|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
البيع في المسجد
البيع في المسجد محمد عبدالعاطي محمد عطية المساجد بيوت الله، والواجب أن تصان عن عقود البيع والشراء وغيرها من المعاملات المالية. التعريف: المسجد في اللغة: بيت الصلاة، وموضع السجود من بدن الإنسان، والجمع مساجد. وفي الاصطلاح: عرف بتعريفات كثيرة؛ منها: أنها البيوت المبنية للصلاة فيها لله فهي خالصة له سبحانه ولعبادته[1]. وكل موضع يمكن أن يعبد الله فيه ويسجد له[2]، لقوله صلى الله عليه وسلم: جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا[3]. وخصصه العرف بالمكان المهيأ للصلوات الخمس، ليخرج المصلَّى المجتمع فيه للأعياد ونحوها، فلا يعطى حكمه، وكذلك الربط والمدارس، فإنها هيئت لغير ذلك [4]. الدليل: عن عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ). والحديث حسَّنه الترمذي في جامعه، والنووي في "رياض الصالحين"، وابن حجر[5]، وغيرهم من العلماء. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ)[6]. ووجه الدلالة: أن نهي النبي صلي الله عليه وسلم يقتضي حرمة ذلك وعدم جوازه أو كراهته[7]. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: كثير من المساجد في أمريكا تحتوي على قاعة للصلاة وغرف ملحقة بها، فهل يجوز البيع والشراء في تلك الغرف لصالح المسجد؟ وهل يجوز البيع والشراء في القاعة المخصصة للصلاة (حرم المسجد)، أو الإعلان عن البضائع والخدمات فيها؟ فأجابت: "لا يجوز البيع والشراء، ولا الإعلان عن البضائع، في القاعة المخصصة للصلاة إذا كانت تابعة للمسجد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك"، وقال عليه الصلاة والسلام: "من سمع رجلًا ينشد ضالة في المسجد، فليقل: لا ردها الله عليك". أما الغرف ففيها تفصيل: فإن كانت داخلة في سور المسجد، فلها حكم المسجد، والقول فيها كالقول في القاعة، أما إن كانت خارج سور المسجد، ولو كانت أبوابها فيه، فليس لها حكم المسجد؛ لأن بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي تسكنه عائشة رضي الله عنها كان بابه في المسجد، ولم يكن له حكم المسجد[8]. واختلف العلماء رحمهم الله: هل هذا النهي للتحريم أم الكراهة، وإذا تم عقد البيع داخل المسجد، هل يحكم بصحته أم لا؟ والذي عليه جمهور العلماء: أن العقد صحيح مع الكراهة. وذهب الحنابلة ـ في المشهور من المذهب ـ إلى أن عقد البيع في المسجد محرم وباطل؛ لورود النهي عن البيع في المسجد، والنهي يقتضي الفساد. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "وحكى الترمذي في جامعه قولين لأهل العلم من التابعين في كراهة البيع في المسجد. والكراهة قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وهو عند أصحابنا كراهة تحريم، وعند كثير من الفقهاء كراهة تنزيه" [9]. وقال ابن هبيرة [10]رحمه الله: "وَاخْتلفُوا فِي البيع وَالشِّرَاء فِي الْمَسْجِد: فَمنع صِحَّته وجوازه: أَحْمد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: البيع جَائِز، وَيكرهُ إِحْضَار السِّلع فِي الْمَسْجِد وَقت البيع، وَينفذ البيع مَعَ ذَلِك، وَأَجَازَهُ مَالك وَالشَّافِعِيُّ مَعَ الْكَرَاهَة[11]". قال البهوتي رحمه الله: "فَإِنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فِي الْمَسْجِدِ: فَبَاطِلٌ، قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنَّمَا هَذِهِ بُيُوتُ اللَّهِ لَا يُبَاعُ فِيهَا وَلَا يُشْتَرَى، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الْبَيْعَ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ"[12]. الترجيح: ما ذهب إليه جمهور العلماء من صحة البيع هو الأقرب؛ لأن النهي يرجع إلى سبب خارج عن ماهية البيع وشروطه، وقد رجح هذا القول: ابن قدامة من الحنابلة، وشيخ الإسلام ابن تيمية. قال الجصاص رحمه الله: "وَلَوْ بَاعَ فِيهِ: جَازَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ تَعَلَّقَ بِمَعْنًى فِي غَيْرِ العقد[13]. قال ابن قدامة رحمه الله: "فَإِنْ بَاعَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِأَرْكَانِهِ، وَشُرُوطِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ وُجُودُ مُفْسِدٍ لَهُ، وَكَرَاهَةُ ذَلِكَ لَا تُوجِبُ الْفَسَادَ، كَالْغِشِّ فِي الْبَيْعِ وَالتَّدْلِيسِ وَالتَّصْرِيَةِ. وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: (قُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ)، مِنْ غَيْرِ إخْبَارٍ بِفَسَادِ الْبَيْعِ: دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ"[14]. وقال ابن خزيمة رحمه الله: "لَوْ لَمْ يَكُنِ الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ) معني[15]. وقال ابن بطال[16] رحمه الله: "وقد أجمع العلماء أن ما عُقد من البيع في المسجد: أنه لا يجوز نقضه، إلا أن المسجد ينبغي أن يُجنب جميع أمور الدنيا"[17]. وهذا الإجماع وإن كان في نقله نظر، لما سبق من نقل الخلاف عن الحنابلة، إلا أنه يفيد أن هذا قول عامة العلماء، والله أعلم. [1] تفسير النسفي 4 / 1 - 3 ط. دار الكتاب العربي - بيروت. [2] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2 / 78 ط. دار الكتب المصرية 1935م. [3] أخرجه البخاري ( فتح الباري 1 / 533 ) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما. [4] إعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشي 8 ط، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. [5] نتائج الأفكار للسفرياني (1/ 297)؛ تحقيق عبدالعزيز الهبدان 1996م. [6] سنن أبي داود كتاب الصلاة, باب: تفريع أبواب الجمعة (ج1/ 454) رقم (1079). [7] نص الشافعية على أن حرمة البيع ونحوه، في حق من جلس له في غير المسجد، أما إذا سمع النداء فقعد في الجامع، أو في محل قريب منه وباع، فلا يَحرُم، لكن البيع في المسجد مكروه، وصرح ابن حجر وغيره بأن كلامهم للتحريم أقرب؛ (شرح المنهج وحاشية الجمل عليه 2 / 54). [8] فتاوى اللجنة الدائمة (6/ 287). [9] فتح الباري لابن حجر العسقلاني3/ 347). [10] هو يحيى بن هبيرة محمد بن هبيرة الذهلي الشيباني، أبو المظفر، عون الدين،: من كبار الوزراء في الدولة العباسية. عالم بالفقه والادب، له نظم جيد، وُلِدَ في قرية من أعمال دجيل (بالعراق)، ودخل بغداد في صباه، فتعلم صناعة الإنشاء، وقرأ التاريخ والأدب وعلوم الدين، وكان مكرمًا لأهل العلم، يحضر مجلسه الفضلاء على اختلاف فنونهم، وصنَّف كتبًا؛ منها: "الايضاح والتبيين في اختلاف الأئمة المجتهدين - خ"، و"الإشراف على مذاهب الأشراف - خ" فقه، وتوفِّي 560هـ؛ الأعلام للزركلي 8/ 175. [11] اختلاف الأئمة العلماء لمحمد بن هبيرة: (1/ 348) طبعة دار الكتب العلمية لبنان عام 2002م. [12] كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور البهوتي: (2/ 366) طبعة دار الكتب العلمية عدد الأجزاء 6 أجزاء. [13] أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي (3/ 600)، طبعة دار الكتب العلمية بيروت 2003م. [14] المغني لابن قدامة المقدسي، (6/ 383). [15] سنن الترمذي كتاب البيع، باب النهي عن البيع في المسجد، (ج2/ 586) رقم (1321). [16] هو علي بن خلف بن عبدالملك بن بطال، أبو الحسن: عالم بالحديث، من أهل قرطبة، "شرح البخاري - خ"، الجزء الأول منه والثالث والرابع في الأزهرية، والثاني (كتب سنة 776) في خزانة القرويين بفاس، والخامس (الأخير منه) في شستربتي (1785)، ومنه قطعة مخطوطة في إستنبول، أولها: باب زيادة الإيمان ونقصانه، وتوفي 449هـ، الإعلام للزركلي4/ 285. [17] فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني: (2/ 105).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |