بالإيمان تحفظ الحقوق وتؤدى الأمانات - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 514 - عددالزوار : 301913 )           »          محمود شاكر (شيخ العربية) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          داود وسليمان عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 34 )           »          أحداث في غزوة خيبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          شبهات حول موقف الأمويين من الإسلام والردود عليها (pdf) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          غزوة خيبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          من أقدار الله في التاريخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          دعوة الملوك إلى الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          موقف المسلم من الزلازل والكوارث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 622 )           »          إرهاقٌ بلا صوت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-03-2019, 08:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,323
الدولة : Egypt
افتراضي بالإيمان تحفظ الحقوق وتؤدى الأمانات

بالإيمان تحفظ الحقوق وتؤدى الأمانات
حسان أحمد العماري

الخطبة الأولى:
الحمدُ لله العظيم الشأن، الكبير السلطان، خلق آدمَ من طين ثم قال له كن فكان، أحسن كل شيء خَلْقه وأبدع الإحسان والإتقان، أحمده - سبحانه - وحمدُه واجبٌ على كل إنسان، وأشكره على ما أسداه من الإنعام والتوفيق للإيمان لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه..أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، عالم الغيوب مفرّج الكروب، مجيب دعوة المضطر المكروب.
سهرت أعينٌ ونامت عيون *** في شئون تكون أو لا تكونُ
فاطرح الهم ما استطعت *** فحملانك الهموم جنونُ
إن ربا كفاك ما كان بالأمس *** سيكفيك في غدٍ ما يكونُ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كثير الخير دائم السلطان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الآيات والبرهان، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه حملة العلم والقرآن، وسلم تسليماً كثيراً، أمَّا بَعْد:-
عباد الله: -ينقلنا - صلى الله عليه وسلم - إلى عصر من العصور الغابرة؛ ليحدثنا عن قصة وقعت بين رجلين في ذلك الزمان فقال: ((أن رجلاً فيمن قبلنا استدان من رجل ألف دينار، فقال له: من عنده الدنانير: أبغني كفيلاً، قال: كفى بالله كفيلاً، قال: أبغني شهيداً، قال: كفى بالله شهيداً، فأعطاه ألف دينار على أن يسددها بعد عام وقدر ذلك الشهر وذلك اليوم الذي يكون فيه السداد..لما مضى العام الكامل وجاء اليوم الذي هو موعد السداد خرج ذلك الرجل بألف دينار ليجد مركباً لعله أن يوصله إلى صاحب الحق فيعطيه حقه في وقته، فما وجد سفينة يركبها، ما وجد مركبا بحريا يسير عليه، فلما انقضى ذلك اليوم وهو يراقب عسى مركب بحريا يوصله إلى مكان صاحب الحق، فأيس من ذلك، فأخذ خشبة ونجرها وجعل فيها الألف الدينار وصحيفة العقد وزجها وختمها وألقاها في البحر، وقال: اللهم إن فلان طلب مني كفيلاً فرضي بك كفيلاً، ورضي بك شهيداً، وهذا حقه فأسألك أن توصله إليه... قال: وخرج ذلك الرجل (صاحب المال) في ذلك اليوم يرتقب الموعد الذي وعده صاحبه، فما وجد أحداً جاء، وإنما رأى خشبة قد ألقيت على ساحل البحر، فأخذها من باب أنها حطب لأهله، فلما نشرها إذا الصحيفة والألف الدينار موجود فيها، فأخذ حقه، ألف الدينار، وأخذ صحيفته، وحمد الله، وأثنى على صاحب الحق أنه أوصل حقه في يومه... وبعد أيام وجد الذي عليه الدين مركباً فسار عليه يريد صاحب المال يعطيه ماله يظن أن المبلغ الذي وضعه في تلك الخشبة لم يصل إلى صاحبه فلما وجده قال له: إني أعتذر فقد أخرت الوفاء فوالله ما وجدت مركباً أسير عليه، قال: ألم تبعث لي خشبة فيها ألف دينار وصحيفة، قال: يا أخي والله ما وجدت مركباً أسير عليه، قال: اعلم أن الله قد قضى عنك ما عليك، وأن تلك الخشبة التي ألقيتها في البحر ما زالت الريح بها حتى ألقتها على الساحل، فأخذتها وأخذت نصيبي، فارجع راشداً بما معك، فجزاك الله خيراً)) أخرجه البخاري (2169)، من حديث أبي هريرة. هذا هو الإيمان إذا وقر في القلوب صدقه العمل وقاد صاحبه إلى كل خير وحفظه من طمع النفوس وجشعها ومن غمط الحقوق وخيانة الأمانات وتضييعها.
أيها المؤمنون/عباد الله: -المسلم تربطه علاقات بمن حوله من الناس وعليه حقوق وواجبات نحوهم ومن أجل أن تكون هذه العلاقة نافعة ومثمرة وواضحة وحتى لا تضيع حقوق الآخرين أو يعتدى عليها، شرع الإسلام ضوابط وسن قوانين وأحكام وأمر المسلم بصيانتها والحفاظ عليها والقيام بها من ذلك دعوة الإسلام أتباعه لأداء الحقوق وحفظ الأمانات قال - تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)(النساء: من الآية58) وقال - تعالى-: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)(البقرة: من الآية283) وقد أعد الله على أداء الحقوق وحفظ الأمانات أعظمَ الثواب فقال - تعالى -: (وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَٰنَٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَٰفِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ) [المؤمنون: 8-11]
إن قيام المسلم بأداء الحقوق وحفظ الأمانات يعتبر ثمرة من ثمار الإيمان وأثر من آثاره في حياتنا، فالمسلم يعتقد أنه محاسب بين يدي الله على كل عمل يقوم به من خير أو شر، فلا يجوز له الاعتداء على حقوق الآخرين ولا ينبغي له أن يخون عهودهم ومواثيقهم معه قال - صلى الله عليه وسلم -: (( لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)) [حديث صحيح، وإسناده جيد رواه الإمام أحمد والبيهقي].
فالأمانة وأداء الحقوق من الأخلاق الفاضلة، وهي أصل من أصول الديانات، وهي ضرورة للمجتمع الإنساني، لا فرق فيها بين حاكم ومحكوم، وصانع وتاجر، وعامل وزارع، ولا بين غني وفقير، ولا كبير وصغير، ولا معلم وتلميذ، فهي شرف للجميع، ورأس مال الإنسان، وسر نجاحه، ومفتاح كل تقدم، وسبب لكل سعادة، والأمانة تشمل كل أمور الدين والدنيا فالعبادات والمعاملات والبيع والشراء والحياة الزوجية وتربية الأولاد والتعلم وغيرها كثير من الأمانات العظيمة ولكن حديثنا عن الحقوق المالية والعينية والعهود والمواثيق بين المسلم وأخيه المسلم والتي ظهر بسبب التفريط بها الكثير من المشاكل بين الناس وضاعت الكثير من الحقوق وحدث الكثير من ظلم الآخرين وغمط حقوقهم.
عباد الله: -لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد الناس حرصاً على أداء الحقوق وحفظ الأمانات، ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما رجع من حجة الوداع جعل مرض الموت يشتد عليه يوماً بعد يوم.. وهو في كلمة يتكلمها.. ونظرة ينظرها يودع هذه الدار ولما اشتدت عليه الحمى.. وأيقن النقلة للدار الأخرى أراد أن يودع الناس... فعصب رأسه ثم أمر الفضل بن العباس أن يجمع الناس في المسجد فجمعهم فاستند - صلى الله عليه وسلم - إليه حتى رقى إلى المنبر.. ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: (( أما بعد.. أيها الناس.. إنه قد دنى مني خلوف من بين ظهركم ولن تروني في هذا المقام فيكم.. ألا فمن كنت جلدت له ظهراً.. فهذا ظهري فليستقد منه.. ومن كنت أخذت له مالاً.. فهذا مالي فليأخذ منه.. ومن كنت شتمت له عرضاً.. فهذا عرضي فليستقد منه.. ولا يقولن قائل إني أخشى الشحناء ألا وإن الشحناء ليست من شأني.. ولا من خلقي وإن أحبكم إلي من أخذ حقاً.. إن كان له عليّ أو حللني فلقيت الله - عز وجل -.. وليس لأحد عندي مظلمة)) لقد أراد - صلى الله عليه وسلم - بذلك أن يشرع للأمة سنة الحياة الكريمة الآمنة وأسس العلاقات مع الآخرين القائمة على العدل والحق واحترام الحقوق وحفظ الأمانات والتحلل من المظالم وهذه كانت صفات المجتمع المسلم الأول.
وانظروا عباد الله: ماذا حدث لهذه الأمة عندما ضعف الإيمان في القلوب وتعلقت النفوس بالدنيا؟ لقد ظهر عند كثير من أفراد هذه الأمة الجشع والطمع والاعتداء على حقوق الآخرين وممتلكاتهم وخان الشريك شريكه وأكل الأخ مال أخيه وحرمت المرأة من ميراثها وحدث الظلم من صاحب العمل لعماله ولم يؤد المسئول والموظف واجبه وتنكر الجار لجاره... وهذه المحاكم والقضايا والخصومات بين الناس شاهدة على ذلك وكم سفكت من دماء وقطعت من أرحام بسبب ذلك ولا خروج من هذا الوضع وعودة الحب والتراحم بين الناس إلا بإيقاظ الوازع الإيماني في النفوس وتعلم أحكام الشرع وتربية النفوس على ذلك، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أن شخصين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في مواريث دائرة بينهما ليس لأحدهما بينه، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنكم تختصمون إليّ، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم ألحن بحجته من الآخر فأقضي له بنحو مما أسمع، فمن فضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار يحملها على عنقه يوم القيامة)) فبكى الرجلان، وقال كل منهما: حقي لأخي فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أما إذا قلتما فاذهبا واقتسما وتوخيا الصواب واستهما، وليحلل كل منكما صاحبه)) [أخرجه الإمام أحمد في المسند (6/320)، ]....
يا الله ما أجمل الإيمان عندما يوقظ في القلوب وتذكر به النفوس فلا ترى إلا خضوعاً للحق واعترافاً به وهذا شأن المؤمن، أما المنافق والعاصي والمسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي فكلما ذكرته بالله أخذته العزة بالإثم قال - تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) (البقرة: 206)..
وحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأيمان الكاذبة لأخذ حقوق الناس والاعتداء عليها وما أكثرها في حياتنا اليوم عن أبي أمامة- إياس بن ثعلبة الأنصاري الحارثي رضي اللّه عنه- أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب اللّه له النار وحرم عليه الجنة، فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول اللّه؟ قال: وإن قضيباً من أراك)). رواه مسلم
عباد الله: -وإن من أعظم الأمانات والحقوق الواجب أدائها الودائع التي أمنك الناس عليها، وقد روى أحمد والبيهقي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: " القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلّها إلا الأمانة"، قال: ((يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له: أدِّ أمانتك، فيقول: أي ربِّ، كيف وقد ذهبت الدنيا؟! فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فيُنطلَق به إلى الهاوية، وتُمثّل له الأمانة كهيئتها يوم دُفعت إليه، فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يدركها، فيحملها على منكبيه حتى إذا ظن أنه خارج اخْلولت عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبدَ الآبدين))[حسنه الألباني في صحيح الترغيب (1763، 2995)]. فإذا أمنك أخوك على حق بينك وبينه لم يكن هناك كتابة ولا رهون ولا إشهاد، ولكنه أمنك وأطمأن لإيمانك وصدقك، فإياك أن تخونه قال - تعالى-: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدّ ٱلَّذِى ٱؤْتُمِنَ أَمَٰنَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ)[البقرة: 283]،.. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين .....................
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..
الخطبة الثانية:
عباد الله: - إن للمجتمع وأفراده ومؤسساته دور كبير في إشاعة ثقافة احترام الحقوق وحفظ الأمانات وعدم التعدي على ممتلكات الآخرين وحقوقهم فلا بد من القيام بالنصح والتوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد الظالم والبعد عن المداهنة والمجاملة والنفاق، فالتعيس من يبيع دينه وأمانته وأخلاقه بدنيا غيره قال - صلى الله عليه وسلم -: (( أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، كان الرجل يلقى أخاه فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع؛ فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك من أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض. ثم قال: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) (المائدة 78-80) ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم)) (رواه أبو داوود والترمذي وقال حديث حسن)....
لقد أتت شريكاً القاضي امرأة وهو في مجلس الحكم فقالت: أنا بالله ثم بالقاضي، قال: من ظلمك، قالت: الأمير موسى بن عيسى، كان لي بستان على شاطئ الفرات فأخذ حقي، فكتب القاضي رسالة طلب فيها من الأمير أن يحضر إلى مجلس القضاء، فأخذ الرسالة الحاجب ودخل بها على موسى فأعلمه، فبعث بصاحب الشرطة إليه وقال: قل له يا سبحان الله!! امرأة ادعت دعوى لم تصح، أعديتها علي؟! فلما جاءه وبلغه ما قاله موسى قال شريك لمن حوله: خذوا بيده، وأمر بحبسه، وبلغ الخبر موسى، فوجه حاجبه فلما جاءه ألحقه بصاحبه في الحبس، فبعث موسى بن عيسى الأمير إلى جماعة من وجهاء الكوفة وقال لهم: امضوا إليه، فقد استخف بي، فمضوا إليه (وهؤلاء هم أعوان الظلمة ومن يزينوا لهم المنكر..)، وجاءوه وهو جالس في مجلس القضاء، فلما بلغوه رسالة الأمير أمر بحبسهم، قالوا: ولمَ تحبسنا؟ قال: حتى لا تحملوا رسالة ظالم بعد اليوم.
كم ضاعت في أيامنا بسبب الواسطة واستغلال المنصب من حقوق وأهدرت من أموال وضيعت من أمانات....
فلما علم الأمير بالأمر غضب لذلك وركب إلى الحبس بجيشه ليلاً فأخرجهم، فبلغ شريكاً ما فعل، فجهز متاعه وخرج قاصداً بغداد ذاهباً إلى الخليفة، فارتاع موسى لذلك وركب في موكبه ليعيده، فلحقه بقنطرة الكوفة، فجعل يناشده الله، ويقول: ارجع!! ولك ما تريد، فقال شريك القاضي: لست براجع حتى يردوا إلى الحبس جميعاً، وإلا مضيت إلى أمير المؤمنين جعفر المنصور فاستعفيته من أمر القضاء، فأمر موسى بردهم إلى الحبس، وجاء السجان فأخبر شريكاً بذلك، فأمر أعوانه أن يذهبوا بموسى إلى مجلس الحكم، وأن يخرجوا أتباعه من الحبس، ثم جلس له وللمرأة، وحكم عليه برد حائطها، فلما استجاب لأمره قام فأجلسه إلى جنبه وقال: ماذا تأمر أيها الأمير؟ قال: بعد هذا كله؟ قال: ذاك حق الله، وهذا حق السمع والطاعة، فحقوق الآخرين لا مداهنة فيها، وقام الأمير من المجلس وهو يقول: مَنْ عَظَّمَ أمرَ اللِه أذل الله له عظماء خلقه.
عباد الله:
إن خيرية هذه الأمة وصلاح أمرها يكمن في قوة إيمانها وخشيتها من الله ومراقبته له - سبحانه وتعالى - وإن تقوية الوازع الإيماني في نفوس أبنائها هو السياج القوي والحصن المنيع من وساوس النفس والشيطان وعلى الأمة أفراداً ودول وشعوب ومجتمعات أن تقوم بواجباتها والتي من أعظمها شأناً قيامها بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال - تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)(آل عمران: من الآية110)
فاللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً...
ثم اعلموا أن الله- تبارك وتعالى -قال قولاً كريماً تنبيهاً لكم وتعليماً وتشريفاً لقدر نبيه وتعظيماً: (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وخلفائه الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلى، وارض اللهم عن بقية الصحابة والقرابة وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وفضلك يا أرحم الراحمين اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين... والحمد لله رب العالمين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.19 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]