|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الحب ضيع قلبي آمنة بنت عبدالله بن محمد كم قتل الحب من قتيل! وكم أحيا من قلبٍ حياةً زاخرة بمشاعرَ لا واقع لها! حياة تدور حول الحِبِّ وإقباله وإدباره، حياة لا يهدأ فيها المحب حتى يتيقَّن رضا المحبوب. والويل للمحبّ من قلبِه إن خيِّل إليه أنَّ حبيبه قد أدْبر عنه أو هجره، أو غضب منه أوِ ارْتضى غيره خدنًا. إنَّ دماءَه تتقاذف في عُروقه تقاذُف حمم البركان، حتى لَيُخيل إليه أنَّ دماءه الحارقة ستفجِّر عروقه عما قريب، غضبًا على نفسه إن قصرت، أو على المحبّ إن بدا هجره. ويا لها من حياة سوء أن تبحث عن قلبِك فتجده متعلقًا بأهداب الحبيب فَرَقًا[1] من غضبه، أو خوفًا من فراقه! ويا له من غمّ وهمّ وحزن لا ينجلي أحدها إلا مُؤْذِنًا بنزول الآخر بوطأةٍ أشدَّ، وقلبٍ أكثر تشتتًا وانزعاجًا! ويأبَى الحبُّ إلاَّ أن يضع بصماتِه الواضحةَ على جسد المحبِّ، وإن حاول كتمَه وإخفاءَه: وَلِلحُبِّ آيَاتٌ تَبَيَّنُ بِالفَتَى شُحُوبٌ وَتَعْرَى مِنْ يَدَيْهِ الأَشَاجِعُ[2] وما أشدَّ جزعَ المحب إن بدا له أن حبيبَه لا يشاركه حُبَّه كما يحب؛ فيشم رائحة احتِراق كبده وهو ساكن لا حيلةَ له، ويعيش مع الأموات وإن عدَّه الناس حيًّا من الأحياء! كَفَى حَزَنًا عَن لا تَحِنّ جِمَالُكُمْ إِلَيَّ وَقَدْ شَفَّ الحَنِينُ جِمَالِيَا وَعَن لا أَرَى شَوْقًا إِلَيَّ يَصُورُكُمْ وَلا حَاجَةً مِنْ تَرْكِ بَيْتِيَ خَالِيَا[3] كَم تيَّم الحبُّ من محبٍّ حتَّى أهلكه، وكم ضيَّع من أُناس لولاه لكان للتاريخ معهم شأن. يَقُولُونَ: جَاهِدْ يَا جَمِيلُ بِغَزْوَةٍ وَأَيَّ جِهَادٍ غَيْرَهُنَّ أُرِيدُ[4] آهٍ منك أيها الحب! ماذا صنعت بمهج الشَّباب حتَّى جرت ألسنتُهم بشعر يمزِّق القلب ألمًا وحزنًا بأشعار ما استطاع التاريخ أن ينساها، ولا ملَّ النَّاسُ ترْدادها؟! إنَّه من العجيب - حين تقلب أشْعارهم وقصصهم - أن تَجِد المحِبَّ يُحاول كتْم حبِّه، فيأبَى الحبُّ إلاَّ أن يفضحه بين النَّاس! خَلِيلَيَّ مَا أُخْفِي مِنَ الوَجْدِ ظَاهِرٌ وَدَمْعِي بِمَا أُخْفِي الغَدَاةَ شَهِيدُ[5] وكل محب يُرَوِّعُه خيالُ الفراق، ويرى فيه شبح الموت، فلا يزال يحْيا في قلق منه وخوف. جَادَتْ بِأَدْمُعِهَا لَيْلَى وَأَعْجَلَنِي وَشْكُ الفِرَاقِ فَمَا أُبْقِي وَمَا أَدَعُ[6] وكلُّ محبٍّ تهيجه الذكرى، وتطير بما تبقى من صبره، وتذهب تجلُّده. وَأَذْكُرُ أَيَّامَ الحِمَى ثُمَّ أَنْثَنِي عَلَى كَبِدِي مِنْ خَشْيَةٍ أَنْ تَصَدَّعَا[7] وكل محب يطربه اسمُ المحب ويعلو به حتَّى وإن كان المنادَى به غير الحبيب. إِذَا دَعَا بِاسْمِهَا دَاعٍ لِيَحْزُنَنِي كَادَتْ لَهُ شُعْبَةٌ مِنْ مُهْجَتِي تَقَعُ[8] وكل بيت شعرٍ يقوله المحب عن حاله وحبه قد خلطه بروحه خلطًا، حتَّى كأنَّك أنت المحبّ الَّذي نكبه الدَّهر لا هو! فلا يزال شعره جديدًا ولا تزال تجربتُه حيَّةً شامخةً تزلزل كوامن القلوب، وحين تتحدَّث الروح فلا أبلَغ مِن لسانِها. عجبًا منها! كم فضحت أصحابَها فضحًا، وأجْرت على ألسنتهم ما جَهِدوا كتْمَه وإسراره! أيُّها الشَّابّ، إنَّه لا بدَّ من الحبّ في كلّ قلب، فاسأل الله أن يقْلب قلبك فيما يحبه ويرضاه، وأن لا يشغله بأحدٍ سواه. وإنِ ابتُليت بحبّ كاد يضيِّع عليك قلبك، فتصنَّع حبَّ النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابِه، واقرأ قصص الرَّعيل الأوَّل وابكِ تأثُّرًا، فإن لم تستطِع فأجهِدْ قلبَك أن تتباكى؛ لعلَّ الله يرحَمك برحمة منه تصرِف قلبك إلى ما يحبُّه ويرضاه. أيُّها المحب، إنَّ من المصيبة أن تعلم أنَّه ليس لك إلاَّ قلبٌ واحد وعمرٌ واحد، ثمَّ ينصرِمان خلف أحدهما، فاجتهد أن تستذكِر نهاية عمرك، وزوال هذا الشَّباب وهذه الحياة. أيُّها المحب، إنَّ الحبَّ أغلبه خيال محْض، والواقع أبعد من الخيال وأقلّ منه بكثير، وكم جمَّل الحبُّ من قبيح! فتأمل مقابح حبيبِك، واحذَرْ خيالك، لا يشطحنَّ بك فيرديك. أيُّها المحبّ، لستَ بدعًا من النَّاس في حبِّك، ولستَ أنت أوَّلَ مصاب في قلبِه، فاقرأ سِيَر المحبِّين والعاشقين، وتأمَّل أدبَهم؛ فإنَّ في شعرهم وأثرهم فائدةً وسلوة وعزاءً. أيُّها الشاب، تقرَّب إلى الله بمحبَّته، صلِّ وأنت تستشعِر أنَّك تصلِّيها حبًّا لله - تعالى - ابتعِدْ عمَّا لا يحبُّه الله ورسولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - حبًّا لله تعالى. أيُّها المحبّ، عِشْ مع القرآن الكريم، وجاهِدْ أن تزيد رصيدَك من محبَّة الله وخشيته بمعرفة أسمائه وصفاته وآلائه؛ فإنَّه - تعالى - يقول: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وحريّ بك أن ينصرِف قلبُك إلى محبَّة الحبيب الكبير إن عرف عظمته. أيُّها المحبّ، اصرخْ في نفسك دومًا: إني أحبُّ الله، إني أحبُّ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إنّي أحبّ أصحاب رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إنّي أحبُّهم حبًّا جمًّا. وتأكَّد أنَّ الله إن علِم صِدْقَك في صرْف قلبِك إليه، سيعينُك ويَهديك ويريحُ بالَك؛ قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]. اللهُمَّ املأْ قلوبَنا بحبِّك وحبِّ مَن يحبُّك، وحبّ العَمل الَّذي يقرِّبُنا إلى حبِّك. ــــــــــــــــــــ [1] خوفًا. [2] الأشاجع: عروق ظاهر الكف، واحدها: أَشْجَع. البيت لقيس بن ذريح، "الأمالي لأبي علي القالي" - رحمه الله - المكتبة العصرية، بيروت، ص: (554). [3] لسَيَّار بن هبيرة، ذيل الأمالي، (627). [4] لجميل بن معمر (جميل بثينة)، الأمالي، (539). [5] لجميل بثينة، المصدر السابق، (538). [6] لجميل أيضًا، المصدر السابق، (127). [7] للصِّمَّة بن عبدالله القُشَيري، المصدر السابق، (186). [8] لرجل من بني جعدة، المرجع السابق، (515).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |