(أم الكتاب ) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حكم المسلم الذي ينشر الفساد بين المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          نصائح للفتاة المسلمة المقبلة على الزواج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الجنَّـــــــة .. من كتاب اليوم الآخر،سلسلة العقيدة لعمر بن سليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          مناسك الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          العيد في عيون الشعراء,اقوال الشعراء فى العيد,شعر عن العيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 9 )           »          الغيرة المحمودة والغيرةالمذمومة بين الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          تقليد الأخرس والضحك منه من السخرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          هل يجب على الرجل أن يأخذ زوجته إلى أهلها كل أسبوع؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الى الزوجين: لاتبوحا بأخطائكما قبل الزواج لبعضكما ..وعليكما بالدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          استحباب صيام الثمانية من ذي الحجة للحاج وغيره (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-10-2025, 05:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,255
الدولة : Egypt
افتراضي (أم الكتاب )

(أم الكتاب 1)

الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل

الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيْه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى ونبيه المجتبى، فالعبد لا يُعبَد كما الرسولُ لا يُكذَّب، فاللهم صلِّ وسلم عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار على نهجهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
أيها الناس! فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى، فإن أجسادنا على النار لا تقوى. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

أَيُّهَا المؤمنون! أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ علينا سورةً في القرآن هي أعظم سوره، هي الفرقان، هي أم الكتاب، هي القرآن العظيم، هي السبع المثاني، خصنا بها عمَّن قبلنا، وجعلها منةً علينا إلى يوم بعثنا، سورة الفاتحة مع آخر آيتين من سورة البقرة خصيصة الله لكم أهل الإسلام وأهل الإيمان، وأنتم يا أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته كما روى ذلك الترمذي بسنده عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

سورة الفاتحة يحفظها الصغار والكبار المتعلمون وغير المتعلمين، لا تصح الصلاة إلا بها، «كل صلاةٍ لا يُقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداجٌ خداجٌ خداج»[1] قاله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»[2]، أوقفنا مع هذه السورة -يا رعاكم الله- وما فيها من العبر العظيمة؟ هذه السورة جمعت أنواع التوحيد الثلاثة:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ دليلٌ على ربوبية الله جَلَّ وَعَلا على عموم العالمين من خلقه.

﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ أصلٌ في إثبات أسماء الله الحسنى وصفاته العلا.

﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ إشارةٌ للإيمان باليوم الآخر متضمنًا أسماء الله الحسنى.

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ توحيد الله عَزَّ وَجَلَّ بالعبودية والألوهية والعبادة، فقد اشتملت هذه السورة على أنواع التوحيد الثلاثة.

هذه السورة امتن الله عَزَّ وَجَلَّ علينا وعلى نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله جَلَّ وَعَلا: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر: 87].

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله كما أمر، أحمده سبحانه وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مؤمنًا بألوهيته، وبأسمائه وصفاته، وربوبيته، مراغمًا بذلك من عاند به أو جحد أو شك وكفر، وأصلي وأسلم على سيد البشر الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه السادة الغرر، خير آلٍ ومعشر ما طلع ليلٌ وأقبل عليه نهارٌ وأدبر، أما بعد؛ يا عباد الله:
سورة الفاتحة سماها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصلاة، وسماها ربي بالصلاة؛ لأنها اشتملت على ركنٍ عظيمٍ من أركانها؛ ففي الصحيح[3] عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «قال الله عَزَّ وَجَلَّ: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»؛ إذا قلتَ أيها المصلي في صلاتك فرضًا أو نفلًا، في كل ركعةٍ منها: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، قال الله جَلَّ وَعَلا في علوه: «حمدني عبدي»، فإذا قلتَ: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ قال الله جَلَّ وَعَلا: «أثنى عليّ عبدي»، أثنيتَ على الله بما له من الأسماء الحسنى والصفات العلا، فإذا قلتَ: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ قال الله جَلَّ وَعَلا: «مجدني عبدي»، تمجيدك لله عبوديةٌ منك لهذا الرب الذي عبدته ولم تره، فإذا قال المصلي: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ قال الله جَلَّ وَعَلا: «هذا بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل»، فإذا قال: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ استُحب لك إمامًا أو مأمومًا أن تقول: (آمين) وتمد بها صوتك، لعلك أن توافق تأمين الملائكة في السماء لقراءتك أيها المصلي في الأرض، «فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة في السماء غُفر له ما تقدم من ذنبه» "أخرجاه في الصحيحين"[4]

ثُمَّ اعلموا عباد الله! أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَىٰ الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

اللهم ارضَ عنا رضاءً لا تسخط علينا معه أبدًا، اللهم اجعلنا من أهل ذكرك ومن أهل قرآنك، ومن أهل ولايتك، ومن أهل الإيمان، يا ذا الجلال والإكرام، ومن عبادك المخلصين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَىٰ يَومِ الدِّيْنِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلًّا تذلّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ أبرِم لهٰذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ادفع عنا الغلاء، والوباء، والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن بلاد المسلمين عامة، يا ذا الجلال والإكرام اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، اللَّهُمَّ خُذ بناصيته للبر وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ اجعله رحمةً عَلَىٰ أوليائك، واجعله سخطًا ومقتًا عَلَىٰ أعدائك يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ انصر به دينك، اللَّهُمَّ ارفع به كلمتك، اللَّهُمَّ اجعله إمامًا للمسلمين أَجْمَعِيْنَ يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللًّا، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نَصَبٍ، اللَّهُمَّ أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلال والإكرام، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، عباد الله! إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَىٰ نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.

[1] أخرجه مسلم (395).

[2] أخرجه البخاري (756)، ومسلم (394).

[3] أخرجه مسلم (395).

[4] أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27-10-2025, 05:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,255
الدولة : Egypt
افتراضي رد: (أم الكتاب )

(أم الكتاب 2)

الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل



الخطبة الأولى
الحمد لله، ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1]، والحمد لله ﴿ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وإذعانًا وتوحيدًا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا أما بعد:
عباد الله! فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

أيها المؤمنون! أنزل الله علينا أفضل كتبه الذي اشتمل على جميع ما سبق من كتبه المنزلة، أنزل علينا القرآن؛ ليكون مهيمنًا على ما سبق، وأنزل القرآن متفاضلًا فجعل بعضه أفضل من بعض، والقرآن كله كلام الله؛ فأفضل آي القرآن آية الكرسي من سورة البقرة، أما أفضل سور القرآن في الإطلاق في السبع المثاني وهي القرآن العظيم، وهي سورة الفاتحة، التي جمع الله جَلَّ وَعَلا فيها أعظم حقوقه على عباده.

هذه السورة التي لا تصح الصلاة إلا بها؛ قال نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من لم يقرأ بفاتحة الكتاب في الصلاة فلا صلاة له»[1]، وقال عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام: «كل صلاةٍ لا يُقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداجٌ خداجٌ خداج»[2] أي: صلاةٌ غير تامة وصلاةٌ غير صحيحة.

الفاتحة يا عباد الله تقرؤونها ويحفظها المسلمون صغارهم وكبارهم، رجالهم ونساؤهم، فهلا تأملنا في هذه السورة التي استملت على أنواع التوحيد الثلاثة؟!
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ دليلٌ على توحيد الله في ربوبيته وأفعاله.

﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ دليلٌ على توحيد الله عَزَّ وَجَلَّ في أسمائه الحسنى وصفاته العلا.

﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ كذلكم في توحيدي الربوبية والأسماء والصفات.

ü ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ دليلٌ على توحيد الله بإلهيته وبعبوديته وحده دونما شريك.

جاء في الصحيح[3] عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «قال الله عَزَّ وَجَلَّ: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين»؛ فجعل الله الفاتحة هي الصلاة، تنويهًا بشرفها وتنويهًا بفضلها، ولهذا سماها جَلَّ وَعَلا (الصلاة)؛ لأنها تتكرر في كل ركعةٍ من ركعاتها.

قال سبحانه: «قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قال الله عَزَّ وَجَلَّ: أثنى عليّ عبدي»؛ فهل تدركها –يا رعاك الله-؟ هل تدرك أنك إذا قلتَ: "الحمد لله رب العالمين" أنك بهذا تثني على الله جَلَّ وَعَلا بالكمال له في ذاته وفي أسمائه وفي صفاته، أو أنها مجرد لفظةٍ تخرج من فيك لا تدرك معناها، ولا تتحقق في دلالاتها؟ فانتبه لهذا -يا رعاك الله-.

وإذا قال العبدُ: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ قال الله جَلَّ وَعَلا: «مجدني عبدي»، وإذا قال: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ قال الله جَلَّ وَعَلا وهو في علاه: «أثنى عليّ عبدي»، فإذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ قال الله جَلَّ وَعَلا: «هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل»، لما أذعن وأقر لله بالعبودية أقرها بلسانه، وقد انطوى عليها قلبه وجنانه قال الله جَلَّ وَعَلا متفضلًا وهو أكرم الأكرمين: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾؛ وهو طريق الإسلام، الموصل إلى الجنان ورضوان الرحمن.

﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ أي من عبادك وأوليائك المخلصين قديمًا وحديثًا، ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ أتدرون من المغضوب عليهم يا عباد الله؟ إنهم اليهود أصالة وكل من انحرف من علماء هذه الأمة، مع علمه فإن فيه شبهٌ بهؤلاء اليهود، وغير الضالين؛ والضالون هم النصارى أصالةً وكل من انحرف من عُبَّاد هذه الأمة على جهلٍ وغير علم ففيه شبهٌ من أولئك؛ ولهذا شُرع لنما أن نقول بعدها: (آمين) أن يمد الإمام والمأموم صوته بها مدًا، لعله أن يوافق تأمين الملائكة في السماء، فإنه جاء في الصحيحين [4] عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «إنكم تقولون: آمين والملائكة في السماء تقول: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه»، ولهذا يستحب أن يستطيل بها، وأن يرفع بها صوته.

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله كما أمر، أحمده سبحانه وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا بربوبيته وإيمانًا بعبوديته وإثباتًا لأسمائه وصفاته، مراغمًا بذلك من عاند به أو جحد وكفر، وأصلي وأسلم على سيد البشر الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه السادة الغرر، خير آلٍ ومعشر، ما طلع ليلٌ وأقبل عليه نهارٌ وأدبر.

أما بعد؛ عباد الله:
إن في هذه السورة الجليلة؛ سورة الفاتحة معاني عظيمة كافيةٌ في أن تكون هذه السورة الحجة البالغة على هذه الأمة، حجة الله عَزَّ وَجَلَّ على خلقه وعلى عباده المكلفين.

وفي قوله جَلَّ وَعَلا: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾؛ تحقيقٌ لقاعدة الولاء والبراء؛ الولاء لله عَزَّ وَجَلَّ، ولعباده وأوليائه المؤمنين الموحدين، والبراءة من أعداء الله من الشرك ومن المشركين والكفر والكافرين والنفاق والمنافقين.

فهذه السورة تحقيقٌ لهذه القاعدة العظيمة التي هي أساس الدين، والتي ينبني عليها توحيد رب العالمين.

والصراط المستقيم يا عباد الله ليس هو الجسر المنصوب على متن جهنم، أتدرون لم؟ لأن ذلك الجسر ليس مستقيمًا، وإنما هو معوج ودحضٌ وزلق، وأحد من السيف، وأدق من الشعر، وإنما سلوك الصراط المستقيم في الدنيا سببٌ للعبور على الصراط؛ على ذلك الجسر على متن جهنم، اللهم اجعلنا عليه من العابرين، ولا تجعلنا فيه من المنكفين، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا.

ثُمَّ اعلموا عباد الله! أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَىٰ الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ،

اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَىٰ يَومِ الدِّيْنِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين،

اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلًّا تذلّ به الكفر وأهله،

اللَّهُمَّ أبرِم لهٰذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام،

اللهم ادفع عنا الغلاء، والوباء، والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن بلاد المسلمين عامة، يا ذا الجلال والإكرام اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا،

اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا،

اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين،

اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك،

اللَّهُمَّ خُذ بناصيته للبر وَالتَّقْوَى،

اللَّهُمَّ اجعله رحمةً عَلَىٰ أوليائك، واجعله سخطًا ومقتًا عَلَىٰ أعدائك يا ذا الجلال والإكرام،

اللَّهُمَّ انصر به دينك،

اللَّهُمَّ ارفع به كلمتك،

اللَّهُمَّ اجعله إمامًا للمسلمين أَجْمَعِيْنَ يا ذا الجلال والإكرام،

اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين،

اللَّهُمَّ أغثنا،
اللَّهُمَّ أغثنا،

اللَّهُمَّ أغثنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللًّا،

اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نَصَبٍ،

اللَّهُمَّأغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلال والإكرام، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، عباد الله! إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَىٰ نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.

[1] أخرجه مسلم (395).

[2] أخرجه البخاري (756)، ومسلم (394).

[3] أخرجه مسلم (395).

[4] أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410).







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.57 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (3.15%)]