير ضرورة في نفس ولا مال علمته ولو لزمهم القضاء لأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى أن لا يتخلفوا عنه وما تخلفوا عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي تواطؤ أخبر أهل المغازي وما وصفت من تخلف بعض من أحصر بالحديبية ، والحديبية موضع من الأرض منه ما هو في الحل ، ومنه ما هو في الحرم ، فإنما نجر الهدي عندنا في الحل وفيه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بويع فيه تحت الشجرة فأنزل الله عز وجل { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } فبهذا كله نقول فنقول من أحصر بعدو حل حيث يحبس في حل كان أو حرم ونحر أو ذبح هديا .
وأقل ما يذبح شاة ، فإن اشترك سبعة في بدنة أو بقرة أجزأتهم أخرجوا معا ثمنها أو أحدهم ووهب لهم حصصهم منها قبل ذبحها فذبحوها ، فأما إن ذبحها ثم وهب لهم حصصهم منها فهي له ولا تجزيهم ولا قضاء على المحصر بعدو إذا خرج من إحرامه والحصر قائم عليه فإن خرج من إحرامه والعدو بحاله ثم زال العدو قبل أن ينصرف فكانوا على رجاء من الوصول إلى البيت بإذن العدو لهم أو زوالهم عن البيت أحببت أن لا يعجلوا بالإحلال ولو عجلوا به ولم ينتظروا جاز لهم إن شاء الله تعالى
ولو أقام المحصر متأنيا لأي وجه ما كان أو متوانيا في الإحلال فاحتاج إلى شيء مما عليه فيه الفدية ففعله افتدى لأن فدية الأذى نزلت في كعب بن عجرة وهو محصر ، فإن قال قائل ما قول الله عز وجل في الحديبية { حتى يبلغ الهدي محله } ؟ قيل والله أعلم .
أما السنة فتدل على أن محله في هذا الموضع نحره لأن { رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر في الحل } فإن قال فقد قال الله عز وجل في البدن { ثم محلها إلى البيت العتيق } قيل ذلك إذا قدر على أن ينحرها عند البيت العتيق فهو محلها فإن قال فهل خالفك أحد في هدي المحصر ؟ قيل : نعم ، عطاء بن أبي رباح كان يزعم أن { النبي صلى الله عليه وسلم نحر في الحرم } فإن قال فبأي شيء رددت ذلك وخبر عطاء وإن [ ص: 174 ] كان منقطعا شبيه بخبرك عن أهل المغازي ؟ قلت عطاء وغيره يذهبون إلى أن محل الهدي وغيره ممن خالفنا يقول لا يحل المحصر بعدو ولا مرض حتى يبلغ الهدي الحرم فينحر فيه لما وصفت من ذكرهم { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينحر إلا في الحرم } ، فإن قال فهل من شيء يبين ما قلت ؟ قلت : نعم إذا زعموا وزعمنا أن الحرم منتهى الهدي بكل حال وإن نحر فيه فقد أجزأ عنه والقرآن يدل على أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الحرم فإن قال : وأين ذلك ؟ قلت قال الله عز وجل { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله } فإن قال قائل فإن الله عز وجل يقول { حتى يبلغ الهدي محله } قلت الله أعلم بمحله ها هنا يشبه أن يكون إذا أحصر نحره حيث أحصر كما وصفت ومحله في غير الإحصار الحرم وهو كلام عربي واسع ، وخالفنا بعض الناس فقال : المحصر بالعدو والمرض سواء وعليهما القضاء ولهما الخروج من الإحرام .

وقال : عمرة النبي صلى الله عليه وسلم التي اعتمر بعد حصره قضاء عمرته التي أحصر بها ، ألا ترى أنها تسمى عمرة القضية وعمرة القصاص ؟ فقيل لبعض من قال هذا القول : إن لسان العرب واسع فهي تقول : اقتضيت ما صنع بي واقتصصت ما صنع بي فبلغت ما منعت مما يجب لي وما لا يجب علي أن أبلغه وإن وجب لي ( قال الشافعي ) والذي نذهب إليه من هذا أنها إنما سميت عمرة القصاص وعمرة القضية أن الله عز وجل اقتص لرسوله صلى الله عليه وسلم فدخل عليهم كما منعوه لا على أن ذلك وجب عليه قال : أفتذكر في ذلك شيئا ؟ فقلت : نعم ، أخبرنا سفيان عن مجاهد .

( قال الشافعي ) فقال فهذا قول رجل لا يلزمني قوله ، قلت ما زعمنا أن قوله يلزمك لولا دلالة القرآن وأخبار أهل المغازي وما تدل عليه السنة فقال قد سمعت ما ذكرت من السنة ولم تسند فيه حديثا بينا ، فقلت ولا أنت أسندت فيه حديثا في أن عمرة النبي صلى الله عليه وسلم يقال لها عمرة القضية وإنما عندك فيها أخبارهم فكان لي دفع ما علمت ولم تقم فيه حديثا مسندا مما يثبت على الانفراد ولم يكن إذا كان معروفا متواطئا عند بعض أهل العلم بالمغازي ، فإن لم يكن لي دفعك عنه بهذا ، لم يكن لك دفعي عن أنه تخلف بعض من شهد الحديبية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن عمرة القضية فقال ما يقنعني هذا الجواب فادللني على الدلالة من القرآن قلت قال الله عز وجل { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } قال فمن حجتي أن الله عز وجل قال قصاص والقصاص إنما يكون بواجب .

( قال الشافعي ) فقلت له إن القصاص وإن كان يجب لمن له القصاص فليس القصاص واجبا عليه أن يقتص قال وما دل على ذلك ؟ قلت قال الله عز وجل { والجروح قصاص } أفواجب على من جرح أن يقتص ممن جرحه أو مباح له أن يقتص وخير له أن يعفو ؟ قال : له أن يعفو ومباح له أن يقتص وقلت له قال الله عز وجل { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } فلو أن معتديا مشركا اعتدى علينا كان لنا أن نعتدي عليه بمثل ما اعتدى علينا ولم يكن واجبا علينا أن نفعل قال ذلك على ما وصفت فقلت فهذا يدلك على ما وصفت وما قال مجاهد [ ص: 175 ] من أن الله عز وجل أقصه منهم فدخل عليهم في مثل الشهر الذي ردوه فيه وليست فيه دلالة على أن دخوله كان واجبا عليه من جهة قضاء النسك والله أعلم وإنما يدرك الواجب فيه وغير الواجب خبرا والخبر يدل على مثل ما وصفنا من أنه ليس بواجب
( قال الشافعي ) ومن أحصر في موضع كان له أن يرجع عن موضعه الذي أحصر فيه ويحل فإذا أمن بعد انصرافه كان له أن يتم على الانصراف قريبا كان أو بعيدا إلا أني إذا أمرته بالخروج من إحرامه عاد كمن لم يحرم قط ، غير أني أحب له إذا كان قريبا أو بعيدا أن يرجع حتى يصل إلى ما صد عنه من البيت واختياري له في ذلك بالقرب بأنه وإن كان الرجوع له مباحا فترك الرجوع كان فيه وحشة أكثر بهذا المعنى وإن كان الراجع من بعد أعظم أجرا .

ولو أبحت له أن يذبح ويحلق ويحل وينصرف فذبح ولم يحلق حتى يزول العدو لم يكن له الحلاق وكان عليه الإتمام لأنه لم يحل حتى صار غير محصور وهو مأجور في الذبح إن شاء الله تعالى ، وهذا قول من يقول لا يكمل إحلال المحرم إلا بالحلاق ، ومن قال يكمل إحلاله قبل الحلاق والحلاق أول الإحلال قال إذا ذبح فقد حل وليس عليه إذا ذبح أن يمضي على وجهه ولو أحصر ومعه هدي قد ساقه متطوعا به أو واجبا عليه قبل الإحصار فله ذبحه في مكانه كما ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه بالحديبية وقد أوجبه قبل أن يحصر ، وإذا كان عليه أن يحل بالبيت فمنعه فحل دونه بالعذر كان كذلك الهدي أولى أن يكون له نحره حيث حبس وعليه الهدي لإحصاره سوى ما وجب قبل أن يحصر من هدي وجب عليه بكل حال
( قال الشافعي ) ولو وجب عليه هدي في فوره ذلك فلم يكن معه كان له أن يشتريه ويذبحه مكانه ولو كان وجب عليه قبل ذلك كان ذلك له ولو أخر هديه ليبعث به إذا ذهب الحصر كان أحب إلي ، لأنه شيء لم يجب عليه في فوره . وتأخيره بعد فوره كتأخيره بعدما وجب عليه
( قال ) ولو أحصر ولا هدي معه اشترى مكانه هديا وذبحه وحل ، ولو وهب له أو ملكه بأي وجه ما كان فذبحه أجزأ عنه ، فإن كان موسرا لأن يشتري هديا ولم يجد هديا مكانه أو معسرا بهدي وقد أحصر ففيها قولان ، أحدهما لا يحل إلا بهدي ، والآخر أنه مأمور بأن يأتي بما يقدر عليه فإذا لم يقدر على شيء خرج مما عليه وكان عليه أن يأتي به إذا قدر عليه ، ومن قال هذا قال يحل مكانه ويذبح إذا قدر ، فإن قدر على أن يكون الذبح بمكة لم يجز أن يذبح إلا بها وإن لم يقدر ذبح حيث يقدر
( قال ) ويقال لا يجزئه إلا هدي ، ويقال يجزئه إذا لم يجد هديا إطعام أو صيام ، فإن لم يجد الطعام كان كمن لم يجد الهدي ، وإن لم يقدر على الصيام كان كمن لم يجد هديا ولا طعاما وإذا قدر أدى أي هذا كان عليه .

وإن أحصر عبد قد أذن له سيده في الحج والعبد لا مال له وعليه الصوم تقوم له الشاة دراهم ، ثم الدراهم طعاما ، ثم يصوم عن كل مد يوما والقول في إحلاله قبل الصوم واحد من قولين ، أحدهما أن يحل قبل الصوم ، والآخر لا يحل حتى يصوم والأول أشبههما بالقياس لأنه إذا أمر بالخروج من الإحرام والرجوع للخوف أشبه أن لا يؤمر بالمقام على الخوف للصوم والصوم يجزيه في كل موضع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #85  
قديم 11-12-2021, 03:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,904
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (85)
صــــــــــ 176 الى صـــــــــــ180


وإذا أحصر رجل أو امرأة أو عدد كثير بعدو مشركين كالعدو الذي أحصر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية وأصحابه فكانت بهم قوة على قتالهم أو لم تكن كان لهم الانصراف لأن لهم ترك القتال إلا في النفير أو أن يبدءوا بالقتال وإن كان النظر للمسلمين الرجوع عنهم اخترت ذلك لهم وإن كان النظر للمسلمين قتلاهم اخترت قتالهم ولبس السلاح والفدية ، وإذا أحصروا بغير مشركين اخترت الانصراف عنهم بكل حال بعد الإحلال من الإحصار فإن قال قائل فكيف زعمت أن الإحصار بالمسلمين إحصار يحل به المحرم إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أحصر بمشركين ؟ قيل له إن شاء الله تعالى ذكر [ ص: 176 ] الله الإحصار بالعدو مطلقا لم يخصص فيه إحصارا بكافر دون مسلم وكان المعنى للذي في الشرك الحاضر الذي أحل به المحصر الخروج من الإحرام خوفا أن ينال العدو من المحرم ما ينال عدوه فكان معقولا في نص السنة أن من كان بهذه الحال كان للمحرم عذر بأن يخرج من إحرامه به ، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه خرج إلى مكة في الفتنة معتمرا فقال : إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( قال الشافعي ) يعني أحللنا كما أحللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية .

وقول ابن عمر هذا في مثل المعنى الذي وصفت لأنه إنما كان بمكة ابن الزبير وأهل الشام فرأى أنهم إن منعوه أو خافهم إن لم يمنعوه أن ينال في غمار الناس فهو في حال من أحصر فكان له أن يحل وإن أحصر بمشركين أو غيرهم فأعطوهم الأمان على أن يأذنوا لهم في أن يحلوا لم يكن لهم الرجوع وكانوا كغير محصرين إلا أن يكونوا ممن لا يوثق بأمانه ويعرف غدرهم فيكون لهم الانصراف إذا كانوا هكذا بعد الإحلال ، ولو كانوا ممن يوثق بأمانه بعد فأعطوه أن يدخل فيحل على جعل قليل أو كثير ، لم أر أن يعطوهم شيئا لأن لهم عذرا في الإحصار يحل لهم به الخروج من الإحرام وإني أكره أن ينال مشرك من مسلم أخذ شيء لأن المشركين المأخوذ منهم الصغار ولو فعلوا ما حرم ذلك عليهم وإن كرهته لهم كما لا يحرم عليهم ما وهبوا المشركين من أموالهم ومباح للمحصر قتال من منعه من البيت من المشركين ومباح له الانصراف عنهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل الأمرين فقاتلهم وانصرف عنهم ولو قاتلهم المحصر فقتل وجرح وأصاب دواب إنسية فقتلها لم يكن عليه في ذلك غرم ولو قاتلهم فأصاب لهم صيدا يملكونه جزاه بمثله ولم يضمن لهم شيئا ، ولو كان الصيد لمن هو بين ظهرانيهم من المسلمين ممن لا يقاتلهم فأصابه جزاه بمثله وضمنه للمسلمين لأن مكة ليست بدار حرب فيباح ما فيها .

ولو كان الوحش لغير مالك جزاه المحرم بمثله إن شاء مكانه لأن الله جعل فدية الرأس في مكانه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها كعبا وجعل الهدي في مكانه ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ساق من الهدي تطوعا في مكانه فيكون حال الإحصار غير حال الوصول ولو كرهت أن يوصله إلى البيت لم أكره ذلك إلا لأن يحدث عليه حدث فلا يقضى عنه
ولو أحصر قوم بعدو فأرادوا الإحلال ثم قاتلوهم لم أر بذلك بأسا ولو أحصر قوم بعدو غير مقيمين بمكة أو في الموضع الذي أحصروا فيه فكان المحرم يؤمل انصرافهم ويأمنهم في مكانه لم أر أن ينصرف أياما ثلاثا ولو زاد كان أحب إلي ، ولو انصرف بعد إحلاله ولم يتم ثلاثا جاز له ذلك لأن معنى انصراف العدو مغيب وقد يريدون الانصراف ثم لا ينصرفون ولا يريدونه ثم ينصرفون وإنما كان مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية مراسلة المشركين ومهادنتهم ، ولو أحصر قوم بعدو دون مكة وكان للحاج طريق على غير العدو رأيت أن يسلكوا تلك الطريق إن كانوا يأمنون بها ولم يكن لهم رخصة في الإحلال وهم يأمنون فيها أن يصلوا إلى البيت ويقدروا فإن كانت طريقهم التي يأمنون فيها بحرا لا برا ، لم يلزمهم ركوب البحر لأنه مخوف تلف ولو فعلوا كان أحب إلي وإن كان طريقهم برا وكانوا غير قادرين عليه في أموالهم وأبدانهم كان لهم أن يحلوا إذا كانوا غير قادرين على الوصول إلى البيت محصرين بعدو فإن كان طريقهم برا يبعد وكانوا قادرين على الوصول إلى البيت بالأموال والأبدان وكان الحج يفوتهم وهم محرمون لم يكن لهم أن يحلوا [ ص: 177 ] حتى يطوفوا بالبيت وبالصفا والمروة ، لأن أول الإحلال من الحج الطواف ، والقول في أن عليهم الإعادة وأنها ليست عليهم واحد من قولين ، أحدهما أنه لا إعادة للحج عليهم لأنهم ممنوعون منه بعدو وقد جاءوا بما عليهم مما قدروا من الطواف ، ومن قال هذا قال وعليهم هدي لفوت الحج وهو الصحيح في القياس ، والقول الثاني أن عليهم حجا وهديا وهم كمن فاته الحج ممن أحصر بغير عدو إذا صاروا إلى الوصول إلى البيت ولهذا وجه ولو وصلوا إلى مكة وأحصروا فمنعوا عرفة حلوا بطواف وسعي وحلاق وذبح وكان القول في هذا كالقول في المسألة قبلها وسواء المكي المحصر ، إن أقبل من أفق محرما وغير المكي يجب على كل ما يجب على كل .
وإن أحصر المكي بمكة عن عرفة فهو كالغريب يحصر بمكة عن عرفة يذبحان ويطوفان ويسعيان ويحلان ، والقول في قضائهما كالقول في المسألتين قبل مسألتهما ولا يخرج واحد منهما من مكة إذا كان أهلا له بالحج ولو أهلا من مكة فلم يطوفا حتى أخرجا منها أو أحصرا في ناحيتهما ومنعا الطواف كانا كمن أحصر خارجا منها في القياس ، ولو تربصا لعلهما يصلان إلى الطواف كان احتياطا حسنا ولو أحصر حاج بعد عرفة بمزدلفة أو بمنى أو بمكة فمنع عمل مزدلفة ومنى والطواف كان له أن يذبح ويحلق أو يقصر ويحل إذا كان له الخروج من الإحرام كله كان له الخروج من بعضه فإن كانت حجة الإسلام فحل إلا النساء قضى حجة الإسلام وإن كانت غير حجة الإسلام فلا قضاء عليه لأنه محصر بعدو ولو أراد أن يمسك عن الإحلال حتى يصل إلى البيت فيطوف به ويهريق دما لترك مزدلفة ، ودما لترك الجمار ودما لترك البيتوتة بمنى ليالي منى أجزأ ذلك عنه من حجة الإسلام متى طاف بالبيت وإن بعد ذلك ، لأنه لو فعل هذا كله بعد إحصار ثم أهراق له دما أجزأ عنه من حجة الإسلام وكذلك لو أصاب صيدا فداه ، وإنما يفسد عليه أن يجزي عنه من حجة الإسلام النساء فقط ، لأن الذي يفسد الحج دون غيره مما فعل فيه ، والمحصر بعدو ، والمحبوس أي حبس ما كان نأمره بالخروج منه ، فإن كانوا مهلين بالحج فأصابوا النساء قبل يحلون فهم مفسدون للحج وعليهم معا بدنة وحج بعد الحج الذي أفسدوه ، وإذا أصابوا ما فيه الفدية كانت عليهم الفدية ما لم يحلوا فإذا حلوا فهم كمن لم يحرم .
باب الإحصار بغير حبس العدو

أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) ولو أن رجلا أهل بالحج فحبسه سلطان فإن كان لحبسه غاية يرى أنه يدرك معها الحج وكانت طريقه آمنة بمكة لم يحلل فإن أرسل مضى وإن كان حبسه مغيبا عنه لا تدرى غايته أو كانت له غاية لا يدرك معها الحج إذا أرسل أو لا يمكنه المضي إلى بلده فله أن يحل كما يحل المحصر والقياس في هذا كله أنه محصر كحصر العدو ومثله المرأة تهل بالحج فيمنعها زوجها ومثلها العبيد يهلون فيمنعهم سادتهم
( قال الشافعي ) في الرجل يهل بالحج غير الفريضة فيمنعه والداه أو أحدهما : أرى واسعا له أن يحل محل المحصر .

( قال الشافعي ) وهذا إذا كانت حجة تطوع ، فأما الفريضة إذا أهل بها مضى فيها ولم يكن لواحد من والديه منعه بعد ما لزمته وأهل بها ، فإن قال قائل أرأيت العدو إذا كان مانعا مخوفا فأذنت للمحرم أن يحل بمنعه أفتجد أبا الرجل وأمه وسيد العبد وزوج المرأة في معناه ؟ قيل له : نعم ، هم في معناه أنهم مانعون وفي أكثر من معناه في أن لهم المنع وليس [ ص: 178 ] للعدو المنع ومخالفون له في أنهم غير مخوفين خوفه فإن قال : كيف جمعت بينهم وهم مفترقون في معنى وإن اجتمعوا في معنى غيره ؟ قلت اجتمعوا في معنى وارد هؤلاء أن لهم المنع وحفظت عن غير واحد أن المرأة إذا أهلت بالحج غير حجة الفريضة كان لزوجها منعها وحفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا يحل لامرأة أن تصوم يوما وزوجها شاهد إلا بإذنه } فكان هذا على التطوع دون الفريضة وكانت إذا لم يحل لها الصوم إلا بإذنه فكان له أن يفطرها وإن صامت لأنه لم يكن لها الصوم وكان هكذا الحج وكان سيد العبد أقدر عليه من زوج المرأة على المرأة ، وكان حق أحد والدي الرجل أعظم عليه من حق الزوج على المرأة وطاعتهما أوجب ، فبهذا قلت ما وصفت .
باب الإحصار بالمرض

( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } .

( قال الشافعي ) فلم أسمع مخالفا ممن حفظت عنه ممن لقيت من أهل العلم بالتفسير في أنها نزلت بالحديبية وذلك إحصار عدو فكان في الحصر إذن الله تعالى لصاحبه فيه بما استيسر من الهدي ، ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي يحل منه المحرم الإحصار بالعدو فرأيت أن الآية بأمر الله تعالى بإتمام الحج والعمرة لله عامة على كل حاج ومعتمر إلا من استثنى الله ثم سن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحصر بالعدو وكان المريض عندي ممن عليه عموم الآية وقول ابن عباس وابن عمر وعائشة يوافق معنى ما قلت وإن لم يلفظوا به إلا كما حدث عنهم ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه قال : لا حصر إلا حصر العدو ( قال الشافعي ) قول ابن عباس لا حصر إلا حصر العدو ، لا حصر يحل منه المحصر إلا حصر العدو كأنه يريد مثل المعنى الذي وصفت والله أعلم ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال : من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه قال المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ، فإن اضطر إلى شيء من لبس الثياب التي لا بد له منها صنع ذلك وافتدى .

( قال الشافعي ) يعني المحصر بالمرض والله أعلم ( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عمر ومروان بن الحكم وابن الزبير أفتوا ابن حزابة المخزومي وأنه صرع ببعض طريق مكة وهو محرم أن يتداوى بما لا بد له منه ويفتدي فإذا صح اعتمر فحل من إحرامه وكان عليه أن يحج عاما قابلا ويهدي ، أخبرنا مالك عن أيوب السختياني عن رجل من أهل البصرة كان قديما أنه قال : خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما والناس فلم يرخص لي أحد في أن أحل فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر ثم حللت بعمرة ، أخبرنا إسماعيل ابن علية عن رجل كان قديما وأحسبه قد سماه وذكر نسبه وسمى الماء الذي أقام به الدثنة وحدث شبيها بمعنى حديث مالك ، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عائشة أنها كانت تقول : المحرم لا يحله إلا البيت .

( قال الشافعي ) وسواء في هذا كله أي مرض ما كان ، وسواء ذهب عقله فيما لم يذهب وإن اضطر إلى دواء يداوي به دووي وإن ذهب عقله فدى عنه فدية ذلك الدواء ، فإن قال قائل كيف أمرت الذاهب العقل أن يفتدي عنه والقلم مرفوع عنه في حال تلك ؟ قيل له إن شاء الله إنما [ ص: 179 ] يداويه من يعقل والفدية لازمة بأن فاعلها يعقل وهي على المداوي له في ماله إن شاء ذلك المداوي لأنها جناية من المداوي على المداوى وإن غلب المحرم على عقله فأصاب صيدا ففيها قولان أحدهما أن عليه جزاءه من قبل أنه يلزم المحرم بإصابة الصيد جزاء لمساكين الحرم كما يلزمه لو قتله لرجل والقاتل مغلوب على عقله ولو أتلف لرجل مالا لزمته قيمته ويحتمل حلقه شعره هذا المعنى في الوجهين جميعا .

والقول الثاني لا شيء عليه من قبل أن القلم مرفوع عنه ، وأصل الصيد ليس بمحرم وكذلك حلق الشعر وإنما جعل هذا عقوبة على من أتاه تعبدا لله والمغلوب على عقله غير متعبد في حال غلبته وليس كأموال الناس الممنوعة بكل حال كالمباح إلا في حال ( قال ) ولو أصاب امرأته احتمل المعنيين وكان أخف لأنه ليس في إصابته لامرأته إتلاف لشيء فأما طيبه ولبسه فلا شيء عليه فيه من قبل أنا نضعه عن الجاهل العاقل والناسي العاقل وهذا أولى أن يوضع عنه وذلك أنه ليس في واحد منهما إتلاف لشيء وقد يحتمل الجماع من المغلوب العقل أن يقاس على هذا لأنه ليس بإتلاف شيء فإن قال قائل أفرأيت إذا غلب على عقله كيف لم تزعم أنه خارج من الإحرام كما أنه خارج من الصلاة ؟ قيل له إن شاء الله لاختلاف الصلاة والحج ، فإن قال قائل فأين اختلافهما ؟ قيل يحتاج المصلي إلى أن يكون طاهرا في صلاته عاقلا لها ويحتاج إلى أن يكون عاقلا لها كلها لأن كلها عمل لا يجزيه غيره والحاج يجوز له كثير من عمل الحج وهو جنب وتعمله الحائض كله إلا الطواف بالبيت فإن قال قائل : فما أقل ما يجزي الحاج أن يكون فيه عاقلا ؟ قيل له عمل الحج على ثلاثة أشياء أن يحرم وهو يعقل ويدخل عرفة في وقتها وهو يعقل ويطوف بالبيت وبالصفا والمروة وهو يعقل فإذا جمع هذه الخصال وذهب عقله فما بينها فعمل عنه أجزأ عنه حجه إن شاء الله وهذا مكتوب في دخول عرفة
( قال الشافعي ) في مكي أهل بالحج من مكة أو غريب دخلها محرما فحل ثم أقام بها حتى أنشأ الحج منها فمنعهما مرض حتى فاتهما الحج يطوفان بالبيت وبين الصفا والمروة ويحلقان أو يقصران فإذا كان قابل حجا وأجزأ كل واحد منهما أن يخرج من الحرم إلى الحل لأنهما لم يكونا معتمرين قط إنما يخرجان بأقل ما يخرج به من عمل الحج إذا لم يكن لهما أن يعملا بعرفة ومنى ومزدلفة وذلك طواف وسعي وأخذ من شعره ، فإن قال قائل فكيف بما روي عن عمر من هذا ؟ قيل له على معنى ما قلت إن شاء الله وذلك أنه قال لسائله : اعمل ما يعمل المعتمر ولم يقل له : إنك معتمر وقال له احجج قابلا وأهد ولو انقلب إحرامه عمرة لم يكن عليه حج وكان مدركا للعمرة وفي أمره وأمرنا إياه بحج قابل دلالة على أن إحرامه حج وأنه لا ينقلب عمرة ، ولو انقلب عمرة لم يجز أن تأمره بحج قابل قضاء وكيف يقضي ما قد انقلب عنه ؟ ولكن آمره بالقضاء لأنه فائت له وقد جاء من فاته الحج فسأل عمر وهو ينحر ولا أشك إن شاء الله تعالى أن قد دخل الحرم قبل طلوع الفجر من ليلة النحر فلو كان حجه صار عمرة حين طلع الفجر من ليلة النحر وكان الحج فائتا لأمره عمر أن يخرج بنفسه إلى الحل فيلبي منه ولكنه كما وصفت إن شاء الله لا كقول من قال صار عمرة وإنما قول من قال صار عمرة بغلط إلى قوله يعني صار عمله عمرة وسقط بعض عمل الحج إذا فاتت عرفة ولو كان صار عمرة أجزأ عنه من عمرة [ ص: 180 ] الإسلام وعمرة لو نذرها فنواها عند فوت الحج له وهو لا يجزي من واحد منهما
ومن أحرم بحج فحبس عن الحج بمرض أو ذهاب عقل أو شغل أو توان أو خطأ عدد ثم أفاق من المرض في حين يقدر على إتيان البيت لم يحلل من شيء من إحرامه حتى يصل إلى البيت فإن أدرك الحج عامه الذي أحرم فيه لم يحلل إلى يوم النحر وإن فاته حج عامه الذي أحرم فيه حل إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وحلق أو قصر ، فإن كان إهلاله بحج فأدركه فلا شيء عليه ، وإن كان إهلاله بحج ففاته خرج منه بعمل عمرة وعليه حج قابل أو بعد ذلك وما استيسر من الهدي ، وإن كان قارنا فأدرك الحج فقد أدركه والعمرة فإن فاته الحج حج بالطواف والسعي والحلق أو التقصير وكان عليه أن يهل بحج وعمرة مقرونين لا يزيد على ذلك شيئا كما إذا فاته صلاة أو صوم أو عمرة أمرناه أن يقضي ذلك بمثله لا يزيد على قضائه شيئا غيره وإذا فاته الحج فجاء بعد عرفة لم يقم بمنى ولم يعمل من عمل الحج شيئا وقد خرج من عمل الحج مفردا كان أو قارنا بعمل عمرة من طواف وسعي وحلق أو تقصير وحج قابل أحب إلي ، فإن أخر ذلك فأداه بعد أجزأ عنه كما يؤخر حجة الإسلام بعد بلوغه أعواما فيؤديها عنه متى أداها وإن اضطر قبل الإحلال إلى شيء مما عليه فيه فدية إذا كان محرما أو أصابه فعليه فدية وكان إذا لم يصل إلى البيت كامل الإحرام قبل فوت الحج وبعده يجب عليه الفدية فيما فيه فدية والفساد فيما فيه فساد لا يختلف ذلك لأن الإحرام قائم عليه ولو كان ممن يذهب إلى أن المريض يحل بهدي يبعث به فبعث بهدي ونحر أو ذبح عنه وحل كان كمن حل ولم يبعث بهدي ولم ينحر ولم يذبح عنه حراما بحاله ، ولو رجع إلى بلده رجع حراما بحاله ولو صح وقد بعث بهدي فمضى إلى البيت من فوره ذلك وقد ذبح الهدي لم يجز ذلك الهدي عنه من شيء وجب عليه في إحرامه فدية حج ولا عمرة لأنه ذبحه عما لا يلزمه .

ولو أدرك الهدي قبل أن يذبح فحبسه كان ذلك له ما لم يتكلم بإيجابه ولو أدرك الهدي قبل أن ينحر أو يذبح وقد أوجبه بكلام يوجبه ، كان واجبا أن يذبح وكان كالمسألة الأولى وكان كمن أوجبه تطوعا وكان كمن أعتق عن شيء لم يلزمه فيه العتق فالعتق ماض تطوعا ، ولو لم يوجب الهدي بكلام وبعث به فأدركه قبل أن يذبح كان مالا من ماله ولو لم يوجبه بكلام وقلده وأشعره وبعث به فأدركه قبل أن يذبح فمن قال نيته في هديه وتجليله وتقليده وإعلامه أي علامات الحج أعلمه يوجبه عليه كان كالكلام به ومن قال هذا القول أشبه أن يفرق بين العمل في نفسه وماله فيما بينه وبين الله تعالى وبين العمل في نفسه وماله فيما بينه وبين الآدميين فلم يوجب عليه للآدميين إلا ما تكلم به ولم يلزمه فيما بينه وبينهم إلا ما تكلم به مما يكون فيه الكلام وقال فيما بينه وبين الله عز وجل تجزيه النية والعمل كما تجزيه في الصلاة والصوم والحج ولم يتكلم بفرض صلاة مكتوبة ولا صوم ولا حج إلا أنه نواه وعمله ، والمكي يهل بالحج من مكة أو الحل من ميقات أو غير ميقات ثم يمرض أو يغلب على عقله أو يفوته الحج بأي وجه ما كان مثل الغريب لا يزايله يحل بطواف وسعي وحلق أو تقصير ، ويكون عليه حج بعد حجه الذي فاته وأن يهدي ما استيسر من الهدي شاة .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #86  
قديم 06-01-2022, 08:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,904
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (86)
صــــــــــ 181 الى صـــــــــــ185

باب فوت الحج بلا حصر عدو ولا مرض ولا غلبة على العقل

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى من فاته الحج لا بحصر العدو ولا محبوسا بمرض ولا ذهاب عقل بأي وجه ما فاته من خطأ عدد أو إبطاء في مسيره أو شغل أو توان فسواء ذلك كله ، والمريض والذاهب العقل يفوته الحج يجب على كل الفدية والقضاء والطواف والسعي والحلاق أو التقصير وما وجب على بعضهم وجب على كل ، غير أن المتواني حتى يفوته الحج آثم إلا أن يعفو الله عنه فإن قال قائل فهل من أثر فيما قلت ؟ قلت نعم ، في بعضه وغيره في معناه .

( قال الشافعي ) أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال : من أدرك ليلة النحر من الحاج فوقف بحيال عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج ومن لم يدرك عرفة فيقف بها قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج فليأت البيت فليطف به سبعا وليطف بين الصفا والمروة سبعا ثم ليحلق أو يقصر إن شاء ، وإن كان معه هدي فلينحره قبل أن يحلق فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر ثم ليرجع إلى أهله ، فإن أدركه الحج قابلا فليحجج إن استطاع وليهد في حجه فإن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني سليمان بن يسار أن أبا أيوب خرج حاجا حتى إذا كان بالبادية من طريق مكة أضل رواحله وأنه قدم على عمر بن الخطاب يوم النحر فذكر ذلك له فقال له اصنع كما يصنع المعتمر ثم قد حللت فإذا أدركك الحج قابلا حج وأهد ما استيسر من الهدي أخبرنا مالك عن نافع عن سليمان بن يسار أن هبار بن الأسود جاء وعمر بن الخطاب ينحر هديه فقال له عمر اذهب فطف ومن معك وانحروا هديا إن كان معكم ثم احلقوا أو قصروا ثم ارجعوا فإذا كان قابل حجوا وأهدوا { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } .

( قال الشافعي ) وبهذا كله نأخذ ، وفي حديث يحيى عن سليمان دلالة عن عمر أنه يعمل عمل معتمر لا أن إحرامه عمرة وإن كان الذي يفوته الحج قارنا حج قارنا وقرن وأهدى هديا لفوت الحج وهديا للقران ولو أراد المحرم بالحج إذا فاته الحج أن يقيم إلى قابل محرما بالحج لم يكن ذلك له وإذا لم يكن ذلك له فهذا دلالة على ما قلنا من أنه لا يكون لأحد أن يكون مهلا بالحج في غير أشهر الحج لأن أشهر الحج معلومات لقول الله عز وجل { الحج أشهر معلومات } فأشبه والله أعلم أن يكون حظر الحج في غيرها . فإن قال قائل فلم لم تقل أنه يقيم مهلا بالحج إلى قابل ؟ قيل لما وصفت من الآية والأثر عن عمر وابن عمر وما لا أعلم اختلفوا فيه وفي هذا دلالة على أنه لو كان له أن يقيم محرما بالحج إلى أن يحج قابلا كان عليه المقام ولم يكن له الخروج من عمل يقدر على المقام فيه حتى يكمله لأنا رأينا كذلك العمرة وكل صلاة وصوم كان له المقام فيها كان عليه أن يقيم فيها حتى يكملها إذا كانت مما يلزمه بكل حال وخالفنا بعض الناس وبعض مكيينا في محبوس عن الحج بمرض فقالوا هو والمحصر بعد ولا يفترقان في شيء وقال ذلك بعض من لقيت منهم وقال يبعث المحصر بالهدي ويواعده المبعوث بالهدي معه يوما يذبحه فيه عنه وقال بعضهم يحتاط يوما أو يومين بعد موعده ثم يحلق أو يقصر ثم يحل ويعود إلى بلده وعليه قضاء إحرامه الذي فاته وقال بعض مكيينا كما فاته لا يزيد عليه ، وقال بعض الناس بل إن كان مهلا بحج قضى حجا وعمرة لأن إحرامه بالحج صار عمرة وأحسبه قال : فإن كان قارنا فحجا وعمرتين لأن حجه صار عمرة .

وإن كان مهلا بعمرة قضى عمرة وقال لي بعض من ذهب إلى هذا القول : لا نخالفك في أن آية الإحصار نزلت في الحديبية وأنه إحصار عدو ، أفرأيت إذن الله تعالى [ ص: 182 ] للمحصر بما استيسر من الهدي ؟ ثم سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذبح والإحلال كيف لم تجعل المحصر بالمرض قياسا على المحصر بالعدو أن تحكم له حكمك له ؟ فقلت له الأصل على الفرض إتمام الحج والعمرة لله والرخصة في الإحلال للمحصر بعدو فقلنا في كل بأمر الله عز وجل ولم نعد بالرخصة موضعها كما لم نعد بالرخصة المسح على الخفين ولم نجعل عمامة ولا قفازين قياسا على الخفين فقال فهل يفترق الحصار بالعدو والمرض ؟ قلت : نعم ، قال وأين ؟ قلت المحصر بعدو خائف القتل على نفسه إن أقدم عليه وغير عالم بما يصير إليه منه إذا أقدم عليه وقد رخص لمن لقي المشركين أن يتحرف للقتال أو يتحيز إلى فئة فإذا فارق المحصر موضعه راجعا صار إلى حال أحسن من حاله في التقدم والمقام لمزايلة الخوف إلى الأمن والمريض ليس في شيء من هذه المعاني ، لا هو خائف بشرا ولا صائر بالرجوع إلى أمن بعد خوف ولا حال ينتقل عنه إلا رجاء البر والذي يرجوه في تقدمه رجاؤه في رجوعه ومقامه حتى يكون الحال به معتدلا له في المقام والتقدم إلى البيت والرجوع ، فالمريض أولى أن لا يقاس على المحصر بعدو ، من العمامة والقفازين والبرقع على الخفين ولو جاز أن يجهل ما وصفنا من الأصل في إتمام الحج والعمرة وأن المستثنى المحصر بعدو فقلنا الحبس ما كان كالعدو جاز لنا لو ضل رجل طريقا أو أخطأ عددا حتى يفوته الحج أن يحل فقال بعضهم ، إنا إنما اعتمدنا في هذا على الشيء رويناه عن ابن مسعود وبه قلنا .

قلت لو لم يخالفه واحد ممن سمينا إنا قلنا بقوله أما كنت محجوجا به ؟ قال : ومن أين ؟ قلت ألسنا وإياكم نزعم أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لو اختلفا فكان قول أحدهما أشبه بالقرآن كان الواجب علينا أن نصير إلى أشبه القولين بالقرآن فقولنا أشبه بالقرآن بما وصفت لك ، أو رأيت لو لم نستدل على قولنا وقولك بالقرآن وكان قولنا أصح في الابتداء والمتعقب من قولك أكان قولنا أولى أن يذهب إليه ؟ قال : بلى ، إن كان كما تقول قلت : فهو كما أقول ومعنا ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وثلاثة أكثر عددا من واحد ، قال فأين هو أصح ؟ قلت أرأيت إذا مرض فأمرته أن يبعث بهدي ويواعده يوما يذبح فيه عنه الهدي ثم يحلق أو يقصر ويحل ألست قد أمرته بأن يحل وأنت لا تدري لعل الهدي لم يبلغ محله وأنت تعيب على الناس أن يأمروا أحدا بالخروج من شيء لزمهم بالظنون ؟ قال فإنا لا نقول بظن ولكن بالظاهر قلت : الظاهر في هذا ظن ، ولو خرج الظاهر في هذا من أن يكون ظنا كنت أيضا متناقض القول فيه قال ومن أين ؟ قلت إذا كان الحكم في أمرك المريض بالإحلال بالموعد بذبح الهدي وكان الظاهر عندك أنه قد حل بهذه المدة فكيف زعمت أنه إن بلغه أن الهدي عطب أو ضل أو سرق وقد أمرته بالإحلال فحل وجامع وصاد ( قال ) يكون عليه جزاء الصيد والفدية ويعود حراما كما كان قلت وهكذا لو بعث الهدي عشرين مرة وأصابه مثل هذا قال ؟ نعم ، قلت أفلست قد أبحت له الإحلال ثم جعلت عليه الفدية فيما أبحت له والفساد فيه وجعلته في موضع واحد حلالا أياما وحراما أياما ؟ فأي قول أشد تناقضا وأولى أن يترك من هذا ؟ وأي شيء يؤخذ من قول أولى أن ترده العقول من هذا ؟ وقال أيضا في الرجل تفوته عرفة ويأتي يوم النحر فقال كما قلنا يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر وعليه حج قابل ثم خالفنا فقال لا هدي عليه وروى فيه حديثا عن عمر أنه لم يذكر فيه أمر بالهدي قال وسألت زيد بن ثابت بعد ذلك بعشرين سنة فقال كما قال عمر : وقال قد روينا هذا عن عمر ( قال ) فإلى قول من ذهبتم ؟ فقلت روينا عن عمر مثل قولنا

[ ص: 183 ] من أمره بالهدي .

قال رويتموه منقطعا وحديثنا متصل قلنا فحديثك المتصل يوافق حديثنا عن عمر ويزيد عليه الهدي ، والذي يزيد في الحديث أولى بالحفظ من الذي لم يأت بالزيادة عندنا وعندك قال لا أثبته لك بالحال عن عمر منقطعا فهل ترويه عن غير عمر ؟ قلنا : نعم عن ابن عمر كما قلنا متصلا قال فكيف اخترت ما رويت عن ابن عمر على ما روينا عن عمر ؟ قلنا روينا عن عمر مثل روايتنا عن ابن عمر وإن لم يكن متصلا قال أفذهبت فيما اخترت من قول ابن عمر إلى شيء غير تقليد ابن عمر فيكون لنا تقليد عمر على ابن عمر ؟ فقلت له : نعم ذهبت إلى ما يلزمك أنت خاصة أكثر مما يلزم الناس حتى يكون عليك ترك قولك لقولنا قال وأين ؟ قلت له زعمت أن الحائض إذا لم تطهر إلى عرفة وهي معتمرة رفضت العمرة وأهلت بالحج وأهراقت لرفض العمرة دما وكان عليها قضاؤها ثم قلتم هذا فيمن خاف فوت الحج من الرجال المعتمرين قال قد قلته في الحائض وفيمن خاف فوت الحج من الرجال المعتمرين ثم شككت في الرجال المعتمرين وأنا ثابت على الحائض بما روينا فيها فقلت له ولم شككت هل كان عليها أن تهريق دما عندك إلا لفوت العمرة ؟ قال فإن قلت ليس لفوت العمرة ؟ قلت فقل ما شئت قال لخروجها من العمرة بلا فوت لأنها لو شاءت أقامت على العمرة قلت فما تقول إن لم يرهقها الحج فأرادت الخروج من العمرة بدم تهريقه ثم تحج وتقضي العمرة ؟ قال ليس ذلك لها ، قلت فهل أمرتها بالخروج من العمرة إلا بفوتها عندك وهي لو أقامت على العمرة لم يكن عليها شيء والحاج عندك إذا فاته الحج لم يكن له المقام على الحج وكان قد خرج منه قبل يكمله كما خرجت الحائض من العمرة قبل تكملها فلم جعلت على الحائض دما لخروجها قبل إكمال الإحرام الذي لزمها ولم تجعل ذلك على الحاج وقد خرج منه قبل إكمال الإحرام الذي لزمه واجتمعا في هذا المعنى وفي أنهما يقضيان ما خرجا منه فكيف فرقت بينهما في الدم ؟ .

وقلتم عن ابن عمر إن رجلا لو كان عليه صوم من شهر رمضان فنسيه إلى أن يأتي رمضان آخر فصامه أنه يصوم بعده ما عليه من الشهر لرمضان الذي نسي ويتصدق عن كل يوم على مسكين لأنه لم يأت بالصوم في موضعه ، فالحاج يفوته الحج في مثل معناه وأولى أن تقولوا به فيه وخالفنا أيضا فقال إن كان الذي فاته الحج مفردا بالحج فعليه حج وعمرة وإن كان قارنا فعليه حج وعمرتان فقلت له أقلت هذا خبرا أم قياسا ؟ فلم يذكر خبرا نراه ولا عنده هو إذا أنصف حجة قال قياسا ، قلنا فعلى أي شيء قسته ؟ قال إن عمر قال اعمل ما يعمل المعتمر فدل هذا على أن حجه صار عمرة فقلت له لما لم يكن يخرج من الإحرام إلا بطواف وسعي في حج كان أو عمرة وكان الطواف والسعي كمال ما يخرج به من العمرة ، وعرفة والجمار ومنى والطواف كمال ما يخرج به من الحج ، فكان إذا فاتته عرفة لا حج له ولا عمل عليه من عمل الحج فقيل اخرج بأقل ما يخرج به من الإحرام وذلك عمل معتمر لا أن حجه صار عمرة أرأيت لو كانت عليه عمرة واجبة فنوى بهذا الحج عمرة ففاتته أيقضي العمرة الواجبة عنه ؟ قال : لا . لأنه عقده حجا قلت فإذا عقده حجا لم يصر عندك عمرة تجزي عنه ؟ قال لا . فقلت فمن أين زعمت أنه عمرة وهو لا يجزي عنه من عمرة واجبة ولو ابتدأ بإحرامه ابتدأ العمرة الواجبة عليه ؟ .

وقلت له ولو كان صار عمرة كان أبعد لقولك أن لا تقول عليه حج ولا عمرة لأنه قد قضى العمرة وإنما فاته الحج فلا يكون عليه حج وعمرة فقال إنما قلته لأن الحج تحول عمرة ففاته لما فاته الحج فقلت له : ما أعلمك تورد حجة إلا كانت عليك أرأيت إحرامه بالحج متى صار عمرة ؟ قال بعد عرفة ، قلت فلو ابتدأ الإحرام بعد عرفة بعمرة أيكون غير محرم بها أو محرما يجزيه العمل عنها ولا يقضيها ؟ قال فنقول ماذا ؟ قلت أيهما قلت فقد لزمك ترك ما [ ص: 184 ] احتججت به قال فدع هذا قلت أقاويلك متباينة قال وكيف ؟ قلت رويت عن عمر أنه أمر من فاته الحج يطوف ويسعى ويقصر أو يحلق ويحج قابلا وقلت له كان عليه هدي أمره به ، وردت روايتنا عنه أنه أمر بالهدي ، فإن قلت هي مقطوعة فكيف إذا كان في روايتك عنه أنه أمره بحج قابل ولم يأمره بعمرة ، فلم لا تقول : لا عمرة عليه اتباعا لقول عمر وزيد بن ثابت وروايتنا عن ابن عمر ؟ ما أعلمك إلا قصدت قصد خلافهم معا ثم خالفتهم بمحال فقلت لرجل فاته الحج : عليك عمرة وحج وهل رأيت أحدا قط فاته شيء فكان عليه قضاء ما فاته وآخر معه ؟ والآخر ليس الذي فاته لأن الحج ليس عمرة والعمرة ليست بحج .
باب هدي الذي يفوته الحج

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى في المحصر بعدو يسوق هديا واجبا أو هدي تطوع ، ينحر كل واحد منهما حيث أحصر ولا يجزي واحد منهما عنه من هدي الإحصار لأن كل واحد منهما وجب عليه الواجب بوجوبه والتطوع بإيجابه ، قبل أن يلزمه هدي الإحصار ، فإذا أحصر فعليه هدي سواهما يحل به ، فأما من فاته الحج بمرض أو غيره فلا يجزيه الهدي حتى يبلغ الحرم .
باب الغسل لدخول مكة

( قال الشافعي ) وإذا اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح لدخول مكة وهو حلال يصيب الطيب فلا أراه إن شاء الله ترك الاغتسال ليدخلها حراما وهو في الحرم لا يصيب الطيب ، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغتسل لدخول مكة .

( قال الشافعي ) وأحب الغسل لدخول مكة وإن تركه تارك لم يكن عليه فيه فدية لأنه ليس من الغسل الواجب
باب القول عند رؤية البيت

أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا } أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال حدثت عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { ترفع الأيدي في الصلاة وإذا رأى البيت وعلى الصفا والمروة وعشية عرفة وبجمع وعند الجمرتين وعلى الميت } أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه كان حين ينظر إلى البيت يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام .

( قال الشافعي ) فأستحب للرجل إذا رأى البيت أن يقول ما حكيت وما قال من حسن أجزأه إن شاء الله تعالى .
[ ص: 185 ] باب ما جاء في تعجيل الطواف بالبيت حين يدخل مكة

أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال { لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لم يلو ولم يعرج } .

( قال الشافعي ) رحمه الله لم يبلغنا أنه حين دخل مكة لوى لشيء ولا عرج في حجته هذه ولا عمرته كلها حتى دخل المسجد ولا صنع شيئا حين دخل المسجد لا ركع ولا صنع غير ذلك حتى بدأ بالبيت فطاف هذا أجمع في حجه وفي عمرته كلها أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قال عطاء فيمن قدم معتمرا فقدم المسجد لأن يطوف بالبيت فلا يمنع الطواف ولا يصلي تطوعا حتى يطوف ، وإن وجد الناس في المكتوبة فليصل معهم ولا أحب أن يصلي بعدها شيئا حتى يطوف بالبيت . وإن جاء قبل الصلاة فلا يجلس ولا ينتظرها وليطف فإن قطع الإمام طوافه فليتم بعد ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء : ألا أركع قبل تلك المكتوبة إن لم أكن ركعت ركعتين ؟ قال : لا ، إلا ركعتي الصبح إن لم تكن ركعتهما فاركعهما ثم طف لأنهما أعظم شأنا من غيرهما ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء : المرأة تقدم نهارا ؟ قال ما أبالي إن كانت مستورة أن تقدم نهارا .

( قال الشافعي ) وبما قال عطاء كله آخذ لموافقته السنة فلا أحب لأحد قدر على الطواف أن يبدأ بشيء قبل الطواف إلا أن يكون نسي مكتوبة فيصليها أو يقدم في آخر مكتوبة فيخاف فوتها فيبدأ بصلاتها أو خاف فوت ركعتي الفجر فيبدأ بهما أو نسي الوتر فليبدأ به ثم يطوف فإذا جاء وقد منع الناس الطواف ركع ركعتين لدخول المسجد إذا منع الطواف ، فإن جاء وقد أقيمت الصلاة بدأ بالصلاة ، فإن جاء وقد تقاربت إقامة الصلاة بدأ بالصلاة والرجال والنساء فيما أحببت من التعجيل حين يقدمون ليلا سواء وكذلك هم إذا قدموا نهارا إلا امرأة لها شباب ومنظر فإني أحب لتلك تؤخر الطواف حتى الليل ليستر الليل منها .
باب من أين يبدأ بالطواف ؟

أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن منصور عن أبي وائل عن مسروق عن عبد الله بن مسعود أنه رآه بدأ فاستلم الحجر ثم أخذ عن يمينه فرمل ثلاثة أطواف ومشى أربعة ثم أتى المقام فصلى خلفه ركعتين ، أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال : يلبي المعتمر حين يفتتح الطواف مستلما أو غير مستلم .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #87  
قديم 06-01-2022, 08:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,904
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (87)
صــــــــــ 186 الى صـــــــــــ190



( قال الشافعي ) لا اختلاف أن حد مدخل الطواف من الركن الأسود وأن إكمال الطواف إليه ، وأحب استلامه حين يدخل الرجل الطواف فإن دخل الطواف في موضع فلم يحاذ بالركن لم يعتد بذلك الطواف وإن استلم الركن بيده من موضع فلم يحاذ الركن لم يعتد بذلك الطواف بحال ، لأن الطواف على البدن كله لا على بعض البدن دون بعض ، وإذا حاذى الشيء من الركن ببدنه كله اعتد بذلك الطواف وكذلك إذا حاذى بشيء من الركن في السابع فقد أكمل الطواف ، وإن قطعه قبل أن يحاذي بشيء من الركن وإن استلمه ، فلم يكمل ذلك الطواف .
[ ص: 186 ] باب ما يقال عند استلام الركن

أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال أخبرت { أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا رسول الله كيف نقول إذا استلمنا الحجر ؟ قال قولوا باسم الله والله أكبر إيمانا بالله وتصديقا بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم } .

( قال الشافعي ) رحمه الله هكذا أحب أن يقول الرجل عند ابتداء الطواف ويقول كلما حاذى الركن بعد " الله أكبر ولا إله إلا الله " وما ذكر الله به وصلى على رسوله فحسن
باب ما يفتتح به الطواف وما يستلم من الأركان

( قال الشافعي ) وأحب أن يفتتح الطائف الطواف بالاستلام ، وأحب أن يقبل الركن الأسود وإن استلمه بيده قبل يده وأحب أن يستلم الركن اليماني بيده ويقبلها ولا يقبله لأني لم أعلم أحدا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل إلا الحجر الأسود وإن قبله فلا بأس به ، ولا آمره باستلام الركنين اللذين يليان الحجر الأسود ولو استلمهما أو ما بين الأركان من البيت لم يكن عليه إعادة ولا فدية إلا أني أحب أن يقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الشافعي ) وروي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الركن الأسود } فكذلك أحب ، ويجوز استلامه بلا تقبيل لأنه قد استلمه واستلامه دون تقبيله ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أبي جعفر قال رأيت ابن عباس جاء يوم التروية مسبدا رأسه فقبل الركن ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثم قبله ثم سجد عليه ثلاث مرات ، أخبرنا سعيد عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس أنه كان لا يستلم الركن إلا أن يراه خاليا ، قال وكان إذا استلمه قبله ثلاث مرات وسجد عليه على أثر كل تقبيلة .

( قال الشافعي ) وأنا أحب إذا أمكنني ما صنع ابن عباس من السجود على الركن لأنه تقبيل وزيادة سجود لله تعالى وإذا استلمه لم يدع تقبيله وإن ترك ذلك تارك فلا فدية عليه أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء : هل رأيت أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا استلموا قبلوا أيديهم ؟ قال نعم رأيت جابر بن عبد الله وابن عمر وأبا سعيد الخدري وأبا هريرة إذا استلموا قبلوا أيديهم قلت وابن عباس ؟ قال : نعم حسبت كثيرا قلت : هل تدع أنت إذا استلمت أن تقبل يدك ؟ قال فلم أستلمه إذا ؟ .

( قال الشافعي ) وإذا ترك استلام الركن لم أحب ذلك له ولا شيء عليه ، أخبرنا سعيد بن سالم عن إبراهيم بن نافع قال : طفت مع طاوس فلم يستلم شيئا من الأركان حتى فرغ من طوافه .
[ ص: 187 ] الركنان اللذان يليان الحجر

أخبرنا سعيد بن سالم عن موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن كعب القرظي : { أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح الأركان كلها ويقول : لا ينبغي لبيت الله تعالى أن يكون شيء منه مهجورا } ، وكان ابن عباس يقول : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " .

( قال الشافعي ) الذي فعل ابن عباس أحب إلي لأنه كان يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر الأسود يدل على أن منهما مهجورا ، وكيف يهجر ما يطاف به ؟ ولو كان ترك استلامهما هجرانا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرانا لها
باب استحباب الاستلام في الوتر

أخبرنا سعيد بن سالم عن عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه كان لا يكاد أن يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل وتر من طوافه ، أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن طاوس أنه قال : استلموا هذا لنا خامس .

( قال الشافعي ) أحب الاستلام في كل وتر أكثر مما أستحب في كل شفع ، فإذا لم يكن زحام أحببت الاستلام في كل طواف .
الاستلام في الزحام

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وأحب الاستلام حين أبتدئ بالطواف بكل حال وأحب أن يستلم الرجل إذا لم يؤذ ولم يؤذ بالزحام ويدع إذا أوذي أو آذى بالزحام ولا أحب الزحام إلا في بدء الطواف وإن زاحم ففي الآخرة وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن " أصبت " أنه وصف له أنه استلم في غير زحام وترك في زحام لأنه لا يشبه أن يقول له أصبت في فعل وترك إلا إذا اختلف الحال في الفعل والترك وإن ترك الاستلام في جميع طوافه وهو يمكنه أو استلم وهو يؤذي ويؤذى بطوافه لم أحبه له ولا فدية ولا إعادة عليه ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أنه قال : " إذا وجدت على الركن زحاما فانصرف ولا تقف " أخبرنا سعيد بن سالم عن عمر بن سعيد بن أبي حسين عن منبوذ بن أبي سليمان عن أمه أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها فدخلت عليها مولاة لها فقالت لها : يا أم المؤمنين طفت بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا ، فقالت لها عائشة " لا أجرك الله لا أجرك الله تدافعين الرجال ؟ ألا كبرت ومررت " أخبرنا سعيد عن [ ص: 188 ] عثمان بن مقسم الربي عن عائشة بنت سعد أنها قالت كان أبي يقول لنا " إذا وجدتن فرجة من الناس فاستلمن وإلا فكبرن وامضين " فلما قالت عائشة أم المؤمنين وسعد آمر الرجال إذا استلم النساء أن لا يزاحموهن ويمضوا عنهن لأني أكره لكل زحاما عليه وأحب إذا أمكن الطائف الاستلام أن يستلم الركنين الحجر واليماني ويستلمهما بيده ويقبل يده ، وأحب إذا أمكنه الحجر أن يقبله بفيه ويستلم اليماني بيده فإن قال قائل : كيف أمرت بتقبيل الحجر ولم تأمر بتقبيل اليماني ؟ قيل له إن شاء الله روينا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الركن وأنه استلم الركن اليماني } ورأينا أهل العلم يقبلون هذا ويستلمون هذا ، فإن قال فلو قبله مقبل ؟ قلت حسن وأي البيت قبل فحسن غير أنا إنما نأمر بالاتباع وأن نفعل ما فعل زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، فإن قال فكيف لم تأمر باستلام الركنين اللذين يليان الحجر ؟ قلنا له لا نعلم النبي صلى الله عليه وسلم استلمهما ورأينا أكثر الناس لا يستلمونهما فإن قال فإنا نرى ذلك قلنا الله أعلم أما الحجة في ترك استلامهما فهي كترك استلام ما بقي من البيت فقلنا نستلم ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه دون ما لم ير يستلمه وأما العلة فيهما فنرى أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم فكانا كسائر البيت إذا لم يكونا مستوظفا بهما البيت فإن مسحهما رجل كما يمسح سائر البيت فحسن ، أخبرنا سعيد بن سالم قال أخبرني موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن كعب القرظي أن ابن عباس كان يمسح على الركن اليماني والحجر وكان ابن الزبير يمسح على الأركان كلها ويقول : لا ينبغي لبيت الله أن يكون شيء منه مهجورا . وكان ابن عباس يقول " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " .

( قال الشافعي ) كان ابن عباس يخبر { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركن اليماني والحجر دون الشاميين } وبهذا نقول وقول ابن الزبير " لا ينبغي أن يكون شيء من بيت الله مهجورا " ولكن لم يدع أحد استلام الركن هجرة لبيت الله تعالى ولكنه استلم ما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسك عما أمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استلامه ، وقد ترك استلام ما سوى الأركان من البيت فلم يكن أحد تركه على أن هجر من بيت الله شيئا ، أخبرنا سعيد بن سالم عن أبي مسلم عن إبراهيم بن ميسرة قال : ذكر ابن طاوس قال كان لا يدع الركنين أن يستلمهما ، قال : لكن أفضل منه كان يدعهما أبوه
القول في الطواف

أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن يحيى بن عبيد مولى السائب عن أبيه عن السائب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ، { فيما بين ركن بني جمح والركن الأسود ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وهذا من أحب ما يقال في الطواف إلي ، وأحب أن يقال في كله . }
باب إقلال الكلام في الطواف

أخبرنا سعيد بن سالم عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاوس أنه سمعه يقول سمعت ابن عمر يقول : أقلوا الكلام في الطواف فإنما أنتم في صلاة .

( قال الشافعي ) فذهب إلى استحباب قلة الكلام وقوله " في صلاة " في طاعة لا يجوز أن يكون فيها إلا بطهارة الصلاة لأن الكلام يقطع الصلاة ولو كان يقطعه عنده نهى عن قليله وكثيره ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال طفت خلف ابن عمر وابن عباس فما سمعت واحدا منهما متكلما حتى فرغ من طوافه أخبرنا سعيد عن إبراهيم بن نافع الأعور قال طفت مع طاوس وكلمته في الطواف فكلمني ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يكره الكلام في الطواف إلا الشيء اليسير منه إلا ذكر الله وقراءة القرآن .

( قال الشافعي ) وبلغنا أن مجاهدا كان يقرأ القرآن في الطواف .

( قال الشافعي ) وأنا أحب القراءة في الطواف وقد بلغنا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم في الطواف وكلم } ، فمن تكلم في الطواف فلا يقطع الكلام طوافه وذكر الله فيه أحب إلي من الحديث ، فإن قال قائل فلم إذا أبحت الكلام في الطواف استحببت إقلاله والإقبال على ذكر الله فيه ؟ قيل له إن شاء الله إني لأحب الإقلال من الكلام في الصحراء والمنازل وفي غير موضع منسك إلا بذكر الله عز وجل لتعود منفعة الذكر على الذاكر أو يكون الكلام في شيء من صلاح أمره ، فإذا كان هذا هكذا في الصحراء والبيوت فكيف قرب بيت الله مع عظيم رجاء الثواب فيه من الله ، فإن قال فهل من دليل من الآثار على ما قلت ؟ قلت : نعم . ما ذكرت لك عن ابن عمر وابن عباس " وأستحب القراءة في الطواف " والقراءة أفضل ما تكلم به المرء .
باب الاستراحة في الطواف

( قال الشافعي ) رحمه الله : لا بأس بالاستراحة في الطواف ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بأسا بالاستراحة في الطواف وذكر الاستراحة جالسا

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #88  
قديم 06-01-2022, 08:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,904
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (88)
صــــــــــ 191 الى صـــــــــــ195





الطواف راكبا

أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير المكي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه سمعه يقول : { طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وأشرف لهم لأن الناس غشوه } ، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على راحلته واستلم الركن بمحجته } ، أخبرنا سعيد عن ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال أخبرني عطاء { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وبالصفا والمروة راكبا فقلت : لم ؟ قال لا أدري قال ثم نزل فصلى ركعتين } أخبرنا سفيان بن عيينة عن الأحوص بن حكيم قال رأيت أنس بن مالك يطوف بين الصفا والمروة راكبا على [ ص: 190 ] حمار { وطاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت والصفا والمروة راكبا من غير مرض ولكنه أحب أن يشرف للناس ليسألوه وليس أحد في هذا الموضع من الناس } ، وأكثر ما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت والصفا والمروة لنسكه ماشيا ، فأحب إلي أن يطوف الرجل بالبيت والصفا والمروة ماشيا إلا من علة ، وإن طاف راكبا من غير علة فلا إعادة عليه ولا فدية . باب الركوب من العلة في الطواف
( قال الشافعي ) رحمه الله : ولا أكره ركوب المرأة في الطواف بين الصفا والمروة ولا حمل الناس إياها في الطواف بالبيت من علة وأكره أن يركب المرء الدابة حول البيت ، فإن فعل فطاف عليها أجزأه ( قال الشافعي ) فأخبر جابر عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف راكبا ، وأخبر أنه إنما فعل ليراه الناس } وفي هذا دلالة على أنه لم يطف من شكوى ولا أعلمه اشتكى صلى الله عليه وسلم في حجته تلك ، وقد قال سعيد بن جبير طاف من شكوى ولا أدري عمن قبله ، وقول جابر أولى أن يقبل من قوله لأنه لم يدركه .

( قال الشافعي ) أما سبعه الذي طاف لمقدمه فعلى قدميه لأن جابرا المحكي عنه فيه أنه رمل منه ثلاثة ومشى أربعة فلا يجوز أن يكون جابر يحكي عنه الطواف ماشيا وراكبا في ربع واحد وقد حفظ عنه أن سعيه الذي ركب فيه في طوافه يوم النحر ، أخبرنا سفيان عن عبد الله بن طاوس عن أبيه أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يهجروا بالإفاضة وأفاض في نسائه ليلا على راحلته يستلم الركن بمحجنه } وأحسبه قال : ويقبل طرف المحجن .
باب الاضطباع

أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه بلغه أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطبع بردائه حين طاف } ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب استلم الركن ليسعى ثم قال لمن نبدي الآن مناكبنا ومن نرائي وقد أظهر الله الإسلام ؟ والله على ذلك لأسعين كما سعى .

( قال الشافعي ) رحمه الله يعني رمل مضطبعا ( قال الشافعي ) والاضطباع أن يشتمل بردائه على منكبه الأيسر ومن تحت منكبه الأيمن حتى يكون منكبه الأيمن بارزا حتى يكمل سبعة فإذا طاف الرجل ماشيا لا علة به تمنعه الرمل لم أحب أن يدع الاضطباع مع دخوله الطواف وإن تهيأ بالاضطباع قبل دخوله الطواف فلا بأس ، وإن كان في إزار وعمامة أحببت أن يدخلهما تحت منكبه الأيمن ، وكذلك إن كان مرتديا بقميص أو سراويل أو غيره ، وإن كان مؤتزرا لا شيء على منكبيه فهو بادي المنكبين لا ثوب عليه يضطبع فيه ثم يرمل حين يفتتح الطواف فإن ترك الاضطباع في بعض السبع اضطبع فيما بقي منه ، وإن لم يضطبع بحال كرهته له كما أكره له ترك الرمل في الأطواف الثلاثة ولا فدية عليه ولا إعادة ، أخبرنا سعيد عن عبد الله بن عمر عن نافع { عن ابن عمر أنه كان يرمل من الحجر إلى الحجر ثم يقول : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من سبعة ثلاثة أطواف خببا ليس بينهن مشي } ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى في عمره كلهن الأربع بالبيت وبالصفا والمروة } إلا أنهم [ ص: 191 ] ردوه في الأولى والرابعة من الحديبية ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال : سعى أبو بكر عام حج ; إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ثم عمر ثم عثمان والخلفاء هلم جرا يسعون كذلك
( قال الشافعي ) والرمل الخبب لا شدة السعي ثلاثة أطواف لا يفصل بينهن بوقوف إلا أن يقف عند استلام الركنين ثم يمضي خببا ، فإذا كان زحام لا يمكنه معه أن يخب فكان إن وقف وجد فرجة وقف ، فإذا وجد الفرجة رمل ، وإن كان لا يطمع بفرجة لكثرة الزحام أحببت أن يصير حاشية في الطواف فيمكنه أن يرمل فإنه إذا صار حاشية أمكنه أن يرمل ولا أحب ترك الرمل وإن كان إذا صار حاشية منعه كثرة النساء أن يرمل رمل إذا أمكنه الرمل ، ومشى إذا لم يمكنه الرمل سجية مشيه ولم أحب أن يثب من الأرض وثوب الرمل ، وإنما يمشي مشيا ، ويرمل أول ما يبتدئ ثلاثة أطواف ويمشي أربعة ، فإن ترك الرمل في الطواف الأول رمل في الطوافين بعده ، وكذلك إن ترك الرمل في الطوافين الأولين رمل في الطواف بعدهما ، وإن ترك الرمل في الثلاثة لم يقضه في الأربعة ; لأنه هيئة في وقت ، فإذا مضى ذلك الوقت لم يضعه في غير موضعه ، ولم يكن عليه فدية ولا إعادة ; لأنه جاء بالطواف ، والطواف هو الفرض فإن ترك الذكر فيهما لم نحبه ولا إعادة عليه وإن ترك الرمل في بعض طواف رمل فيما بقي منه ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم فرق ما بين سبعة فرقين فرقا رمل فيه وفرقا مشى فيه } ، فلا يرمل حيث مشى النبي صلى الله عليه وسلم وأحب إلي لو لم يمش حيث رمل النبي صلى الله عليه وسلم
( قال الشافعي ) وترك الرمل عامدا ذاكرا وساهيا وناسيا وجاهلا سواء لا يعيد ولا يفتدي من تركه غير أني أكرهه للعامد ولا مكروه فيه على ساه ولا جاهل ، وسواء في هذا كله طواف نسك قبل عرفة وبعدها وفي كل حج وعمرة إذا كان الطواف الذي يصل بينه وبين السعي بين الصفا والمروة فإن قدم حاجا أو قارنا فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ثم زار يوم النحر أو بعده لم يرمل ; لأنه طاف الطواف الذي يصل بينه وبين الصفا والمروة ، وإنما طوافه بعده لتحل له النساء ، وإن قدم حاجا فلم يطف حتى يأتي " منى " رمل في طوافه بالبيت بعد عرفة ، أخبرنا سعيد عن سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خثيم أنه رأى مجاهدا يرمل يوم النحر ، فإن قال قائل : فإنك قد تقول في أشياء يتركها المرء من نسكه يهريق دما فكيف لم تأمره في هذا بأن يهريق دما ؟ قلت إنما آمره إذا ترك العمل نفسه قال : أفليس هذا عمل نفسه ؟ قلت : لا .

الطواف العمل وهذا هيئة في العمل فقد أتى بالعمل على كماله وترك الهيئة فيه والسجود والركوع العمل فإن ترك التسبيح فيهما لم يكن تاركا لعمل يقضيه كما يقضي سجدة لو تركها أو تفسد بها عليه صلاته لو خرج منها قبل أن يكملها بل التسبيح في الركوع والسجود كان أولى أن يفسد من قبل أنه قول وعمل ، والقول عمل والاضطباع والرمل هيئة أخف من التسبيح في الركوع والسجود .
( قال ) وإذا رمل في الطواف فاشتد عليه الزحام تحرك حركة مشيه يقارب وإنما منعني من أن أقول له يقف حتى يجد فرجة ، أنه يؤذى بالوقوف من خلفه ولا أطمع له أن يجد فرجة بين يديه فلو كان في غير مجمع فازدحم الناس لفتح باب الكعبة أو عارض الطواف حيث لا يؤذى بالوقوف من خلفه ويطمع أن ينفرج له ما بين يديه أمرته أن يقف حتى ينفرج ما بين يديه فيمكنه أن يرمل ومتى أمكنه الرمل رمل ، وأحب إلي أن يدنو من البيت في الطواف ، وإن بعد عن البيت وطمع أن يجد السبيل إلى الرمل أمرته بالبعد
باب في الطواف بالراكب مريضا أو صبيا والراكب على الدابة

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا طاف الرجل بالصبي أحببت أن يرمل به ، وإن طاف [ ص: 192 ] رجل برجل أحببت إن قدر على أن يرمل به أن يرمل به وإذا طاف النفر بالرجل في محفة أحببت إن قدروا على الرمل أن يرملوا ، وإذا طاف الرجل راكبا فلم يؤذ أحدا أحببت أن يحث دابته في موضع الرمل ، وهذا كله في الرجال
باب ليس على النساء سعي

أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال : ليس على النساء سعي بالبيت ولا بين الصفا والمروة . أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه سأل عطاء : أتسعى النساء ؟ فأنكره نكرة شديدة أخبرنا سعيد عن رجل عن مجاهد أنه قال رأت عائشة رضي الله عنها النساء يسعين بالبيت فقالت " أما لكن فينا أسوة ؟ ليس عليكن سعي " .

( قال الشافعي ) لا رمل على النساء ، ولا سعي بين الصفا والمروة ولا اضطباع وإن حملن لم يكن على من حملهن رمل بهن وكذلك الصغيرة منهن تحملها الواحدة ، والكبيرة تحمل في محفة ، أو تركب دابة ، وذلك أنهن مأمورات بالاستتار ، والاضطباع والرمل مفارقان للاستتار
باب لا يقال شوط ولا دور

أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن مجاهد أنه كان يكره أن يقول شوط دور للطواف ولكن يقول طواف طوافين .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وأكره من ذلك ما كره مجاهد ، لأن الله - عز وجل - قال { وليطوفوا بالبيت العتيق } فسمي طوافا ; لأن الله - تعالى - سمى جماعة طوافا .
باب كمال الطواف

أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر عبد الله بن عمر { عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألم تري إلى قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم ؟ فقلت يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم ؟ قال لولا حدثان قومك بالكفر لرددتها على ما كانت عليه } فقال عبد الله بن عمر لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم . أخبرنا سفيان قال حدثنا هشام بن حجير عن طاوس فيما أحسب أنه قال عن ابن عباس أنه قال : " الحجر من البيت " قال الله - عز وجل - { وليطوفوا بالبيت العتيق } وقد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجر أخبرنا سفيان قال حدثنا عبد الله بن أبي يزيد قال أخبرني أبي قال أرسل عمر إلى شيخ من بني زهرة فجئت معه إلى عمر وهو في الحجر فسأله عن ولاد من ولاد الجاهلية فقال الشيخ : أما النطفة فمن فلان وأما الولد فعلى فراش فلان ، فقال عمر " صدقت ولكن { رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالولد للفراش } فلما ولى الشيخ دعاه عمر فقال " أخبرني عن [ ص: 193 ] بناء البيت فقال " إن قريشا كانت تقوت لبناء البيت فعجزوا فتركوا بعضها في الحجر فقال له عمر " صدقت " أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال ما حجر الحجر فطاف الناس من ورائه إلا إرادة أن يستوعب الناس الطواف بالبيت وسمعت عددا من أهل العلم من قريش يذكرون أنه ترك من الكعبة في الحجر نحوا من ستة أذرع .

( قال الشافعي ) وكمال الطواف بالبيت أن يطوف الرجل من وراء الحجر فإن طاف فسلك الحجر لم يعتد بطوافه الذي سلك فيه الحجر وإن طاف على جدار الحجر لم يعتد بذلك الطواف ; لأنه لم يكمل الطواف بالبيت وكان كل طواف طافه على شاذروان الكعبة أو في الحجر أو على جدار الحجر كما لم يطف ، وإذا ابتدأ الطائف الطواف استلم الركن ثم يدعه عن يساره ، ويطوف فإن استلم الركن وتركه عن يمينه وطاف فقد نكس الطواف ولا يعتد بما طاف بالبيت منكوسا ، ومن طاف سعا على ما نهيت عنه من نكس الطواف أو على شاذروان الكعبة أو في الحجر أو على جداره كان في حكم من لم يطف ولا يختلفان
باب ما جاء في موضع الطواف

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإكمال الطواف بالبيت من وراء الحجر ووراء شاذروان الكعبة فإن طاف طائف بالبيت وجعل طريقه من بطن الحجر أعاد الطواف وكذلك لو طاف على شاذروان الكعبة أعاد الطواف فإن قال قائل فإن الله - عز وجل - يقول " وليطوفوا بالبيت العتيق " فكيف زعمت أنه يطوف بالبيت وغيره ؟ قيل له إن شاء الله - تعالى ، أما الشاذروان فأحسبه منشأ على أساس الكعبة ثم مقتصرا بالبنيان عن استيظافه فإذا كان هذا هكذا كان الطائف عليه لم يستكمل الطواف بالبيت إنما طاف ببعضه دون بعض ، وأما الحجر فإن قريشا حين بنت الكعبة استقصرت من قواعد إبراهيم فترك في الحجر أذرع من البيت ، فهدمه ابن الزبير وابتناه على قواعد إبراهيم وهدم الحجاج زيادة ابن الزبير التي استوظف بها القواعد ، وهم بعض الولاة بإعادته على القواعد ، فكره ذلك بعض من أشار عليه ، وقال : أخاف أن لا يأتي وال إلا أحب أن يرى له في البيت أثر ينسب إليه والبيت أجل من أن يطمع فيه ، وقد أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلفاؤه بعده ( قال الشافعي ) والمسجد كله موضع للطواف .
باب في حج الصبي

أخبرنا مالك عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما أن [ ص: 194 ] { رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة وهي في محفتها فقيل لها : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بعضد صبي كان معها فقالت : ألهذا حج ؟ قال نعم ولك أجر } أخبرنا سعيد عن مالك بن مغول عن أبي السفر قال قال ابن عباس " أيها الناس أسمعوني ما تقولون وافهموا ما أقول لكم أيما مملوك حج به أهله فمات قبل أن يعتق فقد قضى حجه وإن عتق قبل أن يموت فليحجج ، وأيما غلام حج به أهله فمات قبل أن يدرك فقد قضى عنه حجه وإن بلغ فليحجج " أخبرنا سعيد ومسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء قال وتقضى حجة العبد عنه حتى يعتق فإذا عتق وجبت عليه من غير أن تكون واجبة عليه .

( قال الشافعي ) هذا كما قال عطاء إن شاء الله في العبد ومن لم يبلغ وقد بين معنى قوله ومعنى قول ابن عباس عندنا هكذا وقوله فإذا عتق فليحجج يدل على أنها لو أجزأت عنه حجة الإسلام لم يأمره أن يحج إذا عتق ويدل على أنه لا يراها واجبة عليه في عبوديته وذلك أنه وغيره من أهل الإسلام لا يرون فرض الحج على أحد إلا مرة لأن الله - عز وجل - يقول { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا }
باب في الطواف متى يجزئه ومتى لا يجزئه ؟

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والمسجد كله موضع للطواف فمن طاف في المسجد من دون السقاية وزمزم أو من ورائهما أو وراء سقايات المسجد التي أحدثت فحف بها المسجد حتى يكون الطائف من ورائها كلها فطوافه مجزئ عنه لأنه في موضع الطواف ، وأكثر الطائفين محول بينه وبين الطواف بالناس الطائفين والمصلين .

وإن خرج من المسجد فطاف من ورائه لم يعتد بشيء من طوافه خارجا من المسجد ; لأنه في غير موضع الطواف ولو أجزت هذا له أجزت له الطواف لو طافه وهو خارج من الحرم أو في الحرم ، ولو طاف بالبيت منكوسا لم يعتد بطوافه أو لا أحسب أحدا يطوف به منكوسا لأن بحضرته من يعلمه لو جهل ، ولو طاف بالبيت محرما وعليه طواف واجب ولا ينوي ذلك الطواف الواجب ولا ينوي به نافلة أو نذرا عليه من طوافه كان طوافه هذا طوافه الواجب وهكذا ما عمل من عمل حج أو عمرة لأنه إذا أجزأه في الحج والعمرة أن يبتدئه يريد به نافلة فيكون فرضا كان في بعض عمله أولى أن يجزيه ولو طاف بعض طوافه ثم أغمي عليه قبل إكماله فطيف به ما بقي عليه من الطواف لا يعقله من إغماء أو جنون أو عارض ما كان أو ابتدئ به في الطواف مغلوبا على عقله لم يجزه حتى يكون يعقل في السبع كله كما لا تجزئ الصلاة حتى يعقل في الصلاة كلها .

ولو طاف وهو يعقل ثم أغمي عليه قبل كمال الطواف ثم أفاق بعد ذلك ابتدأ الوضوء والطواف قريبا كان أو بعيدا ولو طاف على بعير أو فرس أجزأه ، وقد كثر الناس واتخذوا من يحملهم فيكون أخف على من معه في الطواف من أن يركب بعيرا أو فرسا ولو طاف بالبيت فيما لا يجوز للمحرم أن يلبسه من الثياب كان طوافه مجزئا عنه وكانت عليه الفدية فيما لبس مما ليس له لبسه وهو محرم وهكذا الطواف منتقبا أو متبرقعا .
باب الخلاف في الطواف على غير طهارة

( قال الشافعي ) رحمه الله : فزعم بعض الناس أن الطواف لا يجزي إلا طاهرا وأن المعتمر والحاج [ ص: 195 ] إن طاف بالبيت الطواف الواجب عليه على غير وضوء أمره بالإعادة فإن بلغ بلده لم يأمره بالإعادة ولو طاف جنبا أمره أن يعود من بلده حيث كان فقيل لبعض من يقول قوله : أيعدو الطواف قبل الطهارة أن يكون كما قلنا لا يطوف بالبيت إلا من تحل له الصلاة أو يكون كذكر الله وعمل الحج والعمرة غير الطواف ؟

قال : إن قلت هو كالصلاة وأنه لا يجزي إلا بوضوء قلت فالجنب وغير المتوضئ سواء لأن كلا غير طاهر وكلا غير جائز له الصلاة .

( قال الشافعي ) قلت أجل قال فلا أقوله وأقول هو كغيره من عمل الحج قلت : فلم أمرت من طاف على غير وضوء أن يعيد الطواف ، وأنت تأمره أن يبتدئ على غير وضوء ؟

قال : فإن قلت لا يعيد قلت إذا تخالف السنة قال فإن قلت إنما { أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن لا تطوف بالبيت لئلا يدخل المسجد حائض } .

قلت فأنت تزعم أن المشرك يدخل المسجد الحرام والجنب ، قال : فلا أقول هذا ولكني أقول إنه كالصلاة ولا تجوز إلا بطهارة ولكن الجنب أشد حالا من غير المتوضئ قلت أو تجد بينهما فرقا في الصلاة ؟ قال : لا ، قلت فأي شيء شئت فقل ولا تعدو أن تخالف السنة وقول أكثر أهل العلم ; لأنه لا يكون لغير الطاهر أن يطوف بالبيت ، أو تقول لا يطوف به إلا طاهر فيكون تركك أن تأمره أن يرجع حيث كان ويكون كمن لم يطف تركا لأصل قولك
باب كمال عمل الطواف أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال : أخبرنا مالك وعبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله وأخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن { رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم سعى ثلاثة أطواف بالبيت ومشى أربعة ثم يصلي سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة } .

( قال الشافعي ) فمن طاف بالبيت أقل من سبعة أطواف بخطوة واحدة فلم يكمل الطواف ، وإن طاف بعده بين الصفا والمروة فهو في حكم من لم يسع بين الصفا والمروة ولا يجزيه أن يسعى بين الصفا والمروة إلا بعد كمال سبع تام بالبيت ، وإن كان معتمرا فصدر إلى أهله فهو محرم كما كان يرجع فيبتدئ أن يطوف سبعا بالبيت وبين الصفا والمروة سبعا ، ثم يحلق أو يقصر وإن كان حلق قبل ذلك فعليه دم للحلاق قبل أن يحل ولا أرخص له في قطع الطواف بالبيت إلا من عذر وذلك أن تقام الصلاة فيصليها ثم يعود فيبني على طوافه من حيث قطع عليه ، فإن بنى من موضع لم يعد فيه إلى الموضع الذي قطع عليه منه ألغي ذلك الطواف ولم يعتد به .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #89  
قديم 06-01-2022, 09:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,904
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (89)
صــــــــــ 196 الى صـــــــــــ200


( قال الشافعي ) : أو يصيبه زحام فيقف لا يكون ذلك قطعا أو يعيا فيستريح قاعدا فلا يكون ذلك قطعا أو ينتقض وضوءه فيخرج فيتوضأ وأحب إلي إذا فعل أن يبتدئ الطواف ولا يبني على طوافه ، وقد قيل : يبني ويجزيه إن لم يتطاول فإذا تطاول ذلك لم يجزه إلا الاستئناف ولا يجزيه أن يطوف إلا في المسجد لأن المسجد موضع الطواف ويجزيه أن يطوف في المسجد ، وإن حال دون الكعبة شيء نساء أو جماعة ناس أو سقايات أو أساطين المسجد أجزأه ما لم يخرج من المسجد فإن خرج فطاف لم يعتد بما طاف خارجا من المسجد قل أو كثر ، ولو أجزت له أن يطوف خارجا من المسجد أجزت له أن يطوف من وراء الجبال إذا لم يخرج من الحرم ، فإن خرج من باب من أبواب المسجد ثم دخل من آخر فإن كان الباب الذي دخل منه يأتي على الباب الذي خرج منه ، اعتد بذلك الطواف لأنه قد أتى على [ ص: 196 ] الطواف ورجع في بعضه ، وإن كان لا يأتي عليه لم يعتد بذلك الطواف
باب الشك في الطواف ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي يشك أصلى ثلاثا أو أربعا ؟ أن يصلي ركعة فكان في ذلك إلغاء الشك والبناء على اليقين فكذلك إذا شك في شيء من الطواف صنع مثل ما يصنع في الصلاة فألغى الشك وبنى على اليقين إلا أنه ليس في الطواف سجود سهو ولا كفارة ( قال ) وكذلك إذا شك في وضوئه في الطواف ، فإن كان على يقين من وضوئه وشك من حدثه أجزأه الطواف كما تجزئه الصلاة ، فإن كان على يقين من حدثه وفي شك من وضوئه لم يجزه الطواف كما لا تجزيه الصلاة
باب الطواف في الثوب النجس والرعاف والحدث والبناء على الطواف .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فإذا طاف في ثوب نجس أو على جسده نجاسة أو في نعليه نجاسة لم يعتد بما طاف بتلك الحال كما لا يعتد في الصلاة وكان في حكم من لم يطف وانصرف فألقى ذلك الثوب وغسل النجاسة عن جسده ثم رجع فاستأنف لا يجزيه من الطهارة في نفسه وبدنه وما عليه إلا ما يجزيه في الصلاة ومن طاف بالبيت فكالمصلي في الطهارة خاصة ، وإن رعف أو قاء انصرف فغسل الدم عنه والقيء ثم رجع فبنى ، وكذلك إن غلبه حدث انصرف فتوضأ ورجع فبنى وأحب إلي في هذا كله لو استأنف ( قال ) ولو طاف ببعض ما لا تجزيه به الصلاة ثم سعى أعاد الطواف والسعي ولا يكون له أن يعتد بالسعي حتى يكمل الطواف بالبيت ولو انصرف إلى بلده رجع حتى يطوف ويسعى هذا الطواف على الطهارة ، وجماع هذا أن يكون من طاف بغير كمال الطهارة في نفسه ولباسه فهو كمن لم يطف .

( قال الشافعي ) وأختار إن قطع الطائف الطواف فتطاول رجوعه أن يستأنف فإن ذلك احتياط وقد قيل : لو طاف اليوم طوافا وغدا آخر أجزأ عنه ; لأنه عمل بغير وقت .
باب الطواف بعد عرفة

( قال الشافعي ) قال الله تبارك وتعالى { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } .

( قال الشافعي ) فاحتملت الآية أن تكون على طواف الوداع ; لأنه ذكر الطواف بعد قضاء التفث واحتملت أن تكون على الطواف بعد منى وذلك أنه بعد حلاق الشعر ولبس الثياب والتطيب وذلك قضاء التفث وذلك أشبه معنييها بها ; لأن الطواف بعد منى واجب على الحاج والتنزيل كالدليل على إيجابه والله أعلم ، وليس هكذا طواف الوداع ( قال الشافعي ) إن كانت نزلت في الطواف بعد " منى " دل ذلك على إباحة الطيب ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس قال كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال النبي صلى الله عليه وسلم { لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت } أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال أمر الناس أن [ ص: 197 ] يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه أرخص للمرأة الحائض أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال " لا يصدرن أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت فإن آخر النسك الطواف بالبيت " .

( قال الشافعي ) وبهذا نقول وفي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحائض أن تنفر قبل أن تطوف طواف الوداع دلالة على أن ترك طواف الوداع لا يفسد حجا ، والحج أعمال متفرقة منها شيء إذا لم يعمله الحاج أفسد حجه ، وذلك الإحرام وأن يكون عاقلا للإحرام وعرفة فأي هذا ترك لم يجزه عنه حجه .

( قال الشافعي ) ومنها ما إذا تركه لم يحل من كل إحرامه وكان عليه أن يعمله في عمره كله ، وذلك الطواف بالبيت والصفا والمروة الذي يحل به إلا النساء وأيهما ترك رجع من بلده وكان محرما من النساء حتى يقضيه ، ومنها ما يعمل في وقت فإذا ذهب ذلك الوقت كله لم يكن له ولا عليه عمله ولا بدله وعليه الفدية مثل المزدلفة والبيتوتة ب " منى " ورمي الجمار ، ومنها ما إذا تركه ثم رجع إليه سقط عنه الدم ولو لم يرجع لزمه الدم وذلك مثل الميقات في الإحرام ومثله - والله أعلم - طواف الوداع ; لأنهما عملان أمر بهما معا فتركهما فلا يتفرقان عندي فيما يجب عليه من الفدية في كل واحد منهما قياسا على مزدلفة ، والجمار والبيتوتة ليالي " منى " ; لأنه نسك قد تركه وقد أخبرنا عن ابن عباس أنه قال " من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما " فإن قال قائل : طواف الوداع طواف مأمور به ، وطواف الإحلال من الإحرام طواف مأمور به وعملان في غير وقت متى جاء بهما العامل أجزأ عنه فلم لم تقس الطواف بالطواف ؟ قيل له بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفرق بينهما والدلالة بما لا أعلم فيه مخالفا فإن قال قائل وأين الدلالة ؟ قيل له لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطواف الوداع وأرخص للحائض أن تنفر بلا وداع فاستدللنا على أن الطواف للوداع لو كان كالطواف للإحلال من الإحرام لم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للحائض في تركه ألا ترى أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن صفية : أطافت بعد النحر ؟ فقيل : نعم ، فقال : فلتنفر } .

( قال الشافعي ) وهذا إلزامها المقام للطواف بعد النحر وتخفيف طواف الوداع .

( قال الشافعي ) ولا يخفف ما لا يحل المحرم إلا به أولا ترى أن من طاف بعد الجمرة والنحر والحلاق حل له النساء وهو إذا حل له النساء خارج من أحرم الحج بكمال الخروج ومن خرج من إحرام الحج لم يفسده عليه ما تركه بعده وكيف يفسد ما خرج منه ؟ وهذا يبين أن ترك الميقات لا يفسد حجا ; لأنه يكون محرما وإن جاوز الميقات وأن من دون الميقات يهل فيجزي عنه ، والشيء المفسد للحج إذا ترك ما لا يجزي أحدا غير فعله وقد يجزي عالما أن يهلوا دون الميقات إذا كان أهلوهم دونه ، ويدل على أن ترك البيتوتة ليالي " منى " وترك رمي الجمار لا يفسد الحج
باب ترك الحائض الوداع

أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت { حاضت صفية بعد ما أفاضت فذكرت حيضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا هي ؟ فقلت يا رسول الله [ ص: 198 ] إنها حاضت بعد ما أفاضت قال فلا إذا } أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة { أن صفية بنت حيي حاضت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا هي ؟ فقلت إنها قد كانت أفاضت ثم حاضت بعد ذلك فقال فلا إذا } .

أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة { أن صفية حاضت يوم النحر فذكرت عائشة حيضتها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا هي ؟ فقلت : إنها قد كانت أفاضت ثم حاضت بعد ذلك قال فلتنفر إذا } أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر صفية بنت حيي فقيل إنها قد حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلها حابستنا فقالوا يا رسول الله إنها قد أفاضت قال فلا إذا } .

أخبرنا مالك عن هشام بن عروة قال عروة قالت عائشة ونحن نذكر ذلك فلم يقدم الناس نساءهم إن كان لا ينفعهم ولو كان ذلك الذي يقول لأصبح " بمنى " أكثر من ستة آلاف امرأة حائض .

أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم { عن طاوس قال كنت مع ابن عباس إذ قال له زيد بن ثابت أتفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت ؟ قال : نعم ، قال فلا تفت بذلك قال فقال ابن عباس إما لا ، فسل فلانة الأنصارية هل أمرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال فرجع إليه زيد بن ثابت يضحك ويقول ما أراك إلا قد صدقت } ، أخبرنا سفيان عن ابن أبي حسين قال { اختلف ابن عباس وزيد بن ثابت في المرأة الحائض فقال ابن عباس تنفر ، وقال زيد لا تنفر ، فقال له ابن عباس سل ، فسأل أم سليم وصواحباتها قال فذهب زيد فلبث عنه ثم جاءه وهو يضحك فقال القول ما قلت } أخبرنا مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت إذا حجت ومعها نساء تخاف أن يحضن قدمتهن يوم النحر فأفضن فإن حضن بعد ذلك لم تنتظر بهن أن يطهرن تنفر بهن وهن حيض .

أخبرنا سفيان عن أيوب عن القاسم بن محمد أن عائشة كانت تأمر النساء أن يعجلن الإفاضة مخافة الحيض ، أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وإبراهيم بن ميسرة عن طاوس قال : جلست إلى ابن عمر فسمعته يقول { لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت } فقلت ما له أما سمع ما سمع أصحابه ؟ ثم جلست إليه من العام المقبل فسمعته يقول زعموا أنه رخص للمرأة الحائض .

( قال الشافعي ) كأن ابن عمر - والله أعلم - سمع الأمر بالوداع ولم يسمع الرخصة للحائض فقال به على العام وهكذا ينبغي له ولمن سمع عاما أن يقول به فلما بلغه الرخصة للحائض ذكرها وأخبرنا عن ابن شهاب قال جلت عائشة للنساء عن ثلاث ، لا صدر لحائض إذا أفاضت بعد المعرف ثم حاضت قبل الصدر وإذا طافت المرأة طواف الزيارة الذي يحلها لزوجها ثم حاضت نفرت بغير وداع ، ولا فدية عليها وإن طهرت قبل أن تنفر فعليها الوداع كما يكون على التي لم تحض من النساء ، وإن خرجت من بيوت مكة كلها قبل أن تطهر ثم طهرت لم يكن عليها الوداع ، وإن طهرت في البيوت كان عليها الوداع ، وكذلك لو رأت الطهر فلم تجد ماء كان عليها الوداع كما تكون عليها الصلاة ، فإن كانت مستحاضة طافت في الأيام التي تصلي فيها فإن بدأت بها الاستحاضة قلنا لها ، تقف حتى تعلم قدر حيضتها واستحاضتها فنفرت فعلمنا أن اليوم الذي نفرت فيه يوم طهر كان عليها دم لترك الوداع ، وإن كان يوم حيض لم يكن عليها دم
[ ص: 199 ] باب تحريم الصيد

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال الله - عز وجل { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } .

( قال الشافعي ) والبحر اسم جامع فكل ما كثر ماؤه واتسع قيل هذا بحر فإن قال قائل فالبحر المعروف البحر هو المالح قيل نعم ويدخل فيه العذب وذلك معروف عند العرب فإن قال فهل من دليل عليه في كتاب الله قيل نعم قال الله عز وجل { وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا }

ففي الآية دلالتان إحداهما أن البحر العذب والمالح وأن صيدهما مذكور ذكرا واحدا فكل ما صيد في ماء عذب أو بحر قليل أو كثير مما يعيش في الماء للمحرم حلال وحلال اصطياده وإن كان في الحرم لأن حكمه حكم صيد البحر الحلال للمحرم لا يختلف ومن خوطب بإحلال صيد البحر وطعامه عقل أنه إنما أحل له ما يعيش في البحر من ذلك وأنه أحل كل ما يعيش في مائه لأنه صيده وطعامه عندنا ما ألقي وطفا عليه والله أعلم ولا أعلم الآية تحتمل إلا هذا المعنى أو يكون طعامه في دواب تعيش فيه فتؤخذ بالأيدي بغير تكلف كتكلف صيده فكان هذا داخلا في ظاهر جملة الآية والله أعلم فإن قال قائل فهل من خبر يدل على هذا قيل أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه سأل عن صيد الأنهار وقلات المياه أليس بصيد البحر قال بلى وتلا { هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا } أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن إنسانا سأل عطاء عن حيتان بركة القسري وهي بئر عظيمة في الحرم أتصاد قال نعم ولوددت أن عندنا منه
باب أصل ما يحل للمحرم قتله من الوحش ويحرم عليه

( قال الشافعي ) ذكر الله - عز وجل - صيد البحر جملة ومفسرا ، فالمفسر من كتاب الله - عز وجل - يدل على معنى المجمل منه بالدلالة المفسرة المبينة والله أعلم ، قال الله - تعالى - : { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } فلما أثبت الله - عز وجل - إحلال صيد البحر وحرم صيد البر ما كانوا حرما ، دل على أن الصيد الذي حرم عليهم ما كانوا حرما ، ما كان أكله حلالا لهم قبل الإحرام ; لأنه - والله أعلم - لا يشبه أن يكون حرم بالإحرام خاصة إلا ما كان مباحا قبله ، فأما ما كان محرما على الحلال فالتحريم الأول كف منه ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على معنى ما قلت وإن كان بينا في الآية والله أعلم .

أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { خمس من الدواب لا جناح على من قتلهن في الحل والحرم : الغراب ، والحدأة ، والفأرة ، والعقرب ، والكلب العقور }
باب قتل الصيد خطأ

( قال الشافعي ) قال الله - تبارك وتعالى { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا } ( قال الشافعي ) يجزي الصيد من قتله عمدا أو خطأ ، فإن قال قائل : إيجاب الجزاء في الآية على قاتل الصيد [ ص: 200 ] عمدا وكيف أوجبته على قاتله خطأ ؟ قيل له إن شاء الله : إن إيجاب الجزاء على قاتل الصيد عمدا لا يحظر أن يوجب على قاتله خطأ فإن قال قائل فإذا أوجبت في العمد بالكتاب فمن أين أوجبت الجزاء في الخطأ ؟ قيل أوجبته في الخطأ قياسا على القرآن والسنة والإجماع فإن قال فأين القياس على القرآن ؟ قيل قال الله - عز وجل - في قتل الخطأ { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } وقال { فإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة } فلما كانت النفسان ممنوعتين بالإسلام والعهد فأوجب الله - عز وجل - فيهما بالخطأ ديتين ورقبتين كان الصيد في الإحرام ممنوعا بقول الله - عز وجل - { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } وكان لله فيه حكم فيما قتل منه عمدا بجزاء مثله وكان المنع بالكتاب مطلقا عاما على جميع الصيد وكان المالك لما وجب بالصيد أهل الحرم لقول الله تعالى { هديا بالغ الكعبة } .

ولم أعلم بين المسلمين اختلافا أن ما كان ممنوعا أن يتلف من نفس إنسان أو طائر أو دابة أو غير ذلك مما يجوز ملكه فأصابه إنسان عمدا فكان على من أصابه فيه ثمن يؤدى لصاحبه وكذلك فيما أصاب من ذلك خطأ لا فرق بين ذلك إلا المأثم في العمد فلما كان هذا كما وصفت مع أشباه له كان الصيد كله ممنوعا في كتاب الله تعالى قال الله - عز وجل - { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } فلما كان الصيد محرما كله في الإحرام وكان الله - عز وجل - حكم في شيء منه بعدل بالغ الكعبة كان كذلك كل ممنوع من الصيد في الإحرام لا يتفرق كما لم يفرق المسلمون بين الغرم في الممنوع من الناس والأموال في العمد والخطإ ، فإن قال قائل : فمن قال هذا معك ؟ قيل الحجة فيه ما وصفت وهي عندنا مكتفى بها وقد قاله ممن قبلنا غيرنا قال فاذكره قلت أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال قلت لعطاء قول الله - عز وجل - { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا } قلت له فمن قتله خطأ أيغرم ؟ قال : نعم يعظم بذلك حرمات الله ومضت به السنن أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال رأيت الناس يغرمون في الخطإ .

( قال الشافعي ) فإن قال قائل فهل شيء أعلى من هذا ؟ قيل شيء يحتمل هذا المعنى ، ويحتمل خلافه فإن قال ما هو ؟ قلت أخبرنا مالك عن عبد الملك بن قريب ( قال الشافعي ) فيحتمل أن يكونا أوطآ الضب مخطئين بإيطائه وأوطآه عامدين له فقال لي قائل هل ذهب أحد في هذا خلاف مذهبك ؟ فقلت : نعم قال فاذكره قلت : أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال كان مجاهد يقول : ومن قتله منكم متعمدا غير ناس لحرمه ولا مريدا غيره فأخطأ به فقد أحل وليست له رخصة ومن قتله ناسيا لحرمه أو أراد غيره فأخطأ به فذلك العمد المكفر عنه من النعم قال فما يعني بقوله فقد أحل ؟

قلت أحسبه يذهب إلى أحل عقوبة الله ، قال أفتراه يريد أحل من إحرامه ؟ قلت ما أراه ولو أراده كان مذهب من أحفظ عنه خلافه ولم يلزم بقوله حجة ، قال فما جماع معنى قوله في الصيد ؟ قلت إنه لا يكفر العمد الذي لا يخلطه خطأ ، ويكفر العمد الذي يخلطه الخطأ .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #90  
قديم 06-01-2022, 09:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,904
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الثانى -كتاب الحج
الحلقة (90)
صــــــــــ 201 الى صـــــــــــ205



( قال ) فنصه ، قلت يذهب إلى أنه إن عمد قتله ونسي إحرامه ففي هذا خطأ من جهة نسيان الإحرام وإن عمد غيره فأصابه ففي هذا [ ص: 201 ] خطأ من جهة الفعل الذي كان به القتل ، أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله { ومن قتله منكم متعمدا } لقتله ناسيا لحرمه فذلك الذي يحكم عليه ومن قتله متعمدا لقتله ذاكرا لحرمه لم يحكم عليه ، قال عطاء : يحكم عليه ويقول عطاء نأخذ ، فإن قال قائل فهل يخالف هذين المذهبين أحد ؟ قلت : نعم ، قال غيرهم من أهل العلم : يحكم على من قتله عمدا ، ولا يحكم على من قتله خطأ بحال
باب من عاد لقتل الصيد

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ومن قتل صيدا فحكم عليه ثم عاد لآخر قال يحكم عليه كلما عاد أبدا فإن قال قائل ومن أين قلته ؟ قلت إذا لزمه أن يحكم عليه بإتلاف الأول لزمه أن يحكم عليه بإتلاف الثاني وكل ما بعده كما يكون عليه لو قتل نفسا ديته وأنفسا بعده دية دية ، في كل نفس وكما يكون عليه لو أفسد متاعا لأحد ثم أفسد متاعا لآخر ثم أفسد متاعا كثيرا بعده قيمة ما أفسد في كل حال فإن قال فما قول الله - عز وجل - { ومن عاد فينتقم الله منه } ففي هذا دلالة على أنه لا يحكم عليه ؟ .

( قال الشافعي ) ما يبلغ علمي أن فيه دلالة على ذلك فإن قال قائل فما معناه ؟ قيل الله أعلم ما معناه أما الذي يشبه معناه - والله أعلم - فأن يجب عليه بالعود النقمة وقد تكون النقمة بوجوه ، في الدنيا المال وفي الآخرة النار .

فإن قال فهل تجد ما يدل على ما وصفت في غير هذه الآية أو على ما يشبهه ؟ قيل : نعم قال الله - تعالى { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا } وجعل الله القتل على الكفار والقتل على القاتل عمدا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم العفو عن القاتل بالدية إن شاء ولي المقتول وجعل الحد على الزاني فلما أوجب الله عليهم النقمة بمضاعفة العذاب في الآخرة إلا أن يتوبوا وجعل الحد على الزاني فلما أوجب الله عليهم الحدود دل هذا على أن النقمة في الآخرة لا تسقط حكم غيرها في الدنيا قال الله - تبارك وتعالى - : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } فلم يختلف الناس في أنهما كلما زنيا بعد الحد جلدا فكان الحق عليهم في الزنا الآخر مثله في الزنا الأول ولو انبغى أن يفرقا كان في الزنا الآخر والقتل الآخر أولى ولم يطرح ، فإن قال أفرأيت من طرحه على معنى أنه عمد مأثم فأول ما قتل من الصيد عمدا يأثم به فكيف حكم عليه ؟

فقلت حكم الله - تعالى - عليه فيه ، ولو كان كما تقول كان أولى أن لا يعرض له في عمد المأثم فإذا كان الابتداء على أنه عمد مأثم فالثاني مثله فإن قال فهل قال هذا معك أحد غيرك ؟ قيل : نعم . فإن قال فاذكره قلت أخبرنا سعيد عن محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم أنه قال في المحرم يقتل الصيد عمدا : يحكم عليه كلما قتل فإن قال قائل فما قول الله - عز وجل - { عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه } قيل - الله أعلم - بمعنى ما أراد فأما عطاء بن أبي رباح فيذهب إلى { عفا الله عما سلف } في الجاهلية ومن عاد في الإسلام بعد التحريم لقتل صيد مرة فينتقم الله منه أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء في قول الله - عز وجل - { عفا الله عما سلف } قال عفا [ ص: 202 ] الله عما كان في الجاهلية قلت وقوله { ومن عاد فينتقم الله منه } قال ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه وعليه في ذلك الكفارة زيادة قال وإن عمد فعليه الكفارة ؟ قلت له : هل في العود من حد يعلم ؟ قال لا . قلت : أفترى حقا على الإمام أن يعاقبه فيه : قال : لا ، ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله - تعالى - ويفتدي

( قال الشافعي ) ولا يعاقبه الإمام فيه ; لأن هذا ذنب جعلت عقوبته فديته إلا أن يزعم أنه يأتي ذلك عامدا مستخفا
باب أين محل هدي الصيد ؟

( قال الشافعي ) قال الله - تعالى - { هديا بالغ الكعبة } ( قال الشافعي ) فلما كان كل ما أريد به هدي من ملك ابن آدم هديا كانت الأنعام كلها وكل ما أهدى فهو بمكة والله أعلم ولو خفي عن أحد أن هذا هكذا ما انبغى - والله أعلم - أن يخفى عليه إذا كان الصيد إذا جزى بشيء من النعم لا يجزئ فيه إلا أن يجزئ بمكة فعلم أن مكة أعظم أرض الله - تعالى - حرمة وأولاه أن تنزه عن الدماء لولا ما عقلنا من حكم الله في أنه للمساكين الحاضرين بمكة ، فإذا عقلنا هذا عن الله - عز وجل - فكان جزاء الصيد بطعام لم يجز - والله أعلم - إلا بمكة وكما عقلنا عن الله ذكر الشهادة في موضعين من القرآن بالعدل وفي مواضع فلم يذكر العدل وكانت الشهادات وإن افترقت تجتمع في أنه يؤخذ بها اكتفينا أنها كلها بالعدل ، ولم نزعم أن الموضع الذي لم يذكر الله - عز وجل - فيه العدل معفو عن العدل فيه ، فلو أطعم في كفارة صيد بغير مكة لم يجز عنه وأعاد الإطعام بمكة أو ب منى فهو من مكة ; لأنه لحاضر الحرم ومثل هذا كل ما وجب على محرم بوجه من الوجوه من فدية أذى أو طيب أو لبس أو غيره لا يخالفه في شيء ; لأن كله من جهة النسك والنسك إلى الحرم ، ومنافعه للمساكين الحاضرين الحرم ( قال ) ومن حضر الكعبة حين يبلغها الهدي من النعم أو الطعام من مسكين كان له أهل بها أو غريب ; لأنهم إنما أعطوا بحضرتها ، وإن قل فكان يعطي بعضهم دون بعض أجزأه أن يعطي مساكين الغرباء دون أهل مكة ومساكين أهل مكة دون مساكين الغرباء وأن يخلط بينهم ، ولو آثر به أهل مكة ; لأنهم يجمعون الحضور والمقام لكان كأنه أسرى إلى القلب والله أعلم ، فإن قال قائل : فهل قال هذا أحد يذكر قوله ؟ قيل أخبرنا سعيد عن ابن جريج قال قلت لعطاء { فجزاء مثل ما قتل من النعم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين } قال من أجل أنه أصابه في حرم يريد البيت كفارة ذلك عند البيت .

أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء قال له مرة أخرى يتصدق الذي يصيب الصيد بمكة قال الله - عز وجل - { هديا بالغ الكعبة } قال فيتصدق بمكة .

( قال الشافعي ) يريد عطاء : ما وصفت من الطعام ، والنعم كله هدي ، والله أعلم .
باب كيف يعدل الصيام

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى { أو عدل ذلك صياما } الآية ، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه [ ص: 203 ] قال لعطاء ما قوله { أو عدل ذلك صياما } ؟ قال إن أصاب ما عدله شاة فصاعدا أقيمت الشاة طعاما ثم جعل مكان كل مد يوما يصومه .

( قال الشافعي ) وهذا إن شاء الله كما قال عطاء وبه أقول وهكذا بدنة إن وجبت وهكذا مد إن وجب عليه في قيمة شيء من الصيد صام مكانه يوما وإن أصاب من الصيد ما قيمته أكثر من مد وأقل من مدين صام يومين وهكذا كل ما لم يبلغ مدا صام مكانه يوما أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء هذا المعنى .

( قال الشافعي ) فإن قال قائل فمن أين قلت مكان المد صيام يوم وما زاد على مد مما لا يبلغ مدا آخر صوم يوم ؟ قلت قلته معقولا وقياسا ، فإن قال : فأين القياس به والمعقول فيه ؟ قلت أرأيت إذا لم يكن لمن قتل جرادة أن يدع أن يتصدق بقيمتها ثمرة أو لقمة ; لأنها محرمة مجزية لا تعطل بقلة قيمتها ثم جعل فيها قيمتها فإذا بدا له أن يصوم هل يجد من الصوم شيئا يجزيه أبدا أقل من يوم ؟ فإن قال : لا ، قلت فبذلك عقلنا أن أقل ما يجب من الصوم يوم وعقلنا وقسنا أن الطلاق إذا كان لا يتبعض فأوقع إنسان بعض تطليقة لزمته تطليقة ، وعقلنا أن عدة الأمة إذا كانت نصف عدة الحرة فلم تتبعض الحيضة نصفين فجعلنا عدتها حيضتين .

باب الخلاف في عدل الصيام والطعام

أخبرنا الربيع قال ( قال الشافعي ) رحمه الله قال لي بعض الناس : إذا صام عن جزاء الصيد صام عن كل مد يوما ، وإذا أطعم منه في كفارة اليمين أطعم كل مسكين مدين وقال هل رويت في هذا عن أصحابك شيئا يوافق قولنا ويخالف قولك ؟ قلت نعم أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن مجاهدا كان يقول مكان كل مدين يوما فقال : وكيف لم تأخذ بقول مجاهد وأخذت بقول عطاء يطعم المسكين حيث وجب إطعامه مدا إلا في فدية الأذى فإنك قلت يطعمه مدين ولم لم تقل إذ قلت في فدية الأذى يطعمه مدين في كل موضع ؟ .

( قال الشافعي ) فقلت له يجمع بين مسألتيك جواب واحد إن شاء الله قال فاذكره .

( قال الشافعي ) أصل ما ذهبنا إليه نحن وأنت ومن نسبناه معنا إلى الفقه فالفرض عليه في تأدية ما يجب عليه من أن لا يقول إلا من حيث يعلم ويعلم أن أحكام الله جل ثناؤه ثم أحكام رسوله من وجهين يجمعهما معا أنهما تعبد ثم في التعبد وجهان فمنه تعبد لأمر أبان الله - عز وجل - أو رسوله سببه فيه أو في غيره من كتابه أو سنة رسوله فذلك الذي قلنا به وبالقياس فيما هو في مثل معناه ومنه ما هو تعبد لما أراد الله عز شأنه مما علمه وعلمنا حكمه ولم نعرف فيه ما عرفنا مما أبان لنا في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فأدينا الفرض في القول به والانتهاء إليه ، ولم نعرف في شيء له معنى فنقيس عليه

وإنما قسنا على ما عرفنا ولم يكن لنا علم إلا ما علمنا الله جل ثناؤه فقال :

هذا كله كما وصفت لم أسمع أحدا من أهل التكشيف قال بغيره فقفني منه على أمر أعرفه فإن أصحابنا يعطون هذه الجملة كما وصفت لا يغادرون منها حرفا وتختلف أقاويلهم إذا فرعوا عليها فقلت فأقبل منهم الصواب وأرد عليهم الغفلة قال : إن ذلك للازم لي وما يبرأ آدمي رأيته من غفلة طويلة ولكن أنصب لما قلت مثالا فقلت : أرأيت إذ حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة قلنا وقلت قيمتها خمسون دينارا وهو لو كان حيا كانت فيه ألف دينار أو ميتا لم يكن فيه شيء وهو لا يخلو أن يكون ميتا أو حيا فكان مغيب [ ص: 204 ] المعنى يحتمل الحياة والموت إذا جنى عليه فهل قسنا عليه ملففا أو رجلا في بيت يمكن فيهما الموت والحياة وهما مغيبا المعنى ؟

قال : لا ، قلت ولا قسنا عليه شيئا من الدماء ؟ قال : لا قلت ولم ؟ قال : لأنا تعبدنا بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم فيه ولم نعرف سبب ما حكم له به قلت فهكذا قلنا في المسح على الخفين لا يقاس عليهما عمامة ولا برقع ولا قفازان قال وهكذا قلنا فيه ; لأن فيه فرض وضوء وخص منه الخفان خاصة فهو تعبد لا قياس عليه قلت وقسنا نحن وأنت إذ قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الخراج بالضمان أن الخدمة كالخراج قال : نعم قلت : لأنا عرفنا أن الخراج حادث في ملك المشتري وضمنه منه ولم تقع عليه صفقة البيع قال : نعم ، وفي هذا كفاية من جملة ما أردت ودلالة عليه من أن سنة مقيس عليها وأخرى غير مقيس عليها ، وكذلك القسامة لا يقاس عليها غيرها ولكن أخبرني بالأمر الذي له اخترت أن لكل مسكين مدا إلا في فدية الأذى إذا ترك الصوم فإما أن يصوم مكان كل مد يوما فيكون صوم يوم مكان مد فإن ثبت لك المد صحيح لا أسألك عنه إلا فيما قلت إن صوم اليوم يقوم مقام إطعام مسكين فقلت له حكم الله - عز وجل - على المظاهر إذا عاد لما قال { فتحرير رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } فكان معقولا أن إمساك المظاهر عن أن يأكل ستين يوما كإطعام ستين مسكينا وبهذا المعنى صرت إلى أن إطعام مسكين مكان كل يوم قال فهل من دليل مع هذا ؟ قلت نعم { أمر النبي صلى الله عليه وسلم المصيب لأهله نهارا في شهر رمضان هل تجد ما تعتق ؟ قال : لا ، فسأله هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ فقال لا . فسأله هل تقدر أن تطعم ستين مسكينا ؟ فقال : لا ، فأعطاه عرق تمر فأمره أن يتصدق به على ستين مسكينا فأدى المؤدي } للحديث أن في العرق خمسة عشر صاعا قال أو عشرين ، ومعروف أن العرق يعمل على خمسة عشر صاعا ليكون الوسق به أربعة فذهبنا إلى أن إطعام المسكين مد طعام ومكان إطعام المسكين صوم يوم ، قال : أما صوم يوم مكان كل مسكين فكما قلت ، وأما إطعام المسكين مدا فإذا قال أو عشرين صاعا قلت فهذا مد وثلث لكل مسكين قال : فلم لا تقول به ؟ قلت فهل علمت أحدا قط قال إلا مدا أو مدين ؟ قال : لا قلت فلو كان كما قلت أنت كنت أنت قد خالفته ولكنه احتياط من المحدث ، وهذا كما قلت في العرق خمسة عشر صاعا

وعلى ذلك كانت تعمل فيما أخبرني غير واحد من أهل العلم باليمن أنهم كانوا يجعلونها معايير كالمكاييل على خمسة عشر صاعا بالتمر ، قال : فقد زعمت أن الكفارة في الطعام وإصابة المرأة تعبد لأمر قد عرفته وعرفناه معك فأبن أن الكفارة في فدية الأذى وغيرها تعبد لا يقاس عليه

قلت : أليس { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة في الطعام فرقا بين ستة مساكين } فكان ذلك مدين مدين ؟ قال : بلى قلت وأمره فقال : أو صم ثلاثة أيام ؟ قال : بلى

قلت : وقال : " أو انسك شاة " قال : بلى قلت : فلو قسنا الطعام على الصوم أما نقول صوم يوم مكان إطعام مسكينين ؟ قال : بلى ، قلت : ولو قسنا الشاة بالصوم كانت شاة عدل صيام ثلاثة أيام ؟ قال : بلى قلت : وقد قال الله - عز وجل - في المتمتع { فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } فجعل البدل من شاة صوم عشرة أيام قال : نعم وقلت : قال الله - عز وجل - { فكفارته إطعام عشرة مساكين } الآية فجعل الرقبة مكان إطعام عشرة مساكين قال : نعم

قلت : والرقبة في الظهار والقتل مكان ستين يوما ، قال : نعم وقد بان أن صوم ستين يوما أولى بالقرب من الرقبة من صوم عشرة وبان لي أن صوم يوم أولى بإطعام مسكين منه بإطعام مسكينين ; لأن صوم يوم جوع يوم ، وإطعام مسكين إطعام يوم ، فيوم بيوم أولى أن يقاس عليه من يومين بيوم وأوضح من أنها أولى [ ص: 205 ] الأمور بالقياس قال : فهل فيه من أثر أعلى من قول عطاء ؟

قلت : نعم ، أخبرنا مالك ( قال الشافعي ) قال فهل خالفك في هذا غيرك من أهل ناحيتك ؟

فقلت : نعم زعم منهم زاعم ما قلت : من أن الكفارات بمد النبي صلى الله عليه وسلم إلا كفارة الظهار فإنها بمد هشام قال فلعل مد هشام مدان فيكون أراد قولنا مدين وإنما جعل مد هشام علما

قلت : لا ، مد هشام ، مد وثلث بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو مد ونصف ( قال الشافعي ) فقال فالغني بالمسألة عن هذا القول - إذا كان كما وصفت - غني بما لا يعيد ولا يبدي كيف جاز لأحد أن يزعم أن الكفارات بمد مختلف ؟

أرأيت لو قال له إنسان هي بمد أكبر من مد هشام أضعافا ، والطعام بمد النبي صلى الله عليه وسلم وما سواه بمد محدث الذي هو أكبر من مد هشام ، أو رأيت الكفارات إذ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم كيف جاز أن تكون بمد رجل لم يخلق أبوه ولعل جده لم يخلق في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قال الناس هي مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم فما أدخل مدا وكسرا ؟

هذا خروج من قول أهل الدنيا في الكفارات ( قال الشافعي ) وقلت له : وزعم بعض أهل ناحيتنا أيضا أن على غير أهل المدينة من الكفارات أكثر مما على أهل المدينة ; لأن الطعام فيهم أوسع منه بالمدينة قال : فما قلت : لمن قال هذا ؟

( قال الشافعي ) فقلت له : أرأيت الذين يقتاتون الفث والذين يقتاتون اللبن والذين يقتاتون الحنظل والذين يقتاتون الحيتان لا يقتاتون غيرها والذين السعر عندهم أغلى منه بالمدينة بكثير كيف يكفرون ينبغي في قولهم أن يكفروا أقل من كفارة أهل المدينة ويكفرون من الدخن وهو نبات يقتاته بعض الناس في الجدب ؟

وينبغي إذا كان سعر أهل المدينة أرخص من سعر أهل بلد أن يكون من يكفر في زمان غلاء السعر ببلد أقل كفارة من أهل المدينة إن كان إنما زعم أن هذا لغلاء سعر أهل المدينة وقيل له هل رأيت من فرائض الله شيئا خفف عن أحد أو اختلفوا في صلاة أو زكاة أو حد أو غيره ؟




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 322.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 316.44 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]