|
فلسطين والأقصى الجريح ملتقى يختص بالقضية الفلسطينية واقصانا الجريح ( تابع آخر الأخبار في غزة ) |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() سم الله الرحمن الرحيم فإننا نحمد الله تعالى على أن كشف الغمة عن إخواننا في غزة ، والحمد لله تعالى على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة ، والحمد لله تعالى على توفيقه ونصره للإسلام والمسلمين ، والحمد لله على السراء والضراء ، والحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، والحمد لله على كل حال ، فإنني أبعث إلى إخواني في غزة باقات الورود المكللة بتاج العز والفخر والرفعة والفرح ، ولا أدري من أين أبدأ ، فإن الفرحة تغمر قلبي ، والكلمات تضطرب في فمي من فرحتها ونشوتها بهذا النصر الكبير ، فإنها لفرحة تاريخية أعادت للمسلمين الأمل ، وبعثت في قلوبهم الرجاء بالنصر القريب العاجل للأمة كلها على أعدائها ، أهلا أهلا بأهل غزة الأبطال الأشاوس ، أهلا أهلا بأسود الميدان ، وعباقرة الدهر ، أهلا أهلا بجنود الله الذين ما ركعوا ولا خضعوا ولا استسلموا ولا ذلوا ولا هانوا ، أهلا بأهل الصمود الذي ذل به الكافر ، وخضعت رقبته ، وانكسر جبروته ، أهلا بمن كسروا بني يهود على صخرة الجهاد والصمود ، أهلا بمن قمعوا أهل الشرك والكفر والزيغ والعناد ، أهلا بمن اعترفت بثباتهم ونصرهم كل البلاد ، مرحبا بتلك الوجوه التي استنارت بنور النصر ، ومرحبا بتلك الأيادي التي قهرت أهل الكفر ، مرحبا بمن أسكتوا الدنيا بثباتهم ، واعتز بهم أهل الإسلام ، رفع الله قدركم يا أهل غزة كما رفعتم قدرنا ، وأعزكم الله يا أهل غزة كما قويتم جانبنا ، نصرتم الله فنصركم الله ، واعتصمتم بالله فعصمكم الله من الناس ، لله دركم ، ما أقوى بأسكم ، وأشد عزائمكم ، لله دركم ، فلكم من اسم بلادكم أوفر النصيب ، فبلادكم غزة ، وأنت أهل الغزو والتدبير والقوة والنصرة والعزة ، أسلمكم الناس فما استوحشتم لأنكم بالله معتصمون ، وعليه متوكلون ، وبحبله المتين مستمسكون ، تخلى عنكم أكثر الخلق فما ارتاعت قلوبكم ولا بكت لذلك أعينكم لأنكم على الله معتمدون وبقربه مستأنسون ، فقد وجدتم الله تعالى ، ومن وجد الله فماذا فقد ؟ ومن فقد الله تعالى فماذا وجد ؟ لقد تبوأتم من القلوب منزلة عالية ، وسكنتم من أرواحنا في المحال السامية ، واجهتم الحرب الفاجرة بقلوب ثابتة ، فزبد سيلُ الكفر ، ولكن الزبد ذهب جفاء ولم يبق إلا ما ينفع الناس ، لأن ما ينفع الناس من طبعه أن يمكث في الأرض ، أبطال أنتم بشهادة الجميع ، وشجعان أنتم عند الموافق والمخالف ، وإني بهذه المناسبة الغالية على قلوبنا جميعا أحب أن أذكر نفسي وإخواني أهل غزة وعامة المسلمين ببعض الأمور :ــ الأول :ــ ليعلم الجميع أن الفضل في هذا النصر إنما هو لله تعالى وحده لا شريك له ، فله الفضل كله وله النعمة كلها وله الحمد كله أوله وآخره وسره وعلانيته ، وظاهره وباطنه ، فعلى المسلمين جميعا أن يلهجوا بحمد الله تعالى وشكره على حسن عنايته بإخواننا ونصره لهم ، فلا بد من التنبيه على ذلك لأن البعض في غمرة النصر وفرحة قمع الكافر قد يغفل عن الشكر والحمد لله تعالى ، وقد قال تعالى " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " وقال تعالى " وما النصر إلى من عند الله " وقال تعالى " ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ، ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تورها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين " فلا بد من حمد الله تعالى ، ولا بد من الإكثار من شكره ، حتى نبقى دائما وأبدا في نصر وعزة وتمكين . الثاني :ــ أن المجاهدين لهم نصيب من الشكر بعد شكر الله تعالى ، على صبرهم وثباتهم وتضحيتهم ووقوفهم وقوف الرجال في الدفاع عن الحق وأهله ، فلا بد من مراسلتهم أو مهاتفتهم ، وحث عزائمهم على زيادة الثبات ، وشكرهم على ما قدموا ، وحثهم على الإخلاص والازدياد من العلم وتحصيل أسباب النصر الكامل ، فإن المسلم قوي بإخوانه ضعيف بنفسه . الثالث :ــ أن هذه الفرحة لا بد أن نعبر عنها بكمال التعلق بالله تعالى بتحقيق المأمورات وامتثالها وترك المحرمات والتباعد عنها ، والتواضع للحق وللخلق ، فإن حقيقة النصر هي الانتصار على شهوات النفوس من التعالي والغطرسة ورؤية الذات ونسبة الخير والنعم إلى حول العبد وقوته ، بل لا تنسب النعم إلا إلى الله تعالى فهو خالقها ومقدرها والمتفضل بها ، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم فتح مكة وهو يوم النصر الأكبر والعز الأفخم ، دخل وقد طأطأ رأسه حتى إن لحيته تكاد تصل إلى ظهر راحلته تواضعا لربه جل وعلا واعترافا بأنه تعالى هو المتفضل والمنعم ، فالنعمة كلها له ، والعبد لا حول له ولا قوة إلا بربه جل وعلا ، هكذا يعظم العبد في ميزان ربه ، ويضاعف أجره ونصره وتمكينه في الأرض . الرابع :ــ أنه لا بد من تذكير المسلمين بأن حقيقة النصر هو الثبات على المنهج والطريق المستقيم إلى الممات ، وأهل غزة ثبتوا على دينهم وعلى إيمانهم حتى أتاهم اليقين ، فمنهم من قضى نحبه على الإسلام والثبات والصمود والرفعة والحق ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلا ، فليس النصر هو قتل العدو فقط ، لا ، بل النصر الحقيقي هو الثبات على المنهج ، وعلى دين الله تعالى حتى يأتيك اليقين ، ألا ترى أن الله تعالى قد قطع العهد نفسه تفضلا منه ومنة على أنه ناصر عباده المؤمنين من الأنبياء والأولياء ، فقال تعالى " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون " وقال تعالى " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " ومع ذلك فإن كثيرا من الأنبياء قد مات مقتولا ، كما قال تعالى عن الكفرة " وقلتهم الأنبياء بغير حق " فهل يا ترى أنهم لما قتلوا نبيه أن الله تعالى قد خذل أنبياءه وأسلمهم لعدوهم ؟ أعوذ بالله من هذا الظن ، بل إن من قُتِل من الأنبياء هو المنتصر في الحقيقة ، فإن قلت :ــ وكيف يكون منصورا وقد مات مقتولا ؟ فأقول :ــ لأنه ثبت على منهجه في إبلاغ رسالات ربه حتى أتاه اليقين ، فلم يمت على تقصير أو مخالفة ، بل ما مات إلا وهو مرفوع الرأس عند ربه بتكميل مراتب البلاغ ، فقد بلغ البلاغ المبين ، فهذا هو النصر الحقيقي ، بل المخذول من قتله ، فالمنصور هو المقتول لا القاتل ، هذا هو النصر في الأدلة الشرعية ، وأما ما يفهمه المحللون الذين لا علم عندهم بأدلة الشرع فلا عبرة بكلامهم وما يفهمونه أصلا ، فمن مات من أهل غزة على إيمانه ومنهجه فهو في ميزان الله تعالى هو المنصور ، والمخذول من قتله ، فلا تتركوا يا أهل الإسلام فرحة هذا النصر والغبطة به بكثرة من مات من أهل غزة ، لأن موتهم نصر من الله تعالى لهم وليس خذلانا لهم ــ حاشا وكلا ــ فنسأل الله تعالى أن يتقبلهم عنده شهداء ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، فالباقون نُصِروا باندحار الكافر وانكسار شوكته ، والأموات نصروا بموتهم على الإيمان والشهادة ، وكلا وعد الله الحسنى والله لا يضيع أجر من أحسن عملا . الخامس :ــ أنه لا بد على أهل غزة خاصة أن يأخذوا أهبة الاستعداد لعدوهم ، فإنه عدو مجرب في نقض العهود والإخلال بالمواثيق ، فاليهود هم أهل الغدر والخسة ، فلا كرامة عندهم ولا أيمان لهم ، فالحذر الحذر من غدرهم وخيانتهم ، فإنهم على شفا جرف هار من الغدر ونقض العهد ، فلا بد من إعداد العدة وإعادة لحمة الصف ، وشحذ الهمم للكرة على أعدائنا متى ما سنحت لنا الفرصة ، ولا بد من البحث عن الطريق المناسب للتسلح بأنواع السلاح ، والواجب على أهل الإسلام أن لا يدخروا وسعا في إمداد إخوانهم بالسلاح ، فإن إخوان القردة والخنازير يمدهم إخوانهن من النصارى بالبارجات المليئة بالذخائر ، فكيف يجوز لهم هذا ولا يجوز لنا ؟ إنه الصغار والذلة والهوان ، وقد ربانا أهل غزة على العزة ، فلا نريد أن نعود أذلة مقهورين صاغرين مرة أخرى . السادس :ــ أن ما جرى في غزة لهو أكبر درس لأهل الإسلام يبين أن الكفار وإن طقطقت بهم المدافع وأنواع الأسلحة الفتاكة القاتلة والمدمرات الحربية وكثرت أعدادهم وتنوعت أساليبهم في الحروب ، فإنهم لا يساوون عند الله تعالى جناح بعوضة ، وأن القلة هي الغالبة مع الإيمان والتقوى ، فإن الإعداد الحقيقي هو إعداد القلوب بالإيمان وعمل الخير ، والتقرب إلى الله تعالى بفعل المأمور وترك المحظور ، وأن النصر لا يكون بكثرة عدد ولا عدة ، وإنما يكون بالإيمان والتقوى ، ألا ترى أن الله تعالى نصر المسلمين في بدر مع قلة العتاد والعدة ، ولكن هُزِموا في أحد ، لوجود المخالفة ، ألا ترى أن الله تعالى نصر المسلمين في يوم الأحزاب مع قلة العدد والعتاد ، ولكن هُزِموا في أول المعركة يوم حنين لوجود المخالفة وهي الإعجاب بالنفس ، وكما قال تعالى " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين " السابع :ــ لا يجوز لأحد أن يتسلط علينا ويفسد علينا نشوة النصر وفرحة إيقاف الاعتداء عن إخواننا بالكلام التافه الذي لا يعبر إلا عن ضعفه وقلة فهمه وخذلانه لإخوانه ، أو بتتبع الأخطاء التي لا يسلم منها البشر ، أو بقلب الحقائق وتحويل دفة النصر إلى جانب الكفار ، كما نسمعه من بعض الصحفيين والمحليين السياسيين ، فإن كلام الكثير منهم سامج لا أصل له ، ولا معنى له إلا الجهل والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، فاتركونا نفرح بنصرنا وإيقاف الاعتداء الفاجر على إخواننا وعودتهم إلى ديارهم وبيوتهم ، والحمد لله على سلامتهم ونصرهم . الثامن :ــ أن هذا الانتصار لا بد أن نأخذ منه درسا مهما ، وهو درس الاهتمام بالدعاء ، فإن الدعاء سلاح المؤمن ، ولا يغفل عن الدعاء إلا المحروم ، فالله الله أيها المسلم باللهج بالدعاء في أمورك كلها ، صغيرها وكبيرها ، فإن الدعاء من أعظم أسباب الفرج ، والمحروم من حرمه الله تعالى الدعاء في نوازله . التاسع :ــ واعلموا أيها المسلمون أن النصر مع الصبر وأن من العسر يسرا ، ولن يغلب عسر يسرين ، وأنهم وإن فاقونا في العتاد والعدة ، ولكننا فقناهم بأن الله معنا ، ومن كان الله معه فهو المنصور والغالب في الدنيا والآخرة ، وأن اتفاق الكلمة ووحدة الصف وعدم التنازع والخلاف من أسباب النصر ودوامه ، بل إنه ما سلط الكفار على بعض الجهات من بلاد الإسلام إلا لكثرة اختلافهم في الدين ، كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى ( إن التتار لم يسلطوا على أهل المشرق من المسلمين إلا لاختلافهم في الدين ) فلا بد أن تتحد الفصائل الفلسطينية على قلب واحد وكلمة واحدة ومنهج واحد ، وقد جربوا الاختلاف فلم يجدوا فيه إلا الخيبة والخسارة ، فالله الله أيها الأحباب بالوحدة على كلمة الله تعالى وعلى الحق المتفق مع الكتاب والسنة ، واطرحوا الخلاف جانبا ، ولا تدعوه يهيمن على ساحة الجهاد عندكم ، فإن ساحة الجهاد لا بد وأن تنظف وتكون خالية من كثرة الاختلاف والفرقة ، والله معكم ولن يتركم أعمالكم . العاشر :ــ لا بد أن نعلم أن من الحكمة في مثل هذه الفتن والبلايا التي يجريها الله تعالى على عباده المؤمنين أنه يتحقق بها تميز الصف الإسلامي ، ويظهر المنافقون ويطلون برؤوسهم ، فإن النفاق لا يظهر في الأعم الأغلب إلا في مثل هذه الأزمات ، وكم عرفنا من أهل النفاق ممن كان بيننا ولا ندري عن حقيقة حاله ، إلا بعد هذه الأزمة ، فإنه صار ينعق بما لا يدري ويصفق بيديه فرحا بمصاب أهل الإسلام ويعين إخوانه من اليهود على أهل الإسلام ، ولا نعني أحدا بعينه لأن العاقل قد اتضح له حال الكثير ممن كان يدعي أنه معنا ، وإذا هو أول من يقلب علينا ظهر المجن ، ويفارق جماعتنا ، ويكون في الصف الآخر ، ومع ذلك فقد صارت هذه الأزمة سببا لعودة الغافلين وتوبة المعرضين وأظهرت معدن الكثير ممن كانوا بيننا ولا ندري عن قوتهم في الحق وتفانيهم في نصرة إخوانهم ، فكما أنها أظهرت لنا أهل الشر ممن كنا لا نعرفهم ، فكذلك أظهرت لنا أهل الخير ممن لا نعلمهم ، والله تعالى يعلمهم وأخيرا ، أعيد تحياتي لأهل غزة البواسل والجنود الأبطال ، هنيئا لكم ، ثم هنيئا لكم هذا النصر ،وأسأله جل وعلا أن يزيدكم نصرا وتمكينا وعزة ، يا أهل غزة ، وأشهدكم أنني أحبكم في الله ، وقلبي معكم ، ولساني يلهج بالدعاء لكم . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ،،،، |
#2
|
|||
|
|||
![]() (فإن الملائكة لم تضع أسلحتها بعد) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . أما بعد : كلمة قالها جبريل عليه السلام، لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد تفرق الأحزاب،كما روى ابْنُ إسْحَاقَ، رحمه الله : ( وَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْصَرَفَ عَنْ الْخَنْدَقِ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ وَالْمُسْلِمُونَ وَوَضَعُوا السّلَاحَ.فَلَمّا كَانَتْ الظّهْرُ أَتَى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةِ مِنْ إسْتَبْرَقٍ عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ فَقَالَ أَوَقَدْ وَضَعْتَ السّلَاحَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ جِبْرِيلُ فَمَا وَضَعَتْ الْمَلَائِكَةُ السّلَاحَ بَعْدُ وَمَا رَجَعَتْ الْآنَ إلّا مِنْ طَلَبِ الْقَوْمِ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَأْمُرُك يَا مُحَمّدُ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَإِنّي عَامِدٌ إلَيْهِمْ فَمُزَلْزِلٌ بِهِمْ )سيرة ابن هشام - (ج 2 / ص 232) بعد مضي اثنين وعشرين يوماً من القصف الوحشي الأرعن، والفتك الذريع بالمسلمين في غزة، وإهلاك الحرث والنسل، ينسحب اليهود، جارين أذيال الخيبة، لم ينالوا خيراً، يؤنب بعضهم بعضاً، ويشهد بعضهم على بعض بالفشل ، وعدم تحقيق الأهداف. بينما يلملم المسلمون جراحهم، ويستخرجوا الجثث من تحت الأنقاض، ويدفنوا شهداءهم ، يحسب بعض الناس أن الستار قد أسدل على هذا المشهد البئيس، وانفض المتفرجون، وطويت صفحة من صفحات الظلم المتلاحق . لكن هيهات ! فإن الملائكة لم تضع أسلحتها بعد. ربما عجز البشر أن يردوا الحق إلى نصابه، لكن الذي له ملك السماوات والأرض، وهو على كل شيء شهيد، يجري الأمور بحكمته البالغة، ومشيئته النافذة، يمهل ولا يهمل، وكل شيءٍ عنده بمقدار. إن المتأمل لهذا الحدث يستجلي من وراء الغبار القاتم للتفجيرات، ويستنصت من خلف ضجيج الطائرات، معاني عظيمة، تحققت بفعل الله، من خلال جنوده في السماوات والأرض : أولاً : حقيقة النصر والهزيمة : إن التمسك بالمبادئ، والصبر عليها، والموت في سبيلها، لهو النصر الحقيقي. إن النصر والهزيمة لا يقاسان بالأعداد، والحسابات المادية، وشدة المعاناة، وإلا لكان أصحاب الأخدود، الذين حُرِّقوا بالنار، عن بكرة أبيهم؛ رجالاً، ونساءً، وأطفالاً، خاسرين مهزومين، ولكان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، منتصريين غالبين ! وهيهات. لقد أنطق الله رضيعاً حين ترددت أمه بين إلقاء نفسها معه في الإخدود، وبين التخلي عن المبدأ، فقال مثبتاً لها : (اصبري يا أماه، فإنك على الحق!) وقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام، من الشدة واللأواء، في حروبهم مع المشركين الشيء العظيم : - ففي يوم أحد، قتل منهم سبعون، وشج وجهه الكريم صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته، ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنتيه الشريفتين، ووقع في حفرة من حفر أبي عامر الفاسق ! - وفي بئر معونة، بعد أحد، قتل سبعون من خيار القراء، غدراً. - وفي الأحزاب، وصف الله حالهم بقوله : (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) [الأحزاب/10، 11] فهل كانوا مهزومين مخذولين؟ لا والله، بل كان نصراً معنوياً، حقيقياً، قاد ، فيما بعد، إلى سلسلة الانتصارات المادية، والفتوحات الإسلامية. ثانياً : إن مما صنعه الله تعالى، لهذه الأمة، من وراء هذا الحدث المدوي، أن أعاد إلى مصطلح (الجهاد) رونقه، وبهاءه، وجلالته، بعد أن بات لدى بعض الناس (سُبَّة) و (تهمة) ، نتيجة لبعض الممارسات الخاطئة. صار كثير من المسلمين، ولو من الناحية النظرية فقط، يلوِّح بهذا الشعار، ويرى أنه المخرج من هذه الحال. ثالثاً : وإن مما صنعه الله لهذه الأمة، من وراء هذا الحدث، أن عادت قضية (فلسطين) إلى الصدارة، بعد أن كادت تغيب خلف أروقة مؤتمرات السلام المزعومة، وبعد أن دب اليأس إلى نفوس جمهور الأمة، وهم يرون أصحاب الشأن من ممثلي السلطة، وفتح، ومنظمة التحرير، يسارعون إلى للقبول بكل عرض هزيل، ويرتمون في أحضان جلاديهم، دون أن يخرجوا من مائدة اللئام، ولا بفُتات. رابعاً : ومما صنعه الله لهذه الأمة المترامية الأطراف، أن أحيا فيها روح الانتماء للإسلام، والشعور بشعور الجسد الواحد، بعد أن مزقتها القوميات، والخلافات، والعصبيات، فعادت تتألم جميعاً لألم عضوٍ منها، وتخطت قلوبها الحدود، والحواجز، والانتماءات، لتتعلق ببقعة صغيرة من الأرض، يقال لها (غزة) . خامساً : تأكيد ما قرره القرآن العظيم، وأرساه في قلوب المؤمنين، من شدة عداوة اليهود للذين آمنوا : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ) [المائدة/82]، وانكشاف الوجه الكالح لليهود أمام ناظري العالم، بجميع فئاته، وشعوبه، بفجوره، وبطشه، ووحشيته . سادساً : ويبقى أن (الملائكة لم تضع أسلحتها)، فما نرجوه من انتقام الله من الظالمين، وجبره للمنكسرين، عظيم . ذلك أن الله تعالى، حكم، عدل، يمهل للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته . فلربما سلط الله على هذه الأمة اليهودية المغضوب عليها، من الآفات، والاختلافات، والمصائب ، ما لا يخطر بالبال، وذلك آت ٍ لا محالة، في ملحمة ختامية، بشر بها من لا ينطق عن الهوى، صلى الله عليه وسلم : (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ وَرَاءَهُ الْيَهُودِيُّ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ) رواه البخاري. ولكننا نرجو، قبل ذلك، أمراً يشفي به الله صدور قوم مؤمنين. والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |