تحفة الأماجد بالآداب العشرة للمساجد - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         خطبة عيد النحر 1446 هـ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          التشويق لفضائل النحر والتشريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          خطبة عيد الأضحى المبارك: لزوم الإيمان في الشدائد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          خطبة عيد الأضحى 1446هـ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          خطبة حجة الوداع والدروس المستفادة منها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          خطبة عيد الأضحى 1446 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          خطبة عيد الأضحى المبارك (الإخلاص طريق الخلاص) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          خطبة عيد الأضحى 1446هـ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          خطبة عيد الأضحى 1446 هـ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          خطبة عيد الأضحى 1446هـ (مختصرة وشاملة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-01-2024, 12:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,365
الدولة : Egypt
افتراضي تحفة الأماجد بالآداب العشرة للمساجد

تحفة الأماجد بالآداب العشرة للمساجد
السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى
أما بعد: أيها الأخوة الأحباب، حديثنا في ذلك اليوم الطيب الميمون الأغر عن "تحفة الأماجد بالآداب العشرة للمساجد" تلك الآداب التي ينبغي لكل مسلم أن يتأدَّب بها عند حضوره إلى زيارة ملك الملوك جل جلاله، فأنت أيها المصلي عندما تخرج من بيتك إلى بيت من بيوت الله فأنت زائر له جل جلاله، وإليكم بعض فضائل المسجد والآداب العشرة فأعيروني القلوب والأسماع.

أولًا: فضل الذهاب إلى المساجد:
بيت الله من ذهب إليه فقد زار الله:
أيها الأحباب، المسجد بيت الله ومن يَمَّمَ وجهه إليه فهو زائر لله تعالى، فهو في ضيافة الرحمن الرحيم، فهو في جوار رب العالمين، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((من تَوَضَّأ فِي بَيته فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ أَتَى الْمَسْجِد فَهُوَ زائر لله، وَحقّ عَلَى المزور أَن يكرم زَائِره))[1].

المسجد أطهر البقاع على الأرض:
أيها الأحباب، المسجد أطهر البقاع وأحبها إلى الأجساد متطهرة، والقلوب خاشعة، والأرواح سامية، فقد اختاره الله جل جلاله، وجعله مأوى أوليائه من بين البقاع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما - قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الْبِقَاعِ شَرٌّ؟ قَالَ: ((لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ جِبْرِيلَ))، فَسَأَلَ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: خَيْرُ الْبِقَاعِ الْمَسَاجِدُ، وَشَرُّهَا الأَسْوَاقُ[2].

(خير البقاع المساجد)؛ لأنها محل فيوض الرحمة وإدرار النعمة (وشر البقاع الأسواق) قرن المساجد بالأسواق مع أن غيرها قد يكون شرًّا منها ليبين أن الديني يدفعه الأمر الدنيوي.

شهادة ضمان من الرحيم الرحمن:
أيها الأخوة، من خرج من بيته متطهرًا إلى المسجد، فهو ضامن على الله تعالى إن عاش رزقه الله وكفاه، وإن مات أدخله الله الجنة، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ إِنْ عَاشَ رُزِقَ وَكُفِيَ، وَإِنْ مَاتَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، مَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَسَلَّمَ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ خَرَجَ إلى الْمَسْجِدِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ))[3].

أي: إذا ذهبت إلى صلاة الجماعة وأنت مأمور بها، فإن الله هنا ضمن لك الرزق والجنة.

فلا تضيِّع الجماعة، ولا تصلِّ متكاسلًا في بيتك، وتقول: عندي عمل، والصلاة ستضيع عليَّ الوقت، الصلاة لن تضيع عليك شيئًا.

المسجد بيت كل مؤمن تقيٍّ:
المسجد روضة من رياض الإيمان؛ فهو ملتقى الأحِبَّة وبيت التقوى، من جاءه وهو مخلص لله فقد ضمن الله تعالى الروح والرحمة والمرور على الصراط.

المساجد مراح ومستراح للأرواح الرفرافة الطاهرة، ومأوى ومستقَر للأجساد العابدة، وموطن طمأنينة، ومكان سكينة للقلوب النقية، وموضع سعادة وأنس وجمال للنفوس المطمئنة، إنها بيوت الله في الأرض، التي لا يتعلق بها قلب مخلص إلا كان علامة على تقواه، ولا يلازمها عبدٌ صالح إلا رفع الله شأنه، وطهَّر قلبَه، وغلب أعداءه.

عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: كَتَبَ سَلْمَانُ إلى أَبِي الدَّرْدَاءِ: يَا أَخِي، لِيَكُنِ الْمَسْجِدُ بَيْتَكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَقَدْ ضَمِنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ كَانَ الْمَسَاجِدُ بُيُوتَهُ الرَّوْحَ، وَالرَّحْمَةَ، وَالْجَوَازَ عَلَى الصِّرَاطِ))[4].

المسجد مهبط السكينة والملائكة:
أيها المسلم، إذا أردت السكينة وراحة البال فتعالى إليَّ، إذا أردت عبدالله مجالسة الملائكة فاجلس في درس علم أو مجلس قرآن، عن أبي هُريرة، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلم - قال: ((ما اجتَمَعَ قَومٌ في بَيتٍ مِن بُيوت الله يتلونَ كتابَ الله ويتدارسُونه بينهم، إلا نزلت عليهم السَّكِينة وغَشِيَتهُم الرَّحمَةُ، وحفَّتهم الملائكةُ، وذَكَرهُمُ اللهُ فيمَن عندَه))[5].

المَساجِدُ لَها حُرْمَةٌ وَقُدُسِيَّةٌ خَاصَّةٌ، فَهِيَ بُيُوتٌ لِلذِّكْرِ وَالصَّلاةِ، أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَعَاهُدِهَا وَتَطْهِيرِهَا مِنَ الدَّنَسِ وَاللَّغْوِ، وَالأَقْوالِ وَالأَفْعالِ الَّتي لا تَليقُ فيها، قالَ تَعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور:36- 37]. قَدْ شَرَعَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آدابًا لِلْمَسَاجِدِ عَلَيْنَا التَّأَدبَ بِها، حَتَّى تَكونَ مَساجِدُنا عامِرَةً بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، مُصَانَةً عَنْ كُلِّ لَهْوٍ وَعَبَث.


ثانيًا: الآداب العشرة للمساجد:
الأدب الأول: أخذ الزينة بارتداء الملابس التي تليق بجلال الله وبمكانة بيته:
قال تعالى: ﴿ يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ))[6].

وبعض الناس لا يبالي فيأتي ربما بملابس النوم كالبجامة والترنج وربما تكون رائحتها غير طيبة.

عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَرَأى عَلَيْهمْ ثِيَابَ النِّمَارِ، فَقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا عَلَى أحَدِكُمْ، إنْ وَجَدَ سَعَةً، أنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ))[7].

عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: "أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا، قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ، فَقَالَ: أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ؟ وَرَأَى رَجُلًا آخَرَ وَعَلْيِهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ، فَقَالَ: أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ"[8].

عن أبي الأحوصِ الجُشَمي رضي اللَّه عنه، عن أبيهِ قال: رآني النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعليَّ أَطمارٌ، فقال: ((هل لكَ مِنْ مالٍ؟))، قلتُ: نعم، قال: ((مِن أيِّ المالِ؟))، قلتُ: مِن كل قد آتاني اللَّه، مِن الشاءِ والإِبلِ، قال: ((إذا آتاكَ اللَّهُ مالًا فليُرَ أثرُ نعمةِ اللَّهِ وكرامتِهِ عليكَ))[9].

وكذلك التطيب والبُعْد عن الروائح الكريهة؛ كالثوم والبصل، ويدخل تحتها من باب أوْلَى رائحة السجائر والدخان، فالبعض لا يبالي، تجده يرمي السيجارة أمام المسجد ويدخل فيتأذى منه من يصلي بجواره وكذلك تتأذَّى منه الملائكة، ففي الصحيحين من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ، وَالثُّومَ، وَالْكُرَّاثَ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ))[10].

الأدب الثاني الذهاب إليها ماشيًا:
وهذا هو الأفضل لتحصيل الأجر والمثوبة، فالأجر على قدر المشَقَّة، روى مسلم في صحيحه من حديث أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار بيته أقصى بيت في المدينة، فكان لا تخطئه الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فتوجَّعنا له، فقلت له: يا فلان، لو أنك اشتريت حمارًا يقيك من الرمضاء ويقيك من هوام الأرض! قال: أَمَ والله، ما أحب أن بيتي مطنب ببيت محمد صلى الله عليه وسلم، قال: فحملت به حملًا حتى أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، قال: فدعاه، فقال له مثل ذلك، وذكر له أنه يرجو في أثره الأجر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لك ما احتسبت)) [11].

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّه بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟))، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّه، قَالَ: ((إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إلى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ)) [12].

الأدب الثالث: المشي بسكينة ووقار:
أخوة الإسلام، ومن الآداب التي ينبغي عليك أن تتأدَّب بها عند الذهاب إلى بيت الله أن تمشي بسكينة ووقار ولا تُسرِع، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا سَمِعْتُمُ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إلى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا)) [13].

قال المهلب: معنى أمره بالسكينة في السعي إلى الصلاة، والله أعلم، لئلا يُبهر الإنسان نفسه، فلا يتمكن من ترتيل القرآن، ولا من الوقار اللازم له في الخشوع [14].

وهناك حكمة أخرى أن المسلم إذا خرج من بيته قاصدًا صلاة الفريضة فهو في صلاة.

الأدب الرابع: عدم تشبيك الأصابع وهو ذاهب إلى المسجد؛ لورود النهي عن ذلك:
معاشر الموحِّدين، ومن الآداب التي عَلَّمنا إياها خير العباد صلى الله عليه وسلم أن المسلم إذا خرج من بيته إلى بيت الله، فإنه لا ينبغي له أن يشبك أصابعه، فقد روى أبو داود في سننه من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًاإلى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ))[15].

وكذلك إذا كان في المسجد ينتظر الصلاة، روى ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ، كَانَ فِي صَلاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ، فَلا يَقُلْ هَكَذَا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ))[16].

والحديث فيه كراهة التشبيك من وقت الخروج إلى المسجد للصلاة، وفيه أنه يكتب الصلاة أجر المصلي من حين يخرج من بيته إلى أن يعود إليه.

الأدب الخامس: دخول المسجد بالرجل اليمنى وذكر الله تعالى:
أيها الأحباب، من الآداب التي حَثَّنا عليها عند دخول بيت الله أن يدخل إلىالمسجد برجله اليمنى، أخرج البخاري: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى فَإِذَا خَرَجَ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى[17].


وفي الفتح: عن أنس رضي الله عنه كان يقول: من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليسرى، ومن السنة أن يقول الداخل الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقد روى مسلم في صحيحه وأبو داود في سننه من حديث أبي حميد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ))[18].

وروى أبو داود في سننه من حديثعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال: ((أَعُوذُ بِاللَّه الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ...فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم))[19].

الأدب السادس: صلاة ركعتين تحية المسجد إذا دخل:
واعلموا عباد الله أن من الأدب مع الله ومع بيته ألَّا يجلس حتى يُصلِّي ركعتين إذا دخل المسجد، وهما تحية المسجد؛ لما روى البخاري ومسلم من حديث أبي قتادة السلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ)) [20].

الأدب السابع: عدم البيع والشراء في المسجد:
أمة الإسلام، ومن تعظيم بيوت الله تعالى ألا يجعلها المسلم موطنًا للبيع والشراء، فإن ذلك ينافي الغاية التي من أجلها بُنِيت، فإنما هي لذكر الله وقراءة القرآن والصلاة.

وروى الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ، أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّه تِجَارَتَكَ)) [21].

وذكر مالك، عن عطاء بن يسار أنه كان يقول لمن أراد أن يبيع في المسجد: عليك بسوق الدنيا، فإنما هذا سوق الآخرة [22].

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

الخطبة الثانية
أما بعد:
الأدب الثامن: عدم إنشاد الضالة في المسجد؛ لأن ذلك يقلل من هيبته ومكانته:
لقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ بل أمرنا أن ندعو عليه بعدم رَدِّها، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: لَا رَدَّها اللَّهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا))[23].

وفي هذه الأحاديث دليل على جواز الدعاء على الناشد في المسجد بعدم الوجدان معاقبةً له في ماله، ومعاملةً له بنقيض قصده.

فينبغي لسامعه أن يقول: لا وجدت، فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا، أو يقول: لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له. كما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

قال النووي رحمه الله تعالى: يُستفاد من الحديث النهي عن نشد الضالة في المسجد، ويلحق به ما في معناه من البيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود، وكراهة رفع الصوت في المسجد [24].

ويدخل في النهي أيضًا استخدام شيء من المسجد في إنشاد الضالة؛ كاستخدام مكبرات الصوت الخاصة بالمسجد، أو تعليق ورقة داخل المسجد فيها الإعلان عن مفقود.

الأدب التاسع: عدم دخول الحائض أو الجنب إلى المسجد إلا إذا كان مارًّا به:
قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ [النساء: 43].


ومن هذه الآية احتجَّ كثيرٌ من الأئمة على أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد، ويجوز له المرور، وكذا الحائض والنفساء أيضًا، في معناه، إلا أن بعضهم قال: يمنع مرورهما لاحتمال التلويث، ومنهم من قال: إن أمنت كل واحدة منهما التلويث في حال المرور، جاز لهما المرور، وإلا فلا. وقد ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ناوليني الخمرة من المسجد))، فقلت: إني حائض، فقال: ((إن حيضتك ليست في يدك)) [25].

وقالت عائشة رضي اللَّه عنها، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ((وَجِّهُوا هذه البُيوتَ عَنِ المسجِدِ، فإنِّي لا أُحِلُّ المسجِدَ لحائضٍ ولا جُنُبٍ)) [26].

الأدب العاشر: النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لضرورة:
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي الشعثاء قال: "كنا قعودًا في المسجد مع أبي هريرة رضي الله عنه فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما ذا فقد عصى أبا القاسم"[27].

روى مغيرة، عن إبراهيم، قال: إذا سمعت الإقامة وأنت في المسجد فلا تخرج.

فمفهومه: جواز الخروج قبل الإقامة.

وقد حمله الترمذي على العذر، ويشهد لذلك: ما رواه وكيع، عن عقبة أبي المغيرة، قال: دخلنا مسجد إبراهيم وقد صلينا العصر، وأذن المؤذن، فأردنا أن نخرج، فقال إبراهيم: صلوا[28].

بهذا الحديث على أنه يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان لمن تلزمه الصلاة إلا لعذر، فمن العذر أن يكون حاقنًا يعني يحتاج إلى بول أو حاقدًا يحتاج إلى غائط أو معه ريح محتبسة يحتاج إلى أن ينقض الوضوء أو أصابه مرض يحتاج إلى أن يخرج معه أو كان إمامًا لمسجد آخر أو مؤذنًا في مسجد آخر، وأما إذا خرج من هذا المسجد ليصلي في مسجد آخر فهذا فيه توقف قد يقول قائل: فالحديث عام، وقد يقول قائل: إن الحديث فيمن خرج لئلا يصلي مع جماعة، وأما من خرج من مسجد ليصلي في آخر، فهذا لم يفر من صلاة الجماعة؛ ولكنه أراد أن يصلي في مسجد آخر، وعلى كل لا ينبغي أن يخرج حتى وإن كان يريد أن يصلي في مسجد آخر إلا لسبب شرعي مثل أن يكون في المسجد الثاني جنازة يريد أن يصلي عليها أو يكون المسجد الثاني أحسن قراءة من المسجد الذي هو فيه أو ما أشبه ذلك من الأسباب الشرعية، فهنا نقول: لا بأس أن يخرج، والله الموفق[29].

الأدب الحادي عشر: عدم رفع الصوت في المسجد:
اعلموا- بارك الله فيكم- أن النهي عن رفع الأصوات في المساجِد بغير ذكر الله والعبادة وارد في الأحاديث الصحيحة، مثل نشدان الضالة والبيع والشراء، وجاء فيما يكون في آخر الزمان حديث رواه ابن حبان في صحيحه عَنْ عَبْدِاللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَكُونُ حَدِيثُهُمْ فِي مَسَاجِدِهِمْ لَيْسَ للهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ)) [30].

والمراد به الحديث الذي لا فائدة فيه، أو يشوِّش على المصلين والمتعبدين، أو الذي يخلُّ بحرمة المساجد.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: أَلا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ، أَوْ قَالَ: فِي الصَّلاَةِ [31].

الدعاء...

[1] قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وأحد إسناديه رجاله رجال الصحيح.

[2] صحيح موارد الظمآن: 258، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 325.

[3] أخرجه أبو داود "2494" في الجهاد: باب فضل الغزو في البحر، عن عبدالسلام بن عتيق، والحاكم في "المستدرك" 2/ 73.

[4] أخرجه عبدالرزاق في "مصنفه" (20029)، والطبراني في "الكبير" (6/ 254، رقم: 6143).

[5] صحيح مسلم، رقم 2699، كتاب الذكر (ص 2074).

[6] صحيح البخاري برقم (887)، وصحيح مسلم برقم (252) واللفظ له.

[7] أخرجه ابن ماجه 1096، وابن خزيمة 1765.

[8] أبو داود في سننه ج 4/ ص ،51 حديث رقم: 4062.

[9] أخرجه أبو داود في المصدر السابق، الحديث (4063)، وأخرجه الترمذي في السنن 4/ 364، كتاب البر. . . (28)، باب ما جاء في الإحسان. . . (63)، الحديث (2006) وقال: (حديث حسن صحيح)، وأخرجه النسائي في المجتبى من السنن 8/ 196، كتاب الزينة (48)، باب ذكر ما يستحب من لبس الثياب.

[10] صحيح البخاري برقم (855)، وصحيح مسلم برقم (564) واللفظ له.

[11] أخرجه مسلم برقم (663).

[12] أخرجه مسلم برقم 251.

[13] صحيح البخاري برقم (636)، وصحيح مسلم برقم (602).

[14] شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 261).

[15] أخرجه أبو داود برقم (562)، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (1/ 112) برقم (526).

[16] صحيح ابن خزيمة (1/ 229) برقم 447، ومستدرك الحاكم (1/ 458) برقم 772، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله كما في السلسلة الصحيحة برقم (1294).

[17] البخاري (1/ 523).

[18] صحيح مسلم برقم (713)، وسنن أبي داود برقم (465).

[19] سنن أبي داود برقم (466)، قال النووي رحمه الله في كتابه الأذكار ص(78): رواه أبو داود بإسناد جيد.

[20] صحيح البخاري برقم (444)، وصحيح مسلم برقم (714).

[21] أخرجه الترمذي برقم (1321)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله كما في صحيح سنن أبي داود (2/ 34) برقم (1066).

[22] شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 105).

[23] أخرجه مسلم برقم (568).

[24] ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (9/ 53).

[25] صحيح مسلم (حيض، حديث 11- 13) تفسير ابن كثير، ط العلمية (2/ 274).

[26] أخرجه أبو داود في السنن 1/ 157 - 159، كتاب الطهارة (1)، باب في الجنب يدخل المسجد (93)، الحديث (232)، والبيهقي في السنن الكبرى 2/ 442، كتاب الصلاة، باب الجنب يمر في المسجد. وقوله: ((وجِّهوا))؛ أي: حولوا أبواب البيوت. قال الألباني (ضعيف) انظر حديث رقم: 6117 في ضعيف الجامع.

[27] أخرجه مسلم برقم (655).

[28] فتح الباري لابن رجب (5/ 427).

[29] شرح رياض الصالحين (6/ 559).

[30] صحيح ابن حبان (6/ 75).

[31] أخرجه أحمد 3/ 94 (11918)، وعَبْد بن حُمَيْد (888)، وأبو داود (1332) قال: حدَّثنا الحَسَن بن علي. و"النَّسائي" في "الكبرى" 8038 قال: أخبرنا مُحَمد بن رافع. و"ابن خزيمة" 1162.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.61 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.52%)]