العفة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أحداث الحياة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          إن الله لا يحب المسرفين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          (المروءة والخلق والحياء) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          علام يقتل أحدكم أخاه؟! خطورة العين وسبل الوقاية منها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          قصة الرجل الذي أمر بنيه بإحراقه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: السميع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          إذا أحبك الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          عفة النفس: فضائلها وأنواعها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          سمات المسلم الإيجابي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-12-2019, 04:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,455
الدولة : Egypt
افتراضي العفة

سلسلة من محاسن الدين الإسلامي (4)










العفة (الحلقة الأولى)


د. محمد ويلالي






الخطبة الأولى



دار حديثنا في الجمعة الماضية - ضمن سلسلة "من محاسن الدين الإسلامي" - حول صفة جليلة، تنشر الود بين الناس، وتزرع الدفء بين الأقارب والأصفياء، مع ما فيها من الفضل العظيم عند الله تعالى، وهي صفة "صلة الرحم".





وحديثنا اليوم - إن شاء الله تعالى - سيدور حول صفة أخرى، تعتبر من أعظم محاسن ديننا الإسلامي، ومن أنجع وسائل تربية النفس على الصبر والقناعة، إنها صفة "العفة"، التي جاءت ضمن الوصية الرابعة التي يومئ إليها أثر أبي ذر - رضي الله عنه - الذي قال: "أَمَرَنِي خَلِيلِي - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ: أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي وَلاَ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِى، وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَمَرَنِي أَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، وَأَمَرَنِي أَنْ لاَ أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ (وفي رواية: فإنها كنز من كنوز الجنة)" رواه الإمام أحمد، وهو في الصحيحة.





قال صاحب اللسان: "العِفَّة والعَفَاف بمعنى: الكفِّ عمَّا لا يحلُّ ولا يجمُل من قول أو فعل. وهو عفيف، وهي عفيفة، إذا افتقر لا يسأل الناس". وقال الماوردي: "العفة، والنزاهة، والصيانة من شروط المروءة". والعفاف: الكف عن الحرام والسؤال من الناس، وهو المقصود هنا، حيث قال أبو ذر - رضي الله عنه -: "وَأَمَرَنِي أَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً". ويدل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى، وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ، وَالْغِنَى" مسلم.





ولقد ضرب فقراء المهاجرين مثلا رائعا في العفة، حيث كانوا - مع شدة حاجتهم - لا يسألون الناس شيئا، بل لا يعلم بحالهم إلا من خبر نفوسهم. قال تعالى في حقهم: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً ﴾. قال ابن عجيبة: "﴿ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ﴾، أي: من أجل تعففهم عن السؤال". وقال ابن القيم: "وَصفَهم بتركهم مسألة الناس، فلا يسألونهم".





قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس، ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يُفطَن به فَيُتَصدَّقُ عليه، ولا يقوم فيسأل الناس" البخاري.





فاعلم أيها المتعفف أنك من أوائل من تحتضنهم الجنة. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ: ذو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ" مسلم.





وكره رسول الله أن يكون لأحدنا ما يَعِف به ثم تراه يستشرف ما عند الآخرين. فعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ- رضي الله عنه - قَالَ: سَرَّحَتْنِي أُمِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (يعني: لأسأله من حاجة شديدة)، فَأَتَيْتُهُ وَقَعَدْتُ. فَاسْتَقْبَلَنِى وَقَالَ: "مَنِ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَمَنِ اسْتَعَفَّ أَعَفَّهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَمَنِ اسْتَكْفَى كَفَاهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَمَنْ سَأَلَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ (ألح من غير اضطرار)". فَقُلْتُ: "نَاقَتِى الْيَاقُوتَةُ خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ" صحيح النسائي. والأوقية أربعون درهما. ولذلك كرهوا لمن له هذا المقدار أن يسأل الناس، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من سأل وله أربعون درهما فهو الملحف" صحيح النسائي.





ومثل ذلك من كانت له استطاعة بدنية على العمل والكسب، ثم يفضل الاتكال على الغير، يستجديهم ويسألهم. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَفْتَحُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ، إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ. يَأْخُذُ الرَّجُلُ حَبْلَهُ، فَيَعْمِدُ إِلَى الْجَبَلِ، فَيَحْتَطِبُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَأْكُلُ بِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ مُعْطًى أَوْ مَمْنُوعًا" الصحيحة.





وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ" البخاري.





ومطية العفاف الصبر. فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضي الله عنه - أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ: "مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ" متفق عليه.





ولذلك كان أحدهم يستعف أن يسخر غيره في أدنى الأمور. فقد أمر النبي صحابته بالبيعة، فقالوا: علام نبايعك؟ قال: "عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَتُطِيعُوا، وَلاَ تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا". قال عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِىُّ: "فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ، فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ" مسلم.





وعن ثوبان قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يَضْمَنُ لِي وَاحِدَةً وَأَضْمَنُ لَهُ الْجَنَّةَ؟". قَالَ ثوبان :أَنَا يَا رَسُولَ الله. قَالَ: "لاَ تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئاً".َ فَكَانَ سَوْطُ ثَوْبَانَ يَسْقُطُ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ، فَيُنِيخُ حَتَّى يَأْخُذَهُ، وَمَا يَقُولُ لأَحَدٍ نَاوِلْنِيهِ" رواه أحمد وإسناده صحيح.





وهو ما يؤكده قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "استغنوا عن الناس و لو بشَوْصِ السواك (بفتاته)" صحيح الجامع.





وليس معنى هذا أن يرفض المستغني ما يقدم إليه من عطايا أو خدمة، إنما المذموم استشراف النفس إلى ما في يد الغير وطلبُه. فقد كان عمر بن الخطاب يقول: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعْطِينِى الْعَطَاءَ فَأَقُولُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّى. فَقَالَ: "خُذْهُ، إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيءٌ، وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ، فَخُذْهُ، وَمَا لاَ، فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ" متفق عليه.





ولقد فتح المسلمون مقر كسرى، وبعثوا إلى عمر بن الخطاب - بما وجدوه من نفائس قصره بما في ذلك تاجه - ليوزعها على الفقراء، فبكى عمر وقال لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "إن قوما أدوا هذه الأمانة كاملةً غير منقوصة لأمناء". فقال علي - رضي الله عنه -: "يا أمير المؤمنين، عَففتَ فعفوا، ولو رَتعتَ لرتعوا".







كنا نرى الأصنام من ذهب فنه

دمها ونهدم فوقها الكفارا




لو كان غير المسلمين لحازها

كنزا وصاغ الحلي والدينارا










الخطبة الثانية


من مظاهر ترك العفة وعدم الرضى بالقليل، انتشار ظاهرة التسول، من طرف المحتاجين وغير المحتاجين، حتى بلغ عدد المتسولين عندنا - ضمن دراسة قامت بها وزارة التنمية الاجتماعية قبل بضع سنوات - ما يقارب 196 ألف شخص، منهم 62.4% جعلوا التسول حرفة لهم، يشكل النساء منهم 51%، ويشكل لأطفال دون 18 سنة 11.5%، ويشكل الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و50 سنة نسبة 34.6%، مع العلم أن ظاهرة التسول عندنا تزيد كل سنة بنسبة 14%. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. وَالْيَدُ الْعُلْيَا الْمُنْفِقَةُ (وفي رواية: المتعففة)، وَالسُّفْلَى السَّائِلَةُ" صحيح أبي داود.







مَنْ عَفَّ خَفَّ عَلَى الصَّدِيقِ لِقَاؤُهُ

وَأَخُو الْحَوَائِجِ وَجْهُهُ مَمْلُولُ




وَأَخُوك مَنْ وَفَّرْتَ مَا فِي كِيسِهِ

فَإِذَا عَبَثْتَ بِهِ فَأَنْتَ ثَقِيلُ










ومن هذه المظاهر، ارتفاع أعداد الشباب العاطلين، الذين بلغت نسبتهم ببعض مدننا 15%، وبخاصة الذين يعتمدون كليا على وظائف الدولة، مع أنهم باستطاعتهم أن يملأوا الفراغ ببعض الحرف، أو التجارات، التي قد تحقق لهم الكفاف إلى حين.





قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "كنت أرى الشاب فيعجبني، فاذا سألت عنه فلم أره في عمل الدنيا ولا الآخرة سقط من عيني".

يقولون تستغني ووالله ما الغنى

من المال إلا ما يعف وما يكفي










ومن مظاهر الجشع وحب المال وتحصيله بالطرق غير المشروعة، اشتغال كثير من الناس ببيع المحرمات، من خمر، ومخدرات، واشتغال بالقمار، اتكالا على الرهان والحظ، وتركا لطرق الربح المشروعة. وقد قامت عناصر الجمارك المغربية ب 181 عملية حجز للمخدرات منذ بداية هذه السنة، تم من خلالها ضبط أزيد من 14000 طن من المخدرات. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ" مسلم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19-12-2019, 04:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العفة

سلسلة من محاسن الدين الإسلامي (5)
العفة (الحلقة الثانية)

د. محمد ويلالي

الخطبة الأولى


تناولنا في الجمعة الماضية الحديث عن صفة جليلة، تعتبر من أعظم محاسن الدين الإسلامي، هي مفتاح العزة والكرامة، وسبيل الورع والسلامة، وداعي التقوى ولااستقامة. إنها صفة "العفة"، التي ما دخلت نفسًا إلا ملأتها اكتفاء وقناعة، وما غزت قلبا إلا أحالته سعادة وطمأنينة، وما تمكنت من مجتمع إلا نعم بالأمن، وسلم أفراده من الغبن. صفة الصادقين، وبلسم المخلصين، وغنى المحتاجين، وسخاء الأغنياء الممتلئين.وقصدنا اليوم - إن شاء الله تعالى - أن نعمق الحديث عن هذه الصفة العظيمة، بضرب أمثلة المتعففين عبر تاريخ الإسلام، لنوقن أن بالعفة طهرت الأسر والمجتمعات، وعاش المسلمون في تآخ كان مضرب الأمثال بين الأمم والجماعات. ولنبدأ بنبينا - صلى الله عليه وسلم - الذي إنما بعثه الله تعالى ليتمم حسن الأخلاق.ولقد عرضت عليه قريش الدنيا من أجل أن يتخلى عن المبادئ التي بعث من أجلها، فلم تطمعه عروضهم، ولم يسلبه بريق مغرياتهم، بل منعته عفته أن يبتغي الدنيا بالآخرة. فقد بعثوا له عتبة بن ربيعة مفاوضاً، فقال له: "يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفا، سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد ملكا، ملكناك علينا..". فلما فرغ من عروضه، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أقد فرغت يا أبا الوليد؟". قال: نعم. قال:" فاسمع مني". فقرأ له من مطلع سورة فصلت حتى وصل السجدة، ثم قال له: "قد سمعتَ يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك" صحيح فقه السيرة.ولما فتح الله تعالى على نبيه الأمصار، لم تغره الغنائم، ولو تستهوه نفائس المغانم. فقد قفل - صلى الله عليه وسلم - من حنين وقد غنم مالا كثيرا، فرَكِبَ رَاحِلَتَهُ، وَتَعَلَّقَ بِهِ النَّاسُ يَقُولُونَ: اقْسِمْ عَلَيْنَا فَيْأَنَا بَيْنَنَا، حَتَّى أَلْجَئُوهُ إِلَى سَمُرَةٍ - صلى الله عليه وسلم - (شجرة الطلح)، فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي، فَوَاللَّهِ لَوْ كَانَ لَكُمْ بِعَدَدِ شَجَرِ تِهَامَةَ نَعَمٌ، لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لاَ تجدونِي بَخِيلاً، وَلاَ جَبَاناً، وَلاَ كَذُوباً" البخاري.وفي رواية عند أحمد: ثُمَّ دَنَا مِنْ بَعِيرِهِ، فَأَخَذَ وَبَرَةً مِنْ سَنَامِهِ، فَجَعَلَهَا بَيْنَ أَصَابِعِهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، ثُمَّ رَفَعَهَا فَقَالَ:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَيْسَ لي مِنْ هَذَا الْفَيءِ وَلاَ هَذِهِ، إِلاَّ الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ، فَرُدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمَخِيطَ، فَإِنَّ الْغُلُولَ يَكُونُ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَاراً، وَنَاراً، وَشَنَاراً".ما أفسد الناسَ إلا الطمع، وما أساء أخلاقَ كثير منهم إلا الجشع، وحب الثراء السريع ولو بسلوك طريق النهب، والسرقة، والرشوة، والخداع. لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعجل برد الأمانات إلى أصحابها مخافة أن يدركه الموت وهي عنده.فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ - رضي الله عنه - قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - الْعَصْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَامَ سَرِيعًا، فدَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ، وَرَأَى مَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ فَقَالَ: "ذَكَرْتُ وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ تِبْرًا - صلى الله عليه وسلم - (ذهبا) عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ" البخاري.فليس هناك وقت للتسويف في إعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم، ولا مجال للتماطل في أداء الأمانات إلى أصحابها، بهذا ساد الإسلام وانتشر، وعظم كيانه وازدهر: الإحساس القوي بالمسؤولية، والتحري الدقيق في القضايا المالية، حتى في أحرج اللحظات.فعَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْماً عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: لَوْ رَأَيْتُمَا نَبِي اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ فِي مَرَضٍ مَرِضَهُ، وَكَانَ لَهُ عِنْدِي سِتَّةُ دَنَانِيرَ أَوْ سَبْعَةٌ، فَأَمَرَنِي نَبِي اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أُفَرِّقَهَا، فَشَغَلَنِي وَجَعُ نَبِي اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى عَافَاهُ اللَّهُ، ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْهَا فَقَال: "مَا فَعَلَتِ السِّتَّةُ أَوِ السَّبْعَةُ؟". قُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ، لَقَدْ كَانَ شَغَلَنِي وَجَعُكَ. فَدَعَا بِهَا، ثُمَّ صَفَّهَا فِي كَفِّهِ فَقَالَ: "مَا ظَنُّ نَبِي اللَّهِ لَوْ لَقِىَ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَهَذِهِ عِنْدَهُ؟" الصحيحة.ستة دنانير أو سبعة مملوكة لأصحابها، خشي أن يموت وهي عنده، يحاسبه الله تعالى عليها، فكيف بمن سرقوا من مال البلاد ما بين سنة 2000 و 2010م أزيد من 135 مليار درهم، وأزيد من 5000 هكتار من الأراضي العمومية، بحسب لجان تحقيق رسمية، في الوقت الذي يعاني فيه قرابة 30% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 سنة من البطالة.ولقد صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال: "يأتي على الناس زمان، ما يبالي الرجل من أين أصاب المال، من حلال أو حرام " صحيح النسائي. يثبت قلبهم على حب المال، يميلون معه حيث مال، ويقيمون حيث أقام، مع أن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك" صحيح الترمذي. ومع ذلك يزعمون أنهم يصلون، ويصومون، ويحجون، ويدعون أنهم يتورعون، وما علموا أن الورع الحقيقي هو اتقاء المحارم، وحفظ الحقوق. فقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا هريرة - رضي الله عنه - فقال: "يا أبا هريرة، كن ورعا تكن أعبد الناس، وكن قَنِعا تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا" صحيح ابن ماجه.لقد بلغ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخوف من مال الغير، أَنْ أسهرته تمرة واحدة، وأطارت النوم من عينيه، مخافة أن تكون من مال الصدقة، وهي محرمة على آل البيت. فعن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد تحت جنبه تمرة من الليل، فأكلها، فلم ينم تلك الليلة. فقال بعض نسائه: يا رسول الله، أَرِقتَ البارحة. قال: "إني وجدت تحت جنبي تمرة، فأكلتها، وكان عندنا تمر من تمر الصدقة، فخشيت أن تكون منه" أحمد وإسناده صحيح.فنبي هذا شأنه، لم يكن لينجذب إلى بريق الدنيا التي صارت مرتعا للتنافس، وميدانا للمظاهر المزيفة، والمغريات البراقة، التي أخذت بتلابيبنا، فاستعبدتنا حتى صرنا لها أسرى. تأمل في فعل رسول الله وقد عُرض عليه أن يغير ثوب فراشه. فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخلَتْ عليَّ امرأة من الأنصار، فرأَتْ فراش رسول الله - رضي الله عنه - عباءةً مثنية، فرجعَتْ إلى منزلها، فبعثت إليَّ بفراش حَشوُه الصوف، فدخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما هذا؟ فقلت: فلانة الأنصارية، دخلت عليَّ فرأَتْ فراشك، فبعثَتْ إليَّ بهذا. فقال: رُدِّيه. فلم أردَّه، وأعجبني أن يكون في بيتي، حتى قال لي ذلك ثلاث مرات، فقال: يا عائشة، رُدِّيه، فو الله لو شئتُ لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة. قالت: فرددته" صحيح الترغيب.
إن القناعة من يحلل بساحتها
لم يبق في ظلها هم يؤرقه

الخطبة الثانية

هذا النبي العظيم - صلى الله عليه وسلم - ، الذي لو أحب ملك الدنيا لملكها، "مات وما ترك دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا وليدا، وترك درعه رهنا عند يهودي على ثلاثين صاعا من شعير" أحمد وإسناده صحيح. وقال أنس بن مالك: ولقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - صَاعُ بُرٍّ، وَلاَ صَاعُ حَبٍّ" قال أنس: "وَإِنَّ عِنْدَهُ لَتِسْعَ نِسْوَةٍ" البخاري.وإذا وضعتَ الجهاز الكاشف على بيته - صلى الله عليه وسلم - من الداخل، لتعرف جهازه وأثاثه، فدونك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذي قال: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ، فَجَلَسْتُ، فَإِذَا عَلَيْهِ إِزَارٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، وَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوَ الصَّاعِ وَقَرَظٍ - صلى الله عليه وسلم - (شيء يدبغ به الجلد) فِي نَاحِيةٍ فِي الْغُرْفَةِ، وَإِذَا إِهَابٌ - صلى الله عليه وسلم (جلد غير مدبوغ) مُعَلَّقٌ، فَابْتَدَرَتْ عَيْنَاي - صلى الله عليه وسلم (سالت دموعه)، فَقَالَ له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟". فَقُلْتُ: يَا نَبِي اللَّهِ، وَمَا لِيَ لاَ أَبْكِي وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لاَ أَرَى فِيهَا إِلاَّ مَا أَرَى، وَذَلِكَ كِسْرَى وَقَيْصَرُ فِي الثِّمَارِ وَالأَنْهَارِ، وَأَنْتَ نَبِي اللَّهِ، وَصَفْوَتُهُ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ؟. قَالَ: "يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةُ، وَلَهُمُ الدُّنْيَا؟". قُلْتُ: "بَلَى".
فإذا نبا بيَ منزل جاوزتُه
وجعلتُ منه غيره ليَ منزلا

وإذا غلا شيء علي تركته
فيكون أرخص ما يكون إذا غلا
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19-12-2019, 04:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العفة

سلسلة من محاسن الدين الإسلامي (6)
العفة (الحلقة الثالثة)

د. محمد ويلالي


الخطبة الأولى

تناولنا في الجمعة الماضية في الجزء الثاني من موضوع العفة - ضمن سلسلة من محاسن الدين الإسلامي - أمثلة حية لعفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعاملات المالية، وكيف كان يتحفظ في المال القليل، فلا تقر له عين، ولا يغمض له جفن حتى يبيت المال عند صاحبه، مخافة أن يدركه الموت وهو عنده.

ولعله من الأولى أن نتبع ذلك بنماذج أخرى لخلفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن جاء بعدهم، مما يؤكد كون العفة كانت صفة متأصلة في المجتمع الإسلامي. غير أن خبرا صادما طلع علينا في بحر هذا الأسبوع، يجعلنا نتوقف عنده، ويتعلق بضياع العفة المنشودة في صيانة الأعراض، حيث ألقت السلطات الأمنية - مشكورة - بإحدى مدننا القبض على صاحبة منزل معد للدعارة، على خلفية وفاة رجل في 42 من عمره، داخل غرفة بمنزلها وهو يمارس الجنس مع إحدى المومسات، ليلقى الله - عز وجل - وهو متلبس بجريمة الزنا.

إنها حادثة مؤلمة، تحيلنا على واقع مرير، تدعمه مقولة التحرر ومزاعم الانفتاح على العالم، عبر وسائل الإعلام المختلفة، مما جعل حضارة الغربيين ماثلة بين يدي شبابنا بخيرها وشرها. وما دامت حضارة مبنية على المتعة المادية، والإغراق في اهتبال الشهوات، وقضاء الأوطار، فقد سهلت المرقى إلى جرائم الاعتداء على الأعراض، من زنا، وخيانة، وشذوذ ومثلية وغيرها.

لقد جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنة الشهوات أعظم خطرا من فتنة الفقر والحاجة، فقال: " فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم " متفق عليه.

لقد جرب غيرنا كل أنواع التحرر والانفتاح، فماذا جنوا من وراء ذلك؟


في دولة متقدمة جدا، يقع - يومياً - 190 عملية اغتصاب أو تحرش جبري يبلغ عنها.

وفي دولة غربية أخرى، تمثل نسبة جرائم الاعتداء الجنسي المبلغ عنها 20% من مجموع عدد الجرائم الفعلية.

وفي دولة متقدمة أخرى، أفادت الإحصاءات أن نصف النساء تعرضن لتحرش جنسي على الأقل مرة واحدة،60% منهن تعرضن للتحرش أكثر من مرة.

وتبين في دولة أخرى أن نسبة 87.8% من مجموع طلاب المدارس الثانوية، مارسوا اتصالاً جنسياً في حياتهم، 22% منهم قبل سن الثالثة عشرة، مما رفع نسبة الحوامل من جملة الطالبات إلى 19.4% في مرحلة الدراسة الثانوية فقط.

وإذا كانت هذه النتائج حتمية في مجتمعات لا تقيم للعفة وزنا، ولا تعير للأعراض اهتماما، فما بال بلدنا يعج بمثل هذه المصائب التي ألمت بنا كما وكيفا؟


لقد بين تقرير مفصل أعدته إحدى الجمعيات سنة 2010، أن متوسط الولادات غير الشرعية عندنا هو 80 ألفا كل سنة، 500 ألف رضيع وُلدوا متخلى عنهم في ظرف ست سنوات فقط - ما بين 2003 و2009 -، كثير منهم يموت أو يقتل بعد الولادة خشية العار، حتى صار في إحدى مقابرنا جناح بمساحة ثلاثة هكتارات ونصف، علقت في مدخله لوحة كتب عليها "الأطفال الغرباء".

وأي عار أكبر من أن تطلع علينا أخبار أمس، بجريمة شابة سحاقية تبلغ من العمر 28 سنة، قتلت عشيقتها ذات 23 سنة، بسبب رغبة هذه في الانفصال عنها، والارتباط بأخرى. أكنا نتخيل حصول مثل هذه الجرائم، حتى أصبحت واقعا ملموسا، تدور أحداثه بين ظَهرانينا؟
وأي عار أعظم من أن نسمع بطفلة لا يتجاوز عمرها 12 سنة، تنجب طفلا ناتجا عن عملية اغتصاب؟
وأي عار أشد من أن تستغل بلَدَنا شركةٌ دولية منتجة لأفلام الخلاعة، تقوم بتصوير مشاهد إباحية لفتيات مقابل 3000 درهم؟
وأي عار أخزى من أن يقوم مهووس بالجنس، بالتقاط 5 آلاف صورة لعورات النساء المتبرجات في الشارع العام، وتصوير 60 فيديو جنسيا مع زوجته؟

إنه البعد عن شرع الله، والذهول عن العقاب الشديد الذي أعده الله لهؤلاء المجرمين، ولكل من أعانهم على ذلك أو تستر عليهم.

لقد جعل القرآن الكريم الزنا خبثا مستشنعا فقال تعالى: ï´؟ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ï´¾ [النور: 26]. وجعل الشذوذ خَبَثا مسترذلا، وفسقا مستقذعا فقال تعالى: ï´؟ وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ï´¾ [الأنبياء: 74].

ولذلك لم يكتف القرآن بتحريم الزنا حتى حرم كل ما يقرب إليه. قال تعالى: ï´؟ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ï´¾ [الإسراء: 32].

بل إن الزاني يرفع عنه الإيمان وهو يواقع جريمته حتى يخرج من فعلته. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" متفق عليه. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا زنى العبد، خرج منه الإيمان، فكان فوق رأسه كالظلة، فإذا خرج من ذلك العمل عاد إليه الإيمان" صحيح سنن ابن ماجة.

وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الزنا سبيلا للعقوبة التي قد تعم الناس جميعا. قال - صلى الله عليه وسلم-: "إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله" صحيح الجامع.

وقد يكون الزنا سببا في هذه الأمراض المستعصية التي أخذت تفتك بمجتمعاتنا دون أن يجد العلماء لها دواء ناجعا. قال - صلى الله عليه وسلم -: "لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا" صحيح سنن ابن ماجة.
لو كنتَ حراً من سلالة مسلم
ما كنتَ هتاكاً لحرمة مسلم



الخطبة الثانية

لقد منع النبي - صلى الله عليه وسلم - كل الأسباب المؤدية إلى فاحشة الزنا، وسد كل المنافذ التي توصل إليه. فمنع المرأة من أن تخرج مستعطرة، خوفا من افتتان الرجال بها. قال -صلى الله عليه وسلم-:"كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، وَالْمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ فَهِي كَذَا وَكَذَا يَعْنِى زَانِيَةً " ص. الترمذي.

وحذر - صلى الله عليه وسلم - من الدخول على النساء، أو الاختلاط بهم، لأن ذلك مظنة الفساد. فعن عقبة بن عامر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم والدخول على النساء". فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو (أخ الزوج)؟ قال: "الحمو الموت" متفق عليه.

وجعل الخلوة بالمرأة التي ليست من المحارم سبيلا إلى تزيين الشيطان للفاحشة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ " ص. الترمذي. فإن ذلك مظنة للغواية، والشيطان لنا بالمرصاد. قال تعالى على لسانه:"وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم".

فماذا يقول هؤلاء لملك الموت إذا قبض أرواحهم وهم في غفلة ساهون؟ ï´؟ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ï´¾ [النساء: 108]، أترى الناس يشفعون لهم يوم الحساب؟ أم تراهم يرجعون إلى الدنيا ليتوبوا؟. ï´؟ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ï´¾ [المؤمنون: 99-100].

نعم، وفي البرزخ ما لا يطيقون من العذاب.


قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أتاني الليلة آتيان، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما.. فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا (رفعوا أصواتهم مختلطة). قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلاَءِ؟.. قالا: أمَا إنا سنخبرك: أَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِى" البخاري.


تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها
من الحرام ويبقى الإثم والعار

تبقى عواقب سوء في مغبتها
لا خير في لذة من بعدها النار



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 90.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 87.46 كيلو بايت... تم توفير 2.59 كيلو بايت...بمعدل (2.88%)]