|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أخبرني عقلي فقط! مركز جنات للدراسات هَبْ أنَّ رجلاً قام يُحدِّثك عن فضائل أحد الصَّالحين المشهورين، فقال لك: إنَّ لِهذا الرجل قدَمًا راسخةً في الصَّلاح؛ فهُو لا يدع يومًا دون أن يقوم فيه للصَّلاة باللَّيل، ويصوم أفضل الصِّيام، وهو صيام داود، ولا يدع فرصة يستطيع أن يتصدَّق فيها إلا تصدَّق، ويَخْشع في صلاته خشوعًا لم نره على أحد، و... و... وظلَّ يعدِّد لك في مَحاسنه بِما لا يُصَدَّق. فقلتَ له: ومن أَيْن علِمْتَ كلَّ ذلك؟ هل رأيتَه؟ فإذا به يقول لك: لا، لَم أرَهْ، ولكنه رجل صالح، وصلاحه على كلِّ لسان معروفٌ مشهور، ولا يليق برجل بِهذا الصلاح أن يدع قيام اللَّيل! ولا يليق برجل بهذا الصَّلاح ألاَّ يصوم أفضل الصِّيام! ولا يليق برجل بهذا الصلاح ألاَّ يخشع أتَمَّ الخشوع في صلاته! ولا يليق برجل بهذا الصلاح أن يترك أيَّ نافلة! ولا يليق... ولا يليق!! هذا مثالٌ مُبالَغ فيه؛ لِمُشكلة عمَّت وطمَّتْ في مُجتمعنا الآن، وكان له أمثلة في تاريخ الإسلام على مدى عصوره. وهذا المثال يوضِّح نقطة بالِغَة الأهَمِّية، وهي أنَّ الأخبار لا مَجال للعقل فيها إلاَّ في نِطَاق ضيِّق، أمَّا أن تَبْنِي الأخبار على العقل مثل هذا المثال السابق، أو تردَّها بالعقل، فهذا خطأ شنيعٌ، سنبيِّن خطَرُه، وأنه يؤدِّي لنتائج مهلكة فيما يأتي. ونوَدُّ أوَّلاً أن نوضِّح أنَّ المقصود من قولِنا: "العقل" هنا العقل عندما يُخْطِئ، لا العقل المجرَّد، بدليل أننا نردُّ على هذه الأخطاء بالعقل أيضًا، وهذا هو الفَهْم السليم، وهو أن نعرف ما هي حدود العقل؟ ومتى وأين المجال الذي يعمل فيه؟ وما المَجال الذي لا علاقة له به؟ لماذا نرى كثيرًا منَ الناس الآن يَفْترض أنَّه على عِلْم بالإسلام، ويدَّعي على الإسلام جهالاتٍ كثيرة؟! لأنَّه يثق بعقله، ويظنُّ أنه على علم، مع أنه لم يَقُل شيئًا جديدًا، بل لم يقل شيئًا أصلاً! إذْ تراه يقول: الإسلام دين السَّماحة. الإسلام دين الخُلُق القويم. الإسلام دين العلم والتقدُّم. الإسلام دين النَّظافة. الإسلام دين الخَيْر والبِرِّ. الإسلام دينٌ لا يعرف العنف. الإسلام دين أرجع للمرأة كرامتَها. الإسلام دين المساواة بين البشر.. إلى آخر هذه الأشياء التي هي في الواقع مقولة من قائلها عن غَيْر عِلْم - غالبًا - لأنَّه يقولُها بناء على القاعدة السابقة التي أثبَتْنا أنَّها قاعدة حَمْقاء. وهي قاعدة: لا يمكن أن يكون الإسلامُ دينًا لا يُحبُّ السَّماحة، ولا يحب الخلُق، ولا يمكن أن يَكْره الإسلامُ العِلْمَ والتقدُّم، ولا يُمكن ألاَّ يحثَّ الإسلام على النظافة والخيرِ والبِرِّ، ولا يمكن أن يعرف الإسلام العنفَ وعدمَ المساواةِ وإهدارَ حقوقِ المرأة! ولكن يا هذا، دَعْنا نسألك: هل وُلِدْتَ تعرف ذلك؟! هل هذه المعارفُ فطريَّة؟! إنَّ أعرفَ قواعدِ العقول تقول: إنَّك لا يُمْكِنُك معرفة شيءٍ عن غائب إلاَّ من صحيحِ الأخبار، فلِكَي تعرف شيئًا عن الإسلام الذي هو في الواقع القرآنُ والسُّنة يجب أن تعرف هذا الشَّيء، لا من أيِّ شيء آخَر بِخِلاف القرآن والسُّنة، ولا يصحُّ على الإطلاق أن تقول لي: إنَّ الإسلام يعرف كذا، أو يُنْكِر كذا، فإذا طالبْتُك بالدَّليل، قلتَ لي: لا يُعقَل أنَّ الإسلام لا يعرف هذا وينكر هذا؟! ومثل هذا الخطأ تَمامًا أخطاءُ الجهميَّة وغيرهم في إنكار صفات الله - عزَّ وجلَّ. نَحن نتفق معكم على أنَّ إثبات وجود الله - عزَّ وجلَّ - أمرٌ عقلي فطري، ولكننا نختلف معكم تَمام الاختلاف فيما عدا ذلك من الصِّفات والأَسْماء؛ إذْ تَحتاج هذه الأشياء إلى أدلَّة وأخبار صادقة لإثْباتِها في الغالب. فاللهُ - عزَّ وجلَّ - نُؤْمِن به ولكنَّ صفاتِه غيبٌ بالنسبة لنا، لا يُمكننا معرفةُ شيءٍ منها إلاَّ مِن نَبِي مُرْسَل، فإذا أخبَرَنا هذا النبِيُّ أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - عالِمٌ قادر على كلِّ شيء، ووَسِعَت رحمتُه كلَّ شيء، فإننا نستطيع حينئذٍ أن نَعْلَم هذه الصِّفات، ونَصِفَ اللهَ - عزَّ وجلَّ - بِها، حتَّى وإن كان إثباتُها بالعقل مُمْكِنًا، وإذا أخبَرنا بأنَّ الله - عزَّ وجلَّ - في السماء، وأنَّه خلَق آدم بيدَيْه، وأنَّه وَسِع كرسِيُّه السَّمواتِ والأرض، وأنَّه فوق عباده، وأنَّه استوى على العَرْش، فلا يجوز إطلاقًا أن يأتي مُعْجَبٌ بعقله ويقول: لا يعقل أن يكون الله كذلك، ولا يُعقل أن يتَّصِف الله بِهذه الصفات! يا سبحان الله! العظيم يَصِف نفسَه وهو يُحدِّث عبادَه، وتأتي أنت أيُّها الحقير، فتقول: لا، ليس بِمُتكلِّم، وليس له يَدٌ، وليس مستويًا على العرش، وليس في السماء؟! لأنَّ الكلام يقتضي جارحة، والجارحة تقتضي المماسَّة، والمماسة تقتضي الحدوث، والحدوث يقتضي سَبْقَ العدَم، وهذا مُحال في حقِّه سبحانه. ولأنَّه لو كان في السَّماء لكان محدودًا، ولو كان محدودًا، لكان ناقصًا، والنقص مُحال في حقِّه سبحانه. ونَقْلِب عليك استدلالَك، فنقول: ليس له عِلْم؛ لأنَّه لو كان له علم لكان مُشابِهًا للبشر في أن لهم علمًا، ولو كان مشابِهًا للبشر لكان ناقصًا، والنقص مُحال في حقه - سبحانه وتعالى. فإن قلتَ: لا، بل علمُه مُخالف لعِلْمِنا، وقدرته مُخالفة لقدرتنا، وحياتُه مُخالفة لِحياتنا، ونَحْو ذلك. فلِمَ تنكر علينا إذًا أن نقول: "هو في السَّماء"، وليس كما تقول: فلانٌ في الدار؟ "له يد ليست كأيدينا". "مُسْتوٍ على عرشه كما يليق به، وليس كالبشر". وكلُّ ما ورد من الصِّفات يُمْكِن أن يُقال فيها ذلك. والفرقُ بين خالقِ الكون وبين المخلوق الحقير لا يُوصَف، فكيف يَتصوَّر عاقلٌ أنَّ صفاتِ الخالق تُشابه صفات المخلوق في حقيقتها، حتَّى وإنْ تشابَهَتا في لفظها. إنَّ التشابُه اللفظي إنَّما هو قصور في عقول البشَر ولُغاتِهم، فلا يُمكن وصْفُ صفات الله - عزَّ وجلَّ - بِوَصْفٍ يعقله البشَر؛ ولذلك لا يَسْتطيعون أن يتخيَّلوا الله - عزَّ وجلَّ - بل قد نُهوا عن ذلك؛ لأنَّه ليس في مَقْدور مَخْلوق ضعيف حقير أن يُحيط بالخالق العظيم الْجَليل. ولكنَّ ذلك لا يَمْنع من أن يعرف صفاتِه وأسماءَه، ونَضْرِب لذلك مثلاً، ولله المثَلُ الأعلى. فالرَّجل الجاهل مثلاً يُقَدِّر الرَّجل العالِم، ويَعْرِف حقَّه ومكانتَه، وإن لم يكن عنده شيءٌ من علمه. دعونا من ادِّعاء النَّقص المزعوم هذا. دعونا من ادعاء الحدُوث المزعوم هذا. دعونا من ادِّعاء المَحْدوديَّة المزعوم هذا. خُذوا ما جاء في كتاب ربِّكم؛ فقد أنزَلَه بِلُغة العرب، وهُم أعلم الناس بِمَعنى كلامهم، ولم يقل أحَدٌ منهم شيئًا مِمَّا قُلْتُموه؛ لأنَّهم أُمَّة عاقلة، تعلم تَمامَ العلم أنَّ صفات الخالقِ تُبايِنُ صفات المخلوقين؛ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]. إذًا فهو سَميع وبصير، ولكن هل سَمْعُه وبصَرُه مِثْل سَمْعِنا وأبصارنا؟ الجواب في أوَّل الآية ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |