قراءة مختصرة لكتاب "الدفاع عن الإسلام بين المنهجية والهمجية" - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أحداث الحياة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          إن الله لا يحب المسرفين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          (المروءة والخلق والحياء) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          علام يقتل أحدكم أخاه؟! خطورة العين وسبل الوقاية منها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          قصة الرجل الذي أمر بنيه بإحراقه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: السميع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          إذا أحبك الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          عفة النفس: فضائلها وأنواعها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          سمات المسلم الإيجابي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-10-2024, 09:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,455
الدولة : Egypt
افتراضي قراءة مختصرة لكتاب "الدفاع عن الإسلام بين المنهجية والهمجية"

قراءة مختصرة لكتاب "الدفاع عن الإسلام بين المنهجية والهمجية" (1)


لمؤلفه/ أحمد الداري

مركز جنات للدراسات

لقد كُتِب على الجماعة المؤمنة أن تُواجه منذ اللَّحظة الأولى لميلادها تحدِّياتٍ كثيرةً؛ على اختلاف صور البلاء وتنوُّعِ أشكاله، غير أنَّ أخطر التحدِّيات التي تقابل الجماعة المؤمنة هي ذلك العداء المتمكِّن من قلوب المخالفين لهم عقديًّا.

ولم يكن هذا غائبًا على أصحاب الدعوات؛ فها هو "ورقة بن نوفل" بعد نزول جبريل - عليه السَّلام - بالوحي، يذهب إليه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليقصَّ عليه ما قد حدث، فيقول له ورقة: ((لم يأت رجلٌ قطُّ بِمِثل ما جئتَ به إلاَّ عودِيَ))؛ متَّفقٌ عليه من حديث عائشة - رضي الله عنها.

ما لبث العداء أن تُرْجِم إلى نتيجته الحتميَّة: الحرب والصِّدام والمدافعة؛ حتَّى وإن كان يتخلَّل العلاقاتِ شيءٌ من إظهار الودِّ والمحبَّة، أو حاولت بعض الأمم خداعَنا بشعارات السَّلام، وإنما هي هدنة على دخَن؛ لأنَّ الجاهليَّة لا تملك غيرَ وجهِها القبيح، تستطيع أن تزيِّنه، ربَّما، ولكنها لا تستطيع أن تغيِّره.

وقد اتَّخذَت هذه الحربُ شكلين: الأوَّل: الحرب المعنويَّة، وهي التي تُعْنى بالجانب النفسي للمؤمنين، وتَرمي إلى زعزعة الثَّوابت، وذلك من خلال إشاعة الشُّبهات أو إثارة الشَّهوات، والآخر: الحرب الماديَّة التي يتجسَّد العداء فيها سافرًا واضحًا، وهي سياسة الحديد والنَّار.

وغاية معسكر الشيطان واحدة، وإن اختلفَتْ وسائله، وهي سيادة الكفر واستعلاؤه، يقول تعالى: ﴿ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217].

أمام هذه الحرب (المعنويَّة والمادية) يجد المؤمنون أنفسَهم مدفوعين إلى قوَّة الله سبحانه، يثبِّت قلوبهم على الحقِّ، فلا تتزعزع عقائدهم لِشُبهة، ولا تميل بهم لِشَهوة، ويثبِّت أقدامهم على الحقِّ، فلا يزحزحها خوفٌ، ولا تركن إلى راحة، فهو القائل: ﴿ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ ﴾ [الأنفال: 11].

وبنفس الفاعليَّة يتجسَّد جهاد أصحاب الحقِّ في ميدانين: ميدان الكلمة واللِّسان، وميدان السيف والسِّنان، وإدراكُ الجماعة المؤمنة لحقيقة الحرب وما تتطلَّبه من طاقات، ومعرفتهم بإمكاناتهم، والعمل على توظيفها حيث ينبغي - هو الذي يجعلهم على قَدْر "حتميَّة المُواجهة"، فيُحْدِثون النِّكاية المرجوَّة في صفوف عدوِّهم من جانب، ويحافظون على ثغورهم من جانبٍ آخَر: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].

إستراتيجيَّة جديدة: إن أعداءنا قد أدركوا عبر سلسلةٍ متَّصِلة من الحروب الطويلة، أنَّ فرض السيطرة على الأمة الإسلامية شيءٌ من قبيل المستحيل، طالما بقيت الأمة مستمسكة بقوتينِ: قوَّة عقيدتها، وقوة وحدتِها.

كما أنَّهم أيقنوا من خلال تجاربهم أنَّ قطرة دم شهيدٍ تسقط على أرض الإسلام، إنَّما تعني إيذانًا بميلاد آلاف الشُّهداء من ورائه، يُكْمِلون نسيج التَّضحية، ومن هنا بدأت إستراتيجيَّة الغرب الصليبِيِّ تأخذ مسارها نحو التعديل شيئًا فشيئًا.

فعمدوا أولاً إلى العقيدة الإسلاميَّة، وعملوا على جعلها مجرَّدَ ثقافة ذهنيَّة باردة، ولم يكن أمر "الوحدة" عليهم بأصعبَ مِن أختها، حيث صارت الوحدةُ بعد تمييعِ العقيدة كالنَّبْت الذي لا أصل له ولا جذور، كان هذا كلُّه تحت ما يسمَّى بالغزو الثقافي.

وأما عن كيفيَّة تصدير هذا الغزو إلى بلاد المسلمين، فإنَّه طار إليها معتمدًا على جناحينِ: "التنصير" و"الاستشراق"، وهما في الواقع أداتان لخدمة "الاحتلال"؛ أيْ: إننا نستطيع أن نقول: إنَّ ثلاثتها اسم لمسمًّى واحد؛ إذْ إن العبرة بالأهداف والغايات.

وهذا كلُّه لا يعني أن الغرب الصليبِيَّ قد نسي لون الدِّماء ولذَّة سفكها، وكل ما حدث هو عمليَّة ترتيب للأولويَّات.

"المدافعون" - النشأة والجذور: إن خطورة التنصير والاستشراق ليست ترجع - فحَسْب - إلى مجرد الشبهات والدَّعاوى التي كانوا يروِّجونها في العالم الإسلامي، بل إن الخطر الحقيقيَّ للتنصير والاستشراق يرجع إلى تلك الطَّبقة التي أُنشئت في مَحاضنِها، ورُبِّيت على مناهجها، وقد حملت لواء التَّغريب بعد رحيل المنصِّرين والمستشرقين من بلادنا، فمثَّلت بذلك الوريثَ الشرعيَّ للوظيفة المشؤومة: وظيفة القضاء على الإسلام.

والذي يعنينا هنا هو تَبْيين إحدى النتائج التي نشأَتْ من جرَّاء تلك الهجمة الشَّرسة على حقائق الإسلام؛ ذلك أن ردَّ الفعل الإسلامي أوجد على الساحة طبقةً توضع غالبًا إزاء "الأذناب" على أنَّها مغايِرةٌ لَها في الموقف والوجهة، ونعني بها طبقة "المدافعين"، ولكن واقع الأمر يكشف أنَّ تلك الطبقة لم تكن أقل خطرًا على الإسلام من طبقة "الأذناب"، بل ربَّما يزيد عنها؛ لأنَّ سلاحها وقتئذٍ لم يكن سوى الدِّفاع، الدِّفاع الذي يقيم حُججَه على حماسةٍ مجرَّدة، فيضع الإسلام في قفص الاتِّهام.

ويبدو أنَّ قضية الدفاع والمدافعين ليست بالجديدة على السَّاحة الإسلامية؛ أيْ: إنَّنا نستطيع أن نحدِّد لها جذورًا تاريخيَّة ومنهجيَّة؛ فها هو ابن تيميَّة - رحمه الله - يقول: "وأكثر المتكلِّمين يردُّون باطلاً بباطل، وبدعةً ببدعة، لكن قد يردُّون باطل الكفار من المشركين وأهل الكتاب بباطل المسلمين، فيصير الكافرُ مسلمًا مبتدعًا".

ويقول كذلك مبينًا خلط بعض الطَّوائف: "ومن يكون قد ردَّ على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السُّنة منه؛ فيكون محمودًا فيما ردَّه من الباطل وقاله من الحقِّ؛ لكن يكون قد جاوز العدل في ردِّه؛ بحيث جحد بعضَ الحقِّ، وقال بعضَ الباطل، فيكون قد ردَّ بدعةً كبيرة ببدعةٍ أخفَّ منها؛ وردَّ بالباطل باطلاً بباطل أخف منه، وهذه حالُ أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السُّنة والجماعة، ومثل هؤلاء إذا لم يَجْعلوا ما ابتدعوه قولاً يفارقون به جماعة المسلمين؛ يوالون عليه ويعادون، كان من نوع الخطَأ، والله - سبحانه وتعالى - يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك".

مزالق المُدافعين: إنَّ نظرةً فاحصة فيما خلَّف لنا "المدافعون" من كلامهم، لَتَكْشِفُ عن طائفةٍ لا حصر لها من الأخطاء المنهجيَّة، يتبيَّن من خلالها الخطرُ الذي تمثِّلُه لمستقبل دعوة الإسلام.

تمييع قضايا الدِّين: أوَّل خطأٍ وقعت فيه جماعة المُدافعين هو تمييعهم لقضايا الدِّين، وعرضهم لحقائقه عرضًا مغلوطًا يتناسب مع الأهواء المتقلِّبة.

فالشُّبهة القديمة الحديثة القائلة: إنَّ الإسلام دين العنف والإرهاب، وإنه قد انتشر بحدِّ السيف، يقف المدافعون إزاءها موقفًا متميِّعًا، حتى ينطلقوا إلى مبادئ الدِّين فيميِّعوها، فلم تَسْلَم عقيدة الولاء والبَرَاء من جناياتهم حينما يَصِفون الإسلام بغيره من المناهج المناقضة له، ويضيِّقون آفاق الجهاد، ويسطِّحون قيمته حينما يَحْصرونه في جهاد الدَّفع فحَسْب، فكأنَّ ذلك النوع الذي أسماه السَّلَفُ في كتب الفقه "جهاد الطَّلَب" كان خاصًّا بهم، أو ربما كان خطأً طباعيًّا!


ونحن نسأل هؤلاء المدافعين: أفي الإسلام ما يُستَحْيَا مِن ذِكْره؟ وإذا كان الإسلام خاليًا من هذا الوصف فلِمَ تُظْهرون أمورًا وتخفون - أو تلغون - أخرى؟

إطلاق عنان العقل: ثاني أبرز هذه الأخطاء، هو أنَّ بعض المدافعين قد نصَّبَ مِن عقله وهواه وصيًّا على الدِّين، يُضِيف إليه ما يتَّفِق مع عقله، ويَحْذف منه ما لا يتَّفِق معه.

أبواق الشُّبهات: وثالث أبرز هذه الأخطاء هو أنَّ هؤلاء المدافعين صاروا أبواقًا للشُّبهات، بحيث ينشرونها في أوساط المسلمين، وإن كان منهم ردٌّ فهزيل لا يَقْوَى على الصُّمود، أو تائهٌ يخبط يمينًا وشمالاً... وإنَّما حدث ذلك نتيجةَ حيْدِهم عن النَّهج السليم في التعامل مع الشُّبهات.

فوَيْحَكم أيُّها المدافعون! تنشرون الشُّبهة بكلِّ فصاحةٍ وبيان، وكأنَّ شيطانًا قد تربَّع على لسانكم، فهو ذَرِبٌ ذليق، مفوَّه طليق.

وبعد، أبعْدَ كلِّ هذا يظنُّ هؤلاء المدافعون أنَّهم بدِفاعهم يقدِّمون خِدْماتٍ جليلةً للإسلام؟ فلقد هدموا معالِمَ الدين من حيث أرادوا البناء، وأضَلُّوا من حيث أرادوا الهداية، ولو سَألوا لما أخطؤوا؛ ((ألم يكن شفاء العيِّ السُّؤال؟))؛ (أبو داود وابن ماجه وغيرهما من حديث ابن عبَّاس).

وتلك المزالق كانت قرينةَ الاستغراق الشديد في الدِّفاع، ونحن وإن لم نُنكر الدِّفاع في حدِّ ذاته، ولكننا نرفضُه من حيث سيطرتُه على أذهان أصحابه، فلا يكون لهم شغلٌ شاغل غيره؛ يُقْحِمونه في كلِّ مقام دون سبب، فيمثِّل ذلك خطرًا على الكيان الدَّعوي.

وللحديث تتمَّة أخرى.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-10-2024, 09:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة مختصرة لكتاب "الدفاع عن الإسلام بين المنهجية والهمجية"

قراءة مختصرة لكتاب "الدفاع عن الإسلام بين المنهجية والهمجية" (2)


لمؤلفه/ أحمد الداري

مركز جنات للدراسات


معالِمُ الخِطاب القرآنيِّ في الحِجَاج عن الدعوة: قبل أن نَشْرَع في بيان الخِطَاب القرآني في الحِجَاج عن الدعوة، يجب أن ننتبه إلى أن أسلوب القرآن في الردِّ على الشبهات يختلف من مَقامٍ إلى مقام؛ باختلاف: المُخاطَب، ونوع الشُّبهة، وظروفها؛ ولكن تبقى سِمَاتٌ وخصائِصُ مشترَكة، تتوفَّر في كل ما ورد في القرآن من آيات الحِجَاج.

لِتَكُن الشبهة هي شبهةَ تقطيع المسلمين للنَّخل وتحريقه يوم بني النَّضير، وهي التي ردَّدها أعداءُ الدعوة؛ لِيُثيروا بها الشُّكوك في قلوب المسلمين، فأنزل الله تعالى قوله: ﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الحشر: 5]، ليُطَمئن طائفتي المؤمنين: الذين قطَعوا، والذين ترَكوا.

والمقصد الآن أن نتأمَّل: كيف تولَّى القرآنُ الدِّفاعَ عمَّا يُثار من شُبهات، ولا يتمُّ ذلك إلاَّ بِنَظرة سريعةٍ للتناول الكُلِّي لسورة "الحشر"، وهي التي أسماها ابنُ عبَّاس سورةَ "بني النَّضير"؛ مِمَّا يدلِّل لنا على كليَّةِ وحْدَتِها.

تبدأ السُّورة بالتسبيح: ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 1]، وتنتهي كذلك بالتسبيح: ﴿ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 24]، فأضفى ذلك على النَّفس شعورًا بالإجلال والإكبارِ لأوامر الله تعالى وأفعاله.

ثم قرَنَ تعالى بين اسم "العزيز" واسم "الحكيم"؛ لينسجم مع التَّنْزيه المُطْلَق.

وبعد توجيهاتٍ وتعقيبات ومفاهيمَ امتلأت بها السُّورة، جاء قوله تعالى: ﴿ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ... ﴾ [الحشر: 5].

ومن خلال هذا العرض نستطيع أن نتفهَّم معالِمَ المنهج القرآنيِّ في الحِجَاج عن الدعوة إجماليًّا:
توجيه الخطاب في المقام الأول إلى الفئة المؤمِنة: بحيث جاء الخطاب القرآنيُّ موجَّهًا للمؤمنين بصورٍ شتَّى في السورة.

عرض الردِّ في قالبٍ عقَدِي: بحيث يربط السُّلوك بالتصوُّر، يتَّضِح هذا في جَعْل تقطيع النخيل بِقَدَرِ الله وإِذْنه.

انتقال السِّياق القرآني من إطار الخصوصيَّة إلى العمومية: بحيث يُتاح للمتلقي مجالٌ أرحَبُ وأوسع.

ليس الدِّفاعُ الوارد في السورة مجرَّدَ ردِّ فعل، وتنَزَّه القرآن عن ذلك؛ لتنَزُّهِه عن النقص، فالقرآن كتاب هدايةٍ وإرشاد، وليس كتابًا في الدِّفاع؛ وإنما الدفاع فيه يأتي وفْقَ منهجه العامِّ في تبيين الحقِّ.

عدم الاستغراق في دفع الشُّبهة: ففي سورةٍ عددُ آياتها أربع وعشرون آية، تتناول في مجمَلِها واقعة بني النضير، لم يَشْغَل الردُّ على الشبهة غيرَ آيةٍ واحدة.

الدَّعوة والتنازُلات: قد يَدْفع العملُ الدَّعويُّ بعضَ أصحابه، ولا سيَّما إذا كانوا من المُدافعين، إلى التَّنازُل عن بعض جزئيات المنهج؛ جريًا وراء مصالِحَ يرونها، ونحن هنا معنيُّون ببيان موقف الدعوة الصحيحة من هذه التَّنازلات.

ما على الرَّسول إلا البلاغ: لبيان الموقف الدعويِّ الصحيح من التنازلات؛ لا بدَّ أولاً أن يسبقه بيانُ وظيفة الدُّعاة، من خلال تتبُّعِ قصص الأنبياء والمرسلين؛ وذلك لأنَّهم خيرُ مَن قام بالدعوة على وجْهِها، وبعد هذا يَظهر لنا بجلاءٍ أنَّ طبيعة وظيفتهم هي "البلاغ".

قال الله تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 16 - 19]، وجاء في تفسيرها: "تكفَّل الله له أن يَجْمعه في صدرِه، وأن ييسِّره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه، وأن يبيِّنه له ويفسِّرَه ويوضِّحه"؛ "تفسير ابن كثير".

ووَعْدُ اللهِ لنبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بذلك إنَّما هو دليلٌ على عنايته سبحانه بِمَرحلة البلاغ، وما قبلها من جمع الوحي وحِفظه، وما بعدها من التبيين والتوضيح؛ ليكون البلاغُ كما أراد تعالى، دون زيادةٍ أو نقصان.

ثم تأتي السُّنة النبوية لتؤكِّد هذا المعنى، حين يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((نضَّرَ الله امرأً سمع منا شيئًا فبلَّغَه كما سمع؛ فرُبَّ مبلَّغٍ أوعى من سامع))؛ أحمد والترمذيُّ وغيرهما من حديث ابن مسعود.

فلم تكتَفِ السُّنة بمجرد الحثِّ على التبليغ؛ أيًّا كان وصْفُه وحالُه، بل أكَّدَت على أن يكون البلاغُ موافقًا لمصدر التلقِّي، وتأتي لفظة ((شيئًا)) نكرةً؛ لتفيد العموم، سواء كان هذا المبلَّغ كثيرًا أم قليلاً، مهمًّا في نظر المبلِّغ أم لا، الأمر الذي يعمِّق دور المُحاكاة في القيام بوظيفة البلاغ.

ميزان الشَّرع وميزان النَّفس: يجب علينا ونحن نعالج قضية التَّنازلات ألاَّ نَغْفل عن العامل النفسيِّ الذي يلحُّ على الداعي إلى الله؛ ليجعله أحد المتورِّطين في تلك القضية؛ ذلك أنَّ الداعية إذا رأى الناس حوله في ضلالتهم، فإنه يظلُّ مشغولاً بحاله، قَلِقًا على مآلِهم، ولا غُبار على هذا كلِّه، بل هذا الواجب على الدَّاعية، ولكنَّ المشكلة أن يدفَعَه ذلك إلى تقديم تنازُلٍ يَحْسبه ييسِّر على المدعويِّن هدايتَهم، ويظنُّ أن المصلحة تبيح له ذلك.

على أنَّ المصلحة الحقيقيَّة هي التي يُقِرُّها الشرع، لا التي تقرُّها العاطفة المضطَرِبة التي لا يَقرُّ لها قرار، ولا يعني ذلك أن ينخلع من عواطفه ومشاعره، أو أن يقيم بينها وبين الشرع صراعًا، بل معناه أن يصطحب عاطفته في تلك الرحلة؛ لتأخذ من الشريعة ما يهذِّب طباعها، ويسكِّن تقلُّباتها.

جعفر وجماعته "دراسة في آليات الدِّفاع المنهجي": إنَّ ما نَخْشاه ليس هو أن تَفْقه الدعوة الواقع، أو أن تقدِّم الظُّروف المحيطة بها، ولكن ما نخشاه أن تظنَّ أنَّ وظيفتها هي محاولةُ العيش مع هذه الظروف السيِّئة جنبًا إلى جنب، لا تغيِّرُ فيها ولا تفكِّر في التغيير، حتَّى تصير يومًا ما - كقطعة العجين - ليِّنةَ الجانب، ليست تدري كيف تتشكَّل، فتترك لخبَّازها القيامَ بتشكيلها.

كما نحذِّر من أن تظنَّ الدعوة أن وظيفتها الرَّئيسة هي الدِّفاع عن الحق ضدَّ الشبهات المثارة، وتظلَّ حبيسة قفص الاتِّهام كثيرًا، وتتغافل بذلك عن بقيَّة أدوارها الحيويَّة، والتي يأتي على رأسها دورُ البيان والبلاغ، وتلك الأدوار التي تأتي غيرَ مرهونةٍ بِمَوقف دفاعيٍّ، أو ناشئة عن اتِّهام مستفزّ.

ولقد بلغ أذى المشركين للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه مبلغًا عظيمًا، وحالوا بينه وبين إتمام دعوته، فوجَّه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صحابته إلى الحبشة؛ بوصفها محصنًا مؤقتًا للدعوة وأصحابها، فهاجر جماعةٌ من المسلمين من مكَّة إلى الحبَشة، وعلى الرغم من رحيلهم، فإنَّ مشركي قريش لم يَهْنَأ لهم بال؛ لأنَّ القضية أكبر من رحيلهم؛ فالكفر لا يَقْبل منَّا سوى الكُفر.

ائتمَرَت قريشٌ أن تبعث إلى النَّجاشي رجُلينِ؛ ليكلِّماه في شأن تسليم المهاجرين إلى أهليهم من قريش، فأتيا النجاشيَّ، فقالا: "إنه قد صبا إلى بلدك منَّا غلمان سُفَهاء، فارقوا دينَ قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدينٍ مبتدَع، فقال النجاشيُّ: لا أسلمهم إليهما، حتَّى أدعُوَهم فأسألَهم".

والمسلمون بالفعل فارقوا دينَ قومهم، ولم يدخلوا في دين النجاشيِّ، "قال بعضُهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتُموه؟".

إنه سؤال - على قلَّة حروفه - يجسِّدُ لك النَّزعات الداخلية المتقابلة في النَّفس الإنسانية، لكن الإجابة لم تتأخَّرْ عن السؤال إلاَّ قدر حسو الطائر، ولم تكن إلاَّ تعبيرًا عن البديهيَّات والمُسَلَّمات التي يتلقَّاها المرء عند أول عتبات الإسلام، فقالوا: "نقول - واللهِ - ما علَّمَنا وما أمرَنا به نبيُّنا - صلى الله عليه وسلَّم - كائنٌ في ذلك ما هو كائن"؛ الحديث رواه أحمدُ وغيره.

بِهذه الإجابة البديهيَّةِ تكون الجماعةُ قد انتقلت إلى طورٍ جديد من أطوار حركتِها، معتَمِدة على المواجهة والصِّدام وعدم الرِّضا بأنصاف الحلول.

لم يقف أمرُ قائد الجماعة على الجهر بما تَحْمِلُه جماعته من الحقِّ، بل لقد ألقى بها بين ظهرانَي النَّصارى، فقرأ على النَّجاشي صدرَ سورة مريم حتَّى بكى النجاشيُّ!

لا عجب من القرار الذي اتَّخذَتْه الجماعة المؤمنة، لا عجب من موقفها الصَّارم العنيد، لا عجب من رفضها للتنازُلات، لا عجب من استعلائها فوقَ لغة الدِّفاع المَهِين، فقد أعلنَت الدعوةُ من قبل عن مبادئها، وعبَّرَت بموقف عمَلِيٍّ يصدِّق قولَها... فالعجب لا يكون ممن يتَّخِذ موقفًا ثم يظلُّ ثابتًا عليه؛ لأنَّ الموقف الشامخ الراسخ لا تزيده النائباتُ والنوازل إلا شموخًا ورسوخًا، ولكن العجب كلَّ العجب مِمَّن يُعْلِن عن قضيَّتِه، ثم يتخلَّى عنها، ومن يتَّخِذ موقفًا ثم ينفَلِت منه.

انتهى، والكتاب من توزيع مكتبة النور - المنصورة بمصر.

والحمد لله ربِّ العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه، ومن تبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.82 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (3.14%)]