حجة الوداع والدروس المستفادة منها - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         7 تريكات عشان تاكل صحي في العيد من غير حرمان.. المحشي في الفرن والكبة مشوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          طريقة عمل الكفتة المشوية فى عيد الأضحى.. طعمها لايقاوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          بعد أكل الفتة واللحمة.. 8 أخطاء نرتكبها عند غسل الأطباق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          وصفات طبيعية لتفتيح البشرة والتخلص من علامات الإرهاق فى العيد.. خطواتها سهلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          استبدلى الحلويات بتورتة الشاورما والفتة بخطوات بسيطة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          وقفات مع عشر ذي الحجة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 126 )           »          لن ينال الله لحومها ولا دماؤها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          ماذا بعد الحج؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          أعياد بلا عتاب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          فضائل من قال ١٠٠ مرة: (لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له...) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-06-2025, 03:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,493
الدولة : Egypt
افتراضي حجة الوداع والدروس المستفادة منها

حجة الوداع والدروس المستفادة منها

مطيع الظفاري
الحمد الله رب العالمين، الحمد لله القائل: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل سبحانه: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ [البقرة: 197]، وأشهد أن نبينا محمدًا رسول الله القائل: (خُذوا عني مناسككم)، أشهد أنه بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة ونصَح الأمة، وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقين من ربه، أشهد أنه تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يَزيغ عنها إلا هالك، أما بعد، فأوصيكم يا عباد الله ونفسي أولًا بتقوى الله، فاتقوا الله، يرحمكم الله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

أيها المؤمنون، إن الحج فريضة من فرائض الإسلام، فهو الركن الخامس من أركان الإسلام، لمن كان قادرًا ومستطيعًا، وتوفر له الزاد والراحلة، وأَمِنَ الطريق، ووجد المحرم بالنسبة للمرأة.

عباد الله، لقد وقف الرسول صلى الله عليه وسلم على جبلين عظيمين في مكة، وقف على جبل (النور)، وعلى (جبل عرفة)، فقد وقف الرسول صلى الله عليه وسلم على الجبل الأول جبل النور وفيه (غار حراء)، وفيه أُنزلت أول آية من القرآن، إنها آية (اقرأ): ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، ووقف الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك على الجبل الآخر جبل عرفة، جبل الرحمة، وفيه أُنزلت آخر الآيات: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

فلا إله إلا الله، فقد وقف الرسول صلى الله عليه وسلم على الجبل الأول جبل النور، وهو وحيد فريد في بداية الدعوة، فلم يكن معه في هذا الموقف أحد، وها هو اليوم يقف على جبل عرفة بعد (٢٣) سنة من الدعوة ومن الجهاد، ومن التضحية ومن الصبر ومن الثبات، وها هو الآن يخاطب ويحاضر أكثر من (120) ألف مسلم ومسلمة، وخلال مدة (٢٣) سنة استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُقيم دولة، وأن ينشُر رسالة، وأن يُحيي أمة، شعارها التوحيد ودثارها الوحدة، فقد ربَّى الرسول صلى الله عليه وسلم جيلًا علَّمه كيف يحيا، وكيف يموت وكيف يقود العالم، علَّمه كيف يصنع الحضارة، وكيف يكون في مقدمة الأمم.

أيها المسلمون، لما عزم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحج في هذا العام (عام ١٠هـ)، فرِح المسلمون بذلك، واستعدوا لذلك، ووافاه خلائق عديدة، وأفواج عظيمة من كل مكان، فقد كانوا يمشون عن شماله صلى الله عليه وسلم وعن يمينه، كأنه القمر وسط النجوم، فقد توجَّهوا جميعًا بقلوبهم إلى مكة مُلبين هاتفين وقائلين: (لبَّيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبَّيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، وهكذا سارعوا مع نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وأعينُهم لا تكاد تفارق رسولهم الكريم، ينظرون إليه ماذا يقول؟ وماذا يفعل؟ خطوة خطوة، وقدَم بقدم، حتى لا يفوتهم شيء من أفعاله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا ما وصلوا إلى ذي الحليفة ـ ميقات أهل المدينة ـ أحرَموا من هناك، ثم واصلوا التلبية بالحج، حتى وصلوا مكة المكرمة، وقد دخلها الرسول صلى الله عليه وسلم من أعلاها، ثم استلم الركن اليماني، وطاف وسعى حتى جاء يوم عرفة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخطب خطبته الشهيرة المدوية التي ما زال صداها مدويًا في الآفاق إلى يومنا هذا.

وها أنا أنقل إليكم هذه الخطبة على الهواء مباشرة، من جبل عرفات، من مسجد نمرة.

فقد قام رسول الله خطيبًا بعد ما حمد الله وأثنى عليه قائلًا:
أيها الناس، اسمعوا مني أبيِّن لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا.

أيها الناس، إن ربكم واحدٌ، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.

أيها الناس، إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرامٌ عليكم إلى أن تلقَوْا ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، فمن كانت له أمانة فليؤدِّها إلى مَن ائتمنه عليها، فإنه لا يحل مال أخيه إلا بطيب مِن نفسه، فلا ترجعوا بعدي كفارًا يَضرِب بعضكم رقابَ بعض، فإني قد تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا كتاب الله.

أيها الناس: إن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي هذا، ودماء الجاهلية موضوعة تحت قدمي هذا، وإن ربا الجاهلية موضوع، وإن أول ربا أضعه ربا عمي العباس، وإن أول دم أضعه دم عامر بن ربيعة.

أيها الناس، إن لنسائكم عليكم حقًّا، ولكم عليهن حقٌّ، فاتَّقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتُم فروجَهنَّ بكلمة الله، فعليكم رزقهنَّ وكسوتهن بالمعروف، فإنما النساء عَوانٌ عندكم - أي أسيرات.

ثم سألهم رسول الله في ختام هذه الخطبة: (وإنكم سوف تُسألون عني يوم القيامة، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأدَّيت، ونصحت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشير بإصبعه السبابة يرفَعها إلى السماء وينكتها للأرض، وهو يشير إلى الناس: اللهم فاشهَد، اللهم فاشهَد، اللهم فاشهد، ثلاث مرات).

ثم قام رسول الله، فصلى الظهر والعصر جمعًا، ثم استقبل القبلة يدعو حتى غرَبت شمس يوم عرفة.

فكانت هذه الخطبة إجمالًا وإليكم دروسها المستفادة منها بالتفصيل:
عباد الله، إن هذه الخطبة فيها دروس يشعُّ منها النور، لو تدبرها المسلمون وعملوا بما فيها، لكانت لهم ذلك سببًا في سعادتهم في الدنيا والآخرة، فلقد كرَّس الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة دعائم الحق والعدالة، ورسَّخ فيها معانيَ خالدة، لا تتغير أو تتبدل في أي زمان أو مكان، فلقد كانت خطبةً جامعة لوجوه الخير، والتسامح والمحبة وفضائل الأعمال، فلقد أظهر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبته هذه الرحمة والشفقة على أمته، والخوف على تفرقة الأمة من بعده، فبلَّغ الرسالة والأمانة التي حملها، وكلَّفه ربه بتبليغها، فكانت كل كلماتها حقًّا صدرت من نبي مرسل بحق.

عباد الله، إن خطبة حجة الوداع خطبة شاملة جامعة، وضع الرسول صلى الله عليه وسلم فيها دستورًا للحياة بعد موته، فقد وضع فيها القيم الأخلاقية والأصول المثالية، فلقد اشتملت هذه الخطبة على جوامع الكلم وأصول الأحكام السياسية والاقتصادية، وفي جانب الحياة الأسرية والأخلاقية، وفي العلاقات العامة والنظام الاجتماعي، فهي خطبة جامعة لأمر الدنيا والدين والآخرة.

فلقد اشتملت هذه الخطبة على الحق في الحياة، فحرَّم فيها القتل، وأبطل بها عادة الثأر، واشتملت على الحق في الأمن على النفس والمال والعرض، (الأمن الفردي والجماعي)، واشتملت كذلك على الحقوق الزوجية، وعلى تحقيق مبدأ الحق والمساواة، وعلى مبدأ العدالة.

عباد الله، لقد اشتملت هذه الخطبة على مبادئ عظيمة ومفاهيم عظمى نجملها في الآتي:
مبدأ تعميق الأخوَّة بين المسلمين وحرمة سفك دمائهم، أو نهب أموالهم، فقد فقال الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ؛ كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا.

إن الدمَ المسلم دم غالٍ عند الله جل وعلا، فهو أعظم حرمة عند الله من حرمة البلد الحرام والشهر الحرام، بل هو أعظم حرمة من الكعبة المشرفة نفسها، وأعظم قُدسية من بيت الله الحرام، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لأن تُهدم الكعبة حجرًا حجرًا أهونُ عند الله من إراقة دم امرئ مسلم)، والرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب مكة ويقول لها: (والله أنك أحبُّ البقاع إلى قلبي، وإنك أحب البقاع إلى الله، ولكن حرمة المسلم أعظم منك).

عباد الله،إن دماء المسلمين اليوم أصبحت أرخص الدماء، أصبح دم المسلم دمًا مهدورًا لا قيمة له، سواء مِن قِبَل أعداء الإسلام، أو مِن قِبَل المسلمين أنفسهم، فما يجري اليوم في بلاد المسلمين من سفك للدماء بين بعضهم البعض، أمر تبكي منه القلوب قبل العيون، فأصحاب الملة الواحدة اليوم يتقاتلون فيما بينهم على أتفه الأسباب! أما سمعوا قول ربهم: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الأنعام: 151]، فبأي حق يُقتل هؤلاء الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال من المسلمين؟! لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة وهو يعمِّق مبدأ الأخوة بين المسلمين: (أيها الناس، إنما المؤمنون إخوة، فلا يحل لامرئ مال أخيه إلا بالحق، إلا بطيب من نفسه)، فلماذا هذا النهب والسلب لأموال الناس بدون وجه حقٍّ، وبدون طيب نفس، سواء كان هذا المنهوب مالًا (نقودًا)، أو تجارة أو عقارًا، أو أرضًا أو بيتًا أو سيارة، كل ذلك حرام، ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 188]، فالرسول صلى الله عليه وسلم حذَّر من هذه الفتنة ومن هذا الاقتتال، فقال في خطبته هذه: (ألا لا ترجعوا بعدي كفارًا يَضرِب بعضكم رقابَ بعض)، وكأنَّ الحُجُب قد تكشفت للرسول ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 188]، وقد رأى ما سيحصل لهذه الأمة الإسلامية من بعده.

عباد الله، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يَظلمه ولا يَحقره ولا يَخذله، ولا يُسلمه، وكونوا عباد الله إخوانًا).

فالمسلمون إخوة، لا تفرِّقهم عصبية ولا حزبية ولا مذهبية ولا طائفية ولا قومية؛ كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10]، فهذان المفهومان العظيمان قد ركزت عليهما خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، وهو مفهوم مبدأ حُرمة قتل المسلم، وعدم أخذ ماله بدون حق، ومفهوم مبدأ تعميق الأخوة بين المسلمين، مفهوم الأمة الواحدة، ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92].

عباد الله، وقد ركزت هذه الخطبة أيضًا على مبدأ قطع العلاقة بالجاهلية، وهذا هو المبدأ الثاني: فلقد ربَّى الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة على قطع صلتهم بأمور الجاهلية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة: (ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية كذلك تحت قدمي موضوعة).

فقد أشارت خطبته هذه إلى قطع كل روابط الجاهلية بأوثانها وثاراتها ورباها وغيرها من المخالفات، ولم يكن ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجرد كلام، بل كان كلامًا وفعلًا، فقد أعلن هذا المبدأ وطبقه على نفسه أولًا أمام الجميع، فقال: (وإن أول دم أضعه من دمائنا دم عامر بن ربيعة بن الحارث)، وبهذا المبدأ ألغى قضية الثأر، ثم قال: (وإن أول ربا أضعه ربانا، ربا عمي العباس بن عبد المطلب)، وبهذا الفعل والمبدأ الاقتصادي ألغى الرسول صلى الله عليه وسلم قضية الفائدة والربا، فإن حياة المسلم الجديدة لابد أن تكون نظيفة من قاذورات الحياة القديمة، فحياة المسلم الجديدة لا علاقة لها برجس الماضي أو أدرانه، وبهذا المبدأ - مبدأ قطع العلاقة بأمور الجاهلية - عالج الرسول صلى الله عليه وسلم القضايا الاجتماعية المتمثلة بقضية الثأر، وعالج القضايا الاقتصادية المتمثلة بقضية الربا.

ثم ركز الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبته هذه على مبدأ المساواة بين البشر، وهذا هو المبدأ الثالث، فقد قال عليه الصلاة والسلام في هذه الخطبة: (إنه لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى).

بهذه الكلمات وبهذه العبارات القليلة الموجزة، ألغى الإسلام كل الطبقات، فلا طبقية ولا وطنية ولا قومية إلا الإسلام، فلا عبرة بالجنس ولا باللون، ولا بالوطن، فجميع البشر سواسية كأسنان المشط، لا تفاضل بينهم إلا بالتقوى والعمل الصالح، فلا منصب ولا قبيلة ولا مذهب ولا شعب أفضل من شعب، (فكل الناس من آدم، وآدم من تراب)، لا تفاضل بين الجميع، (ومن أبطأ به عملُه لم يُسرع به نسبُه)، فالنسب ليس سببًا لدخول الجنة، إنما هو العمل الصالح.

فلقد رفع الإسلام سلمانَ فارسًا
ولقد وضَع الشركُ الشريفَ أبا لَهب




﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، فهو عليم بأحوال عباده، خبير بما يصلح لهم في الدنيا والآخرة.

عباد الله، ثم ركزت خطبته صلى الله عليه وسلم على مبدأ عظيم من مبادئ الإسلام، وهو مبدأ حق الضعيف مبدأ حق المرأة، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فاتَّقوا الله في النساء، استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهنَّ عَوان عندكم...)؛ أي: أسيرات.

عباد الله، إن الإسلام قد ضمِن حقَّ المرأة، فإن المرأة قبل الإسلام كانت عبارة عن سلعة تباع وتُشترى، طبعًا هذا إذا بقيت على قيد الحياة، وإلا فقد كانت تُدفن وتُوْأَد وهي حية، خوفًا من الفقر وخوفًا من العار، لذلك في هذه الخطبة وفي لحظات الوداع لم ينسَ الرسول صلى الله عليه وسلم حق هذا الضعيف، فقد أمر بالرفق بهن، ورفع الظلم عنهنَّ، فقال عليه الصلاة والسلام: (استوصوا بالنساء خيرًا).

عباد الله، إن الإسلام ضمن حق المرأة في كل مراحل حياتها، فقد ضمِن حقها وهي طفلة، ثم وهي بنت، ثم وهي أخت، ثم وهي زوجة، ثم وهي أُم، فالإسلام أعطاها حقها منذ ولادتها إلى أن تموت، فقد ضمن الإسلام حقها في الرضاعة وفي الرعاية، وفي حق الزواج، فلا تزوَّج إلا برضاها، فالإسلام ضمن حق المرأة في الحياة وفي الرعاية، وحقها في المهر والصداق، وفي النفقة والسُّكنى، ضمن حقها في طلب الطلاق أو الخلع إذا تعذَّرت الحياة الزوجية.

وقد كفل الإسلام كذلك حقَّها ونصيبها في الميراث، فالإسلام أعطى جميع حقوق المرأة، ولم يعطِ أي دين أو نظام حقوقًا للمرأة مثل نظام ودين الإسلام، فالإسلام ورسولُ الإسلام أعطى حق المرأة منذ 1400 سنة، وما نسمعه اليوم من شعارات أو أبواق شاذة من بعض المنظمات من الذين يطالبون بحقوق المرأة، فإن الإسلام قد فرَغ من هذه المطالب، وأعطاها حقها قبل أن يولد هؤلاء على الحياة.

بل لقد أفرد الله وأنزل سورة كاملة وسماها بـ(سورة النساء)، فصَّل فيها وبيَّن، وأعطى فيها كل حقوق النساء، فقد قال الله في بداية هذه السورة، بعد الأمر بالتقوى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، والأرحام هي النساء.

ثم ذكر الله في هذه السورة حق المرأة في المهر والصداق، وحقها في الزواج، وحقها ونصيبها في الميراث، وضمن حقَّها في الميراث كالرجل، فكما أنَّ للرجال ميراثًا، فللنساء كذلك ميراث، مثلها مثل الرجل: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾ [النساء: 7]، قليلًا كان أو كثيرًا، شبرًا كان أو ذراعًا، مترًا كان أو قَصَبَة، (نصيبًا مفروضًا) من الله، فهو حُكمٌ نافذٌ نزلَ من فوق سبع سماوات، لا تبديلَ أو تأخير لحكم الله، فالذي يأكل حق المرأة ولا يؤدي حقها، ولا يعطي نصيبها من الميراث، فهو آثمٌ، فهو إنما خالف تعاليمَ الإسلام، وأنكر هذه الآية، وقدَّم قولَه وطمعه وجشعه على كلام الله.

ثم ذكر الله في سورة النساء حقوق المحارم، ثم ذكر فيها أحكام الطلاق إذا تعذرت الحياة الزوجية، بعد الأمر بالإصلاح بين الزوجين، ثم أجاب على بعض أسئلة واستفتاء النساء بعد آية: ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ... ﴾ [النساء: 127]، ثم ختم الله هذه السورة أيضًا بأحكام الميراث، فقد بدأ في أول السورة بذكر ميراث الأمهات والزوجات والبنات، ثم ذكر في نهاية السورة أحكام ميراث الأخوات، ثم ختم الله هذه السورة بقوله تعالى: ﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النساء: 176]؛ أي: يبيِّن الله لكم هذه الأحكام ويوضحها لكم؛ حتى لا تضلوا وتنحرفوا عن هذا الطريق المستقيم المرسوم لكم، فهو بكل شيء عليم، عليم بمصلحتكم في الدنيا والآخرة.

قلت ما سمعتُم، فاستغفروا الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم..

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين؛ أما بعد:
فعباد الله، ثم وجَّه الرسول صلى الله عليه وسلم أُمته في خطبته هذه الجامعة والمانعة، وجَّهَ أُمته في تحديد وتوحيد وحصر مصدر التلقي، وهو كتاب الله وسنة رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: (وأنا تاركٌ فيكم ثقلين، أولهما كتابُ الله، ففيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، والثاني سنتي).

عباد الله، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الدواء، ووصف العلاج لهذه الأمة بعد موته، فلا حل لأي مشكلة، ولا خروج من أي مصيبة إلا بالرجوع إلى مصدرين أساسيين؛ هما: كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].

فأين أمة محمد من كتاب الله وسنة رسول الله في حل مشاكلها الداخلية والخارجية، السياسية منها والاقتصادية، الدنيوية منها والأخروية، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد وصف لنا هذا الدواء وهذا العلاج، فقال عليه الصلاة والسلام: (تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا؛ كتابَ الله، وسنتي).

فهذا هو العلاج الدائم والعلاج الناجع، والنافع لكل الأمراض والمشاكل التي تواجه العالم اليوم...

عباد الله في الختام، لقد اجتازت تعاليمُ الرسول صلى الله عليه وسلم وهديَه حدودَ الجزيرة العربية، واخترقت كلماتُه حواجز الزمن، وأسوار القرون، فلقد ظل يتردد صدى هذه التعاليم، وأثير موجات هذه الخطبة حتى يومنا هذا، وإلى أن يرث اللهُ الأرض ومن عليها، فإنه صلى الله عليه وسلم في خطبته هذه لم يكن يخاطب سامِعِيه فقط، فلم يكن يقول لهم: أيها المؤمنون، أو يا أيها المسلمون، أو يا أيها الحجيج، أو يا أيها الحضور، لا، وإنما كان يقول لهم: (أيها الناس)، وقد كرر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه العبارة (أيها الناس) عدة مرات في خطبته هذه، فهو نداء للناس كافة، وخطاب للعالم أجمع، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يخصص خطابه هذا بزمان ولا بمكان، ولم يقصد به جنسًا أو بلدًا أو لونًا معينًا دون غيره، كلا، بل كان خطابًا لجميع البشرية في كل زمان ومكان، فقد كان خطابًا لمن حضر هذه الخطبة، في نفس الموقف وفي نفس العام، وكذلك كان خطابًا لمن لم يحضر هذا المشهد في كل زمان ومكان، وها نحن اليوم وبعد أكثر من 1445 سنة، نعيد هذه الخطبة وننقلها، وكأننا نسمعها من فمه صلى الله عليه وسلم، نسمعها كأنها غضةٌ طرية، وكأننا حاضرون في ذاك المكان، ونعيش في ذاك الزمان، وهذه معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم، فإن الله قد أرسله للناس كافة، وبعثه للعالَم أجمع، ﴿ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ﴾ [النساء: 79]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

عباد الله أيها الناس، فهذه هي خطبته صلى الله عليه وسلم، (خطبة الوداع)، بعدها أفاض رسولُ الله من عرفات بعد غروب الشمس، ثم بات في مزدلفة، ثم أصبح في مِنى، ثم نحر رسول الله (٦٣) بدنة، وهي رمز لعمره ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، فلقد عاش عليه الصلاة والسلام (٦٣) سنة، ثم رمى الجمرات الثلاث، وبعد انتهائه عليه الصلاة والسلام من جميع مناسك الحج، رجع للمدينة، فلما رأى رسول الله المدينة كبَّر ثلاثًا، وقال: (لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، آيبون تائبون، عابدون، لربنا حامدون، صدق اللهُ وعده، ونصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده)، ثم دخلها نهارًا عليه الصلاة والسلام.

عباد الله، وبانتهاء هذه الرحلة الإيمانية، انتهت مرحلة النضج عند الأمة الإسلامية عامة، وعند الصحابة خاصة، فلقد كانوا قد تعلموا كلَّ شيء عند أمور دينهم، وعن عقيدتهم، فإنه لم يتبقَّ لهم أن يتعلموه من أمور دينهم إلا الحج، وها هم اليوم قد تعلموا مناسك الحج، وقد أكملوا دينهم، فكان لزامًا منه صلى الله عليه وسلم قبل مغادرة الدنيا أن يُكمل لهم الدِّين، وقد تَم بحمد الله إتمام هذا الدين، وإكمال إبلاغ الرسالة، عندها نزلت آية إكمال الدين، وآية إتمام النعمة على هذه الأمة بمبعث رسول الأمة، عندها نزلت آية التمام، وآية الكمال، أنزل الله قوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، وبنزول هذه الآية اكتمل هذا الدين، وانتهت مهمة إبلاغ الرسالة، فلم يعِش رسول الله بعد حَجته هذه إلا ثلاثة أشهر، ثم توفاه الله تعالى، ولحِق بالرفيق الأعلى، صلى الله عليه وسلم.

وقد شهد الصحابة (عليهم الرضوان)، وشهد الحاضرون أجمع، شهدوا كلهم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بإتمامه لهذا الدين، وبإبلاغه الرسالة التي كلَّفه الله بإبلاغها للناس، فقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ختام هذه الخطبة: (وإنكم سوف تُسألون عني يوم القيامة فما أنتم قائلون عني؟ قالوا: نشهد أنكَ قد بلَّغتَ، وأدَّيتَ، ونصحتَ، فقال (رسول الله) وهو يشير بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها للأرض، وهو يشير إلى الناس: اللهم فاشهَد، اللهم فاشهد، اللهم فاشهد، ثلاث مرات).

وأنا وأنتم يا عباد الله نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح لهذه الأمة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، حتى أتاه اليقين والموت من ربِّه، فجزى الله نبينا محمدًا خيرَ الجزاء، جزى الله نبينا محمدًا خيرَ ما جزى اللهُ نبيًّا عن أُمته.

وهذا وصلُّوا وسلِّموا على رسولكم الكريم، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه من يومنا هذا إلى يوم الدين، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

اللهم أعزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعلِ راية الحق والدين، اللهم مكِّن لدينك ولكتابك ولسنة نبيك، ومكِّن لعبادك الصالحين، اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحِّد صفهم واحقِن دماءهم، ووَلِّ عليهم خيارهم، اللهم اجعلهم إخوةً متحابين، وعلى نصرة الحق مجتمعين يا رب العالمين.

اللهم ردَّنا إليك ردًّا جميلًا، ردنا وردَّ جميع المسلمين إلى دينك ردًّا جميلًا، ردَّنا جميعًا إلى كتابك وإلى سنة نبيك، يا أكرم الاكرمين.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، وارحَم موتانا وموت المسلمين يا رب العالمين.

سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.62 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.49%)]