|
ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() نعمة الهدوء د. سعد الله المحمدي اتصل عليَّ صاحبي في الصباح الباكر؛ حيثُ تُغرِّد الطيورُ بتسبيح الله تعالى، وتُشرق الشمس بألوانها الزاهية، ويصفو الخاطر وتتفتَّح النفس، قائلًا: "عندي لك نصيحة صباحية: كنْ هادئًا، مَهْمَا كانت الظروف، فالحياة لا تسيرُ على وتيرةٍ واحدة، وَكُنْ متأنيًا غيرَ مستعجل؛ فالأعمالُ والالتزاماتُ لا تنتهي، ومَنْ تأنَّى نالَ ما تمنَّى". إنها فعلًا نصيحة قيِّمة، فالهدوءُ نعمةٌ عظيمة لا يشعر بها إلا مَنْ مَرَّ بتجربةٍ الحياة في بيئةِ الضَّجر والصَّخب، ورفع الأصوات، والقيل والقال، وعاشَ في دائرةٍ ضيِّقة مشحُونةٍ بالتُّوتر والفوضى والاضطراب. وَمِنْ أعظم صور الهُدوء وأجلِّها هُوَ هدوءُ الأوطان وأمنها واستقرارها؛ حيثُ ارتبط ذلك بأعزِّ المطالب، وهو توحيدُ الله وإفراده بالعبادة في دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي ناجى ربَّه:﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]. ومن صور الهدوء: الهدوء في التصرفات وردود الأفعال، والهدوء في الجدال، وعدم التسرُّع والعجلة في الردِّ أو قصف الجبهة كما يقولون، أما الهدوء في العلاقات الاجتماعية، واتخاذ القرارات دون انفعالٍ وعصبيَّة، فهي ميزةٌ نادرةٌ تدُلُّ على النُّضج الداخلي، وسَعة الصدر، ورجاحة العقل، وسلامة الفكر، وسمو النفس، وكلَّما أصبح الشخص أكثر هدوءً، زاد نجاحُه وتأثيره في الآخرين. ومن البنود المهمة في قواعد السلوك لدى إدارة الموارد البشرية في المؤسسات والشركات: العناية بهدوء بيئة العمل والاحترام المتبادل بين الموظفين، والعمل ضمن فريق واحدٍ كخلايا النحل، كما أنَّ هدوء البيت ووفاقه، وجمع الأبناء والبنات تحت مظلة الوالدين وجناحيهما الرحيمتين، دون تفرقةٍ أو تفاضلٍ، من الهبات الإلهية التي يَمُنّ ُالله بها على عباده. وتتفاوت درجة الهدوء من شخصٍ إلى آخرَ، فبعض الناس يفقدون هدوءَهم عند أول تَحَدٍّ، بينما يظلُّ آخرون ثابتين لا تُزعجهم مقالة الناس، ولا نقْدهم، وآراءهم، بل يركِّزون على أهدافهم بثبات كالأشجار الراسخة؛ حيث عبَّر عن ذلك الشاعر البشتوني عبد الرحمن بابا قائلًا: أنا ثابتٌ مثل الشجرة في مكاني ![]() سواء مرَّ بي موسم الخريف أم الربيع ![]() ![]() ![]() ولَمَّا كانت الحياة المادية تَفرض ضجيجَها على المشهد اليومي، تشتد حاجة الإنسان إلى اغتنام لحظات الهدوء، لتحقيق نتائج قيِّمة في مجالات الإبداع والتميُّز والابتكار، فالمكان الهادئ البعيد عن الضجر والضجيج، يساعد على توليد الخواطر، وتنسيق الأفكار، وسلاسة الجمل والكلمات، كما يعزِّز التوازن النفسي والسمو الروحي. وقد ذكر النقادُ أن الأفكار العظيمة والمشاريع الناجحة لا تولد في بيئات مزدحمة، لذلك أَوْصَوْا بالتأمل، والجلوس في أماكن هادئة كحافة المياه الجارية، أو الحقول الخضراء، أو الغابات المطيرة، فمثل هذه اللحظات تساعد على خلق الأفكار الجديدة والتركيز، ونقاء الذهن وصفاء الروح، وإزالة التوتر وجودة الإنتاج. وإذا ألقينا نظرةً على حياة العظماء، وجدناهم يبحثون عن الهدوء والسكون، ويَميلون إلى العزلة عن الناس. فهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كان يذهب قبل البعثة إلى غار حراء، ويتحنَّث فيه الليالي ذوات العدد؛ أي: يتعبَّد ويَخلو بنفسه، حتى جاءه الحق وهو في الغار، ونزل عليه الوحي. وكذلك كان الحسن البصري رحمه الله، يحبُّ الخلوة بالنفس، فانعكَس ذلك على قوة بصيرته، وورعه، وزهده، وحكمته. ونجد تأثير الهدوء، والتفكر، والتأمل العميق في اكتشاف إسحاق نيوتن لقوانين الجاذبية. كما أن الأديب الألماني غوته آثَر العزلة، لينجز أهم أعماله: فاوست (Faust)، تلك المسرحية الشعرية الضخمة التي تُعدُّ من قمم الأدب العالمي. كيف نصنع الهدوء في حياتنا؟ وهذه بعض الخطوات العملية والوسائل لصناعة الهدوء: 1- السلام الداخلي، وذلك بربط القلب بالله تعالى، وذكره، وعبادته؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]. 2- إدارة الأفكار والخواطر؛ بحيث لا يكون ذهنك مرتعًا ومسرحًا لكل شيء، ولا حلبة صراع دائم مع الأحداث والمواقف. 3- التقليل من الجدال، والبعد عن المشاحنات والمجالات العقيمة التي لا تُسمن ولا تغني من جوع. 4- تنظيم الوقت، وتقنين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي خلقت نوعًا من الاضطراب النفسي والتوتر والقلق والإرهاق الشديد لدى الناس، رغم أنهم يبذلون جهدًا عمليًّا يسبب التعب. 5- العناية بالرياضة، والمشي في الطبيعة، والجلوس في أماكن هادئة لإعادة التوازن والطمأنينة إلى النفس. شمعة أخيرة، الهدوء مَهدُ القوَّة، وبداية كلِّ شيء عظيم، وخُطوة في طريق السلام الداخلي، وانطلاقة لاكتشاف الذات.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |