|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() قنوات السحر والشعوذة برامجها وموضوعاتها وخطرها الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل الحمدلله العليم الخبير؛ خلق خلقه ليعبدوه، وتابع عليهم نعمه ليشكروه، نحمده ولا نجحده، ونشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ تفرد بالخلق والأمر والملك والتدبير، فلا نفعَ ولا ضُرَّ إلا بأمره، ولا أحد يعلم الغيب غيره {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ} [الرعد:9]، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ لما سمع جارية ترتجز وتقول: (وفينا نبي يعلم ما في غد) أنكر عليها ذلك، ونهاها عما تقول، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وسلوه الثبات على دينكم؛ فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه سبحانه يقلبها كيف يشاء، إن شاء أقامها وإن شاء أزاغها، وكان من دعاء نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. أيها الناس: من أعظم النعم التي ينالها الإنسان أن يُهدى إلى العقيدة الصحيحة، وأن يعلم أصول دينه وفروعه، وأن يدرك ما يضره وما ينفعه، وأن يميز بين الوحي وبين الخرافة، فيؤمن بما جاء به الوحي ولو كان غيبا، وينبذ ما نتج عن الخرافة ولو شاهد له أثرا. والإيمان بالغيب هو الإيمان بدين الإسلام؛ ذلك أن أركان الإيمان الستة كلها غيب، والقرآن لا يكون هداية إلا لمن آمن بالغيب {ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة:2-4]. وعلم الغيب خصيصة من خصائص الربوبية، لا يعلمه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولكن الله تعالى يكشف ما شاء من غيبه لمن شاء من عباده {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران:179] وفي الآية الأخرى {عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجنّ:26-27]. كما أن النفع والضر من الله تعالى لا يملكهما أحد من الخلق مهما علت منزلته، أو عظمت قوته، أو كثر جمعه {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام:17]. ونصوص الكتاب والسنة دالان على هذين الأصلين الكبيرين: أن الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه، وأن النفع والضر بيده عز وجل، وآيات القرآن الكريم تثبت علم الله تعالى للغيب، وتنفيه عما سواه سبحانه؛ مما يدل على أنه من خصائص ربوبيته عز وجل؛ ففي آية الأنعام {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام:59] وفي آية يونس {فَقُلْ إِنَّمَا الغَيْبُ لله} [يونس:20] وفي آية النمل {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلَّا اللهُ} [النمل:65] ونوح عليه السلام قال لقومه {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ الله وَلَا أَعْلَمُ الغَيْبَ} [هود:31] وهكذا قيل لمحمد عليه الصلاة والسلام أن يقول لأهل مكة. والجن الذين يعتقد كثير من البشر أنهم ينفعون ويضرون من دون الله تعالى، وأنهم يعلمون الغيب أخبر الله تعالى عنهم أنهم ما علموا بموت سليمان عليه السلام وقد استعبدهم واستعملهم، ومات بينهم، ولو علموا الغيب لعلموا بموته، وكفوا عن خدمته {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ المَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي العَذَابِ المُهِينِ} [سبأ:14]. ولما قص الله تعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام خبر نوح عليه السلام مع قومه ذيل ذلك بقوله عز وجل {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا}[هود:49]. وفي قصة يوسف ختمها الله بقوله سبحانه {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} [يوسف:102]. وأما الضر والنفع فقد خوطب النبي صلى الله عليه وسلم فيه بقول الله تعالى {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} [الجنّ:21] وخوطب من اعتقدوا أن معبوداتهم تنفعهم أو تضرهم من دون الله تعالى بقوله سبحانه {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} [الإسراء:56] وقال النبي عليه الصلاة والسلام لابن عباس رضي الله عنهما ![]() وجمع الله سبحانه هذين الأصلين العظيمين في آية واحدة خاطب بها رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام فقال جل جلاله {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:188] وهذان الأصلان العظيمان في دين الإسلام يجب أن يدين بهما المسلم، ولا يشكَ في شيء منهما، ولا يقولَ أو يعمل أو يعتقد ما يخالفهما، وأيُّ إخلال بهما أو بأحدهما فهو إخلال بتوحيد العبد وإيمانه، وقد يخرجه من الإيمان إلى الكفر، ومن التوحيد إلى الشرك. وكل طريق يتوصل بها إلى علم الغيب، أو يزعم صاحبها أنه ينفع الناس أو يضرهم فهي طريق ضلال وشرك بالله تعالى، ومنازعة له سبحانه في ربوبيته، وصاحبها يسعى في تعبيد البشر لغير ربهم وخالقهم ومدبرهم جل جلاله. وفي مقدمة ما يُخِّل بهذين الأصلين العظيمين وينقضهما: السحر والتنجيم، والكهانة والعرافة، وقراءة الكف والفنجان، ومعرفة الحظ، والخط بالرمل، والضرب بالحصى، ونحو ذلك مما يقوم به دجالون يفسدون عقائد الناس، ويسلبون أموالهم، ويزرعون الشكوك والوساوس في قلوبهم، ويخرجونهم من نعيم الإيمان والطمأنينة إلى شقاء الشكوك والظنون، وينقلون قلوبهم من تعلقها بالله تعالى إلى تعلقها بالبشر وبالشياطين وبالأوثان. وطرق الباطل كثيرة، وأساليب أهل الضلال في نشره عديدة، ومدَّعو علم الغيب والنفع والضر من السحرة والكهان موجودون في القديم وفي الحديث، ويحتالون على الناس بشتى الوسائل لنشر باطلهم، بيد أن الداهية الكبرى، والبلية العظمى: أنهم في هذا الزمن استطاعوا الوصول إلى الناس في بيوتهم، والنفاذ عبر الشاشات إلى نسائهم وأولادهم، والخلوة بهم في غرفهم ومجالسهم؛ لإفساد عقولهم، وإزاغة قلوبهم، وتدمير عقائدهم. إي والله الذي لا يحلف بغيره إن هذا لواقع، وكم من قلبٍ موحد لله تعالى نقلوه إلى شركهم، وكم من أسرة دمروها بسحرهم وشعوذاتهم. إنها قنوات فضائية خُصت للشرك بالله تعالى، وعبادة الشياطين، وكَرست برامجها للسحر والشعوذة والكهانة، يَدَّعي ضيوفها علم الغيب، وامتلاك النفع والضر، ويمارسون سحرهم وكهانتهم وتنجيمهم على الملأ، ولا أحد يوقفهم، ولا رادع يردعهم، والمقدمون لهم ينعتونهم بالعلم والولاية والمشيخة، ويخلعون عليهم ألفاظ التبجيل والوقار، ويزعمون أنهم إنما كرسوا أوقاتهم لخدمة الناس، وحل مشاكلهم، وإزالة همومهم وغمومهم!! أيشرك بالله تعالى في ربوبيته على رؤوس الأشهاد، ولا يحرك ذلك ساكنا في الناس!! فأين هي الغيرة على التوحيد؟! وأين تعظيم الله تعالى وقد أُعلن الشرك بربوبيته عبر الشاشات، ونازعت الشياطينُ ربنا عز وجل بعضَ خصائصه، فما أحلم الله تعالى على عباده؟ وما أشد أذى الخلق لربهم جل جلاله؟! قنوات آثمة تبث ضلالها على الهواء مباشرة طيلة اليوم والليلة وضيوفها شياطين في إثر شياطين، لا يكلون ولا يملون، والمتصلون بهم من جهلة المسلمين، فماذا يقولون فيها؟ وماذا يفعلون؟ وماذا يعرضون؟ لقد رأيت في إحداها ولبئس ما رأيت!! وسمعت ويا لفظاعة ما سمعت!! رأيت ساحرا رافضيا باطنيا- والفرق الباطنية هي أكثر الناس تعاطيا للسحر والكهانة- ينتمي هذا الساحر الرافضي إلى النجف قد ألقى على طاولته أحجارا يزعم أن النفع والضُرَّ فيها، ومن التلبيس والإضلال يدعي هذا الأفاك أن كل هذه الأحجار مذكورة في القرآن والسنة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يستعملها، وأنها من الطب النبوي، وأن تأثيرها فوري. وتتصل به امرأة فقدت زوجها منذ عام فيتقمص هذا الساحر الخبيث صفة الرب ويقول {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] تعالى ربنا جل جلاله عن شرك هذا الكذاب الأشر، ثم يخاطب شياطينه عن طريق حجر من أحجاره، فيخلع عليهم صفات الربوبية، ويطلب منهم إرجاع هذا الزوج إلى زوجته، ثم يخبرها عن مكانه، وأنه يراه الآن، وأنه سيعود في غضون أيام. ويتصل به آخر يريد تخليص معاملة إدارية عقارية فيعود إلى أحجاره وشياطينه يخاطبها بما أراد، ويعده بإنجازها فورا. وتتصل به أخرى تسأله الصحة والرزق، فيضمن لها توسيع رزقها،وعافيتها من مرضها بعد أن يخاطب أحجاره وشياطينه. وفي قناة أخرى شيطان آخر يرسم أشكالا ويكتب فيها طلاسم، ثم يطلب من المتصل أن يرسم مثلها، ويعلق هذه الورقة في بيته لتحميه طلاسمها وأسرته من الشرور. وحدَّث أحدُ المشايخ المهتمين بهذا الموضوع: أنه شاهد ساحرا يقول لإحدى المتصلات: رزقك عندي.. حياتك عندي.. علاقتك مع زوجك عندي.. كل شيء عنك عندي. ويحدث عن كاهن آخر أنه يقول لإحدى المتصلات: لماذا تزوجت فلاناً، المفروض أنك من أول يوم تطلقين. وقالت له متصلة عن مشاكل لها مع زوجها فقال لها: لو يجتمع أهل الأرض كلهم لكي يصلحوا زواجك فلن ينجح. واتصلت به امرأة تحكي أن زوجها كثير الانشغال بأُمه, فقال لها وفي يده طلسم: اكتبي هذا الحجاب وضعيه تحت فراش زوجك, وإن عاد إلى أُمه عودي إليَّ. وكاهنة أخرى يتصل بها كثير من الفتيات، تسألها الواحدة منهن: هل ستتزوج أم لا؟ وكم سترزق من الولد؟ فتسألها الكاهنة عن عمرها ولون بشرتها، ثم ترمي بحجر، فتخبرها من ستتزوج؟ وكم ترزق من الولد؟ ويهزئون بالقرآن ويدنسونه؛ وذلك حينما قال أحدهم لإحدى المتصلات: اكتبي الآيات معكوسة، وآخر يقول لمتصلة أخرى: اجمعي فضلات الطيور واطحنيها واكتبي بها سورة الواقعة. ويقول هذا الأفاك الأثيم: إن المريض الذي فيه جن لا يُقرأ عليه القرآن، المريض يحتاج إلى طلاسم. إنه -يا عباد الله- إفساد للعقائد، وشرك بالله تعالى، وعبادة للأوثان والشياطين، واستهزاء بالقرآن الكريم، وتدمير للأسر والبيوت، وإفساد للنساء والفتيات، وتعليق لقلوب المرضى بغير الله تعالى، وحث على القطيعة والعقوق، وصدق الله العظيم إذ يقول:{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:102] . أيها الإخوة المؤمنون:ما نقلته على مسامعكم ما هو إلا شيء قليل، ونزر يسير، من شرك كثير، وإفساد عظيم؛ يبث إليكم، ويصل إلى بيوتكم عبر هذه القنوات الفاجرة المفسدة. ولم أنقله إليكم بهذا التفصيل رغم ما فيه من الكفر والفسوق والدجل إلا لتعلموا خطورة الأمر؛ ولكيلا يتصدر من اتخذوا من تخذيل الناس عادة لهم، فيتهمون كل ناصح بالتهويل والمبالغة؛ فلقد بلغ السحر والكهانة بيوتكم، ووصل إلى نسائكم وأولادكم عن طريق البث الفضائي الخبيث، فاحذروا ثم احذروا ثم احذروا، اللهم بلغت، اللهم فاشهد. {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88] . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.... الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين؛ جعل للحق أنصارا، وجعل للباطل أعوانا؛ ابتلاء للعباد وامتحانا، نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه {وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ} [البقرة:194] . أيها الناس: من حيل هؤلاء الدجالين المجرمين من السحرة والكهان والعرافين: أنهم يدعون المتصلين بهم إلى قراءة القرآن، ويحددون لهم سورا وآيات يقرءونها بأعداد معينة، وأقسم بالله العلي العظيم ولا أحنث في يميني أنهم لا يعرفون القرآن، وإنما شياطينهم تلقي ذلك على ألسنتهم لخداع الناس وإضلالهم، ودليل ذلك أنهم لا يقرءون الآيات وإنما يذكرون سورها وأرقامها للمتصلين بهم، وفلتت من بعضهم مع الحماسة والانفعال فلتات حاولوا فيها ذكر أول الآيات التي يوصون بقراءتها، فإذا هم يُكسرونها ولا يقيمونها، ويلحنون فيها، ويخطئون خطأ لا يخطئه أطفال المسلمين، وهي آيات من قصار السور، فهل هؤلاء يعرفون القرآن أو يقرءونه؟ وهل هم أهل مشيخة وولاية؟! وقد يتساءل بعض الناس: لماذا تدعوهم شياطينهم إلى التزين بالقرآن، وخداع الناس به، ودعوتهم إلى قراءته، والشياطين والسحرة والكهان هم أعداء القرآن؟! وجواب ذلك: أنهم يسوقون بضاعتهم الرديئة في بلاد المسلمين، ولو كانوا عند اليهود والنصارى لسوقوها بالتوراة والإنجيل أو بما يؤمن به من يستهدفونهم. ولو أنهم اقتصروا على طلاسمهم وخزعبلاتهم لأحجم عنهم أكثر من يتصلون بهم، ولكنهم تقمصوا ثياب المشيخة، وادعوا الولاية، ولا بد لهذه الهيئة من قرآن. وماذا يضير شياطينهم من القرآن وتلاوته إذا كانوا يصرفون زبائنهم من المسلمين عما يدعو إليه القرآن من الإيمان والتوحيد إلى ما يناقض ذلك من الشرك والتعلق بغير الله تعالى؟! وهل ينفع من وقع في الشرك شيئا أن يقرأ القرآن ألف مرة، أو يردد بعض سوره أو آياته حسب ما يملي عليه الساحر أو الكاهن؟! أليس الشيطان قد علم أبا هريرة رضي الله عنه فضل آية الكرسي؛ مقابل أن يطلقه أبو هريرة ولا يرفع أمره للنبي عليه الصلاة والسلام. أيفعل الشيطان ذلك، مقابل إطلاقه من عقوبة على خُدعة خدعها أبا هريرة رضي الله عنه، ولا يفعلها فيما هو أكبر من ذلك، وهو إغواء موحدين من بني آدم، وجرهم إلى الشرك بالله تعالى، والله لا يمانع الشيطان من قراءة القرآن إذا كانت قراءته والدلالة عليه خُدعة يستخدمها الساحر والكاهن لجرِّ زبائنهم إلى ما يريدون، وربح الشيطان في إضلال المسلمين بهذه الخدعة أعظم من خسارته بقراءتهم للقرآن. إن هذا الوباء بالغ الخطورة، ويزداد يوما بعد يوم، وهو يفتك بعقائد الناس وقلوبهم، ويدمر أسرهم وبيوتهم، ولا بد أن يتداعى الغيورون من الأمراء والعلماء وأهل الرأي والمسئولية وسائر الناس إلى مكافحته، وحماية المسلمين من شره. إنه يجب على من بيده أمر و نهي في الأقمار الاصطناعية أن يوقفوا بث هذه القنوات على الأقمار العربية. وواجب على شركات الاتصالات أن تلاحق أرقام الاتصال بتلك القنوات فتحول بينها وبين المتصلين. وواجب على كل من له علم ورأي وعقل ومعرفة أن يُحذِّر الناس من شر هذه القنوات المفسدة. وواجب على رب الأسرة أن يحصن أهله وولده بالإيمان والتوحيد، وأن يطهر بيته، ويحفظ أسرته من وباء البث الفضائي الخبيث، فإن عجز عن إلغائه فلا أقل من ترشيده، بحجب هذه القنوات الشيطانية من أجهزة منزله. وما يدريه لو أن بعض بناته دلتها زميلتها على هذه القنوات لضائقة مرت بها، أو لأمر أهمها تريد مشورة فيه، والبنات في ذلك ضعيفات جدا، فدُلت على ساحر أو كاهن ينقل سحره إلى بيته وأهله، فيدمر بيته، ويخسر أسرته في غفلة منه. وماذا لو جرب أحد الأولاد ورسم هذه الطلاسم التي يعرضونها على أنها تجلب الرزق أو تدفع الشر، وعلقها في غرفته، فمارس السحر بنفسه، وجلبه إلى أهله، فهي قنوات لا تكتفي بعرض السحر، والدجل على الناس به، ولكنها تعلم مشاهديها كتابة الطلاسم والشركيات. ولا يحل لأحد الجلوس أمامها ومشاهدتها، ولا الاتصال بضيوفها، فمن اتصل بها ليسأل الساحر كشف ضره، أو جلب النفع إليه، مع إيمانه بقدرته على ذلك، فقد أشرك بالله تعالى في ربوبيته، ومن اتصل بكهنتها فسألهم عن شيء فصدقهم بما يقولون فقد كفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، ومجرد سؤالهم ولو لم يصدقهم يمنع قبول صلاته أربعين يوما، كما دلت على ذلك الأحاديث. نعوذ بالله تعالى منها ومن القائمين عليها، ونسأله سبحانه أن يحفظنا ونساءنا وأولادنا والمسلمين أجمعين من شر السحرة والكهان والشياطين، إنه سميع مجيب. والحمد لله رب العالمين. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد....
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() قنوات السحر والشعوذة(2) الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل قنوات السحر والشعوذة حكمها وأسباب الإقبال عليها الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله... {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71] أما بعد: فإن خير الكلام كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أيها الناس: أنعم الله تعالى على البشر بالوحي الرباني؛ هداية لهم في الدنيا من الضلال، ونجاة لهم في الآخرة من العذاب، لمن آمن به واتبعه {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}[الشُّورى:7] ولولا هذا الوحي لما اهتدى المؤمنون من البشر إلى ما ينفعهم في الدنيا والآخرة {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشُّورى:52] قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فلا روح إلا فيما جاء به، ولا نور إلا في الاستضاءة به؛ فهو الحياة والنور والعصمة والشفاء والنجاة والأمن. ولما كان الوحي نورا وهدى من الله تعالى للبشر كان الضلال والظلمات فيما عارضه من الديانات والأفكار والأفعال، يتيه فيها من لم يتبع نور الوحي {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام:39] وفي الآية الأخرى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] وهؤلاء عميٌ عن الحق ولو كانوا يبصرون، وصمٌ عنه ولو كانوا يسمعون، ولم توفق عقولهم لإدراكه ولو كانوا يعقلون {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ} [الأعراف:179] وفي آية أخرى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] وفي آية ثالثة {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} [الرعد:19] وفي آية رابعة {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان:44] وأهل الضلال مجتهدون في طمس الهدى، ودائبون في صد الناس عن الحق والنور، إلى الضلال والظلمات {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} [الإسراء:73] وفي آية أخرى {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزُّخرف:37] وكل بُعْد عن وحي الله تعالى فإن مآل أصحابه إلى الضلال والعمى، ومن أعظم سبل أهل الضلال في صد الناس عن الحق: تعليق قلوبهم بغير الله تعالى، وصرفهم إلى الخرافات والشعوذات التي يقوم بها السحرة والكهان والمنجمون والعرافون فيخدعون بها من رقَّ دينهم، وضعفت عن إدراك الحقائق عقولهم، فلم يعودوا يميزون بين ما يضرهم وما ينفعهم، ولا يدركون من يصدق معهم ممن يكذب عليهم. إن هذا العصر يوصف بأنه عصر العقل والعلم والحضارة والمعرفة بما فتح الله تعالى فيه للبشرية من مغاليق المعارف العلوم، وما هيأ لهم من وسائل الاتصال السريع، ولكنه في الوقت ذاته عصر الدجل والخرافة والكذب والشعوذة؛ إذ مع تطور وسائل الاتصال زادت نسبة خداع الناس، والكذب عليهم، والاستخفاف بعقولهم، وإفساد عقائدهم بزعم إيجاد حلول سريعة لمشاكلهم عن طريق السحر والكهانة والشعوذة، والإحصاءات العربية تفيد بأن العرب ينفقون سنويا على السحر وحده خمسة مليارات دولار، وأن هناك دجالا واحدا لكل ألف من العرب، وقد ازدهرت سوق ترويج السحر والكهانة حتى بلغت مبيعات كتبها أرقاما قياسية، وبعض الصحف في بعض الدول الإسلامية أرباحها الكبرى من موارد إعلانات السحر الشعوذة، وكل هذا يدل على ما آل إليه حال الناس في هذا العصر الموصوف بالعلم والحضارة!! ولما تطور البث الفضائي، وتيسر الحصول عليه؛ استغل ذلك من يتاجرون بآلام الناس ومصائبهم، فبرزوا إليهم عبر الشاشات يزعمون حل مشاكلهم، وإنهاء معاناتهم، فكان الإقبال على هؤلاء الدجاجلة الكذابين يفوق حسابات الحاسبين، وما ذاك إلا لوجود القابلية عند كثير من الناس أن يُضحك عليهم، ويستخف بعقولهم، ويتلاعب بدينهم. إنه ما ازدهرت سوق فضائيات السحر والشعوذة إلا لكثرة المتصلين بهم، الشاكين لهم، وهي في ازدياد يوما بعد يوم بقدر ازدياد زبائنها والمتصلين بها، وهذا ينذر بخطير عظيم، وإثم كبير لا بد أن يتداعى الغيورون لتخفيفه وإزالته؛ حماية الناس من شرها وإثمها. إن أكبر سبب للإقبال على برامج السحر والشعوذة هو ضعف الإيمان بالله تعالى، وسوء الظن به، والاعتماد على غيره، وإلا فمن آمن بالله تعالى فإنه لا يرجو جلب نفع أو دفع ضر إلا منه سبحانه وتعالى؛ لعلمه أن البشر لا يملكون ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. ومن حسن ظنه بربه علم أنه لا يُقَدِّر عليه شرا محضا، وأن ما يصيبه من آلام وأحزان وأمراض وهموم ومشكلات فإنما هي كفارات لسيئاته، ورفعة في درجاته، وزيادة في حسناته، فلا يسعى في إزالتها بما حرم الله تعالى عليه. إن الظروف المعيشية الضاغطة على الناس، ومحبتهم للثراء السريع، واستبداد الجشع بهم، وخوفهم من المستقبل المجهول، وإقبالهم على الدنيا، وإعراضهم عن الآخرة، قد أدى بكثير منهم إلى الخوف والاضطراب والقلق، فأتاهم أبالسة الناس من نقطة الضعف هذه، فأوردوهم مهالك لم تُزِلْ همومهم، ولا حلت مشاكلهم، ولكنها استنزفت أموالهم، وأفسدت عقائدهم، فلا أصلحوا لهم دنياهم، ولا أبقوا لهم دينهم، والنساء ضعيفات في هذا الباب. والمشاكل الأسرية سواء بين الزوج وزوجته، أو بين الأب وبناته قد ألقت بظلالها على هذه الفتنة العظيمة، حتى هدمت أسر بسبب هذا البلاء، ومن أراد حفظ أهله وبناته فليكن قريبا منهن، متلمسا لمشاكلهن، ساعيا فيما يصلحهن، وإلا شكون إلى غيره، فاصطادهن أرباب السحر والكهانة والشعوذات. إن كثيرا من الناس قد لا يمنعه مانع في حل مشاكله من الذهاب إلى السحرة والكهان؛ لضعف إيمانه، وقلة صبره، أو لجهله بخطورة هذا الأمر، ولكنه لا يستطيع الذهاب إليهم لأنه لا يجدهم بسهولة، أو يخاف على سمعته، وكانت ولا تزال الجهات المسئولة من الشرط وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تلاحق السحرة والمشعوذين، وتكف شرهم عن الناس. أما الآن فقد سَهُل الاتصال بهم عن طريق قنواتهم الخبيثة، وصار المتصل بهم وبالأخص من النساء والفتيات تجد نفسها في مأمن من الفضيحة، مع سهولة وصولها إلى ما تريد منهم، وهذا هو مكمن الخطورة على نساء المسلمين وفتياتهم، وهن الفئة الأضعف، والأكثر تصديقا لهذا الدجل؛ ولذا تستهدفهن هذه القنوات الخبيثة أكثر من غيرهن، وفي بعض الإحصائيات أن أكثر من ثلثي المتابعين لهذه القنوات الشيطانية والمتصلين بها هم من النساء والفتيات. فكيف ستكون حال بيوت المسلمين إذا وصلت إليها أدوات السحر والشعوذة عن طريق بناتها ونسائها، وبفعل هذه القنوات الشيطانية التي لا تنظر إلا إلى الربح ولو فرقت بين المرء وزوجه، وبينه وبين والديه أو أولاده، ولو قلبت بيوت المسلمين إلى بؤر للشياطين، وأحدثت ما أحدثت فيها من العداوات والبغضاء والشقاء. والداعي إلى هذا التحذير وتكراره مرة بعد مرة: هو أن الإقبال على هذه القنوات الخبيثة كبير جدا، وهي تزداد يوما بعد يوم، حتى إن المتصل بها ربما اتصل عشر مرات ولا يستطيع الوصول إلى الساحر أو الكاهن من شدة الزحام عليه، وفي بعضها يأخذون رقم المتصل ويعدونه بالاتصال به بعد أسبوع أو أكثر لكثرة من ينتظرون قبله، فهل هذا إلا دليل على قابلية كثير من الناس أن يُضحك عليهم بسبب اليأس الذي أحاط بهم، أو الجهل الذي أطبق عليهم، مع ضعف إيمانهم وتوكلهم على الله تعالى، وقلة صبرهم واحتسابهم، وسوء ظنهم بربهم سبحانه وتعالى. فما أسرع الناس إلى الخرافة في عصر يوصف بأنه عصر العلم والمعرفة والحضارة، التي ما زادت كثيرا من الناس إلا جهلا بدينهم، وتعلقا بالدجل والشعوذة، ولا تسل حينئذ عما يقع من فساد القلوب والعقول من جراء ذلك. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده، وهذا كما أنه في الذوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات، فإذا كان القلب ممتلئاً بالباطل اعتقاداً ومحبة لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع... وسر ذلك: أن إصغاء القلب كإصغاء الأذن، فإذا أصغى إلى غير حديث الله لم يبق فيه إصغاء ولا فهم لحديثه، كما إذا مال إلى غير محبة الله لم يبق فيه ميل إلى محبته ...اهـ ولا يشك عاقل في أن هذه القنوات التي تبث السحر والكهانة تفرغ قلوب مشاهديها والمتصلين بها من محبة الله تعالى، والتعلق به، إلى التعلق بشياطين الإنس في سحرهم وشعوذاتهم، وربطهم بشياطين الجن، فيرجون نفعهم، ويخافون ضرهم، نعوذ بالله تعالى من الإثم والضلال. فحري بكل مسلم أن يَحذر ويُحذر من هذا البلاء الماحق الذي غزا المسلمين في عقر دورهم، يستهدف دينهم، ويدمر توحيدهم، ويفسد قلوبهم، ويستنزف أموالهم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام:112-113] . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم. الخطبة الثانية الحمد الله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أمن إلا للمؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وراقبوه، والزموا طاعته ولا تعصوه {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ} [النور:52]. أيها المسلمون: لقد زاد هذا الأمرَ سوء واستفحالا تصديرُ بعض المفتونين المضلين في وسائل الإعلام، الذين لا يتركون شذوذا من القول والرأي إلا قذفوا به بين الناس، وأحدثوا به ضجة في وسائل الإعلام، قد ركبهم أرباب الأفكار المنحرفة لتمرير ما يريدون من ضلال عبرهم، بعد دمغه بفتاواهم الشاذة، وآرائهم المضلة. وقد أباح هذا الفريق المفتون المنحرف العلاج بالسحر، ورخص للناس في الاتصال بالسحرة وغشيان مجالسهم، في دعاية فجة، ودعم كبير، لكل ساحر ومشعوذ، مع مخالفة صريحة للنصوص الواضحة في ذلك، وما هذا الصنف من المفتونين المحرفين للشريعة إلا دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها. والله تعالى يقول {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:69] فإذا كان الساحر لم يفلح في نفع نفسه حتى إن السحرة هم من شر الناس حالا ومآلا، وواقعهم يدل على ذلك، فكيف يفلح في نفع غيره؟ وكيف يفلح من أجاز للناس أن يذهبوا للسحرة والمشعوذين؟ نعوذ بالله تعالى من الهوى والردى. والنبي صلى الله عليه وسلم قد جعل السحر من السبع الموبقات التي أمر باجتنابها، وعده علماء الإسلام ناقضا من نواقض الإسلام، فكيف يسوغ لعاقل أن يفتي بجواز الاستشفاء به وهو من الموبقات؟ وكيف يرضى مسلم أن يوبق نفسه عند سحرة ومشعوذين؟ وعن جابر رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة، فقال: هو من عمل الشيطان) رواه أبو داود بإسناد صحيح. والنشرة هي حل السحر بالسحر.ولو جازت النشرة السحرية لكانت الشريعة متناقضة تعالى الله عن ذلك؛ إذ كيف يُحكم بالكفر على متعلم السحر بنص القرآن في قول الله تعالى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة:102] ثم يباح حل السحر بمثله، والعلماء يستدلون بهذه الآية على أن ممارسة السحر كفر كما أن تعلمه كفر، ثم كيف تأتي النصوص تذم السحرة والكهان، وتحذر من سؤالهم واتباعهم والإصغاء إليهم، وتصديقهم فيما يقولون، ثم تجيز التداوي بسحرهم وشعوذاتهم؟! وهذا من أبين التناقض عند من يقول به من المفتونين المحرفين. إن الاتصال ببرامج السحرة والكهان قد يؤدي إلى كفر المتصل بهم ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم، فإن طلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى من شفاء المرضى، أو رد غائب، أو حصول الرزق أو نحو ذلك فقد أشرك بالله تعالى في ربوبيته، وتلك من خصائص الربوبية التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى، ولو كان هؤلاء السحرة والكهان يرزقون الناس أو يدلونهم على أسباب الرزق لرزقوا أنفسهم، ولم يرهقوها بالجلوس ساعات متتابعة أمام الشاشات يصيحون في زبائنهم، يخدعونهم، ويستدرون أموالهم. ومن سألهم عن حظه أو مستقبله أو غير ذلك مما يُهمه فصدقهم كان كافرا بالله تعالى، مكذبا لصريح القرآن، الذي فيه أن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد جاء في حديث أبي هريرة والحسن رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ![]() فإن سأله لكن لم يصدقه بما قال رُدت عليه صلاته بنص قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)) رواه مسلم. ويخشى أن يلحق هذا الوعيد من شاهد القنوات التي تبث السحر والكهانة للفرجة أو التسلية أو حب المعرفة؛ لأن مشاهدتها تشبه الحضور عند هؤلاء السحرة والكهان، مع ما في ذلك من خطر التاثر بها، وتصديق دجاجلتها فيقع في الكفر من حيث لا يشعر. وواجب على كل من يهمه أمر إخوانه المسلمين أن يسعى بما يستطيع للحيلولة بين هذه القنوات المفسدة وبين الناس؛ نصحا لإخوانه المسلمين، وحفظا لدينهم ودنياهم، ودحرا لهؤلاء الدجالين المشعوذين، عسى الله أن يرد مكرهم عليهم، وان يحفظنا والمسلمين من شرهم، إنه سميع قريب. وصلوا وسلموا على نبيكم....
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |