قصة يوسف: دروس وعبر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         السعودية تعلن غدًا أول أيام شهر ذي الحجة.. وعيد الأضحى الجمعة 6 يونيو (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          عون المعبود شرح سنن أبي داود- الشيخ/ سعيد السواح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 399 - عددالزوار : 85704 )           »          ياصاحبي..... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 8 - عددالزوار : 1142 )           »          ‌‌العلاقة بين الإسلام والعلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          الإخلاص في العمل عبادة .. فوائد الإخلاص وأثره في حياة المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          تأثير الغرب على مدرسة العقل في العصر الحديث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          الشباب وهوس الموضة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          نصائح لمساعدة الأطفال على التعامل مع المشاعر القوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          تغيير السردية الأوروبية حول تاريخ العلم : لماذا تعد التعددية الثقافية أمرا جوهريا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          كيف يطرح المعلم أسئلة على الطلاب لا تجيب عنها هواتفهم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-09-2021, 02:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,714
الدولة : Egypt
افتراضي قصة يوسف: دروس وعبر

قصة يوسف: دروس وعبر
د. سامي بشير حافظ



بداية القصة


إن الحمد لله نحمده ونستعينه، أما بعد:
فأيها المؤمنون، إن القصص وسيلة من وسائل جذب القلوب، وإصغاء الآذان، ولفت الانتباه، والناظر إلى القرآن يجد أنَّ الله عز وجل أكثر من القصص فيه، قصص الأنبياء والمرسلين، والأمم السابقة الغابرة، وقصص لأفراد وجماعات، بل سُميت سورة من القرآن بسورة القصص، وما ذاك إلا لأهمية القصة وأثرها على المتلقي وعلى النفس البشرية، ومن تلك القصص التي ذكرها لنا الله عز وجل كاملة في سورة واحدة متصلة متناسقة قصة يوسف عليه السلام، والتي قال الله عنها: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ [يوسف: 3]، وقال في نهاية السورة: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111].

فقصة يوسف أحسن القصص، ومن أبدعها، وأجملها، وأكثرها إثارة، وتأثيرًا على النفس، قصة يوسف عليه السلام من القصص المحببة للنفوس، المليئة بالمواقف والأحداث، والعبر والدروس، قصة يوسف فيها أحوال وحالات وتنقلات، من الحرية إلى الرِّق، ومن الاجتماع إلى الافتراق، ومن محنة إلى محنة، ومحنة إلى منحة، وابتلاء وفتنة، وسجن وبلاء، وتمكين وعز بعد ذل ورقٍّ، ومن حزن إلى سرور، وجدب إلى رخاء، وأحوال كثيرة، لذلك كانت أحسن القصص، قصة يوسف عظة وعبرة لكل مهموم ومحزون، ومبتلى ومريض، وهي كما قال العلماء: "ما قرأها محزون إلا سُرِّيَ عنه".

والكثير منَّا قد يمر بهذه القصة مرورًا عابرًا، بتلاوة لآياتها فقط، وعيش مع أحداثها بشكل عام، دون تأمل ولا اعتبار، ولا استخلاص ما فيها من فوائد وعبر، لذلك قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111]؛ أي: لا يستفيد ولا يعتبر من هذه القصص إلا أصحاب العقول المتدبرة المتأملة المتبصرة، لذلك سنقف مع قصة يوسف عليه السلام وقفات عدة في خطب متفرقة بإذن الله تعالى، نستخلص منها الدروس والعبر والفوائد؛ لتكون لنا مناهجًا نسير عليه في حياتنا وتعاملاتنا مع الآخرين.

يقول تعالى في بداية هذه القصة: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [يوسف: 3]، يُخبر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أنه يقص عليه أحسن القصص بما اشتمل عليه هذا القرآن الذي أوحاه إليه، وكان من قبل نزول القرآن لمن الغافلين، فهو لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان.

﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ [يوسف: 3]، الذي يقُص علينا قصة يوسف عليه السلام هو الله عز وجل سبحانه وتعالى، فالقصة وقعت قبل آلاف السنين، ولكنها صحيحة واقعية بكافة تفاصيلها وأحداثها المذكورة؛ لأن المتحدث بها هو الله سبحانه، فيجب علينا أن نُرعِ لها أسماعنا وآذاننا، ونقف معها متأملين متَّعظين معتبرين، يقص الله علينا قصة يوسف عليه السلام كاملة تامة بأحسن أسلوب وطريقة وجمال، فلا حاجة لنا أن نستدرك عليها بما ذكر فيها من إسرائيليات لا فائدة منها، قصة يوسف عليه السلام فيها أحوال وحالات وتنقلات، من الحرية إلى الرِّق، ومن الاجتماع إلى الافتراق، ثم اجتماع بعد افتراق، ومحنة إلى محنة، ومحنة إلى منحة، وابتلاء وفتنة، وسجن وبلاء، وتمكين وعز بعد ذل ورقٍّ، ومن حزن إلى سرور، وجدب إلى رخاء، وأحوال كثيرة لذلك كانت أحسن القصص.

أيها المؤمنون، القصص في القرآن ليست للتسلية وإضاعة الأوقات، بل هي للعبرة والاتعاظ، فعلينا أن نقرأ قصص القرآن، ونستخرج منها الدروس والفوائد ونعمل بها.

ثم قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ [يوسف: 4]، لَمَّا مدح الله تعالى ما اشتمل عليه هذا القرآن من القصص، وأن من أحسنها قصة يوسف عليه السلام، بدأ هذه السورة بهذه الرؤيا التي رآها يوسف عليه السلام، فقصَّها على أبيه يعقوب عليه السلام، حيث رأى أن الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا يسجدون له.

من الفوائد والعبر: من الجميل أن يحكي الابن لأبيه ما يحصل له من مشكلات أو مواقف، أو حتى بعض ما يراه في نومه، سواء كان حُلمًا أو رؤيا، فيُعلِّمه أحكام الأحلام والرؤى وغيرها، ويطمئنه ويُهدِّيه، كذلك لا بد للوالدين أن يجعلا بينهما وبين أولادهم ذكورًا وإناثًا تواصلًا وتقاربًا، كلٌّ بحسب عمره، فالطفل يختلف عن المراهق وعن الشاب الكبير، فبعض الأبناء أو البنات يخشون أن يخبروا آباءهم أو أمهاتهم بما وقع لهم في المدرسة أو مع زميل لهم، خشية أن يعاقَب أو يُضرَب، فتجده يصمت وتزداد المشكلة، وربما ذهب إلى بعيد أو صديق سيء بحثًا عن العلاج، فتقع المصيبة خاصة في بعض المشكلات الجنسية، أو التي تتعلق بالأعراض.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين وناصر المظلومين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى العدنان عليه أفضل الصلاة وأتم السلام؛ أما بعد:
ثم قال تعالى مخبرًا عن يعقوب قوله: ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [يوسف: 5، 6]. عندما سمع يعقوب عليه السلام ما رآه يوسف عليه السلام من رؤيا حسنة، عَلِمَ عليه السلام بتأويلها وحسنها، وما فيها من خير ورفعة ومكانة ليوسف عليه السلام، فنهاه أن يقصها على إخوته ويُخبرهم بها، لعلمه بعدم محبتهم له، وخشي عليه أن يكيدوا له كيدًا ويحسُدونه، ثم أخبره أبوه بأن الله كما أراه هذه الرؤيا الحسنة، فسوف يجتبيه ويصطفيه، ويعلِّمه تأويل الرؤى، ويتم نعمته عليه بأن يرسله ويوحي إليه، كما أتم هذه النعمة على أبويه من قبل إبراهيم وإسحاق إن الله عليم حكيم جل وعلا.

من الفوائد والعبر أيها الكرام: منع يعقوب عليه السلام ابنه يوسف من أن يقُصَّ الرؤيا على أقرب الناس إليه وهم إخوته؛ لأنه يعلم قبل ذلك كره إخوته وبُغضهم له، وقد يعرفون تأويلها الحسن والذي يبشر بخير، فيكيدون له ويحسدونه، قال له: ﴿ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ إذا علم الأب أو غيره أنَّ أحدًا ما يُخشى منه الحسد أو العين، وجب أخذ الحيطة منه والتحذير منه، خاصة أنَّ بعض الناس قد يُعرف بين الناس بعينه الحاسدة الخبيثة، ﴿ لا تقصص رؤياك على المرء أن يُخفي نِعَمه ونِعم أهل بيته التفصيلية على بعض الناس، ممن يُخشى منهم الحسد والعين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود)؛ صححه الألباني.

﴿ لا تقصص رؤياك على إخوتك، نعم قد يصل الحسد من بعض الناس أنه قد يَحسُدك على رؤيا في المنام لَمَّا تتحقق بعدُ، أو يجعله حقده وبُغضه وحسده لك يُفسِّرها تفسيرًا سيئًا، فيُوقع في نفسك الحزن والضِّيق، وهذا إن دل يدل على خبث بعض النفوس وضعفها.

أيها العبد الضعيف لا تُحدِّث كل أحد بما تراه في منامك من رؤى حسنة، بل حدِّث بها مَن تحب، وقد ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (الرؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يُحب فلا يُحدِّث به إلا من يُحب)[1]، وإذا رأى المرء في منامه ما يكره فلا يحدِّث بها أحدًا، فإنها لا تضُره، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه، فلينفث حين يستيقظ ثلاث مرات، ويتعوذ من شرها، فإنها لا تضره)، قال أبو سلمة: "وإن كنت لأرى الرؤيا أثقل عليَّ من الجبل، فما هو إلا أن سمعت هذا الحديث فما أباليها"[2]، ثم قال له: ﴿ فيكيدوا لك كيدا قد يصل الحسد ببعض الناس إلى أن يكيدوا لك ويخططوا ويتآمروا عليك تشفِّيًا وحسدًا، وتمنيًا لإبعاد النعمة عنك وزوالها، ﴿ إن الشيطان للإنسان عدو مبين، فالحسد هو من الشيطان يُريد أن يُوقع بين العباد الشحناء والبغضاء، فعلى العبد أن يحذر من خطواته ولا يسترسل معه، بل عليه أن يُدافع الحسد ويُبعده عن قلبه وفكره، ويجاهد نفسه بشتى الوسائل، ومنها الدعاء أن يُطِّهر الله قلبه من الحسد، وأن يدعو لصاحب النعمة بالبركة وزيادة الخير، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأى أحدكم من أخيه ما يُعجبه، فليَدعُ له بالبركة).


فاللهم اصرِف عنا كلَّ شر وكلَّ عين حاسدة ومعجبة، وكل ذي شر يا رب العالمين.

ألا فصلُّوا وسلِّموا على مَن أمركم الله بالصلاة عليه...


[1] رواه البخاري.

[2] رواه البخاري.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-09-2021, 02:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,714
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قصة يوسف: دروس وعبر

قصة يوسف: دروس وعبر (2)
د. سامي بشير حافظ




بداية قصة يوسف مع إخوته







إن الحمد لله نحمده..



قصة يوسف وما أدراك ما قصة يوسف، قصة مليئة بالدروس والعبر والعظات، قصها الله علينا عظة وعبرة للسائلين المعتبرين المتأملين، يقول تعالى في بداية القصة: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [يوسف: 7، 8].








يُخبر الله عز وجل أن في سورة يوسف آيات وعبرًا ومواعظ للسائلين عن ذلك المستخبرين عنه، ثم صرح إخوة يوسف لبعضهم البعض بأن يوسف وأخوه بنيامين - وكان صغيرًا شقيقه لأمه - بأن أباهم يحبهما أكثر منهم مع أنهم عصبة؛ أي: جماعة، ثم رأوا أن أباهم في ضلال مبين بسبب تقديمهما عليهم، ومحبتهما أكثر منهم، من الفوائد والعبر: ﴿ لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين ﴾، ففي خبر يوسف وإخوته وقصته معهم مواقف عدة وآيات وعبر ودروس، ولن يستفيد منها إلا السائلين عنها وعن العبر التي فيها، والسائل الذي يسأل ويقرأ ويستفسر، ويتأمل ويتدبر، هو من ينتفع ويستفيد من الآيات والعبر، أمَّا المُعرض البعيد الذي لا يسأل عن العلم ولا الخير، فلن يستفيد شيئًا.







﴿ إذ قالوا ليوسف وأخوه أحبُّ إلى أبينا منا ﴾، سبب حسد إخوة يوسف العشرة كلهم لأخيهم يوسف وبُغضهم وكيدهم له، ومحاولة التخلص منه بالقتل أو الرمي في الجب؛ لأنَّ أباهم أحبَّه أكثر منهم، ومجرد حب الأب لأحد أولاده، أمر لا يُلام عليه، فالحب لا يمكن تقسيمه بين الأولاد بنسب متساوية، وهو من الله عز وجل، فلا ضير فيه، وخاصة إذا كان هناك سببًا داعيًا لهذه المحبة؛ مثل حال يوسف كان صغير السن وأمه توفيت، وأما الذي يُلام عليه الوالدان ويحاسبان عليه عدم العدل بين الأولاد ذكورًا وإناثًا في الأعطيات والمعاملة وغيرها.







أيها المؤمنون، على العبد أن يحذر أن يحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه؛ إما مالًا، أو جمالًا، أو حسنَ خُلق، أو علمًا، أو ذكاءً، وليعلم أنَّ هذه النعمة من الله، فلا يعترض على ما قسمه الله ومنَّ عليه على خلقه، وقد يكون الحامل بداية الأمر على ما فعله إخوة يوسف هو الغيرة، والغيْرة فطرة وأمر طبيعي في النفس البشرية، فقد يغار الأخ من أخيه، والزوجة من ضَرَّتها، وغيرهم، ولكن قد تخرج الغيرة عن حدَّها الطبيعي، فتصبح مذمومة محرمة إذا تمادى فيها المرء، فسيصل به الشيطان بعدها في إيقاعه في الحسد والبغضاء والكره والظلم.







ثم قال تعالى: ﴿ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴾ [يوسف: 9]، من شدة غيرة إخوة يوسف وحسدهم، وصلوا إلى مرحلة خطيرة قرروا فيها أن يقتلوه ويتخلصوا منه، حتى يخلُ لهم وجه أبيهم أن يستمتعوا بنعمة أبيهم بمفردهم ولا يشاركهم فيها أحد، ثم قالوا: ﴿ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴾ [يوسف: 9]؛ أي: خطِّطوا أن يفعلوا هذه الجريمة ويتوبوا بعدها، ويكونوا صالحين، من الفوائد والعبر: إخوة يوسف قرَّروا هذا القرار الخطير الإجرامي (اقتلوا يوسف)، فلا تتعجب حينها أن قد يصل الحسد بالمرء أن يقتل أخاه، أو يسعى في سجنه، هذا إن كان أخوه فكيف بغيره من الأبعدين؟ نعم، قد تُنزع كل صور الرحمة والشفقة والحنان، والخوف من الرحمن، بسبب نار الحسد التي تتوقَّد وتتأجج في النفوس المريضة.







أيها المؤمنون، داء الحسد أول جريمة وقعت في السماء، حسد إبليس آدم عليه السلام لسجود الملائكة له بدلًا عنه، وأوَّل جريمة كانت في الأرض بسبب الحسد؛ حيث قتل قابيل أخاه هابيل، والحسد تمنِّي زوال النعمة من الآخرين، وقد يصل الحسد بالبعض إلى السعي لزوال النعمة بشتى الوسائل من (قتل، أو إفساد، أو تفريق بين متاحبين، أو بعمل سحر، أو نميمة، أو تشويه سمعة وغيرها)، وقد قيل: ما خلا جسد من حسد، ولكن الكريم يُخفيه، واللئيم يُبديه، فالمؤمن قد يقع في قلبه حسد للآخرين، ولكن خوفه من الله يمنعه من ذلك، فيدفعه ويرده بجميع الوسائل ولا يسترسل معه، ثم قالوا: ﴿ يخلُ لكم وجه أبيكم ﴾، فالحاسد يُريد أن ينفرد بالنعمة لنفسه خاصة، ولا يُريد أحدًا أن يُشاركه فيها، فهو أناني يُحب نفسه ويكره الخير للآخرين؛ لأن نفسه مريضة خبيثة، ثم قالوا: ﴿ وتكونوا من بعدِه قومًا صالحين ﴾، إخوة يوسف أضمروا التوبة قبل الذنب حتى تخفَّ عليهم المعصية، وتَسْهل عليهم، ويُشجِّع بعضهم بعضًا في ارتكابها، لذلك قد نرى بعض الناس من الشباب وغيرهم يُريد أن يقع في ذنب وخطيئة، فتجده يشجِّع غيره، فيُخبر من معه بأنهم إن وقعوا في الذنب، فسوف يتوبون بعد ذلك والله غفور رحيم، وهذه من حيل الشيطان حتى يُسهِّل عليهم الوقوع في المعصية.







ثم قال تعالى: ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ [يوسف: 10]، القائل هو أخوهم الكبير يهوذا، وكأنه لم يوافقهم على خطتهم الإجرامية في قتله، فاقترح عليهم بدل أن يقتلوه أن يرموه في غيابت الجب؛ أي: قعر البئر إن كانوا مصرين على التخلص منه، فتأتي سيارة؛ أي: قافلة تسير، فيأخذونه معهم وبذلك تخلصوا منه بدون قتل.







من الفوائد والعبر: قدِّم نصيحتك للآخرين، ولو كنت تظُن أنها لن تقبل أو لن يُسمع منك، فقد تكون بعض النصائح سببًا لمنع الظلم، والقتل، والإيذاء، وتخفيف الشر، ولو لم يُدفع بالكلية.







ثم قال تعالى: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [يوسف: 11، 12]، بدأ إخوة يوسف عليه السلام بتنفيذ مخططهم الشيطاني، فقالوا لأبيهم: (مالك لا تأمنا على يوسف)؛ أي: لماذا تخاف منا على يوسف بدون سبب، وطلبوا منه أن يتركه يذهب معهم يلعب، ووعدوه أنهم سيكونون له حافظين وناصحين.







من الفوائد والعبر: قال إخوة يوسف لأبيهم: ﴿ وإنا له لناصحون ﴾، ثم قالوا: ﴿ وإنا له لحافظون ﴾؛ أي ليوسف وهم كاذبون في ذلك، فلم يحفظوه بل ضيَّعوه، فانتبه، فقد يُظهر لك بعض الناس الخير على ألسنتهم ويخبرونك بحبهم وإرادة النصيحة لك، وحفظهم وخوفهم عليك، حتى يصلوا إلى هدفهم وغايتهم السيئة، وكل ذلك خلاف ما في باطنهم من شر وحقد وحسد، ثم قالوا: ﴿ أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب ﴾، قد يأتي بعض الناس لإيقاعك في الشر من طريق الخير الذي تحبه، فقد تكون ممن يُحب الخير والتَّبرع بالصدقات، فيُغرونك بذلك، ويحثُّوك حتى يحصلوا منك ما يريدون من مال، ثم يضعونه في غير ما أخبروك به من أمور محرمة، أو قضايا إجرامية، فتقع أنت الضحية في ذلك، وعلى المرء أن يكون فطنًا حذرًا، لا يُصدِّق كل أحد، وخاصة من لا يعرفه جيدًا.







ثم قال تعالى عن يعقوب: ﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ ﴾ [يوسف: 13، 14].







من الفوائد: قول يعقوب: ﴿ وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون ﴾، لا تتعجب من حرص الأب أو الأم على أولادهم، وخوفهم عليهم، خاصة إذا كانوا صغارًا، بل نجد ذلك ظاهرًا جليًّا على الأم حتى لو بلغ أولادها ما بلغوا من كِبَر، بل ولو تزوَّجوا فتجدها تخشى عليهم، وتتصل عندما يتأخروا، وتتابعهم في سفرهم وعند وصولهم، فهذه رحمة وضعت في قلبها وقلب الأب.







أقول قولي هذا وأستغفر الله لكم إنه هو الغفور الرحيم.











الخطبة الثانية



الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على المصطفى المجتبى سيد ولد آدم محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:



ثم قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [يوسف: 15]، فلما ذهب إخوة يوسف بيوسف أجمعوا على رميه في قعر البئر، ثم أوحى الله ليوسف في ذلك الوقت أنه سيخبرهم بفَعلتهم هذه، ثم بعد رميه: ﴿ وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 16 - 18]، ﴿ وجاؤوا أباهم عشاء يبكون ﴾، لا تُصدِّق كل من يبكي ويُنزل الدمعات، فهناك دموع كاذبة خائنة مضللة، ثم قال: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ [يوسف: 18]، سوَّلت؛ أي: زيَّنت لكم أنفسكم هذا الفعل القبيح، فعَلِم يعقوب عليه السلام كَذِب أولاده وما فعلوه بيوسف من القرائن والأحوال التي رآها من عدم تمزيق القميص، والرؤيا التي رآها يوسف، ولكنه فوَّض أمره لله وصبر على مصيبته، فقال: ﴿ فصبر جميل ﴾ الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه، ولا تسخط، ولا صياح، ولا نياحة، ولا اعتراض على قدر الله، بل احتساب الأجر عند الله.







أيها المؤمنون، فالعبد عند وقوع المصيبة، إما أن يصبر ويحتسب وينال الأجر، وإما أن لا يصبر ويتسخط ويعترض ويشتكي ويئِن وينوح، فمثل هذا أضاع على نفسه الأجر، ووقع في الإثم، وفي نفس الوقت لن يرجع ما فقده، فهو خاسر في كلا الحالات (خسر الدنيا والآخرة).







ثم قال يعقوب: ﴿ والله المستعان على ما تصفون ﴾، فالعبد الصالح دائمًا في وقت المصيبة وغيرها يستعين بربه ومولاه وخالقه، كاشف الكربات، مزيل الهموم والغموم، هو من بيده كل شيء سبحانه وتعالى، لذلك نكرر في كل ركعة ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].








فاللهم أعنَّا وسدِّدنا ووفِّقنا، وارزُقنا الصبر على كل مصيبة نزلت بنا، واجعلنا ممن يستعينون بك ويتوكلون عليك.







عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ [الأحزاب: 56].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.43 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.94%)]