نعمة الرجلين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إماطة الأذى عن الطريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          فأنساهم أنفسهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          انتشار لافتات "ممنوع دخول المسلمين" في ولاية راجستان الهندية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          مسائل شاملة في العشر من ذي الحجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حديث الائتلاف علي القرآن بكل الروايات الصحيحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          وَلَدي فتنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          مِن أسباب العناية القرآنية باليوم الآخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          خواطر في طريق الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الأونروا: 90% من سكان غزة أجبروا على الفرار من منازلهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          لا تزال الفرصة متاحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-02-2022, 06:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,014
الدولة : Egypt
افتراضي نعمة الرجلين

نعمة الرجلين
أحمد عبدالله صالح



أما بعد؛ أيها الكــرام: يقول الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [النور: 45].

أيها الكرام؛ إنّ الخلق مظهر من مظاهر قدرة الله تعالى، وآيةٌ بديعة من آيات قوته وإتقان صنعه، والإنسان خلقٌ من خلق الله جل وعلا أوجده سبحانه في هذه الدنيا تام الخلقة، مستوفي الأعضاء، جميل النشأة، حسن التصوير، فتبارك الله أحسن الخالقين.

وممّا خلق الله تعالى من الأعضاء للإنسان: (آلةُ المشي):
ومن نظر في آلة مشي الإنسان يرى أنّ الله تبارك وتعالى قد ميزه بتلك الآلة عن سائر المخلوقات، فخلق له رجلين اتصفتا بأحسن ما يمكن أن تكون عليه من الصفات؛ فقد خلقهما الله تعالى اثنتين ولم يكونا واحدة، وجعلهما متساويتين غير متباينتين، وجعلهما في أسفل البدن لا في أعلاه، وكونهما أحسن تكوين، فأنشأهما من لحم وعظم وعصب ودم، وجعل فيهما القوة التي بها يستطيع الإنسان حمل جسمه، والمشي بهما إلى مسافات بعيدة، ودفع ما يريد دفعه، وغير ذلك ممّا يحتاج فيه إلى قوةِ الرجلين.

كما برأهما الله تعالى ليِّنتين ليستطيع بهما المرء سهولة الحركة وتنوع التصرف؛ فعليهما يمشي، وبهما يتسلق المرتفعات ويصعد العوالي، وعليهما يقعد أنواع القعدات، وغير ذلك من منافع لين الرجلين.

وكوّن سبحانه وتعالى كل رِجل من قدمٍ وساق وركبة وفخذ، وفي كل واحد من هذه الأجزاء أشياء دقيقة من الخَلق ليكمل انتفاع الإنسان بها، فسبحان الخالق القدير!

أيها المسلمون:
هذه منزلة الرِّجلينِ في الخلق والنفع، وأما منزلتهما في الشرع فإنهما فيه عضو ذو مكانة مهمة في بدن الإنسان؛ فلذلك رتب على الاعتداء عليهما القصاص في حال العمد: الرجل بالرجل، واليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى، وفي حال الخطأ وشبه العمد رتب على ذلك عوضًا ماليًا، ففي الرجلين كلتيهما الدّية كاملة، وفي كل رجل نصف الدية، وفي كل أصبع عشر من الإبل، قال الله تعالى: ﴿ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ﴾ [المائدة: 45].

وفي الحديث الذي رواه النسائي عن عمرو بن حزم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل.

احبتي الكــرام؛ ليتأمل الإنسان في نعمة الله عليه بالرجلين حتى يدرك عظم منّة الله عليه بهما، فبرجليه يعيش حياة طبيعية مستقرة؛ يمشي بهما إلى حيث يشاء، ويتحرك كيف يشاء، ويلبس ما يشاء، ويمدهما ويثنيهما، ويرفعهما ويخفضهما، ويستعين بهما في صلاح عيشه الدنيوي كما يريد، ويتجمل بهما بين الناس بلا تعيير ولا نعت انتقاص يكدر خاطره، ويؤذي شعوره.

ولينظر نظرةً أخرى إلى من أصيب في رجليه ببتر أو عرج أو عاهة أو ألمٍ، كم يجد من العناء والنصب، ويفقد من المصالح والمنافع، ويلاقي من الضرر، ويخسر من المال والعافية، وكم يشتاق أن يكون ذا رجلين صحيحتين حتى يصل بذلك إلى ما يتمناه.

ألا فليستيقظ الإنسان الغافل الصحيح الرجلين بعد هذا ليشكر الله على هذه النعمة، قبل ألَّا يذكر قدرها إلا بعد إصابته بها، نسأل الله السلامة للجميع.

وإن من شكر الله تعالى على نعمة الرجلين السليمتين: استعمالهما فيما يحب الله تعالى، وإبعادهما عما يكره ويسخط. سئل أبو حازم رحمه الله فقيل له: فما شكر الرجلين؟ قال: إن رأيتَ ميتًا غبطتَه استعملت بهما عمله، وإن رأيت ميتًا مقته كففتهما عن عمله وأنت شاكر لله عزوجل.

أيها الأحباب الكــرام؛ إنّ استعمال الرجلين في مصالح الحياة الدنيوية لا يغفل عنه الإنسان، لكن هناك أعمال صالحة يصل المرء إليها باستعمال نعمة المشي، وهذه هي التي يغفل عنها كثير من الناس، فكان لابد من التذكير بها حتى نسعى إليها.

فمن العبادات التي تؤديها الرجلان: المشي إلى المساجد لصلاة الجماعة والجمعة، وها أنتم أحبابي قد وصلتم إلى هذا المسجد ماشين على أقدامكم أو راكبين سياراتكم فاحمدوا الله على هذه النعمة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9].

وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: « إذا خرج المسلمُ إلى المسجد كتب الله له بكل خطوةٍ خطاها حسنةً، ومحى عنه بها سيئةً حتى يأتي مقامه ».
وفي الحديث الذي رواة ابن خزيمة عن عثمان رضي الله عنه؛ أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى صلاةٍ مكتوبة، فصلاها مع الإمام، غفر له ذنبه ».

ومن العبادات التي تؤديها الرجلان كذلك: أداء بعض أفعال الصلاة، ومن ذلك القيام، وخاصة الوقوف الطويل في الصلاة كصلاة الليل، ففي الحديث المتفق عليه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: « أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا ».

وفي فضل القيام في الصلاة كما روى ذلك الإمام أحمد؛ قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة القاعد نصف صلاة القائم».

ومن العبادات التي تؤديها الرجلان: السفر إلى الحج والعمرة والقيام بأعمالهما.

ومن العبادات كذلك: خدمةُ الوالدين، وقضاء حوائج المسلمين، والسعي على الأرملة واليتيم والمسكين، والشفاعة الحسنة للناس، والمشي إلى نصرة المظلوم؛ ففي الحديث الذي رواه الطبراني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ فقال: « أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله عزوجل سرورٌ تدخله على مسلم: تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دَينًا أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحبُّ إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهرًا، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام ».

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من مشَى مع مظلومٍ حتى يثبت له حقه ثبت الله تعالى قدميه يوم تزل الأقدام ».

أيها المسلمون:
ومن العبادات التي تؤديها الرجلان: الخروج لطلب العلم النافع؛ روى مسلم في صحيحه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة ». أي: من مشى إلى تحصيل علم شرعي قاصدًا به وجه الله تعالى جازاه الله عليه بأن يوصله إلى الجنة مسلمًا مكرمًا.

وقد ضرب علماؤنا السابقون رحمهم الله أروع الأمثلة في المشي إلى طلب العلم وقطعوا المسافات الطوال لإدراك بغيتهم من العلم، حتى لقد سار جابر بن عبد الله رضي الله عنهما من المدينة إلى عبد الله بن أنيس رضي الله عنه في الشام من أجل حديث واحد!.

ومن العبادات التي تؤديها الرجلان أيضًا:الخروج إلى طلب الرزق من أجل الاستعانة بذلك على عبادة الله، وإعفاف النفس عن الآخرين، وتوفير القوت للأهل والأولاد والتصدق على المحتاجين. قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].

عباد الله: ما أجمل أن يمشي المسلم إلى زيارة أخيه المسلم وتفقد أحواله وتجديد عهد المحبة بينهما، فالمشي إلى ذلك عبادة من العبادات.

روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملَكًا فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه.

أما إذا كان المَزور مريضًا فالأجر أعظم، والأثر أكبر؛ كما روى ابن ماجه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله ناداه مناد بأن طبتَ وطاب ممشاك، وتبوأتَ من الجنة منزلًا ».

ولمواضع العبرة نصيب للرِّجلينِ من العبادة، فالسير في الأرض للتفكر والنظر في بديع خلق الله، ورؤية مصارع العصاة والحائدين عن الحق عبادة، قال تعالى: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [الأنعام: 11].

ومشيُ المسلم إلى المقابر للاتعاظ والاعتبار عبادة، فكما روى احمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإن فيها عبرة ».

أيها الأحبة الكــرام: إنّ الإنسان إذا انحرف عن الهداية انحرفت قدمه عن الصراط المستقيم، فمشت رجلاه إلى أفعال سخط الله، أو مواضع غضبه تبارك وتعالى، وحينما نتكلم عن المشي بالرجلين إلى الحرام فإن ذلك يشمل من وصل إلى الحرام على قدميه أو على مركب، فلا فرق في ذلك.

فمن مشى إلى قتل نفس بريئة أو أخذ مال معصوم أو ممارسة فاحشة فقد عصى الله وما شكر ربه تعالى على نعمة المشي وغيرها من سائر النعم.

ومن سعى برجليه إلى الفتن واستشرافها فما أدى شكر نعمة المشي، فكما في المتفق عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ستكون فتن؛ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذًا فليعذ به ».

إنّ من سيئات الرجلين: أن يمشي بهما المسلم إلى النميمة أو تفرقة الصف المسلم أو إثارة الحقد والبغضاء بين المسلمين، فما أشد ما ينتظر هذا الماشي من العقاب؛ فكما جاء في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: « إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير؛ أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ».

ومن سيئات الرجلين: الاختيال في المشي تكبرًا وزهوًا، فالمسلم مأمور بالتواضع في المشي والبعد عن التكبر فيه، قال تعالى: ﴿ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 18 - 19].

وكما في المتفق عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل رأسه يختال في مشيته، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ».

قال ابن إسحاق لما سرد قصة أبي دجانة، وأخْذه السيف من رسول الله يوم أحد، وتبختره بين الصفين به: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أبا دجانة يتبختر: « إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن » ).

ومن سيئات الرجلين لدى المرأة: كشف قدميها وما فوقهما من الرجلين لينظر إليهما من لا يحل له النظر إلى ذلك، والمشي في الطرقات والأسواق بإصدار صوت الحذاء أو النعل للفت الأسماع والأنظار إليها ليعلم ما عندها من الحسن والزينة، قال تعالى: ﴿ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾ [النور: 31].

واللائق بالمؤمنة ستر زينتها إلا لمن أحل الله له النظر إليها، والمشي بين الناس بحياء من غير استدعاء النظر إليها، قال تعالى عن ابنة صاحب مدين: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾ [القصص: 25].

ومن السيئات كذلك: أن يصيب الإنسان بقدمه أو رجله أحدًا ظلمًا، ركلًا أو رفسًا، فمن فعل ذلك اقتص منه يوم القيامة.

ومن سيئات الرجلين أيضًا: الذهاب إلى أماكن اللهو والمجون كدور الرقص والغناء، وكذلك تتبع النساء وملاحقتهن في الأسواق والطرقات، فإن هذا العمل المشين لا يليق بذي خلق كريم، ولا بامرئٍ يخاف الله العظيم، ويخشى على حرماته. يذكر بعض أهل الأدب في القرون السالفة أن امرأة قدمت مكة للحج أو العمرة فطافت يومًا بالبيت وحدها، فجعل أحد الماجنين يتتبعها ويريد منها أن تكلمه وهي تأبى، وفي اليوم التالي جاءت لتطوف مع أخيها فجاء ذلك الرجل لملاحقتها، فلما رأى أخاها معها انكف وانزجر، فقالت متمثلة بقول أحد الشعراء:
تَعْدُو الذئابُ على مَنْ لا كِلاَبَ له
وتَتّقي صَوْلَةَ المُسْتأسِدِ الحامي


أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
أما بعد؛ أيها الأحباب الكـرام: فإنّ استقامة المرء في رجليه، بلزومها طريق الحق، وعدم انحرافهما عنها، دليل على محبة الله لصاحبها، فما أحسن أن يكون المسلم كذلك، روى البخاري قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « إنَّ الله قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها »؛ والمعنى: أن الله يسدده في هذه الجوارح فلا يقع منه بها إلا الخير.

وأما من لم تستقم رجلاه على صراط الحق فليتذكر أنهما ستشهدان عليه يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس: 65].

فكما في المتفق عليه عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: هل تدرون مما أضحك؟ قال: قلنا الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب، ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدًا مني قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا وبالكرام الكاتبين شهودًا، قال: فيختم على فيه فيقال لأركانه: انطقي قال: فتنطق بأعماله قال: ثم يخلي بينه وبين الكلام قال: فيقول: بعدًا لكنَّ وسحقًا فعنكن كنت أناضل ».

عباد الله: ألا من كان منحرف الخطى عن الجادة سالكًا مناهج الغضب فليتب إلى ربه وليكن مثل ذلك القائل الكريم:
لعمرك ما أهويتُ كفّي لريبةٍ
ولا حملتني نحو فاحشةٍ رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها
ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي
ولست بماشٍ ما حييتُ بمنكر
من الأمر ما يمشي إلى مثله مثلي


فعلى المسلم العاقل أن يسارع إلى مسالك الخيرات، ومواضع الطيبات، وخصال الصالحات، وليستغل نعمة المشي إلى ذلك قبل أن يندم حينما يحبس عن ذلك، وليكن له قدوة بأولئك الصالحين الذين يسارعون إلى الخير مع وجود الإعاقة في أرجلهم، فهذا عمرو بن الجموح رضي الله عنه كان رجلًا أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه، وقالوا له: إن الله عزوجل قد عذرك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك، وقال لبنيه: ما عليكم أن لا تمنعوه؛ لعل الله أن يرزقه الشهادة، فخرج معه فقتل يوم أحد، رضي الله عنه وأرضاه.

وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.22 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]