أحكام الشتاء - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 9732 )           »          قناديل على الدرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 3488 )           »          الخوارج أوصافهم وأخلاقهم.. وذكر التعريف الصحيح لهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 129 - عددالزوار : 65120 )           »          الملك القدوس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          حديقة الأدب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 98 - عددالزوار : 29664 )           »          الوصايا النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 21 - عددالزوار : 4621 )           »          عون المعبود شرح سنن أبي داود- الشيخ/ سعيد السواح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 449 - عددالزوار : 86020 )           »          قصَّة موسى في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 315 )           »          عابدة متعبدة ميمونة السوداء* (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 67 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-03-2020, 03:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,816
الدولة : Egypt
افتراضي أحكام الشتاء

أحكام الشتاء (1)
عاشوراء







د. محمد ويلالي

جعل الله تعالى في تكْوير اللَّيل على النِّهار حِكمًا، وفي تقلُّب الأزمان آياتٍ وعِبرًا، وفي تقْسيم الأيَّام إلى فصول متعاقبة أحكامًا وتشريعات.

وها نحن قد حلَّ بنا فصْل الشِّتاء، فصْل الأمطار والخيرات والبركات، فكان مناسبًا أن نُشير إلى بعض الأحْكام الفقهيَّة المتعلِّقة بفصْل الشتاء، يَحتاجها النَّاس، ويُكْثِرون السُّؤال عنها، نذكر اليوم عشرةً منها، ونكمل الباقي في الجمعة القادِمة - إن شاء الله.

1- اعلم - بارك الله فيك - أنَّ فصل الشتاء إرادة إلهيَّة، له حكمه وغاياته، لا نتذمَّر منه، ولا نأسَف على قدومه، بل نفرح به، ونسرُّ بما أوْدع الله فيه من أسرار نافعة، وأفضال جليلة، ولقد كان المجتهِدون الذين يروْن في تعاقُب اللَّيل والنَّهار ابتعادًا من الدُّنيا واقترابًا من الآخِرة، كانوا يبكون على التَّفريط - إن فرَّطوا - في ليلِ الشِّتاء بعدم القيام، وفي نهاره بعدم الصيام.

يقول النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((الصَّوم في الشِّتاء: الغنيمة الباردة))؛ صحيح سُنن التِّرْمذي.
وكان أبو هُرَيْرة - رضِي الله عنْه - يقول: "ألا أدلُّكم على الغنيمة الباردة؟" قالوا: بلى، فيقول: "الصِّيام في الشتاء".

قال الخطَّابي: "الغنيمة الباردة؛ أي: السَّهلة؛ لأنَّ حَرَّةَ العطش لا تَنال الصائم فيه".
قال ابنُ رجب: "معنى أنَّها غنيمة باردة: أنَّها حصلتْ بغير قتال، ولا تعَب، ولا مشقَّة، فصاحبها يَحوز هذه الغنيمة عفوًا صفوًا بغير كلْفة".

فأين المغتنِمون؟ أين السبَّاقون إلى العبادة عظيمة الأجر، قليلة الكلفة؟!

ويقول عبدالله بن مسعود - رضِي الله عنْه -: "مرحبًا بالشتاء، تتنزَّل فيه البركة، ويطول فيه اللَّيل للقيام، ويقْصر فيه النَّهار للصِّيام".
وقال الحسن: "نِعْمَ زمانُ المؤمن الشِّتاء: ليله طويل يَقومه، ونَهاره قصير يصومُه".

2- واعْلم أنَّ من السنَّة إسباغَ الوضوء على الرُّغم من ألم البرد، لمن استطاع ذلك؛ عن أبي هُريرة - رضِي الله عنْه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((ألا أدلُّكم على ما يمْحو الله به الخطايا، ويرْفع به الدَّرجات؟)) قالوا: بلى يا رسولَ الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثْرة الخُطا إلى المساجِد، وانتِظار الصَّلاة بعد الصَّلاة، فذلكم الرِّباط))؛ رواه مسلم.

قال القاضي عياض - رحِمه الله -: "إسباغ الوضوء: تَمامه، والمكاره تكون بشدَّة البرد، وألَم الجسم ونحوه".
وقال ابن رجب: "فإنَّ شدَّة برد الدنيا يذكِّر بزمهرير جهنَّم، فملاحظة هذا الألم الموْعود يهوِّن الإحساس بألم الماء".

وفي الحديث الصَّحيح: ((اشتكت النَّار إلى ربِّها فقالت: يا ربّ، أَكَلَ بعْضي بعضًا، فأذِن لها بِنَفَسَيْنِ: نفَسٍ في الشِّتاء، ونفسٍ في الصَّيف، فهو أشدُّ ما تَجِدون من الحرِّ، وأشدُّ ما تَجدون من الزَّمهرير "شدة البرد"))؛ متَّفق عليه.

ولذلك كان من نعيم المؤْمنين في الجنَّة: أن أمَّنهم الله - تعالى - من شدَّة البرد؛ قال تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً} [الإنسان: 13].

ومن لم يقْدر على استعمال الماء البارد، جاز له تسْخينه، قال ابن المنذر: "تسْخين الماء لدفْع برْده ليقوى على العبادة، لا يمنع من حصول الثَّواب المذْكور".
وشرعنا لم يتعبَّدنا بالمشاقِّ، بل مدارُه على التَّيسير ورفْع الحرج.

3- ومن السنَّة التَّبكير بصلاة الظُّهْر عند شدَّة البرد، كما يحسن الإبراد بها عند شدَّة الحرّ.
قال أنس بن مالك - رضِي الله عنْه -: "كان رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذا اشتدَّ البرد بَكَّرَ بالصَّلاة، وإذا اشتدَّ الحرُّ أبرد بالصَّلاة (أي: أخَّرها)"؛ رواه البخاري.

4- ويَجوز تغطية الفم بلِثام في الصَّلاة بسبب البرْد، أو لعلَّة أخرى معتبرة، أمَّا بغير علَّة فيُكره؛ فعن أبي هُريرة - رضِي الله عنْه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - "نَهَى عن السَّدل في الصَّلاة (إرسال الثَّوب حتَّى يصيب الأرض)، وأن يغطِّي الرَّجُل فاه"؛ صحيح سنن أبي داود.

5- وكما جاز تغْطية الفم عند الضَّرورة، جاز - كذلك - أن يلبس القفَّازين بسبب البرد ونحوه.

6- فإذا رأيت المطر أو الغيم، فلا تدَعِ الفُرْصة تمرُّ دون استِحْضار الأدعِية المأثورة في ذلك؛ فعن عائشة - رضِي الله عنْها - أنَّ النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذا رأى ناشِئًا في أفق السَّماء (السَّحاب الذي لم يكتمل اجتماعه) ترك العمل وإن كان في صلاة، ثمَّ يقول: ((اللهُمَّ إنِّي أعوذ بك من شرها))، فإن مُطر قال: ((اللهُمَّ صيِّبًا هنيئًا))، والصيب: ما سال من المطر وجرى؛ صحيح سنن أبي داود.

وفي الصَّحيحَين، يقول النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: "مُطِرْنا بفضْل الله ورحمتِه".

وقال النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((ثنتان ما تردَّان: الدُّعاء عند النداء، وتحت المطر))؛ حسَّنه في صحيح الجامع، قال المناوي: "لأنَّه وقت نزول الرَّحمة".
وعن أنس قال: "أصابنا - ونحن مع رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - مطر، فَحَسَرَ رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ثوبه (أي: كشف بعض بدنه) حتَّى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله، لِمَ صنعتَ هذا؟ قال: ((لأنَّه حديث عهْدٍ بربِّه تعالى)) "أي: بتكوين ربِّه إيَّاه، ومعناه: أنَّ المطر رحمة"؛ مسلم؛ ولذلك استحبَّ بعض أهل العلم للمؤْمن عند أوَّل المطر أن يكشِف عن شيء من بدنه حتَّى يُصيبَه.

فإذا خِفْتَ الضرر من كثْرة المطر، فقُلْ مثلما كان رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((اللهُمَّ حَوَالَيْنَا ولا علينا، اللهُمَّ على الآكام والظِّراب (التلال والمرتفعات) وبطون الأودية ومنابت الشجر))؛ متَّفق عليه.

7- وفي فصل الشِّتاء تكثر الرياح والعواصف، وكان رسول الله إذا عصفت الرِّيح قال: ((اللهُمَّ إني أسألُك خيرها وخيرَ ما فيها وخير ما أُرْسِلت به، وأعوذ بكَ من شرِّها وشرِّ ما فيها وشرِّ ما أرسلت به))؛ مسلم.

8- ومن السنَّة عدم سبِّ الريح؛ قال النبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((الريح من رَوْحِ الله، تأْتي بالرَّحمة وتأْتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبُّوها، وسلوا الله خيرَها، واستعيذوا بالله من شرِّها))؛ صحيح سنن أبي داود.

9- أمَّا عند سماع الرَّعْد، فقد كان النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يترك الحديث ويقول: ((سبحان الذي يسبِّح الرعد بحمده والملائكة من خيفته))، ثم يقول: ((إنَّ هذا لوعيدٌ شديد لأهْل الأرض))؛ صحيح الأدب المفرد.

10- وإذا كان فصل الشتاء مدْعاةً لبعض الأمراض، وبخاصَّة الحمَّى، فإنَّ دينَنا أمرنا أن لا نسبَّ الحمَّى ونتبرَّم بها، مع بذْل الأسباب لتفاديها؛ دخل النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - على أمِّ السائب فقال: ((ما لك يا أمَّ السَّائب تزفْزفين (ترتعدين)؟)) قالت: "الحمَّى لا بارك الله فيها"، فقال: ((لا تسبِّي الحمَّى، فإنَّها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبثَ الحديد))؛ مسلم.





الخطبة الثانية


اختصَّ شهر محرَّم بيوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر، حيث رغَّب النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في صيامه.

قال ابن عبَّاس - رضِي الله عنْه -: قدم النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - المدينة، فوجد اليهود صيامًا يومَ عاشوراء، فقال لهم رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((ما هذا اليوْم الَّذي تصومونه؟)) فقالوا: "هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغَرَّقَ فرعونَ وقومه، فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه"، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((فنحنُ أحقُّ وأوْلى بموسى منكم))، فصامه رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وأمر بصيامه؛ متَّفق عليه.

وورد في فضل صيامه أنَّه يكفِّر سنةً من الذنوب الصَّغائر؛ قال النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفِّر السَّنة التي قبله))؛ مسلم.

وتحقيقًا لمخالفة اليهود في إفْراد يوم عاشوراء بالصَّوم، يستحبُّ صيام اليوم التَّاسع معه؛ فعن ابن عبَّاس حين صام رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنَّه يوم تعظِّمه اليهود والنَّصارى، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((فإذا كان العام المقبل - إن شاء الله - صُمْنا اليوم التَّاسع "أي: مع العاشر"))؛ رواه مسلم.

فإن لم يتيسَّر التَّاسع، فالحاديَ عشر.

وإذا كان يوم عاشوراء يوم صيام وعبادة، فلا مجال لجعْلِه عيدًا يُحتفل به؛ جاء في صحيح مسلم عن أبِي موسى الأشعري - رضِي الله عنْه - قال: كان يوم عاشوراء يومًا تعظِّمُه اليهود وتتَّخذه عيدًا، فقال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((صوموه أنتم))؛ رواه مسلم.

قال ابن رجب: "وهذا يدلُّ على النَّهي عن اتِّخاذه عيدًا".

وكذلك لا يجوز اتِّخاذه مأتمًا، ومناسبة للطْم الخدود، وشقِّ الجيوب.

ومن البدع المستحدثة في هذا اليوم عند بعض الناس:
تخصيص ليلة عاشوراء بالصلاة.
تخصيص يومه بزيارة القبور.
تخصيص يومِه بالاغتسال، والاكتحال، والحناء.
الاحتفال بلُبس الجديد، وبشراء اللُّعب، والتوسُّع في الطعام، وتخصيصه بطعام معيَّن، أو طبخ اللَّحم المدَّخر من الأضحية، وغير ذلك ممَّا يجعله عيدًا.
استغلال بعض الجاهلات هذا اليوم للشعْوذة والتردُّد على السحرة.
استعمال بعض النِّساء للبخور في جنبات البيت خوفًا من الجن.
تخصيصه بالغناء والرَّقْص، وإشعال النيران، والتراشق بالماء.

ألْهمنا الله طريق السُّنن، وجنَّبنا سبيل البِدَع، والحمد لله ربِّ العالمين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25-03-2020, 03:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,816
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام الشتاء

أحكام الشتاء (2)

د. محمد ويلالي







عرفنا في الجمعة الماضية مجموعةً من الآداب والأحْكام المتعلِّقة بفصْل الشتاء، وعرفنا أنَّه فصْل مبارك، حتَّى قال فيه الحسن: "نِعمَ زمان المؤمن الشتاء"، وقال فيه عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: "مرحبًا بالشتاء، تتنزَّل فيه البركة، ويطولُ فيه اللَّيل للقيام، ويقصر فيه النَّهار للصيام".

وهذه آداب وأحكام أخرى، نودُّ التَّذكير بها حتى نكون على بيِّنة من أمرها:
1- ماء المطر طاهر، يجوز الوضوء منه؛ قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} [الفرقان: 48]، قال البغوي: "هو طاهرٌ في نفسه، مطهِّر لغيره".

2- ماء البَرَد - كالثلج - طاهر مطهِّر، يجوز أكله، وتذْويبه، والتوضُّؤ به، والدَّليل على طهارته: ما وردَ في دُعاء الاستفتاح عن أبي هُريرة - رضِي الله عنْه - قال: كان رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذا استفتح الصَّلاة، سكت هنيْهة، فقلتُ: بأبي أنت وأمِّي يا رسولَ الله، ما تقولُ في سكوتك بين التَّكبير والقِراءة؟ قال: ((أقول: اللهُمَّ باعِدْ بيْني وبين خطاياي كما باعدتَ بين المشْرق والمغرب، اللهُمَّ نقِّني من خطايايَ كما ينقَّى الثَّوب الأبيض من الدَّنس، اللهُمَّ اغسِلْني من خطايايَ بالماء والثَّلج والبرَد))؛ صحيح سنن النَّسائي.

3- إذا أصاب ثوبَك شيءٌ من الطين أو الوحل وصلَّيت فيه، فإنَّ صلاتَك صحيحة؛ لأنَّ الوحل طاهر، وقد كان جَماعة من التَّابعين "يخوضون الماء والطين في المطر، ثمَّ يدْخلون المسجد فيصلُّون".

وانتبِهْ إلى هذا الأثَر الجليل؛ لتعرف حالَ الرَّسول الكريم - صلَّى الله عليْه وسلَّم - مع صحابته في صلاتهم؛ قال أبو سعيد الخدري - رضِي الله عنْه -: "مُطِرنا ليلة إحدى وعشرين "أي: من رمضان"، فَوَكَفَ المسجد "سال؛ لأنَّ سقفه كان مصنوعًا من جريد النخل" في مصلَّى رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فنظرتُ إليه وقد انصرفَ من صلاة الصُّبح، ووجهُه مبتلٌّ طينًا وماء"؛ متَّفق عليه.

وذهب بعض العُلماء إلى أنَّ السنَّة للمصلي ألاَّ يَمسح جبهته في الصلاة، وهو محمول على ما إذا كان ما علق بالجبهة شيئًا يسيرًا، لا يمنع مباشرة الجبهة للأرْض، لكن ينبغي مراعاة نظافة فرش المسجِد في زماننا بإزالة ما يمكن أن يؤذِي المصلِّين.

4- إذا كان المطر غزيرًا يشُقُّ على المكلَّف، وكذلك إذا كثر الوحْل والزَّلَق والطِّين، ممَّا يصعُب المشْي عليه، وكذلك عند الرِّيح الشَّديدة الباردة - جاز الجمْع بين صلاتَي الظُّهر والعصر، والمغرب والعشاء، تقديمًا وتأْخيرًا؛ لحصول المشقَّة، "وقد جمع الرَّسول - عليه الصلاة والسلام - في المدينة بين الظهر والعصر، والمغرِب والعشاء"؛ رواه مسلم.

ولا يشترط نيَّة الجمع عند الإحرام بالصَّلاة الأولى؛ فقد ينوي الجمع بعد الفراغ من الأولى ما دام السَّبب موجودًا، ولا يشترط إخبار المأمومين بالجمْع، ويشترط التَّرتيب بين الصَّلاتين، ومن صلاَّهما غير مرتَّبتين ولو جهلاً أو سهوًا، أعاد الصلاة، ولا يصحُّ الجمع بين صلاة الجمعة والعصر؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لم يفعله مع وجود المقتضي.

وجمهور أهل العِلْم على أنَّه يؤذَّن لهما أذان واحد، ويقام لكل صلاة إقامة خاصَّة بها؛ كما فعله النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في عرفة ومزدلفة، وهو عام لكلِّ جمع بين الصَّلاتَين.

ولك أن تصلي سنَّة المغرب بعد صلاة العشاء مباشرة، وكذلك سنَّة الظهر بعد العصر مباشرة؛ لأنَّ وقت النَّهي عن الصلاة بعد صلاة العصر لم يدخل بعد، ولك أن توتر بعد صلاة العشاء مباشرةً، ولك أن تؤخِّره.

فإذا دخلت المسجد، ووجدت النَّاس يصلُّون العشاء بعد أن صلَّوا المغرب، فإنَّك تدخل مع الإمام بنيَّة المغرب.

فإذا كان المطر شديدًا، يشقُّ على الناس الخروج إلى المسجد، جازت صلاتهم في بيوتهم وأماكنهم؛ لحديث ابن عمر - رضِي الله عنْه - قال: كان رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ينادي مناديه في الليلة المطيرة، أو الليلة الباردة ذات الريح: ((صلُّوا في رحالكم))؛ صحيح سنن ابن ماجه.

5- يجوز للمصلِّي المسح على الخفَّين (ما يلبس في الرِّجل من جِلد)، وعلى الجورَبَين، في فصل الشتاء وغيره، سواءٌ كان شابًّا أم شيخًا، رجُلاً أم امرأة، إذا لبسهما بعد الوضوء، للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهنَّ، يَمسح باليد اليمنى على الرِّجْل اليمنى، وباليُسرى على اليسرى، ويجوز المسح بيدٍ واحدة عليْهما، يبدأ من أوَّل أصابع القدَم حتَّى أوَّل السَّاق مرَّة واحدة، ويقتصر على مسح ظاهِر الرجل لا على باطنها؛ لقول عليِّ بن أبي طالب - رضِي الله عنْه -: "لو كان الدين بالرَّأي، لكان أسفلُ الخفِّ أوْلى بالمسح من أعلاه، وقد رأيتُ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يمسح على ظاهر خفَّيه"؛ صحيح سنن أبي داود.

ولا يبتدئ المسحَ من أوَّل صلاة بعد لبسهما - كما يظنُّ كثيرٌ من النَّاس - بل يبتدئ من أوَّل مسحةٍ عليهما، ثمَّ يحسُب يومًا وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر.

ومَن نسي ومسح بعد تمام المدَّة، أعاد الصَّلاة التي صلاها بذلك المسْح.

وإذا كان على الجورَبين خروق وتمزيقات يسيرة، جاز المسْح عليهِما.

وإذا توضَّأ، ولبس الجوربين، ثمَّ صلَّى ونزعَهما، وبقي على وضوئِه، ولبسهما مرَّةً أخرى - لا ينتقض وضوءه، ويستمرُّ في المسح عليهما، ولو كرَّر ذلك عدَّة مرَّات.

وإذا لبس الجوربين على طهارة، ثم انتقض وضوءه، ثمَّ لبس فوقَهما جوربين آخَرين أو خفًّا، فإذا أراد المسْح مسح على الجورَبين الأوَّلين.

فإذا لبس الجورَبَين، ولبس عليْهِما خفًّا أو جورَبين آخرين، ثمَّ انتقض وضوءه، فهو بالخيار أن يمسح على الأسفَلَين أو الأعليَين، واللَّذان مسح عليهما، تعلَّق الحكم بهما.












الخطبة الثانية



من الدروس المستفادة من حلول فصل الشِّتاء أمور:
1- أنَّ تعاقب الفصول من أعظمِ الأدلَّة على وجود الله تعالى، الَّذي جعل تكْوير بعضِها على بعض تذكُّرًا للآخرة وقرب أجلها؛ قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان: 62].

قال عمر بن ذر: "الأيَّام إذا فكَّرت فيها ثلاثة: يوم مضى لا ترْجوه، ويوم أنت فيه ينبغي أن تغْنمه، ويوم في يدِك أملُه، فلا تغترَّ بالأمل، فتُخِلَّ بالعمل".


إِذَا مَا تَجَدَّدَ فَصْلُ الرَّبِيعِ تَجَدَّدَ لِلقَلْبِ فَضْلُ الرَّجَاءِ
عَسَى الحَالُ يَصْلُحُ بَعْدَ الذُّنُوبِ كَمَا الأَرْضُ تَهْتَزُّ بَعْدَ الشِّتَاءِ



فيا عجبًا لِمَن يعلق فشله وكسلَه على شدَّة الحرّ، وشدَّة البرد:


إِذَا كَانَ يُؤْذِيكَ حَرُّ المَصِيفِ وَيَبْسُ الخَرِيفِ وَبَرْدُ الشِّتَا
وَيُلْهِيكَ حُسْنُ زَمَانِ الرَّبِيعِ فَأَخْذُكَ بِالحَزْمِ قُلْ لِي: مَتَى؟!



2- بعض النَّاس تراه مشمِّرًا عند دخول فصل الشِّتاء، فيتهيَّأ له بالملابس السَّاخنة، وأدوات التَّدفئة، دون أن يتذكَّروا حرارة الآخرة وزمْهريرها.

يقول الغزالي: "وأكْثر النَّاس لم يدخلِ الإيمان باليوم الآخر صميمَ قلوبهم، ولم يتمكَّن من سويداء أفئِدتهم، ويدلُّ على ذلك شدَّة تشمُّرهم واستعدادهم لحرّ الصَّيف وبرد الشتاء، وتَهاوُنهم بحرِّ جهنَّم وزمهريرها".

ثم قال: "فلا يندفع حرُّ النَّار وبرْدها إلاَّ بحصْن التَّوحيد وخندق الطَّاعات".

وقيل لأبي حازم الزَّاهد: إنَّك لتشدِّد (يعني في العبادة) فقال: "وكيف لا أشدِّد وقد ترصد لي أربعة عشر عدوًّا"، قيل له: لك خاصَّة؟ قال: "بل لجميع مَن يعقل"، قيل له: وما هذه الأعداء؟ قال: "أمَّا أربعة: فمؤمِن يحسدني، ومنافق يُبغضني، وكافر يُقاتلني، وشيْطان يُغْويني ويضلُّني، وأمَّا العشرة: فالجوع، والعطَش، والحرّ، والبرد، والعري، والمرَض، والفاقة، والهرَم، والموت، والنَّار، ولا أطيقهنَّ إلاَّ بسلاح تامّ، ولا أجد لهنَّ سلاحًا أفضل من التَّقوى".

3- وشدَّة برد الشتاء تذكير بحال الفقراء الذين قد لا يجدون ما يسترون به أبدانهم، قال الأصمعي: "كانت العرَب تسمِّي الشتاء: الفاضح".

رأى مِسْعر أعرابيًّا يتشرَّق في الشَّمس وهو يقول:


جَاءَ الشِّتَاءُ وَلَيْسَ عِنْدِي دِرْهَمُ وَلَقَدْ يُخَصُّ بِمِثْلِ ذَاكَ المُسْلِمُ
قَدْ قَطَّعَ النَّاسُ الجِبَابَ وَغَيْرَهَا وَكَأَنَّنِي بِفِنَاءِ مَكَّةَ مُحْرِمُ



فنزع مسعر جبَّته فألبسه إيَّاها.

وخرج صفوان بن سليم في ليلة باردة بالمدينة من المسجد، فرأى رجُلاً عاريًا، فنزع ثوبه وكساه.
ورُفع إلى بعض الوُزراء الصَّالحين أنَّ امرأةً معها أربعة أطْفال أيتام، وهم عراة جياع، فأمر رجُلاً أن يمضي إليهم، وحمل معه ما يُصْلِحهم من كسوةٍ وطعام، ثمَّ نزع ثيابَه، وحلف قائلاً: "لا لبستُها ولا دفئت حتَّى تعود وتُخبرني أنَّك كسوتهم وأشبعْتَهم"، فمضى وعاد فأخبره أنَّهم اكتسَوا وشبعوا، و هو يرعد من البرد، فلبس حينئذ ثيابَه.

4- ولا تنْسَ وصيَّة النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بإبعاد النَّار ووسائل التدْفِئة من مكان النَّوم؛ خشيةَ الاحتراق أو الاختناق؛ فعن أبي موسى الأشعري - رضِي الله عنْه - قال: احترق بيتٌ بالمدينة على أهله من اللَّيل، فحُدِّثَ بشأنِهم النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فقال: ((إنَّ هذه النَّار إنَّما هي عدوٌّ لكم، فإذا نِمْتُم فأطفئوها عنكم))؛ متَّفق عليه.

وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا تتركوا النَّار في بيوتِكم حين تنامون))؛ متَّفق عليه.

والحمد لله ربِّ العالمين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.09 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (3.04%)]