|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() اختصار الكلام عن الأربعة أقلام التي كتبت أقدار الأنام الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ (آل عمران: 102) ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ (النساء: 1) ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ (الأحزاب: 70، 71) أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين. عباد الله؛ سؤال يتناوله الملاحدة الذين لا يؤمنون برب ولا دين، ولا رسول ولا جنة ولا نار، نفسُ السؤال يتوارد عند الجهلة من هذه الأمة، والجهل عدوُّ صاحبه. السؤال: إذا كان الله عز وجل كتب علينا الشقاوة، وكتب علينا أن نكون من أهل النار، وكتب علينا أفعالنا التي هي سيئات، فلم يحاسبنا، لماذا يعاقبنا على شيء قد كتبه الله علينا؟ وقلت لكم: الجهل عدوُّ صاحبه، ولو علم هذا السائل الحقيقةَ ما سأل، لأن العلماء رحمهم الله جمعوا النصوص والأحاديث في بيان القضاء والقدر، وبينوها وفسروها ووضحوها بما لا يدع مجالا للشك ولا للبس، فقالوا في اختصار الكلام، على الأربعة أقلام، التي كتبت مقادير الأنام. هذه الأقلام الأربعة التي كتبت المقادير؛ لن تحاسب على ما كتبت إلا ما كتب قلم واحد سنعلمه إن شاء الله، وهذه الكتاب أين؟ عند الله في اللوح المحفوظ، وقد سماه الله سبحانه وتعالى كذلك في القرآن الكريم، فقال في سورة البروج: ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ﴾ (البروج: 21، 22) وفي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾ سماه في هذه الآية (كتاب الله)، أي: في اللوح المحفوظ. وفي قوله سبحانه وتعالى: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ (الرعد: 39) سماه (أم الكتاب)، أي: اللوح المحفوظ. وسماه الذكرَ في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ (الأنبياء: 105) وورد في الحديث أيضا: "وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ". (خ) (3191)، والذكر المقصود به اللوح المحفوظ، وهذا ما رواه البخاري. فالقلم الأول: وهو قلم عام، الذي كتب فيه مقادير الخلائق وأقدار البشر، فأقدارنا في اللوح المحفوظ، كتبها ودونها في ذلك الكتاب، قبل خلق السماوات والأرض، كما ثبت ذلك عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ("كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ"). (م) 16- (2653) فهذه كتابة مقادير الخلائق، فالمراد تحديدُ وقتِ الكتابة في اللوح المحفوظ، لا أصل التقدير فإن ذلك أزلي لا أول له، =وكتابتها أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم،= وقد تمت الكتابة وكان عرشه موجودا على الماء؛ أي قبل خلق السموات والأرض. وجاء في حديث عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ") قال العلماء: -أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ، يَعْنِي بَعْدَ الْعَرْشِ وَالْمَاءِ وَالرِّيحِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أي أن الماء مخلوق قبل ذلك. وَورد عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما حينما سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾، قال: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ؟! قَالَ: عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ. [1] تحفة الأحوذي (5/ 443) تصغر العقول عن التفكير في ذلك، إنه خلق الله وشأن الله سبحانه وتعالى. ("فَقَالَ: اكْتُبْ")؛ نطق القلم وقال: ("فَقَالَ: رَبِّ مَا أَكْتُبُ؟! قَالَ: اكْتُبْ الْقَدَرَ") -أَيْ: =اكتب= الْمُقَدَّرَ الْمَقْضِيَّ =الذي سيكون إلى يوم القيامة اكتبه.= تحفة الأحوذي (5/ 443) وفي رواية: اكتب ("مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ"). (ت) (2155). ما كان قبل خلق القلم ما هو؟ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: (مَا كَانَ) يَعْنِي الْعَرْشَ وَالْمَاءَ وَالرِّيحَ وَقالوا أيضا هي ذَاتَ اللهِ وَصِفَاتِهِ =كتبت في اللوح المحفوظ. تحفة الأحوذي (5/ 443) وفي رواية: ("اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ"). (د) (4700) قَالَ: ("فَجَرَى الْقَلَمُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ"). (صم) (104)، =جلستنا هذه مكتوبة قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، نفسنا حركاتنا أفعالنا نظراتنا كلها بقدر الله سبحانه وتعالى. ... قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ("مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي"). (د) (4700)، انظر صَحِيح الْجَامِع (2018)، والصحيحة (133). أَيْ: عَلَى اِعْتِقَاد غَيْر هَذَا الَّذِي ذَكَرْت لَك مِنْ الْإِيمَان بِالْقَدَرِ. عون (10/ 218) أي من مات على غير هذا الاعتقاد الذي هو الإيمان بالقدر فليس من النبي صلى الله عليه وسلم، وليس من أمته، وهذا هو القلم الأول، والقلم الأول لا نحاسب عليه، ما كتب كتب ونحن غير موجودين. *** القلم الثاني: فعندما خلق آدم ونحن ذرية في صلبه، ماذا كان هناك من مقادير، وهذه خاصة بالبشر، بالأنام، بالناس ببني آدم، والقلم الأول عام على الجميع، فـعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("خَلَقَ اللهُ آدَمَ حِينَ خَلَقَهُ، فَضَرَبَ كَتِفَهُ الْيُمْنَى، فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّةً بَيْضَاءَ كَأَنَّهُمْ الذَّرُّ") -الذَّرّ: صِغار النمل. ونحن معهم لكن ما كنا ندرك ذلك، الآن نسينا، والإنسان ينسى ما فعل بالأمس وقبل الأمس، فكيف بقبل خلق السماوات والأرض، وعند خلق آدم. ("وَضَرَبَ كَتِفَهُ الْيُسْرَى فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّةً سَوْدَاءَ، كَأَنَّهُمْ الْحُمَمُ") -الحُمَم: جمع الحُمَمَة، وهي الفحمة.- ("فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَمِينِهِ: إِلَى الْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي، وَقَالَ لِلَّذِي فِي كَفِّهِ الْيُسْرَى: إِلَى النَّارِ وَلَا أُبَالِي"). (حم) (27528)، صَحِيح الْجَامِع (3234)، الصحيحة (49)، هداية الرواة (115). وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ -يَعْنِي عَرَفَةَ-") =أي بجبل عرفات عندما أنزله إلى الأرض= ("فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ"). الذر: صغار النمل. ("ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قُبُلًا فَقَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى شَهِدْنَا، أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا: إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ، أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}"). (حم) (2455)، (ن) (11191)، (ك) (75)، انظر صَحِيح الْجَامِع (1701)، الصحيحة (1623). وفي حديث الإسراء؛ حديث طويل نأخذ منه هذا الشاهد، عن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه كان يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ("... فَلَمَّا فَتَحَ") =أي السماء الدنيا= ("عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ، وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ")، =أي أشخاص صغار جمع سواد كأزمنة جمع زمان. شرح القسطلاني (1/ 383).= ("إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ") =الرجل القاعد مرحبا بالنبي صلى الله عليه وسلم ويلقبه بلقبين، قال:= ("مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ، وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ")، =أي أرواح أولاده= ("فَأَهْلُ اليَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ")، نسأل الله أن نكون منهم. ("وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى..."). (خ) (349)، (م) 263- (163). أما القلم الثالث: فهي الكتابة عند نفخ الأرواح في الأجنة في بطون الأمهات، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه =قال=، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ المصْدُوقُ: ("أَنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ")، =الماء أربعون، والعلقة أربعون= ("ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ")، =أكلمت المائة والعشرين= ("ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ المَلَكُ فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ")، =ملك خاص بالأجنة= ("فَيَكْتُبُ: رِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَعَمَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى لاَ يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا"). (خ) (7454)، (م) (2643) أما القلم الرابع: وهذا بعد البلوغ، عندما يصل الإنسان إلى سن التكيف، خمسة عشر عاما قبلها بقليل أو بعدها بقليل، قال سبحانه وتَعَالَى عن هؤلاء: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. (ق: 18) وقال سبحانه: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ (الانفطار: 10- 12) وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث الإسراء: «ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوَى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ». (خ) (349)، (م) 263- (163)، يسمع القلم كيف يجري على الورق، فصوت القلم على الورق اسمه صريف، سمع صريف الأقلام صلى الله عليه وسلم التي تكتب أقدار الخلائق؛ ليلا ونهارا. عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَقِيعِ الغَرْقَدِ فِي جَنَازَةٍ)، =وهي المقبرة التي بجوار المسجد النبوي في المدينة المنورة= فَقَالَ: («مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ»)، فَقَالُوا: (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ؟) =يعني ما في داعي للصلاة والصيام ويفعل الإنسان المنكرات وما شابه،= فَقَالَ: («اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ»)، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى}... إِلَى قَوْلِهِ: {لِلْعُسْرَى}. (خ) (4945)، ونحوه (م) 7- (2647). ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ (الليل: 5- 10)، فالإنسان عليه أن يعمل لا أن يتكل على ما كتب. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله =تعالى= عنهما قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ: ("يَا غُلَامُ! إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ")، ("احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ")، ("تَعَرَّفْ إلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ؛ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ")، ("إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ؛ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ")، ("وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يَسِّرَا"). حديث بزوائده في (ت) (2516)، (حم) (2669)، (2804)، (ك) (6304)، وصححه الألباني في ظلال الجنة (315)، وصَحِيح الْجَامِع (2961)، (6806)، (7957)، وظلال الجنة (318)، والصَّحِيحَة (2382)، والمشكاة: (5302). أخي في دين الله! اِحْفَظْ اللهَ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ؛ يَحْفَظْك الله فِي الدُّنْيَا مِنْ الْآفَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَفِي الْعُقْبَى في الآخرة مِنْ أَنْوَاعِ الْعِقَابِ وَالدَّرَكَاتِ.. ورَاعِ حَقَّ اللهِ سبحانه وتعالى، وَتَحَرَّ رِضَاهُ، تَجِدْهُ تُجَاهَك؛ أَيْ: مُقَابِلَك وَحِذَاءَك، أي: أمامك، واِحْفَظْ حَقَّ اللهِ سبحانه وتَعَالَى، حَتَّى يَحْفَظَك اللهُ مِنْ مَكَارِهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ... واسْأَلْ اللهَ وَحْدَهُ، واستعن به وحده ولا تستعن بغيره، ولا تسأل غيره سبحانه؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ، وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَجَلْبِ النَّفْعِ... فإن أَرَدْتَ الِاسْتِعَانَةَ فِي الطَّاعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فلا تستعن بغيره سبحانه. فلقد كُتِبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا كُتِبَ مِنْ التَّقْدِيرَاتِ، وَلَا يُكْتَبُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ شَيْءٌ آخَرُ،... بتصرف من (تحفة الأحوذي) (6/ 308) اللوح المحفوظ لا يزاد فيه ولا ينقص منه، رفعت الأقلام وجفت الصحف. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. الخطبة الآخرة: الحمد لله حمد الشاكرين الصابرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد: ألا واعلموا عباد الله أن الله سبحانه وتعالى لا يحاسبنا على ما كتبته الأقلام الثلاثة، القلم الأول في اللوح المحفوظ، والثاني عند خلق آدم، والثالث ونحن أجنة في بطون أمهاتنا، ولكن سيحاسبنا الله على ما كتب القلم الرابع، بعد البلوغ، أي: يحاسبنا على ما قلنا وما عملنا، على ما تفوَّهنا به وفعلناه، هذا هو الحساب على القلم الرابع، وهو ما عملناه وكتبه الحفظة رقيب وعتيد. لذلك هذا الكتاب الذي كتبه الملكان عليك بكامله من أوله إلى آخره سيعرض عليك يوم القيامة، ويقدّم لك وتستلمه، فيا بشراك إن استلمته بيمينك، يا بشراك! ويا حسرتاه على من استلمه من وراء ظهره وبشماله، نسأل الله السلامة، فمن استلمه بيمينه فقد فاز. فما عملته كُتب في كتاب خاصٍّ بك تقرؤه يوم القيامة، قال سبحانه: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا* اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ (الإسراء: 13، 14). تصوّر وتخيّل عندما يأخذ الإنسان كتابه، أو نقول ملفَّه ممن يراقبه ويسجل عليه أقواله وأفعال بالصوت والصورة والكتابة، وينظر ما فيه، هل فيه أشياء تسرُّه ويمدح عليها؟ أو فيه أشياء أخرى من جرائمَ وحظوظٍ نفسية وما شابه ذلك، هذا في الدنيا كيف حاله؟ كيف حال الإنسان يوم القيامة؟ إنه سيقرأ كتابه ليس صفحة صفحة، ولا سطرا سطرا، وإنما كلمة كلمة، ويتصوّر أنّ كلّ ما قرأ عما فعله في حياته الدنيا كأنه يراه أمامه. لذلك الكفار يتعجبون يوم القيامة، قال سبحانه: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ (الكهف: 49) وهذه الكتب يستلمها أهل الجنة باليمين، وأهل النار يأخذونها من ورائهم بشمائلهم. إذن الكتاب الذي تحاسب عليه هو ما سجل فيه ما علمت. فهذا ردٌّ على من يقول: ما دام الله كتب علينا لماذا يعذبنا؟ لماذا يحاسبنا؟ لماذا يعاقبنا؟ هذا السؤال في أصله خطأ؛ لأن الله لن يحاسبك إلا على عملك. لذلك حسب النصوص التي قرأتها وعلمي القاصر ما من أحد يحاسب على غير عمل إلا ما ورد في الطفل الذي قتله الخَضِر الذي جاء ذكره في سورة الكهف، وهذا معروف أنه قتله طفلا؛ لأن الله علم أنه كافر، ففي صحيح مسلم: ("وَأَمَّا الْغُلَامُ فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا"). (م) 172- (2380)، 29- (2661)، (ت) (3150)، (د) (4705). قال أبو بكر ابن العربي (المتوفى: 543هـ): [الحديث الصحيح أن الغلام الذى قتله الخضر طبع يوم طبع كافراً، فانبأ أن من الصغار كافراً في علم الله ومؤمناً، وقد يكون في أولاد المشركين مؤمن، ويكون في أولاد المؤمنين كافر، ويحكم الباري فيهم بعلمه إذا قبضه قبل وقت ابتلائه، وهذا بين من التأويل لا يتطرق إليه إشكال، ويرفع جهل الجهال، وتعضده الأدلة التي قامت على أهل الضلال، والحمد لله على كل حال]. عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي (1/ 399) فعلى هذا قبل أن يعمل كتب عليه أنه كافر، وسيدخل النار هو الوحيد بدون عمل، وهذا ما قال به بعض العلماء. وورد نصٌّ آخر أنَّ النارَ تمتلئ بالناس فلا يبقى أحد من الكفار والفجار إلا دخلها، فيقول لها الله: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد، ثلاث مرات، وورد في الحديث: ("... وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ، فَيُلْقَوْنَ فِيهَا، فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، ثَلاَثًا، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَمْتَلِئُ، وَيُرَدُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ قَطْ"). (خ) (7449)، أن الله عز وجل يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ، من هم؟ لا نعلمهم، ويدخلهم فيها، وهي تقول: حسبي حسبي، قط قط. قال القسطلاني: [لأن لله تعالى أن يعذب من لم يكلفه بعبادته في الدنيا؛ لأنّ كلّ شيء مِلكه، فلو عذبهم لكان غير ظالم لهم؛ لا يسأل عما يفعل]. شرح القسطلاني (10/ 413) وهذا أيضا قول لبعض العلماء، وآخرون غلَّطوا الراوي، وقالوا: الأصح؛ (يُنْشِئُ لِلجنة مَنْ يَشَاءُ) بدل (يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ)، فالله تعالى أعلم. أما البقية فلن نحاسب على ما كتب الله قديما في اللوح المحفوظ، ولا عند التقدير لآدم عليه السلام وذريته، ولا عندما كنا أجنة، إنما تحاسب يا عبد الله على ما اقترفت واجترمت يداك، هذه هي الحقيقة. القلم الرابع: يا عباد الله هو الذي نحاسب عليه، فيا ويلتاه ويا حسرتاه؛ ماذا ملأنا كتابنا أمام الله؟ هل ملأناه بالحسنات؟ نسأل الله ألاّ نكون ملأناه بالسيئات، ملأناه بالحسنات أو ملأناه بالكلام الفارغ، والأعمال التي لا فائدة فيها، لا دنيا ولا أخرى، بماذا نقابل الله إذا وجدنا أعمالنا؛ عدة صفحاتٍ فارغة لا فائدة فيها، عدة صفحات يعضّ الإنسان أصابع الندم كيف لم يملأها بطاعة الله، بذكر الله ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ (الرعد: 28) لا ننسى يا عباد الله أن نذكر نفسي وإياكم أننا في شهر شعبان، وعندك يوم الأحد والاثنين والثلاثاء أيام الليالي البيض، صيامها طيب، وهو سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا انتصف شعبان ولم يصم أحد قبل ذلك، فنحن منهيون عن الصيام بعد النصف من شعبان تطوُّعا. أما القضاء بعد النصف من شعبان، أو أننا كنا نصوم قبل ذلك اثنين وخميس أو ما شابه ذلك فلا مانع أن نصوم بعد منتصف شعبان. نذكر بذلك لأن هذه ستكتب لنا جميعا إن شاء الله في الكتاب والقلم والرابع بعد البلوغ، وسنراه يوم القيامة، وذاك الكتاب لم يغادر صغيرة ولا كبيرة، والله سبحانه وتعالى لا ينسى من فضله أحدا. كذلك ندعو الله لإخواننا الأسرى والجرحى والقتلى والشهداء، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يفرج عنا ما نحن فيه من كرب وضيق، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعوضنا خيرا مما أخذ منا، اللهم آمين. لقد اجتمعت الأمم على قصعتها، وتداعت علينا يا عباد الله من المشرق والمغرب، من القريب والبعيد، من الصاحب والحبيب، والعدو والمغرض، كلهم تكالبوا على هذه الأمة من أنفسنا ومن غيرنا، فما لنا إلا الله أن ينجينا مما نحن فيه. فاللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين. اللهم وحد صفوفنا، اللهم ألف بين قلوبنا، اللهم أزل الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شافيته، ولا مبتلا إلا عافيته، ولا غائبا إلا رددته إلى أهله سالما غانما يا رب العالمين. اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وأقم الصلاة فـ ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾. (العنكبوت: 45) [1] (ك) (3293) (عب) (9089) (صم) (584)، وصححه الألباني في ظلال الجنة (584).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |