|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() جلب المصالح ودرء المفاسد د. ياسر محمد عبدالرحمن إذا حدث تعارضٌ بين المفاسد والمصالح وكانتا في منزلة ورُتبة واحدة، يقدَّم دفعُ المفاسد على الاعتناء بالمصالح[1]. وهناك قاعدة: "دَفع المفاسِد مُقدَّمٌ على جلبِ المصالِح"[2]، "درءُ المفسَدَة أولى مِن جَلب المصلَحَة"[3]،"دفعُ المفسَدَة أهمُّ مِن تحصيلِ المصلَحَة"[4]. ويقول السيوطي رحمه الله[5]: "إذا تَعارضَت مفسَدةٌ ومصلَحةٌ؛ قُدِّم دفعُ المفسَدةِ غالبًا؛ لأنَّ اعتِناءَ الشارعِ بالمنهِيَّات أشَدُّ مِن اعتنائِه بالمأمورات"[6]. ويقول العزُّ بن عبدالسلام رحمه الله[7]: "إن تعَذَّر الدَّرءُ والتَّحصيلُ فإن كانت المفسَدةُ أعظمَ من المصلَحةِ، درَأنا المفسَدةَ ولا نُبالي بفَواتِ المصلَحة"[8]؛ لأن "دَرْء المفاسدِ أولى من جَلب المصالح، فإذا تَعارضَت مفسَدةٌ ومصلَحةٌ قُدِّم دفعُ المفسَدةِ غالبًا"[9]. أي: إذا حدَث تعارضٌ بين المصالح والمفاسد وهُما في نفس المنزلة، ولا نستطيع الجمع بينهما، سنلجأ إلى الترجيح بدرء المفسدة على جَلب المصلحة. ومن أدلة مشروعيتها من الكتاب: قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 108]. وجه الدلالة: أن الله منَع المسلمين من أن يسبُّوا آلهة المشركين؛ خوفًا من مفسدةِ سبِّ المشركين لله تعالى[10]. ويُثاب المرء إذا التزم بهذه الآية الكريمة[11]؛ فقد نَهى الإسلام عن سب آلهة المشركين مع ما فيه من المصلحة، ولكن مفاسدها أكبر. وقال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219]. وجه الدلالة: أن الله أعلَم المسلمين بأنَّ الخمر فيها مصالحُ ومَفاسد، ولكن مفاسدها أكثر من منافعها[12]؛ لأن مِن مفاسد الخمر أنَّها تزيل العقل وتؤدِّي للصد عن سبيل الله تعالى[13]. "حرَّمَهما؛ لأنَّ مفسدتَهما أكبر من منفعتهما؛ أمَّا منفعة الخمر فبالتِّجارة ونحوها، وأمَّا منفعة الميسر فبما يأخذه القامرُ من المقمور، وأمَّا مفسدة الخمر فبإزالتها العقولَ، وما تُحدِثه من العداوة والبغضاء، والصِّدِّ عن ذكر الله وعن الصَّلاة، وأمَّا مفسدة القِمار فبإيقاع العداوة والبغضاء، والصَّدِّ عن ذِكر الله وعن الصَّلاة، وهذه مفاسدُ عظيمةٌ لا نسبةَ إلى المنافع المذكورة إليها"[14]. ومن السنة النبوية: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((دَعوني ما تركتُكم، إنما هلك مَن كان قبلكم بسؤالهم، واختلافِهم على أنبيائهم، فإذا نهيتُكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم))[15]. وجه الدلالة: أن من يلتزم بما أمر الله ويجتنب نواهيه فقد أطاعه، فما أمر الله به ففيه مصلحةٌ لعباده، وما نهى عنه ففيه مفسدة يجب اجتنابها[16]. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والجلوسَ في الطرقات))، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدٌّ؛ نتحدث فيها، فقال: ((إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقَّه))، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: ((غضُّ البصر، وكفُّ الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر))[17]. وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهى عن الجلوس في الطرقات؛ لأن مفاسدَه أكثرُ من مصالحه، ومن جلَس فعليه الالتزام بآداب الطريق التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم[18]. وهذا يوضِّح لنا أن كل عمل فيه مصالح ومفاسد، فإذا تساوَت المصالح والمفاسد في نفس المرتبة، يقدَّم درء المفسدة على المصلحة. ويستثنى من هذه القاعدة أنه قد تُقدَّم المصلحة على المفسدة أحيانًا؛ لغلبة المصالح على المفاسد، كالصلاة إذا اختلَّ شرطٌ من شروطها كستر العورة مثلاً فهي مفسدة؛ ولكن مصلحة الصلاة أعظمُ، فتُقدَّم مع وجود هذه المفسدة[19]. ولذا لا تطبق هذه القاعدة إلا إذا تساوَتِ المصالح والمفاسد في المنزلة؛ لأنه لا يمكن أن نأتي بعمل كله مصالح أو كله مفاسد، وإن وجَدناه فنادرًا ما يحدث. قال القرافي[20] رحمه الله: "لو اختلط موتى المسلمين بالكفار، فإن كان عددُ المسلمين أكثر أو تساووا صلى عليهم"[21]. [1] الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، محمد صديق بن أحمد بن محمد البورنو، (265). [2] البحر المحيط، (7/ 280). [3] شرح الكوكب المنير، (1/ 599). [4] المرجع السابق، (1/ 650). [5] عبدالرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري، السيوطي، جلال الدين: وُلد عام 849هـ، من مصنفاته: الجامع الصغير في أحاديث النذير البشير، الإتقان في علوم القرآن، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، وتوفِّي 911هـ؛ انظر: الأعلام للزِّركلي، (3/ 301). [6] الأشباه والنظائر، (1/ 87). [7] عبدالعزيز بن عبدالسلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، يٌكنى بأبي محمد، ولقَّبه ابن دقيق العيد بسلطان العلماء، وبائع الأمراء؛ لموقفه الشجاع من بيع المماليك؛ ولد 577هـ، فقيهٌ شافعي، بلغ رتبة الاجتهاد، ولد ونشأ في دمشق، وزار بغداد سنة 599 هـ فأقام شهرًا، وعاد إلى دمشق، فتولى الخطابة والتدريس والقضاء، ثم الخطابة بالجامع الأموي، توفي في مصر جمادي الأولى 660ه؛ انظر: طبقات الشافعية؛ لابن قاضى شهبة، (2/ 109) طبقات المفسرين، (1/ 242) طبقات الشافعية الكبرى، (8/ 209). [8] قواعد الأحكام، (1/ 98). [9] غمز عيون البصائر، (1/ 290). [10]الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، (2/ 58). [11] القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، (12). [12] الجامع لأحكام القرآن، (3/ 60). [13] قواعد الأحكام في مصالح الأنام؛ للعز بن عبدالسلام، (1/ 83). [14] قواعد الأحكام، (1/ 98). [15] البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنة رسول الله، رقم الحديث (6744). [16] عمدة القاري، شرح صحيح البخاري، (35/ 392). [17] البخاري، كتاب الاستئذان، باب قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ... ﴾ [النور: 27]، رقم الحديث (5761). [18] نيل الأوطار (5/ 374)، فتح الباري (5/ 113). [19] الأشباه والنظائر (1/ 87). [20] شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبدالرحمن الصنهاجي البهنسي المصري، ولد 626هـ، انتهت إليه رئاسة المالكية في عصره، وبرع في الفقه والأصول، ومن كتبه: الذخيرة والفروق، وتوفي 684هـ؛ انظر: الأعلام للزركلي، (1/ 94). [21] الذخيرة للقرافي، (2/ 472).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |