(أصول الإسماعيلية - دراسة ونقد) قراءة ومقتطفات

[ابوالوليد المسلم]

(أصول الإسماعيلية - دراسة ونقد) قراءة ومقتطفات 1-2


. د. محمد بن عبدالله السلومي





كتاب (أصول الإسماعيلية: دراسة- تحليل- نقد)، تأليف الدكتور سليمان بن عبدالله السلومي -رحمه الله-، نُشِرَت الطبعة الأولى عام 1422هـ/2001م، وهو مجلدان، ومجموع صفحاته (723 صفحة)، والناشر له دار الفضيلة بالرياض، والموضوع رسالة علمية للحصول على الدكتوراه من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، عام 1409هـ، أشرف على الرسالة الدكتور سليمان دنيا -رحمه الله-، والدكتور عثمان بن عبدالمنعم يوسف -رحمه الله-.
وحول أهمية الكتابة في الفِرَق والمذاهب العقدية المنحرفة؛ فإن اختيار الباحث لرسالته العلمية الدكتوراه في الفِرَق الضالة، بعد الماجستير في الفرق المنحرفة كذلك؛ يؤكد قناعته العلمية والاحتسابية بوجوب استبانة سُبُل المنحرفين، بل والتخصُّص بها.
وقد كَتَب الباحث المؤلف من دوافعه لاختيار هذا الموضوع: إن الدراسات والأبحاث في الفِرَق والمِلَل في سابق التاريخ لا يمكن أن تنفصل عن لاحقه؛ فالفِرَق والمذاهب تُجدِّد نفسها في كل عصر ومصر، وها هي عقيدة التشيع الرافضية تُعيد نشاطها وتضليلها وإرهابها في العالم الإسلامي بدعمٍ سياسي حديث من المستشرقين والسياسيين الغربيين ودولهم بصورةٍ غير مسبوقة؛ سواءٌ كان هذا الدعم مِن قِبل مَن يؤمن بها! أم مَن يستخدمها ويُوظِّفها! ممَّن يعتقد جازمًا بأن الرافضة عدوٌّ لدود لمشروع أُمّة الإسلام ونهضتهم، فيعمل على استخدامهم وسائل لتمزيق أمة الإسلام ووحدتها في عصرها الحاضر.
ومن أمثلة هذا الدعم الغربي: ما ورد في أحد تقارير مؤسسة راند: «إن على الولايات المتحدة أن تنحاز إلى الشيعة الذين يشكلون 15% من مسلمي العالم، لتشكيل حاجز أمام الحركات الإسلامية المتطرفة، وقد يخلق أساسًا لموقفٍ أمريكيٍّ مستقر في الشرق الأوسط»[1]. والواقع الإقليمي والدولي في التعاطي الغربي مع إيران وسياساتها يُصدِّق العمل بهذه التوصيات ويُعزِّز من هذه السياسات العدائية للمسلمين.
وقد كتب الباحث في كتابه عن أصول الإسماعيلية مقدمةً استغرقت خمسة وعشرين صفحة، زاخرة بخلاصات وافية عن الرسالة وموضوعها، لا سيما عن الكتابات العلمية السابقة واللاحقة عن حقيقة الباطنية، وفي بداية هذه المقدمة كَتَب عن أهمية العلم في الإسلام ودور العلماء، ومما قال: «فإن من أشرف العلوم وأجلِّها: العلم الشرعي الذي به سعادة الدارين عِلْمًا وعملًا. ومن نِعَم الله وتوفيقه عليَّ أن انتظمتُ بهذا التخصص -ولا سيما في أصول الدين- الذي يُعتبر أشرف العلوم، وهو الفقه الأكبر بالنسبة لفقه الفروع.
ومما أوجب الله على أمة الإسلام -ولا سيما العلماء وطلبة العلم، وهذا جزء كبير من الدعوة-؛ أن ينفوا عن هذا الدين غُلُوّ الغالين وتحريف الضالين، وأن يُبطلوا شبهات الأعداء والملبسين»[2].
وحول طبيعة البحث في هذا الموضوع، فهو يكرّر القول عن الواجب في كشف الفِرَق والمذاهب المنحرفة عن الدين وخطرها على الإسلام والمسلمين في جميع العصور، خلافًا لمن يرى أن هذه الفِرَق قد بادت وانتهت، علمًا بأن الاستبانة المستمرة عن سبيل المجرمين بالكتابة وغيرها منهج شرعي، لا سيما حينما تنشط هذه الفِرَق وتَطْبَع تراثها القديم، وتنشره في العصر الحاضر! كما فصَّل هذا المؤلف.
وفي مقدمة هذا الكتاب؛ فإن الباحث يستشعر الواجب الشرعي عليه، وعلى كل مسلم قادر على الذود عن عقيدة التوحيد، وما يُدنِّسها مما لدى فِرَق الضلال والانحراف، ومما قال عن هذا: «وانطلاقًا من هذه الأهداف القرآنية التي يجب عليّ وعلى غيري من طلبة العلم امتثالها والقيام بها حسب الاستطاعة والقدرة؛ اخترت فِرْقَة من الفِرَق التي نشأت وظَهَرَت في منتصف القرن الثاني الهجري، ولا زالت إلى يومنا هذا تظهر وتنتشر وتستتر وتخبو حسب قوة الحق وأهله أو ضعفهم في كل زمان ومكان، هذه الفرقة هي (فرقة الإسماعيلية) إحدى الفرق الشيعية الباطنية التي يعلن أتباعها الإسلام ظاهرًا، وحقيقة أمرها الكفر المحض، كما قرر ذلك أبو حامد الغزالي [المتوفى عام 505هـ] من خلال دراسته الفريدة عنها في كتابه (فضائح الباطنية)[3].
إذن فتعرية هذه الفِرْقَة، وكشف مخططاتها واستبانة معتقداتها وإيضاح أهدافها يُعدّ قيامًا بالواجب وأداءً للنصيحة ومعذرةً إلى ربنا -عز وجل-، ولعل المغرورين والجاهلين ومَن لُبِّس عليهم لعلهم بعد ذلك يتقون. ذلك -عَلِمَ الله عز وجل- أنه السبب الرئيس لاختيار هذا الموضوع أطروحة للدكتوراه».
- المخاطر والمصادر:
وعن خطر هذه الفِرَق في سابق الزمان ولاحقه، وأهمية الكتابة عنها في العصر الحاضر؛ كَتَب الباحث سليمان بتفصيل مفيد عن الأتباع، وعن مؤلفات الإسماعيلية قديمها وحديثها، ومما قال: «(1) إن هذه الفِرْقَة يعيش أفرادها وأتباعها بين ظهراني المسلمين وفي بلادهم، على اعتبار أنهم مسلمون ولهم نشاطهم الواسع في مجالات التعليم والاقتصاد، بل والتوجيه في بعض الأقطار الإسلامية. ومن هنا فالدراسة لهذه الفِرْقَة تُعتبر دراسة واقعية تعالج أمرًا موجودًا وملموسًا بعيدًا عن الترف الفكري أو الدراسة التاريخية لفرقٍ ومِلل ظهرت ثم بادت وطواها الزمن منذ أمد بعيد.
(٢) المتتبع لحركة النشر ودور الطباعة في العالم الإسلامي يجد نشاطًا واسعًا وبعثًا لكتب الشيعة، سواءٌ في ذلك الشيعة الإسماعيليون، أو الشيعة الإماميون».
«وعند التأمل في هذا النشاط الفكري والثقافي نرى أنه لا يخلو من أحد أمرين:
أولهما: نَشْر وبَعْث المؤلفات القديمة لهذه الفِرْقَة، وذلك مثل مؤلفات قاضي الإسماعيلية في عهد المعز العبيدي[4]، فإنها لم تُطبَع ولم تُنْشَر إلا في هذا العصر؛ حيث طُبِعَ منها على سبيل المثال كتاب (المجالس والمسايرات في تاريخ الإسماعيلية وعقائدهم)، وكتاب (دعائم الإسلام وتأويل الدعائم) في ستة مجلدات، وكتاب (افتتاح الدعوة)، وكتاب (الهمة في آداب اتباع الأئمة)، وكتاب (الاقتصار)، وغيرها من كتبه الكثيرة،..!
ومثل مؤلفات الداعي الإسماعيلي السجستاني الذي طُبِعَتْ له مجموعة من الكتب...، ومن بعده تلميذه الكرماني....
والحقيقة أن كتب الإسماعيلية القديمة التي طُبِعَت ونُشِرَت في العصر الحاضر كثيرة جدًّا ولا سبيل إلى حَصْرها[5]، وهذا يُعْطي دلالة على نشاط هذه الفئة في نَشْر تراثها ومذهبها الخطير، وحسبنا رجوعًا إلى قائمة من قوائم دار الأندلس للطباعة والنشر في بيروت؛ فسنجد العجب العجاب؛ حيث إنَّ هذه الدار نذَرت على نفسها نشر تراث الإسماعيلية. انظر على سبيل المثال قائمة مطبوعات دار الأندلس عام ١٩٨١م.
والآخر: مؤلفات جديدة لكُتَّاب معاصرين؛ إما إسماعيليين أو متعاطفين معهم، ويجمعهم الإشادة بفرقة الإسماعيلية، والثناء على معتقداتها، حتى إن القارئ والمُطّلع على مثل هذه المؤلفات يشعر بمغالطة هؤلاء وقلبهم الحقائق، ففرقة الإسماعيلية عندهم فِرْقة إسلامية، وتطالب كذلك بحق الإمامة لزعمائها».
- الدور الاستشراقي:
في مقدمة رسالته يكشف الباحث عن طبيعة المهتمين بنشر تراث هذه الفِرَق القديمة والاهتمام بطباعة مؤلفاتهم، وهو ما يُوجب مُضاعفة الجهود العلمية في كشف حقيقة هذه الفِرَق وأهدافها، فقال في مقدمة بحثه: «ومن أشهر القائمين بهذا النوع من التأليف: (أ) مستشرقون متعصبون للإسماعيلية نذروا أقلامهم في نشر وخدمة هذه الفِرْقَة وغيرها من الفِرَق المنحرفة تحت مظلة البحث العلمي؛ لكنَّه لا يَخْفَى على القارئ لأمثال هؤلاء دَسُّهم وأهدافهم السيئة. ومن أكثر هؤلاء كتابةً وإشادةً بهذه الفِرْقَة: المستشرق الروسي فلاديمير إيفانوف الذي أصدر مجموعة من الرسائل والكتب عن الإسماعيلية، ونشر كثيرًا من مخطوطاتهم[6].
وكذلك المستشرق الإنجليزي برنارد لويس؛ حيث كَتَبَ عن الإسماعيلية كثيرًا، وأفرد لها مُؤَّلَفَيْن خاصَّيْن هما كتابه المشهور (أصول الإسماعيلية)، وكتابه عن (الإسماعيلية الشرقية الحشاشين). كما كتب عنهم المستشرق الفرنسي لويس ماسينون، وذلك في دائرة المعارف الإسلامية، وغير هؤلاء كثير.
(ب) كُتَّاب إسماعيليون معاصرون حَجَبَ التعصب الشديد أبصارهم وبصائرهم، حتى إنهم لا يرون إلا باطلهم وضلالهم، ووصل بهم الأمر إلى القول بأن الإسماعيلية بتاريخها وعقائدها إنما تُعبِّر عن الإسلام الصحيح وعن واقعه وتطبيقه!
ومن أشهر هذه الفئة: عارف تامر[7]، ومصطفى غالب[8]؛ وكتاباتهما كثيرة مع قلة الفائدة منها؛ لخلوّها من الأصول العلمية المتفق عليها بين الباحثين والكُتَّاب، فهما مثلًا لا يشيران ألبتة إلى مصادر معلوماتهما لا في ثنايا البحث ولا في آخره، مع ما في أسلوبهما من التعمية والتمويه للحقائق البيِّنة. وقد فضح كلّ واحد منهما الآخر بعد وقوع خلافٍ بينهما؛ حيث إن لكل واحد منهما رأيًا يختلف عن الآخر في تفسير بعض المسائل الاعتقادية الباطنية»[9].
ولم يكتفِ الباحث سليمان بالكتابة عن هذا الاهتمام المتأخر المريب بالفِرَق القديمة وإحياء مؤلفاتهم مِن قِبَل المستشرقين وتلامذتهم؛ بل زاد الأمر إيضاحًا فقال: «والحق الذي لا مِرْيَة فيه أن هؤلاء الكُتّاب مُغْرِضُون، وأن وراءهم أهدافًا خطيرة؛ فترويج الباطل والضلال على أنه هو الإسلام نوعٌ واسعٌ من أنواع الصدّ عن دين الله وشرعه المطهّر، بل هو في حقيقة الأمر افتراء على الله وعلى رسوله #، والواجب في مقابل هذا الطوفان الفكري مجابهته، وكشف زيفه وبطلانه، ومِن ثَمَّ صَدّ دُعاته والحذر منهم بشتى الطرق والأساليب الشرعية».
أبرز المؤلفين المنصفين عن الفِرَق والمِلَل في كتاب (أصول الإسماعلية):
يُشخِّص سليمان ما يراه دافعًا ثالثًا ومُهمًّا لأهمية الكتابة عن فِرْقَة الإسماعيلية، وأن النقص العلمي في الكتابات الفكرية العقدية الناقدة لا توازي حجم كثيرٍ من الكتابات والمُؤلّفات المُضلِّلة عن هذه الفِرْقَة! كل هذا مما يُوجب الكتابة والتأليف بصورةٍ مُفصَّلة مُتخصصة علميًّا، وذلك بكشف حقيقة هذه الفِرَق القديمة المنحرفة واحتساب هذا العمل، وهو مع هذا يُوَصِّف أنواع الكتابات الموجودة في الساحة العلمية بأنها لا تَفِي بالغرض ولا تُحقِّق كامل الهدف المنشود؛ لأنها لم تَجْمع بين الجانب التاريخي والنقد العقدي مع ضَعْفٍ في التوثيق العلمي، وكان مما قال الباحث سليمان: «إما أن تكون مهتمة بالجانب التاريخي مُغْفِلَةً للجانب العقدي، أو تكون مهتمَّة بالجانب التنظيميّ مُغْفِلَةً الجوانب الأخرى. أو تكون مُهتمَّة بالجانب الفلسفي مع إغفال الجوانب التاريخية والتنظيمية، وفي كلٍّ قصورٌ لا يَخْفى على مُطَّلِع. كما أن من جوانب النقص في بعض الكتابات: عدم رجوع أصحابها إلى مصادر القوم الأولى مباشرةً، مع التحليل والنقد لها، وتفصيل ذلك حسب الاستقراء والاطلاع كالآتي:
* الكتابات التاريخية، ومن أشهرها مؤلفات الدكتور حسن إبراهيم حسن؛ حيث ألَّف كتاب «تاريخ الدولة الفاطمية»، وكتاب «في أدب مصر الفاطمية»، وكتاب «عبيد الله المهدي إمام الشيعة الإسماعيلية»، وكتاب «المعز لدين الله»، والأخيران اشترك معه في تأليفهما الدكتور طه أحمد شرف، وعلى نفس المنهاج كتابا محمد جمال الدين سرور؛ وهما «سياسة الفاطميين الخارجية»، و«النفوذ الفاطمي في جزيرة العرب»، وكذلك كتابا الدكتور محمد عبدالله عنان؛ وهما «الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية»، و «تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة».
«والذي يُؤخَذ على هذه المُؤلَّفات والكِتَابَات أمران مهمان:
الأول: النهج التاريخي الذي يَحفل بالأحداث والوقائع أكثر مما يَحفل بالعقائد والأفكار. ومن المُسَلَّم به أنَّ العقائد والتاريخ -ولا سيما فيما يتعلق بالفِرَق والمذاهب- أمران مرتبطان، أحدهما نتيجة الآخر، ولا يجوز الفصل بينهما؛ فتاريخ كل فِرْقة هو النتيجة التطبيقية العملية لمعتقداتها وآرائها، وما خروج الخوارج وتاريخهم المليء بالصراع الدموي والحروب الطاحنة إلا نتيجة من نتائج معتقداتهم وأفكارهم، فالفصل بين عقيدة الفِرْقَة وتاريخها خطأ علمي ومنهجي يُصيِّر البحث والموضوع في نقص وخلل.
الثاني: أن هذه الكتب والمؤلفات التاريخية تتحدَّث عن تاريخ الإسماعيلية ودُوَلها وأئمتها كما تتحدث عن الدولة الأموية أو الدولة العباسية، وأن الخلافة الفاطمية -كما يُسمُّونها- شرعية ودولتها دولة إسلامية، وحسبنا في هذا المقام قول الإمام الذهبي عن دولة الإسماعيلية (الفاطميين)، يقول عن صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله-: (واستأصل شأفة بني عُبَيد، ومَحَقَ دولة الرَّفْض، وكانوا أربعة عشر متخلفًا لا خليفة)[10]».
ويستطرد الباحث سليمان عن نوع آخر من الكتابات والمؤلفات التاريخية العامة: «هناك من الكُتَّاب المعاصرين مَن كَتَبَ عن الإسماعيلية كتابات مُقْتَضَبة مُجْمَلة ضِمْن كتاباتهم عن فِرَق أخرى متعددة، وذلك كالدكتور عبدالرحمن بدوي في كتابه «مذاهب الإسلاميين» الجزء الثاني، والدكتور علي سامي النشار في كتابه «نشأة الفكر الفلسفي» الجزء الثاني، والدكتور محمد أحمد الخطيب في كتابه «الحركات الباطنية في العالم الإسلامي»، وهؤلاء جميعًا تحدّثوا عن طائفة الإسماعيلية ضمن طوائف كثيرة، فهم لم يُفْرِدُوها بمُؤلَّف خاصّ مع أهمية ذلك؛ باعتبارها الحركة الأُمّ لسائر الفِرَق الباطنية الأخرى. مع ما يُضَاف إلى أنهم -ولا سيما عبد الرحمن بدوي- ينقلون نصوص الإسماعيلية من غير تحليل لها تارةً، أو ردّ ومناقشة تارةً أخرى».
والباحث سليمان وهو يبحث في فِرْقَة الإسماعيلية، ومن كَتَب عنها؛ مُلتزم بالأمانة العلمية عند ذِكْره للكتابات القديمة الوافية ذات القيمة العلمية، أو الكتابات التي تَشُوبها الأخطاء والاجتهادات، كما أنه كَتَب عن أبرز الفروقات والملاحظات في الكتابات القديمة والحديثة؛ مما يخدم الباحث والمهتم، كما أن الباحث سليمان بحِسّه النقدي وتَمكُّنه العلمي نقَدَ بعض الجوانب العلمية في الكتابات ذات القيمة العلمية، مثل كتاب الشيخ إحسان إلَهي ظهير -رحمه الله-، ومن ذلك قوله: «كتاب (الإسماعيلية تاريخ وعقائد) للشيخ إحسان إلهي ظهير -رحمه الله تعالى-، (الطبعة الأولى عام ١٤٠٦هـ)؛ حيث كشف هذه الفِرْقَة وبيَّن خطرها وما تحمله معتقداتهم من غلوّ وإلحاد... والكتاب جوانبه الإيجابية كثيرة، ومنها على سبيل المثال: رجوعه إلى مصادر القوم مباشرة. والجمع بين الجانب التاريخي والجانب العقدي مع ما للمؤلف من اتجاه سلفي في الدراسة والحكم، ولكنَّه في عَرْضِه لمعتقداتهم وَقَعَ في أمرين أخلَّا بأهمية الكتاب والهدف من تأليفه:
أولهما: حَشْد نصوص الإسماعيلية مجتمعةً وبكثرة في بعض المواضع من دون ترتيب لأهمية الكتاب والمؤلف[11]، ومن غير تحليل للنصوص الإسماعيلية واستنباط المعتقدات منها، بل ينقل النصوص مجتمعةً وقبل ذلك يحكم[12] مسبقًا. والترتيب العلمي -كما هو معروف- نقل أصول المخالف ونصوصه، ثم بعد ذلك بيان مخالفتها لمنهج الحق والصواب بيانًا قائمًا على الأدلة الصحيحة، وبعد ذلك الحكم النهائي، وهو البطلان والفساد.
والآخر: في نصوص الإسماعيلية تناقضٌ واضطرابٌ، وكشفه وبيانه يُعتبر ردًّا مُحْكمًا على فلسفتهم عن الله، وإطلاق الأسماء والصفات عليه، وهذا لم يَقُم به ألبتة، مع العلم أنه نقل نصوصًا لابن تيمية تكشف عن تناقضهم[13].
وعلى كلِّ حالٍ فالكتاب صرخة عَالِم من علماء أهل السند في عصر كثرت فيه الفتن، وانتشرت الفِرَق -ولا سيما في شبه القارة الهندية- منذرةً بخطرها، فأراد تبيين ذلك الخطر بكتابه هذا وسائر كتبه الأخرى عن الفرق[14].
كما أنه -رحمه الله- لم يتعرَّض لأمر أساسي عن طائفة الإسماعيلية؛ وهو الحديث عن فِرَقهم المعاصرة (الأغاخانية - والبُهرة)، وبيان خطورة نشاطهم وانتشارهم في العصر الحاضر. وفي آخر الكتاب وَعدَ -رحمه الله- بإفراد ذلك بمُؤلَّف مستقلّ، ولكن يد المنون اخترمته قبل إخراج ذلك»[15].




[1] شبكة الدفاع عن السنة، بعنوان: (مؤسسة «راند» الأمريكية تحث أمريكا على دعم الشيعة)، بتاريخ 5 شوال 1424هـ، الرابط التالي:
https://dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=45338
[2] جميع النصوص المنقولة في هذا التعريف عن الكتاب تم اقتباسها من مقدمته وخاتمته، وعند النقل من أيّ موضع آخر تتم الإشارة إليه، كما هو الحال في نقل الباحث بعض التعليقات من المصادر والمراجع، حيث تتم الإشارة إليها في الهامش.
[3] (فضائح الباطنية للغزالي، ص٣٧).
[4] يلقب القاضي بأبي حنيفة المغربي، واسمه محمد بن منصور بن حيون؛ تُوفي عام ٣٦٣هـ. أما المعز فترجمته مفصلة عند الحديث عن أئمة الإسماعيلية في الباب الثاني من كتاب (أصول الإسماعيلية).
[5] ذكر الدكتور محمد كامل حسين في كتابه طائفة الإسماعيلية، مجموعة من كتب الإسماعيلية طُبعت ونُشرت تصل إلى أربعين كتابًا. انظر كتابه طائفة الإسماعيلية ص١٨٠–١٨٥.
[6] نشأة الفكر الفلسفي 2/٣٨٢.
[7] إسماعيلي نزاري متعصب لفكره الباطني تعصبًا أعمى يقلب الحقائق ويموِّه الأحداث، تتصف كتاباته بخلوها من المراجع، وعدم العزو إليها سواء في ثنايا الكتاب أو في آخره؛ حيث لا يتضح كلامه من كلام غيره، وهذه بلية عظيمة صَاحَبها خلوّ من الأمانة العلمية. من مؤلفاته: الإمامة في الإسلام، وكتاب القرامطة: أصلهم وتاريخهم ونشأتهم، وأربع رسائل إسماعيلية، وغيرها من الكتب الأخرى. جنَّد نفسه لنشر تراث الإسماعيلية؛ حيث نشر الكتب التالية: ثلاث رسائل إسماعيلية، وأربع رسائل إسماعيلية، وخمس رسائل إسماعيلية، وكتاب الهفت والأظلة، كتاب الرياض للكرماني، وكتاب الإيضاح لأبي فراس، وكتاب الميزان لعبدان الكاتب -كما يزعم-.
[8] إسماعيلي معاصر عاش في لبنان وسوريا ودَرَّسّ في جامعاتها. نذر حياته لنشر مذهب الإسماعيلية والدعوة إليها، وفي مؤلفاته ما يدل على تعصُّبه الشديد وقلب الحقائق والتلاعب بالألفاظ، مع استغفال القارئ بأسلوب إنشائي مطاط. من مؤلفاته: أعلام الإسماعيلية، وتاريخ الدعوة الإسماعيلية، وكتاب الحركات الباطنية في العالم الإسلامي، والثائر الحميري الحسن الصباح، وكتاب عن شيخ الجبل سنان راشد الدين، وغيرها. ومن كتب الإسماعيلية القديمة التي نشرها: كتاب راحة العقل للكرماني، وكتاب الينابيع للسجستاني، والمجالس المؤيدية للشيرازي، واختلاف أصول المذاهب للقاضي بن حيون، وغيرها كثير.
[9] لمزيد من التفصيل عن شخصية الرجلين وقصة حصولهما على شهادة الدكتوراه؛ يرجع إلى كتاب الإسماعيلية تاريخ وعقائد لإحسان إلهي ص ٧-8، لا سيما التعليق في الحاشية.
[10] سير أعلام النبلاء للذهبي (15/212).
[11] (ص ۱۷۷ - ۲۷۸ ، ۲۸۱ من كتابه الإسماعيلية تاريخ وعقائد).
[12] (الفصل الأول تحت عنوان عقيدتهم في الله ص ٢٧٣ المرجع السابق).
[13] (انظر على سبيل المثال ص ۲۸۳ من المرجع السابق).
[14] للمؤلف -رحمه الله- كتب كثيرة عن الفرق منها الشيعة والسنة، والشيعة والقرآن، والبابية والبهائية، ودراسات عن القاديانية، وكتاب البريلوية عقائد وتاريخ، وغيرها من الكتب عن الملل والفرق التي تصل إلى حوالي عشر مؤلفات باللغة العربية.
[15] كتاب الإسماعيلية تاريخ وعقائد، الصفحة الأخيرة.

[ابوالوليد المسلم]

(أصول الإسماعيلية - دراسة وتحليل ونقد) - قراءة ومقتطفات- (2-2)


. د. محمد بن عبدالله السلومي





الباحث سليمان لم يهضم الساحة العلمية حقها بخلوّها من دراسات مفيدة حينما كتب وفصَّل حول ثلاثة منها، فقال عن أحد الكُتب العلمية التي يرى أنه انتهج المنهج العلمي الجيد، فقال عن هذا الأنموذج الآخر: «الكتاب الثالث: (دراسة عن الفِرَق في تاريخ المسلمين) للدكتور أحمد محمد جلي. وقد طُبع الطبعة الأولى في عام ١٤٠٦هـ، ونَهَجَ المؤلف منهجًا جيدًا في عَرْضه للفِرَق التي تحدَّث عنها، والكتاب بحق يُعدّ المرجع الوحيد لهذه الفِرَق على مستوى الطلبة في المرحلة الجامعية لسهولة أسلوبه وحُسْن عَرْضه، ونَهْجه منهج أهل السنة والجماعة».
كما أن الباحث سليمان بَيَّن جهود العلماء السابقين بكتاباتهم المُنْصِفَة والواعية عن خطر هذه الفِرَق والمِلَل والنِّحَل، وهي كُتُب يمكن اعتبارها مصدرًا أساسيًّا من مصادر المعرفة عن هذه الفِرَق، وهذا التفصيل عن الكُتُب ممَّا يُثري الباحث والقارئ؛ لأهميته في الدراسة والتحليل والنقد عن الإسماعيلية والباطنية عمومًا، ومن ذلك ما رصَده الباحث من نقولاتٍ عن مجموعة من علماء أهل السنة المتقدمين، وكان هذا العرض عن أسمائهم وكُتبهم، بل وتوصيف لما كتبوه عن هذه الفِرَق، وذلك بقوله: «وأول ما يُطالعنا في هذا المقام ما كَتَبَه علماء الفِرَق والمقالات كأبي الحسن الأشعري، والملطي والبغدادي، وابن حزم، والشهرستاني، والرازي[1]. وجميع هؤلاء تحدثوا عن الإسماعيلية ضِمْن فِرَق كثيرة، فأوجز بعضهم كالملطي والأشعري، والبعض الآخر تحدث عن الإسماعيلية الشرقية كالشهرستاني، وبعضهم تحدث عنها مُفرّقة ومختصرة من دون ترتيب كابن حزم، وأكثرهم عنها حديثًا البغدادي؛ حيث أفرَدَ لهم فصلًا خاصًّا، ولكنه تحدَّث عن الباطنية عمومًا، والإسماعيلية -كما هو معروف- فِرْقَة من فِرَقها.
وممن كَتَبَ عن الإسماعيلية من العلماء المتقدمين شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية -رحمه الله- وذلك ضمن كتبه الثلاثة المشهورة:
(1) الفتاوى، والحديث عنهم مُفرَّق في أجزائها العديدة، وقد أكثر من الحديث عنهم في المجلد الخامس والثلاثين في باب حكم المرتد.
(2) كتابه العظيم «منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية»؛ حيث تحدَّث عنهم استطرادًا في مواضع متفرقة من الكتاب؛ لأن الكتاب في أصله ردّ على الرافضي الإمامي يوسف بن الحسن ابن المُطَهر الحلي، فموضوعه الأساسي الشيعة الإمامية.
(3) في مخطوطة عنوانها «بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والباطنية والقرامطة والجهمية أهل الحلي والاتحاد»، تحدث عن الإسماعيلية في مواضع متفرقة حسب الموضوعات. وقد حُقِّقت هذه المخطوطة أخيرًا في جامعة الإمام محمد بن سعود، ... وظهرت مطبوعة بعد ذلك بمجلدين».
والباحث الدكتور سليمان حينما يُقسِّم الباحثين أو المؤلفين في كتاباتهم عن فِرَق الباطنية يُفرِّق بين مَن أعطى الموضوع حقّه، وبين مَن يستحق الاستدراك عليه علميًّا، وقد أفرد لها موضوعًا منفصلًا في مقدمة كتابه بعنوان (القسم الثاني)، وكَتَب عن هذا القسم بما يَهُم الباحثين في هذه الفِرَق والمهتمّين بالقراءة عنها، ومما قال عن هذا: «إنها كتابات موجودة مُتدَاوَلَة، ومن أشهرها كتاب الإمام أبو حامد الغزالي (فضائح الباطنية)؛ حيث طُبِعَ عدَّة طبعات بتحقيق الدكتور عبدالرحمن بدوي، وهو صرخة عالِم في وَجْه المدّ الباطني الذي انتشر في بلاد فارس وبلاد الشام بقيادة أصحاب القلاع والحصون في الألموت، ومثله كتاب محمد بن الحسن الديلمي وهو (بيان مذهب الباطنية وبطلانه)، وكذلك للعالم الزيدي يحيى بن حمزة العلوي كتابان في الرد على الباطنية أحدهما (الإفحام لأفئدة الباطنية الطغام)[2] بتحقيق النشار وفيصل عون، والثاني بعنوان (مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار) بتحقيق محمد الجليند.
وهذه الكتب الأربعة مليئة بالردود بأسلوب إنشائي عاطفي، كما أنها مبنية على السماع عن الباطنية، وليس الرجوع إلى مصادرهم وكتبهم في معظم الأحيان إلا نُتَفًا بسيطة أشار إليها الديلمي في مواضع من كتابه. والرد على فرقة أو فئة ضالة يكون قاطعًا ومُحكمًا إذا حُوكِمُوا إلى نصوصهم ومؤلفاتهم التي لا يسعهم إنكارها أو التبرؤ منها بحالٍ من الأحوال.
وممَّا له أهمية بالغة وقِيمَة علمية: ما كتبه محمد بن مالك بن أبي الفضائل الحمادي في رسالته: (كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة)، وتأتي أهميته مما ذكر المؤلف في مُقدّمته: أنه دخل في مذهب الصليحي ليتيقن صِدْق ما قيل فيه مِن كذبه، وليطَّلع على أسرار المذهب وكتبه. يقول عن هذه التجربة: «ولما تصفحتُ ما فيه وعرفتُ معانيه؛ رأيتُ أن أبرهن على ذلك نصيحةً لله وللمسلمين؛ فألَّفت هذا الكتاب بعنوان (كشف أسرار الباطنية)»، والكتاب كما هو واضح من موضوعاته والباعث على تأليفه خاصّ بالصليحيين إسماعيلية اليمن، والذين يتبعون الإسماعيلية المستعلية[3].
هذه هي أهم الكتب وأشهرها -حسب علمي واطلاعي- عن الباطنية عمومًا والإسماعيلية بوجه خاص. وتظل الحاجة قائمة.
ما بيَّنه الباحث المؤلف الدكتور سليمان بن عبدالله السلومي عن الحكم الشرعي في هذه الفِرْقَة: «حركة القرامطة تُعتبر فرقة مستقلة رغم ما لزعماء القرامطة من علاقة وتأثُّر بأئمة الإسماعيلية، إلا أنهم خالفوا الأئمة ونهجوا منهجًا ثوريًّا على ضوئه اعتُبروا مُنشقّين عن حركتهم الأم الإسماعيلية، وبعد ذلك أصبحوا كالدروز تمامًا، حينما أَلَّهوا الحاكم العبيدي، واختلفوا مع الإسماعيليين، فيحسُن بعد ذلك اعتبار القرامطة فرقة باطنية مستقلة مثل سائر الفرق الباطنية الأخرى. ومما لا شك فيه أن لعلمائنا المتقدمين جهودًا في التأليف والمناقشة والرد على الفِرَق الباطنية عمومًا، ومنها فرقة الإسماعيلية».
«ويبقى الدافع قويًّا إلى إفراد هذه الفِرْقَة (الإسماعيلية) بكتابة خاصة تشتمل على الجوانب الرئيسة الثلاثة؛ وهي: الجانب التاريخي، الجانب التنظيمي، الجانب العقدي الذي لم أجد -حسب علمي المحدود- مَن كَتَبَ فيها أو وَلَجها بهذه الجوانب الرئيسة الثلاثة مجتمعةً حسب المنهج العلمي المتَّفق عليه، وذلك بتصوير مذهبهم كما هو من كُتُبهم ومصادرهم مباشرة، ومِن ثَم تحليل نصوصهم والرد عليها بموضوعية، ونقدها حسب منهج أهل السنة والجماعة القائم على العدل والإنصاف حتى مع الخصوم. لهذه الأسباب عزمتُ على دراسة هذه الفِرْقَة واستبانة أمرها بعنوان (أصول الإسماعيلية: دراسة وتحليل ونقد)».
والباحث سليمان كتب هذا البحث متضمنًا ثلاثة أبواب رئيسة، وبفصول متعددة شملت الدراسة والتحليل والنقد والجانب التاريخي وكذلك العقدي؛ فالباب الأول عن (التشيع وأثره في الإسماعيلية) بثلاثة فصول، والباب الثاني عن (الجانب التاريخي لفرقة الإسماعيلية) بفصوله الخمسة، ليأتي الباب الثالث الرئيس في البحث بعنوان (أصول الإسماعيلية وعقائدهم) متضمنًا فصولًا سبعة وافية عن العنوان، ومن أبرزها الفصل السابع المتضمن: (حكم الإسلام في طائفة الإسماعيلية من خلال معتقداتهم آنفة الذِّكر، مع حُكم علماء الإسلام فيهم قديمًا وحديثًا).
وهو يُكرر بتواضع عن بعض السلف الصالح تجاه ما يكتبونه من قول لبراءة الذمة، لكن الباحث يُدوِّن قناعاته العلمية بخطر هذه الفِرَق الباطنية على الإسلام والمسلمين، والمهم على العلماء والدعاة والمفكرين هو القراءة عن حقيقة هذه الفِرَق دون تجاهلها أو التقليل من خطرها، فقال: «هذه هي بضاعتي في هذا البحث، وهذا هو جهدي، أرجو من الله العلي القدير أن أكون وَفَّيتُه بعض حقّه، وقدمت للباحثين والدارسين في عِلْم الفِرَق خدمةً متواضعةً في كشف هذه الفِرْقَة وغيرها من الفِرَق المنحرفة، وبيان مَواطِن خَطرهم على الأمة الإسلامية. وإنني مع ذلك أقول كما قال بعض السلف الصالح: (فأما سائر ما تكلمنا عليه فإنا أحقَّاء بألَّا نُزكيه وألَّا نؤكد الثقة به، وكل من عَثَر منه على حرفٍ أو معنى يجب تغییره؛ فنحن نناشده اللهَ في إصلاحه وأداء حق النصيحة فيه؛ فإن الإنسان ضعيف لا يسلم من الخطأ إلا أن يعصمه الله بتوفيقه، ونحن نسأل الله ذلك ونرغب إليه في دَرَكه؛ إنه جواد وهوب)».
أبرز نتائج البحث:
من المهم في هذه الوقفة العلمية الخاصة بالقراءة والكتابة عن كتاب (أصول الإسماعيلية: دراسة وتحليل ونقد) ما توصل إليه الباحث من نتائج تفيد القارئ والباحث على حدٍّ سواء؛ حيث أورد خلاصة النتائج في (خاتمة الكتاب)، وفيها عن مصطلح فرقة الشيعة وما يندرج تحتها من فِرَق، وعن الجانب التاريخي لفرقة الإسماعيلية وجذور التشيع اليهودية، وحقيقة عبدالله بن سبأ ودوره، وبطلان الانتساب، ثم عن أصول الإسماعيلية ومعتقداتها.
ولأهمية النتائج العلمية فإن اختصارها وتلخيصها قد يكون من الجناية العلمية على هذه الخاتمة، وهي الخلاصة الوافية، ولأجل هذا فقد تم إيرادها كاملةً لتكون هدية للقراء والباحثين والمهتمين بهذا الموضوع، وهي بعنوان (نتائج البحث): «بالنسبة للباب الأول: وهو التشيع وأثره في فرقة الإسماعيلية توصلت إلى أن:
(أ) مصطلح الشيعة مصطلح عام يندرج تحته فِرَق عديدة، ولا بد من تطبيق المراحل الزمنية التي مرت بها هذه الفِرْقَة، وتطبيق التعريفات المتعددة على هذه المراحل. كما توصلت إلى أنَّ فِرَق الشيعة سلسلة متَّصلة الحلقات يأخذ بعضها بزمام البعض، وتَظَلُّ الأفكار والمعتقدات واحدة وإن تغيَّرت المسميات، وهذا واضح في فِرَق الغلاة التي ابتدأت بالسبأية حتى الخطابية والإسماعيلية.
(ب) ومن نتائج البحث في هذا الباب ثبوت شخصية ابن سبأ حقيقة، مع ثبوت الأعمال التي قام بها، وأثبتتها المصادر المتعددة، وإن أعماله هذه هي أساس التشيع وبدايته، بل إنه هو المؤسِّس الحقيقي لهذا المذهب؛ كما ثبت ذلك بنصوص السلف.
(ج) إن للتشيع جذورًا ومصادر أجنبية؛ سواءٌ كانت يهودية أو نصرانية أو مجوسية، وهذا ثابت من جانبين؛ الجانب التاريخي والجانب الاعتقادي، فما جاهر به ابن سبأ من معتقدات مما لا يُنكر أصلها اليهودي، كما أن تاريخه يدل على يهوديته.
(د) إن أصول التشيع الأولى من الإمامة والغَيْبة والرجْعَة والتّقية، وسبّ الصحابة، ودعوى تحريف القرآن؛ تعتبر أساسًا لفِرَق الشيعة كلها، وكل فرقة أخذت منها بنصيب، فغلا البعض فيها كالإسماعيلية وسائر الفِرَق الباطنية، وخفَّف البعض كالزيدية.
(هـ) ومِن ثَم كان للتشيع بعد ذلك أثر في ظهور ونشأة الإسماعيلية؛ حيث تاريخ الشيعة المتصل بعضه ببعض، ولا سيما فيما يتعلق بالأئمة وتعلّق كل طائفة بهم وبإمامتهم.
أما بالنسبة للباب الثاني: وهو (تاريخ فرقة الإسماعيلية) فقد توصلتُ فيه إلى:
(أ) إن الإسماعيلية مصطلح على فرقة غالية جمعت شتات فِرَق الغلاة، وتبنَّت جميع غلو الفِرَق قبلها، وأصبحت فيما بعد أصلًا وأساسًا لجميع الغلاة بعدها، وهذا واضح في تاريخها ونشأتها.
(ب) كما توصلتُ إلى أن أهم جذورها فرقتان غاليتان هما الخطابية والباطنية، وكل فرقة غرست مبادئها في الإسماعيلية؛ فالخطابية غرست مبدأ تأليه الأئمة ودعوى النبوة، والباطنية غرست التأويل الباطني مع الهدم والتخريب في المجتمع الإسلامي.
(ج) ومما توصلت إليه في البحث أن سلسلة أئمة الإسماعيلية مرَّ بفترة غامضة أسموها (دور الاستتار)، ويقصدون من ورائها التمويه والتغطية لانقطاع نسل محمد بن إسماعيل، ومنها ثبت بالأدلة وأقوال المعاصرين لهم انقطاع نَسَبهم، والذين ادَّعوا بعد ذلك نسبًا فاطميًّا اعتُبِروا مغالطين للواقع، ومخالفين للأدلة والأحداث التاريخية.
(د) ومن نتائج هذا البحث أن الانفصام والتناقض في تاريخ أئمة الإسماعيلية مما لا يُنْكَر، ففي التعاليم المذهبية رسموا نظريات خالفوها عمليًّا؛ فنقضوا ما أبرموا، يتَّضح هذا جليًّا في انتقال الإمامة من شخصٍ لآخر، فمن أصولهم أن الإمامة من الأب إلى ابنه، وهكذا، ولكنهم خالفوا هذا المبدأ عددًا من المرات، ولا تفسير لذلك سوى المطامع والمصالح الدنيوية مع نبذ المبادئ والمعتقدات حتى ولو كانت خاطئة.
(هـ) وفي جانب نُظُم الإسماعيلية وصلت إلى أنهم وضعوا نظامًا جذّابًا للمدعوين، ومراحل تشويقية تشد المستجيب إلى ما فوق كل مرحلة هو فيها، وكان لذلك دور في انتشار هذا المذهب مع رداءته وخلوّه من الأصول الثابتة.
(و) وفي آخر هذا الباب؛ توصلتُ إلى أن تفرُّق الإسماعيلية كان بسبب خَرْقهم لقاعدتهم في الإمامة؛ حيث انقسموا إلى طائفتين كبيرتين امتدتا حتى عصرنا الحاضر، وكان لهذا أثر في كثرة أتباعهم وقيام دول عديدة لهم كدولة الحشاشين أصحاب القلاع في الألموت والشام، ودولة الصليحيين والبهريين فيما بعد.
أما بالنسبة للباب الثالث: وهو (أصول الإسماعيلية ومعتقداتها) فتوصلتُ فيه إلى الآتي:
(أ) إن للإسماعيلية أصولًا أساسية ترجع وتتصل جميع معتقداتهم بها، وهذه الأصول هي:
1- الإمامة.
٢- التأويل الباطني.
فما من عقيدة أو فكرة إلا وترجع إلى أحدهما أو هما جميعًا.
(ب) كما توصلت إلى أن الفكر الإسماعيلي مجموعة آراء ومذاهب مُلفَّقة صِيغَت بأسلوب باطني بهدف احتواء ديانات متعددة، ومذاهب متفرقة، تحت غطاء أن مذهبهم يستوعب المذاهب والآراء كلها.
(ج) ومما توصلتُ إليه في هذا الباب أن جميع آرائهم ومعتقداتهم معظمها وجُلُّها من الفلسفة الإغريقية صِيغَت بقالب عقلي معيّن لتبرير نَشْرها وقبولها بين الناس، مع التغيير في بعض القضايا الفلسفية الموروثة تغييرًا شكليًّا لا يؤثر في الحقيقة والنتيجة الواحدة شيئًا.
(د) وفي باب الإلهيات توصلتُ إلى أن عقيدتهم في الله -عز وجل- عقيدة كفرية شركية؛ حيث نفي تدبير الله وخلقه للكون، ونسبة ذلك إلى عقلين من العقول العشرة المستقاة من فلاسفة الإغريق واليونان.
(هـ) وفي باب النبوات استخلصتُ خلاصة مذهبهم، وأنه يعود في أصله إلى القائلين بكسبية النُّبوّة واستمرارها، مع إنكار معجزات الأنبياء والرسل، ووصفهم بالأوصاف السيئة والبذيئة.
(و) وفي باب الأُخرويات توصلتُ إلى أن الإسماعيلية ينكرون البعث والمعاد ولا يؤمنون بالدار الآخرة وجزاءها ومـا فـيـهـا من ثواب أو عقاب، وذلك بناءً على هذيانهم فيما أسموه قائم القيامة.
(ز) وفي التكاليف الشرعية أثبتُّ ما يدل على محاربتهم للشرائع والهروب من مزاولة الأعمال التكليفية، وبالتالي إبطال جميع أركان الإسلام العملية، وسعيهم لهدمها تحت ستار الظاهر والباطن.
(ح) وفيما يتعلق بمصادر المسلمين المعتمدة، وهما (الكتاب والسنة) أثبتُّ أن الإسماعيليين لا يؤمنون بهما، ولهم مصادر أخرى غيرهما، وإن تظاهروا بالإيمان بأحدهما أو بهما، فإنما ذلك أخذًا بظاهر ألفاظهما مع تأويل معانيهما تأويلًا يُخْرجهما من دين الإسلام بالكلية.
(ط) وأخيرًا بيَّنتُ حُكْم الإسلام في هذه الطائفة الخطيرة من خلال واقـعـهـم ومعتقداتهم من جهة، ومن جهة أخرى فتاوى علماء الأمة الإسلامية قديمًا وحديثًا، وكلها تُجْمِع على كُفْر هذه الطائفة وإخراجها من فِرَق الأمة الإسلامية. والحمد لله رب العالمين»[4].
والمطَّلع على هذه النتائج العامة للبحث عن الباطنية، والخاصة عن الإسماعيلية كفرقةٍ من فِرَقها؛ يُوقن بأن البحث العلمي هو الوسيلة المُثْلَى للتصور الدقيق عن هذه الفِرَق الباطنية الشيعية الرافضية، ومِن ثَمَّ الحُكم عليها بأقوال سلف الأمة وإجماعهم.
وختامًا ففي هذا العرض اليسير بحلقاتها التي تمَّ اقتباسها من المقدمة الغزيرة بالعلم والمعرفة، لا سيما أن من المعلومات الوفيرة في كتاب الباحث سليمان عن الإسماعيلية نقولاته عن بعض علماء الإسلام ممن عاصروا الحكم الفاطمي الباطني لبعض أقاليم العالم الإسلامي، أو عاشوا آثاره المُدمِّرة لأُمَّة الإسلام، وفيها أدلة واستدلالات تشتمل على بطلان عقيدتهم، ونسبهم، وإمامتهم وخلافتهم المزعومتين.
وحول أحكام علماء الإسلام قديمًا فيهم؛ فقد أورد الباحث سليمان بعض النقولات اليسيرة، وهو ما يُعدُّ خلاصة الخلاصة، ومما قال الباحث حول هذا: «وحينما تحدث الإمام السيوطي عن دول الخلافة الإسلامية في العالم الإسلامي؛ لم يتحدث عن أحد من الفاطميين مُعلِّلًا ذلك بقوله: «ولم أُورِد أحدًا من الخلفاء العبيديين؛ لأن إمامتهم غير صحيحة؛ لأمور منها:
أنهم غير قرشيين، وإنما (سَمَّتهُم بالفاطميين) جَهَلةُ العوام، وإلا فجدّهم مجوسيّ. ومنها: أن أكثرهم زنادقة خارجون عن الإسلام، ومنهم مَن أظهر سبّ الأنبياء، ومنهم مَن أباح الخمر، ومنهم مَن أمر بالسجود له، والخَيِّر منهم رافضيّ خبيث لئيم يأمر بسبّ الصحابة -رضي الله عنهم-، ومثل هؤلاء لا تَنعقد لهم بيعة ولا تصحّ لهم إمامة»[5].
وحينما سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أحد حُكَّام الدولة العبيدية (الفاطميين)، وهو المعز معد بن تميم؛ قال ما خلاصته: «إن ذرية عبد الله بن ميمون القدَّاح، وسيرة أئمتهم من بعده؛ من أكثر سِيَر الملوك ظلمًا وانتهاكًا للمحرمات، وأبعدها عن إقامة الواجبات، وأعظم إظهارًا للبدع المخالفة للكتاب والسنة، وإعانة لأهل النفاق والبدعة؛ فهم من أفسق الناس ومن أكفر الناس.
أمَّا نَسَبهم فجمهور الأمة تطعن فيه، ويذكرون أنهم من أولاد المجوس أو اليهود، وهذا مشهور من شهادة علماء الطوائف الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وأهل الحديث وأهل الكلام وعلماء النَّسب والعامة وغيرهم. كما صنَّف القاضي أبو بكر الباقلاني كتابه المشهور في كشف أسرارهم وهتك أستارهم، وذَكَر أنهم من ذرية المجوس، وذَكَر من مذاهبهم ما بيَّن فيه أن مذاهبهم شَرّ من مذاهب اليهود والنصارى»[6].
وبعد الكشف عن أقوال سلف الأمة -وكثير منهم عاش في عصور أَوْج قوّتهم ونفوذهم وتسلُّطهم-؛ علَّق الباحث سليمان باختصار عن النتيجة المهمة التي تَوصَّل لها قائلًا: «إن هذه الأحكام غَيْض من فَيْض، وقليل من كثير فيما يتعلق بالنظرة الواقعية والحكم على دولة الإسماعيلية، هل هي خلافة إسلامية؟ أو كافرة؟ وهل سلطتها شرعية؟ أو كافرة[7]؟ وهذه المسألة المهمة طالما أغفلها المؤرخون -ولا سيما المعاصرين منهم-، ولم يبنوا عليها، وذلك بلا شك يُعتبر قصورًا ونقصًا في بيان حقيقة تلك الدولة وأئمتها». (والله ولي التوفيق).
يمكن الحصول على نسخة إلكترونية من كتاب (أصول الإسماعيلية: قراءة - نقد - تحليل)، من الرابط التالي:

https://docs.google.com/viewerng/vie...ooks/25936.pdf

[1] وكتبهم على الترتيب وحسب الوفيات لكل واحد منهم كالآتي: (أ) مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين. (ب) التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع. (ج) الفَرقْ بين الفِرق. (د) الفِصَل في المِلَل والأهواء والنِّحَل. (هـ) المِلَل والنِّحَل. (و) اعتقادات فِرَق المسلمين والمشركين.
[2] هذا الكتاب يعتبر من أصول كتب الزيدية، وهو بجانب ذلك ردّ على الباطنية، والصراع بين الزيدية والباطنية قائم منذ وجود الفرقتين في القرن الثالث الهجري حتى عصرنا الحاضر.
[3] انقسمت الطائفة الإسماعيلية بعد المستنصر أحد حكام الدولة العبيدية إلى فرقتين؛ إحداهما تسمى بالمستعلية نسبة إلى المستعلي، والأخرى تسمى بالنزارية نسبة إلى نزار بن المستنصر، وعن هذا الانقسام وسببه يمكن مراجعة آخر الباب الثاني في كتابنا الإسماعيلية عند الحديث عن أئمة الإسماعيلية، وعند الحديث عن فِرَق الإسماعيلية.
[4] هذه الخاتمة موجودة في الكتاب المطبوع: أصول الإسماعيلية الجزء الثاني، ص672-675.
[5] (تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٤ - ٥).
[6] (الفتاوى لابن تيمية ٣٥/ ۱۲۰ - ۱۲۹).
[7] للحكم على الإسماعيلية انظر آخر فصل من فصول البحث، وذلك في الباب الثالث من كتاب (أصول الإسماعيلية).