الجهاد بين الغلاة والجفاة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 554 - عددالزوار : 304361 )           »          إنه ينادينا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 198 )           »          5 أفكار لدمج ورق الحائط فى ديكور البيت.. موضة 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          لنوم هادئ ومريح.. 8 نباتات احرص على شرائها فى غرفة نومك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          طريقة عمل سلطة البطاطس المقلية بالصوص والأعشاب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          لو عندك برطمانات زجاجية.. اعرفى إزاى تنضفيها فى 5 خطوات سهلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح البشرة بخطوات بسيطة.. من الكركم للعرقسوس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          5 طرق فعالة تخلى غسيلك الأبيض مزهزه.. بعضها مكونات طبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          8 عادات مسائية ابعد عنها لو نفسك تكون ناجح.. السهر العشوائى الأسوأ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          7 حيل لمكياج ثابت فى الحر.. حضرى بشرتك صح وما تنسيش بودرة التثبيت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-02-2021, 07:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,064
الدولة : Egypt
افتراضي الجهاد بين الغلاة والجفاة

الجهاد بين الغلاة والجفاة


الشيخ د. : عبد الحي يوسف




عناصر الخطبة

1/ صبر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته على صنوف الأذى 2/ هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد 3/ حكمة تشريع الجهاد 4/ هل كان الجهاد تشريعا خاصا لهذه الأمة؟ 5/ مفاهيم ينبغي توضيحها عن الجهاد 6/ الجهاد أربعة أنواع 7/ شروط جهاد فرض الكفاية


اقتباس

إننا في زمان يتعرض فيه المسلمون لمكر من طائفتين؛ الطائفة الأولى أعداء الله -عز وجل- الذين يريدون أن تمحى كلمة الجهاد من الوجود؛ فيسلطون أذنابهم من الحكام الظلمة، ومن علماء السوء من أجل أن يحرموها، ويجرّموا من ينادون بها ويدعون إليها ويحدثون الناس عن تفاصيلها.. لكن الصنف الثاني خطره أعظم في زماننا، وهم ..










الخطبة الأولى:


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا وقدوتنا وأسوتنا محمد رسول الله، الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير والبشير النذير، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين عذروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد:

أيها المسلمون: فإن نبينا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- مكث في مكة ثلاثة عشر عامًا يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ما سل سيفًا ولا حمل سلاحًا ولا قابل الأذى بمثله، بل كانت آيات القرآن تنزل متواترة آمرة إياه بالصبر على الأذى والدعوة إلى الله -عز وجل- بالحسنى، قال -تعالى-: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل:125]، وقال -سبحانه-: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) [المزمل:10].

كان أصحابه -رضوان الله عليهم- يتعرضون للأذى الشديد يُجلَدون ويضطهدون يجوعون ويعطشون يلقى أحدهم في رمضاء مكة حتى يغيب عن الوعي، ولربما يدفع به إلى صبيان مكة يتقذفونه كالكرة، وقد نال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء من الأذى فاتهموه بالسحر والجنون والكهانة والشِّعر، وأنه يفرق بين المرء وزوجه وبين الوالد وولده، بل تعدى ذلك إلى الأذى البدني؛ فكانوا تارة يخنقونه، وتارة يدفعونه؛ وهو -صلوات ربي وسلامه عليه- صابر على ذلك الأذى كله حتى أذن الله له في أن يهاجر إلى المدينة، وبعدما استتب له الأمر أنزل الله عليه آيات مؤذنة بتشريع الجهاد (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا الله..) [الحج:40]. (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة:190].

فغزا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبعًا وعشرين غزوة قاتل في تسع منها، هذه الغزوات كلها كانت محكومة بآداب الإسلام مقيدة بتعاليم الدين؛ ليس فيها اعتداء ولا تعدٍّ، ولا ظلم ولا فسوق ولا عصيان، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه عن تمني لقاء العدو: "لا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوّ وَسَلُوا الله الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ".

ونهاهم -صلوات ربي وسلامه عليه- عن قتل النساء، ولما مر في بعض مغازيه بامرأة مقتولة قال: "ما كانت هذه لتقاتل"، ونهاهم عن الأخلاق الرديئة من التمثيل بالقتلى والغدر، فقال -صلوات ربي وسلامه عليه-: "اغدوا بسم الله قاتلوا من كفر بالله، لا تغُلّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا".

ونهاهم -صلوات ربي وسلامه عليه- عن الظلم أو ادعاء الواحد منهم أن حكمه يمثل حكم الله، فكان يقول للقائد: "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تُنزلهم على حكم الله فلا تُنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا".

هذه هي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لما كان ذلك كله؟ لأن الله -جل جلاله- أنزل عليه في القرآن أنه: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) [البقرة:256] (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) [الكهف:29].

وعلى ذات الهدى -أيها المسلمون عباد الله- سار خلفاؤه الراشدون الأئمة المهديون -رضوان الله عليهم أجمعين- فتحوا البلاد وهدى الله على أيديهم العباد ودخل الناس في دين الله أفواجًا تحقيقًا لغايات سامية.

الجهاد في سبيل الله -أيها المسلمون عباد الله- شرع لتحقيق غايات شرعية رفيعة ما شرع الجهاد من أجل العلو في الأرض، ولا شُرع الجهاد من أجل البغي والفساد، ولا كان الجهاد دعاية سيئة لدين الإسلام، لا والله.

شُرع الجهاد -أولاً- كفًّا للأذى وردًّا للاعتداء: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ) [البقرة:190] (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) [البقرة:194]، (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ) [النحل:126].

وشُرع الجهاد -ثانيًا- حماية للمستضعفين الذين يتسلط عليهم أعداء الله -عز وجل-، وهذا مثل ما كان في الأمس فهو موجود اليوم المسلمون في بقاع شتى من أرض الله، يعانون من تسلط أعداء الله عليهم في أنفسهم، في أموالهم، في أعراضهم تارة من اليهود وتارة من النصارى وتارة من الروافض وتارة من البوذيين أو غيرهم ممن لا يدينون بدين الإسلام.

يقول الله -عز وجل- والخطاب للمسلمين: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) [النساء:75]، أي في سبيل المستضعفين (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا * الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء:75-76].

ثم شُرع الجهاد –ثالثًا أيها المسلمون عباد الله- من أجل أن يأمن كل ذي دين على دينه مثلما نؤمن المسلمين نؤمن غيرهم؛ لأنه لا إكراه في الدين (وَلَوْلَا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كَثِيرًا) [الحج:40].

الله -جل جلاله- يذكر الصوامع والبيع إلى جوار المساجد، أي: أننا مأمورون بحماية ذلك كله، وهذا الذي فعله المسلمون وطبّقوه حين فتحوا البلاد.

ثم شُرع الجهاد -رابعًا- لأن دين الإسلام هو الدين الحقيق بأن يسود الأرض، وأن ينتشر في الأرجاء (وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج:40-41].

والسؤال -أيها المسلمون عباد الله- هل كان الجهاد تشريعًا خاصًّا لهذه الأمة؟ هل كان شريعة جديدة نزلت على محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ اللهم لا، الأنبياء كل الأنبياء جاهدوا في الله حق جهاده (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران:146-147].

يقص لنا القرآن خبر موسى -عليه السلام- حين قال لقومه: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) [المائدة:21].

ويقص لنا القرآن الكريم أخبار طائفة من النبيين والمرسلين حتى إن بعضهم قُتل في سبيل الله -عز وجل-.

لكن هناك مفاهيم -أيها المسلمون عباد الله- لا بد أن تكون واضحة جلية بينة خاصة في أذهان إخواننا من الشباب؛ لأننا في زمان يتعرض فيه المسلمون لمكر من طائفتين:

الطائفة الأولى: أعداء الله -عز وجل- الذين يريدون أن تمحى هذه الكلمة من الوجود؛ كلمة الجهاد، فيسلطون أذنابهم من الحكام الظلمة، ومن علماء السوء من أجل أن يحرموها ويجرّموا من ينادون بها، ويدعون إليها ويحدثون الناس عن تفاصيلها.. هؤلاء هم الذين تنبأ بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ الله عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ". وقال: "ما ترك قوم الجهاد إلا ذُلوا".

هؤلاء هم الذين ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة فصار همّ الواحد منهم طعامه وشرابه ولباسه وسكنه وأثاثه وشهواته ومتعه وملذاته (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24].

هؤلاء هم الفاسقون، هم الذين ارتدوا على أدبارهم، هم الذين نكثوا بعهودهم مع الله -عز وجل-، وهؤلاء لا حديث معهم وأسيادهم هم الذين أثاروا تلك المقولات الظالمة حين زعموا أن الإسلام قد أكره الناس على الدخول فيه، وأن الإسلام قد انتشر بالسيف، وأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- إنما جاء ليبسط دعوته بسفك الدماء وإزهاق الأرواح، ويؤيدون باطلهم بنصوص يعمون ويدلسون بها على الناس.

لكن الصنف الثاني وخطره أعظم في زماننا: هم أولئك الغلاة الجفاة الذين يأخذون من الدين نصًّا ويدعون نصوصًا، ينظرون في آية ويهملون آيات، لا يرجعون إلى أهل العلم ولا يسألون أهل الذكر، ولا يرضون إلا بحكم أنفسهم وذواتهم، وقد غرّهم بالله الغرور، هؤلاء هم الذين يتمكنون من أذهان بعض الشباب، فيزرعون فيها ما يشاءون من بذور فاسدة تثمر زروعًا مُرَّة تعود على عموم الأمة بالضرر.

لا بد من توضيح المفاهيم، لابد من بيان التعاليم، لابد من تزييف الزائف مما يستدل به هؤلاء، ألا فاعلموا أولا يا معشر الشباب أن الجهاد أعم من القتال اشتقاقًا ودلالة ليس كما يظن كثيرون أن كلمة الجهاد تساوي كلمة القتال، لا والله، كلمة الجهاد أعم وأعظم وهي مطلوبة منا جميعًا رجالا ونساء شيوخًا وشبابًا أصحاء ومرضى، مطلوب منا جميعا أن نجاهد في الله حق جهاده.

والجهاد بذل الجهد لإعلاء كلمة الله، علماؤنا الذين صدروا النصوص قرأوا القرآن عرفوا السنة تأملوا في سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكروا أن الجهاد على أنواع أربعة:

أولها: جهاد النفس، نفسك التي بين جنبيك.. أيها المسلم: نفسك الأمارة بالسوء ابدأ بجهادها أولاً، وجهادها على أربع مراتب:

جهادها لتعلم دين الله -عز وجل- فلا جهاد مع الجهل ولا عبادة مع الجهل، ثم جهادها على العمل بما تعلمت كما قال أبو الدرداء عُوَيْمِر بن عامر -رضي الله عنه-: "أخوف ما أخاف أن يقال لي يوم القيامة أعلمت أم جهلت؟ فإن قلت: علمت لا تبقى آية آمرة أو زاجرة إلا أُخذت بفريضتها؛ الآمرة هل ائتمرت، والزاجرة هل ازدجرت". القرآن حجة لك أو عليك. ثم ثالثًا: جهاد النفس على الدعوة إلى هذا العلم الذي تعلمته. رابعًا: جهاد النفس على هذا الطريق الطويل (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 1- 3].

ثم ثانيًا: المرتبة الثانية: جهاد الشيطان، هذا الذي جعله الله في الدنيا فتنة للناس وأمرنا بعداوته، مطلوب منا جهاده على نوعين:
النوع الأول: جهاده فيما يلقي من الشبهات الذي تتمكن في القلب من جراء فساد التصور وقلة العلم.

الآن بعض الناس ملاحدة لا يؤمن بالله ولا اليوم الآخر بعض الناس متشكك متهوك متردد، بعض الناس عنده في بعض تشريعات الإسلام رأي، بعض الناس يستحي من انتسابه للإسلام، وإن كان لا يصرح بذلك، لِمَ؟ لأن الشيطان قد ألقى في قلبه شبهات تارة عن طريق أعوانه من شياطين الإنس، وتارة بما مكنه الله -عز وجل- من إلقاء الوساوس والهواجس. مطلوب منا جهاد الشيطان في دفع تلك الشبهات

ثم ثانيًا: جهاده فيما يلقي من الشهوات، الشهوات البهيمية التي تحمل الإنسان على أن يقارف ما حرم الله أو الشهوات التي ترجع إلى الأمور المعنوية شهوة الجاه، شهوة المناصب، شهوة التسلط على الناس، هذه كلها مطلوب منك أيها المسلم أن تجاهد الشيطان فيها.

ثم ثالثًا: جهاد الكفار والمنافقين، وجهادهم يكون بالقلب وباللسان وبالمال وباليد، هذه أربع مراتب، نجاهدهم بأنفسنا وأموالنا وألسنتنا كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم"، ثم نجاهدهم بقلوبنا كذلك حين نبغض ما هم عليه من العقائد الزائغة.

ثم رابعًا -أيها المسلمون عباد الله-: جهاد الظلمة والفسقة بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، من استطاع بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه، هذه ثلاثة عشر مرتبة كلها داخلة تحت هذه الكلمة العظيمة الجهاد.

قال الله -عز وجل- في القرآن المكي: (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ) [العنكبوت: 6]، وقال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت: 69] وقال: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل: 110]، هذه كله كان في مكة ولم يكن في مكة قتال.

ألا فاعلموا أن الجهاد ليس مرادفا للقتال، وأن القتال ليس إلا نوعًا واحدًا من أنواع الجهاد، فمن حرص على هذا، وأهمل ذلك كله فليس متبعًا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- كما أن الذي يريد أن يزور ويدلس ويلغي القتال تحت دعوة أن الإسلام دين دعوة، وأن الإسلام دين رحمة، وأن الإسلام دين تسامح دين حوار إلى غير ذلك مما تكثر الدندنة حوله في زماننا هذا، هؤلاء كأولئك ودين الله -عز وجل- وسط بين الغالي فيه والجافي عنه.

أسأل الله -عز وجل- أن يفقّهنا في ديننا، وأن يعلمنا سُنة نبينا، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين توبوا إلى الله واستغفروه.



الخطبة الثانية:


الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله النبي الأمين بعثه الله بالهدى واليقين لينذر من كان حيًّا ويحق القول على الكافرين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين وآل كل وصحب كل أجمعين، وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين.

أما بعد:

أيها المسلمون: اتقوا الله حق تقاته، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]، واعلموا -إخوتي في الله- أنه مطلوب منا جميعًا أن ننظر في أحكام الله -عز وجل- آيات القرآن، وفي سنة نبينا -عليه الصلاة والسلام- قولية وفعلية من أجل أن نخرج بتصور صحيح حول القضايا كلها، وقد دعاني للكلام حول هذا الموضوع غير مرة ما تواتر في الأيام الأخيرة من خروج فئام من الشباب ذكورًا وإناثًا للحاق بتلك الدولة التي انتسبت إلى الإسلام، وما هي بدولة ولا هي بإسلامية، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، أشواقهم إلى الجهاد تسلط عليهم بعض من يدعي العلم، ثم بعد ذلك سيقوا إلى حيث يعلم الله -عز وجل- مصيرهم.

أسأل الله -عز وجل- أن يجزيهم بحسن نياتهم وأن يردهم سالمين.

لكنني أقول: يا معشر الشباب: الجهاد إذا كان فرض كفاية، فإنه لا يتأتى إلا بشروط ثمانية بينها أهل العلم: إسلام وذكورة، وعقل وبلوغ، وحرية وعدالة، وسلامة للأعضاء، وسلامة من الدَّيْن، وإذن من الوالدين.

ألا فاعلموا هذا -يا معشر الشباب- وافهموه جيدًا من خرج دون أن يستأذن والديه فإنه يأثم من حيث أراد أن يثاب ويعصي الله -عز وجل- بظنه أنه يطيع ربه، ويخشى على هؤلاء أن يصدق فيهم قول ربنا -جل جلاله-: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف:105-104]، (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا) [فاطر:8].

يا معشر الشباب: هذه الدولة التي تسمى بالدولة الإسلامية، والتي اختار أفرادها من بينهم رجلاً سموه خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، وقاتلوا كل من أبى أن يدخل في بيعته، ولو كان أولى بالله منهم، واتقى بالله منهم هذه الدولة علماء المسلمين مجموعون على تجريم فعالها، وعلى أن وراءها ما ورائها مما لا يعلمه إلا الله.

يا معشر الشباب: العلماء الراسخون في العلم الناطقون بالحق الذين جاهدوا في الله حق جهاده، ومنهم من سلخ من عمره في سبعين بل ثمانين بل تسعين سنة في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله كلهم مجموعون على هذا الكلام.

وقد تتابعت في ذلك بياناتهم وفتاواهم وأقوالهم في المشرق أو المغرب في الشمال أو الجنوب من العلماء المعتبرين الراسخين قد أيد أولئك في فعالهم أو أنه بارك مسعاهم، لا تجدون.

فيا معشر الشباب: اتقوا الله -عز وجل- في أنفسكم وفي والديكم وفي أوطانكم وفي أمتكم وانزلوا على أقوال أهل العلم وتقيدوا بقول ربكم: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء:83]، (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ) [النساء:59].

إذا كان الواحد من هؤلاء الشباب إذا التبس عليه الأمر في طهارة أو صلاة أو صيام أو صدقة، أو التبس عليه الأمر في بيع أو شراء أو نكاح أو طلاق فإنه يرجع إلى العلماء فيسألهم، لما ينحي العلماء في هذا الباب العظيم في هذا الأمر العظيم، لا شك أن هذا تزيين الشيطان وتلبيسه على أولئك الأناس حين يقول لهم بأن هؤلاء علماء السلطان هؤلاء أحلاس الدولة.. لا يمكن أن يكون علماء المسلمين في المشارق والمغارب كلهم بهذه الصفة.

معاذ الله، فإن الله لا يجمع الأمة على ضلالة.

ألا فاعلموا هذا -يا معاشر الشباب، واتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله -عز وجل- بالصلاة والسلام عليه فقال جل من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد..
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.66 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.52%)]