الحكمة من وجوب النفقة على الرجل - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         طريقة عمل الفتة بخطوات سريعة.. الطبق الرسمى على سفرة عيد الأضحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          مقاصد الحج (ليشهدوا منافع لهم) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أحكام وفضائل يوم النحر وأيام التشريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أحكام الأضحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الحوار آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          خطبة الأضحى 1445 هـ: الكلمة مغنم أو مغرم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          خطبة عيد الأضحى: { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          خطبة عيد الأضحى 1445 هـ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-11-2021, 08:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,518
الدولة : Egypt
افتراضي الحكمة من وجوب النفقة على الرجل

الحكمة من وجوب النفقة على الرجل
د. محمود بن أحمد الدوسري



الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: فالحديثُ عن "الحِكمَة من وجوب النَّفقة على الرَّجل" يُجمَع في مطلبين:
المطلب الأول: وجوب المهر على الرَّجل.
المطلب الثاني: وجوب النفقة على الرَّجل.


المطلب الأول: وجوب المهر على الرَّجل:
المهر لغة:هو الصَّداق، والجَمْع: مُهورٌ ومُهورَةٌ. وقد مَهَرَ المرأةَ يَمْهَرُها ويَمْهُرُها مَهْرًا من باب: قَطَعَ، وأَمْهَرَهَا أيضًا[1]. والمهر له عدَّة أسماء: الصَّداق، والصَّدقة، والنِّحلة، والفريضة، والأجر، والعقر، والحِبَاء، والعلائق[2].

المهر اصطلاحًا:هو ما يدفعه الزَّوج إلى زوجته وجوبًا بعقد الزَّواج أو التَّسمية[3]. والمهر أهمُّ الحقوق الماليَّة للزَّوجة على زوجها، فَرَضه الله تعالى في النِّكاح؛ تكريمًا لها، وإظهارًا لصدق رغبة الزَّوج فيها؛ حتى تكون مطلوبةً لا طالبة، وفي ذلك صونٌ لكرامتها، ورفع لشأنها.

ولم يفرض المهر بدلًا للبُضْع كالثَّمن في البيع، أو أُجرة له، وإنَّما جعله الله تعالى بمنزلة الهديَّة التي يقدِّمها الزَّوج لزوجته حين العقد عليها.

وجوب المهر على الرَّجل: اتَّفق أهل العلم على أنَّ المهر من حقوق الزَّوجة، وهو من أهمِّ النفقات الواجبة على الزَّوج؛ لأنَّ النُّصوص الآمرة به قطعيَّة الثُّبوت، قطعية الدَّلالة[4].

الأدلَّة (من الكتاب):
1- قوله تعالى: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً[5] [النساء: 4]. وجه الدَّلالة: وجوب الصَّداق للزَّوجة بدلالة الأمر، ولا صارفَ له. قال القرطبيُّ رحمه الله: "هذه الآية تدلُّ على وجوب الصَّداق للمرأة، وهو مُجْمَع عليه، ولا خلافَ فيه"[6].

2- قوله تعالى: ﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ [النساء: 24]. وجه الدَّلالة: أَمْرٌ صريح من الله تعالى بإعطاء الزَّوجات أجورهنَّ، وهي المهور.

3- قوله تعالى: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾ [النساء: 24]. وجه الدَّلالة: عُلِّقَ حِلُّ نكاحِ المرأة ببذل المال لها، وهو المهر. قال الشَّنقيطي رحمه الله: "ثم بيَّن أنَّ مَنْ نَكَحْتُم منهنَّ، واستمتعتم بها يلزمكم أن تُعطوها مهرها"[7].

4- قوله تعالى: ﴿ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 25]. وجه الدَّلالة: وجوب دفع المهور بالمعروف؛ أي: عن طيب نَفْسٍ[8]. قال السَّعدي رحمه الله في قوله تعالى: ﴿ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾: "أي: ولو كُنَّ إماءً، فإنَّه كما يجب المهر للحُرَّة، فكذلك يجب للأَمَة"[9].

الأدلة (من السُّنَّة):
1- ما جاء عن أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ: ((كَمْ أَصْدَقْتَهَا؟))، قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ[10]. وجه الدَّلالة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أقرَّ عبدَ الرَّحمن بنَ عوفٍ رضي الله عنه على المهر الذي قدَّمَه.

2- ما جاء عن أَنَسٍ رضي الله عنه؛ "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا"[11]. وجه الدَّلالة: أنَّه صلى الله عليه وسلم أَمهَرَ صفيَّة رضي الله عنها بالعتق.

3- ما جاء عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ: ((تَزَوَّجْ وَلَوْ بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ))[12]. وجه الدَّلالة: وجوب المهر على الرَّجل، ولو كان قليلًا.

دليل الإجماع: أجمع العلماءُ على وجوب المهر في النِّكاح، وممَّن حكى الإجماعَ: القرطبيُّ، وابن عبدالبر، والمنذري، وابن قدامة[13]، وابن رشد[14].

قال القرطبيُّ رحمه الله في شأن الصَّداق: "وهو مُجْمَع عليه، ولا خلافَ فيه"[15]. وقال ابن عبدالبر رحمه الله: "أجمع علماء المسلمين: أنَّه لا يجوز له وطءٌ في نكاحٍ بغيرِ صداقٍ مُسَمًّى، دَيْنًا أو نقدًا"[16]. وقال ابن المنذر رحمه الله: "وأجمعوا: أنَّ للمرأة أن تَمْنَع من دخول الزَّوج عليها حتى يُعطِيَها مهرها"[17].

الحكمة من إيجاب المهر للمرأة: الحكمة من كون المهر واجبًا على الرَّجل دون المرأة هي إظهار خَطَرِ هذا العقد ومكانته حتى سمَّاه الله تعالى: ﴿ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 21]، وفيه إعزاز للمرأة وإكرام لها، وتوفير حسن النِّيَّة على قصد معاشرتها بالمعروف، وتمكينها أيضًا من التَّهيُّؤ للحياة الزَّوجية الكريمة بما تحتاج إليه من لباسٍ وزينة.

ومبدأ المهر يتوافق مع مقاصد التَّشريع؛ إذ إنَّ المرأة لا تُكلَّف بشيءٍ من واجبات النَّفقة، سواء كانت أمًّا أو بنتًا أو زوجة، وإنَّما الرَّجل هو المسؤول عن تدبير أمور المعيشة؛ لأنَّ ذلك من القوامة التي كُلِّف بها، وهو أقدر على السَّعي في طلب الرِّزق، وأمَّا المرأة فَمُهِمَّتُها الأُولى هي إعداد جيل المستقبل، والمسؤوليَّة المباشرة على بيت الزَّوجية وعلى الذُّريَّة - ونِعْم المسؤوليَّة - فإذا كُلِّفَتْ بتقديم المهر أو المشاركة فيه، فقد اضطُرَّت إلى تحمُّل أعباء كبيرة فوق طاقتها، وقد يؤدِّي ذلك إلى امتهان كرامتها لتحصل عليه.

والمرأة بِحُكم أنوثتها تحتاج إلى ما يجبر نفسيَّتها ويراعي شعورها؛ لذا أوجب الشَّارع الحكيم المهرَ على الرَّجل، ولا يَسْقط هذا الحقُّ إلاَّ بأن تتنازل هي عن حقِّها؛ لأنَّها الوحيدة التي تملك هذا الحقَّ، وهو أَمْرٌ يُشعرها بالارتياح؛ ممَّا يؤدِّي إلى استقرار الحياة الزَّوجية والتَّعاون بين الزَّوجين، ويتبيَّن بذلك عظمة الدِّين الإسلامي وعدلُه في الموازنة بين الرَّجل والمرأة، وصَدَق المولى إذ يقول: ﴿ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ[18] [البقرة: 60].

المطلب الثاني: وجوب النفقة على الرَّجل:
من أهمِّ الحقوق والواجبات التي يؤدِّيها الزَّوج لزوجته النَّفقةُ عليها بالمعروف، وهي من أسباب قوامة الرَّجل على المرأة كما قال سبحانه: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34].

النَّفقة لغة: النَّفقة مشتقَّة من النُّفوق، وهو الهلاك، تقول: نفقت الدَّابة؛ أي: هَلَكَت. أو من النَّفاق، وهو الرَّواج، تقول: نفقت السِّلعة نَفَاقًا؛ إذا راجت[19]. فالنَّفقة لغة: هي إهلاك المال للمصلحة، ورَوَجانُه من أجل ذلك.

النَّفقة اصطلاحًا: عرَّف الفقهاء النَّفقة تعريفًا عامًّا، ومن ذلك ما جاء في "كشَّاف القناع" بأنَّها: "كفاية مَنْ يمونه خبزًا وأدمًا وكسوة ومسكنًا وتوابعها"[20]. والنَّفقة الزَّوجية هي: ما ينفقه الزَّوج وجوبًا على زوجته من طعامٍ وشراب ولباس ومسكنٍ ونحو ذلك[21].


وجوب النَّفقة على الرَّجل: اتَّفق أهل العلم على وجوب نفقة الزَّوجة على زوجها ولو كانت غنيَّة، مُسلمةً كانت أو كتابيَّة، وهي من قوامة الرَّجل على المرأة، يدفع لها ما يكفيها من طعام وكسوة، ويُعِدُّ لها سَكَنَ مِثْلِها[22].

الأدلَّة (من الكتاب):
1- قوله تعالى: ﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7]. وجه الدَّلالة: الأمر بأن يُنفق الزَّوج على زوجته على قدر وسعه، ومَنْ كان فقيرًا فعلى قدر ذلك[23].

2- قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]. وجه الدَّلالة: أنَّ ممَّا فضَّل الله به الرَّجل على المرأة النَّفقة عليها، والقوامة[24].

3- قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233]. وجه الدَّلالة: وجوب النَّفقة والكسوة للمرأة حال الزَّوجية بالمعروف؛ لشمول الآية لسائر الوالدات من زوجاتٍ ومطلَّقات[25].

4- قوله تعالى: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 6]. وجه الدَّلالة: إذا كانت المطلَّقة الرَّجعية لها النَّفقة والسَّكن، فمن باب أَولى أن يُنفق الزَّوج على زوجته التي في عصمته. وكذلك إن كانت الحامل المطلَّقة طلاقًا بائنًا تجب لها النَّفقة، فمن باب أَولى أن يُنفق الزَّوج على زوجته.

قال ابن عبدالبر رحمه الله: "لا خلافَ بين علماء الأُمَّة أنَّ اللَّواتي لأزواجهنَّ عليهنَّ الرَّجعة، لهنَّ النَّفقة، وسائر المؤونة على أزواجهنَّ، حوامل كُنَّ أو غير حوامل؛ لأنَّهنَّ في حُكْم الزَّوجات في النَّفقة والسُّكنى والميراث ما كنَّ في العدَّة"[26]. وقال أيضًا: "إن كانت المبتوتةُ حاملًا، فالنَّفقة لها بإجماعٍ من العلماء؛ لقـول الله عزَّ وجل فـي المطلَّقـات المبتوتـات: ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 6]"[27]. وقال السَّعدي رحمه الله: "تقدَّم أنَّ الله نهى عن إخراج المطلَّقات من البيوت، (يعني: قوله تعالى: ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ ﴾ [الطلاق: 1]) وهنا أَمَرَ بإسكانهنَّ، وقَدْرُ إسكانهنَّ بالمعروف، وهو البيت الذي يَسْكُنه مِثْلُه ومِثْلُها، بحسب وُجْدِ الزَّوج وعسره"[28].

الأدلة (من السُّنَّة):
1- ما جاء في حديث جابرٍ رضي الله عنه - في صفة الحَجِّ - أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم - لمَّا ذَكَرَ النِّساء - قال: ((وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بَالمَعْرُوفِ))[29]. وجه الدَّلالة: وجوب النَّفقة والكسوة للزَّوجة بالمعروف[30].

2- ما جاء عن مُعاوِيَةَ القُشَيْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: ((أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ - أَوِ اكْتَسَبْتَ))[31]. وجه الدَّلالة: أنَّ إطعام الزَّوجة وكسوتها من حقِّها على زوجها [32].

3- ما جاء عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَفْضَلُ الصَّدَقَة مَا تَرَكَ غِنًى، وَالْيَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ))، "تَقُولُ المَرْأَةُ: إِمَّا أنْ تُطْعِمَنِي، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ الْعَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الابْنُ: أَطْعِمْنِي، إِلَى مَنْ تَدَعُنِي؟"، فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لاَ، هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ[33]. وجه الدَّلالة: أنَّ الزَّوجة ممَّن يعولهم الزَّوج، فيجب الإنفاق عليها. ولذا بوَّب الإمام البخاريُّ رحمه الله على الحديث بقوله: "باب: وجوب النَّفقة على الأهل والعيال". قال ابن حجر رحمه الله: "الظَّاهر أنَّ المراد بالأهل في التَّرجمة الزَّوجة، وعَطْف العيال عليها من العامِّ بعد الخاص"[34]. وقال أيضًا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ)): أي بِمَنْ يجب عليك نفقتُه، يُقال: عال الرَّجلُ أهلَه إذا مَانَهُمْ؛ أي: قام بما يحتاجون إليه من قوتٍ وكسوة، وهو أَمْرٌ بتقديم ما يجب على ما لا يجب[35].

وقال المباركفوري رحمه الله في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ)): "خطاب للمنفق؛ أي: ابدأ في الإنفاق بِمَنْ تمون، ويلزمك نفقتُه من عيالك، فإنْ فَضُلَ شيءٌ فَلِغيرهم"[36]. وقال ابن عبدالبرِّ رحمه الله في معنى قول أبي هريرة رضي الله عنه: "تقولُ المرأةُ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقِنَي...": "فهذا بَيِّنٌ في وجوب نفقات الزَّوجات والبنين والمماليك"[37].

دليل الإجماع: أجمع علماء الأُمَّة: على وجوب نفقة الزَّوجة على زوجها، وممَّن نَقَل الإجماعَ: ابن الهمام[38]، وابن عبدالبر[39]، وابن رشد[40]، والنَّووي، وابن حجر، وابن المنذر[41]، وابن قدامة، والصَّنعاني[42]، وغيرهم.

قال ابن قدامة رحمه الله: "نفقةُ الزَّوجةِ واجبة بالكتاب والسُّنَّة والإجماع"[43]. وقال النَّووي رحمه الله: "وجوب نفقة الزَّوجة وكسوتها، وذلك ثابتٌ بالإجماع"[44]. وقال ابن حجرٍ رحمه الله: "وانعقد الإجماعُ على الوجوب"[45]؛ أي: على وجوب نفقة الزَّوجة على زوجها.

الخلاصة: إنَّ فرض المهر والنَّفقة على الرَّجل لزوجته لَدَلِيلٌ دامغ على مدى احتفاء الشَّرع بالمرأة، ومدى ما وصلت إليه في ظلِّ التَّشريع الإسلامي من مكانة سامية إلى حدِّ أن يخصِّص لها الله عزَّ وجل بعضًا من آيات كتابه الحكيم توجب لها حقوقًا بعينها، وتبقى أبد الدَّهر شاهدًا على هذه المكانة السَّامقة، في قرآنٍ يُتلى ويُتَعَبَّد به إلى يوم القيامة.

وإنَّني أدعو المنصفين من كافَّة الاتِّجاهات والتَّيَّارات والنَّزَعات إلى أن يتجرَّدوا - ولو لمرَّة واحدة في حياتهم - ويقرؤوا هذه الآيات التي مرَّت بنا كأدلَّة على موضوعَي المهر والنَّفقة، ثم ليخبرونا برأيهم، وإنَّني على ثقة تامَّة أنَّهم لن يجدوا مفرًّا من التَّسليم والإذعان بعدالة الإسلام في توزيعه للحقوق والواجبات، وبمدى عمق نظرته وشموليَّتها عند تنظيمه للعلاقة بين المرأة والرَّجل، وأنَّه قد وَفَّى لكلٍّ منهما بحقِّه دون زيادة أو نقص حسب العمل المنوط به في الحياة.

كما أُنوِّه إلى أنَّ الشَّرع الحكيم قد منح المرأةَ حقوقًا، ولم نسمع ذات يوم أنَّ رجلًا قد طمع فيما منحه الله للمرأة، فطالب بإسقاط واجب المهر أو النَّفقة مثلًا، فلماذا تطمع المرأةُ - ومَنْ سار على دربها - فيما منحه الله تعالى للرَّجل، مع أنَّ الخطاب من الله تعالى موجَّه إليها وإلى الرَّجل بعدم تمنِّي ما فضَّل الله به بعضَ النَّاس على بعض، فقال تعالى: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء: 32]؟ فتلك سُنَّة الله الباقية في الكون، وإنَّ محاولة النَّيل منها أو تغييرها تؤدِّي لا محالة إلى مخاطر جسيمة، وجلبٍ للشَّر لا للخير.

[1] انظر: لسان العرب (13/ 207)، مادة: (مهر)؛ المعجم الوسيط (2/ 889)؛ مادة: (مهر).

[2] انظر: القاموس المحيط (ص1048)، مادة: (ص د ق).

[3] انظر: حواشي الشرواني (7/ 375)؛ العناية على الهداية (3/ 204).

[4] انظر: بدائع الصنائع (2/ 274)؛ فتح القدير (3/ 317)؛ بداية المجتهد (2/ 18)؛ مغني المحتاج (3/ 220)؛ المغني (7/ 163).

[5] قوله تعالى: ﴿ نِحْلَةً ﴾ النِّحْلة والنُّحْلة، بكسر النون وضمِّها لغتان. وأصلها من العطاء؛ نَحَلْتُ فلانًا شيئًا: أعطيته. فالصَّداق عَطِيَّة من الله تعالى للمرأة. وقيل: ﴿ نِحْلَةً ﴾ أي: عن طيب نَفْسٍ من الأزواج من غير تنازع. وقال قتادة: معنى ﴿ نِحْلَةً ﴾ فريضة واجبة. وقال الزَّجاج: ﴿ نِحْلَةً ﴾ تَديُّنًا. والنِّحْلَة: الدِّيانة والمِلَّة. يُقال: هذا نِحْلَتُه؛ أي: دِينُه. وهذا يَحْسُن مع كون الخِطاب للأولياء الذين كانوا يأخذونه في الجاهلية. انظر: الجامع لأحكام القرآن (5/ 31).

[6] الجامع لأحكام القرآن (5/ 29).

[7] أضواء البيان (1/ 238).

[8] انظر: تفسير ابن كثير (1/ 476).

[9] تفسير السعدي (1/ 174).

[10] رواه البخاري، واللفظ له، (3/ 1663)، (ح5167)؛ ومسلم، (2/ 1042)، (ح1427).

[11] رواه البخاري، (3/ 1637)، (ح5086)؛ ومسلم، (2/ 1045)، (ح1365).

[12] رواه البخاري، (3/ 1658)، (ح5150).

[13] انظر: المغني (10/ 97).

[14] انظر: بداية المجتهد (2/ 18).

[15] الجامع لأحكام القرآن (5/ 29).

[16] الاستذكار (5/ 408).

[17] الإجماع (ص74).

[18] انظر: إتحاف الخلان بحقوق الزوجين في الإسلام (ص122).

[19] انظر: مختار الصحاح، مادة: (نفق) (2/ 118)؛ لسان العرب، مادة: (نفق) (10/ 357)؛ المعجم الوسيط، مادة: (نفق) (2/ 942).

[20] كشاف القناع (5/ 459، 460).

[21] انظر: الدر المختار (4/ 278).

[22] انظر: بدائع الصنائع (4/ 23)؛ المبسوط (5/ 180)؛ التاج والإكليل (4/ 187)؛ بداية المجتهد (2/ 54)؛ حواشي الشرواني (18/ 301)؛ مغني المحتاج (3/ 435)؛ المغني (11/ 347)؛ مجموع الفتاوى (26/ 114)؛ منار السبيل (2/ 297).

[23] انظر: الجامع لأحكام القرآن (18/ 170).

[24] انظر: أحكام القرآن، للجصاص (2/ 68).

[25] انظر: تفسير ابن كثير (1/ 284).

[26] الاستذكار (6/ 165).

[27] المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

[28] تفسير السعدي (5/ 263).

[29] رواه مسلم، (2/ 890)، (ح1218).

[30] انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (8/ 184).

[31] رواه أبو داود (2/ 244)، (ح2142)؛ وقال الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (1/ 596)، (ح2142): "حسن صحيح".

[32] انظر: مرقاة المفاتيح (6/ 370).

[33] رواه البخاري، واللفظ له، (4/ 1724)، (ح5355)؛ ومسلم، (2/ 717)، (ح1034).

[34] فتح الباري (9/ 500).

[35] المصدر نفسه، والصفحة نفسها. وانظر: عمدة القاري (1/ 294).

[36] تحفة الأحوذي (3/ 289).

[37] التمهيد (24/ 289).

[38] انظر: فتح القدير (4/ 379).

[39] انظر: الاستذكار (6/ 165).

[40] انظر: بداية المجتهد (2/ 40).

[41] انظر: الإجماع (ص78).

[42] انظر: سبل السلام (3/ 221).

[43] المغني (8/ 156).

[44] صحيح مسلم بشرح النووي (8/ 184)؛ روضة الطالبين (9/ 40).

[45] فتح الباري (9/ 500).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 69.18 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.36%)]