خلق الاعتذار - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4862 - عددالزوار : 1821637 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4428 - عددالزوار : 1170677 )           »          شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 531 - عددالزوار : 302026 )           »          محمود شاكر (شيخ العربية) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 86 )           »          داود وسليمان عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 64 )           »          أحداث في غزوة خيبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          شبهات حول موقف الأمويين من الإسلام والردود عليها (pdf) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          غزوة خيبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          من أقدار الله في التاريخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          دعوة الملوك إلى الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-01-2021, 04:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,340
الدولة : Egypt
افتراضي خلق الاعتذار

خلق الاعتذار


وزارة الأوقاف والشؤون الدينية




عناصر الخطبة

1/ الخطأ طبيعة بشرية 2/ الاعتذار حسنة تُدرأ بها السيئات 3/ الفوائد الاجتماعية للاعتذار 4/ رفض الاعتذار خطأ كبير 5/ تربية الأبناء على خلق الاعتذار 6/ الاعتذار المذموم ومعناه



اقتباس

إِنَّ الاعتِذَارَ حَسَنَةٌ تُدْرأُ بِها السَّيِّئَاتُ، وتُعْمَرُ بِها أُسُسُ المَوَدَّاتِ، والاعتِرَافُ بِالخَطَأ دَلِيلٌ عَلَى نُبْلِ النَّفْسِ ورُقِيِّها، وسَمَاحَةِ الأَخْلاَقِ وسُمُوِّها، ونُضْجٍ فِي العَقْلِ والتَّفْكِيرِ، ورَغْبَةٍ فِي الصَّلاَحِ والتَّغْيِيرِ، إِنَّ المُؤمِنَ الحَقَّ لاَ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ غَضَاضَةً فِي الرُّجُوعِ لِلْحَقِّ، والإِقْرارِ بِالذَّنْبِ فِي شَجَاعَةٍ وصِدْقٍ، طَلَباً لِلْعَفْوِ والصَّفْحِ والغُفْرانِ، سَواء كَانَ خَطَؤُهُ فِي جَنْبِ اللهِ أَم كَانَ فِي حَقِّ إِنْسَانٍ…










الخطبة الأولى:


الحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وجَمَّلَهُ بِالخُلُقِ الكَرِيمِ، وتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ والعَفْوِ العَظِيمِ، سُبْحَانَهُ تَفَرَّدَ بِالعَظَمَةِ وَالجَلاَلِ، وتَقَاصَرَ خَلْقُهُ عَنْ بُلُوغِ الكَمَالِ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، شَرَعَ لِلْمُخْطِئينَ مِنْ عِبَادِهِ الاعتِذَارَ، ونَهَاهُمْ عَنِ العِنَادِ والإِصْرَارِ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، عُرِفَ بِالصَّـفْحِ عَنِ المُخْطِئينَ، وَوَسِعَ حِلْمُهُ جُمُوعَ المُعتَذِرينَ، أَرْسَلَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَهَادِياً إِلَى الحَقِّ المُبِينِ، صلى الله عليه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي -جَمْعَ المُؤمِنينَ- بِلُزُومِ مَنْهَجِ المُتَّقِينَ، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ دَاعِيَةٌ إِلَى سَبِيلِ الطَّاعَاتِ، ودَلِيلٌ إِلَى سَبِيلِ القُرُبَاتِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

واعلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ الخَطَأَ طَبِيعَةٌ بَشَرِيَّةٌ، وصِفَةٌ آدَمِيِّةٌ، فَلاَ مَعْصُومَ إِلاَّ الأَنْبِياءُ والمُرْسَلُون، غَيْرَ أَنَّ التَّوْبَةَ والاعتِذَارَ مِنْ أَخْلاَقِ المُؤمنِينَ، ومِنْ صِفَاتِ الأَبْرارِ الخَيِّرِينَ، قَالَ تَعالَى فِي وَصْـفِهمْ: (وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ)، إِنَّهُمْ يُخْطِئُونَ ولَكِنَّهُمْ يَعتَرِفونَ ويَتُوبُونَ، ويَستَغفِرونُ ويَعتَذِرونُ، إِنَّهُ الاستِعلاَءُ عَلَى كِبْرِ النَّفْسِ ورَغْبَتِها فِي التَّبْرِيرِ وحُبِّ الجِدَالِ.

إِنَّ الاعتِذَارَ حَسَنَةٌ تُدْرأُ بِها السَّيِّئَاتُ، وتُعْمَرُ بِها أُسُسُ المَوَدَّاتِ، والاعتِرَافُ بِالخَطَأ دَلِيلٌ عَلَى نُبْلِ النَّفْسِ ورُقِيِّها، وسَمَاحَةِ الأَخْلاَقِ وسُمُوِّها، ونُضْجٍ فِي العَقْلِ والتَّفْكِيرِ، ورَغْبَةٍ فِي الصَّلاَحِ والتَّغْيِيرِ، إِنَّ المُؤمِنَ الحَقَّ لاَ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ غَضَاضَةً فِي الرُّجُوعِ لِلْحَقِّ، والإِقْرارِ بِالذَّنْبِ فِي شَجَاعَةٍ وصِدْقٍ، طَلَباً لِلْعَفْوِ والصَّفْحِ والغُفْرانِ، سَواء كَانَ خَطَؤُهُ فِي جَنْبِ اللهِ أَم كَانَ فِي حَقِّ إِنْسَانٍ، قَالَ تَعالَى مَادِحاً عِبَادَهُ المُؤمِنينَ: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، وَعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه- أَنَّهُ قَالَ: (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وخَيْرُ الخَطَّائينَ التَّوابُونَ).

هَذَا؛ وإِنَّ لِلاعتِذارِ فَوائِدَ اجتِمَاعِيَّةً، فَهُوَ يُضَمِّدُ جِرَاحَ الشَّحنَاءِ، ويُزِيلُ العَدَاوَاتِ والبَغْضَاءَ، عَلاَوةً عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَهْذِيبٍ لِنَفْسِ الإِنْسَانِ، وكَبْحٍ لِدَوافِعِ الحِقْدِ والعِصْيَانِ، فَتَظْهَرُ أَخْلاَقُ فَاعِلِهِ سَهْلَةً رَاقِيَةً، ويَجْعَلُ هِمَّتَهُ بَنَّاءَةً عَالِيَةً.

ولَقَدْ حَكَى لَنَا القُرآنُ الكَرِيمُ صُوَراً مِنْ عَواقِبِهِ الحَمِيدَةِ، ومَا أَورَثَهُ لأَصْحَابِهِ مِنْ حَيَاةٍ سَعِيدَةٍ، ومَا خَلَّدَهُ لَهُمْ مِنْ ذِكْرَيَاتٍ عَطِرَةٍ مَجِيدَةٍ، فَهَذِهِ مَلِكَةُ سَبأٍ مَنَّ اللهُ عَلَيْها فَأَشْرَقَتْ فَضَائلُ الفِطْرَةِ فِي قَلْبِها، وتَحَكَّمَ صَحِيحُ العَقْلِ فِي مَوقِفِها، فَأَعلَنَتْ للهِ رُجُوعَها ومَتَابَها، وَصَرَّحَتْ بِنَدَمِها واعتِذَارِها، فَخَلَّدَ اللهُ ذِكْرَها فِي الخَالِدِينَ، وأَدْخَلَها بِرَحْمَتِهِ فِي عِبَادِهِ المُؤمِنينَ، قَالَ -سُبْحَانَهُ وتَعَالَى-: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

وَحَكَى اللهُ عَنْ رَسُولِهِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ).

وَإِذَا كَانَ الاعتِذَارُ مَطْلَباً أَخْلاَقِيّاً عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي الزَّلَلِ، فَإِنَّ رَفْضَهُ مِمَّنْ جَاءَ بِهِ مِنَ الخَطَأِ الجَلَلِ، إِذْ إِنَّ مِنْ صِفَاتِ عِبَادِ اللهِ المُؤمنِينَ، وشِيَمِ أَولِيَائِهِ المُتَّقِينَ، العَفْوَ عَنِ الأَخْطَاءِ والزَّلاَّتِ، والحِرْصَ عَلَى مَا يَحفَظُ لُحْمَةَ العَلاَقَاتِ، ويَكْفُلُ لِلْمُجتَمَعِ تَرابُطَهُ بِأَوثَقِ الصِّلاَتِ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعالَى رَسُولَهُ -صلى الله عليه وسلم- بِالعَفْوِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)، وَقَالَ -تَبَارَكَ وَتَعالَى-: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وَوَصَفَ عِبَادَهُ المُؤمنِينَ بِقَولِهِ: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وَجَاءَ التَّحْذِيرُ مِنْ رَفْضِ الاعتِذَارِ، والتَّرفُّعِ عَنْ قَبولِ الأَعْذَارِ، فَقَدْ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ المُختَارِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ تُنُصِّلَ إِلَيْهِ فَلَمْ يَقْبَلْ؛ لَمْ يَرِدْ عَلَيَّ الحَوْضَ".

أَيُّها المُسلِمُونَ: إِنَّ الاعتَذَارَ المُثْمِرَ النَّافِعَ، وعِلاَجَ الأَخْطَاءِ الصَّحِيحَ النَّاجِعَ، هُوَ ذَلِكَ الذِي يُتْقِنُ صَاحِبُهُ لِكُلِّ مَقَامٍ مَا يُنَاسِبُهُ، ولِكُلِّ حَدَثٍ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُواكِبَهُ، فَيَخْتَارُ لَهُ أَعْذَبَ الكَلِمَاتِ، ويُقَدِّمُهُ بِأَرَقِّ الأَلْفَاظِ والعِبَارَاتِ، مُنْطَلِقاً مِنْ مَبْدأ طَلَبِ الصَّفْحِ عَنِ الغَلَطِ، مُتَحَرِّزاً مِنْ زَلاَّتِ اللِّسَانِ والشَّطَطِ، فَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ رُوحُ المَحَبَّةِ والوِئَامِ، ومَدْعَاةٌ لِلتَّقْدِيرِ والاحتِرامِ.

إِنَّ الكَلِمَاتِ المُعَبِّرَةَ عَنِ الأَسَفِ عَلَى التَّقْصِيرِ، تُضْـفِي عَلَى العَلاَقَاتِ جَوّاً مِنَ الأُنْسِ، لِتُزِيحَ عَنْها غُبَارَ القَطِيعَةِ، ولِذَلِكَ كَانَتْ عَظِيمَةَ النَّفْعِ طَيِّبَةَ الأَثَرِ، إِذَا زُيِّنَتْ بِهَا العَلاَقَةُ بَيْنَ أَفْرادِ الأُسَرِ، فَمَا أَرْوَعَ أَنْ يَكُونَ الزَّوجَانِ قُدْوةً لأَولاَدِهمَا فِي العَفْوِ والتَّسَامُحِ، يَظْهَرانِ أَمَامَهُمْ بِمَظَاهِرِ الحُبِّ والتَّرَاضِي والتَّصَالُحِ، فَالعَلاَقَةُ الزَّوجِيَّةُ مِنْ أَسْمَى العَلاَقَاتِ وأَرفَعِها، فَعَلَيْها يَقُومُ بِنَاءُ المُجتَمَعِ، والاحتِرامُ بَيْنَ الزَّوجَيْنِ مُهِمٌّ جِدّاً فِي تَوثِيقِ عُرَى الأُسْرَةِ، وأَيُّ مَظْهَرٍ مِنْ مَظَاهِرِ عَدَمِ الاحتَرامِ سَيَكُونُ بِلاَ شَكٍّ سَبَباً فِي تَحَطُّمِ الأُسْرَةِ وانْهِيَارِها، وَنَظَراً لِمَا تَتَمتَّعُ بِهِ هَذَهِ العَلاَقَةُ مِنْ خُصُوصِيَّةٍ، ومَا تَستَغْرِقُهُ مِنْ جُلِّ الحَيَاةِ الزَّمَنِيَّةِ، كَانَ وُقُوعُ التَّقْصِيرِ مِنْ أَفْرَادِها أَكْثَرَ تَوقُّعاً، ولِذَلِكَ كَانُوا مُطَالَبِينَ بِأَنْ يَكُونُوا عَنْ تَتَبُّعِ الزَّلاَّتِ أََكْثَرَ تَرفُّعاً، مَعَ التَّأكِيدِ عَلَى ضَرورَةِ الحِرْصِ عَلَى الاعتَذَارِ وتَلْطِيفِ الأَجْواءِ، بَغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مَبْدَأ الزَّلَلِ مِنْ أَيْنَ جَاءَ.

كَمَا يَنْبَغِي تَربِيَةُ الأَولاَدِ عَلَى خُلُقِ الاعتِذارَ، بِكَسْرِ حَوَاجِزِ الأَنَانِيَّةِ، ومَا يُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الطَّبَائِعِ الإِنْسَانِيَّةِ، مِنَ الامتِنَاعِ عَنْ قَبُولِ التَّخْطِئَةِ، والحِرْصِ عَلَى التَّنْزِيهِ والتَّبْرِئَةِ، ولَقَدْ أَوَرَدَ القُرآنُ الكَرِيمُ صُورَةً رَائِعَةً لِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ التَّسَامُحُ بَيْنَ الإِخْوَةِ، قَطْعاً لأَسْبَابِ الخُصُومَةِ وعَوامِلِ الجَفْوَةِ، وذَلِكَ فِيمَا حَكَاهُ سُبْحَانَهُ عَنْ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وإِخْوَتِهِ، فَمَعَ عِظَمِ خَطَئِهمُ الذِي اقتَرَفُوهُ، ومَا نَالَهُ مِنْهُمْ ومَا اجْتَرحُوهُ، إِلاَّ أَنَّهُ قَابَلَ اعتِذَارَهُمْ بِالقَبُولِ، قَالَ -سُبْحَانَه وتَعَالَى-: (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، كَمَا أَورَدَتِ السُّورَةُ الكَرِيمَةُ أُسُساً لِلْعَلاَقَةِ بَيْنَ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ عِنْدَ وُقُوعِ الأَخْطَاءِ، فَذَكَرَتْ خِطَابَ الاعتِذَارِ بَيْنَ الأَولاَدِ والآبَاءِ، قَالَ تَعالَى حَاكِياً خِطَابَ أَبْنَاءِ يَعقُوبَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- مُعْـتَرِفِينَ بِخَطَئِهِمْ، طَالِبينَ العَفْوَ مِنْ رَبِّهِمْ، مُتَوَسِّلِينَ بِدَعْوَةِ أَبِيهِمْ: (قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، وَيَظْهَرُ يُوسُفُ الصِّدِّيقُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- مَرَّةً أُخْرَى سَامِياً بِأَخْلاَقِهِ وصِفَاتِهِ، مُلْتَمِساً عُذْرَ إِخْوانِهِ بِأَنَّ فِعلَهُمْ كَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ ونَزَغاتِهِ، قَالَ تَعالَى: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).

بِمِثْلِ هَذَا الوُدِّ والاحتِرامِ، تَتَرابَطُ الأُسْرَةُ المُسلِمَةُ بِرِبَاطِ المَحَبَّةِ والوِئَامِ، وتُصَانُ بِرَابِطَةٍ لاَ يَعتَرِيها خَلَلٌ ولاَ انْفِصَامٌ، فَمَا أَحْوَجَ أُسَرَ اليَوْمِ إِلَى هَذَا المُستَوَى الرَّاقِي مِنَ العَلاَقَاتِ، الذِي تَذُوبُ مَعَهُ كُلُّ أَسْبَابِ المُشَاحَنَاتِ، وتَنْبُتُ بِهِ أَزْهَارُ المَوَدَّةِ الزَّاكِيَاتِ.

فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واحْرِصُوا عَلَى الاستِقَامَةِ فِي القَوْلِ والعَمَلِ، ومَنْ أَخَطَأَ مِنْكُمْ فِي حَقِّ أَخِيهِ فَلْيَعْتَذِرْ بِلاَ خَوْفٍ ولاَ وَجَلٍ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ إِلَى الحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي البَاطِلِ.



أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.



الخطبة الثانية:


الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا عِبَادَ اللهِ: الاستِقَامَةُ فِي السُّلُوكِ تُصلِحُ المُجتَمَعاتِ والأَفْرَادَ، وتَعَمُّ بِنَفْعِها البِلاَدَ، وَيَأْمَنُ بِوُجُودِها العِبَادُ، وَإِذَا كَانَ الاعتِذَارُ ضَرْباً مِنْ ضُروبِ الخَيْرَاتِ، فَلَرُبَّما تَحَوَّلَ بِسُوءِ المَقْصَدِ إِلَى خَانَةِ المُنْكَرَاتِ، فَالاعتِذَارُ الذِي فَاعِلُهُ مُثَابٌ، وحَرِيٌّ بِطَالِبِهِ أَنْ يُجَابَ، هُوَ ذَلِكَ الذِي يَصْدُرُ تَصْحِيحاً لِسُلُوكٍ وَقَعَ فِي لَحْظَةٍِ ضَعُفَ فِيهَا الجَنَانُ، أَو حَالَةٍ غَلَبَتْ فِيهَا وَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ، قَالَ تَعالَى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً).

أَمَّا الاعتِذَارُ المُبَيَّتُ قَبْلَ وُقُوعِ الخَطَأِ فَهُوَ مِنْ عَدَمِهِ كَالمَيِّتِ، فَصَاحِبُهُ لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي مِيزَانِ الحَقِّ، وحَرِيٌّ بِأَنْ لاَ يُقْبَلَ عِنْدَ الخَلْقِ، فَالذِي يَرتَكِبُ الخَطِيئَةَ مَعَ سَبْقِ الإِصْرارِ والتَّرَصُّدِ، ويُقْدِمُ عَلَيْها مُعَانِداً بِلاَ تَردُّدٍ، مُستَخِفّاً بِالأَحْكَامِ والقَوانِينِ، غَيْرَ مُكْتَرِثٍ لِمَنْ حَوْلَهُ مِنَ النَّاصِحينَ، ولاَ مُصْغٍ لِتَنْبِيهَاتِ المُرشِدينَ، إِنَّما يُفْرِغُ مِنْ نَفْسِهِ تِلْكَ الخَطِيئَةَ، لِيَنْتَقِلَ إِلَى غَيْرِها مِنَ الأَفْعَالِ الدَّنِيئَةِ، وفِي مِثْلِ هَؤلاءِ يَقُولُ الحَقُّ -تَبَارَكَ وتَعَالَى-: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ)، فَالاعتِذَارُ يَجِبُ ألاَّ يَكُونَ مَطِيَّةً لِلْوُقُوعِ فِي الأَخْطَاءِ والأَوْزَارِ، ولِذَا يَنْبَغِي التَّحَقُّقُ مِمَّنْ جَاءَ يَعتَذِرُ مِنْ صِدْقِ طَوِيَّتِهِ، بِمَا يُظْهِرُ مِنَ العَزْمِ عَلَى إِصْلاَحِ سِيرَتِهِ، لاَ لِلإِفْلاَتِ مِنْ عُقُوبَتِهِ فَحَسْب، وَقَدْ ضَرَبَ اللهُ لَنَا فِي كِتَابِهِ مِثَالاً وَاضِحاً فِي ضُروبِ المُعتَذِرِينَ، والفَرْقِ بَيْنَ الكَاذِبينَ مِنْهُمْ وَالصَّادِقينَ، وذَلِكَ فِيمَا سَطَّرَهُ القُرآنُ الكَرِيمُ فِي شَأْنِ المُتَخَلِّفِينَ عَنْ غَزْوَةِ العُسْرَةِ، فَفِي شَأْنِ المُعتَذِرينَ الصَّادِقينَ قَالَ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ-: (وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، وأَمَّا أُولَئكَ الذِينَ اختَلَقُوا العِلَلَ والأَعْذَارَ، نُكُوصاً عَنْ مُصَاحَبَةِ المُصْطَفَى المُخْتَارِ -صلى الله عليه وسلم-، فَفِي شَأْنِهم يَقُولُ الحَقُّ -تَبَارَكَ وتَعالَى-: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)، هَذِهِ عَاقِبَةُ المُراوَغَاتِ، وتِلْكَ نَتِيجَةُ الكَذِبِ ووَاهِي التَّبْرِيرَاتِ.

فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واحْرِصُوا عَلَى الصِّدْقِ فِي اعتِذَارَاتِكُمْ، وإِصْلاَحِ أَخْطَائِكُمْ وزَلاَّتِكُمْ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ سَعادَتَكُمْ ونَجَاتَكُم، وصَلاَحَ أَنْفُسِكُمْ وأُسَرِكُمْ ومُجتَمَعاتِكُمْ.

هَذَا؛ وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ؛ حَيْثُ قَالَ -عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً-: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 61.58 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]