|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() فهوم الاختيار والترجيح والفرق بينهما في الاستعمال الفقهي أ. د. أركان يوسف حالوب العزي الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد: فلمَّا رأيت بعضًا من طلبة العلم يَخلِطون بين لفظَي: الاختيار والترجيح، بحسب ما يَرِدُ على ألسنة الفقهاء في مَعرِض ذِكْر الخلاف الفقهيِّ في مسألةٍ ما، حتى ينتهي الفقيه إلى ذِكْر القول الذي يذهب إليه فيها؛ فمنهم مَن يُسمِّي فعلَه هذا: اختيارًا، والآخَر يسمِّيه: ترجيحًا، على وجه الإطلاق، دون النظر إلى وجود الفرق بين المفهومين وعدم ترادفهما، فوددتُ أن أبيِّن في هذه العجالة الفرقَ بين الاختيارِ والترجيح، والنسبة المنطقيَّة بين المفهومين، فأقول وبالله التوفيق: الاختيار في اللغة: مشتقٌّ من الخير؛ وهو خلاف الشرِّ؛ قال ابن فارس: (الخاء والياء والراء: أصله العطف والميل)[1]، وخار الرجل على صاحبه خيرًا، وخِيرةً، وخِيَرَةً: فضَّله على غيره[2]. قال الكفوي: (الاختيار: الإرادة مع ملاحظة ما للطرف الآخَر، كأنَّ المختار ينظر إلى الطرفين، ويميل إلى أحدهما)[3]. والاختيار وَرَدَ في القرآن يراد به الانتقاء والاصطفاء، كما قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ [طه: 13]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((تخيَّروا لنُطَفِكم، فانكحوا الأكْفَاء، وأنكحوا إليهم)). أي: تكلَّفوا طلب ما هو خير المناكح وأزكاها وأبعدها عن الخبث والفجور[4]. فالاختيار إذًا هو تكلُّف طلب ما هو خير، أو هو: طلب ما فعله خير[5]. وأمَّا في اصطلاح الفقهاء، فقد عرف الاختيار بأنه: (ترجيح الشيء وتخصيصه وتقديمه على غيره)[6]. وهذا التعريف فيه نظر؛ فإن مِن شرط التعريف أن يكون المعرِّف منطبقًا على تمام معنى المعرَّف، وتعريف الاختيار بالترجيح لا يستقيم إن عَرَفْنا أن معنى الترجيح أخصُّ من الاختيار، ويتضح هذا جليًّا بالوقوف على معنى الترجيح في اللغة والاصطلاح. فالترجيح في اللغة: مصدر رجح؛ يقال: رجَح الشيء، إذا زاد وزنُه، ورجَّحت الشيءَ - بالتثقيل -: فضَّلته وقوَّيته، وأرجحت الرجلَ - بالألف -: أعطيته راجحًا[7]. قال ابن فارس: (الراء والجيم والحاء: أصل واحد يدلُّ على رزانة وزيادة؛ يقال: رجح الشيء وهو راجح، إذا رزن، وهو من الرُّجحان)[8]. والترجيح في الاصطلاح هو: (تقوية أحد الطريقين على الآخَر؛ ليُعلم الأقوى فيُعمل به، ويُطرح الآخَر)[9]. ومن خلال النظر في تعريف الاختيار والترجيح، نجد أنَّ لفظ الاختيار أعمُّ من لفظ الترجيح، فبينهما عموم وخصوص مطلق؛ فكلُّ ترجيح اختيار، وليس كلُّ اختيارٍ ترجيحًا؛ ذلك لأنَّ الاختيار هو مطلق الميل إلى أحد الأقوال دون ذِكْر ما له من مزية على القول الآخَر، بينما الترجيح هو تقوية أحد الطرفين على الآخَر، ولا بد أن يكون لهذه التقوية من دليل، أو ذِكر ما له على الآخَر من مزية؛ ليُطرح، ويَسلَم الأول. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلِّ اللهم وبارك على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليمًا كثيرًا. [1] مقاييس اللغة؛ لابن فارس 2/ 232. [2] لسان العرب 4/ 264، القاموس المحيط 1/ 497. [3] الكليات؛ للكفوي 1/ 62. [4] فيض القدير شرح الجامع الصغير؛ للمناوي 3/ 237. [5] التحرير والتنوير؛ لابن عاشور 16/ 104. [6] كشاف اصطلاحات الفنون؛ للتهانوي، ص 50. [7] المصباح المنير 1/ 219. [8] مقاييس اللغة؛ لابن فارس 2/ 489. [9] المحصول في علم الأصول؛ للرازي 5/ 529.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |