كالسكر في الشاي! - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         عشرة فوائد من قصة زكريا (عليه السلام) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          خيرية الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الخلاصة في حكم الاستمناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          وقت الفراغ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الأصدقاء الأعداء! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          لا ينسب إلى الله تعالى وأقداره إلا الخير والحكمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          من فقه المشورة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          النفاق وأثره على المجتمع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          هذه هي الأهم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          رحلة في محراب التأمل والتفكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-11-2019, 03:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,279
الدولة : Egypt
افتراضي كالسكر في الشاي!

كالسكر في الشاي!


عبدالرحمن صبري


بالأمس بعد منتصف الليل، قُمْتُ لأُعِدَّ لنفسي فنجانًا من الشاي، ولفَتَ نظري جِدًّا بياضُ السُّكَّر وسوادُ الشاي، تَبايُنُ اللونينِ ذكَّرني بتبايُنِ طَعْمِيهما، فالأوَّلُ حُلْوٌ والآخرُ مُرٌّ، وكلاهما وحدَهُ لا يُجزئُ، فذلك المعشوقُ المصريُّ الأسمر ينشأُ باتِّحادِهما معًا؛ بل بامتزاجِهما سويًّا، وبالأحرى ذوبانُ الكلِّ في الكُلِّ، فيصيرانِ شيئًا واحدًا، ولحْمةً واحدةً، وبُنيانًا متماسِكًا، وكأنهما مقطوعةٌ كلاسيكيةٌ من الشِّعْر القديم، لا تكون إلَّا بوزنٍ وقافيةٍ، والخَلَل في أحد الركنين خَلَلٌ في الكُلِّ!
كأنهما مُخلصان تَعاهَدا معًا على البقاء أو الفناء، فبقاءُ أحدِهما بقاءُ الآخر، وفناءُ أحدِهما فناءُ صاحبه!
ترتشفُ الشاي يا صاحِ، فلا تتميَّزُ أي الجزيئات السُّكَّر، وأيها صاحبه ذو البشرة الخشنة السوداء، فقد اتَّحدا اسمًا ورسْمًا، ثم أقسما على الاتِّحاد مَخْرجًا وصِفةً!
قُلتُ لنفسي: تلك معادلةُ الحياة؛ فنحن نُولَد على الفطرة كمياه الشاي قبل أن تُستخدَمَ لغرضِهِ، ثم تمتزج بنا الألوان كُلُّها، وهي على اختلافِها، ذاتُ مغزًى صريحٍ ورسالةٍ موجَّهةٍ، فكُلُّ لونٍ لهُ معنًى، وكلُّ معنى له لون!
وكما أن أحدهم لا بُدَّ أن يُقلِّب المياه لتمتزج المحتوياتُ وتتوحَّد ويخرج الشاي بشخصيته الغامضةِ المعقَّدة بطريقة ما، فهو ساخِنٌ؛ لكنَّه مستساغُ الشُّرْبِ، غامقٌ؛ لكن ليس بالقاتِم، لا بالُحلْوِ المحْضِ ولا هو حامِضٌ، فنحن نتقلَّبُ في حوادث الدهر، وفَلَك الأقدار، يُحدِثُ بنا هذا الموقف نَدْبةً، وتلك المصيبةُ علامةً، وهذا التصرُّفُ لونًا!
وكلما كَبر الإنسانُ وازدادتْ خبراتُه، زادتْ تعاريجُ وجْهِهِ، فأنت حينما تُقابِل شيخًا كَهْلًا قد تكرمَش جِلدُه، وارتسَم على وَجْهِه خريطةٌ عشوائيةٌ تُظهِر بعض التضاريس، فلن تحتاج عالِمًا في الجغرافيا ليشرح لكَ مدلول الخريطة؛ بل تعرف من تلقاءِ نفسِكَ أنها خريطةُ التجاربِ والمواقف!
حياتُنا في المجمَلِ سُكَّرٌ وشاي، أو بالأحرى الأشياءُ ونقائضُها، فنحن دومًا نعيش معركة الأضداد، وصراع الأضداد؛ سعادةٌ وشقاء، وفِراقٌ ولقاء، لؤمٌ ونقاء، أعداءٌ وأصدقاء، مرضى وأصِحَّاء، أغنياءُ وفُقَراء، راحةٌ ونَصَب، استرخاءٌ وتعب، جافٌّ ورَطِبٌ، استقامةٌ وقتَب، خيرٌ وشَرٌّ، جميل وقبيح، أبيض وأسود، صالح وطالح!
حتى نحن كجنس بشري نتكونُ من متناقضين، أو بالأدق من مختلفين، فنحن ذَكَرٌ وأُنْثى، ولا بقاء لأحدنا إلَّا بالآخر!
لكن هذا التناقض يَصقُلُ الإحساسَ بجواهر الأشياءِ وماهيَّاتِها، فلله درُّ الذي قال "الضدُّ لا يُعرَف إلَّا بضدِّهِ، ويُخَرَّجُ بتعريفِ ضابطِه وحدِّه"، فإذا لم يُجرِّب أحدُنا لوعة الفِراق، فلن يستشعر حلاوة اللِّقاء، ولو لم يعرف أحدُنا الشقاء، فلن يُحِسَّ بطَعْمِ الراحة والاسترخاء، فبغير المتناقضات تُصبِح الحياةُ رتيبةً مملَّةً خاليةً من المعاني؛ لذا قالوا: لا يعرف الصِّحَّةَ إلَّا صاحِبُ السَّقَم!
واعلم يا صاحِ أن علامةَ البقاءَ التقَلُّبُ، فالشاي باقٍ لطالما يَد أحدِهم تُقلِّبُهُ، فإذا انتهى من طور التقليب، كانت تلك إشارةُ الفناء؛ حيث يُسارعُ أحدُهم بارتشافِه، ويُضحي عَدَمًا تُنْكِرُه الموجوداتُ... وكذلك نحن!
فنحن نظلُّ نتقلَّبُ بين الألوان والمعاني، ونختبر المواقف، ونكتسب الخبرات، حتى إذا أُغْلِقَتْ نوافِذُنا عن العوالم الجديدة، وأُوْصدت أبوابُنا دون التجربة، وتوقَّفَتْ نفوسُنا عن اختبارِ المجاهيل، وقلوبُنا عن الامتزاج بمشاعر مختلفة... كانت تلك النهايةُ قبل النهاية، والفناءُ دون الفناء، والعدمُ رغم رمقِ الحياة!
يا صاحِ، تقبَّلْ تناقُضاتِكَ، وامتزِجْ بها، واحترقْ معها وفيها، واعشقْها لتتجاوَزَها، قل لآلامِكَ: أهلًا لتشعُرَ بعدها بجمالية العافية، صافِح ابتلاءاتِكَ مصافحةَ الرجل للرجل، فتمضي وترتحل بلا رجعةٍ إن شاء الله، عِشْ نهارَكَ بطريقة، وليلَكَ بطريقةٍ أخرى، فتختلف عندك المتشابهاتُ، وتتخلَّصُ مِنْ كُلِّ رَتابةٍ ومَلَلٍ، تقبَّل شايَكَ قبل سُكَّرك، وسوادَكَ قبل بياضِكَ، وسَقَمَكَ قبل صِحَّتِكَ، وإيَّاك ثم إيَّاك أن تنسى ثلاثًا:
المهام لا تنتهي.
الواجبات لا تنقضي.
لا راحة إلَّا في الجنة.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 48.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.82 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.45%)]