حسن الخلق - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ما قلَّ ودلّ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 820 )           »          سوانح تدبرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 1614 )           »          {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          عظات جديدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          حياة المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          شرح حديث (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          العبادة في الهرج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          إِنَّ الرَّهْبَانِيَّةَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          خذ ودع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أذكار أحب إلى النبي ﷺ من الدنيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-02-2024, 01:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,619
الدولة : Egypt
افتراضي حسن الخلق

حسن الخلق
رمضان صالح العجرمي


1- أهمية الأخلاق.
2- فضائل وثمرات حسن الخلق.
3- وسائل تقويم الأخلاق.

الهدف من الخطبة:
الترغيب في حُسْنِ الخُلُقِ، وبيان، وتوضيح مكانته وأهميته في الإسلام، مع بيان ثمراته في الدنيا والآخرة، ووسائل تحسين الأخلاق.

مقدمة ومدخل للموضوع:
أيها المسلمون عباد الله، إن الأخلاق الحسنة لها في الإسلام أهمية عظيمة، ومنزلة عالية، تظهر من وجوه كثيرة؛ فمنها: كثرة الآيات في القرآن الكريم التي تتكلم عن موضوع الأخلاق، أمرًا بالجيد منها ومدحًا للمتصفين بها، ونهيًا عن الرديء منها وذمًّا للمتصفين بها، ومع الذم العقاب، ومما يزيد في هذه الأهمية: أن هذه الآيات منها ما نزل بمكة قبل الهجرة، ومنها ما نزل بعد الهجرة، مما يدل على أن الأخلاق أمرها مهمٌّ، ولا يستغني عنه المسلم في جميع الأحوال.

والأخلاق الحسنة: هي أمر الله تعالى لعباده المؤمنين، وقد أنزل الكتاب المبين؛ لبيانها وتفصيلها، وبيان حسنها من قبيحها؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، وقال تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53].

والأخلاق الحسنة: كانت من أهداف بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ومهمات الدعوة إليها؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما بُعثتُ لأُتمِّمَ مكارم الأخلاق))؛ [رواه أحمد، ومالك].

والأخلاق الحسنة: هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لخواص أصحابه، والأمة من بعدهم، وذلك بمعاملة الناس بأخلاق حسنة؛ عن أبي ذرٍّ، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((اتَّقِ الله حيثما كنتُ، وأتْبِعِ السيئة الحسنة تَمْحُها، وخالِقِ الناس بخُلُقٍ حسن))؛ [رواه أحمد، والترمذي]، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنكم لا تَسَعُون الناس بأموالكم، ولكن ليسعْهُم بسطُ الوجه، وحسن الخُلُق))؛ [رواه أبو يعلى، وصححه الحاكم].

والأخلاق الحسنة: هي جِماع الخير، وأعمال البر كله؛ ففي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البرُّ حُسْنُ الخُلُقِ، والإثم ما حاك في نفسك، وكرِهت أن يطلع عليه الناس)).

والأخلاق الحسنة: هي الدين كله؛ فقد جاء تعريف الدين بحسن الخلق؛ ففي الحديث: ((أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ما الدين؟ قال: ((حسن الخلق))، فمن زاد عليك في الأخلاق، فقد زاد عليك في الدين.

‏ولأهمية الأخلاق كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ من الدعاء، ويسأل الله أن يرزقه أحسنها، ويصرف عنه سيئها؛ فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((واهْدِني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت)).

فما هي الأخلاق؟
قالوا: "الأخلاق هي مجموعة من المعاني والصفات المستقرة في النفس، وفي ضوئها وميزانها يحسُن الفعل في نظر الإنسان أو يقبُح، ومن ثَمَّ يُقدم عليه، أو يُحجم عنه".

وأما معنى حسن الخلق: فهو "بذل النَّدى، وكف الأذى، وطلاقة الوجه".

‏بذل الندى: يعني بذل المعروف، وبذل العطاء، من مال وعلم وجاه وغير ذلك، وضابطه كما قالوا: أن تعتقد أن كل مسلم له حقٌّ عليك.

‏وأما كف الأذى: بألَّا يؤذيَ الناس لا بلسانه ولا بجوارحه.

‏وأما طلاقة الوجه: بأن يلاقيَ الناس بوجه منطلق، ليس بعبوس، ولا مصعِّر خدَّه.

‏وقال ابن حجر رحمه الله: "اختيار الفضائل وترك الرذائل".

وقد جمع بعض العلماء علامات حسن الخلق، فقال: "هو أن يكون الإنسان كثيرَ الحياء، قليلَ الأذى، صدوقَ اللسان، قليلَ الكلام، كثيرَ العمل، قليلَ الزَّلل، بَرًّا وَصُولًا، وَقُورًا صبورًا، شكورًا رضيًّا، حليمًا رفيقًا، عفيفًا شفيقًا، لا لعَّانًا ولا سبَّابًا، ولا نمَّامًا ولا مغتابًا، ولا عَجُولًا ولا حقودًا، ولا بخيلًا ولا حسودًا، بشَّاشًا هشَّاشًا، يحب في الله، ويُبغض في الله، ويرضى في الله، ويغضب في الله؛ من الذين: ﴿ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 114].

الوقفة الثانية: فضائل وثمرات حسن الخلق:
‏أيها المسلمون عباد الله، فإن لحُسْنِ الخُلُقِ فضائلَ عديدة، وثمراتٍ كثيرة؛ فلْيُبشَّر من رزقه الله تعالى أخلاقًا حسنةً بهذه البشريات:
1- فمنها: أن صاحب الخلق الحسن مشهود له بالخيرية.
في الصحيحين عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا، ولا متفحِّشًا، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا)).

وهذا أمر مُشاهَدٌ في واقع الناس، فكلهم يريد معاملته؛ قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "لأَنْ يصحبني فاجرٌ حَسَنُ الخُلُق، أحب إليَّ من أن يصحبني عابدٌ سيئ الخلق)).

2- ومنها: أن صاحب الخلق الحسن مشهود له بكمال الإيمان.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا، وخياركم خياركم لنسائهم))؛ [رواه الترمذي، وحسنه الألباني].

•ولذلك في أحاديث كثيرة يربط النبي صلى الله عليه وسلم بين الأخلاق الفاضلة، والإيمان؛ مثل: الحياء، والأمانة، والكرم، والإحسان إلى الجار، وقول الخير، وغيرها.

3- ومنها: أن صاحب الخلق الحسن يحظى بمحبة الرحمن جل جلاله.
ففي الحديث: ((أحبُّ عباد الله إلى الله، أحسنهم خُلُقًا))؛ [رواه أحمد، وابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب].

ولذلك في آيات كثيرة نقرأ قول الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]، ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [المائدة: 42].

4- ومنها: أن صاحب الخلق الحسن يحظى بأفضل ما يُعطاه المسلم.
فعن أسامة بن شريك رضي الله عنه، قال: ((قالوا: يا رسول الله، ما أفضل ما أُعطِيَ المرءُ المسلم؟ قال: حسن الخلق))؛ [رواه أحمد، وابن حبان].

وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربعٌ إذا كُنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظُ أمانةٍ، وصدقُ حديثٍ، وحسن خليقة، وعفة في طُعْمَةٍ))؛ [رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب].

5- ومنها: أن صاحب الخلق الحسن يُبارَك له في الديار والأعمار.
•فعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ((إنه من أُعطِيَ حظُّه من الرفق، فقد أُعطِيَ حظُّه من خير الدنيا والآخرة، وصلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار))؛ [رواه أحمد، والبيهقي، وصححه الألباني].

6- ومنها: أن صاحب الخلق الحسن يبلغ بعمله القليلِ الأجورَ والدرجاتِ العالية.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن المؤمن لَيدرك بحُسْنِ خُلُقِهِ درجةَ الصائم القائم))؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة]، فهنيئًا، ثم هنيئًا لك يا صاحب الخلق الرفيع هذا الأجرَ العظيم.

في حين أن صاحب الخلق السيئ لا ينتفع بأعماله، مهما كثُرت، وتأمل أصحاب هذه العبادات والأعمال الصالحة لما ساءت أخلاقهم:

‏فهذا رجل يأتي يوم القيامة مفلسًا من الحسنات، مع أنه كان يصلي وينفق ويصوم، ويفعل الطاعات، ولكن كانت أخلاقه سيئة عياذًا بالله، فلم ينتفع منها بشيء، وضاعت كلها؛ كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما الـمفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن الـمفلس من أُمَّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنِيَت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار)).

‏وهذه امرأة كانت صوَّامة قوَّامة، ومع ذلك لم تنتفع منها بشيء لسوء أخلاقها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ((قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها، وصيامها، وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال صلى الله عليه وسلم: هي في النار))؛ [رواه أحمد، وابن حبان].

‏وتأمل إلى المرأة الأخرى صاحبة الخلق الحسن: ((يا رسول الله، فإن فلانة يُذكَر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصدق بالأَثْوارِ من الأَقِطِ، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في الجنة)).

‏فكم من صائم بالنهار، وقائم بالليل لما ساءت أخلاقه، قد رجع من صيامه وقيامه صفرَ اليدين، بلا أجر ولا ثواب! فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر))؛ [رواه أحمد، وابن ماجه، وصححه الألباني].

7- ومنها: أن صاحب الخلق الحسن يثقل ميزانه يوم القيامة.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من شيءٍ أثقلَ في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلُقٍ حَسَنٍ، وإن الله لَيُبغض الفاحش البذيء))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني].

وعن أنس رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقِي أبا ذر، فقال: يا أبا ذر، أَلَا أدلُّك على خَصْلَتين هما أخف على الظهر، وأثقل في الميزان من غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: عليك بحُسْنِ الخُلُقِ، وطول الصمت، والذي نفس محمد بيده، ما عمل الخلائق بمثلهما))؛ [رواه البزار، وأبو يعلى، والطبراني، وضعفه الألباني].

8- ومنها: أن صاحب الخُلُقِ الحسن يضمن بهذا العمل الجنة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: ما أكثرُ ما يُدخل الناس الجنة؟ قال: تقوى الله، وحسن الخلق))؛ [رواه الترمذي، وصححه الحاكم].

ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ: "ﺟﻤﻊ ﺍﻟﻨﺒﻲ صلى الله عليه وسلم ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻭﺣﺴﻦ ﺍﻟﺨﻠﻖ؛ ﻷ‌ﻥ التقوى ﺗﺼﻠﺢ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﺑﻴﻦ ﺭﺑﻪ، ﻭﺣﺴﻦ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻳﺼﻠﺢ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺧﻠﻘﻪ؛ ﻓﺘﻘﻮﻯ الله ﺗُﻮﺟﺐ ﻟﻪ ﻣﺤﺒﺔ الله، ﻭﺣﺴﻦ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻳﺪﻋﻮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﺒﺘﻪ".

9- ومنها: أن صاحب الخلق الحسن تُرفَع درجاته في الجنة.
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في رَبَضِ الجنة لمن ترك الْمِراءَ وإن كان مُحِقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خُلُقُه))؛ [رواه أبو داود بإسناد صحيح].

‏قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ((إن العبد لَيبلُغُ بحُسْنِ خُلُقِهِ أعلى درجة في الجنة وهو غير عابد، ويبلغ بسوء خلقه أسفل درك جهنم وهو عابد)).

10- بل إنه يكون أقرب الناس مجلسًا من النبي صلى الله عليه وسلم.
عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني يوم القيامة: الثَّرثارُون، والْمُتَشَدِّقون، والْمُتَفَيْهِقُون، قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون، والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون))؛ [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن].

‏وفي رواية: ((إن أقربكم مني مجلسًا أحاسنكم أخلاقًا، الْمُوَطِّئون أكنافًا، الذين يَألَفون ويُؤلَفون)).

فاللهم اهْدِنا لأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

الخطبة الثانية

كيف السبيل؟ وما هي وسائل تقويم الأخلاق؟
1- الدعاء:
فإن حسن الخلق موهبة من الله تعالى؛ كما قال أحد السلف: "إن هذه الأخلاق وهائب، فإذا أحب الله عبدًا وَهَبَهُ منها".

‏ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثِر من الدعاء، ويسأل الله أن يرزقه أحسنها، ويصرف عنه سيئها؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم كما أحْسَنْتَ خَلْقِي، فحسِّن خُلُقي))؛ [رواه أحمد، وصححه ابن حبان].

•‏وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ((واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت)).

وعن قطبة بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم جنبني منكرات الأخلاق، والأعمال، والأهواء، والأدواء))؛ [رواه الترمذي، وصححه الحاكم].

ولذلك فقد اهتم الصحابة رضي الله عنهم بحسن الخلق، وطَلَبِهِ من الله تعالى؛ فعن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: ((بات أبو الدرداء الليلة يصلي فجعل يبكي ويقول: اللهم أحسنت خَلْقي فأحْسِن خُلُقي، حتى أصبح، فقلت: يا أبا الدرداء، ما كان دعاؤك منذ الليلة إلا في حسن الخلق، قال: يا أم الدرداء، إن العبد المسلم يحسُن خُلُقُه حتى يُدخله حُسْنُ خُلُقِه الجنةَ، ويسوء خلقه حتى يدخله سوء خلقه النارَ))؛ [رواه البخاري في الأدب المفرد].

2- الاشتغال بكثرة العبادات:
ففي الصلاة يقول الله تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].

‏وفي الزكاة يقول الله تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103]؛ فإن الزكاة تزكية للنفس، وطهارة لها من الأخلاق السيئة والصفات المذمومة.

‏والصوم يربي النفس على الصبر، والعفاف، وقوة الإرادة وكظم الغيظ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يَرفُث، ولا يصخَب، فإن شاتَمَهُ أحد، أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم)).

3- مصاحبة ذوي الأخلاق الحسنة، وترك البيئة الفاسدة، والفرار منها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المرء على دين خليله؛ فَلْيَنْظُرْ أحدكم من يخالل))؛ [رواه أبو داود، والترمذي بإسناد صحيح].

4- أن تتذكر جيدًا هذه الحقائق:
أنك قد تُكتب عند الله تعالى بحسب أخلاقك، فبالصدق يُكتب العبد عند الله تعالى صِدِّيقًا؛ كما في الحديث: ((ولا يزال العبد يصدُق، ويتحرى الصدق؛ حتى يُكتب عند الله صِدِّيقًا)).

وأن الناس يمدحونك، ويذكرونك بعد موتك على ضوء أخلاقك.

5- القيام بالأعمال المضادة للأخلاق السيئة التي يُراد التخلص منها؛ بمعنى: استبدال الخُلُقِ الذميم بالخُلُقِ الجيد.
كاستبدال الكذب بالصدق، والغدر بالوفاء، وعلاج قسوة القلب بالمسح على رؤوس الأيتام، وعلاج الكِبْرِ بالجلوس مع الفقراء والضعفاء، وعلاج الحسد بحبِّ الخير للمسلمين، وعلاج الغضب بكظم الغيظ والعفو عن الناس.

6- مسلك التكلُّف:
فيتكلف الإنسان الأخلاقَ التي يريد التخلُّق بها، كما لو أراد أن يكون حليمًا، فإنه يأتي به تكلفًا مرارًا، حتى تألفه النفس وتعتاده؛ كما في الحديث: ((إنما العلم بالتعلُّم، والحِلم بالتحلُّم)).

‏وكذلك الصبر، فإنه يأتي به تكلُّفًا حتى يتعود عليه؛ كما في الحديث: ((ومن يَسْتَعْفِفْ يُعفَّه الله، ومن يستغنِ يُغْنِه الله، ومن يتصبَّر يُصبِّرْه الله))، وهذا يحتاج تكرارًا؛ حتى يُؤتيَ ثمرته.

7- مطالعة سير ذوي الأخلاق الحسنة للتأسي والاقتداء بهم.
وخير قدوة على الإطلاق هو رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

والذي زكَّى الله تعالى أخلاقه؛ فقال عنه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، وعن أنس رضي الله عنه، قال: ((ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرَ سنين، فما قال لي قط: أفٍّ، ولا قال لشيء فعلته: لِمَ فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألَا فعلتَ كذا؟)).

‏وعنه رضي الله عنه، قال: ((كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه بردٌ نَجْرانِيٌّ غليظُ الحاشية، فأدركه أعرابي فجَبَذَهُ بردائه جَبْذةً شديدةً، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثَّرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد، مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء)).

‏ويتربى في هذه المدرسة النبوية صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة.

‏فهذا ابن عباس رضي الله عنهما سبَّه رجل، فلما فرغ الرجل، قال ابن عباس لصاحبه عكرمة: "يا عكرمة، هل للرجل حاجة فنقضيها؟" فنكس الرجل رأسه، واستحيا.

‏وهذا أبو الدرداء رضي الله عنه يقول لرجل أسمعه كلامًا: "يا هذا لا تغرقنَّ في سبِّنا، ودع للصلح موضعًا؛ فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله عز وجل فيه".

وهذا عمر بن عبدالعزيز رحمه الله يدخل المسجد في ليلة مظلمة، فمرَّ برجل نائم، فعثر به، فرفع رأسه، وقال: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا، فهمَّ به الحرس، فقال عمر: مَهْ، إنما سألني: أمجنون؟ فقلت: لا.

‏وقال رجل لوهب بن منبه: إن فلانًا شتمك، فقال: "ما وجد الشيطان بريدًا غيرك".

نسأل الله العظيم أن يهدينا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا مساوئ الأخلاق.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.47 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.67%)]