السيرة النبوية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4481 - عددالزوار : 995521 )           »          5 زيوت طبيعية تساعدك في إزالة رائحة اللحوم من اليدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 139 )           »          حلول وخطوات فعالة للتخلص من رائحة الأضحية فى المنزل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 110 )           »          أفضل طريقة لتنظيف الممبار فى منزلك بخطوات سريعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 101 )           »          5 تريكات عشان تستمتع بمكسرات العيد طازة ولذيذة.. من الشراء للتخزين والتقديم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 135 )           »          خطبة عيد الأضحى: العيد وثمار الأمة الواحدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 146 )           »          خطبة العيد فرح وعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 105 )           »          كتاب مداخل إعجاز القرآن للأستاذ محمود محمد شاكر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 25 - عددالزوار : 1613 )           »          الآلئ والدرر السعدية من كلام فضيلة الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 100 )           »          المرأة والأسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 68 - عددالزوار : 10070 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-08-2023, 10:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,535
الدولة : Egypt
افتراضي السيرة النبوية

السيرة النبوية
د. محمد بن علي بن جميل المطري




الحمد لله الذي وسِع كلَّ شيء رحمةً وعلمًا، وتبارك الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلى الله عليه وعلى أهل بيته وأزواجه، وأصحابه وأتباعه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
فيقول الله سبحانه وتعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، ويقول الله سبحانه: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، ويقول سبحانه: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 5]، ويقول الله عز وجل: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]، ويقول تبارك وتعالى: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا ﴾ [الفتح: 13]، ولا يؤمن أحدٌ حتى يكونَ الرسولُ أحبَّ إليه من نفسه وأهله، ووالده وولده، وماله، والناس أجمعين، والواجب على كل مسلم أن يؤمن بالرسول الأعظم، ويعرِفَ قَدْرَهُ، ويعظِّمه، ويقتدي به، ويتَّبع سُنَّته؛ قال الله جل وعلا مخاطبًا رسوله: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4]، وقال الله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، وقال سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وعلى المسلم أن يعرف سيرة النبي الكريم، سيد الأولين والآخرين.

هو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم، ينتهي نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، قبيلته قريش أفضل قبائل العرب، وأسرته الهاشمية أشرف قريش وأفضلها.

وُلِد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكةَ عام حادثة الفيل، وهي السَّنة التي أهلك الله فيها جيش أبرهة الحبشي حينما أراد أن يهدم الكعبة؛ فأرسل الله عليهم طيرًا أبابيلَ، ترميهم بحجارة من سجيل.

نشأ النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتيمًا،؛ إذ مات أبوه وهو حملٌ في بطن أمه، ثم ماتت أمه وهو ابن ستِّ سنين، وكان يرعى الغنم في صغره، ولمَّا شبَّ ذهب للتجارة إلى الشام، وعُرِف في معاملاته بغاية الأمانة والصدق والعفاف حتى لُقِّب بالأمين، وكان بفضل الله جامعًا للصفات الحميدة، والأخلاق النبيلة، وأحاطه الله بالحفظ والرعاية، وبغَّض إليه ما كان عليه قومه من شِرْكٍ وفساد وخرافة.

لما اكتملت سنُّ النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، أتاه الملَكُ جبريل بالقرآن المبين، وكان ذلك في شهر رمضان، والنبي عليه الصلاة والسلام معتكِفٌ في غار حِرَاءٍ، وأول ما أنزل الله عليه قوله: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5]، ثم أنزل الله عليه أول سورة المدثر: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾ [المدثر: 1 - 7]، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناسَ سرًّا إلى توحيد الله لمدة ثلاث سنوات، فاستجاب له بعض أهل مكة، ثم أمره الله أن يجهَرَ بالدعوة، فعاداه المشركون أشدَّ العداوة، وقاموا بشتَّى الوسائل للقضاء على دعوته، ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا * قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 19، 20]، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه المستضعفين أن يهاجروا إلى الحبشة؛ ليفِرُّوا بدينهم من كفار قريش الذين آذَوهم أشدَّ الإيذاء، وعذَّبوا بعضهم، وقتلوا بعض الرجال والنساء، وأقام النبي صلى الله عليه وسلم بين كفَّار قريش يدعوهم إلى الله، ويتلو عليهم كتاب الله، فما زادهم ذلك إلا نفورًا واستكبارًا، وكانوا يُؤذون النبي عليه الصلاة والسلام بأنواع الأذى قولًا وفعلًا، وهو صابر لربه صبرًا جميلًا؛ قال الله سبحانه: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت: 26]، وقال عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا ﴾ [الإسراء: 41].

وبعد البَعثة النبوية بقِيَ عليه الصلاة والسلام في مكة 13 عامًا قبل الهجرة، وكان يحج كل عام، ويدعو القبائل الوافدة للحج إلى الإسلام، فكان يلقى منهم التكذيب والاستهزاء أو السكوت عنه والإعراض، حتى التقى ببعض أهل المدينة من الأوس والخزرج فأسلموا، وأرسل معهم بعض أصحابه ليعلِّمهم القرآن، فانتشر الإسلام في المدينة النبوية التي كانت تسمى يَثْرِبَ، وفي موسم الحج سنة 13 من البعثة اجتمع النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من سبعين مسلمًا من أهل المدينة من قبيلتي الأوس والخزرج، وبايعوه على أن ينصروه إذا قدِم إليهم.

وبعد هذه البيعة هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة، ورجع إليها عامةُ مَن كان بأرض الحبشة، واستمر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو كفار قريش إلى الله، حتى قرروا قتله، فأمره الله بالهجرة إلى المدينة، ونجَّاه الله من كيدهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30]، وقال سبحانه: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40].

ولما استقر عليه الصلاة والسلام في المدينة بدأ في بناء المسجد النبوي، وآخَى بين المهاجرين والأنصار، وعقد معاهداتٍ بين المسلمين وبين اليهود الساكنين في المدينة، وأصبحت المدينة وضواحيها دولةً إسلامية ذات استقلال وسيادة.

وأحاط الخطر بالمسلمين في المدينة من داخلها وخارجها، بسبب مكائد الكفار للقضاء على المسلمين؛ فأنزل الله قوله تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾ [الحج: 39، 40]، وغزا النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه 19 غزوة، وهذه أهم غزواته:
1- غزوة بدر الكبرى سنة 2 هـ، وكانت هذه الغزوة أول معركة فاصلة بين المسلمين وكفار قريش، وكان عدد المسلمين فيها 313 رجلًا، وعدد المشركين ألف رجل، وقد نصر الله فيها المسلمين نصرًا مؤزَّرًا، فقتلوا (70) من المشركين، وأسروا (70)؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123]، وفي بداية المعركة أخذ النبي صلى الله عليه وسلم كفًّا من تراب فرمى به وجوه الكفار، فأصابت تلك الرمية أعينَهم جميعًا، وكانت سببًا في فرارهم وهزيمتهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ [الأنفال: 17].

2- غزوة أحد سنة 3 ﻫـ، جهَّز كفار قريش (3000) مقاتل للانتقام من المسلمين، ووصل هذا الجيش إلى ضواحي المدينة قُرْبَ جبل أحد، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم لقتالهم، وكان عدد المسلمين (700) مقاتل، وعيَّن النبي صلى الله عليه وسلم (50) رجلًا من الرُّماة على جبل صغير ليحموا ظهور المسلمين، وأكَّد لهم ألَّا يتركوا مكانهم حتى يأتيَهم أمرُه، سواء انتصر المسلمون أو انهزموا، وبدأت المعركة، ووقعت الهزيمة بالمشركين ففرُّوا، وأخطأ الرماة فنزل أكثرهم ليجمعوا الغنائم، فانقضَّ فرسان المشركين على المسلمين من خلف الجبل، ورجع المشركون المنهزمون؛ فانهزم المسلمون وتشتَّتوا، وشُجَّ رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكُسرت رُباعِيَّتُه، واستُشهد (70) من أصحابه، ونجح رسول الله صلى الله عليه وسلم في إنقاذ جيشه المطوَّق، وسحب من بقِيَ معه إلى مكان مرتفع في جبل أحد، واكتفى المشركون بما حققوا من نصر، فانصرفوا إلى مكة؛ وأنزل الله على رسوله: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [آل عمران: 128]، وقال الله سبحانه: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 165، 166]، وقال تعالى: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ﴾ [آل عمران: 140]، وعفا الله عن المسلمين المنهزمين فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 155].

وفي صباح اليوم الثاني من المعركة أَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يلحقوا المشركين؛ خوفًا من أن يرجعوا لغزو المدينة، وكان المسلمون منهكين من الجراح والتعب، ومن الحزن والألم، فلما سمع المشركون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لحِقَهم عجَّلوا الارتحال إلى مكة، وقد كانوا يريدون غزوَ المدينة، ثم رجع المسلمون إلى المدينة سالمين آمنين؛ قال الله سبحانه مُثْنِيًا على الصحابة: ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 172 - 174].

3- غزوة الأحزاب سنة 5 ﻫـ، حرَّض اليهود قريشًا وغطفانَ على استئصال المسلمين في المدينة، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، فأُشير عليه بحفر خندق شمال المدينة، وهي الجهة الوحيدة التي يمكن منها دخول الجيوش إلى المدينة، فحفر المسلمون الخندقَ في أسرع وقت ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمروا في حفر الخندق ليلًا ونهارًا، وتعِبوا في حفره أشدَّ التعب، مع شدة الجوع والبرد والخوف، وحاصر المشركون المدينة بعد أن تفاجؤوا بالخندق، وكانوا (10000) مقاتل، وكان المسلمون (3000) مقاتل يرشُقُونهم بالنَّبْلِ والحجارة حتى لا يقتربوا من الخندق، ونَقَضَ يهود بني قريظة العهدَ الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصاب المسلمين بلاء كبيرٌ، وكَرْبٌ عظيم، وزُلزِلوا زلزالًا شديدًا، وظهر نفاق المنافقين، وثبَّطوا المسلمين عن القتال، واستمر حصار الكفار للمسلمين نحو شهر، ثم يسَّر الله أمورًا حتى تخاذلت أحزاب المشركين، وأرسل الله عليهم ريحًا شديدة؛ فانصرفوا خائبين؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 9 - 11]، وقال سبحانه: ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾ [الأحزاب: 25].

ثم غزا النبي صلى الله عليه وسلم يهودَ بني قريظة الذين نقضوا العهد، وتآمروا مع المشركين على إبادة المسلمين، فتحصَّن اليهود في حصونهم المنيعة، وحاصرهم المسلمون خمسة وعشرين يومًا حتى استسلموا، وطلب اليهود أن يكون الحُكمَ فيهم إلى سعد بن معاذ الأنصاري، وكان حليفًا ليهود بني قريظة قبل الإسلام، فلم يجاملهم، وحكم بقتل رجالِهم الخونة، وقَسْمِ أموالهم، وسبيِ ذراريهم الذين أسلموا بعد ذلك.

4- غزوة خيبرَ سنة 7 ﻫـ، يهود خيبرَ هم الذين جمعوا الأحزاب ضد المسلمين، وأغرَوا يهود بني قريظة على الغدر والخيانة، وكانوا يتصلون بالمنافقين للكيد بالمسلمين، فغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ومعه (1400)، وحاصر المسلمون حصون خيبر حتى فتحوها، ثم طلب اليهود الأمان على أن يخرجوا من خيبر بنسائهم وذراريهم، فأجابهم نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، ولما حصل اليهود على الأمان اقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتركهم في خيبر على أن يقوموا على النخل والزرع، ولهم نصف ما يخرج منها من الثمر، فقبِل نبي الرحمة اقتراحهم على أن يُجليَهم من خيبر متى شاء.

5- فتح مكة سنة 8 ﻫـ، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد صالح كفار قريش في الحديبية سنة 6 ﻫـ على وقف الحرب لمدة عشر سنوات؛ عاملًا بقول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الأنفال: 61]، فنقض كفار قريش صلح الحديبية، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام المسلمين بغزوِ مكة، وكان المسلمون عشرة آلاف مقاتل، ودخل المسلمون مكةَ في شهر رمضان، وأمر نبي الرحمة مناديًا ينادي: من أغلق عليه بابه فهو آمِن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمِن، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكةَ فاتحًا منتصرًا، وهو مطأطِئٌ رأسه تواضعًا لله وشكرًا، وكان حول الكعبة 360 صنمًا، فجعل النبي يُسقِطها بعودٍ في يده؛ ويقول: ﴿ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81]، ﴿ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ﴾ [سبأ: 49]، وكان كفار قريش في المسجد الحرام مستسلمين، فخطب النبي عليه الصلاة والسلام فيهم خطبة بليغة بيَّن فيها كثيرًا من أحكام الإسلام، وأسقط أمور الجاهلية، وعفا عن كفار قريش، فأسلم أكثر أهل مكة من الرجال والنساء.

6- غزوة حُنَينٍ، بعد فتح مكة اجتمعت قبائل هوازن وثقيف على قتال المسلمين، وعلِم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجمُّعهم، فخرج من مكة في شوال سنة 8 هـ ومعه اثنا عشر ألفًا، وكَمَنَ العدو للمسلمين في وادي حنينٍ، ثم باغتوا المسلمين بالرمي بالنِّبال، فانهزم المسلمون، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قليل من المهاجرين والأنصار، ونزل عن بغلته ودعا ربه، وأمر من ينادي أصحابه المنهزمين بالرجوع، فرجعوا، واجتمع حول رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع عظيم من المسلمين، فكرُّوا على المشركين حتى هزموهم؛ قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 25، 26]، وكانت قبائل العرب تنتظر نتيجة الصراع القائم بين قريش والنبي صلى الله عليه وسلم، فلما أكرم الله رسوله صلى الله عليه وسلم بفتح مكة بدأت وفود القبائل العربية تأتي إلى المدينة؛ لتُقِرَّ بتوحيد الله وطاعة الله ورسوله، وصار الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، حتى اتسعت رقعة الدولة الإسلامية فشمِلت جميع شبه الجزيرة العربية، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ينظم أمور هذه البلاد الشاسعة، فيرسل الدعاة، وينصب الولاة، ويبعث جُباة الصَّدقات، ويحكم بين الناس بشرع الله الذي فيه صلاح العباد والبلاد.

7- غزوة تبوك سنة 9 هـ، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجمُّع الروم النصارى في الشام لغزو المسلمين، فاستنفر الرسول جميع المسلمين، وحثَّ الْمُوسِرين على تجهيز الْمُعْسِرين، وخرج من المدينة ومعه (30000) مقاتل متجهًا إلى شمال الجزيرة العربية، وكانت هذه الغزوة عسيرة على الصحابة؛ بسبب قلة الإبل والزاد، وبُعد المسافة، وشدة الحرِّ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك بعد خمسة عشر يومًا من السفر الطويل الشاقِّ، ولما علمتِ الروم بذلك خارت عزائمهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب، وتفرَّقوا داخل بلادهم، وبقِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبوك 20 يومًا يُرهِب العدو، ويستقبل الوفود، وصالح بعض القبائل على الجزية، وكانت هذه الغزوة آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وأنزل الله فيها قوله: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 117]، وهذه فضيلة عظيمة للصحابة رضي الله عنهم، وأخبر الله أن المتخلفين فيها لن يخرجوا بعدها مع رسول الله في أيِّ سفر من أسفاره؛ عقوبة لهم؛ قال الله سبحانه: ﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴾ [التوبة: 83]، ثم بعد غزوة تبوك عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحج سنة 10 هـ، فحجَّ مع الرسول عشرات الآلاف من المسلمين، وكل من صحِب النبي صلى الله عليه وسلم في حِجَّة الوداع فهو بريء من النفاق، فإن الله أمر رسوله أن يخبر المنافقين بعدم تشرفُّهم بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من غزوة تبوك في أي سفر من أسفاره أبدًا؛ فكل من سافر مع الرسول للحج فهو بريء من النفاق.

وعلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين مناسكَ الحج، وأوصاهم ووَعَظَهم؛ ونزل عليه قوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

وبعد أن تمَّ له عليه الصلاة والسلام 63 سنة مرِض أيامًا، ثم مات يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 11 هـ، ودينه باقٍ إلى يوم القيامة، واختار الصحابة أبا بكر الصديق رضي الله عنه خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفنوه في حجرة زوجته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الموضع الذي تُوفِّيَ فيه؛ وقال أبو بكر كلمته المشهورة: "من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت"؛ وتلا قول الله سبحانه: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144]، وقوله سبحانه: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30].

مات النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن علَّم أصحابه الكتابَ والسُّنة، وزكَّاهم، فكانوا خيرَ أمة أُخرجت للناس، وأثنى الله عليهم في كتابه في آيات كثيرة؛ قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الجمعة: 2، 3]، وقال سبحانه: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾ [الفتح: 18 - 21]، ووعد الله كلَّ الصحابة الذين آمنوا وجاهدوا قبل فتح مكة أو بعدها أنهم من أهل الجنة يقينًا؛ فقال سبحانه: ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾ [الحديد: 10].

وقد قام الصحابة رضي الله عنهم بإقامة الدين، والدعوة إلى الله، وفتحوا البلدان، وعلموا المسلمين القرآن والسنة والفقه في دين الله، وكما جاهد الصحابةُ الكفَّارَ مع الرسول، فقد جاهدوا أيضًا الكفارَ بعد موت الرسول، وتحقق لهم ما وعدهم الله في قوله: ﴿ وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [الفتح: 22]، فلم يقف أمام جيوش الصحابة أحد من الكفار، بل نصرهم الله على جميع الكفار الذين قاتلوهم من المرتدين واليهود، والروم النصارى، والفرس المشركين، وغيرهم، وفتحوا فارس والشام ومصر وشمال إفريقيا، وهذه من معجزات القرآن، فقد أخبر الله بنصر الصحابة وتمكينهم، فوقع ذلك كما أخبر الله سبحانه: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور: 55].

وقد أخبر الله عن الأعراب الذين تخلَّفوا عن الجهاد مع رسول الله أنهم سيُدْعَون إلى قتال قوم كفار أشداء في الحرب، فوقع ذلك حين دعاهم الخلفاء الراشدون إلى حروب الردة، ثم دعوهم إلى قتال فارس والروم؛ قال الله سبحانه: ﴿ قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الفتح: 16].

وتوعَّد الله الأعراب في هذه الآية الكريمة إذا لم يجيبوا الخلفاء الراشدين إلى الجهاد بالعذاب الأليم؛ فقال: ﴿ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الفتح: 16]، فدلت هذه الآية الكريمة دلالة واضحة على صحة خلافة الخلفاء الراشدين؛ لأن الله أوجب على المسلمين طاعتهم، فكل واحد منهم إمام للمسلمين، وكلُّهم هداة مهتدين، وكلهم من السابقين.

قال الله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].

أيها المسلمون، ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمد وعلى أهل بيته وأزواجه وذريته، وارضَ عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع المهاجرين والأنصار، واجعلنا ممن اتبعهم بإحسان.

اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غِلًّا للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم، اللهم ارزقنا طاعتك وطاعة رسولك، والعمل بكتابك وسنة نبيك.

اللهم إنا نسألك من خير ما سألك نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شر ما استعاذ منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 69.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 67.56 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.42%)]