|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الهاتف بين النعمة والنقمة الرهواني محمد الخطبة الأولى الحمد لله، الحمد لله أبدعَ ما أوجدَ، وأتقنَ ما صنَعَ، وكلُّ شيءٍ لجبروته ذلَّ ولعظمته خضَعَ، سبحانه وبحمده في رحمته الرجاء، وفي عفوِه الطمعُ، وأُثنِي عليه وأشكُره؛ فكم من خيرٍ أفاضَ ومكروهٍ دفَع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُالله ورسوله أفضلُ مُقتدًى به وأكملُ مُتَّبَع، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه أهل الفضلِ والتّقَى والورَع، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ولنهجِ الحق لزِم واتَّبَع، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. إن من نعم الله جل جلاله على الناس في هذا الزمان أن يسر لهم الاتصال فيما بينهم دون مشقة أو عناء سواء بعدت المسافة فيما بينهم أو قربت، بل أصبح بإمكان المرء أن يكلم من يريد وفي أي وقت يريد وفي أي مكان يريد، وذلك عن طريق ما يعرف بالهاتف، الذي أصبح أهم وسيلة من وسائل الاتصال الحديثة، وسمة من سمات التقدم التقني والصناعي. والملاحظ أننا أصبحنا نعيش في زمن سيئ فيه استخدام هذه الوسيلة واستعمالها استعمالاً خاطئًا ومناف للأخلاق والآداب. لذلك آثرتُ الحديث في هذا اليوم المبارك، ومن هذا المنبر عن الهاتف، فجعلت موضوع خطبة اليوم تحت عنوان "الهاتف بين النعمة والنقمة"، مستعينا في ذلك بالله وسائلا منه التوفيق، (وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب). • الهاتف له خدمات منافعها كثيرة وعطاؤها غزير، وهو سلاح ذو حدين، حاله في ذلك حال كثير من المصالح العامة الأخرى يستخدم للخير وقد يستخدم للشر، فاستخدامه تابع لنيات المستخدم، إن كانت خيرًا فخير وإن كانت شرًا فشر، فمن أحسن استعمال الهاتف وأحسن توظيفه، فهو مصدر خير وعلم ومعرفة وهداية ودعوة وصلة وتطور وتقدم، - ومن أصر على سوء استخدامه وتوظيفه، فهو مصدر لشرٍ عظيم. فإذا أدركنا ذلك وجب علينا أن نقرر أي الاستخدامين سنختار؟ هل نستخدم الهاتف في الخير والنفع فيكون نعمة؟ أم نستخدمه في الشر والفساد ومن ثم يكون نقمة؟ العاقل هو من يطوع هذه الوسيلة لتخدم خيره ودينه ومجتمعه فيما يرضي الله، فيكونَ عند الله شاكرا للنعمة غير جاحد، أما من يجعل من الهاتف بابا للفساد والإفساد والضلال والغي، فقد أخرجه تماما من دائرة الخير وجعله نقمة عليه ووبالا على آخرته وخاتمته، وكان بذلك ناكرا للنعمة جاحدا لفضل الله.. من منافع وإيجابيات الهاتف أيها المؤمنون، أنه يسهل التواصلَ بين الناس، ويقرب الغائب من أهله فيطمأن عليهم وكأنه بينهم، وفي لحظات يسيرة نصل به الأرحام البعيدة، ويقرب المعلوماتِ الضروريةَ التي يحتاجها الإنسان، وتبرم من خلاله المواعيد والصفقات التجارية، وتعقد الاجتماعات. فالهاتف بجميع خدماته يقوم بدور مهم، ويقدم خدمات عظيمة، ويوفر جهدا كبيرا، سواءً في الوقت أو المال، أو دفع مشقة الذهاب والإياب، فهذه كلها تدخل في باب النعم التي يتفضل الله جل جلاله بها على الناس، قال سبحانه: ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]. نعم والله إن الإنسان لظلوم كفار، فرغم إيجابيات الهاتف، فإن كثيراً من الناس قد أساءوا استخدامه، فحولوه من خير إلى شر، ومن نعمة إلى نقمة، أصبح الهاتف عند كثيرٍ منهم مضيعةً للوقت والمال بل ولأذية الناس، بعض الناس لا يحسنون التعامل مع الهاتف، ولا يحسنون تسخيره في الاستخدام الأمثل والأصلح في النفع الديني والدنيوي بل وحتى الإنساني. الهاتف معاشر الآباء والأمهات شابَ استعماله بعض التصرفات الخاطئة، فتحول من جهاز نتواصل به ومن خلاله إلى جهاز وفساد وإفساد، فتجد بعضهم قد جعل هاتفه مركزا لاستقبال وإرسال الأصوات والصور والمناظر المحرَّمة، فهو لم يكتفِ بتحمُّل وزر نفسه، بل حمَّل نفسه أضعاف هذا الوزر ممن أرسل إليهم تلك الرسائل أو المقاطع المحرَّمة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثلُ آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا). الهاتف تحول إلى جهاز فتنة، فليس من الإسلام أن نرى امرأة في الطريق العام تكلم من تكلم بصوت مرتفع، وضحكات مسموعة، وحركات غريبة شاذة، فللمرأة في ديننا حياؤها، وللمرأة في ديننا وقارها. الهاتف تحول إلى جهاز قتل وذلك أن بعض سائقي السيارات هدانا الله وإياهم ينشغلون بالهاتف عند السياقة، إما بالاتصال أو بالردِّ على المكالمات، مما يترتب على ذلك حدوثُ بعض الحوادث التي ربما تؤدي إلى الموت والهلاك، والله سبحانه يقول: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29]. الهاتف تحول إلى جهاز إزعاج وفتنة، هذه الفتنة لم تسلم منها حتى المساجد التي هي بيوت الله ومكان العبادة والتقرب الى الله، المساجد التي قال عنها رب العزة جل جلاله: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾ [النور: 36].- المساجد التي من تعظيمها يخبر خير خلق الله صلى الله عليه وسلم أنها لا تصلح إلا للصلاة والذكر وقراء القرآن، ومن ثم فتعظيمها أمر مطلوب وأدب مرغوب، وصوت الهاتف فيها يكدِّر مسامع المصلين، بل يفتنهم ويقطع عنهم خشوعهم. • أين تعظيم بيوت الله يا عباد الله؟! أين تعظيم شعائرِ الله؟!والله جل جلاله يقول: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]. بعض المطاعم الراقية في باريس أصبحت تمنع إدخال الهواتف لكي لا ينزعج الزبائن الوافدون على هذه المطاعم، ومساجدنا تنتهك حرماتها بالنغمات الموسيقية والرنات الصاخبة. فلا تكاد تدخل مسجدا من المساجد لتؤدي فريضة من الفرائض، وخاصة عند إقامة الصلاة، إلا وتسمع الرنات والنغمات التي تنبعث من الهواتف من هناك وهناك، فتسمع العجب العجاب، نغمة هنا، ورنة هناك، وكأنك في حديقة عامة، أو كأنك في سوق من الأسواق حتى صار المصلي بدل أن يعيش بقلبه وروحه مع أيات القرآن، أصبح يُنقل فكره وعقله بين أصوات ونغمات الهواتف، بدل أن يركع المصلون ويسجدون على تكبيرات الإمام، أصبحوا لا يركعون ولا يسجدون إلا على رنات الهواتف، فلا يكاد يُسْكِت هذا هاتفه إلا وينطلق هاتف آخر بنغمة أو رنة مشابهة أو مغايرة تهز جوارح المصلين، بل تهز أركان المسجد في وقت يكون المصلي في أشد الحاجة إلى الخشوع والاطمئنان في الصلاة لمناجاة رب العالمين. النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التشويش على المصلِّين ولو بقراءة القرآن، روى أحمد عن أبي سعيد الخدري، قال: (اعتكف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، وهو في قُبَّة له، فكشف الستور، وقال: ألا كُلُّكم مُناجٍ ربَّه، فلا يؤذِيَنَّ بعضكم بعضًا، ولا يَرفعنَّ بعضكم على بعض في القراءة أو قال: في الصلاة). فإذا كان رفع الصوت بقراءة القرآن يُنهى عنه لأنه يُشوِّش على المصلين؟ فكيف بمن يشوِّش عليهم بصوت هاتفه؟! • إذا كان هذا حكم الجهر بالقرآن في المسجد بحضرة المصلين؟ • فماذا يقال في رنات وأصوات الهواتف في المسجد؟ إن هذا السلوك قد يوهم أنه ليس للمسجد قداسة ولا حرمة ولا للمصلين قدر ولا وزن ولا حتى حق الاحترام في حضرة ذي الجلال والإكرام عند أصحاب الهواتف. الخطبة الثانية الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. من المصائب التي عمت وانتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة حمل الأطفال للهواتف وامتلاكهم لها، فلقد صار الهاتف في أيدي الكثيرِ من الأطفال الذين هم دون سن البلوغ، بل صاروا يتهافتون عليه تهافتَ الفراش على النار، ويتفاخر الآباء والأمهات أحيانا بأن ولدهم الذي لم يكمل الثامنة أو العاشرة من عمره له هاتفه الخاص. ومن هنا ظهر من الفسادِ والإفساد والمنكرات ما الله به عليم، هذه الهواتف التي أصبحت تحمل تقنيات متطورة (الكاميرا وإرسال الصور ومقاطع الفيديو والبلوتوث والواتساب) وبدل أن تستغل هذه التقنية في النفع والصلاح، أصبح الأطفال يوظفونها في نقل وإرسال واستقبال الفضائح من صور إباحية ومقاطع فيديو خليعة وأفلام تروج الزنا والفواحش. فالمسئول الأول عن ذلك هم الآباء الذين يبيحون لأولادهم التصرف في الأموال كيف رغبوا، المصيبة أن يُعْطَى الهاتف لمن عُلم طيشُهم، وسوءُ تصرفِهم، وقلةُ دينِهم، فهذا هو الذي يسبب المفاسد والمنكرات، والله سبحانه يقول: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 5]. قال الإمام السعدي رحمه الله:السفهاء جمع سفيه، وهو من لا يحسن التصرف في المال، إما لعدم عقله كالمجنون والمعتوه ونحوهما، وإمَّا لعدم رشده كالصغير وغير الرشيد، فنهى الله الأولياءَ أن يؤتوا هؤلاء أموالهم خشية إفسادها وإتلافها. فإذا كان الله نهى إعطاءَ السفيهِ المالَ خشيةَ إتلافِه وإفسادِه، فإعطاءُ الهاتف لمن يُخشى عليه أو عليها الفسادُ والفتنةُ أعظم، لما يحدث بسبب ذلك من المنكرات والمفاسد الفتن والهلاك. لهذا فليتق اللهَ الآباءُ في أولادهم، فهم المسئولون عليهم، فهم أمانة عندكم أيها الآباء، يجب عليكم الحفاظ عليهم، والسعي في إنقاذهم من النار وغضبِ الجبار، قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع). ومن هذا المنبر أقول: يا ولي الأمر، سواء كنت أباً أو أماً أو أخاً أو أختاً، أنت المسئول عن ذلك كله، فأنت كمن وضع النار بجوار البنزين ولا تريد أن يحدث حريق، فقد سهلت لولدك شراء جهاز الهاتف بهذه المواصفات، بل بفعلتك جعلته يتمادى في نقل المحرمات، -بل بعدم اهتمامك كأنما دعوته إلى تعلّم الفاحشة والرذيلة منذ صغره حتى يشب عليها، فتصبح أنت كمن هيأه لهذه الثقافة والتنشئة التي لا بد وأن تنعكس عليه وأن ترى أثرها ولو بعد حين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |