|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() خطبة: دروس من بيت الرميصاء د. عطية بن عبدالله الباحوث الحمدُ لله برحمته اهتدى المُهتدونَ، وبعدلِهِ وحكمَتِهِ ضلَّ الضَالونَ، الحمد لله شرح صدور المؤمنين فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم.. الحمد لله المحمود على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل الضلال، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يُسألُ عمَّا يفعلُ وهم يُسألونَ. وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُه، ترَكنا على مَحجَّةٍ بَيضَاءَ لا يزيغُ عنها إلاَّ أهُلُ الأهواء ِوالظُّنونِ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آله وأصحابِه وأتباعِه بإحسانٍ إلى يومٍ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنونَ إلاَّ مَنْ أتى اللهَ بِقلبٍ سَلِيمٍ. أما بعد: فقد دخل نور الإسلام إلى المدينة يحمل رايته صاحب المدينة صلى الله عليه وسلم فشرق وغرب وأصاب بيتًا من بيوت الأنصار فسكن في جنباته وعاش معهم روحًا يهدي به الله من يشاء إنه بيت الرميصاء، منه نتعلم وعنده نقف لكي ننهل من المورد العذب الصافي معاني الحياة الإسلامية الصادقة في صورة الأسرة المؤمنة. أُمُّ سُلَيْمٍ "الرُّميصاء"، وقيل: الغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ الأَنْصَارِيَّةُ: (آمَنَتْ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: فَجَاءَ أَبُو أَنَسٍ (مَالِكُ بنُ النَّضْرِ) وَكَانَ غَائِبًا، فَقَالَ: أَصَبَوْتِ؟ فَقَالَتْ: مَا صَبَوْتُ، وَلَكِنِّي آمَنْتُ. وَجَعَلَتْ تُلَقِّنُ أَنَسًا: قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، قُلْ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوْلُ اللهِ، فَفَعَلَ، فَيَقُوْلُ لَهَا أَبُوْهُ: لاَ تُفْسِدِي عَلَيَّ ابْنِي. فَتَقُوْلُ: إِنِّي لاَ أُفْسِدُهُ. فَخَرَجَ مَالِكٌ، فَلَقِيَهُ عَدُوٌّ لَهُ، فَقَتَلَهُ، فَقَالَتْ: لاَ جَرَمَ، لاَ أَفْطِمُ أَنَسًا حَتَّى يَدَعَ الثَّدْيَ، وَلاَ أَتَزَوَّجُ حَتَّى يَأْمُرُنِي أَنَسٌ)[1]. رأت الكفر قد استولى على قلب الزوج فأرادت أن تنقذ الفطرة التي في نفس ابنها أنس فأدخلته في الإسلام حاملة هم الدعوة لتقدم للإسلام والمسلمين العالم الصادق المجاهد أنس بن مالك. لم تتوقف أم سليم عند مجرد إسلام أنس بل سعت لنقله في مشروع عظيم يجمع له بين سعادة الدارين، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قدم المدينة أخذ الناس يتقربون إلى الله بتقديم الهدايا وما يستطيعون من البذل لشخص النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تجد "الرميصاء" إلا أن تبذل ولدها الوحيد ليعيش خادمًا لسيد المرسلين قال أنس: (جَاءَتْ بي أُمِّي أُمُّ أَنَسٍ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَقَدْ أَزَّرَتْنِي بنِصْفِ خِمَارِهَا، وَرَدَّتْنِي بنِصْفِهِ)[2]، وفي رواية: (فقالت: يا رسولَ اللهِ، خُوَيْدِمُكَ ادْعُ اللهَ له. قال: اللَّهُمَّ كثِّرْ مالَه وولَدَه، وأَطِلْ عُمُرَه، واغفِرْ ذَنْبَه، قال أَنَسٌ: فقد دفَنْتُ من صُلْبي مِئَةً غيرَ اثنيْنِ، أو قال: مِئَةً واثنيْنِ، وإنَّ ثَمَرتي لَتَحمِلُ في السَّنةِ مرَّتيْنِ، ولقد بَقيتُ حتى سئِمْتُ الحياةَ، وأنا أَرْجو الرابعةَ)[3]. فقر في ذات اليد فلم تجد غير خمارها لتلبس ابنها لكنه غنى في النفس وقوة إيمان ونظرة إلى ما عند الله والدار الآخرة فاستجاب الله لها وسرَّها في ابنها ببركة التضحية والعطاء في سبيل الدعوة إلى الله. وفت بحق ابنها وقد تقدم لزواجها رجال وقد كتب الله لها أن يتقدم لها زيد بن سهل بن الأسود بن حرام المشهور بأبي طلحة كان رجلًا شجاعًا كريمًا مقدامًا قلَّ أن ترى مثله قال أنس: ((خطبَ أبو طلحةَ أمَّ سُلَيمٍ فقالَتْ واللهِ مَا مثلُكَ يا أبا طلحةَ يُرَدُّ ولكنَّكَ رجلٌ كافرٌ وأنَا امرأةٌ مسلمةٌ ولا يحلُّ لي أنْ أتزوجَكَ فإنْ تُسْلِمَ فذَاكَ مهرِي ولا أسألُكَ غيرَهُ فأسلمَ فكانَ ذلِكَ مهرَهَا قالَ ثابتٌ فما سمعْتُ بامرأةٍ قطُّ كانَتْ أكرمَ مهرًا مِن أمِّ سُلَيمٍ الإسلامُ فدخلَ بِهَا)[4]. الله وأكبر .. عندما يعيش الإنسان لدينه كيف يؤسس القيم أعمالًا تمشي على الأرض، ما نظرت أم سليم للدنيا وقد ذاقت مرارة الزوج الكافر في شخص أبي أنس فأرادت أن تجدد حياتها مع الإيمان ولكي تجد حلاوة هذا الإيمان جعلت مهرها أعز مهر امرأة في تاريخ الإسلام لتخبر النساء جميعًا أن المهر اغلاه وأحلاه ما أخذ من حلال وانفق في حلال وابتغي به وجه الله. عاشت أم سليم تبني بيتها في روعة تنظيم، وجمال عطاء وحب وأمان وطاعة وبذل فلينصت التاريخ وأهله ويقف الزمان لنستمع لروعة الأسرة المسلمة في مشهد قد لا تجده في الدنيا إلا في زوايا ضيقة لا يعرفها إلا أهلها: فعن أنس قال: (مَاتَ ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ، مِن أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقالَتْ لأَهْلِهَا: لا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بابْنِهِ حتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ قالَ: فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إلَيْهِ عَشَاءً، فأكَلَ وَشَرِبَ، فَقالَ: ثُمَّ تَصَنَّعَتْ له أَحْسَنَ ما كانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذلكَ، فَوَقَعَ بهَا، فَلَمَّا رَأَتْ أنَّهُ قدْ شَبِعَ وَأَصَابَ منها، قالَتْ: يا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْتَ لو أنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ، فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ، أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟ قالَ: لَا، قالَتْ: فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ، قالَ: فَغَضِبَ، وَقالَ: تَرَكْتِنِي حتَّى تَلَطَّخْتُ، ثُمَّ أَخْبَرْتِنِي بابْنِي، فَانْطَلَقَ حتَّى أَتَى رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأخْبَرَهُ بما كَانَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكُما في غَابِرِ لَيْلَتِكُما قالَ: فَحَمَلَتْ، ... فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَقالَتْ لي أُمِّي: يا أَنَسُ لا يُرْضِعُهُ أَحَدٌ حتَّى تَغْدُوَ به علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ، فَانْطَلَقْتُ به إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ فَصَادَفْتُهُ وَمعهُ مِيسَمٌ، فَلَمَّا رَآنِي قالَ: لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ؟ قُلتُ: نَعَمْ، فَوَضَعَ المِيسَمَ، قالَ: وَجِئْتُ به فَوَضَعْتُهُ في حِجْرِهِ، وَدَعَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بعَجْوَةٍ مِن عَجْوَةِ المَدِينَةِ، فلاكَهَا في فيه حتَّى ذَابَتْ، ثُمَّ قَذَفَهَا في فِيِّ الصَّبِيِّ، فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهَا، قالَ: فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: انْظُرُوا إلى حُبِّ الأنْصَارِ التَّمْرَ قالَ: فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ)[5]. اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم إنك أنت الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه سبحانه، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، أما بعد: هذا إطلالة ووقفة مع البيت المبارك الذي أعطى للإسلام نصحًا وبذلًا ولكن الله لا يضيع أجر المحسنين؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْفَةً، فَقُلتُ: مَن هذا؟ قالوا: هذِه الغُمَيْصَاءُ بنْتُ مِلْحَانَ أُمُّ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ)[6]، بشرها النبي بالجنة حين رمت بالدنيا خلف ظهرها فاستقبلتها الجنة بروحها وريحانها. صبرت على فقد ابنها فكان جزاء الصبر دعوات النبي حيث َقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا فِي لَيْلَتِهِمَا). قَالَ راوي الحديث: فَلَقَدْ رَأَيْتُ لِذَلِكَ الغُلاَمِ ( عبدالله ) سَبْعَ بَنِيْنَ، كُلُّهُمْ قَدْ خَتَمَ القُرْآنَ)[7]. حب هذه الأسرة للدين ولشخص النبي الكريم كان يبادلهم صلى الله عليه وسلم بحب أعظم ففي الحديث: ( أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ بَيْتًا بالمَدِينَةِ غيرَ بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ إلَّا علَى أزْوَاجِهِ، فقِيلَ له، فَقَالَ: إنِّي أرْحَمُهَا قُتِلَ أخُوهَا مَعِي)[8] وعن أم سليم قالت: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقيلُ في بَيْتي، وكنتُ أبسُطُ له نِطعًا، فيَقيلُ عليه، فيَعرَقُ، فكنتُ آخُذُ سُكًّا، فأعجِنُه بعَرَقِه )[9]. وإن أعظم ما يتعلم من هذه الأسرة المباركة أن الإسلام رحلة عمر تبدأ بالتوحيد وتمر بالعمل الصالح والبذل للدين وتنتهي عند رب العالمين في جنة النعيم. اللَّهُمَّ يَا سَمِيعَ الدَّعَوَاتِ، يَا مُقِيلَ العَثَرَاتِ، يَاقَاضِيَ الحَاجَاتِ، يَا كَاشِفَ الكَرُبَاتِ، يَا رَفِيعَ الدَّرَجَاتِ، وَيَا غَافِرَ الزَّلاَّتِ، اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، الأحْيَاءِ مِنْهُم وَالأمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ. اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، اللهم أصلح لنا شأننا كله، ولاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك!. اللهم اكف المسلمين كيد الكفار، ومكر الفجار، وشر الأشرار، وشر طوارق الليل والنهار يا عزيز يا غفار. ﴿ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 53]، ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]. سبحان ربِّنا رب العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [1] أخرجه ابن سعد (8 / 425). [2] مسلم (2481). [3] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (653)، وابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (8451)، وأبو يعلى (4236). [4] صححه ابن حجر في الفتح أخرجه النسائي (3341)، والطبراني (5/91) (4676) - باختلاف يسير - وابن حبان (7187) مطولًا. [5] مسلم (2144). [6] مسلم (2456). [7] قال الأرناؤوط في التعليق على "سير أعلام النبلاء": أخرجه ابن سعد (8 / 434) من طريق سعيد بن منصور، عن أبي الاحوص بهذا الإسناد. ورجاله ثقات. [8] البخاري (2844) قال الذهبي: (قُلْتُ: أَخُوْهَا هُوَ حَرَامُ بنُ مِلْحَانَ الشَّهِيْدُ، الَّذِي قَالَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُوْنَةَ: فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، لَمَّا طُعِنَ مِنْ وَرَائِهِ، فَطَلَعَتِ الحَرْبَةُ مِنْ صَدْرِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.) سير أعلام النبلاء. [9] قال شعيب الأرناؤوط في التعليق على "سير أعلام النبلاء": إسناده صحيح، وهو في " طبقات ابن سعد " (8 / 428) والسك نوع من الطيب مركب من المسك.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |