|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() كيف ندعو.. أني مغلوب فانتصر؟!
![]() بقلم: د. عمرو الشيخ لم يكن الله سبحانه وتعالى ليترك المظلومين والمقهورين والمجرَّدين من القوة المادية والمستضعفين من الرجال والنساء.. لم يكن الله ليتركَهم دون أن يُعطيَهم أسلحةً يواجهون بها هذا الظلم وهذا القهر الذي يعانون، فملَّكَهم الله أسلحةً فريدةً موصولةً معه سبحانه وتعالى مباشرةً، ومن هذه الأسلحة: الدعاء؛ ذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- بعث معاذًا إلى اليمن فقال له: "اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب" (رواه البخاري). فالدعاءُ سلاحٌ فريدٌ وقويٌّ يملكه المظلوم، فما إن يرفع المظلوم يديه إلى السماء إلا ويأتيه الردُّ من الله سبحانه وتعالى مباشرةً: "لأنصرنك ولو بعد حين"، فأي سلاحٍ هذا؟ وأي قوةٍ أعطاها الله سبحانه للمظلومين والمقهورين والمستضعفين؟! والله لو يعلم الظالمُ هذا السلاح بيد المظلوم لما ظلمه قط، ولما تجرَّأ على ذلك؛ فالدعاءُ طريقُ النجاةِ، وسُلَّم الوصول، ومطلب العارفين، ومطية الصالحين، ومفزع المظلومين، وملجأ المستضعفين.. به تُستجلَب النعم وبمثله تُستدفع النقم.. ما أشدَّ حاجة العباد إليه!! وما أعظم ضرورتهم إليه!! لا يستغني عنه المسلم بحالٍ من الأحوال. والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدوُّ البلاء، يُدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه، وهو دليلٌ على التوكل على الله؛ وذلك لأن الداعي حال دعائه مستعينًا بالله مُفوِّضًا أمرَه إليه وحده دون سواه، كما أنه طاعةٌ لله عز وجل واستجابةٌ لأمره، قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر: من الآية 60). وهو سلاحٌ قويٌّ يستخدمه المسلم في جلب الخير ودفع الضرّ.. قال صلى الله عليه وسلم: "من فُتِح له منكم بابُ الدعاء فُتحت له أبواب الرحمة، وما سُئل اللهُ شيئًا يُعطَى أحبَّ إليه من أن يُسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل وما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء" (رواه الترمذي وحسنه الألباني). وهو سلاحٌ استخدمه الأنبياء في أصعب المواقف، فها هو النبي- صلى الله عليه وسلم- في غزوة بدر عندما نظر إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر استقبل القبلة ثم رفع يديه قائلاً: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبَد في الأرض" فما زال يهتف بالدعاء مادًّا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءَه وألقاه على منكبه ثم التزمه من ورائه وقال: "يا نبي الله.. كفاك منشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك" (رواه مسلم)، وها هو نبي الله أيوب عليه السلام يستخدم سلاح الدعاء بعدما نزل به أنواع البلاء وانقطع عنه الناس ولم يبقَ أحد يحنو عليه سوى زوجته، وهو في ذلك كله صابرٌ محتسبٌ، فلما طال به البلاء دعا ربه قائلاً: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرّ﴾ (الأنبياء: 84، 83). والدعاء سبب لتفريج الهموم وزوال الغموم وانشراح الصدور وتيسير الأمور، وفيه يناجي العبدُ ربَّه ويعترف بعجزه وضعفه وحاجته إلى خالقه ومولاه، وهو سلاحُ المظلومين ومفزع الضعفاء المكسورين إذا انقطعت بهم الأسباب وأغلقت في وجوههم الأبواب. إليه وحده نلجأ طريق الدعوة مزدحم بالأحداث، مليء بالأحوال المتغيرة، مفعَمٌ بالآلام والآمال، فيه دعوةٌ وإرشادٌ ومعالجةٌ للنفوس والعادات، فيه إعناتٌ وإيذاءٌ وفيه صبرٌ واحتسابٌ، فيه جهادٌ وتضحيةٌ، وفيه نصرٌ وهزيمةٌ، فيه فتنٌ وابتلاءاتٌ وفيه شرفٌ وعزةٌ، فيه حبٌّ وإيثارٌ، وفيه استشهادٌ وفداءٌ، فيه صراعٌ بين الحق والباطل، وفيه سيادةٌ وتمكينٌ لدين لله بإذن الله.. لهذا كله ولغيره نجد أن مَن يسلك طريق الدعوة حاجته ماسَّة إلى المناجاة، كما أن له فيها أسلوبه الخاص.فمَن غير الله يلجأ إليه ليبثه شكواه وآلامه وما يعتمل في نفسه؟ مَن غير الله يفزع إليه في مراحل الطريق الموحشة القاسية؟ مَن غير الله يلجأ إليه ليؤمن روعه ويذهب خوفه؟ مَن غير الله يدعوه ليفرج كربه وهمه ويذهب حزنه؟ مَن غير الله يؤنس وحدته في ظلام زنزانته المغلقة؟ مَن غير الله يسأله أن يخفف ألم السياط وصنوف التعذيب الواقعة على جسده؟ مَن غير الله يلوذ به عندما يشتد به الحال من كيد الظالمين وبطشهم؟ مَن غير الله ينزل عليه السكينة ويملأ قلبه طمأنينةً وسط هذا الجو من الظلم والظلام؟ وكيف لا يلجأ إلى الله وهو لا يستطيع أن يخطو خطوةً على طريق الدعوة إلا بأمرٍ من الله وعونه؟ وكيف لا يلجأ إلى الله دائمًا وهو إذا وكله الله إلى نفسه طرفة عين ضلَّ أو زلَّ؟ وكيف لا يلجأ إلى الله وهو الفقير إلى الله والله هو الغني؟ وكيف لا يلجأ إلى الله وهو الضعيف والله هو القوي؟ وكيف لا يلجأ إلى الله وهو المذنب في حق الله والله هو الغفار التواب الرحيم؟ فما أشد حاجة مَن يسلك طريق الدعوة إلى أن ينظر الله إليه في جوف الليل نظرة رضاء وقبول!! ما أشد حاجته إلى أن يفتح الله له أبواب رحمته، فلا فلاح ولا نجاح له إن أمسك الله عنه رحمته. ما أشد حاجته إلى مناجاة ربه ليحظى بزاد الإيمان الذي يعينه على مشاق الطريق ومزالقه!! ما أشد حاجة الأرواح عندما تظمأ إلى أن تجد الريّ في حسن صلتها بالأصل الذي نفخت منه في هذا الوعاء الطيني الفاني. ولمرشدنا الأسبق مصطفى مشهور- رحمه الله- أسلوب متميز في مناجاته ربه. فهيا بنا نستحضر قلوبنا ونرفع أكفَّ الضراعة إلى الله العلي القدير.. نردِّد خلف مرشدنا تلك المناجاة التي نحن في أمس الحاجة إليها في وقتنا الراهن.. هيا بنا. * إلهي.. هكذا كانت إرادتك وسنتك في الدعوات أن يتعرَّض سالكو طريق الدعوة إلى المحن والابتلاءات؛ امتحانًا وتمييزًا وتمحيصًا وغير ذلك من الحكم التي قد يظهر لنا بعضُها ويخفي علينا الكثير، فقد قلت وقولك الحق: ﴿الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)﴾ (العنكبوت)، وقلت: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ....﴾ (آل عمران: 179) وقلت: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)﴾ (محمد) وقلت: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)﴾ (آل عمران) وقلت: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)﴾ (البقرة) وغير ذلك من الآيات كثير. * لقد تعرَّض حبيبك وأكرم الخلق عليك إلى الإيذاء الشديد من المشركين، وصبَر على ذلك، ولو شئت لحميته وصحابته من ذلك، ولكن أردت أن يكون لنا قدوة على الطريق عندما نتعرَّض إلى التعذيب، فنصبر كما صبر دون تفريط في أمر من أمور ديننا. ولقد تعرَّض صحبُه الكرام كذلك إلى التعذيب فصبروا حتى استُشهد ياسر وزوجه سمية- رضي الله عنهما- تحت التعذيب، دون أن تلين لهم قناة أمام غطرسة الشرك، وكذلك تعرَّض بلال وغيره وما زادهم الإيذاء إلا صقلاً وتمحيصًا وصلابةً وتمسكًا بدينهم. * نعلم يارب أن المحن والابتلاءات جزءٌ أساسيٌّ من طريق الدعوة وأنها خيرٌ لأنها سنتك وإرادتك وأنت لا تريد إلا الخير، ففي ظل المحن تتطهَّر القلوب من الأهواء، ويتخرَّج الرجال المؤمنون الذين يكونون بمثابة الدعائم الصلبة في الأساس ليقوم عليها البناء ويعلو في استقرار وصمود أمام كيد الأعداء. * إلهي.. تعرَّض رسولك وصحبه إلى الإيذاء والتعذيب وصبروا بتصبيرك لهم وثبتوا بتثبيتك لهم، حتى جعلت لهم مخرجًا بالهجرة إلى يثرب، ثم منَنْتَ عليهم بعد ذلك ببدر وما حقَّقت لهم فيها من نصر، فكانت فاصلةً بين مرحلة الإيذاء والاستضعاف ومرحلة العزة والتمكين، فيارب.. صبِّرنا كما صبَّرتهم، وثبِّتنا كما ثبتَّهم، واجعل لنا مخرجًا، وامنُن علينا ببدرٍ أخرى، بل ما أحوجنا إلى بدر في كل قطر من أقطارنا الإسلامية، وما ذلك عليك بعزيز، تُطوَى بها فتراتُ الإيذاء والاستضعاف وتبدأ فترة العزة والتمكين. إلهي.. قد عاهدناك على الجهاد في سبيلك والنصيحة بكل ما نملك من نفس ومال ووقت وجهد، وأن نقدم للدعوة كلنا لا بعضنا بمقتضى الصفقة الرابحة ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ...﴾ (التوبة: من الآية 111) تشمل ما يتصل بها من وقت وجهد وصحة وعلم وغير ذلك. اللهم يسِّر لنا الوفاء بهذا العهد، فلا نجبن ولا نثاقل عن الجهاد ولا نبخل بنفس أو مال في سبيلك، فالفتن كثيرة وجواذب الأرض تملأ حياة الناس، وإننا نشفق على أنفسنا كلما قرأنا إنذارك الشديد بالعذاب أو الاستبدال لمن يثاقلون أو يبخلون.. في قولك الكريم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)﴾ (التوبة) وقولك العزيز: ﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)﴾ (محمد). * إلهي.. كيف نبخل بنفس أنت صاحبها أو بمال أنت مُوهبه؟ وكيف نحرم أنفسنا هذا البيع الرابح والثمن الغالي؛ نتيجةَ بخل بنفس ستموت لا محالة ومال سنتركه وراءنا ثم نحاسَب عليه؟! * إلهي.. لقد طغى الظالمون وتجبَّروا واستوردوا كل حديث من وسائل التعذيب وأجهزته وأذاقوا عبادك المؤمنين على طريق الدعوة ألوانًا من الإيذاء والتعذيب تقشعر من ذكرها الأبدان، فالاعتقال والسجن والتفزيع والتشريد والتعذيب بصنوفه والقتل بسياط التعذيب أو على أعواد المشانق أو بطلقات الرصاص أو تحت أنقاض ما نسفوه من منازل أو مساجد أو في الحفر التي دفنوهم فيها أحياءً، بالإضافة إلى ما تعرض له الأخوات المسلمات لمثل ذلك من صنوف الإيذاء والتعذيب والقتل وغير ذلك مما يؤلم النفس ولا يساعدني القلم على ذكره. لقد ظن الطغاة أنهم لن يتعرَّضوا إلى أي مساءلة دنيوية أو أخروية على أفعالهم هذه، ففجَروا في بطشهم وتنكيلهم بالدعاة إلى الله، حتى كاد الناس أن يُفتَنوا.. نعلم يارب أنك لهم بالمرصاد ولست بغافل عما يعمل الظالمون، ولكنك تؤخِّرهم ليوم تشخص فيه الأبصار.. نعلم أنك تمهل ولا تهمل. * إلهي.. إننا نبثُّ شكوانا اقتداءً برسولنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم بعد ما أوذي في الطائف.. نشكوا إليك يارب ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربنا- يا أرحم الراحمين- إلى مَن تكلنا؟ إلى بعيد يتجهمنا أم إلى عدوٍّ ملَّكْتَه أمرَنا؟ إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نبالي ولكن عافيتك هي أوسع لنا، نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بنا سخطك أو يحل علينا غضبك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك. * يارب.. نلجأ إليك بالدعاء وسط هذا الظلم والظلام كما لجأ إليك عبدُك ونبيُّك يونس عليه السلام من بطن الحوت في ظلمات البحر وظلام الليل، ندعوك يارب ونقول لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وكلنا أمل يا رب أن تنجيَنا من الغمِّ ومن هذا الظلم والظلام كما نجيته يا رب العالمين. * يا رب.. ندرأ بك في نحور الجبارين الظالمين ونعوذ بك من شرورهم، اللهم اكفنا شرَّهم واصرف عنا أذاهم ﴿رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ (يونس:85، 86) اللهم اكفناهم بما شئت وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير. * لقد ظنوا أنهم يحاربون أشخاصنا وأجسامنا هذه الضعيفة التي جعلوها أهدافاً لسياطهم ورصاصهم ومشانقهم ولكنهم واهمون مخطئون، إنهم في الحقيقة يحاربونك ويحاربون دينك في أشخاصنا، فقد بعنا أنفسنا لك وليس لأشخاصنا حظٌّ دنيوي ننازعهم فيه، فأنت الذي تذود عنا وتدافع عنا وتنتقم لنا إن شئت أو تعفو إن شئت، لا نتألَّى عليك، فإن شئت عذبت الظالمين وإن شئت تُبت عليهم، فقد قلت لرسولك من قبل: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)﴾ (آل عمران) وقلت: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)﴾ (البروج). *إلهي.. إن الظالمين والمظلومين كلهم عبيدك، تعذب من تشاء وتغفر لمن تشاء بعدلك وحكمتك ورحمتك، وما أنت بظلام للعبيد، ولا تُسأل عما تفعل، ومن باع نفسه لله فلا حقَّ له عند من آذاه، فالحقُّ حقك يا رب، إننا ننظر إلى هؤلاء الظالمين على أنهم تعساء بائسون، غلبتهم أنفسهم وزيَّن لهم الشيطان الظلم، وعرَّضوا أنفسهم بذلك إلى جزاء الظالمين، وكان من الممكن أن نتبادل معهم المراكز فنكون نحن الظالمين وهم المظلومين فنحمدك يا رب أن قدَّرت لنا ألا نكون الظالمين فنتعرَّض لغضبك وعذابك، بل كنا المظلومين الذين وعدت بنصرهم وبأجرهم على صبرهم. * إلهي.. ما أحوجَنا إزاء هذا الظلم إلى الصبر!! فأفرغ علينا صبرًا نستعين به على هذا الظلم فقد دعوتَنا في كثير من الآيات القرآنية إلى الصبر فقلت: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)﴾ (البقرة) وقلت: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ (الفرقان:20) نصبر بعون منك وقلت: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(200)﴾ (آل عمران). * إلهي.. لقد صبَّرتنا فصبرنا وثبَّتنا فثبتنا ولا نُرجع شيئًا من ذلك إلى أنفسنا أو إلى قُدرتنا، ولكننا نُرجع ذلك كله إليك، فالفضل منك وإليك، فقد قلت لنبيك عليه الصلاة والسلام: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ﴾ (النحل: من الآية 127)، فاللهم صبرًا من عندك. * إلهي.. لا تحرمنا أجر الصابرين فقد قلت: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (الزمر: من الآية 10) ولا تحرمنا بهذا الصبر معيَّتك فقد قلت: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: من الآية 153) إننا يا رب مستبشرون رغم هذا الظلم ونعلم أنه لا بد له من نهاية، ولا بد لهذا الليل من فجر وشروق، ونذكر كيف بشَّر رسولنا الحبيب المؤمنين في مكة عندما اشتكوا له شدة إيذاء قريش فقال لهم: "والله ليتمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون" وكلما قرأنا قول سيدنا موسى إلى قومه إزاء تهديد فرعون لهم بالعذاب حيث قال موسى لقومه: ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(128)﴾ (الأعراف) استبشرنا واطمأنَنَّا فاجعلنا يا رب من المتقين وصبِّرنا وامنُنْ علينا بالنصر. * إلهي.. نحن أشدُّ ما نكون حاجةً وسط هذا الظلم والظلام إلى سكينتك تتنزَّل علينا وإلى رحمتك تتغشَّانا، فلا نفزع ولا نجزع، فاملأ يا رب قلوبنا بنورك الذي لا يخبو، واشرح يا رب صدورنا بفيض الإيمان بك وجميل التوكل عليك، واستر يا رب عوراتنا، وآمن روعاتنا، وسدِّد خطانا، وألهمنا رشدنا، واغفر لنا زلاتنا ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ (البقرة:من الآية286) ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ(89)﴾ (الأعراف: من الآية89 ). * إلهي.. طال بنا ليل الظلم والظلام فامنُن علينا بصبح يشرق علينا بنور الإيمان، فيبدِّد ظلام الكفر والجاهلية.. وامنُن علينا بنصر تمحق به الكفر والكافرين وتقطع به دابر الظلم والظالمين. * إلهي.. هاهم العاملون الصادقون لنصرة دينك قليلون مستضعفون مطاردون يتخطَّفهم الناس، فآوِهم يا رب بنصرك وارزقهم من الطيبات ووفِّقهم لشكرك فقد مننْتَ على المؤمنين الأولين الذين ناصروا دينك مع نبيك صلى الله عليه وسلم فقلت: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)﴾ (الأنفال)، فيا ربَّ المستضعفين حقِّق لنا مثل ما حقَّقت لهم نكن لك من الشاكرين. * يارب.. إن الأمل يملأ قلوبنا رغم كل هذا الظلم والظلام ونؤمن أن المستقبل لهذا الدين تحقيقًا لقولك العزيز: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)﴾ (الفتح) ونعلم أن سنتك ستتحقق: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ (الرعد: من الآية17) وقولك: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ (الأنبياء: من الآية18) فاجعلنا يا رب أهلاً لأن نكون رمز الحق الذي تقذف به على الباطل فإذا هو زاهق. * إلهي.. رغم القيود الحديدية وظلام السجون والمعتقلات نشعر بالحرية والنور، فقد تخلصنا بعونك من أغلال الشهوات والمطامع الدنيوية واسترنا بنور القرآن وهداية الإيمان، ونشعر بالقوة رغم بطش الأعداء وإيذائهم وتعذيبهم لنا لأننا نركن إليك ونلجأ إليك وأنت القوى العزيز المنتقم. ونشعر يا رب بالعزة رغم تسلط الأعداء وتحكمهم وإعناتهم؛ لأننا نعلم أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، نشعر بالاطمئنان رغم كيد الأعداء وتفزيعهم وتهديدهم؛ لأنا نأوي إلى ركن شديد، ونعلم أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وقد أسلمنا أنفسنا إليك وفوَّضنا أمورنا إليك، يا من بيده الأمر وهو على كل شيء قدير، فأنت يا رب حسبنا ونعم الوكيل، ندرأ بك في نحور الأعداء والجبَّارين. * يا رب.. بك نستعين فأعنَّا، وبك نستغيث فأغثنا، وبك نستجير فأجرنا، وبك نستنصر فانصرنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، يا نعم المولى ونعم النصير. * إلهي.. لقد وعدت- ووعدك الحق- بالنصر والتأييد والتثبيت والدفاع والتمكين للمؤمنين ولم يرد النص بشيء من ذلك للمسلمين فقد قلت: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم: من الآية 47) وقلت : ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ (غافر: من الآية 51) وقلت: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ (إبراهيم: من الآية 27) وقلت: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (الحج: من الآية 38) وقلت ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ (النور: من الآية 55) كما قصرت الصفقة الرابحة على المؤمنين فقلت:﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ﴾ (التوبة: من الآية 111) وفي كثير من آيات كتابك وعدت بالجنة للذين آمنوا وعملوا الصالحات. وقبل الختام.. فإن نِعَمُ الله علينا وبركاته تتوالى وتتماطر، رغم كل هذه الابتلاءات والمحن، وكل يوم يمرُّ نحس بأننا نقترب من الفجر الصادق الذي سيشرق على هذه الأمة عما قريب بإذن الله تبارك وتعالى- نسأل الله العظيم الجليل أن يثبتنا على هذا الصراط المستقيم- صراط الله الذي سار عليه أنبياؤه العظماء والصحابة الكرماء وأتباعهم الأصفياء في كل أرض وتحت كل سماء. وما أجمل أن نختم تلك المناجاة وهذا التضرع بوصية الإمام الشهيد: أيها الأخ استعن ربك، وأحضِر قلبك، وارفع إلى الله حاجتك، واختم بالصلاة والسلام على النبي وآله، واجعله آخر كلامك لتكتال بالمكيال الأوفى، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
__________________
![]() الله غايتنا رسولنا زعيمنا رسولنا قدوتنا قرآننا دستورنا قرآننا شرعتنا جهادنا سبيلنا والموت فى سبيل الله اسمى امانينا
|
#2
|
||||
|
||||
![]() جزاك الله خير الجزاء اخي على الموضوع القيم جعله الله في ميزان حسناتك واثابك الثواب العظيم نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم الدعاء وصالح الأعمال. |
#3
|
|||
|
|||
![]() الدعاء من أحسن العبادات وأعلاها منزلة
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( ان الدعاء هو العبادة )) اليك الشكر الجزيل على الموضوع وبارك الله فيك
__________________
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ![]() راقب افكارك لأنها ستصبح أفعالك راقب أفعالك لأنها ستصبح عاداتك راقب عاداتك لأنها ستصبح طباعك ![]() راقب طباعك لأنها ستصبح مصيرك ![]() ![]() ![]() لاالاه الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |