|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ﴿ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ ﴾ د. خالد النجار يقول تعالى في سورة آل عمران: ﴿ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آل عمران: 153]. ﴿ إِذْ ﴾ اذكروا ﴿ تُصْعِدُونَ ﴾ تفرُّون مصعدين، من الإصعاد؛ وهو الإبعاد في صعيد الأرض، و«صعدة»: اسم من أسماء الأرض. قال القرطبي: فالإصعاد: السير في مستوٍ من الأرض وبطون الأودية والشعاب. والصعود: الارتفاع على الجبال والسطوح والسلالم والدرج. والمعنى: ﴿ إِذْ تُصْعِدُونَ ﴾: تذهبون في صعيد الأرض فارِّين من المعركة حيث وقعتم في الفوضى والاضطراب، وأصبحتم تسيرون في بطن الوادي لَا تقصدون، ولا تبتغون أمرًا، ولا تتبعون غاية أيًّا كانت، بل تضربون في الأرض وتخبطون خبط عشواء. ﴿ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ ﴾ لا تلوون رؤوسكم- من الدهش والروعة- ﴿ عَلَى أحَدٍ ﴾ تلتفتون إليه هربًا؛ فهو هو من ليِّ العنق، فلا يلوي أحد على أحد منكم- فأوجز بالحذف- ولا يرحم أحد أحدًا ولا يرفق به، وهذا تمثيل للجد في الهروب حتى إن الواحد ليدوس الآخر لو تعرض في طريقه. ﴿ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ﴾ في آخر الجيش من ورائكم؛ أي يناديكم من خلفكم: إليَّ عباد الله، ارجعوا إليَّ عباد الله، ارجعوا. • وفيه: حسن رعاية النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأمته في قيادته العظيمة حيث يكون في أخريات القوم، وهذا شأنه صلوات الله وسلامه عليه، أن يكون في أخريات القوم من أجل أن يتفقدهم، وليس كالملوك الذين يتقدمون الناس، بل هو يتأخر، كما حصل في قصة جمل جابر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حيث كان النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أخريات القوم، وقد أعيا جمل جابر، فلحقه النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضربه ودعا له، فمشى الجمل. • وفيه دلالة عظيمة على شجاعة رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فإن الوقوف على أعقاب الشجعان وهم فرار والثبات فيه إنما هو للأبطال الأنجاد، وكان رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشجع الناس.. قال سلمة: كنا إذا احمرَّ البأس اتقيناه برسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ﴿ فَأَثَابَكُمْ ﴾ أثاب معناه: أعاد وأعقب ما ارتكبوه كنتيجة ﴿ غَمًّا بِغَمٍّ ﴾، فمعنى الثوب عودة الشيء ورجوعه إلى الأمر الذي كان مقدرًا له على أنه غايته ونتيجته.. والمعنى: فجازاكم الله تعالى بما صنعتم من الهرب والفرار. قال أهل العلم: "لفظ «الثواب» لا يستعمل في الأغلب إلا في الخير، ويجوز أيضًا استعماله في الشر، قال تعالى: ﴿ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المطففين: 36]؛ لأنه مأخوذ من قولهم: ثاب إليه عقله؛ أي: رجع إليه. قال تعالى: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ ﴾ [البقرة: 125]، والمرأة تُسَمَّى ثيبًا؛ لأن الواطئ عائد إليها. وأصل الثواب كل ما يعود إلى الفاعل من جزاء فعله؛ سواء كان خيرًا أو شرًّا، إلا أنه بحسب العرف اختص لفظ الثواب بالخير. فإن حملنا لفظ الثواب ها هنا على أصل اللغة استقام الكلام، وإن حملنا على مقتضى العرف كان ذلك واردًا على سبيل التهكُّم، كما يقال: تحيته الضرب وعتابه السيف؛ أي: جعل الغم مكان ما يرجون من الثواب على حد: ﴿ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ ﴾ [آل عِمْرَان: 21]"، وقال ابن عاشور: "وفي هذا الوجه من التهكُّم بُعْد؛ لأن المقام ملام لا توبيخ، ومقام معذرة لا تنديم". ﴿ غَمًّا بِغَمٍّ ﴾ والغمُّ أصل معناه في اللغة التغطية، ومنه غُم الهلال إذا غطاه الغمام فلم يُرَ، والغم ألم النفس وضيق الصدر، ويطلق على الألم الذي يغطي العقل والإحساس والمشاعر، والذي يكون الشخص معه في حال استسلام لا يدري ما الخلاص منه، فهو من الغُمَّة. ﴿ غَمًّا بِغَمٍّ ﴾ فيه قولان: أحدهما: غمّ على غمٍّ ولا يلزم أن تكون متتابعة بل كلما فات غم أتى غم آخر. والثاني: غمّ مع غمٍّ «باء المصاحبة»؛ أي: غمّ موصول بغم فهي غموم متتابعة لم يفصل بينهما فاصل. فعلى الأول: جازاكم على معصيتكم وفراركم غمًّا على غم. وسبب الغم الأول فوات النصر والغنيمة، والثاني: القتل والجراحات وخاصة جراحات نبيِّهم، وإذاعة قتله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وعلى الثاني: قال القفَّال: وعندنا أن الله تعالى ما أراد بقوله: ﴿ غَمًّا بِغَمٍّ ﴾ اثنين، وإنما أراد مواصلة الغموم وطولها؛ أي: إن اللهَ عاقبكم بغموم كثيرة، مثل قتل إخوانكم وأقاربكم [ومن شجعانهم حمزة-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-]، ونزول المشركين من فوق الجبلِ عليكم، بحيث لم تأمنوا أن يهلك أكثركم [وجرح النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإشاعة قتله]، ومثل إقدامكم على المعصيةِ، فكأنه تعالى قال: أثابكم هذه الغمومَ المتعاقبةَ؛ ليصير ذلك زاجرًا لكم عن الإقدام على المعصية، والاشتغال بما يخالف أمرَ الله تعالى. ﴿ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا ﴾ لتتمرنوا بالصبر على الشدائد، والثبات فيها، وتتعودوا رؤية الغلبة والظفر والغنيمة﴿ عَلَى مَا فَاتَكُمْ ﴾ من الغنائم ﴿ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ﴾ من الموت والجراحات والآلام والأتعاب. أي: ألهاكم بذلك الغم لئلا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة، وما أصابكم من القتل والجراح، فهو أنساهم بمصيبة صغيرة مصيبة كبيرة؛ لأن الغم الأكبر ينسي الغم الأصغر؛ فمثلًا: إذا فاتهم النصر فهذا غم بلا شك، لكن إذا قتل نبيهم عليه الصلاة والسلام هذا أشدُّ غمًّا، فلما أشيع أنه قتل نسوا الغمَّ الأول ولم يحزنوا عليه؛ لأنهم أصيبوا بغمٍّ أكبر. فإذا جاء الفرج وتبين أن الرسول- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد بقي، زالت الغشاوة كلها، فيكون هذا من لطف الله بهم أنه يصيبهم بمصائب تنسيهم المصائب الأولى، ثم بعد ذلك تنفرج، وهذا من رحمته- عزَّ وجل- وعنايته بالصحابة والنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ﴿ وَاللّهُ خَبِيرٌ ﴾ خبير مأخوذ من الخبر؛ وهو العلم ببواطن الأمور، ومنه سمي الزارع خبيرًا؛ لأنه يدفن الحَبَّ ويخفيه. فالأصل أن هذه المادة تدل على الخفاء، فالخبير هو العليم ببواطن الأمور، والعليم ببواطن الأمور عليم بظواهر الأمور من باب أولى. ﴿ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾؛ لأن المراد بالخبرة هنا ما يترتب عليها من الحساب، فهي جملة خبرية تفيد التهديد؛ لأن الله عز وجل لا يحاسب إلا على العمل. أما حديث النفس فلا يحاسب عليه، ولو حدث الإنسان نفسه بفعل المعاصي أو ترك الواجبات ثم لم ينفذ فإنه لا يحاسب. والمعنى: عالم بجميع أعمالكم وقصودكم ودواعيكم، قادرٌ على مجازاتها، وهذا زَجْرٌ للبُعْدِ عَنِ الإقْدَامِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. وخص العمل هنا وإن كان تعالى خبيرًا بجميع الأحوال من الأعمال والأقوال والنيات، تنبيهًا على أعمالهم من تولية الأدبار والمبالغة في الفرار، وهي أعمال تخشى عاقبتها وعقابها. يخبرهم تعالى أنه بكل ما حصل منهم من معصية وتنازع وفرار، وترك للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المعركة وحده وانهزامهم وحزنهم.. هو تعالى خبير مُطَّلع عليه عليم به، وسيجزي به المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أو يعفو عنه، والله عفو كريم. وقال في زهرة التفاسير: "ذيل الله سبحانه وتعالى الآية الكريمة بهذا النص للإشارة إلى أن ما وقع كله كان في علم الله، يعلمه علمًا دقيقًا، قد أحصى فيه كل أعمالكم قبل وقوعها، وقدر نتائجها ونهاياتها، وما يعقبه بعد ذلك من عبرة يحملكم على الطاعة المطلقة للقائد الحكيم الذي يهديكم سبيل الرشاد، وأنه لا نصر مع المعصية، ولا هزيمة مع الطاعة واحتساب النية، والله بكل شيء محيط".
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |