|
استراحة الشفاء , وملتقى الإخاء والترحيب والمناسبات هنا نلتقي بالأعضاء الجدد ونرحب بهم , وهنا يتواصل الأعضاء مع بعضهم لمعرفة أخبارهم وتقديم التهاني أو المواساة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ![]() الإمام أحمد بن حنبل (1/2) شريف عبدالعزيز (1) حياته وآراؤه ومذهبه ومحنته التَّعريف به هو الإمام حقَّاً, وشيخ الإسلام صدقاً, إمام أهل السنة, الفقيه المحدث, العلم الجبل, ركن الدين, وإمام المسلمين, وصاحب رابع المذاهب الفقهية المتبوعة: الإمام أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني, يلتقي في نسبه مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نزار, وُلد سنة 164 هـ بمرو من أعمال خراسان, وكان أبوه محمد والياً على مدينة سرخس, وقدمت به أمُّه إلى بغداد, فنشأ بها وترعرع. أما عن صفته الخُلقيَّة فقد كان طويلاً أسمر شديد السمرة, حسن الوجه, نحيفاً, يخضب بالحنَّاء, يتعاهد ثيابه وشاربه وشعر رأسه وبدنه كلَّه. رحلته العلمية نشأ الإمام يتيما ً، فقد مات أبوه وهو في الثلاثين من عمره, فبدأ فى طلب العلم وهو فى سن المراهقة, وكانت لوائح النَّجابة تظهر منه زمن الصِّبا, وقد كان شديد الحرص على طلب العلم وسماع الحديث, حتى إنَّه كان يخرج فى الغلَس لحضور الدرس, فتأخذ أمه بثيابه خوفاً عليه, وتقول: حتى يؤذِّن الناس –أي الصلاة– وكان وقتها ابن خمس عشرة سنة أي في نفس العام الذي مات فيه الإمام مالك وحماد بن زيد. خرج الإمام فى أول رحلة علمية له إلى واسط لسماع الحديث من هشيم, وطلب مجلس ابن المبارك فلم يدركه, ثم واصل بعدها رحلته العلميَّة فسافر أسفاراً كثيرة إلى غالب الأمصار الإسلامية، فدخل الكوفة والبصرة والحجاز ومكة والمدينة, واليمن والشَّام والثغور, والسواحل والمغرب, وفارس وخراسان والأطراف, وبالجملة لم يسمع بثقة من الثقات أو صاحب حديث إلا شدَّ إليه الرِّحال وسمع منه, وبعد رحلة طويلة استغرقت عدة سنوات عاد من رحلته العلمية إلى بغداد, ومن شدة اهتمامه وتفرُّغه لطلب العلم لم يتزوج حتى بلغ الأربعين. كان الإمام أحمد صبوراً فى طلب العلم، يطلبه من مظانِّه ومن كل سبيل, لا يبالي بالمشاقِّ والصعاب التي تلاقيه فى طلبه, حتى إنه كان يرهن حذاءه ليتقوَّتَ بثمنه عدة ليال, وأكرى نفسه باليمن مع الجمَّالين لما نفدت نفقته, وكان يمشي من الكوفة إلى البصرة على قدميه لسماع الحديث، حتى بلغ عدد شيوخه الذين روى عنهم في مسنده مائتين وثمانين ونيِّفاً. عاد الإمام من رحلته العلمية، وقد حاز فنوناً كثيرة وعلوماً واسعة، حتى صار أحفظ أهل زمانه, فقد قال أبوزُرعة الحافظ لعبد الله بن الإمام أحمد: "أبوك يحفظ ألف ألف حديث, فقال له: وما يُدريك؟ قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب, وقد سئل أبو زُرعة: أأنت أحفظ أم أحمد؟ قال: بل أحمد, فقيل له: كيف عرفت؟ قال: وجدت كتبه ليس فى أوائل الأجزاء أسماء الذين حدثوه, فكان يحفظ كل جزء ممَّن سمعه, وأنا لا أقوى على هذا". ![]() ومن شدة حفظ الإمام أحمد صار مرجعاً معتمداً فى قبول الروايات والأحاديث, إليه كلمة الفصل فى هذا الفن, فقد قال إبراهيم بن شماس: "سألنا وكيعاً عن خارجة بن مصعب فقال: نهاني أحمد أن أحدِّث عنه", وقال عليُّ بن المديني: "أمرني سيدي أحمد بن حنبل أن لا أحَدِّث إلا من كتاب", وقال شيخه الإمام الشافعي: "حضرت مجلساً في بغداد كلما تكلم فيه شابٌّ قال الناس كلهم: صدق, فقلت: من هو؟ قالوا: أحمد بن حنبل", وقد قال الحافظ الدَّارميُّ: "ما رأيت أسود الرأس أحفظ لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أعلم بفقهه, ومعانيه من أبي عبدالله أحمد بن حنبل". وكان من قوة حفظه يُلحق المتون بالأسانيد و العكس من ذاكرته, فقد قال لابنه عبد الله: "خذ أيَّ كتاب شئت من كتب وكيع من المصنف, فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد, وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك بالكلام". وقد قال له الشافعي: "يا أبا عبدالله, إذا صحَّ عندكم الحديث, فأخبروني حتى نرجعَ إليه، أنت أعلم بالأخبار الصِّحاح منا, فإذا كان خبرٌ صحيح, فأعلمني حتى أذهب إليه". أخلاقه وعبادته الإمام أحمد كان فى الذُّروة السامقة فى الفضائل والشمائل, وكان عصره زاخراً بالعلماء والأئمة وكبار المحدثين، إلا أنه كان متفرداً من بينهم بمنتهى الكمال فى العلم والعمل, وكان الناس يتعلَّمون من أدبه وسمته وهديه وأخلاقه تماماً مثلما يتعلَّمون من علمه وفقه. فقد كان زاهداً فى أسمى درجات الزُّهد, يأتي عليه اليوم والاثنان والثلاثة، لا يجد ما يأكله, ومع ذلك يرد الأموال الجزيلة ولا يقبلها من أحد مطلقاً, عامَّة طعامه الخلُّ والخبز الجاف, قال عنه العليميُّ: "أتته الدنيا فأبَّدها, والرياسة فنفاها, وعُرضت عليه الأموال, وفُوِّضت إليه الأحوال, وهو يردُّ ذلك بتعفُّفٍ, وتعلُّل, وتقلُّل", ويقول: قليل الدنيا يُجزي, وكثيرها لا يُجزي, ويقول: أنا أفرح, إذا لم يكن عندي شيء, ويقول: إنما هو طعام دون طعام ولِباسٌ دون لباس, وأيامٌ قلائل". وقد حجَّ الإمام خمس مراتٍ منها ثلاثٌ راجلاً, وأنفق في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهماً, وكانت تنفد منه نفقتُه وهو فى رحلاته العلمية فلا يَقبل أيَّ مال يعرضه عليه شيوخه أو أقرانه, وقد سُرقت ثيابه وهو باليمن فجلس فى البيت ولم يخرج لسماع الحديث, ومع ذلك رفض أن يأخذ المال من زملائه واكتفى بدينار واحد أخذه كأجر نسخِ بعض الكتب, وكانت مجالسه كلها عامرةً بذكر الآخرة، لا يُذكر فيها شيءٌ من أمر الدُّنيا, وللإمام أحمد كتاب حافل عظيم، لم يُسبق الى مثله فى الزُّهد, قال عنه أهل العلم: إنَّ غالب الظن أنَّ الإمام أحمد كان يُطبِّق على نفسه ما ورد فى هذا الكتاب. ![]() قال إبراهيم الحربيُّ: "سمعت أحمد بن حنبل يقول: إن أحببتَ أن يدوم الله لك على ما تُحبُّ, قدِّم له ما يحب, والصبر على الفقر مرتبةٌ لا ينالها إلا الأكابر, والفقر أشرف من الغنى, فإنَّ للصبر عليه مرارةً, وكان الإمام أحمد مُستجابَ الدعوة له الكثير من المواقف المشهودة في ذلك, وكان مُحبًّا للوحدة يصبر عليها ما لا يطيقه أحد من الناس فى زمانه, وعُرض عليه القضاء عدَّة مرات فرفض بشدة". أمَّا عن عبادته فقد كانت فى الغاية, فقد كان يُصلِّي فى كل يوم وليلة ثلاثَ مائة ركعةٍ، فلمَّا مرض من أثر التَّعذيب والضرب بالسياط فى المحنة، كان يُصلِّي كلَّ يوم وليلةٍ مائة وخمسين ركعة, ويقرأ كلَّ يومٍ سُبعاً من القرآن, وينام نومة خفيفة بعد العشاء, ثم يقوم إلى الصباح يُصلِّي ويدعو, وكان إذا ذكر الموت, خنقته العبرة, وكان يقول: الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب, وإذا ذكرتُ الموتَ, هان عليَّ كلُّ أمر الدنيا, وكان يخاف من الشُّهرة ويكرهها بشدة, وكان يقول:" أُريد أن أكون فى شعب بمكة حتى لا أُعرف, قد بُليتُ بالشُّهرة ", وكان يسرد الصيام, ومن عجيب أمره أنَّ ذروة تعرضه للتعذيب والضرب في المحنة كان فى شهر رمضان, بل في العشر الأواخر منه، ومع ذلك لم يفطر يوماً رغم قيام عذره فى ذلك, وكان مدمناً لصيام الإثنين والخميس والأيام البيض لا يتركها أبداً, وقد آلى على نفسه ألا يُحَدِّث بحديث إلا ويعمل به, وكان فى غاية الورع إذا اشتبه عليه شيءٌ تركه كله, وقد قاطع ولده صالحاً وسدَّ الباب الذي كان بين بيته وبيت صالح، لأنَّ صالحاً قد أخذ جائزة الخليفة المتوكِّل العبَّاسيِّ, وكان من شدَّة خوفه من الله -عزَّ وجلَّ- يبول دماً عبيطاً, وقال إبراهيم بن هانىء النيسابوري -وكان الإمام أحمد متخفِّياً عنده من الخليفة الواثق-: "كنتُ لا أقوى معه على العبادة، وقد رأيتُ منه أمراً عجباً فى الاجتهاد بالعبادة". ثناء الناس عليه وهذا باب مثل البحر الذي لا يدرك قعره, ولا تحصى درره, ولو أحببنا أن نستقصيَ ما ورد من كلام أهل العلم فى الثَّناء عليه لاحتجنا الى عدة مجلدات, فقد كان إماماً فى كل شيء, كمُل حالُه واستقام أمره فى العلم والعمل, فسارت بأخلاقه وفضائله وعلومه الركبان, وخضع له علماء الزمان، وأقرُّوا له بالإمامة والتقدم, وهذه طائفة منتقاة من أقوالهم: قال البخاريُّ: "لما ضُرب أحمد بن حنبل كنَّا بالبصرة، فسمعت أبا الوليد الطيالسيَّ يقول: "لو كان أحمد فى بني إسرائيل لكان أحدوثة", وقال إسماعيل بن الخليل: "لو كان أحمد فى بني إسرائيل لكان نبيًّا". قال الشافعيُّ شيخه: "خرجت من العراق، فما تركت رجلاً أفضلَ ولا أعلم ولا أورعَ ولا أتقى من أحمد بن حنبل". قال يحيى القطَّان شيخه: "ما قدم على بغدادَ أحبُّ إليَّ من أحمد بن حنبل". ![]() وقال قتيبة: "مات سفيان الثوري ومات الورع, ومات الشافعيُّ وماتت السُّنن, ويموت أحمد بن حنبل وتظهر البدع, فإنَّ أحمد بن حنبل قام فى الأمَّة مقام النبوة". قال أبو عمير بن النحاس – وذُكِر أحمد يوماً – فقال: "رحمه الله؛ فى الدين ما كان أبصره, وعن الدنيا ما كان أصبره, وفى الزهد ما كان أخبره, وبالصالحين ما كان ألحقه, وبالماضين ما كان أشبهه, عُرضت عليه الدنيا فأباها, والبدع فنفاها". وقال بشرُ الحافي بعدما ضُرب أحمد بن حنبل: "أُدخِلَ أحمد الكيرَ فخرج ذهباً أحمر، أحمدُ قام في الأمة مقام الأنبياء في أقوامهم". قال المُزَنيُّ: "أحمد بن حنبل يوم المحنة, وأبو بكر يوم الردة, وعمر يوم السقيفة, وعثمان يوم الدار, وعليٌّ يوم الجمل وصفين". قال عليُّ بن المديني: "إذا ابتُليت بشيء فأفتاني أحمد بن حنبل؛لم أُبالِ إذا لقيتُ ربِّي كيف كان, فإني اتخذت أحمد حجَّةً فيما بيني وبين الله –عزَّ وجلَّ-, وما قام أحدٌ فى الإسلام ما قام أحمد بن حنبل". قال يحيى بن معين: "كان فى أحمد بن حنبل خصالٌ ما رأيتها فى عالم قط, كان محدِّثاً, وكان حافظاً, وكان عالماً, وكان ورعاً, وكان زاهداً, وكان عاقلاً, وقد أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل, والله ما نقوى أن نكون مثله ولا نطيق سلوك طريقه" – يقصد الثبات فى المحنة -. قال أبو بكر أبي داود: "أحمد بن حنبل مقدم على كل من يحمل بيده قلماً ومحبرة في عصره", وقال إسحاق بن راهويه: "اتخذت أحمد حجَّةً بيني وبين الله عزَّ وجلَّ". وقد أفرط النَّاس فى الثَّناء على الإمام أحمد، حتى خرج الأمر إلى طور الغلو الذي لا يجوز ونشبت بسبب ذلك مشاحنات ومناظرات بين الحنابلة وأتباع المذاهب الأخرى. فصول محنته الكبرى السِّرُّ وراء ضخامة المحنة؟ وعلى الرغم من وجود العديد من المحن الشديدة والتي تعرض لها كبار علماء الأمة، إلا أن هذه المحنة تفرَّدت من بينهم بأمور جعلتها من أكبر المحن التي تعرضت لها الأمة الإسلامية وعلماؤها، وذلك لعدة أسباب: 1ـ أنَّ هذه المحنة كانت في باب العقيدة أي في صميم قلب الأمة، وفي أصل قوتها ومصدر عزتها، وكان أهل الاعتزال هم من وراء هذه المحنة والفتنة. 2ـ أن الدولة بكافة أجهزتها ورجالها وقوتها كانت تدعم هذه المحنة، حيث استطاع بعض أهل الاعتزال مثل بشر المريسي وأحمد بن أبي دؤاد وغيرهما خداعَ ثلاثة خلفاء عباسيِّين متتاليين وهم: المأمون ثم المعتصم ثم الواثق، وإقناعهم بتبنِّي عقيدة الاعتزال الضالة والمليئة بالبدع الغليظة، وليس فقط مجرد التبني والاعتناق، لكن وإجبار الناس على ذلك الضلال، ولو بالقوة وحدِّ السلطة التي لا تطيق عادة أن تُخالف أو يَتحدَّى سلطانها أيُّ أحد مهما كانت مكانته وعلمه. 3ـ أن هذه المحنة العاتية لم تكن خاصة بالإمام أحمد وحده، وإن كان قد تحمل عبئها الأكبر وحده، بل كانت محنة عامة وفتنة شاملة، طالت الكبير والصغير، العالم والعاميَّ، الأحرار والعبيد، حتى الأسرى عند الأعداء كانوا يمتحنون على القول بخلق القرآن، فإن أجابوا وإلا ترُكوا رهن الأسر عند العدوِّ ولم تفُكَّ أسرهم الدولة. ![]() 4ـ أنَّ هذه المحنة عندما وقعت لم يصمد فيها سوى الإمام أحمد بن حنبل، أما باقي العلماء فأغلبهم قد أجاب فيها كرهًا، وبعضهم قد مات تحت وطأة التعذيب في سجن المبتدعة مثل البويطي ومحمد بن نوح ونعيم بن حماد، وكان صمود الإمام أحمد أعظم فصول هذه المحنة، وسبب تقدمه وشهرته ورفع ذكره، حتى صارت الإمامة مقرونة باسمه في لسان كل أحد فيقال: قال الإمام أحمد وهذا مذهب الإمام أحمد، ولو قدر الله عز وجل ولم يصمد الإمام أحمد في هذه المحنة لضل خلق كثير وربما الأمة كلها والله أعلم، لذلك قال المزني رحمه الله: "عصم الله الأمَّة بأبي بكر يوم الرِّدَّة، وبأحمدَ بن حنبل يومَ المحنة". أصلُ المحنة كان المسلمون أمة واحدة وعقيدتهم صحيحة وصافية من معين النبوة، حتى وقعت الفتنة الكبرى وقُتل عثمان -رضي الله عنه- مظلومًا شهيدًا، فتفرقت الكلمة وظهرت الشرور وتمت وقعة الجمل ثم صفين وبدأت البدع في الظهور، وحدث أول انحراف في تاريخ العقيدة الإسلامية بظهور فرقة الخوارج التي كفرت الصحابة خير الناس، ثم أخذت زاوية الانحراف في الانفراج فظهرت فرقة الروافض، وكلما ظهرت فرقة مبتدعة ظهرت في المقابل لها وعلى النقيض منها فرقة أخرى، الأولى تغالي والأخرى تعادي، فكما ظهرت الخوارج ظهرت فرقة المرجئة التي أخرت العمل وقالت إن الإيمان هو مجرد التصديق فقط، فجعلت إيمان أفجر الخلق كإيمان أتقاهم، وكما ظهرت الروافض ظهرت النواصب، وكما ظهرت فرقة القدرية نفاة القدر ظهرت فرقة الجبرية التي تنفي أي اختيار وإرادة للإنسان، وكما ظهرت فرقة المعتزلة والجهمية نفاة الصفات ظهرت فرقة المجسمة الذين يشبهون صفات الخالق بالمخلوق، ولكن كل هذه الفرق الضالة كانت مقهورة بسيف الشرع وقوة السنة وسلطان الدولة الأموية ثم العباسية، وكثير من رءوس البدعة قد قتل بسيف الحق مثل الجعد بن درهم رائد التعطيل والجهم بن صفوان رائد القدرية والمغيرة بن سعيد وغيرهم، وقد ظل المبتدعون في جحر ضب مختفين بضلالهم، لا يرفع أحد منهم رأسًا ببدعة أو بضلالة حتى ولي المأمون العباسي وكان محبًا للعلوم العقلية وكلام الفلاسفة الأوائل، فبنى دارًا لترجمة كتب فلاسفة اليونان وأسماها بيت الحكمة، فأخذت أفاعي البدع تخرج من جحورها وأخذت في التسلل بنعومة إلى بلاط المأمون ثم التفت حول عقله ولعبت به ونفثت سموم الاعتزال في رأسه، ونفق عليه رجال من عينة بشر المريسي الذي كان هاربًا أيام أبيه الرشيد الذي كان يطلبه ليقتله ببدعته، وأحمد بن أبي دؤاد رأس الفتنة ومسعرها، وأبي الهذيل العلاف وثمامة بن أشرس وغيرهم، حتى مال المأمون لقولهم واعتنق مذهب الاعتزال والذي يقوم على عدة أصول وهي: 1ـ نفي الصِّفات وتعطيلها، وأبرز معالم نفي الصفات: القول بأن القرآن مخلوق. 2 ـ نفي القدر، والقول بأنَّ العباد هم خالقو أفعالهم. 3 ـ القول بالمنزلة بين المنزلتين بالنسبة لمرتكب الكبيرة. ![]() 4ـ الوعد والوعيد، ومعناه تخليد مرتكب الكبيرة في النار، وإيجاب دخول المؤمن الجنة على الله. 5ـ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، ومعناه الخروج على ولاة الأمور بالسلاح. ظلَّ المأمون معتنقًا لهذه العقيدة الضالة ولا يجبر أحدًا على اعتناقها ويتردد ويراقب الشيوخ والعلماء والمحدثين وهو يخشى مكانتهم وتأثيرهم على جماهير المسلمين، وفي نفس الوقت يحاول استمالة من يقدر على استمالته منهم، فلما رأى إعراض العلماء عن القول ببدعته زين له أحمد بن أبي دؤاد وبشر المريسي أن يجبر العلماء وذلك بقوة الدولة وحد التهديد والوعيد، وبالفعل سنة 218هـ أمر المأمون العباسي قائد شرطة بغداد العاصمة إسحاق بن إبراهيم بأن يجمع كبار الفقهاء والعلماء والمحدثين ويمتحنهم في القول بخلق القرآن، وقرأ عليهم كتاب المأمون الذي يفيض بالتهديد والوعيد وقطع الأرزاق والعزل من المناصب لمن يرفض القول بخلق القرآن، ومن يومها بدأت فصول المحنة العظمى التي تحمل الإمام أحمد بن حنبل وحده عبأها والوقوف في وجه أربابها ودعاتها. الإمام أحمد والخلفاء الثلاثة الإمام والخليفة المأمون العباسي حُمل الإمام أحمد ومن معه من العلماء إلى دار السلطان، وأخذ إسحاق بن إبراهيم قائد الشرطة في امتحانهم، ومع جدية التهديد أخذ العلماء الواحد تلو الآخر يجيب بالقول بخلق القرآن، فلما رأى أحمد بن حنبل الناس يجيبون وكان من قبل رجلاً لينًا، انتفخت أوداجه واحمرَّت عيناه وذهب ذلك اللين وغضب لله -عزَّ وجلَّ- وجهر بالحق، وبعد أول يوم لامتحان العلماء عاد الإمام أحمد بن حنبل إلى مسجده وقعد للدرس والتحديث، فالتف حوله الناس وسألوه عما جرى وألحوا في معرفة من أجاب من العلماء في هذه المحنة، فرفض بشدة وكره الإجابة على هذا السؤال، ولكن الأمر قد انتشر بسرعة بين الناس وعُرف من أجاب ممن رفض. ![]() وصلت أخبار الامتحان للخليفة المأمون وكان وقتها مقيمًا بطرسوس على الحدود مع الدولة البيزنطية، فتغيظ بشدة ممن رفض القول بخلق القرآن وطلب من قائد الشرطة إسحاق بن إبراهيم أن يجمع العلماء مرة أخرى ويمتحنهم ويشتد في التهديد والوعيد، وبالفعل اشتد إسحاق في التهديد حتى أجاب كل العلماء ما عدا أربعة: أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح، والقواريري، وسجَّادة، فقام إسحاق بحبسهم وتهديدهم بالضرب والحبس، فأجاب سجَّادة والقواريري فخرجا من السجن وبقي أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح، فأرسل بخبرهما إسحاق إلى الخليفة المأمون الذي استشاط غضبًا وأمر بحملهما مقيدين زميلين إلى طرسوس، وقد أقسم ليقتلهما بيده إذا لم يجيبا في هذه الفتنة، بل أشهر سيفًا ووضعه بجانبه استعدادًا لقتلهما إذا أصرا على الرفض. حُمل أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح من بغداد إلى طرسوس، وفي الطريق وقعت عدة حوادث كان لها أثر كبير في تثبيت الإمام أحمد ورفيقه، ودللت أيضًا على أن الناس كانت كلها وراء الإمام وتؤيده وإن كانت لا تملك له شيئًا، فقد قابله بالرحبة -موضع على شاطئ الفرات على بعد مائة فرسخ من بغداد- رجل من عامة المسلمين يعمل في غزل الصوف والشعر، قد جاء لمقابلته خصيصًا من بادية العراق ليقول له: "يا أحمد إن يقتلكَ الحقُّ مِتَّ شهيدًا، وإن عشتَ عشتَ حميدًا، وما عليك أن تُقتل هاهنا وتدخل الجنة"، فقوي قلب الإمام أحمد بهذه الكلمات، ثم بعد فترة استراح الركب في خان بالطريق للمسافرين، وفي الخان قابل الإمام أحمد أحد أصدقائه القدامى واسمه أبو جعفر الأنباري، والذي عبر الفرات للقاء الإمام أحمد قبل سفره إلى طرسوس، فلما رآه الإمام أحمد قال له: يا أبا جعفر تعنَّيْتَ، -أي كلَّفتَ نفسك مشقة السفر وعبور الفرات- فقال له أبو جعفر: "يا هذا أنت اليوم رأس، والناس يقتدون بك، فو الله لئن أجبتَ إلى خلق القرآن ليُجيبنّ خلق، وإن أنت لم تجب ليمتنعنَّ خلق من الناس كثير، ومع هذا فإنَّ الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت، لابد من الموت، فاتق الله ولا تجب". فجعل الإمام أحمد يبكي ويقول: ما شاء الله، ثم قال: يا أبا جعفر أعد عليَّ، فأعاد عليه، وأحمد يبكي ويقول: ما شاء الله". وفي طريق السَّفر كان الإمام أحمد يتهجد ويصلي في جوف الليل، ويدعو الله عز وجل أن لا يرى المأمون وألا يجتمع معه أبدًا، ويلحَّ في الدُّعاء، وفي رجب سنة 218هـ وقبل أن يصل الإمام أحمد ورفيقه محمد بن نوح إلى طرسوس هلك المأمون فجأة بلا مرض ولا تعب، فراح ضحيَّة سهم من سهام الليل من قوس مظلوم بوتر مكلوم هو دعاء الإمام أحمد عليه. ![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ![]() الحال مع القرآن في رمضان[1] مساعد بن سليمان الطيار (1) والصلاة والسلام على رسوله الكريم الذي خصَّه اللهُ بوحيه، وأنْزَل عليه خيرَ كُتبه، القائل: «خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه»، ثمَّ أُتمِّم الصلاة على آل البيت الأطهار، وعلى أصحابه البررة الأخيار، ثمَّ على التابعين لهم ما تعاقب الليل والنهار، أما بعد: فلقد خَصَّ اللهُ هذا الشهر الكريم بخصائص؛ منها: أنه أفضل شهور السنة، وفيه ليلة القدر، وفيه نزل القرآن. ونزول القرآن بنوعيه الجملي والابتدائي كان في ليلة القدر؛ أما الجملي فقد أخبر عنه ابن عباس (ت: 68هـ) -رضي الله عنهما- بقوله: «أُنزِل القرآن كلّه جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا، فكان اللهُ إذا أراد أن يُحدِث في الأرض شيئًا أَنزَل منه، حتى جمعه»[2]. وهذا القول ثابت عن ابن عباس، وله روايات متعددة. وأما ابتداء النُّزول، فقد نُسِب للشعبي (ت: 103هـ)، وهو الذي يدلّ عليه ظاهر القرآن في قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: 185]، وقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}[الدخان: 3]. وهداية الناس وبيان الهدى لهم ونذارتهم إنما هي في القرآن النازل على محمد -صلى الله عليه وسلم-، وليس يمتنع أن يُراد المعنيان معًا في هذه الآيات، فتكون دالَّة على النُّزولَيْنِ؛ إِذْ ليس بينهما تعارض ولا تناقض، والقولان إذا صحَّا في تفسير الآية، والآية تحتملهما، ولم يكن بينهما تعارض؛ فإنه يجوز حمل الآية عليها كما قرَّره العلماء. وعلى كلّ حالٍ فإنّ التلازم بين القرآن وشهر رمضان ظاهر في هذه الآيات، فَشَرُفَ الشهرُ بنُزُول القرآن فيه؛ لذا صار يُسمى: شهر القرآن. أحوال الناس في قراءة القرآن: ![]() يقع سؤال بعض الناس عن أيّهما أفضل: قراءة القرآن بتدبُّر، أو قراءته على وجه الحَدْر، والاستزادة من كثرة ختمه إدراكًا لأجر القراءة؟ وهاتان العبادتان غير متناقضتين ولا متشاحَّتين في الوقت حتى يُطلب السؤال عن الأفضل، والأمر في هذا يرجع إلى حال القُرّاء، وهم أصناف: - الصنف الأول: العامّة الذين لا يستطيعون التدبّر، بل قد لا يفهمون جملة كبيرة من آياته، وهؤلاء لا شكَّ أنّ الأفضل في حقِّهم كثرة القراءة. وهذا النوع من القراءة مطلوب لذاته لتكـثير الحسنات في القراءة على ما جاء في الأثر: «لا أقول {ألم} حرف، بل ألِف حرف، ولام حرف، وميم حرف». - الصنف الثاني: العلماء وطَلبة العلم، وهؤلاء لهم طريقان في القرآن: الأول: كطريقة العامّة؛ طلبًا لتكثير الحسنات بكثرة القراءة والخَتماتِ. الثاني: قراءته قصد مدارسة معانيه والتدبُّر والاستنباط منه، وكلٌّ بحسب تخصّصه سيبرز له من الاستنباط ما لا يبرز للآخَر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وأعود فأقول: إنَّ هذين النوعين من القراءة مما يدخل تحت تنوّع الأعمال في الشريعة، وهما مطلوبان معًا، وليس بينهما مناقضة فيُطلب الأفضل، بل كلُّ نوعٍ له وقته، وهو مرتبط بحالِ صاحبه فيه. ولا شكَّ أنَّ الفهم أكمل من عدم الفهم؛ لذا شبَّه بعض العلماء مَنْ قرأ سورة من القرآن بتدبّر بمَن قدَّم جوهرة، ومن قرأ كلّ القرآن بغير تدبّر كان كمن قدَّم دراهم كثيرة، وهي لا تصلُ إلى حدِّ ما قدَّمه الأول. ومما يحسن التنبيهُ على أمورٍ تتعلّق بتلاوة القرآن في رمضان: الأمر الأول: ![]() أن يتعرف المرء على نفسه، فليس الناس ذَوِي حالٍ واحدةٍ في العبادة، لكن من الخسارة أن يمرَّ على المسلم رمضان ولم يختم فيه القرآن، وتلك سُنَّةٌ سنَّها جبريل -عليه السلام- في مراجعة القرآن في رمضان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي سنّة ماضية عند المسلمين منذ عصر الرسول. والملاحظ أنَّ كثيرًا من الناس ينشطون في أول الشهر في أعمال الخير، ومنها تلاوة القرآن، لكن سرعان ما يفترون بعد أيام منه، وترى فيهم الكسل عن هذه الأعمال باديًا. ولأجل هذا فمَن اعتاد من نفسه هذا الأسلوب فإنّ الأَولى له أن يرتِّب قراءته، ويخصِّص لكلّ يومٍ جزءًا، فإنه بهذا سيختم القرآن مرَّة في هذا الشهر، ولو استمرَّ على هذا الأسلوب في كلّ شهور السنة لاستطاع ذلك، والأمر يرجع إلى العزيمة والإصرار. ولو أنَّ المسلم خصَّص لكلّ وقت من أوقات الصلوات الخمس أربع صفحاتٍ، فإنه سيقرأ في اليوم عشرين صفحة، وهذا ما يعادلُ جزءًا كاملًا في المصاحف الموجَّهة المكتوبة في خمسة عشر سطرًا في الصفحة؛ كمصحف المدينة النبوية. وبهذه الطريقة يكـون مـداومًا على عملٍ من أعمـال الخـير غير منقطع عنه، و«أَحَبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قَلَّ»، كما قال -صلى الله عليه وسلم-[3]. الأمر الثاني: ![]() يحسن بمن يقرأ القرآن عمومًا وبمَن يقرؤه في رمضان على وجهِ الخصوص، أن يكون معه تفسيرٌ مختصَرٌ يقرأ فيه لِيَعْلَم معاني ما يقرأ، وذلك أدعى إلى تذوُّق القراءة والإحساس بطعم قراءة القرآن، وليس من يدرك المعاني ويعلمها كمن لا يدركها. ومع أهمية هذا الأمر، فإنك ترى كثيرًا من قارئي القرآن يغفل عنه، ولو خَصَّصَ القارئُ لنفسه كتابَ تفسيرٍ مختصرٍ يرجع إليه على الدوام لأدرك كثيرًا من معاني القرآن. ولقد عُني المسلمون في هذا العصر بتأليف بعض التفاسير المختصرة، تجد ذلك في بعض بلدان المسلمين، ومنـها بلاد الحرمين التي أصدرت وزارتها للشؤون الإسلامية كتاب (التفسير الميسر) وهو اسم على مسمّى، وهذا التفسير مع أنَّ الغرض منه الإفادة في الترجمة، إلا أنه نافع لعامّة من يريد أن يعرف المعنى الجملي للآيات، ولا يعرف فضل الجهد الذي بُذِل فيه، والقيمة العلمية التي يحتويها إلا من مارس التعامل مع اختلاف المفسرين. والمقصود أن يحرص المسلم على أن يكون له تفسير من هذه المختصرات يقرأ فيه ويداوم عليه كما يقرأ القرآن؛ ليجتمع له في قراءته الأداء وفهم المعنى. الأمر الثالث: ![]() في حال قراءة القرآن تظهر -على وجه الخصوص عند طلاب العلم- بعض الفوائد أو بعض المشكلات، ولا بدَّ من التقييد لهذه الفوائد أو المشكلات؛ لئلا تضيع. إنّ هذا القرآن لا تنـقضي عجائبه، ولا يَخلق من كثرة الردِّ، وبما أنه قرآن كريم مجيد (أي: ذا شرف في مبناه ومعناه، وذا سعة وفضل في مبناه ومعناه)، فإنّ ما يتعلق به من المعاني والاستنباطات كذلك، فهي معانٍ واستنباطات شريفة لشرف ذلك الكتاب، وكثيرة متّسعة لا يحدُّها حدٌّ لمجد ذلك الكتاب. ولما كان هذا حاله، فَلَكَ أن تتصوّر: كم من الفوائد التي ستكون بين يدي طلاب العلم لو أنّ كلّ عالمٍ كتب ما يتحصَّل له من التدبّر أو المشكلات أثناء قراءته لكتاب الله تعالى! الأمر الرابع: ![]() إنّ القراءة بالليل من أنفع العبادات، وكم من عبادة لا تخرج لذّتها للعابدين إلا في وقت الظلمة؛ لذا كان أهم أوقات اليوم الثلث الأخير من الليل؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان ثلث الليل الآخر يَنْزِل ربُّنا إلى سماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟…»[4]. وكثيرًا ما نغفل عن عبادة الليل خصوصًا في رمضان -مع ما يحصل منّا من السهر- وتلك غفلة كبيرة لمن حُرِم لذّة عبادة الليل. فَشَمِّرْ عن ساعد الجِدِّ، وأدرِكْ فقد سبَق المشمِّرون قبلك، ولا تكن في هذه الأمور ذيلًا بل كن رأسًا، واللهُ يوفقني وإياك لما يحب ويرضى. ولو رتَّب المسلم لنفسه برنامج قراءة للقرآن كلّ ليلة؛ لارتبط بعبوديةٍ لله، ولم يكن في لَيلِهِ من الغافلين، لا جعلني اللهُ وإياك منهم. ومما قد يغيب عن أذهاننا في أيامنا هذه أيامِ الإضاءةِ الليلية التي قلبَت الليلَ إلى نهارٍ، فانقلبَتْ بذلك فطرة الله التي فطر الناس عليها بجعلهِ الليل لهم سُباتًا يرتاحون فيه، أقول: إنه قد يغيب عنا لذّة العبادة في الظُّلْمة؛ لذا لو جرَّب المسلمُ قراءةَ القرآن مِن حفظِه أو الصلاة النافلة الليلية بلا إضاءة، فإنّ في ذلك جمعًا لهمِّه، وتركيزًا لنفسه؛ لأن البصر يُشْغِل المرءَ في قراءته أو صلاته. ومن جرَّب العبادة في الظُّلمة وجدَ لذّة تفوق عبادته وهو تحت إضاءة الكهرباء. الأمر الخامس: ![]() إِنّ من فوائد صلاة التراويح في رمضان سماع القرآن من القُرّاء المتقنين، ومن أصحاب الأصوات الندِيَّة، الذين يقرؤون القرآن ويؤثِّرون بقراءتهم على القلوب، فتراك تجد بقراءتهم أثرًا في قلبك، فاحرص على من يتَّصف بهذه الأوصاف، واعلم أنّ الناس في قبول الأصوات ذوو أذواق، فلا تَعِبْ قارئًا لأنه لا يُعجِبك؛ فإن ذلك من الغِيبة بمكان، لكن احرص على مَنْ تنتفع بقراءته، وهذا مطلب يُحْرَص عليه، ومقصد يُتوَجَّه إليه. وهاهنا استطرادٌ من باب الفائدة والتذكير أُوَجِّهُهُ إلى الكرام أئمة الصلوات الذين يؤمُّون الناس في التراويح الذين مَنَّ الله عليهم بما أعطاهم من الحفظ وحُسن الصوت والقدرة على الأداء المتميِّز في القراءة والتأثير على الناس، أقول لهم: احرصوا على أن يكون تأثيركم على الناس في سماعهم لكم قراءةَ كلام ربكم، وإياكم أن يكون تأثيركم عليهم في دعاء القنوت فقط، فإنَّ في ذلك خللًا كبيرًا، وأنتم حين تعمدون إلى ذلك تغرسون في الناس ذلك الخلل؛ إِذْ كيف يكون تأثُّر الناس بكلام الناس، ولا يكون تأثُّرهم بكلام ربِّ الناس، سبحان الله! أليس ذلك أمرًا عجيبًا يحتاج إلى مدارسة وَحَلٍّ له؟! ألستم تلاحظون الاستعداد النفسي لبعض الأئمة ولكثير من المصلِّين للقنوت أكثر من استعدادهم لسماع كلام ربهم؟! ألا تلاحظون أنَّ بعض الأئمة يغيِّرون طبقات صوتهم، ويُلحِّنون في قنوتهم استجلابًا لقلوب المأمومين، ودعوة لهم إلى البكاء والخشوع؟! أين ذلك كلّه حال قراءة كلام الله سبحانه؟! أين ذلك حال سماع كلام الله سبحانه؟! ذلك ما تُسْكَب له العَبَرات، وتخشع له النفوس الصالحات، وتَخِفُّ به الأرواح الطاهرات، فاحرص على الخشوع والتأثّر بكلام ربك الذي تكلَّم به فوق سبع سماوات، وسمعه منه جبريل رسول ربِّ البريَّات، وأدَّاه كما سمعه لخير الكائنات محمد، وها أنت تسمع من إمامِك ما تكلَّم اللهُ به في عليائه، أفلا يكون ذلك كافيًا في حضور القلوب، واقشعرار الجلود ثمَّ ليونتها بعد ذلك، وطمأنينة النفوس؟! إنه كلام الله، إنه كلام الله، فأدرِكْ معنى هذه الكلمة أيها المسلم. الأمر السادس: ![]() يسأل كثيرون عن كيفية التأثر بالقرآن، ولماذا لا نخشع في صلواتنا حين سماع كلام ربِّنا؟ ولا شكَّ أنّ ذلك عائدٌ لأمور، من أبرزها أوزارنا وذنوبنا التي نحملها على ظهورنا، لكن مع ذلك فلا بدَّ من وجود قدرٍ من التأثّر بالقرآن، ولو كان يسيرًا، فهل من طريق إلى ذلك؟ إنَّ البُعد عن المعاصي، وإصلاح القلب، وتحليته بالطاعات هو السبيل الجملي للتأثّر بهذا القرآن، وعلى قدر ما يكون من الإصلاح يبرز التأثُّر بالقرآن. والتأثّر بالقرآن حال تلاوته يكون لأسباب متعددة؛ فقد يكون حال الشخص في ذلك الوقت مهيَّأً، وقلبه مستعدًّا لتلقِّي فيوض الربِّ سبحانه وتعالى. فمن بكَّر للصلاة، وصلى ما شاء الله، ثمَّ ذكر الله، وقرأ كتاب ربِّه، ثمَّ استمع إلى الذِّكر فإنَّ قلبه يتعلّق بكلام الله أكثر من رجلٍ جاء متأخِّرًا مسرعًا خشية أن تفوته الصلاة، فأنَّى له أن تهدأ نفسه ويسكن قلبه حتى يدرك كلام ربِّه، ويستشعر معانيه؟! ومن قرأ تفسير الآيات التي سيتلوها الإمام واستحضر معانيها؛ فإنَّ تأثره سيكون أقرب ممن لا يعرف معانيها. ومن قدَّم جملة من الطاعات بين يدي صلاته؛ فإنَّ خشوعه وقرب قلبه من التأثّر بكلام ربِّه أَوْلَى ممن لم يفعل ذلك. وإِنّك لتجد بعض المسرفين على أنفسهم ممن هداهم اللهُ قريبًا يستمتعون ويتلذذون بقراءة كلام ربهم، وتجدهم يخشعون ويبكون، وما ذاك إلا لتغيُّر حال قلوبهم من الفساد إلى الصلاح، فإذا كان هذا يحصل من هؤلاء فحريٌّ بمَن سبقهم إلى الخير أن يُعزِّز هذا الجانب في نفسه، وأن يبحث عن ما يُعِينه على خشوعه وتأثره بكلام ربِّه. الأمر السابع: ![]() يسأل كثيرٌ من المسلمين، كيف أحافظ على طاعاتي التي منَّ الله عليَّ بها في رمضان، فإنني سرعان ما ينقضي الشهر أَبْدَأُ بالتراجع عن هذه الطاعات التي كنت أجد لذةً وحلاوةً في أدائها؟ إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد رسم لنا منهجًا واضحًا في كلّ الأعمال، وقد بيَّنه بقوله: «أَحَبُّ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قَلَّ»[5]، ولو عملنا بهذا الحديث في جميع عباداتنا لحافَظْنا على الكثير منها، وَلَمَا صِرْنا كالمُنْبَتِّ؛ لا أرضًا قَطع، ولا ظَهرًا أبقى. فلو اعتمد المسلم في كلّ عبادة عملًا يوميًّا قليلًا يزيد عليه في وقت نشاطه، ويرجع إليه في وقت فتوره؛ لكان ذلك نافعًا له، فالمداومة على العبادة -ولو كانت قليلة- أفضل من إتيانها في مرات متباعدة أو هجرانها بالكلية. فمن أدَّى فرائضه، والتزم بالسنن الرواتب، ثمَّ زاد عليها من أعمال العبادة ما شاء، فإنه يدخل في محبوبية الله التي قال فيها: «ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه». ففي صلاة الليل يحرص أن لا ينام حتى يصلي ثلاث ركعات، ولو كانت خفيفات، فإن أحسَّ بنشاط زادَ، وإلا بقي على هذه الثلاث. وفي قراءة القرآن يعتمد قراءة جزءٍ كلّ يوم، حتى إذا بلغ تمام الشهر، فإذا به قد ختم القرآن. وفي الصيام يعتمد ثلاثة أيام من كلّ شهر، وإن استطاع الزيادة زادَ، لكن لا ينقص عن الأيام الثلاثة. وفي النفقة يعتمد مبلغًا -ولو يسيرًا- بحيث لا يمرُّ عليه الشهر إلا وقد أنفقه. وهكذا غيرها من العبادات، يَعتمِد القليلَ أصلًا، ويزيد عليه في أوقات النشاط، فإذا قصرَتْ همَّـتُه رجع إلى قَلِيلِه، فيبقى في عباداته من غير كَلَفَة ولا مشقّة ولا نسيان وإهمال، أسألُ اللهَ أن يوفقني وإياكم إلى ما يحبُّ ويرضى، ويجعلنا من أهل القول والعمل. وإذا تأملْتَ رمضان وجدته أشبه بمحطَّةٍ يتزوَّد منها الناس وَقُودهم، وهو محطة الصالحين الذين يفرحون ببلوغه فيتزوّدون منه لعباداتهم في الدنيا، ولجنَّتهم في الأخرى، وهو محضن تربوي فريد يدخله كلّ المسلمين، مُصلِحيهم وصالِحيهم وعُصاتهم، فهلَّا استطَعْنا اغتنام هذا الشهر؟! وأخيرًا: ![]() أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يرفع البلاء عن هذه الأمة، وأن يهدي قادتها لما يُحبُّ ويرضى، وأن يُرينا في هذا الشهر انتصاراتٍ للمسلمين في كلِّ مجال من مجالات الحياة، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين. ========================== [1] نُشرت هذه المقالة بملتقى أهل التفسير بتاريخ 2 /9 / 1424هـ - 27 /10 / 2003م. (موقع تفسير). [2] انظر: جامع البيان (3/ 190). [3] رواه البخاري (6464). [4] رواه أحمد (16745)، وابن خزيمة في «التوحيد» ص(133)، والنسائي في الكبرى (10321). [5] سبق تخريجه. ![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() ![]() المجموع شرح المهذب أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ) كتاب الصيام 247الى 253 (1) ![]() [كتاب الصيام] في اللغة الإمساك ويستعمل في كل إمساك يقال صام إذا سكت وصامت الخيل وقفت وفى الشرع امساك مخصوص عن شئ مخصوص في زمن مخصوص من شخص مخصوص ويقال رمضان وشهر رمضان هذا هو الصحيح الذي ذهب إليه البخاري والمحققون قالوا ولا كراهة في قول رمضان وقال أصحاب مالك يكره أن يقال رمضان بل لا يقال إلا شهر رمضان سواء إن كان هناك قرينة أم لا وزعموا أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى قال البيهقي وروي ذلك عن مجاهد والحسن والطريق إليهما ضعيف ورواه عن محمد بن كعب ![]() * واحتجوا بحديث رواه البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان" وهذا حديث ضعيف ضعفه البيهقي وغيره والضعف فيه بين فإن من رواته نجيح السندي وهو ضعيف سئ الحفظ وقال أكثر أصحابنا أو كثير منهم وابن الباقلاني إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر فلا كراهة وإلا فيكره قالوا فيقال صمنا رمضان وقمنا رمضان ورمضان أفضل الأشهر وتطلب ليلة القدر في أواخر رمضان وأشباه ذلك ولا كراهة في هذا كله قالوا وإنما يكره أن يقال جاء رمضان ودخل رمضان وحضر رمضان وأحب رمضان والصواب أنه لا كراهة في قول رمضان مطلقا والمذهبان الآخران فاسدان لأن الكراهة إنما تثبت بنهي الشرع ولم يثبت فيه نهي وقولهم إنه من أسماء الله تعالى ليس بصحيح ولم يصح فيه شئ وأسماء الله تعالى توقيفية لا تطلق إلا بدليل صحيح ولو ثبت أنه اسم لم يلزم منه كراهة وقد ثبتت أحاديث كثيرة في الصحيحين في تسميته رمضان من غير شهر في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم (منها) حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين" رواه البخاري ومسلم بهذا اللفظ وفي رواية لهما "إذا دخل رمضان" وفي رواية لمسلم "إذا كان رمضان" وأشباه هذا في الصحيحين غير منحصرة والله تعالى أعلم * {فرع} لا يجب صوم غير رمضان بأصل الشرع بالإجماع وقد يجب بنذر وكفارة وجزاء الصيد ونحوه ودليل الإجماع قوله صلى الله عليه وسلم حين سأله الأعرابي عن الإسلام فقال "وصيام رمضان قال هل علي غيره قال لا إلا أن تطوع" رواه البخاري ومسلم من رواية طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه * ![]() {فرع} روى أبو داود بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال "أحيل الصيام ثلاثة أحوال" وذكر الحديث قال "وكان رسول الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ويصوم يوم عاشوراء فأنزل الله تعالى (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم الآية) فكان من شاء أن يصوم ومن شاء أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا أجزأه ذلك فهذا حول فأنزل الله تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) فثبت الصيام على من شهد الشهر وعلى المسافر أن يقضي وثبت الطعام للشيخ الكبير والعجوز اللذين لا يستطيعان الصوم" هذا لفظ رواية أبي داود وذكره في كتاب الأذان في آخر الباب الأول منه وهو مرسل فإن معاذا لم يدركه ابن أبي ليلى ورواه البيهقي بمعناه ولفظه "فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام بعد ما قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وصام عاشوراء فصام سبعة عشر شهرا شهر ربيع إلى شهر ربيع إلى رمضان ثم إن الله تعالى فرض عليه شهر رمضان وأنزل عليه (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) " وذكر باقي الحديث ![]() قال البيهقي هذا مرسل وفي رواية له عن ابن أبي ليلى قال "حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا أحيل الصوم على ثلاثة أحوال قدم الناس المدينة ولا عهد لهم بالصيام فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل (شهر رمضان) فاستنكروا ذلك وشق عليهم فكان من أطعم مسكينا كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه رخص لهم في ذلك ونسخه (وأن تصوموا خير لكم) فأمروا" بالصيام "وذكر البخاري هذا في صحيحه تعليقا بصيغة جزم فيكون صحيحا كما تقررت قاعدته وهذا لفظه قال وقال ابن نمير حدثنا الأعمش بن عمرو بن مرة بن أبي ليلى قال" حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها (وأن تصوموا خير) لكم فأمروا بالصوم "" * {فرع} قال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه "لما نزلت هذه الآية (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كان من أراد أن يفطر ويفدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها" وفي رواية "كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين حتى نزلت هذه الآية (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) " رواهما البخاري ومسلم وهذا لفظه ![]() * {فرع} صام رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان تسع سنين لأنه فرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة * {فرع} قال اصحابنا وغيرهم كان أول الإسلام يحرم على الصائم الأكل والشرب والجماع من حين ينام أو يصلي العشاء الآخرة فأيهما وجد أو لا حصل به التحريم ثم نسخ ذلك وأبيح الجميع إلى طلوع الفجر سواء نام أم لا * واحتجوا بحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال "كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا" يومه حتى يمسي وإن قيس بن صرمة الأنصاري رضي الله عنه كان صائما فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها عندك طعام قالت لا ولكن أنطلق فأطلب لك وكان يومه يعمل فغلبته عيناه فجاءته امرأته فلما رأته قالت خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) ففرحوا بها فرحا شديدا ونزلت (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الاسود) "رواه البخاري في صحيحه وعن ابن عباس رضي الله عنهما" كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة فاختان رجل نفسه فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يفطر فأراد الله تعالى أن يجعل ذلك يسرا لمن بقي ورخصة ومنفعة فقال عز وجل (علم الله أنكم كنتم تختانون انفسكم) وكان هذا مما نفع الله تعالى به الناس ورخص لهم ويسره "رواه أبو داود وفي إسناده ضعف ولم يضعفه أبو داود والله تعالى أعلم"* ![]() * قال المصنف رحمه الله تعالي * {صوم رمضان ركن من اركان الاسلام وفرض من فروضه والدليل عليه ما روى ابن عمر رضي الله عنهما إن النبي صلى الله عليه وسلم قال "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان" } * {الشرح} هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من طرق كثيرة من رواية ابن عمر رضي الله عنهما (وقوله) وفرض من فروضه توكيد وإيضاح لجواز تسميته ركنا وفرضا ولو اقتصر علي ركن لكفاه لأنه يلزم منه أنه فرض وفي هذا الحديث جواز إطلاق رمضان من غير ذكر الشهر وهو الصواب كما سبق قريبا (فإن قيل) لم استدل بالحديث دون الآية وكذا استدل به في الحج دون الآية (قلنا) مراده الاستدلال على أنه ركن وهذا يحصل من الحديث لا من الآية (وأما) الفرضية فتحصل منهما وهذا الحكم الذي ذكره وهو كون صوم رمضان ركنا وفرضا مجمع عليه ودلائل الكتاب والسنة والإجماع متظاهرة عليه واجمعوا على أنه لا يجب غيره * ![]() * قال المصنف رحمه الله * {ويتحم وجوب ذلك علي كل مسلم بالغ عاقل طاهر قادر مقيم فأما الكافر فانه ان كان أصليا لم يخاطب في حال كفره لانه لا يصح منه فان اسلم لم يجب عليه القضاء لقوله تعالى (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) ولان في إيجاب قضاء ما فات في حال الكفر تنفيرا عن الاسلام وان كان مرتدا لم يخاطب به في حال الردة لانه لا يصح منه فان اسلم وجب عليه قضاء ما تركه في حال الكفر لانه التزم ذلك بالإسلام فلم يسقط عنه بالردة كحقوق الآدميين) الشرح} (قوله) يتحم وجوب ذلك أي وجوب فعله في الحال ولا بد من هذا التفسير لأن وجوبه على المسافر والحائض متحتم أيضا لكن يؤخرانه ثم يقضيانه (وقوله) في الكافر الأصلي لم يخاطب به أي لم نطالبه بفعله وليس مراده أنه ليس بواجب في حال كفره فإن المذهب الصحيح أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع في حال كفرهم بمعنى أنهم يزاد في عقوبتهم في الآخرة بسبب ذلك ولكن لا يطالبون بفعلها في حال كفرهم وقد سبقت المسألة مبسوطة في أول كتاب الصلاة (وقوله) في المرتد لم يخاطب به في الردة معناه لا نطالبه بفعل الصوم في حال ردته في مدة الاستتابة وليس مراده أنه ليس واجبا عليه فإنه واجب عليه بلا خلاف في حال الردة ويأثم بتركه في حال الردة بلا خلاف ولو قال المصنف كما قال غيره لم نطالبه به في ردته ولا يصح منه لكان أصوب والله تعالى أعلم ![]() * قال أصحابنا لا يطالب الكافر الأصلي بفعل الصوم في حال كفره بلا خلاف وإذا أسلم لا يجب عليه قضاؤه بلا خلاف ولو صام في كفره لم يصح بلا خلاف سواء أسلم بعد ذلك أم لا بخلاف ما إذا تصدق في كفره ثم أسلم فإن الصحيح أنه يثاب عليه وقد سبقت المسألة في أول كتاب الصلاة (وأما) المرتد فهو مكلف به في حال ردته وإذا أسلم لزمه قضاؤه بلا خلاف كما ذكره ولا نطالبه بفعله في حال ردته * وقال أبو حنيفة لا يلزمه قضاء مدة الردة إذا أسلم كما قال في الصلاة وسبقت المسألة مبسوطة في أول كتاب الصلاة وقاس المصنف ذلك على حقوق الآدميين لأن أبا حنيفة يوافق عليها * قال المصنف رحمه الله ![]() * {وأما الصبى فلا يجب عليه لقوله صلى الله عليه وسلم "رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق" ويؤمر بفعله لسبع سنين إذا اطاق الصوم ويضرب علي تركه لعشر قياسا على الصلاة فان بلغ لم يجب عليه قضاء ما تركه في حال الصغر لانه لو وجب ذلك لوجب عليه اداؤه في حال الصغر لانه يقدر على فعله ولان أيام الصغر تطول فلو اوجبنا عليه قضاء ما يفوت شق} {الشرح} هذا الحديث صحيح رواه ابودواد والنسائي في كتاب الحدود من سنهما من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه باسناد صحيح رواه أبو داود أيضا في الحدود والنسائي وابن ماجه في كتاب الطلاق من رواية عائشة رضي الله عنها بإسناد حسن ومعنى رفع القلم امتناع التكليف لا أنه رفع بعد وضعه (وقوله) لو وجب عليه أداؤه ينتقض بالمسافر فإنه يقدر على الأداء ولا يلزمه ويلزمه القضاء والدليل الصحيح أن يقال: زمن الصبى ليس زمن تكليف للحديث والقضاء إنما يجب حيث يجب بأمر جديد ولم يجئ فيه امر جديد (اما) أحكام الفصل فلا يجب صوم رمضان على الصبي ولا يجب عليه قضاء ما فات قبل البلوغ بلا خلاف لما ذكره المصنف وذكرته قال المصنف والأصحاب: وإذا أطاق الصوم وجب على الولي أن يأمره به لسبع سنين بشرط أن يكون مميزا ويضربه على تركه لعشر لما ذكره المصنف والصبية كالصبي في هذا كله بلا خلاف ![]()
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() ![]() ![]() مواعظ رمضان... (أول ليلة مِن رمضان) (1) كتبه/ سعيد محمود ![]() الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فهذه ثلاثون موعظة يستعين بها الدعاة إلى الله في ليالي رمضان، موزعة ومرتبة بما يتناسب مع أيام وليالي الشهر الفضيل. الموعظة الأولى: (أول ليلة من رمضان) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْأَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني). أخي الحبيب: ![]() هناك وفي مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي كل عام، كانت تُزف البشرى لأولئك الأطهار مِن أصحابه، فها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- يزفها إليهم -وهي إليك أنتَ كذلك في كل عام-: (أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني). - قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-: "هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟! كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟! كيف لا يبشر العاقل بوقت يُغل فيه الشيطان؟!". أخي... تلك هي البشرى التي عمل لها العاملون، وشمر لها المشمرون، وفرِح بقدومها المؤمنون. أخي... يا لبشرى مَن أدرك شهر رمضان! يا لبشرى المدركين لشهر الغفران! ![]() يا لبشرى المدركين لشهر الرحمات! يا لبشرى المدركين لشهر القرآن! يا لبشرى المدركين لموسم الطاعات! يا لبشرى المدركين لأيام كساها رب العباد مهابة وبهاءً وجمالاً! أخي... هل علمتَ أن السلف كانوا يدعون الله -تعالى- زمانًا طويلاً ليبلغهم أيام "شهر رمضان"؟! قال معلَّى بن الفضل -رحمه الله-: "كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم!". وقال يحيى بن أبي كثير -رحمه الله-: "كان مِن دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً". أخي... وها أنت قد بلغتَ رمضان، وها أنت سلمك ربك إلى رمضان؛ فماذا أنت فيه فاعل؟! ![]() أخي... ينقسم الناس في رمضان إلى فريقين في استقباله والعمل فيه: فالفريق الأول: هم الذين اقتدوا بالسلف الصالح، فاتخذوا رمضان موسمًا لطاعة الله ومضاعفة الخيرات؛ صاموا نهاره فأحسنوا الصيام، وقاموا ليله فأحسنوا القيام، أولئك الذين انتفعوا برمضان حق الانتفاع. والفريق الآخر: لم ينتفعوا برمضان ولم يستفيدوا مما فيه مِن صيام وقيام! لماذا؟! لأن الله جعل الصيام للقلب والروح؛ فجعلوه للبطن والمعدة! ولأن الصيام جعله الله للحلم والصبر؛ فجعلوه للغضب والبطش! ولأن الصيام جعله الله للسكينة والوقار؛ فجعلوه شهر السِباب والشِجار! ولأن الصيام جعله الله ليغيروا مِن صفات أنفسهم؛ فما غيروا إلا مواعيد أكلهم وشربهم وشهواتهم! ولأن الصيام جعله الله تهذيبًا للغني الطاعم، ومواساة للبائس المحروم الجائع؛ فجعلوه مَعْرَضًا لفنون الأطعمة والأشربة؛ يزداد الغني فيه تخمة والفقير حسرة! ![]() فقل لي يا أخي بالله عليك... أي الفريقين أحق بأن تفتح له أبواب الجنان، وتسد عنه أبواب النيران؟! أي الفريقين قد صفدت شياطينه؟! ومَن منهم أحق بنفحات الرحمن؟! أي الفريقين يرجى له العتق مِن النار، ويدرك رحمة العزيز الغفار؟! أخي الحبيب... في ختام الحديث أهدى إليك بعض الوسائل لاستغلال شهر الخيرات مجملة، وسنفصلها معك في المواعظ القادمة -إن شاء الله-. 1ـ تأكيد التوبة وتعاهدها طوال شهر رمضان. 2ـ الحرص على ختم القرآن في رمضان مرة على الأقل. ![]() 3ـ المحافظة على صلاة الجماعة في أول الوقت في الصلوات الخمس. 4ـ المحافظة على جميع سنن الصلوات "الراتبة وغير الراتبة". 5ـ صيانة الجوارح؛ لا سيما اللسان عن الوقوع فيما يتعارض مع الصيام. 6ـ الاشتغال بذكر الله طوال اليوم لتكون مِن الذاكرين الله كثيرًا. 7ـ المكث في المسجد والسعي إليه كلما استطعت إلى ذلك سبيلاً؛ لتضمن منزلاً في الجنة. 8ـ الحرص على التصدق كل يوم وأنت صائم، ولا تحقرن مِن المعروف شيئًا. 9ـ اجتهد في أن تصوم رمضان مرتين بتفطير الصائمين. 10- اعتكف العشر الأواخر لتحري ليلة القدر "سنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-". ![]() 11ـ اجتهد في تحصيل أسباب رزقك وأولادك مِن أول الشهر؛ لتتفرغ للعبادة في العشر الأواخر. 12ـ انتهِ مِن الأمور الدنيوية المتعلقة بالعيد ونحو ذلك هذه الأيام إن لم تكن قد انتهيت منها. 13ـ مسابقة لأهل بيتك متنوعة، لها جوائز يوم العيد. 14ـ اعتمر في رمضان إن استطعت؛ فإنها تعدل حجة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-. وهناك وسائل غيرها يأتي الحديث عنها في المواعظ القادمة -إن شاء الله-. فاللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك في هذا الشهر الفضيل. ![]()
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() ![]() وقفة محاسبة في مطلع شهر الخير والبركات (1) ![]() الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فمع مطلع شهر رمضان المبارك يبدأ المسلم عامًا إيمانيًّا جديدًا، يُحبّب إليه فيه الإيمان ويزين في قلبه، ويُكرّه إليه الكفر والفسوق والعصيان، وعندما يقدم شهر رمضان يكون معه تغير في حياة الإنسان عما تعوده، فهو شهر ليس كباقي الشهور، ومع هذا التغير يقف الإنسان ليجدد حياته ويجدد إيمانه، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ لِرَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني). وإن المؤمن في هذه اللحظات ينظر في صحيفته ليعلم أين هو؟ وما مدى قربه من ربه، وهل هو على الطريق المستقيم أم أغواه الشيطان إلى سبله وحبائله، فعاش في التيه لا يدري كيف يعود؟! وإن الناصح لنفسه تمر عليه الأوقات أو بعض المواقف فتكون موضع نظره ومحط فكره، بل ربما كانت سببًا في تغيير حياته، فلقد جاءه شهر رمضان، وكان معه في العام الماضي أناس يأكلون ويشربون ويتمتعون بالحياة، كما هو الآن، ولكنه لا يجدهم معه اليوم! قد صرعهم الموت وصاروا في ظلمة القبور تحت الثرى، وقد مُد له في أجله ليدرك رمضان آخر. فهل مِن وقفة محاسبة للنفس؟! فهو الآن بين عمرين: بين عمرٍ قد مضي وبين عمر قد بقي، وكم ممَن أمَّل أن يكون معنا الآن ليشهد هذا الموسم العظيم فخانه الأمل، فصار فيه إلى ظلمة القبر، وكم مِن مستقبل يومًا لا يستكمله، ومؤمل غدًا لا يدركه، فيا أيها الغافل اعرف زمانك، يا كثير الحديث فيما يؤذي احفظ لسانك، يا مسئولًا عن أعماله: اعقل شأنك، يا متلونًا بالزلل اغسل بالتوبة أدرانك، يا مكتوبًا عليه كل قبيح تصفح ديوانك، حاسب نفسك قبل أن تحاسَب، واحذر أن تكون مع الهالكين، وانظر في صحائفك لتمحو هذه الذنوب، واشترِ نفسك ولا تبعها للهوى، واعرف قدر ما ضاع، وابكِ بكاء مَن يدري مقدار الفائت، واعلم أن محاسبة النفس هي طريق السالكين إلى ربهم، وزاد المؤمنين في آخرتهم، ورأس مال الفائزين في دنياهم ومعادهم، فما نجا مَن نجا يوم القيامة إلا بمحاسبة النفس ومخالفة الهوى، فمَن حاسب نفسه قبل يوم أن يحاسب خف في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومَن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته. قال الحسن البصري -رحمه الله-: "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ مِن نفسه، وكانت المحاسبة من همته"، وقال أيضًا: "لا تلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه: ماذا أردت بكلمتي؟ ماذا أردت بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟ والعاجز يمضي قدمًا لا يعاتب نفسه". وقال ميمون بن مهران -رحمه الله-: "لا يكون الرجل تقيًّا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة مِن الشريك لشريكه"، وقد جاء الأمر بمحاسبة النفس في القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر:18). قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم" (تفسير ابن كثير). وقال -تعالى-: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (التكاثر:8). قال ابن جرير الطبري -رحمه الله-: "ثم ليسألنكم الله -عز وجل- عن النعيم الذي كنتم فيه في الدنيا ماذا عملتم فيه؟ ومِن أين وصلتم إليه؟ وفيم أصبتموه؟ وماذا عملتم فيه؟". وقال ابن القيم -رحمه الله-: "فإذا كان العبد مسئولًا ومحاسَبًا على كل شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه، كما قال -تعالى-: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (الإسراء:36)، فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب". وها هو الغزالي -رحمه الله- يجري حديثًا رائعًا مع النفس يحاسبها فيقول: "يقول -أي العبد- للنفس: ما لي بضاعة إلا العمر، ومتي فني فقد فني رأس المال، وهذا اليوم الجديد قد أمهلني الله فيه وأنساني أجلي، وأنعم علي به، ولو توفاني لكنت أتمنى أن يرجعني إلى الدنيا يومًا واحدًا حتى أعمل صالحًا، فاحسبي أنك قد توفيت، ثم قد رددت، فإياك أن تضيعي هذا اليوم، فإن كل نفس مِن الأنفاس جوهرة، ويحك يا نفس إن كانت جراءتك على معصية الله لاعتقادك أن الله لا يراك، فما أعظم كفرك! وإن كان مع علمك باطلاعه عليك فما أشد وقاحتك وقلة حياءك... أتظنين أنك تطيقين عذابه؟ جربي إن ألهاك البطر عن أليم عذابه فاحتبسي في الشمس.... أو قربي أصبعك مِن النار.... ويحك يا نفس كأنك لا تؤمنين بيوم الحساب، وتظنين أنك إذا مت انفلت وتخلصت وهيهات.... أما تنظرين إلى أهل القبور، كيف كانوا جمعوا كثيرًا وبنوا مشيدًا وأملوا حميدًا، فأصبح جمعهم بورًا، وبنيانهم قبورًا، وأملهم غرورًا... ويحك يا نفس، أما لك بهم عبرة؟ أما لك إليهم نظرة؟ أتظنين أنهم دعوا إلى الآخرة وأنت من المخلدين؟ هيهات هيهات ساء ما تتوهمين.... أما تخافين إذا بلغت النفس منك التراقي؟ فانظري يا نفس بأي بدن تقفين بين يدي الله وبأي لسان تجيبين؟ وأعدي للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا، واعملي في أيام قصار لأيام طوال، وفي دار زوال لدار مقامة، اعملي قبل ألا تعملي، وتقبلي هذه النصيحة، فإن مَن أعرض عن الموعظة فقد رضي بالنار، وما أراك بها راضية" (إحياء علوم الدين). واعلم أخي في الله، أنه كلما اجتهدت في محاسبة نفسك اليوم استرحت منها غدًا إذ صار الحساب إلى غيرك، وكلما أهملتها اليوم اشتد عليها الحساب غدًا. قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتهيئوا للعرض الأكبر"، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) (الحاقة:18). وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله -عز وجل-، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب على قوم أخذوا هذا الأمر مِن غير محاسبة". وقال إبراهيم التيمي -رحمه الله-: "مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل مِن زقومها، وأشرب صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لها: ما تشتهين؟ قالت: أشتهي أن أعود إلى الدنيا فأعمل صالحًا، فقلتُ لها: فأنتِ في الأمنية فاعملي". ونحن جميعًا أيها الإخوة الأحباب في الأمنية نعمل، نحن في الأمنية التي يتمناها كل مفرط عند الموت، نحن في الأمنية التي يصرخ بها أهل النار في النار، نحن في الأمنية التي يتمناها كل مَن وقف أمام المليك الجبار، فهلا انتهينا ووقفنا مع أنفسنا وقفة محاسبة ونحن نستقبل هذا الشهر الكريم، وبدأنا حياة جديدة، فحفظنا أبصارنا عن النظر إلى الأفلام والمسلسلات والمباريات، وحفظنا سمعنا عن سماع الأغاني والموسيقى، وحفظنا ألسنتنا عن الغيبة والنميمة والكذب والخوض في الباطل، والخوض في أعراض الناس، والكلام فيما لا يعني وفيما لا يفيد، وحفظنا جوارحنا عن سائر أنواع المحرمات والآفات قبل الفوات؟! والله مِن وراء القصد. ![]()
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() ![]() افطار اليوم الاول ![]() شوربة الفطر الكريمة أطباق الشوربات تعد واحدة من أهم الأطباق الرئيسية في موائد رمضان وهي تحتاج دائمًا لمعرفة وصفات جديدة بعيدًا عن الأنواع التقليدية، لذا ففيما يلي نعرض لكِ طريقة تحضير شوربة الفطر الكريمة التي تعد واحدة من أطيب أطباق الشوربات ![]() ![]() كوبان من شرائح الفطر. 4 ملاعق كبيرة من الزيت. ملعقتان كبيرتان من الزبدة. بصلتان من الحجم المتوسط مفرومتان. 4 مكعبات من مرق الدجاج. فصان من الثوم المهروس. 4 من مكعبات مرق الدجاج. توابل حسب الحاجة من الملح والزنجبيل والبهارات. لتران ونصف من المياه. كوب من الكريمة الطازجة. 4 ملاعق كبيرة من الدقيق. ![]() نضع إناء على النار وفيه نبدأ بتسخين الزبدة والزيت معًا، ثم نضيف إليهما البصل والثوم مع التلقيب جيدًا حتى يتغير لونهما إلى اللون الذهبي. في الخطوة التالية نضيف الدقيق مع التقليب جيدًا حتى يمتزج من الثوم والبصل، ومن ثم بالتدريج نضيف الماء ثم مكعبات مرقة الدجاج، ويليها التوابل. نضيف بعد ذلك شرائح الفطر مع الاستمرار في التقليب، ثم نغطي الإناء ونتركه لمدة 10 دقائق على نار هادئة. في الخطوة التالية نضيف الكريمة مع تقليب المكونات جيدًا حتى تمام التجانس حتى تبدأ الشوربة في الغليان مرة أخرى. نحضر صحن التقديم، وفيه نسكب الشوربة ومن ثم نزينها بالبقدونس ليصبح جاهزًا للتقديم. مكرونة البيتزا تعد وصفات المكرونة من أبرز وصفات الطهي الشائعة التي يكثر إعدادها في شهر رمضان والتي تتنوع ما بين المكرونة بالبشاميل وبالطريقة التقليدية بالصلصة الحمراء والبيضاء، ولكننا سنعرض لكِ فيما يلي طريقة مختلفة في إعدادها وهي مكرونة البيتزا والتي يمكن إعدادها بجانب المقبلات والبطاطس المقلية والسلطات: ![]() ![]() 2 كيس من المكرونة (لعمل صينيتين). 4 حبات من شرائح الفلفل الأخضر والأحمر. 4 فصوص من الثوم المهروس. 6 أكواب من الحليب. عبوتان من صلصة المارينارا. كوب من جبن البارميزان. 4 أكواب من جبن الموتزاريلا. معلقة صغيرة من الفلفل الأسود. ملعقتان صغيرتان من الملح. 3 أكواب من شرائح الفطر. 400 جرام من السلامي. ملعقتان كبيرتان من زيت الزيتون. حبتان مفرومتان من البصل. كوبان من الزيتون الأسود خاليان من البذر. 6 ملاعق كبيرة زبدة. 6 ملاعق كبيرة من الدقيق. ![]() نحضر وعاء كبير وفيه نضع صلصلة المارينار ونمزجها مع القليل من الملح. في الخطوة التالية نضع إناء على النار به الزيت، ومن ثم نضيف البصل مع التلقيب حتى يذبل، ثم نضيف إليه الثوم مع الاستمرار في التقليب. نضيف بعد ذلك شرائح الفطر وشرائح الفلفل الأخضر والأحمر مع التقليب لعدة دقائق، ثم نضيف إليهم الزيتون الأسود وصلصلة المارينارا. نطفيء النار على المزيج السابق، ثم نتجه لسلق المكرونة عبر وضع إناء من الماء على النار ونضع فيه المكرونة ونتركها حتى تنضج لمدة عشر دقائق على الأقل. نحضر بعد ذلك صلصة البشاميل عبر وضع الزبدة في إناء على النار وعقب تسخينها نضيف الدقيق والحليب والملح والفلفل مع الاستمرار في التقليب حتى الغليان عندما يتكثف قوامه. نحضر بعد ذلك الصينية التي سيتم فيها إعداد المكرونة وندهنها بالزبدة، ثم نضع المكرونة ثم نضع في الطبقة الثانية خليط الفلفل والبصل والفطر، ومن ثم نضع في الطبقة الثالثة البشاميل. نتجه بعد ذلك إلى توزيع الزيتون والسلامي وجبن الموتزاريلا والبارميزان على البشاميل، ثم ندخل الصينية الفرن على درجة حرارة 350، ثم نتركها حتى تنضج تمامًا ويتغير لون البشاميل للون الأحمر. نخرج الصينية ونتركها لتبرد قليلاً، ثم بواسطة السكين نقطعها إلى مربعات صغيرة لتصبح جاهزة للتقديم. كرات الدجاج بالجبن تحتاج أطباق المقبلات لإعداد أصناف مختلفة منها بجانب الأطباق الرئيسية في وجبات الإفطار، ومن أطيب هذه الأطباق كرات الدجاج بالجبن التي سنعرض لكِ خطوات إعدادها فيما يلي: ![]() ![]() نصف كيلو من الدجاج المفروم. بقسماط حسب الحاجة. كوب من الدقيق. ملعقة صغيرة من الفلفل الأسود، وأخرى من الملح. بيضتان. زيت للقلي حسب الحاجة. مكعبات صغيرة من جبن المواتزيلا أو أي نوع مفضل آخر من الجبن. ملعقة كبيرة من البهارات. ![]() في الخطوة الأولى نضع وعاء فيه الدجاج المفروم مع تتبيله جيدًا بالملح والفلفل. نحضر وعاء آخر ونخفق فيه البيض مع القليل من الملح والفلفل، ونتركه جانبًا لتحضير كرات الدجاج، حيث نقوم بتشكيل الدجاج المفروم لكرات صغيرة ونضع بداخلها مكعبات الجبن مع غلقها جيدًا وتكويرها مرة أخرى. نضع كرات الجبن في البيض ثم نضعها في الدقيق ثم البقسماط عقب خلطه مع البهارات. نحضر مقلاة عميقة وفيها نضع الزيت وننتظر حتى يتم تسخينه ثم نضع كرات الدجاج مع تقلبيها حتى يحمر لونها في الجانبين. نضع كرات الجبن بعد ذلك في منديل المطبخ لتصفيته من الزيت ثم نضعها في طبق التقديم وتُقدم ساخنة. كنافة بالمانجو أما عن حلويات رمضان فمن أشهرها أطباق الكنافة التي تعد من أشهى الحلويت الشرقية والتي لا يمر رمضان من دون تناولها، وفيما يلي سنعرض لكم طريقة مختلف في إعدادها عبر تحضيرها بالمانجو: ![]() ![]() 500 جرام من الكنافة (لتحضير صينيتن). نصف كوب من السكر البودرة للكنافة، وكوب آخر منه للحشو. كوب من الفستق الحلبي. 8 أكواب من الكريمة السائلة. كوب من السمن. كوبان من القطر. 4 ثمرات كبيرة من المانجو. ![]() في الخطوة الأولى نذيب السمن في إناء على النار، ثم نخلطها بالكنافة ونضيف إليها سكر البودرة مع التقليب جيدًا حتى تتجانس جميع المكونات مع بعضها البعض. نسخن الفرن أولاً على درحة حرارة 200 درجة، ثم نحضر الصينية التي سيتم فيها إعداد الكنافة، وندهنها بالسمن ثم نضع فيها نصف الكمية من الكنافة مع الضغط جيدًا، ثم نضع النصف الثاني في صينية أخرى وندخلهما الفرن ونتركهما حتى يتغير لونهما إلى اللون الذهبي. في الخطوة التالية نخفق الكريمة مع السكر، ثم نضع الحشو كطبقة ثانية عقب طبقة الكنافة، ثم نضع طبقة من قطع المانجو والطبقة الثانية من الكنافة ويليها طبقة من الكريمة ثم نزينها بقطع المانجو. نضع الكنافة في طبق التقديم ونحفظها في الثلاجة حيث تُقدم باردة. سلطة الفتوش لا تخلو مائدة رمضان من السلطات بمختلف أشكالها، فهي تعد من أهم الأطباق التي نتناولها مع الأطباق الرئيسية في وجبات الإفطار، ومن أشهى هذه السلطات سلطة الفتوش الشامية التي نعرض لكِ طريقة تحضيرها فيما يلي: ![]() ![]() 4 حبات متوسطة من الطماطم المقطعة. خمس حبات من الخيار المقطع. ملعقة صغيرة من زيت الزيتون. ملح حسب الحاجة. القليل من السماق. كمية قليلة من البقدونس. كمية مناسبة من الجرجير أو الخس. ملعقة صغيرة من النعناع الجاف. عصير ليمون بمقدار حبتين. كمية مناسبة من مكعبات الخبز المحمص. القليل من خل التفاح. نعناع أخضر طازج للتزيين. شرائح من الليمون حسب الحاجة. بصل أخضر حسن الحاجة. زيتون أسود للتزيين. ![]() نقطع الخضروات المذكورة في المكونات السابقة إلى قطع صغيرة، ثم نحضر طبق التقديم وفيه نضع الجرجير ثم قطع الخيار والطماطم والبقدونس والبصل الأخضر. في الخطوة التالية نضع قطع الخبز المقرمش ومن ثم نضع التوابل من الملح وخل التفاح والليمون والنعناع الجاف والسماق وزيت الزيتون مع تقليب المكونات جيدًا حتى تمام التجانس. نضع بعد ذلك قطع الزيتون الأسود وشرائح الليمون على جانبي الطبق ونزين الطبق أيضًا بالنعناع الطازج ليصبح جاهزًا للتقديم. الشيش طاووق ![]() ![]() 1/2كيلو من الدجاج مخلي من العظام. ملعقة طعام صغيرة كاتشب. ملعقة طعام صغيرة خل أبيض. ملعقة طعام صغيرة معجون طماطم. 4/1 كوب عصير ليمون. 2 فص ثوم مطحون. 4/1 كوب من الزيت النباتي. ملح طعام، فلفل أسود، زعتر ناشف للتتبيل. فلفل ألوان، بصل، حبات طماطم صغيرة. أعواد الشيش طاووق. ![]() يقطع الدجاج بحرص إلى مربعات. تضاف له جميع المكونات ويترك بها لمدة ساعة على الأقل، والأفضل تحضيره في الليلة السابقة. تيتم تقطيع البصل والفلفل إلى مربعات تتناسب مع حجم الدجاج. ثم توضع بالتبادل قطع الدجاج والخضار مع ترك مساحة كفاية بينهم. يتم تسخين صينية الشواء وطهيها بحرص كي لا تحترق، أو وضعها بالفرن مباشرة. تقدم مع السلطة. ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |